- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (004)سورة النساء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله تعالى يأمر عامة الناس بالإيمان به فإذا آمنوا به يأمرهم بتفصيلات الشريعة :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثلاثين من دروس سورة النساء، ومع الآية التاسعة والخمسين، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
أيها الأخوة أعيد وأكرر: إن الله سبحانه وتعالى يأمر عامة الناس بالإيمان به، فإذا آمن به الإنسان يأمره بتفصيلات الشريعة، وأية آية في القرآن الكريم تتصدر قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
أي يا من آمنتم بي، يا من عرفتموني، يا من آمنتم بعلمي، وبحكمتي، وبرحمتي، وأن أمركم كله بيدي، وأن مصيركم إلي، وأنكم خلقتم للجنة لا للدنيا:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
تنطوي على كل هذه المعاني، الذي آمن بالله خالقاً، ورباً، ومسيّراً، وآمن به موجوداً، وواحداً، وكاملاً، آمن بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، آمن أن الأمر كله بيده، آمن أن الله في السماء إله وفي الأرض إله، آمن أنه إليه يرجع الأمر كله، آمن أن سعادة المرء بالله وشقائه بالله، وأن الله وحده يرفع، ويخفض، ويعطي، ويمنع، ويعز، ويذل.
الذي خلق الإنسان هو الخبير :
قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
يقتضي إيمانكم بي أن تطيعوني، أنت ببساطة بالغة حينما تقتني حاسوب، ويصاب بالخلل إلى من تذهب؟ بالتأكيد لا تسأل أمك الكريمة على أنك تحبها حباً جماً، لكنها أمية، لا تسألها عن طريقة عمل هذا الجهاز، لا تسأل جاراً لك يعمل في بيع الخضار مـع أنك تحبه، لا تسأل إلا مندوب الشركة الخبير، ببساطة ما بعدها بساطة أنت أمام آلة تحرص على سلامتها، وأداء عملها، وإنجازها، أنت مع آلة بسيطة تحرص على ثمنها وسلامة أدائها لا تتلقى توجيهاً إلا من صانعها، أو من ينوب عنه، ولا تقبل أي إنسان.
أذكر مرة قصة بسيطة لكنها ذات دلالة: ذهب رجل لإصلاح مركبته، الذي يصلح المركبة ألغى قطعة، ورماها في الأرض، وقال: هذه لا فائدة منها، فصاحب المركبة لا يستطيع أن يناقشه! لأنه يجهل حقائق الميكانيك، لكن قال له: أنا لا أصدق أن خمسة آلاف مهندس يعملون في هذه الشركة التي يزيد عمرها عن مئة عام أنك أبلغ منهم في فهمك لطريقة عملها! أرجعها!
فالذي خلق الإنسان هو الخبير، خلقه من لا شيء، ركب جسمه وخلقه في أحسن تقويم، الذي خلق نفسه، وأعطى نفسه خصائصها، هذا الإله العظيم إذا قال لك: غض بصرك، وأهل الأرض الآن يقولون لك بلسان حالهم: انظر هذه المرأة، كما تريد تراها في كل مكان، محصلة الفريق الذي عبد الله سعادة وجنة، ومحصلة الفريق الذي عصى الله شقاء وجهنم، لذلك قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
إن أطعت الله حققت سلامتك وسعادتك :
من قبيل مصلحتك، وحرصك على سلامتك وسعادتك وتقدمك ينبغي أن تطيع الله عز وجل، يا أيها الذين آمنوا يقتضي إيمانكم أن تطيعوني، انطلاقاً من حبك لذاتك، وسلامتك، وكمالك، واستمرار ذاتك ينبغي أن تطيع الله، لأنه الخبير، ذلك لأن العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، في الأديان الوضعية ربما لا تجد علاقة بين الأمر وبين نتائجه، حركات وسكنات وتمتمات وطقوس لا معنى لها، ولا علاقة لها بالحياة إطلاقاً، أما في هذا الدين العظيم أمرك أن تكون صادقاً، ونتائج الصدق لا تعد ولا تحصى، إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً.
أمرك أن تكون صادقاً وأميناً، والأمانة غنى، لا يغتني من اغتنى إلا بسبب أمانته، وأن تكون عفيفاً، وكل فضائح الأرض سببها الخيانة مع المرأة، وما من إنسان يصاب بمقتله إلا بسبب معصيته في علاقته مع النساء! وفضائح الأرض لا تزيد عن أن تكون فضائح مالية أو جنسية، لذلك الذي يأمرك الله به لسلامتك وسعادتك وخلودك في الجنة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾
في الحديث القدسي الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَال:
((.. يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً... إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ..))
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾
يجب أن تعلم علم اليقين أنك إن أطعت الله تحقق سلامتك وسعادتك، وإن عصيته تكون سبباً في شقائك في الدنيا والآخرة.
طاعة الله واجبة علينا لأنه الذي خلقنا :
قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
أطيعوا الله لأنه الذي خلقكم:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
لأنه الخالق والعليم والخبير والرحيم، ولأنه خلقكم لجنة عرضها السماوات والأرض، لأنه خلقكم ليسعدكم.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليسعدهم، في موضوع دقيق جداً: النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون الشر منسوباً إلى الله، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ:
((.... وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ...))
ما هو الشر؟ الشر مختص بمخلوقين اثنين هما الإنس والجن، لأنهما مخلوقان أودعت فيهما الشهوات، أعطيا عقلاً ومنهجاً.
الشهوات سلم نرقى بها إن أوقعناها وفق منهج الله :
ما هي السلامة؟ أن تتحرك بشهواتك وفق منهج الله عن طريق المقود الذي هو عقلك، والمثل بسيط، تركب مركبة فيها محرك، وطاقة، وشهوات، وروح، وقوة محركة، هذه المركبة بالمحرك والطاقة تندفع، الاندفاع أعمق، مهمة العقل أن يوقع حركة هذه المركبة على الطريق المعبد، فتنتقل بهذه المركبة إلى أهدافك البعيدة، وأنت في راحة ويسر، أما إذا تعطل المقود والطريق فيه منعكسات كثيرة، والمحرك مندفع، فالحادث حتمي، أي أن أي إنسان عطل عقله، وانطلق بشهواته فلا بد أن يرتكب المعاصي، والمعاصي في معظمها معاص في كسب المال، ومعاص في العلاقة بالنساء، العقل مهمته أن يوقع الحركة على منهج الله، ومنهج الله هو شرع الله، والحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، لو أن هناك منهج ومقود، لكن لا يوجد محرك، لا قيمة للمقود، ول قيمة للمنهج، من هنا قال الله عز وجل:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
فشهوات أودعها الله فينا، وعقل جعله الله أداة معرفته والسلامة، وشرعٌ سنَّه الله لنا، وأنت مخير في النهاية، فتعريف الشر كائن أودعت فيه الشهوات، منح عقلاً لم يستخدمه، ومنهجاً لم يسر عليه، فلو استخدم عقله بلا منهج لا بد من الشقاء، كالأوروبيين استخدموا عقولهم أروع استخدام، لكن ليس معهم منهج يسيرون عليه، فزين لهم عقلهم الانحلال، والفساد، والعدوان، وكسب الأموال اغتصاباً، وقهر الناس ظلماً، عقولهم قادتهم إلى هذا، عقولهم متفوقة جداً من دون منهج يتحركون عليه، والمسلمون عطلوا عقولهم مع أن منهجهم بين أيديهم، وكلا الطرفين فيه شهوات مستعرة تدفعهم اندفاعاً، فإما إلى الهاوية، وإما إلى نعيم مقيم، لذلك الشهوات سلم نرقى بها إن أوقعناها وفق منهج الله، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
تعريف الشر :
ما هو الشر إذاً؟ حركة اندفاع قوي بلا مقود أو بلا منهج أو من دون كليهما! مركبة مصنوعة في أفضل مصنع، لو أن الذي يقودها شرب الخمر، وهوى في واد سحيق، هل نقول: هذا الشر من صنع المعمل الذي صنع المركبة؟ مستحيل، هذا الشر ناتج من سوء استخدامها، هذا الشر ناتج عن أن الذي قادها لم يتبع تعليمات الصانع، وهي البعد عن الشكر.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ:
((.... وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ...))
مثل آخر: قد تضع على الطاولة مسحوقاً من الملح، ومسحوقاً من السكر، ومسحوقاً من المواد المنظفة، المواد كلها جيدة، وثمينة، ولها قيمة في حياتنا، ما هو الشر؟ أن تضع مسحوق الغسيل في الطبخ، فلا تأكله! أو أن تضع الملح في الشاي فلا تشربه، أو أن تضع السكر لجلي الصحون، فلا يتم تنظيفها، فالشر سوء استخدام سلبي، وليس إيجابياً، لذلك قالوا: الشر المطلق لا وجود له في الكون، لأن الله ذات كاملة، لكن في مخلوق الله عز وجل خلقه، وكرمه، ومنحه حرية الاختيار، وأودع فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، أعطاه منهجاً هو الشرع الحكيم، وأعطاه عقلاً ليكون مقوداً له، عطل عقله، أو ألغى شرعه، أو ألغى عقله وشرعه، واندفع بشهواته اندفاعاً أعمى، لا بد من أن يقع بالعدوان، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تنطلق بقوة شهواتك من دون منهج وعقل دون أن تعتدي على الآخرين، وهذا الذي ترونه وتسمعونه كل يوم قوة طاغية وشهوات مستعرة واندفاع أعمى، فلا بد أن ينهبوا ثروات العالم، وأن يعيشوا على حساب بقية الشعوب، ولا بد أن يغتنوا على حساب الشعوب، ولا بد أن يطمئنوا على إخافة الشعوب، وأن يبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، مستحيل أن تندفع بقوة الشهوة من دون منهج، ومن دون مقود، ومن دون عقل يردعك، ومن دون منهج تسير عليه إلا أن ترتكب الجرائم تلو الجرائم دون أن تشعر، فالشر لا يكون إلا من مخلوق أعطي الاختيار، أودعت فيه الشهوات، ووضع له منهج، أعطي العقل، شهواته متحركة مندفعة اندفاعاً أعمى، عطل عقله، ولم يعبأ بالمنهج، واختار أن يروي شهواته تروية من دون أمر أو نهي، فكان الذي ترونه من فساد.
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾
من يعزو الشر إلى الله يقع في عقيدة فاسدة :
الفساد لا يحتاج إلى خالق، لأنه سلبي. أوضح مثلاً: قد تجد مركبة رائعة تقول: والله الذي صممها مهندس ذوقه رفيع، خطوط السيارة، انسياب خطوطها، ألوانها الرائعة، أما إذا وقعت في واد هل تقول أي مصنع صنعها هكذا؟ لا، لا تحتاج هذه إلى مصنع، لأن الشر سلبي، هذا بسبب أن الذي قادها كان مخموراً، لذلك هذا الذي يعزو الشر إلى الله واقع في عقيدة فاسدة.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ:
((.... وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ...))
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ﴾
ما قال والشر:
﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾
لأنه الخالق، والمربي، والمسير، والعليم، والحكيم، والقدير، واللطيف، والغني، والرحيم، لذلك المؤمن حينما يقرأ القرآن ينبغي أن يقف عند الآيات التي فيها أمر له! وحبذا لو أن الواحد منا يقرأ القرآن على نسخة خاصة يضع خطاً تحت كل أمر، وخطاً تحت كل نهي، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب.
الإنسان مأمور أن يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالاً :
قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾
سيدنا عمر كان وقّافاً عند أمر الله وكتابه، أطيعوا الله في قرآنه قال:
﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
ما الفرق بين قول الله عز وجل:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾
وبين:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
الفرق كبير، إنك مأمور أن تطيع رسول الله استقلالاً، حينما يصح عندك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح يأمرك بكذا، وينهاك عن كذا، ينبغي أن تسارع إلى طاعة رسول الله من دون أن تقول في نفسك: ما سند هذا الأمر من كتاب الله؟ إنك مأمور أن تطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالاً، لقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
القرآن فيه كليات ولكن الذي بيَّن وفصَّل هو النبي عليه الصلاة والسلام :
هؤلاء الذين يريدون التقليل من قيمة السُّنة يخالفون القرآن الكريم، هؤلاء الذين يسمون الآن القرآنيين يريدون أن يكتفوا بالقرآن، مع أن الله سبحانه وتعالى عصم نبيه صلى الله عليه وسلم من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته، ثم أمرنا أن نأخذ منه.
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
لولا سنة النبي كيف نصلي؟ وكيف ندفع زكاة أموالنا؟ وكيف نعرف مناسك الحج؟ قال تعالى:
﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾
القرآن فيه كليات، ولكن الذي بيَّن وفصَّل هو النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء هذا في القرآن الكريم:
﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
أطيعوا الله في قرآنه، لأن القرآن قطعي الثبوت، وأطيعوا الرسول في سنته الصحيحة، لأن سنة النبي عليه الصلاة والسلام بعضها قطعي الثبوت، وبعضها ظني الثبوت، فنحن مأمورون بأن نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته التي هي قطعية الثبوت، أي سنته الصحيحة، لذلك ما من إنسان صح عنده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخالفه إلاّ عصى الله.
(( مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي...))
طاعة رسول الله فرض عين على كل مسلم بصرف النظر عن علاقتها بالقرآن :
طاعة رسول الله فرض عين على كل مسلم، بصرف النظر عن علاقتها بالقرآن، لست مكلفاً أن تحاسب النبي من أين جاءك بهذا الأمر، لأن الله يقول لك:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
أما لو قال: أطيعوا الله والرسول صارت طاعة رسول الله مقيدة بطاعة الله! ينبغي أن يكون لهذا الحديث أصل في القرآن الكريم. لا شك أن أوامر النبي مما فهمه من كتاب الله، لكن نحن ربما لا نعرف من أين استقى النبي هذا الأمر.
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
أنت في مجتمع فيه شخصيتان مهمتان، عالم وأمير، عالم وحاكم، مهمة العالم أن يبين لك الأمر، ومهمة الحاكم أن ينفذ هذا الأمر، كما يقال الآن في المجتمعات الحديثة: جهة تشريعية، وجهة تنفيذية، فالعلماء بالدين العلماء الربانيون يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، لذلك حينما يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
طاعة أولي الأمر مقيدة بطاعة رسول الله، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إن كان أميراً أو عالماً أمرك أن تقطع رحمك! لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أوضح شاهد على ذلك، أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية، وأمّر عليها أنصارياً عرف فيما بعد أنه صاحب دعابة، هذا الأنصاري أمر أن تضرم نار عظيمة فأضرمت، فقال لأصحابه: ألست أميركم؟ قالوا: نعم، قال: أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: اقتحموها، قال بعضهم: كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها؟ ترددوا، عرضوا ذلك على النبي عليه الصلاة والسلام فقال: والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف.
طاعة أولي الأمر منا مرتبطة بطاعة رسول الله :
الآن ما سوى أمر الله في قرآنه، مما سوى سنة النبي الصحيحة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، طاعة أولي الأمر مرتبطة بطاعة رسول الله، بل إن بعض العلماء قالوا: لا يمكن، ولا يصح، ولا يقبل أن يكون أولوا الأمر الظالمون قد أمرنا بطاعتهم مع طاعة الله ورسوله قال:
﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
هم منكم، هذا العالم منكم، الأمير منكم، يحرص على سلامتكم، وتقدمكم، وسعادتكم، وسلامة دينكم، وآخرتكم، وأخلاق شبابكم، وزواج بناتكم، وتوافر الأموال بينكم.
لو فرضنا مواطناً في فلسطين من هم أولوا الأمر هناك؟ اليهود، فهل لو قرأ هذه الآية هو ملزم أن يطيع أولوا الأمر؟ ليسوا منهم، هم أعداء وخصوم، أرادوا ابتزاز أموالهم، ونهب ثرواتهم، وإذلالهم، وهدم بيوتهم، لا يمكن أن يكون أولو الأمر المعنيون في هذه الآية إلا منكم، هم منكم، من جبلتكم، منكم وإليكم.
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
أولو الأمر هم الأمراء والعلماء، وعملهم متكامل، العالم يعلم، والأمير ينفذ، أما لو أن عالماً مبتدعاً أمرك بخلاف السنة فلا طاعة له، ولو أن له إثماً كبيراً لا قيمة لهذا الإثم، نعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال.
دخلنا بموضوع ثان: أطيعوا الله قطعاً بقرآنه القطعي، أطيعوا رسول الله بحفظ بسنته الصحيحة، القرآن قطعي الثبوت، أما السنة قطعية الثبوت وظنية الثبوت، فحينما يأمرنا الله عز وجل أن نطيع رسوله بسنته الثابتة الصحيحة، لذلك: لو بقينا في الصحاح لما اختلفنا، كل الفرق الضالة تعتمد على أحاديث صحيحة أو موضوعة، لو اجتمعنا على صحيح السنة لما اختلفنا أبداً.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :
قال تعالى:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
أطيعوا الله استقلالاً، وأطيعوا رسوله لأنه معصوم استقلالاً، لكن أولي الأمر هم العلماء، فالعالم المبتدع لا طاعة له، ما أكثر من يبتدع في الدين، إما في العقيدة، أو في العبادات، كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فالعالم الذي يبتدع لا طاعة له، والأمير الذي يعطيك أمراً لا علاقة له بالدين أو مخالف له أيضاً لا يطاع، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
يروى أن والي البصرة كان عنده عالم جليل وتابعي عظيم هو الحسن البصري، ومن غرائب الصدف أنه في أثناء جلوس هذا التابعي الجليل جاءه البريد من الخليفة من يزيد، وفي هذا البريد أمر لا يرضي الله، وقع هذا الوالي في حرج شديد، إن نفذ هذا الأمر غضب الله، وإن لم ينفذه أغضب الخليفة، وربما أزاحه من عمله، أو انتقم منه، وعنده الحسن البصري فقال: يا إمام ماذا أفعل؟ أمران أحلاهما مر، إما أن يُغضب الله، فيستحق جهنم، وإما أن يغضب الخليفة فيستحق السجن، ماذا أفعل؟ أجابه إجابة تكتب بماء الذهب، قال: اعلم أن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله! أنت إذا أطعت الله عز وجل فالله ضامن، أما إن أطعت مخلوقاً، وعصيت خالقاً فهذا الذي أطعته ليس بضامن.
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾
من أمره أولو العلم وأولو الأمر بخلاف ما أمره الله ورسوله فلا طاعة لهم عند
قال:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
أنا أطيع الله استقلالاً، ولا أعبأ بأحد، أطيع رسول الله استقلالاً، ولا أعبأ بأحد، أما أولو الأمر فأطيعهم تبعاً إذا أمروني بما أمر الله به، وبما أمر رسوله به، فإن أمروني بخلاف ما أمرني الله ورسوله به فلا طاعة لهم عندي، وإن أمرني أولو العلم وأولو الأمر بخلاف ما أمرني الله ورسوله فلا طاعة لهم عندي، وهذا ملخصه في قول النبي:
(( لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
الآن قال:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
حدث خلاف مع من؟ هل ممكن أن يكون النزاع مع أمر الله عز وجل؟ مستحيل، مع سنة النبي؟ مستحيل، لأنه معصوم، والله عز وجل كماله مطلق، فالنزاع محصور حتماً مع من؟ مع أولي الأمر؛ العلماء والأمراء:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
من هو الحكم؟ قال:
﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾
في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة جواب وحلّ لكل مشكلة :
لو أن قضية تنازعنا فيها، وجاءنا أمر إلهي أن نرد هذا النزاع إلى الله في قرآنه، أو أن نرده إلى النبي في سنته، ثم اتجهنا إلى القرآن فلم نجد شيئاً متعلقاً بهذا الموضوع، ثم اتجهنا إلى السُّنة فلم نجد شيئاً يتعلق بهذا الموضوع هل يعقل هذا؟ هل يعقل أن يحيلنا الله إلى قرآن لا نجد فيه بغيتنا؟ أو إلى سنة نبيه، ثم لا نجد فيها بغيتنا؟ مستحيل، هذا لا يقبل أن يحيلك الله إلى لا شيء، معنى ذلك أنه ما من مشكلة يعاني منها المجتمع البشري من آدم إلى يوم القيامة إلا وفيها حل في كتاب الله، وحل في سنة رسول الله قطعاً، لا يمكن أن نحال إلى لا شيء، لو أن إنساناً اختلف مع إنسان في إعراب كلمة، وقال: اذهب إلى الكتاب الفلاني ففيه الجواب، فتح الكتاب فلم يجد شيئاً، فالذي أحالك إليه لا يعلم! المحيل هنا من؟ هو الله قال:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾
لا بد من أن تجدوا في القرآن وفي سُّنة النبي جواباً وحلاً لكل مشكلة، وما من مشكلة تعاني منها البشرية اليوم إلا بسبب مخالفة لما في الكتاب والسنة، هذا كلام قطعي ما من مشكلة كبرت أو صغرت، يقول لك: الحرب قد تطول عشر سنوات، وحرب دارت بين دولتين إسلاميتين دامت ثماني سنوات، أحرقت الأخضر واليابس، ماذا في القرآن؟ في القرآن أشهر حرم يمنع فيها القتال، إذا جاءت هذه الأشهر توقف القتال لا غالب ولا مغلوب، الكرامة موفورة، ذاق الناس طعم السلم، بحثوا عنه، لو أنهم أطاعوا الله، حينما اجتاحت دولة إسلامية دولة إسلامية احتكمنا إلى الغرب فجاءوا، وقبعوا على أرضنا، القرآن ليس كذلك، بل قال:
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ﴾
ينبغي أن يجتمع المسلمون ويدعو هؤلاء الذين بغوا أن يعودوا عن بغيهم، فإن أبوا نحاربهم جميعاً، لا نأتي بالكفار ليأخذوا ثرواتنا، ويقتلوا أولادنا، ويعيثوا فساداً في الأرض، ثم نصبح عبيداً لهم.
إذا آمن الإنسان بالدنيا والمال لا يرجع مشكلاته إلى الله ورسوله بل إلى مصالحه :
حتى في السياسة الدولية القرآن فيه كل شيء، حينما يركب خمسون ضابطاً تلقوا تدريباً في أعلى دولة عظمى في طائرة واحدة أسقطوا الطائرة، قال:
﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾
القرآن يخبر، هؤلاء ينبغي أن يأتوا تباعاً، كل واحد في رحلة، أما عندما اجتمعوا في طائرة واحدة أسقطها اليهود بتوجيه من الأرض، ولا يزال سر هذه الطائرة معمى عليه، أسقطت من الأرض، فيها ثمانية وثلاثون ضابطاً تلقوا أعلى تدريب في أعلى أكاديميات عسكرية.
يا أيها الأخوة الكرام، ما من مشكلة يعاني منها البشر اليوم إلا وفي القرآن حل لها، وفي السنة حل لها.
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
إذا آمن الإنسان بالدنيا؛ آمن بالمال لا يرجع مشكلاته إلى الله ورسوله، بل إلى مصالحه، إذا آمن بالدنيا قد يقترض قرضاً ربوياً تحقق به مصالحه، إذا آمن بالمال قد يبخل، ولا ينفق منه شيئاً، إذا آمن باللذة يقتنصها، ولو بالحرام، هذا الكلام للمؤمنين.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
الإنسان لا يعود لحكم الله وسنة رسوله إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر :
الشيء اللطيف أن أركان الإيمان خمسة، لكن ترد مثنى مَثنى في أكثر الآيات، آمنت بالله لا يكفي، ينبغي أن تؤمن بالله، وأنه سيحاسب، وأنه موجود ويعلم، وسيحاسب، لا يمكن أن تعصيه، أوضح مثلاً: تركب مركبتك، الإشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطي آخر على عجلات، وسيارة فيها ضابط شرطة، وأنت مواطن عادي ليس لك ولا ميزة، هل تسير والإشارة حمراء؟ واضع نظام السير علمه يطولك بهذا الشرطي، وقدرته تطولك بسحب الإجازة، وأخذ السيارة، أليس كذلك؟ تعصي الأمر في حالتين؛ الساعة الثالثة صباحاً، لا يوجد شرطي، أو إذا كنتَ أكبر من واضع نظام السير فلا ترد عليه، فحينما تؤمن أن الله موجود، وأنه يعلم وسيحاسب لا يمكن أن تعصيه.
هذا الكلام للمؤمنين، يقول: حلف يمين، هذه اليمين ليست للكفار هي للمؤمنين، المنافق يقول: جاء الفرج، أحلف كذباً وينتهي الأمر، قبض مئة ألف من دون وصل، هل تحلف؟ نعم أحلف، جاء الفرج! هذه اليمين للمؤمن الذي يخاف الله واليوم الآخر.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
إن كنتم تؤمنون بأن الله موجود، ويعلم وسيحاسب، واختلفتم مع علمائكم وأمرائكم، ورجعتم إلى كتاب الله وسنة رسوله تلتزمون بها، لأنكم مؤمنون، أما إن آمنتم بالدرهم والدينار، وباللذائذ والشهوات ترجعون إلى أهل الدنيا، يوجد قوانين أحياناً يكون الحق معك، لكن القانون لا يعطيك هذا الحق، ماذا يفعل معظم الناس؟ يلتجئون إلى المشايخ، أحياناً يكون الحق عليك، لكن القانون يعطيك هذا الحق فتلجأ إليه، فأنت مؤمن بمن؟ إن كنت مؤمناً بالله واليوم الآخر ترجع لما في القرآن والسنة مِن حل حاسم لمشكلتك.
تختلف امرأة مع زوجها في أمريكا، تعرض أمرها على قاضي أمريكي لماذا؟ لأن هذا القاضي سيحكم لها بنصف ثروة زوجها، أما القاضي المسلم فيحكم لها بالمهر فقط، لأنها مؤمنة بالدولار، ترجع في قضيتها إلى قاض ليس مسلماً، قضية واضحة جداً، فأنت لا تعود لحكم الله وسنة رسوله إلا إذا آمنت بالله واليوم الآخر.
المؤمن يعود إلى شرع الله لأنه وقاف عند كتاب الله :
قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾
خير لك أن ترجع إلى حكم الله، هذا البيت ليس لك شرعاً، لكن القانون معك، ارجع لحكم الله، فلاح فقير فقراً مدقعاً، عاش عمره أجيراً، أعطي أرضاً بعشرين دونماً، اختل توازنه من الفرح، ذهب إلى شيخه، قال له: هذه الأرض ليست لك، لا يجوز أن تتملكها بشرع الله، أما بالقوانين الوضعية فلك أن تأخذها عنوة من صاحبها، فهذا الفلاح بعد أن بلغ قمة السعادة في تملك هذه الأرض انقلبت سعادته إلى شقاء، هكذا الشرع، لا يجيز له أخذها، فذهب إلى صاحب الأرض وقال له: يا سيدي أعطوني من أرضك عشرين دونماً، ولي شيخ منعني من أخذها، لأنها مغتصبة منك، هل تبيعني إياها تقسيطاً؟ قال: يا بني ذهب مني أربعمئة دونم لم يأت واحد إلي إلا أنت، هذه هدية لك خذها، وتملكها، وبارك الله لك بها، وأنا سامحتك بها، المؤمن يعود إلى شرع الله، وهو وقاف عند كتاب الله، لذلك:
﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
خير لكم.
﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
حينما تختلفون في حكم شرعي، وتعيدونه إلى الكتاب والسنة تكونون قد أولتم هذه الآية أفضل تأويل، والتأويل هو وقوع الوعد والوعيد، أو تنفيذ الأمر الإلهي. هذه الآية أساسية جداً في حياتنا.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
أيها الأخوة، في درس آخر إن شاء الله نتابع تفسير هذه السورة.