الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
الإنسان فيه نقطة ضعف في أصل خلقه لكنها لصالحه:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والعشرين من دروس سورة النساء، ومع الآية السابعة والثلاثين، وهي قوله تعالى:
﴿ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(37)﴾
هذا نموذج بشري؛ بخيل، ويأمر الناس بالبخل، ويدَّعي أنه فقير، نموذج، ونموذج هيّأ الله له عذاباً مهيناً، والعذاب الذي يذكره الله في القرآن قد يكون عظيماً، وقد يكون مهيناً، وقد يكون أليماً، هناك عذاب أليم، وهناك عذاب مهين، وهناك عذاب عظيم، فهذا الذي يبخل ويأمر الناس بالبخل، ويدَّعي أنه فقير هذا أعدّ الله له عذاباً مهيناً.
أيها الإخوة، الإنسان فيه نقطة ضعف في أصل خلْقه لكنها لصالحه، يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19)﴾
وقد فسرت الآية نفسها معنى الهلع:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21)﴾
هذا ضَعفٌ في أصل خلْقه، لماذا هو ضعف ولصالحه؟ لأنه إذا أنفق المال يرقى عند الله، طبيعة النفس، جِبِلَّتُها تحرص على ما في يديها ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾ لو أنه لا يجزع ولا يخاف كيف يعالجه الله عز وجل؟ لو أن مفاصله لا ترتعد إذا لاح له شبح مصيبة كيف يتوب إلى الله عز وجل؟ لو أنه لا يتأثر بالشدائد كيف يؤوب إلى الله عز وجل؟ لو أنه لا يعبأ بالمصائب كيف يتضرع لله عز وجل؟ إذاً لولا أن طبيعة النفس جزوعة أي شديدة الجزع ما تاب أحد إلى الله عز وجل.
السكينة هي رحمة الله والكآبة خروج عن منهج الله تعالى:
لو سألت ألف تائب ما سبب التوبة؟ لاحَ له شبح مصيبة، أو أنزل الله به مصيبة فاختلّ توازنه، فطبيعة الإنسان أنه جَزوع، وجَزوع على وزن فَعول، أي شديد الجزع؛ أي -لا سمح الله ولا قدر أبعد الله عنا وعنكم كل مرض عضال- لو أن إنساناً أجرى فحوصاً فأخبره الطبيب أن هناك ورماً خبيثاً، ربما لا يستطيع أن يقف على قدميه، سمعت عن طبيب أبلغَ مريضه أنه مصاب بورم خبيث، وأنه قد يمتد به العمر إلى أربعة أشهر، في اليوم التالي مات، لم يحتمل هذا الخبر، ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾ هذا الإنسان الذي لا يحتمل مرضاً عُضالاً، ولا يحتمل فقراً مُدقِعاً، ولا يحتمل إذلالاً، ولا يحتمل قهراً، كيف يعصي الله؟ مشكلة الشارد عن الله أنه يعيش لحظته فقط، مثله كمثل النعامة تماماً، لا شيء يمكن أن يعطيك الأمل، ولا شيء يمكن أن يهَبك التفاؤل إلا أن تكون مع الله، لذلك المؤمن يردد قوله تعالى:
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ(51)﴾
له ثقة كبيرة بالله، مطمئن إلى المستقبل، الآن مرض الكآبة مرض نفسي خطير، من أشد الأمراض انتشاراً في العالم، كآبة، ضيق، غني ومعه كآبة، يدير عملاً ناجحاً ومعه كآبة، يتمتع ببيت مثالي ومعه كآبة، الكآبة من خلق الله عز وجل، إذا خرج الإنسان عن منهج الله يُصاب بالكآبة، ولو كان من أغنى الأغنياء، ولو كان من أقوى الأقوياء، ولو كان من أنجح الناس في أعماله، الكآبة مرض قد تصيب الناجحين، لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال للكثيرين من خلْقه، وقد يُصابون بالكآبة، ولكنه يعطي السكينة بقدَرٍ لأصفيائه المؤمنين، السكينة هي رحمة الله، والله سأقول كلمة لعل معظمكم يقول: إنها مبالغة، المنفرِدة مع السكينة تغدو قطعة من الجنة، والبيت الرائع مع فقدِ السكينة تغدو كالمنفرِدة، ومن ذاق عرف. إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.
التناقض بين التكليف والطبع هو ثمن الجنة:
إذا تجلى الله على قلبك فأنت من أسعد الناس، وإذا حجبَك الله عنه فأنت من أشقى الناس، إن أردت السعادة، إن أردت السلامة، ليس من طريق إلى السلامة والسعادة إلا أن تكون مع الله، لأنك إذا كنت مع الله كان الله معك، وكن مع الله ترَ الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك، فلذلك: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾ شديد الخوف، شديد الجَزَع، لا يحتمل مرضاً، ولا فقراً، ولا سِجناً، ولا إهانةً، ولا فقْدَ ولد، ولا فقْدَ زوجة ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ هذا طبعٌ فيه، الأصل في طبع الإنسان أنه حريص على ما في يديه، والتكليف أن تنفق، ولا بد من تناقض بين التكليف وبين الطبع، وهذا التناقض بين التكليف وبين الطبع هو ثمن الجنة، وما سُمِّي التكليف تكليفاً إلا لأنه ذو كُلْفة، شيء مُكلِف، أي فيه معاكسة للطبع، وما دام الموضوع قد طُرِق فلا بد من تكملةٍ له، التكليف يتوافق مع الفطرة، ويتناقض مع الطبع، والفطرة أقرب إلى النفس، والطبع أقرب إلى الجسد، وأوضح مثل: إنك إذا صليت الفجر في وقته، وقد تكون قد أويتَ إلى الفراش الساعة الثالثة صباحاً تنام ساعة ونصفاً، أو ساعتين، وتستيقظ لصلاة الفجر، إنك تعاكس رغبتك في النوم، إنك تعاكس رغبتك في أن تبقى في الفراش، ولكنك بعد أن تستيقظ، وتتوضأ، وتصلي، ثم تُؤوي إلى فراشك ترتاح نفسك، أُتعِبَ جسدك، وارتاحت نفسك، فأداء الصلاة في وقتها يُتعِب الجسد أحياناً ويريح النفس دائماً، فكل شيء مِن أمْرِ الله ونهيه يتوافق مع الفطرة، وكلّ أمرٍ ونهيٍ يتناقض مع الطبع، وهذا هو جهاد النفس والهوى، وهذه هي الطاعة، وهذه الجنة يدفع المؤمن ثمنها حينما يضع رغبته تحت قدمه وينصاع لأمر الله، فلذلك الإنسان في أصل بنيته يحرص على ما في يديه، لكنه حرص معتدل، أما البخيل فعنده حالة مرضية، حالة حادة من الحرص، البخيل إنسان مريض، لذلك قال تعالى:
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ (9)﴾
ومن كلمة: ﴿يوقَ﴾ معنى ذلك أن الشُّحّ مرض خطير، كيف أنّ الجسم يُصاب بمرض عضال كالورم الخبيث، كالخثرة في الدماغ، كالفشل الكلوي، كتشمّع الكبد، كالشلل، كذلك النفس من أشد أمراضها الشُّح، حريص على ما في يديه، يعيش فقيراً ليموت غنياً.
قال أحد الشعراء:
يُقتّر عيسى على نفسه وليس بباقٍ ولا خــالدِ
فلو يستطيع لتقتيـــــره تَنفَّس من منخرٍ واحدِ
من شدة تقتيره، البخيل دائماً يشعر بمشقة بالغة إذا أنفق، حتى إذا أنفق ثمنَ طعامه يحرم نفسه، لذلك ورد: "إن أندم الأغنياء غني دخلَ ورثتُه بماله الجنة، ودخل هو بماله النار" ، بخِلَ ولم يعطِ، البخيل من صفاته الأخرى أنه يبخل عن نفسه، قد يبخل عن غيره، لكن البخيل في حالاته الحادة يبخل عن نفسه فلا يعطي نفسَه ما تحتاج، ويرى أن كنزَ الدرهم والدينار أفضل عنده من تلبية حاجات نفسه، ثم إن البخيل له دعوة، كيف أنّ المؤمن له دعوة، والبخيل له دعوة، لا بد من أن يدعو الناس إلى البُخل، ﴿ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ﴾ وفي بعض المصطلحات هناك فاسد، وهناك فاسد مُفسِد، هناك ضالّ، وهناك ضالٌّ مُضِل، فالبخيل أينما ذهب، وأينما حلّ ينصح الناس بعدم الإنفاق، لا يحتمل أن يرى منفِقاً، يتألم أشد الألم، أو يراه غبياً، إما أن يتألم لأن إنساناً كشف بخله بإنفاقه، أو يراه غبياً بهذا الإنفاق، فهو لا يكتفي أن يكون بخيلاً يدعو الناس إلى البخل.
أيها الإخوة، البخيل لا يتمنى أن ينتفع الناس مِن حوله إطلاقاً، ولو لم يكن نفعهم من ماله، لا يتمنى أن ينتفع الناس مِن حوله إطلاقاً، ولو كان نفعُهم ليس من ماله، هذه صفات البخيل، أما إذا حدّثته وحدّثك يشكو من الفقر، وهناك ظاهرة أيها الإخوة عجيبة، تجد إنساناً في هذه البلدة الطيبة دخله محدود، ولا يكفيه نصف الشهر، تسأله: كيف حالك؟ يقول لك: الحمد لله، يقولها من أعماق قلبه، يقول لك: الحمد لله، الله أنعمَ علينا بالصحة، أنعم علينا بسمعة طيبة، أنعم علينا ببيت فيه زوجة وأولاد، أنعم علينا بالإيمان، إذا أراد أن يعدد لك النِّعَم التي أنعمَ الله بها عليه لا تنتهي، وهو مستبشِر، ويعيش على الكَفاف، بل إنه تحت الخط الأحمر، وقد تلتقي بإنسان يملك الملايين الكثيرة تجلس معه ساعة فلا تستطيع أن تقف.
الإنسان حينما يتصل بالله تتبدل صفاته وخصائصه :
حدثني أخ كريم، قال لي: دخلت على أحد الأثرياء، وقد ذكر رقماً لثروته قد لا يُصدَّق، بآلاف الملايين، من شدة ما شكا إلي، شكا إليّ بَوار الأسواق، وسوء معاملة الناس له، وشكا بيته وزوجته، قال لي: والله لم أستطع أن أقف على قدمي، ذهبت إلى محلي التجاري كما يقول، فإذا امرأة محجبة تطلب منه مساعدة، وعيّنت له مكان إقامتها في إحدى القرى المحيطة بدمشق، قال: ذهبنا إلى بيتها للتحقيق فوجدناه بيتاً تحت درج، درج وتحته فراغ، الفراغ الأعلى غرفة، والأدنى حمام، مع فسحة سماوية صغيرة، هي تريد أجرة هذا البيت، ألف ليرة بالشهر، قال: دخلنا إلى البيت، أقسمَ لي بالله -وهو عندي صادق- أنه ارتاح راحة لا حدود لها، بيت كأنه قطعة من الجنة، نظيف، الأطفال يمرحون، أبوهم مريض مُضطجع على السرير، البيت محتشم، هذا البيت لا يمكن أن يسكنه إنسان، ورأى السعادة والبشرى على وجوه من في هذا البيت، في اليوم الذي التقى فيه بالغني، وشكا له ما شكا، فالله عز وجل قد يعطيك الدنيا ولا يُسعِدك، وقد يحرمك منها ويسعدك لحكمة بالغة، لذلك ارضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، البخيل إنسان محروم، يتمسكن، يدَّعي الفقر، يدَّعي أنه لا يملك نقود، يملك سندات، إذا جاءه من يستقرضه له كلام معروف مكرر، لا نقود بالصندوق أبداً، كله ديون وهموم، يقول لك: عندي ديون وعندي هموم، ولكن ليس عندي نقدٌ ألبّي به حاجتك، ﴿ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ﴾ فالنقطة الضعيفة في خلق الإنسان أنه ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ هذا الطبع، قال:
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
معناها الإنسان حينما يتصل بالله تتبدل صفاته، تتبدل خصائصه، وهذا معنى قوله تعالى حينما يحدثنا عن التائبين:
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٍۢ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(70)﴾
أي كان بخيلاً فأصبح كريماً، كان جباناً فأصبح شجاعاً، كان غضوباً فأصبح حليماً، فالإنسان الذي يتصل بالله عز وجل ولا يتبدل خُلُقه هذه مشكلة كبيرة، معنى ذلك أن اتصاله كاذب، ليس حقيقياً، ﴿ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ﴾ أي أحياناً الله جل جلاله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
وصف للمصلين الذين تُقبَل صلاتهم:
في بعض الأحاديث الشريفة يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ليس مِنّا مَن وَسّع الله عليه ثم قتّر على عياله. ))
[ الجامع الصغير بسند ضعيف ]
الإنسان حينما لا يكون بخيلاً، ولا يكون شحيحاً، هذه نعمة كبرى أنعمَ الله بها عليه، أي من خلال اتصاله بالله عز وجل اشتقّ من كمال الله الكرم، المؤمن كريم، يجود بما لديه، والمنقطع عن الله بخيل، المنقطع عن الله يعود إلى أصل طبعه ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً*إِلَّا المُصَلِّينَ﴾ لكن من هؤلاء المصلون؟ ورد في بعض الآثار القدسية أنه:
(( ليس كل مُصلٍّ يصلي، إنما أتقبّل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع ، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبّيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبرّه، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنّى ثمرها، ولا يتغير حالها. ))
[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
أيها الإخوة الأكارم، النقطة الدقيقة أن المصلين كما قلت قبل قليل: ليس كلّ مصلٍّ يصلي، من هو الذي تُقبَل صلاته؟ قال في قوله تعالى:
﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ(23) وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25) وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ(26)﴾
قبل أن أتابع لا بد من تعليق من علم الكلام، الصفة قَيد، فإذا قلت: إنسان، هذه تعني ستة آلاف مليون في الأرض الآن، يكفي أن تقول: إنسان مسلم، الرقم نزل إلى مليار ومئتي مليون، يكفي أن تقول: إنسان مسلم عربي، أصبحوا مئتين وخمسين مليوناً، يكفي أن تقول: إنسان مسلم عربي مثقف، مئة مليون، يكفي أن تقول: إنسان مسلم عربي مثقف طبيب، أصبحوا خمسمئة ألف فكلما أضفت صفة ضاقت الدائرة، فإذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً*إِلَّا الْمُصَلِّينَ*ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾ ضاقت الدائرة، ﴿وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ ضاقت الدائرة ﴿وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ﴾ ضاقت.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (27)إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَيۡرُ مَأۡمُونٍ (28)وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (29)إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (30)﴾
ضاقت وضاقت، هذا المصلي الذي تُبدِّل الصلاة بنيته، ليس كل مصلٍ يصلي، هذا المصلي دائم الاتصال، الذي يحفظ لسانه وفرجه، صادق، أمين، عفيف...إلخ ﴿ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ ما معنى الكافرين هنا؟ كفرَ نعمة الله، نعمةُ المال نعمةٌ كبيرة، أول هدف منها أنك تكفي أهلك، حبذا المال أصون به عِرضي، لكن المهمة الأكبر وأتقرب به إلى ربي، فكل إنسان مُكِّن في الأرض من خلال المال عنده مهمتان؛ أن يصون عِرضَه بهذا المال، وأن يتقرب إلى ربه بهذا المال، أما الإنسان غير المؤمن إذا مكَّنه الله بالمال يظن أن هذا المال من أجل أن يزداد نعيمه في الدنيا، فينفق المال إنفاقاً فيه سرَفٌ وتبذير، والسَّرَف في المباحات والتبذير في المعاصي والآثام.
عند الموت الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح:
﴿ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ الإنسان البخيل في بدايات حياته يظن أن المال هو كل شيء، يعبده من دون الله، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا قليل، يحلف يميناً كاذبةً من أجل المال، يطيع مخلوقاً ويعصي خالقاً من أجل المال، أما في منتصف العمر يدرك أن المال شيء، لكنه ليس كل شيء، أما على فراش الموت يدرك أن المال ليس بشيء.
والله حدثني أخ قال لي: رجل على فراش الموت جمعَ من الحرام ثمانمائة مليون ليرة، من القمار، وجاءه مرضٌ عُضال في سن غير متوقعة في سن مبكرة، هو على فراش الموت قال: ماذا أفعل؟ ليتني كنت متسوِّلاً دون أن أملك هذا المال الحرام، قال له أحدهم وهو على فراش الموت: لو أنفقته كله لا تنجو من عذاب الله.
فالإنسان في البدايات يظن أن المال هو كل شيء، بعد حين يرى أن المال ليس كل شيء، لكن عند الموت يراه ليس بشيء، إن الغنى غنى النفس.
إخواننا الكرام، عند الموت الفقر الحقيقي فَقر العمل الصالح، من قوله تعالى:
﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍۢ فَقِيرٌ(24)﴾
الفقر الحقيقي فقرُ العمل الصالح، أن تأتي يوم القيامة صِفر اليدين.
نموذج آخر، هذا نموذج بشري متكرر:
﴿ وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينًا فَسَآءَ قَرِينًا(38)﴾
هو لا يعرف الله، لكن يحب أن يُكتَب عنه أنه مُحسِنٌ كبير، يحب أن ينتزع إعجاب الناس، يحب أن يرائي بإنفاقه الناس، يحب أن يكسِب مكانة عليّة في المجتمع، وهو ذو مالٍ كثير ﴿وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ﴾ أي فيما بينهم وبين الفقير لا يعطونه شيئاً، أما في جمْعٍ غفير، وفي إعلانٍ كبير ينفقون أموالهم من أجل أن ينتزعوا إعجاب الناس، وأن يحتلوا مكانة مرموقة في المجتمع.
﴿وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ﴾ وهناك حالات كثيرة جداً ينفق أحياناً مليوناً، وله قريبٌ قريب يعاني من مرض عُضال، ويحتاج إلى عملية جراحية فلا يُسعِفه، لأن إنفاق المليون له صدًى كبير في المجتمع، أما معونة هذا الإنسان الواحد بينه وبينه ليس لها صدى إطلاقاً: ﴿وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ﴾
أيها الإخوة الكرام، سأقول كلمة وأرجو أن تكون واضحة عندكم، إذا آمنت باليوم الآخر الإيمان الحقيقي الذي أراده الله إن لم تنعكس كل موازينك يكون إيمانك غير صحيح، الذي يؤمن باليوم الآخر يرى النجاح والفلاح في الإنفاق، والذي يؤمن بالدنيا وحدها يرى النجاح والفلاح في الأخذ، إن أردت أن تعلم ما إذا كنت من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة أجِب نفسك: ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟ المؤمن بنى حياته على العطاء مع الإخلاص.
الآية التالية تبين أن في كل مجتمع نموذجين فقط:
قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)﴾
كأن هذين النموذجَين في كل مجتمع؛ إنسان آمن بالحُسنى، آمَن أنه مخلوق للجنة، وآمَن أن هذه الدنيا دار عمل، وآمن أن هذه الدنيا دار إعداد، وآمن أن هذه الدنيا دار سعي، وأن السعادة والرخاء والقُرب من الله في الجنة، هذا لأنه آمَن بالحسنى يتقي أن يعصي الله، وهو مستقيم، ولأنه آمن بالحسنى بنى حياته على العطاء، همّه أن يعطي، الحديث الدقيق:
(( من كانت الآخرةُ همَّه، جعل اللهُ غناه في قلبِه، وجمع له شملَه وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ ومن كانت الدنيا همَّه جعل اللهُ فقرَه بين عينَيه وفرَّق عليه شملَه ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له. ))
إن كان أكبر همّك الآخرة جعل الله غناك في قلبك، وجمعَ عليك شملك، وأتتك الدنيا وهي راغمة، هؤلاء: ﴿يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ﴾ من باب الطُّرفة؛ ربما لا يدفع أحدهم مبلغاً لمسجد إلا إذا وُضِعت قطعة من الرخام على أسفل المِئذنة تنوّه أن الذي أنشأ هذه المئذنة فلان، من دون هذه القطعة لا ينفق، معنى ذلك هناك خَلَلٌ في إنفاقه، المخلِص لا يعبأ، أَنَوَّهَ الناس بفضله أو لم ينوهوا، لكن أنا مكلَّف كمؤمن أن أُنوِّه بفضل الآخرين، المؤمن ينوِّه بفضل الآخرين، لكن الذي ينفق ينبغي ألا يتأثر عطاؤه بالتنويه أو بعدم التنويه، هو لأنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر إذاً ينفق ماله رئاء الناس.
المال من نعم الله الكبرى يصل الإنسان بها إلى أعلى درجات الجنة:
قال: ﴿وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينًا فَسَآءَ قَرِينًا﴾ أي هناك ملَكٌ يُلهِمك أو شيطان يوسوس لك، المؤمن يستجيب لإلهام الملَك، والذي لا يؤمن يستجيب لوسوسة الشيطان، طبعاً الشيطان يوم القيامة يقول:
﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾
إخواننا الكرام، يجب أن أُنوِّه لهذه الحقيقة، المال من نِعَم الله الكبرى، ويستطيع الذي آتاه الله المال أن يصل إلى أعلى درجات الجنة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل علمه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار. ))
[ رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه ]
لذلك المال نعمة كبيرة جداً، أنت بالمال بإمكانك أن تفعل أعمالاً لا تعد ولا تحصى، بالتعبير المعاصر خيارات الأعمال الصالحة أمام الغني لا تُعد ولا تحصى، بإمكانه أن يُجري عملية لفقير، بإمكانه أن يزوّج شاباً، بإمكانه أن يشتري بيتاً لإنسان وإنسانة اتّفقا على الزواج ولا مأوى لهما، بإمكانه أن يرعى الأيتام، بإمكانه أن يوسّع الدعوة إلى الله عز وجل، بإمكانه أن يتبنى الدعاة إلى الله، أبواب الخير المُفتَّحة أمام الأغنياء لا تعد ولا تحصى، وهذه الأبواب كلها وراءها طُرق سالكة إلى الجنة، أما الإنسان إذا كان غافلاً عن الله عز وجل، ولا يعرف الله، وليس مؤمناً باليوم الآخر يتوهم أن هذا المال من أجل مُتَعه فقط، لكن الحقيقة العلمية أن مُتَع الحياة لها سقف، لو أنك تملك ألف مليون، كم تأكل؟ وجبة، كم ثياب ترتدي مرة واحدة؟ ثياب واحدة، على كم سرير تنام؟ على سرير واحد، في كم بيت تسكن؟ في بيت واحد، الدنيا لها سقف، مهما كنت غنياً فهناك سقوف تحُدّ من قدرتك على الاستمتاع بالمال، أما الآخرة فلا نهاية لها، لذلك مَن قدَّم ماله أمامه سرّه اللحاق به، وقد يصل الأغنياء من المؤمنين إلى مراتب عليّة جداً، وأبواب الخير ولا سيما في هذه الأيام والله لا تعد ولا تحصى، والله هناك فقر شديد، وهناك أمراض كثيرة، وهناك حاجات كثيرة تحتاج إلى مَن ينفق، لذلك الغني المسلم له شأن كبير في المجتمع الإسلامي، لأنه يسد ثغرةً كبيرةً، الناس في أمس الحاجة إليها، وأنا حينما أتحدث عن البُخل هؤلاء الذين ما عرفوا الله، وما عرفوا الدار الآخرة.
المؤمن إذا عرف الله عز وجل جاءته الدنيا وهي راغمة:
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا(39)﴾
هل يقِلّ استمتاعك بالحياة إذا آمنت بالله واليوم الآخر، ليس في الإسلام حرمان أبداً، ما من شهوة أودَعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، لو أنك آمنت بالله واليوم الآخر هل أنت مُحرَّم عليك أن تأكل؟ كُلْ مما لذّ وطاب، هل أنت محرم عليك أن تتزوج؟ لا، تزوج، كل شهوة أودعها الله في الإنسان جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، أي أنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، لكن في الإسلام تنظيم، ﴿وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ﴾ أي هذا الغني لو أنه اتصل بالله، وأنفق ماله في سبيل الله، وأطعم، وشرب، واكتسى هو وأهله وأولاده ومَن حوله ماذا عليه لو آمن بالله؟ ماذا عليه لو حقق الهدف من وجوده؟ ماذا عليه لو حقق علّة وجوده وهي عبادة الله عز وجل؟ كأن فيها عتاب من الله، أي ماذا عليك أيها الطالب لو درست ونِلت درجة عليا علمية، وافتخر بك أبوك، وكنت قرة عينٍ لأمك وأبيك، وحصّلت دخلاً كبيراً، وتزوجت امرأة صالحة، وأسست بيتاً إسلامياً، ماذا عليك لو درست؟ لمَ لمْ تدرس؟ ماذا عليك لو استقمت، هل تُحرَم الدنيا؟
﴿ وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَىٰٓ إِلَيْهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَىْءٍۢ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(57)﴾
قبل أن تسلموا كان لكم حرَمٌ آمن، بعد إذ أسلمتم تُتَخطَّفون من الأرض، المؤمن إذا استقام واصطلح مع الله هل يُحرَم الدنيا؟ لا والله، تأتيه وهي راغمة، من خدم دين الله خدمته الدنيا، ومن خدم الدنيا استخدمته، حياة المؤمن لها معنى آخر، إذا عرف الله عز وجل جاءته الدنيا وهي راغمة.
البخيل لا يعرف الله لأنه لو عرفه لعرف أن الله سيكافئه على إنفاقه أضعافاً كثيرة:
قال: ﴿وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا﴾ هم حينما يبخلون لماذا يبخلون؟ كي يستمتعوا بهذا المال، يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمًا(40)﴾
أنت حينما تنفق تنال من الله أضعافاً مضاعفة:
(( أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً. ))
(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ. ))
وفي آيات ثمانية في القرآن الكريم يبين الله عز وجل أن الله يُخلِف على المنفق، هذا البخيل لا يعرف الله، لو عرف الله لأنفق ماله في سبيله، فالله عز وجل يقول:
﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245)﴾
إذاً هذا البخيل لا يعرف الله، ولو عرف أن الله سيكافئه على إنفاقه أضعافاً كثيرة، قد تصل إلى سبعمائة ضعف لدُهِش، الله عز وجل هو الكريم إذاً: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾ وفي الدرس القادم إن شاء الله ننتقل إلى قوله تعالى:
﴿ فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا(41)﴾
الملف مدقق