- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الآيات التالية دقيقة جداً يحتاج فهمها إلى إعمال الفكر :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن من دروس سورة التوبة، ومع الآية الكريمة الخامسة وهي قوله تعالى:
﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(5)﴾
أيها الإخوة الكرام، هذه الآيات دقيقة جداً، يحتاج فهمها إلى إعمال فكر، الله -عز وجل- أمرنا أن نقاتل، من؟ الذين أرادوا إبادتنا.
أنا أضع بين أيديكم بعض التصريحات لبعض الأعداء الكبار، يقول طاغية كبير:
الله -عز وجل- هو الخبير، حينما أمرنا أن نقاتل، نقاتل من؟ نقاتل مثل هؤلاء الذين أرادوا إبادتنا.
في العالم الغربي تمّ قتل ثلاثمئة مليون زنجياً، الأخبار الدقيقة جداً عن أعمال الطرف الآخر حينما يسيطرون، لما فتح الفرنجة القدس قتلوا سبعين ألف إنساناً في ثلاثة أيام، فمثل هذا الإنسان الذي يتشفى بدماء المسلمين، مثل هذا الإنسان الذي يبني مجده على أنقاض المسلمين، هذه الآية له فقط، لكن أصنافاً كثيرة، فئات كثيرة، أنواعاً كثيرة من البشر ما أُمرنا أن نقاتلهم أبداً، أنا أتكلم عن مثل هؤلاء.
صحيفة من أشهر الصحف في بلاد الغرب، قالت: لا توجد قيم ولا أخلاق، إنما هي القوة، والقوة وحدها، ومنذ خمسة آلاف سنة والقوي يفرض ما يريد، وكلما أمعنّا في القوة كسبنا أكثر، فنحن حينما استأصلنا الهنود الحمر، والإنكليز حينما استأصلوا سكان أستراليا الأصليين، نجحنا في حسم المعركة.
أي حربهم حرب إبادة، مثل هؤلاء الذين يريدون إبادة البشر، مثل هؤلاء الذين يريدون أن يقوم مجدهم على أنقاض البشر، مثل هؤلاء الذين يريدون أن يبنوا غناهم على إفقار البشر، مثل هؤلاء الذين يريدون أن يبنوا أمنهم على إخافة البشر، مثل هؤلاء الذين أرادوا أن يبنوا عزهم على إذلال البشر، هؤلاء وحدهم المعنيون بهذه الآية، لئلا يُفهم القرآن على خلاف ما أراد الله، هؤلاء المعنيون بهذه الآية.
في تاريخ البشرية جرائم لا يعلم أبعادها إلا الله عز وجل :
إخواننا الكرام، حينما فتح الفرنجة الأندلس تمت مجزرة تفوق حدّ الخيال، إذا ضُبط الإنسان يغتسل يوم الجمعة يُقتل، إذا ضُبط الإنسان في هذه البلاد يصنع حلوى في أيام العيد يُقتل، فهناك في تاريخ البشرية جرائم لا يعلم أبعادها إلا الله، هؤلاء الفئة القليلة، الطاغية، المجرمة، معنيون بهذه الآية، لئلا يُفهم القرآن على غير ما أراد الله عز وجل.
هناك قصيدة قالها أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس، وهذه القصيدة تعد من الأدب العالمي، لأنها تُرجمت إلى أربع عشرة لغة:
يا راكبين عتاق الخيــــل ضامرة كأنها في مجـال السبق عقبان
و حاملين سيوف الهند مرهفــــة كأنها في ظلام النقــع نيران
و راتعين وراء البحر في دعــــة لهم بأوطانهم عز وسلــطان
أعندكم نبأ من أهل أندلـــــس فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث صناديد الرجال وهــم قتلى و أسرى فما يهتز إنسان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهـــم عليهم من ثياب الذل ألــوان
يا رب أم و طفل حيل بينهمــــا كما تفرق أرواح و أبـــدان
و طفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقـوت ومــرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهــــة والعين باكية والقلب حيـران
لمثل هذا يبكي القــــلب من كمد إن كان في القلب إسلام و إيمان
ليست أحداث غزة عنا ببعيد، من هؤلاء الذين قُتلوا؟ مقاتلون؟ لا، أطفال في عمر الورود، نساء ضعاف، ألف وخمسمئة طفلاً قُتلوا بأحدث الأسلحة، هذه الآية لهم، لهؤلاء الطغاة، لهؤلاء القتلة، لهؤلاء الذين يبنون مجدهم على أنقاض الشعوب، لهؤلاء الذين يرتاحون للدماء تسيل، هذه الآية لهم وحدهم، لا يذهبن بكم الظن إلى أن الإسلام أمر بهذا إلا مع فئة قليلة جداً، أرادت أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب، أرادت أن تبني حياتها على موتهم، أمنها على خوفهم، غناها على فقرهم، عزها على ذلهم.
هذه الآيات لها معنى محدد، وتجاه فئة تريد أن تسيل الدماء في ديار المسلمين، هؤلاء فقط، خمسة آلاف في قلعة في بلاد بالشرق البعيد حُصروا في قلعة، وبقوا بلا طعام ولا شراب حتى شربوا أبوالهم، وأكلوا لحوم بعضهم، ثم قُصفوا حتى قُتلوا، هذا الذي تتحدث عنه الآية.
الإسلام دين السلام والمحبة والتسامح :
أما الإسلام دين السلام، دين المحبة، دين التسامح، لما فتح صلاح الدين الأيوبي القدس، لم تُرَق قطرة دم واحدة، وهؤلاء الفرنجة يتحركون آمنين مطمئنين، باعوا متاعهم بأثمانها، ولم يفعل معهم المسلمون شيئاً، حتى قال أحد كبار الفلاسفة تولستوي: "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب"، طبعاً العرب المسلمون، ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب.
فأنا أذكر هذه التحفظات لئلا يذهب بكم الظن إلى أن الله -سبحانه وتعالى- حينما قال:
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾
ارتباط كرامة الإنسان بمصير المعركة التي يقودها :
أيها الإخوة ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾
أيها الإخوة، معنى ذلك أن الأشهر الحرم لها حكمة بالغة، من أجل حقن الدماء، قد يتحارب جيشان، وكل جيش جعل مصير المعركة منوط بكرامته، فالدماء تسيل، والحرب لا تقف، فتأتي هذه الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال، في خلال هذه الأشهر يذوق الناس طعم السلام فيتمنون استمراره، وكأن الله -سبحانه وتعالى- أراد أن تحقن الدماء، لأنه خلق الإنسان على جِبلّة خاصة، حينما تسيل الدماء ترتبط كرامة الإنسان بمصير المعركة، فلذلك تستمر الحروب سنوات، وسنوات.
في تاريخ الجاهلية رجل مدّ رجله، وقال: من كان أشرف مني فليضربها، فقام إنسان وضربها، ودامت الحرب بين قبائل العرب سنوات عشر.
فالإنسان حينما يثور دم الحقد عنده قد يغدو مجرماً كبيراً، الآية هذه موجهة إلى هذا الصنف وحده، إلى الذي يتلذذ بالقتل، ألف وخمسمئة طفلاً صغيراً مع امرأة قُتلوا في حرب غزة، يعني هل من الممكن لمصارع كبير يمسك طفلاً رضيعاً ويصرعه ويقول: انظروا إلى قوتي؟ أحمق، يجب أن تقف أمام مصارع آخر، هذه الطائرات لجيش آخر لا لأطفال عزّل في بلدة محصورة مكشوفة، لا تملك سلاحاً مضاداً للطائرات، ولا سلاح طيران، وتبرز عضلاتك.
موقف الإسلام من الآخر :
حينما اجتاحوا لبنان، دمروا البنية التحتية، من أجل أسير واحد، فلذلك الله هو الخبير، هؤلاء الذي يرون مجدهم في القتل، يرون مجدهم في إسالة الدماء، يرون مجدهم في سفك الدماء، في انتهاك الأعراض، هذه الآية لهم وحدهم، أي لها سياق.
أضرب مثلاً: إذا كان هناك بضع شباب في مسبح، وقال أحدهم لزميله: رش فلاناً، ما معنى رشه هنا؟ هل معناها اقتله؟ لا، رشه بالماء فقط، الجو جو مسبح، البيئة بيئة مسبح، رشه أي صب عليه الماء فقط، أما إذا كان في ساحة معركة، وهناك تلاحم، وقال له: رشه أي اقتله، بيئة هذه الآية لا علاقة لها بمشرك مسالم إطلاقاً، لا علاقة لها بمشرك لا يعتدي عليك:
﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ
آية واضحة كالشمس:
﴿ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ
أنا أريد أن أُبين موقف الإسلام، الإسلام لا يقبل من جهة أن تتلذذ بسفك الدماء، ولا قتل الأبرياء، ولا قتل النساء والأطفال، هذه الآية موجهة لهذا النوع من البشر.
التصاق الأشهر الحرام بالناس وكأنها درع لهم تحميهم :
إنسان فرضاً خلال عشرين أو ثلاثين سنة خطط لإبادة المسلمين، أليس في قتله خلاصاً للمسلمين من شروره؟ هكذا الآية لها سياق، الآية لها سباق، ولها لحاق، ولها سياق، يجب أن نفهم الآية في جوها، فهذه الأشهر الحرم ملتصقة بالناس، وكأنها درع لهم، تحميهم، كأنها وقاية لهم، لذلك أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يذوق الناس طعم السلم، وهل تصدقون أن قوله تعالى:
﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1)﴾
ما الفتح؟ صلح الحديبية هو الفتح الحقيقي، أي إشاعة السلام هو النصر الحقيقي، البشر يحبون السلام، يحبون الأمن، الراحة، وهذا هو تشريع الله -عز وجل-.
بيان معنى انسلخ عنه و انسلخ منه :
لكن هناك في اللغة ينسلخ عنه، وينسلخ منه، سلخنا الجلد عن الدابة، أي أخذنا جلدها بعيداً عنها، أما انسلخ الإنسان من دينه، هو ابتعد عنه، فرق كبير بين أن نقول: سلخنا عن الدابة جلدها أي نزعناه، وبين أن نقول: انسلخ الإنسان من دينه، والآية:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا
انسلخت من الشيء أي أنا خرجت منه، أما سلخنا عنه جلده أي نحن أخذنا منه جلده:
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ
فالنهار طارئ، والأصل هو الظلام الدامس، لذلك عندما صعد رائد الفضاء إلى القمر، وتجاوز طبقة الهواء التي تبلغ خمسة وستين ألف كم، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، لأن ظاهرة انتثار الضوء انتهت بعد طبقة الهواء.
لذلك هذه الحادثة التي ظهرت بعد ألف وأربعمئة عاماً من بعثة النبي تبين أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15)﴾
الله سبحانه وتعالى أراد ألا يجتمع في الجزيرة دينان :
أيها الإخوة الكرام، الآن بعد إعطاء المشركين مهلة أربعة أشهر، أو إعطاء من لهم عهد إلى انقضاء عهدهم، أراد الله سبحانه وتعالى ألا يجتمع في الجزيرة دينان، مع أنه:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
ولكن لا بد من جهة يبقى فيها الدين الإسلامي مهيمناً، وليكون هذا المكان رمزاً لوحدة المسلمين.
فلذلك لك أن تؤمن، ولك ألا تؤمن، لأنه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾
انتشار الدين بالقدوة لا بالإكراه :
هناك نقطة ثانية دقيقة جداً، وأتمنى أن توضَّح لكم: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾
فالإسلام أراد أن تشيع العقيدة الصحيحة في بني البشر، فما أمر المسلمين بالجهاد إلا لينشر هذا الدين في الآفاق، والذي أراد أن يبقى على دينه يدفع مقابل حمايته هي الجزية، أي بدل نقدي بالضبط، كل مواطن ينبغي أن يدافع عن بلده، أحياناً يسمح لمواطن أن يدفع بدلاً مقابل أن يعفى من الخدمة الإلزامية، هذا معنى الجزية بلا زيادة ولا نقصان، أناس أرادوا أن يبقوا على دينهم، من يحميهم؟ المسلمون، نظير عزوفهم عن الجهاد، وعزوفهم عن الدخول في الدين، يدفعون الجزية كبدل نقدي لحمايتهم.
من أسلم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ومن بقي على دينه فعليه الجزية :
أيها الإخوة، الآية تقول:
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾
لذلك: ﴿وَخُذُوهُمْ﴾
﴿وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ﴾
عظمة الإسلام :
إذاً الآية: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾
﴿ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وهذه عظمة الإسلام ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ أول ما أوحى الله تعالى إلى نبيه الكريم :
أيها الإخوة، ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتاب زاد المعاد، وهو كتاب سيرة، من أشهر كتب السيرة، هناك فصل عقده باسم: فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين، يقول: أول ما أوحى الله -جلّ جلاله- إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)﴾
أول أمر، أول كلمة، في أول آية، في أول سورة نزلت من القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2)﴾
أي تعلَّم وعلِّم، تذكر وذكّر، تلقى وألقِ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ أمره أن ينذر عشيرته الأقربين:
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً(78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً(79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً(80)﴾
مراحل الدعوة الإسلامية:
ثم في آيات أخرى:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)﴾
ابدأ بأهلك، لأن هناك ثقة بين الأخ وأخيه، بين الأب وابنه. ثم:
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ
أول شيء: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107)﴾
تعلَّم وعلِّم، تذكر وذكّر، تلقّى وألقِ، ابدأ بـ ﴿عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾
كل مرحلة مرّ بها النبي عليه الصلاة والسلام لها ما يقابلها اليوم :
فأقام النبي -عليه الصلاة والسلام- بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، بضع عشرة سنة يدعو النبي في مكة إلى الله، ليس هناك قتال، ولا جزية، ولا هم يحزنون، وأمر أصحابه بالكف عن قتال الأعداء:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
أي في مرحلة لا بدّ من أن تجهز نفسك لإيمان لا يتزلزل، لإيمان كالجبال، لإيمان راسخ رسوخ قمم الجبال، هذه المرحلة الأولى، فأقام النبي في قومه بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، ويُؤمَر بالكف، والصبر، والصفح.
﴿ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ
هذه مرحلة، ماذا فعل بهذه المرحلة؟ أسس صحابة إيمانهم كالجبال، لا تزلزلهم المصائب، صامدون، صادقون، الله -عز وجل- يصفهم ويقول:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23)﴾
هؤلاء النخبة، هؤلاء نخبة أصحاب رسول الله، هم الذين حافظوا على هذا الدين، وبعد أن انتقلوا إلى المدينة، وأسسوا دولة، وجهزوا جيشاً، الآن دخلوا في طور آخر، ثم أمرهم أن يقاتلوا من يقاتلهم، عهد الضعف، والصفح، والتسامح، هذا العهد مرحلي، الآن هناك شأن للمؤمنين، لهم كيان، لهم كرامة، لهم عزة، في هذا الوضع أُمروا أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم، ويكفوا عمن لم يقاتلهم، ثم أُمروا أن يقاتلوا ليكون الدين كله لله.
فلذلك هذه المراحل المتعاقبة تعطينا نماذج يعيشها المسلمون اليوم، فكل مرحلة مرّ بها النبي -عليه الصلاة والسلام- لها ما يقابلها اليوم.
من يملك السلاح و العدة مرهوب الجانب :
أيها الإخوة، الموضوع موضوع محدد، أنا عجبت عجباً كبيراً، زرت مرة سويسرا، وهذا البلد معروف أنه بلد مسالم دائماً، ولا علاقة له بأية حرب، فإذا يملك جيشاً من أقوى الجيوش، بل نظامه هناك أن كل مواطن عنصر في الجيش، وفي ساعات يجتمع شمل هذا الجيش لماذا؟ لا بدّ من أن تكون قوياً.
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
الذي يملك السلاح مرهوب الجانب ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد الإيمان بالله :
هناك ملمح دقيق في الآية يجب أن يكون عدوكم عدواً لله، لذلك:
(( كيف بكم إذا طغَى نساؤُكم وفسق شبَّانُكم وتركتم جهادَكم قالوا وإنَّ ذلك لكائنٌ يا رسولَ اللهِ قال : نعم والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ قالوا وما أشدُّ منه يا رسولَ اللهِ ؟ قال : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروفٍ ولم تنهَوْا عن منكرٍ قالوا وكائنٌ ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال : نعم والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ قالوا وما أشدُّ منه ؟ قال : كيف أنتم إذا رأيتم المعروفَ منكرًا والمنكرَ معروفًا قالوا وكائنٌ ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال : نعم والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ , قالوا وما أشدُّ منه ؟ والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ , يقولُ الله تعالَى : بي حلفتُ لأُتيحنَّ لهم فتنةً يصيرُ الحليمُ فيها حيرانَ . ))
سبب هذا الحديث أن الله -سبحانه وتعالى- حينما قال:
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بعد الإيمان بالله، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( كيف بكمْ أيُّها النَّاسُ إذا طَغى نِساؤُكم، وفسَقَ فِتيانُكم؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا تَركتُمُ الأمْرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا رأيتُمُ المُنكَرَ مَعروفًا والمعروفَ مُنكَرًا؟ ))
على كلٍّ أيها الإخوة، الآية الكريمة:
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.