وضع داكن
29-03-2024
Logo
سبل الوصول - الدرس : 13 - الأخوة الإيمانية في الإسلام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الأخوة الإيمانية :

أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" والموضوع اليوم: "الأخوة الإيمانية"، الله عز وجل يقول على لسان سيدنا عيسى عليه السلام:

﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ ﴾

[ سورة مريم الآية: 31 ]

الإنسان له حركة نحو خالقه

﴿ َأَوْصْانِي بِالصّلاةِ ﴾

أن تعرفه، أن تعرف منهجه، أن تعبده، أن تتصل به، أن تقبل عليه، أن تسعد بقربه، هذه الحركة نحو الخالق،

﴿ َأَوْصْانِي بِالصّلاةِ ﴾

ولابد لك من حركة نحو المخلوق،

﴿ والزَّكَاةِ ﴾

أن أكون محسناً، أن أكون مستقيماً، أن أكون معطاءً،

﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ ﴾

موضوع الأخوة الإيمانية يتصل بالحركة الثانية، علاقتك مع من حولك، قال تعالى:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 1 ]

أي أصلح علاقتك مع أخيك الإنسان، أصلح علاقتك مع من حولك، مع من فوقك، مع من تحتك.
فلذلك ينضوي هذا الموضوع تحت باب العلاقة مع الخلق، وأهم علاقة مع أخيك، ماذا تعني كلمة أخ؟

 

معاني الأخوة :

1 ـ أخوة النسب :

أول معنى من معاني الأخوة أخوة النسب، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾

[ سورة النساء الآية: 11 ]

الأخوة هنا أخوة النسب، أخٌ من أمك وأبيك، أو أخٌ من أمك، أو أخٌ من أبيك.

2 ـ أخوة العشيرة :

والمعنى الثاني: أخٌ في القبيلة أو العشيرة:

﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ﴾

[ سورة هود الآية: 50 ]

هذه أخوة، هناك دائرة أوسع بكثير، إنسان من أسرة كبيرة، أي إنسان في هذه الأسرة هو في الحقيقة أخٌ له، أخٌ في أسرته الكبيرة، أخٌ في عشيرته، أخٌ في قبيلته، وينضوي هنا المواطنة؛ أخٌ في الوطن.

3 ـ أخوة الدين :

ثم هناك أخٌ في الدين:

﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 103 ]

هذه أخوة الدين، ولعل هذه الأخوة هي أقوى أخوةٌ على الإطلاق.

4 ـ أخوة المودة والرحمة :

وهناك أخٌ في المودة والرحمة.

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾

[ سورة الحجر ]

هذه أخوة المودة والرحمة، إنسان تحبه هو أخٌ لك، أو شبيهٌ لك.

5 ـ أخوة الصحبة :

وهناك الصاحب والصديق.

﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾

[ سورة ص الآية: 23 ]

هذه أخوة الصحبة، فمن أخٍ في النسب، إلى أخٍ في العشيرة، إلى أخ في الدين، إلى أخٍ في المودة والرحمة، إلى أخٍ صاحب.

التفسيرات العلمية للحب بين الزوجين أو بين الأصدقاء :


متى تكون الأخوة عميقةً جداً؟ كل إنسان له صفات، وكل مجموعة صفات تعود إلى سمة، فمجموع الصفات والسمات في شخصية الإنسان ومجموع الصفات والسمات في شخصية إنسانٍ آخر، إذا كثرت التقاطعات بين هذه الصفات وهذه السمات كان التوافق والحب.
لو سألنا إنساناً ألف سؤال عن خصائص شخصيته، عن رغبته في أن يمضي يوم العطلة كيف؟ المؤمن له خصائص وغير المؤمن له خصائص، علاقته مع أقاربه، علاقته مع من دونه، مع من فوقه، مع من في مستواه، فهذه الخصائص التي هي مجموع السمات والصفات، وهذه الخصائص في إنسان آخر التي هي مجموع الصفات والسمات، إذا كثرت فيما بينها التقاطعات كان الحب.
لذلك الآن أحد التفسيرات العلمية للحب بين الزوجين: كثرة التقاطعات في شخصية الزوجين، أحد التفسيرات العلمية للحب بين الأصدقاء: كثرة التقاطعات بين صفات وسمات الشخصيتين.

 

العلاقة بين الأخوة المؤمنين يجب أن تكون علاقة حبّ و ود :

أيها الأخوة، الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب هي الآية الكريمة:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 10 ]

هناك استنباطٌ خطير، الآية تقول:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الانتماء إلى فقاعات صغيرة، إلى جماعات صغيرة مع التعصب، والعداوة، والبغضاء، والتحزب، هذا اتجاهٌ مرفوضٌ في الإسلام.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 159 ]

ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الانتماء إلى فقاعات انتماء مصالح، وليس في الإسلام تشرذم مصلحي، لذلك أكبر مشكلةٍ يعاني منها المسلمون هذا التشرذم، هذه الجماعات المتعددة التي يعادي بعضها بعضاً، هذه وصمة عارٍ بحق الأمة، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين ففي الإيمان خلل، في الإيمان ضعف، لقوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

وينبغي أن تكون العلاقة بين الأخوة المؤمنين علاقة حب، علاقة ود لذلك:

﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 10 ]

(( إِيَّاكُمْ وسُوءَ ذَاتِ البَيْن، فَإِنَّهَا الحَالِقَةِ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

أي أكبر مصيبة تصيب المسلمين تفرقتهم، تشرذمهم، العداوات بينهم، تراشق التهم فيما بينهم.

كلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكَ
* * *

هذه حقيقة أولى.

 

التعاون أمر في القرآن الكريم :

الحقيقة الثانية:

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 103 ]

ما الذي يجمعكم؟ حبل الله، ما لم يكن هناك حبلٌ لن يكون هناك اعتصام، بلا حبل هناك تفرق، أي لو نزعنا الاعتصام بحبل الله التفرقة شيء طبيعي جداً، لأن الإنسان معه طبع ومعه تكليف، والطبع كما تعلمون يتناقض مع التكليف، الطبع فردي والتكليف تعاوني، وأنت بقدر طاعتك تتعاون مع أخيك، وبقدر معصيتك تكون فردياً، فإذا وجدت مجتمعاً يؤمن بالفردية وكلٌ يجلب الخير إلى نفسه، كلٌ يبني مجده على أنقاض الآخرين، هذا مجتمع متخلف دينياً، لأن الله عز وجل بنص القرآن الكريم يقول: 

﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾

[ سورة المائدة الآية: 2 ]

والتعاون أمر في القرآن الكريم، ومن مسلمات الإيمان كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة الآية: 2 ]

قالوا: البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة.

 

لن تكون هناك أخوةٌ حقيقية إلا على شيءٍ نعتصم به :

إذاً ما لم يكن هناك شيءٌ نعتصم به فنحن قطعاً متفرقون،

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾

هناك حبلٌ يجمعنا، هناك منهجٌ يجمعنا، هناك عقيدةٌ تجمعنا، هناك قيمٌ تجمعنا، هناك سلوكٌ يجمعنا.

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 103 ]

بنعمة هذا القرآن الكريم، وهذا النبي الكريم:

﴿ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

[ سورة آل عمران ]

المعنى الثاني: لن تكون هناك أخوةٌ حقيقية إلا على شيءٍ نعتصم به، فالدين يجمع والدنيا تفرق.

 

نعمة الأخوة في الله من أعظم النعم :


الآن من منكم يصدق أن نعمة الأخوة في الله من أعظم النعم؟ مفهوم الأخ على إطلاقه نعمةٌ عظمى من الله، قال تعالى:

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾

[ سورة مريم ]

الآن سيدنا الصديق ذهب ليشتري سيدنا بلالاً، وهو عبدٌ حبشي عند أمية بن خلف، بعد أن اشتراه منه أراد أمية بن خلف أن يذل سيدنا بلال، فقال له: والله لو دفعت به درهماً لبعتكه، فقال له الصديق: والله لو طلبت به مئة ألفٍ لأعطيتكها، ووضع يده تحت إبط بلال وقال: هذا أخي حقاً.
مرةٍ قدم بلال إلى المدينة فخرج عمر عملاق الإسلام، خليفة المسلمين، أمير المؤمنين لاستقباله، وكان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق قالوا: "هو سيدنا وأعتق سيدنا" أي بلالاً.
هذا هو المجتمع المسلم، لا يوجد تفرقة، المجتمع المسلم طبقةٌُ واحدة،

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

للتقريب تصور مدير عام أكبر مؤسسة وعنده حاجب، إذا كان هذا الحاجب مؤمناً هم عند الله سيان، يعامله كأخٍ في الله.

نهي الله عز وجل المؤمن عن كلّ شيءٍ يضعف العلاقة بينه وبين أخيه :

الآن الله عز وجل يريدنا أن نكون أخوة إيمان، فنبهنا إلى أن أي شيءٍ يضعف العلاقة بينك وبين أخيك ينبغي أن تنتهي عنه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 12 ]

إياك أن تسيء الظن بأخيك، أخوك مؤمن، يخاف الله كما تخافه، ورعٌ كما أنت ورع، طبعاً الظن هنا من دون دليل نوع من الحقد، نوع من الحيلة الشيطانية، ليس لي ثقة به، هل بدر لك منه شيء؟.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 12 ]

لكن بعضه الآخر ليس إثماً:

(( احترسوا من الناس بسوء الظن ))

[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك]

سوء الظن، عصمة الحزم سوء الظن، أما أخوك قائم بواجباتك الدينية، لا يوجد أي دليل ضده، لماذا سوء الظن؟.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 12 ]

تتبع الأخبار السيئة.

﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة الحجرات ]

إذاً الله عز وجل ينهانا عن كل شيءٍ يضعف العلاقة بينك وبين أخيك،

﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

(( إِيَّاكُم والظَّنَّ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

معان دقيقة في الأخوة :

لكن هنا معان دقيقة في الأخوة، الأخوة الإيمانية أو النسبية، أو أي أخوةٌ أخرى لا تعفيك من المسؤولية.

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة ]

تقول: أخي أردت أن أرضيه فعصيت الله، زوجتي أردت أن أرضيها فعصيت الله، إن كنت كذلك فاعتقد يقيناً أن الطريق إلى الله مسدود،

﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

والله أيها الأخوة، هذه الآية تقصم الظهر، إذا كانت علاقتك بأبيك، وابنك، وأخيك، وزوجتك، وعشيرتك تحول بينك وبين طاعة الله فلا كانت هذه الأخوة، لأن الأخ الذي أعاقته هذه الأخوة عن طاعة الله خاسرٌ لا محالة، أي هناك حدود، الأخوة لها حدود، أما أن أعصي الله إرضاءً لأخي؟ معنى ذلك رأيت علاقتك مع أخيك أكبر من علاقتك مع الله.

(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ))

[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عمران بن حصين]

الولاء و البراء :

الآن عندنا موضوع الولاء والبراء، لا تجد مؤمناً يوالي أهل الكفر والفسوق والعصيان ولو كانوا آباءهم أو أخوانهم.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

[ سورة التوبة ]

الموضوع دقيق، الموضوع يحدد لك متى ترعى أخوة الإيمان، الآية الثانية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

[ سورة البقرة ]

أي راعِ حقوق أخيك، ولو أن أخاك سامحك أنت عليك ألا تقبل حتى تقدم له شيئاً، مثلاًَ إنسان خطب فتاة، ثم رأى أنه لا مصلحة له بهذا الزواج، ففسخ العقد، هم سامحوك، و لو أنهم سامحوك عليك أن تكون إنساناً راقياً،

﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾

تمنى الله عز وجل على المؤمن أن يعفو، وتمنى على من عُفي عليه أن يؤدي شيئاً، سامحوك بالمهر قدم هدية، قدم قطعة ذهب، جلست معها شهرين، وأنت في طور الخطبة، فلما فسخت العقد، وأعفوك من المهر، لا تكن بعيداً عن الذوق، دقق في المعنى

﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾

أدِّ شيئاً.

 

الإنسان إما أن يكون أخاً للمؤمنين أو أخاً للشياطين :

أيها الأخوة، ونعوذ بالله أن يكون المرء من إخوان الشياطين، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾

[ سورة الإسراء ]

إما أن تكون أخاً للمؤمنين فأنت على شاكلتهم وعلى منهجهم، وإما أن يكون الإنسان أخاً للشياطين.
مرة ثانية نعود إلى البراء والولاء:

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم ﴾

[ سورة المجادلة الآية: 22 ]

علاقة الأخوة أعظم علاقةٍ أرادها الله بين المؤمنين :

الآن:

﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة الحشر ]

أي علامة إيمانك صفاء قلبك تجاه أخوانك، أما المكر، والخداع، والحقد، والقنص، هذه أخلاق المنافقين، أخلاق العصاة، أخلاق المؤمنين أخلاق محبة، أخلاق ود، المؤمن ودود لأخيه المؤمن، ونحن لا ينقصنا شيء الآن، مساجد، مكتبات، مؤتمرات، ينقصنا الحب الذي كان بين الصحابة، بالحب نكون أمةً واحدة، والله أنا حينما أرى تعاطف الأخوة الكرام مع ما يجري في غزة والله يمتلئ قلبي تفاؤلاً بمستقبلٍ عظيم، فما دام هناك تعاطف، مادام هناك بكاء لما ترى وتسمع، فنحن بخير، أما الذي يقول أنا ليس لي علاقة، دعني وشأني، الآن كأن الله جعل علاقة الأخوة أرقى علاقة على الإطلاق، قال:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 220]

بالتعامل المادي:

﴿ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 220 ]

لذلك استنبط العلماء من هذه الآية أنك إذا أردت أن تستثمر مال يتيم، أو أن يتيماً وضع ماله عندك، فإن كنت غنياً فاستعفف عن أجرك وربحك، اجعل هذا المال في صفقة، أعطه الربح كله، لأنه أخوك، وإن كنت فقيراً:

﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة النساء الآية: 6 ]

المعروف فُسر أن تأخذ حاجتك، أو أجر المثل أيهما أقل، هذا معنى فليأخذ بالمعروف، أي جعل الله علاقتك مع مال اليتيم علاقة أخوة، معنى ذلك أن علاقة الأخوة أعظم علاقةٍ أرادها الله بين المؤمنين.

 

الأخوة الإيمانية شيءٌ يقربنا جميعاً إلى الله عز وجل :

أيها الأخوة الكرام:

((إِن رجلاً زارَ أخاً لَهُ في قريةِ أخرى، فأرْصَدَ اللهُ لَهُ على مَدْرَجَتِهِ مَلَكا، فلما أَتى عليه قال: أين تُريدُ؟ قال: أُريدُ أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نِعْمة تَرُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحبَبْتُه في الله، قال: فإني رسولُ الله إِليكَ بأنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

يبدو أن الأخوة في الله شيءٌ يقربنا جميعاً إلى الله.
عبد الرحمن بن عوف آخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع، ماذا قال سعد بن الربيع؟ أراد أن يناصفه ماله، قال له: خذ نصف مالي، كيف كان موقف عبد الرحمن بن عوف؟ قال له: بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق، كما أن الأنصار أعطوا أخوانهم المهاجرين نصف أموالهم، لكن لم يثبت أن مهاجراً واحداً أخذ شيئاً، بارك الله بك وبمالك ولكن دلني على السوق، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( تبسمك في وجه أخيك صدقة ))

[ أخرجه ابن حبان، عن أبي ذر الغفاري ]

الابتعاد عن الأشياء التي تفتت عضد المسلمين :

هناك شيء آخر: والله حديثٌ رائعٌ جداً، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِيَّاكُم والظَّنَّ ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

التحسس تصيد الأخبار الجيدة، أي فلان موظف بشركة، كم راتبك؟

(( لا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا، ولا تَنَاجَشوا ))

أن ترفع السعر وأنت لا تريد أن تشتري السلعة حتى أخوك يرغب بالشراء، هذه مؤامرة بينك وبين البائع.

(( ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا، ولا تَنَافسُوا، ولا تحاسَدُوا، ولا تَبَاغضُوا، ولا تَدَابَروا، وكُونوا عبادَ اللهِ إِخواناً كما أمرَكُم، المسلم أخو المسلم، لا يظلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ويشير إِلى صدره، بِحَسْب امرئ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ، وعِرْضُهُ، ومَالُهُ. إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم، ولا إِلى صُوَرِكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

أيها الأخوة الكرام، لهذا الدرس تتمة إن شاء الله. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور