- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده و رسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المصيبة من منظور إسلامي :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوع الخطبة اليوم المصيبة من منظور إسلامي ، المصائب واقعة في كل بقاع الأرض ، هناك أمراض كثيرة ، وهناك جوائح كثيرة ، وهناك فقر مدقع ، وهناك مجاعات ، وهناك اجتياح أراض ، المصائب واقعة ، و لكن العبرة في فهمها على الوجه الصحيح الذي أراده الله عز وجل . أوضح مثل يوضح معنى المصيبة أن هذه السيارة التي صُنعت لتسير ، لماذا فيها مكابح ؟ هذه المكابح ضرورية جداً لسلامتنا ، فمن أجل أن نبلغ الغاية التي أرداها الله قد نقصّر ، و قد نسهو ، و قد نغفل ، وقد نلهو ، فتأتي هذه المصائب كمذكرات .
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك قاعدة أصولية تفيدنا جداً ، تقول هذه القاعدة : " لا عبرة لدلالة الحال أمام التصريح " ، أي دخلت إلى بيت صديق لك ، رأيت في غرفة الضيوف إبريقاً من الماء الصافي العذب الزلال ، استنبطت من رؤيته أنه ماء للشرب ، ماء طاهر لا لون له و لا طعم له ولا رائحة ، فجاء صاحب البيت وقال : إياك أن تشرب من هذا الماء ، فهو ماء نجس، لقد كانت يد ابني ملوثة فوضعها في إبريق الماء ، كل استنباطاتك الخاصة سقطت أمام تصريح صاحب البيت ، الآن لو أنك أعملت عقلك في كل شيء ، واستنبطت ملايين المعلومات أمام تصريح الله عز وجل في القرآن الكريم ليس بشيء .
أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى :
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾
فسِّر ما شئت هذا هو القرآن الكريم ، هذا هو كلام خالق الأكوان ، أصحاب الجنة الذين أقسموا ليصرمنها مصبحين ، ولا يستثنون ، لا يعطون الفقراء :
﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾
قصة ، أناس عندهم بساتين ، وعندهم محاصيل ، وعندهم غلات وفيرة ، و كانوا أشحة ، أرادوا أن يمسكوا هذا عن الفقراء ، فطاف عليها طائف من ربك في الليل ،- صقيع- فأصبحت كالصريم ، تنادوا مصبحين- وصلوا إلى مزارعهم- ليس هي ، أين الثمار ؟ مَن قطفها ؟ إنا لضالون ، ثم تأكدوا أنها مزارعهم ، قالوا :
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾
ثم ذكّرهم أقربهم إلى الله عز وجل :
﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾
هذه القصة قُلبت إلى قانون :
﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾
أي يا عبادي أيّ عذاب أسوقه لخلقي من آدم إلى يوم القيامة كهذه القصة ، فاستنبط ما شئت ، و فسِّر المصائب كما شئت ، أعطها مليون تحليل و مليون زاوية ، هذا هو تصريح الله عز وجل في القرآن الكريم ، هذه آية محكمة :
﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾
وقال تعالى :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
وقال تعالى :
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
وقال تعالى :
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ﴾
الصواعق ، أو الصواريخ :
﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
إنها معالجة إلهية ، لا تنس هذه الآية الكريمة :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ الدنيا دار عمل و ليست دار جزاء ، من الممكن أن تكون أقرب الناس إلى الله ، وعندك بعض المصائب ، ومن الممكن أن تكون سليماً معافى غنياً قوياً جميلاً ، و لست عند الله بمكان ، إن الله يعطي الصحة و الذكاء و المال والجمال للكثيرين من خلقه ، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
الكبائر الباطنة أشدّ فتكاً في إيمان المؤمن من الكبائر الظاهرة :
أيها الأخوة ؛ حينما أقول في قوله تعالى :
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾
قد يقول قائل : واللهِ أعرف نفسي مستقيماً استقامة نادرة ومع ذلك تأتيني المصائب؟ مبدئياً ما كل ذنب ظاهر ، هناك ذنب باطن ، هؤلاء أصحاب النبي رضوان الله عليهم ، هم مع النبي و هم في الجهاد ومعهم سيد الخلق وحبيب الحق حينما قالوا في أنفسهم : لن نغلب من قلة ، نحن أقوياء ، نحن كثُر ، هذا ذنب باطن ، ليس ذنباً ظاهراً ، ما عصوا ربهم بجوارحهم ، ولكن قلوبهم حدثتهم أنهم أقوياء ، قال تعالى :
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
يا أيها الأخوة الكرام ؛ ولو وجدت نفسك مستقيماً على أمر الله فيما تعلم ، و لو وجدت أخاك مستقيماً على أمر الله فيما يعلم ، يجب أن تعلم أن هناك ذنوباً باطنة ، تكون أخطر من الظاهرة ، لأن الذنب الظاهر يسهل أن تعرفه و أن تستغفر الله منه ، ولكن الذنب الباطن خطير جداً ، لأنك تألفه ، و إنك تعتقد بصوابه ، لذلك الكبائر الباطنة أشدّ فتكاً في إيمان المؤمن من الكبائر الظاهرة .
حقيقة المصيبة :
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الخطبة من أجل أن تعرف حقيقة المصيبة ، المصائب كالمكابح في المركبة ، لا بد منها ، هل تستطيع أن تسير بمركبتك متراً واحداً بلا مكبح ؟ هلاك محقق ، و كذلك المصائب ، مع أن الله خلقك للسعادة ، قال تعالى :
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
خلقك لتسعد في الدنيا و الآخرة ، و لكن هذه المصائب مذكرة تكبح جماح النفس ، تلفت نظر الإنسان ، أي درس عملي ، هناك درس نظري ، و قد بينت لكم من قبل أن الله سبحانه و تعالى لحكمته البالغة و رحمته السابغة يبدأ بالدعوة البيانية ، يسمعك حديثاً ، يسمعك آية ، يسمعك خطبة ، تقرأ كتاباً ، تستمع إلى شريط ، تستمع إلى محاضرة ، دعوة بيانية ، أنت معافى صحيح ، فإن لم تستجب فلابد من التأديب التربوي ، قال تعالى :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
فإن لم تستجب خضعت لمرحلة ثالثة؛ الإكرام الاستدراجي ، فإن لم تشكر لم يبق إلا القصم ، أربع مراحل موضحة في كتاب الله ، في آيات كثيرة ، بدءًا من الهدى البياني ، مروراً بالتأديب التربوي ، ثم بالإكرام الاستدراجي ، ثم بالقصم .
الفوز الحقيقي هو الفوز بالجنة :
أيها الأخوة الأحباب ؛ ما كل مذنب يعاقب في الدنيا ، وما كل محسن يكافأ في الدنيا ، فالدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، الدنيا دار تكليف ، والآخرة دار تشريف ، لكن الله جلت حكمته يعاقب بعض المذنبين في الدنيا ردعاً لبقية المذنبين ، و يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً لبقية المحسنين ، و لكن الفوز الحقيقي ، و النجاح الحقيقي ، و التفوق الحقيقي ، و الكسب الحقيقي :
﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
قد تجد في بعض البلاد ما يدهش ، من غنى ، ومن أناقة ، ومن نظام ، ومن ، ومن ، وحدث ما شئت ، و لكن الله أجل و أكرم من أن يكون عطاؤه محدوداً في الدنيا ، هذا ليس عطاء خالق الأكوان ، عطاء الله أبدي سرمدي ، لذلك :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
الله سبحانه و تعالى لا يعذب أحبابه إن هم أطاعوه :
معنى آخر أيها الأخوة هو أن الله سبحانه و تعالى لا يعذب أحبابه ، هذا قول للإمام الشافعي استنبطه من آية محكمة ، قال تعالى :
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾
جيد ، أجابهم الله عز وجل :
﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
الباء باء السبب ، بسبب ذنوبكم :
﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
وإذا قال المسلمون : نحن أمة محمد ، نحن خير أمة أخرجت للناس ، نحن ، نحن ، نحن ، تكلموا عن أنفسكم ما شئتم ، الردّ الإلهي :
﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
فلو أن الله قبِل دعواهم لما عذّبهم ، أبداً ، لو أنه علم حالهم كمقالهم لما عذّبهم ، لذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية أن الله لا يعذب أحبابه .
من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :
طبعاً هناك أوضح من ذلك ، يقول الله عز وجل :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
حياة النبي بين أصحابه انتهت ، ارتقى إلى الرفيق الأعلى ، كيف نفهم الآية بعد غياب النبي عليه الصلاة و السلام ؟ قال العلماء : ما دامت سنة النبي مطبقة في حياتهم ، ما داموا في تجارتهم ، و في أعمالهم ، ووظائفهم ، ومهنهم ، و في بيوتهم ، وفي أفراحهم ، و في أتراحهم ، و في سفرهم ، وفي حلِّهم ، و في ترحالهم ، و في سلمهم ، و في حربهم ، وفي أوقات مرحهم ، و في أوقات لهوهم ، وفي أوقات مصائبهم مطبقين سنتك يا محمد :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
نحن في بحبوحة ما دمنا نطبق منهج النبي التفصيلي ، لأن الله جاء بالقرآن الكريم بمعان كلية ، وأوكل أمر تبيان تفاصيلها للنبي عليه الصلاة و السلام ، و أمرنا أن نأخذ ما أتانا، وأن ننتهي عما عنه نهانا ، لذلك قال بعض العلماء : ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة ، وقد أمرنا ربنا أن نأخذ عن النبي ، وأن ننتهي عما عنه نهانا .
معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم :
كيف نطبق هذا الأمر إن لم نعرف ماذا أمرنا ؟ وماذا عنه نهانا ؟ إذًا معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم ، وإذا قال الله عز وجل :
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
هو أسوتكم ، و قدوتكم ، ومثلكم الأعلى ، كيف يكون أسوتنا ومثلنا إن لم نعرف ماذا فعل في بيته ؟ وكيف عامل زوجاته ؟ و كيف عامل جيرانه ؟ وكيف عامل أصحابه ؟ وكيف كان في سلمه وحربه ؟ كيف كانت أخلاق دعوته ؟ أخلاق جهاده ؟ إذًا معرفة سيرة النبي فرض عين ، وكل أمر في القرآن الكريم ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك يقتضي الوجوب، يؤكد هذه المعاني حديثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
((بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
وحينما فسَّرت قوله تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم الذي برئ من شهوة لا ترضي الله ، وبرئ من عبادة غير الله ، وبرئ من تصديق خبر يناقض وحي الله ، وبرئ من الحب مع الله ، بل ينبغي أن يحب في الله ، هذا هو القلب السليم :
(( قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ))
ثم سأله ثانية :
(( وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ ))
لكرم الله وعظمته و رحمته وحكمته أنشأ لنا حقًّا عليه :
((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
ألا يكفينا هذا الحديث الصحيح ؟ ألا يملأ قلبنا طمأنينة وأمناً وسلاماً و رضاً و ثقة بالله عز وجل ؟ حق العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم ، مَن منا يحب العذاب ؟ مَن منا يحب مرضاً عضالاً ؟ من منا يحب فقراً مدقعاً ؟ من منا يحب ذلاًّ مهيناً ؟ من منا يحب قهراً من إنسان يأكل و يشرب مثلنا ؟ من ؟ ما من إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا و يتمنى السلامة و السعادة ، إلا أنه أخطأ طريقهما ، لذلك أهل النار وهم في النار ماذا يقولون ؟
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
أزمة علم فقط :
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
أنواع المصائب :
أيها الأخوة الكرام؛ ولكنه من الخطأ الفادح ، والخطأ الفاضح أن تظن أن كل مصيبةٍ مصيبة ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
النعم الباطنة هي مصائب المؤمنين ، و لكن بعض العلماء قسم المصائب خمسة أقسام ، القسم الأول مصائب القصم ، قال تعالى :
﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
هذه مصائب أهل الفجور ، وأهل الفسق والانحراف ، وأهل الكفر والإلحاد ، مصائب قصم ، أي ضربة واحدة :
﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾
المصائب الأخف من ذلك مصائب الردع ، إذا علم الله في هذا الإنسان بقية خير تأتيه مصيبة ردع ، يبقيه حيًّا و لكن يأتيه شيء لا يُحتمل ، فلعله يعود إلى الله عز وجل ، دققوا في هذه الآية :
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾
" بـ " باء السبب :
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾
الشهوات دوافع إلى الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ ليس في الكون فساد إلا من صنع مخلوقين؛ الإنس و الجن ، لأنهما مخيران ، و لأنهما أودعت فيهما الشهوات ، فأصل الفساد من مخلوق أودع الله فيه شهوة جامحة ، و أعطاه منهجاً قويماً ، ليرشد هذه الشهوة ، فضرب بالمنهج عرض الطريق ، وتحرك بشهوته بلا منهج ، وبلا ضابط فأفسد ، هذا أصل الفساد ، إنْ كان فساداً في علاقته مع المرأة، وفيه مليون انحراف ، أو في كسب المال ، وأكبر كتلتين للفساد كسب المال و العلاقة مع المرأة، ولهذين الكتلتين منهج واضح في الإسلام ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف أنك لو اتبعت هواك وفق منهج الله لا شيء عليك ، ليس في الإسلام حرمان ، في الإسلام تنظيم ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا و جعل لها قناة نظيفة تسري فيها ، إن هذه الشهوات أودعها الله فينا لحكمة بالغة ، ولولا هذه الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض و السموات ، كيف تتقرب إلى الله من دون شهوة ؟ ما قيمة إنفاق الألف ليرة إن كان المال لا تشتهيه ؟ ما قيمة غض البصر إن كانت المرأة لا تشتهيها ؟ ما قيمة ضبط اللسان إن كان إفشاء الفضائل لا تشتهيها ؟
أيها الأخوة الكرام ؛ الشهوات دوافع إلى الله ، إنها كالوقود السائل في المركبة ، إذا وُضعت في مستودعاتها المحكمة ، وسالت في أنابيبها المحكمة ، وانفجرت في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ولّدت حركة نافعة ، أما إذا خرجت الشهوات عن مسارها ، و جاءت المركبة شرارة أحرقت المركبة و مَن فيها ، فالشهوات إما أن تكون قوى دافعة إلى الله ، وإما أن تكون قوى مدمرة ، إنها حيادية ، ولأن الإنسان مخير فكل شهواته التي أودعها الله فيه حيادية ، يمكن أن توظف في الخير ، و يمكن أن توظف في الشر ، بل إن كل حظوظ الإنسان التي منحه إياها حيادية ، هل المال نعمة ؟ نقول : لا ، هل هو نقمة ؟ نقول : لا ، المال مادة موقوفة على طريقة استخدامه :
﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾
هذه مقولته :
﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾
الرد الإلهي :
﴿كَلَّا﴾
أداة ردع و نفي ، كلا ليس عطائي إكراماً ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، و حرماني دواء ، هذه حقيقة ، فالمال نعمة إذا أُنفق في الحق ، نقمة إذا أنفق في الباطل ، طلاقة اللسان نعمة إذا شُرح به الحق ، و نقمة إذا شُرح به الباطل ، وسامة الإنسان نعمة إذا كان عوناً على خدمة الخلق ، نقمة إذا كانت سبباً في الغواية والفساد ، أيُّ حظ أعطاك الله إياه هو نعمة إذا وظفته في الحق ، و نقمة إذا وظقته في الباطل .
تتمة أنواع المصائب :
يا أيها الأخوة الكرام أما المؤمنون فدققوا في هذه الآية :
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾
أيها المؤمنون :
﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾
شيء معتدل :
﴿وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
أيها الأخوة ؛ هذه مصائب الدفع ، الفجار الملحدون الكفار مصائب قصم ، فمن كان فيه بقية خير يُعطى فرصة ، مصائب ردع ، من كان مستقيماً على أمر الله لكن الله أراد أن يدفعه إليه بسرعة أعلى مصائب دفع :
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
لكن الله عز وجل جعل لكل عبد من عباده المؤمنين مرتبة ، إما أن يصل إليها بأعماله الصالحة ، فإذا قصّر بأعماله الصالحة ابتلاه الله بمصيبة كي يصبر عليها فيرقى إلى هذه المرتبة ، صار هناك مصائب قصم ، ومصائب ردع ، ومصائب دفع ، و مصائب رفع ، لك عند الله مرتبة ، لم تعمل عملاً صالحاً كي تبلغها ، فساق الله بعض المصائب كي تصبر عليها فتبلغها ، هذه مصائب الرفع ، أما مصائب الكشف فهي مصائب الأنبياء ، ينطوون على كمال ما بعده كمال ، وعلى خلق ما بعده خلق ، و على محبة لأعدائهم ما بعدها من محبة ، فيكشف الله حقيقتهم ، يذهب إلى الطائف عليه الصلاة السلام فيمشي ثمانين كيلومتراً في جبال وعرة ، ثم يكذبه أهل الطائف ، و يسخرون منه ، ويغرون صبيانهم بإيذائه ، فيأتيه جبريل و ملك الجبال و يقول : "يا محمد لو شئت أطبقت عليهم الجبلين ؟ فقال : لا يا أخي ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحِّده" هذه مصائب الكشف ، سيعطيهم الله عطاء لا حدود له ، لا بد من عمل في الدنيا يتناسب مع هذا العطاء .
من فهم على الله حكمة المنع انقلب المنع عين العطاء :
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه بعض الحقائق المتعلقة بالمصائب ، فلا بد من أن يفهم المؤمن حقيقة المصيبة ، لذلك حينما تفهم حكمة المنع ينقلب المنع عين العطاء ، حينما تفهم على الله حكمة المنع ينقلب المنع عين العطاء ، وهذه حقيقة مسلم بها ، لذلك من الأدعية المأثورة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ :
((اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ ))
على الحالتين رابح ، إن أعطاك الله ما تشتهي ينبغي أن توظفه في الحق ، وإن حرمك شيئاً تشتهيه ينبغي أن تستغل فراغك في طاعة الله .
أيها الأخوة الكرام ؛ أجمل دمعة تمر في حياة الإنسان تلك الدمعة التي تسقط على وجنتيه وهو يستشعر عظمة الخالق ، وعظم الذنب الذي اقترفه ، إنها دمعة حارة ، خرجت من قلب خاشع ، خاضع لله ، قال تعالى :
﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾
هذه الدمعة تفاعلت مع قلب هذا الإنسان التائب العائد إلى الله ، فأكثر من الاستغفار :
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾
التوبة مرحلة أولى لكن بعد التوبة رسالة ينبغي أن تحقق :
أيها الأخوة الكرام ؛ هل تصدقون أن خالق الأرض و السموات يفرح إذا تبت إليه :
((إنّ الله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والظمآن الوارد ، والعقيم الوالد))
هل تصدق أن أعرابياً يقطع الصحارى على ناقة ، جلس ليستريح ، فافتقد الناقة فأيقن بالهلاك ، ثم استيقظ فرآها أمامه فاختل توازنه وقال : "يا ربي أنا ربُّك وأنت عبدي " ، فقال عليه الصلاة و السلام :
((لله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته ))
أيها الأخوة هؤلاء المسلمون ، هؤلاء العرب المسلمون كانوا أصحاب رسالة ، نقلوا هذا الإسلام إلى مشارق الأرض وإلى مغاربها ، ندعوكم إلى التوبة الآن ، لكن هناك مهمات تفوق التوبة ، التوبة مرحلة أولى ، لكن بعد التوبة هناك رسالة ينبغي أن تحقق ، فأعيدوا أيها الأخوة مجد أمتكم ، بحمل هذه الرسالة السماوية ، بعد تفهمها و العمل بها ، احملوها إلى الأمم و الشعوب ، فقد كانت دمشق عاصمة الدولة التي امتدت من الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً ، تنشر تعاليم الإسلام المستندة إلى التسامح والعدل والإخاء و المساواة ، دولة مترامية الأطراف من الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً ، عاصمتها دمشق ، تنشر تعاليم الإسلام المستندة إلى التسامح والعدل والإخاء والمساواة ، أين نحن من ماضينا أيها الأخوة ؟ ألا نشتهي أن نعيد مجد ماضينا ؟ ألا نشتهي أن نكون أمة في طليعة الأمم ؟ هؤلاء الذين كانوا رعاة للغنم ، فأصبحوا بهذا الدين العظيم قادة للأمم ، ليكن كلٌّ منكم سفير الإسلام ، ليكن كلٌّ منكم مطبِّقاً لشرع الله عز وجل ، داعياً إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة ، نحن في أمس الحاجة إلى دعوة واعية، ودعوة صادقة ، ودعوة مخلصة ، و دعوة علمية ، ودعوة روحية .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس مَن دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخل و فوائده :
أيها الأخوة الكرام ؛ عن سيدنا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ :
((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ فَقَالَ مَا مِنْ أُدُمٍ فَقَالُوا لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ قَالَ فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدُمُ ، قَالَ جَابِرٌ فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
في حديث آخر أنه دعي إلى طعام ، فكان الداعي فقيراً فقدم خبزاً وخلاًّ ، فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( نِعْمَ الْأُدُمُ أَوْ الْإِدَامُ الْخَلُّ ))
فكنت أظن أنا أن هذا جبراً لخاطره ، ولكن العلماء اكتشفوا أن للخل فوائد لا تعد ولا تُحصى ، فقالوا : الخل يقتل الجراثيم خلال دقائق داخل المعدة
أي إذا التعقيم غير جيد ، طبق من السلطة غير جيد ، فالخل الذي فيها يقتل كل الأخطاء الناجمة عن عدم التنظيف الكافي
يقتل الجراثيم خلال دقائق داخل المعدة وخارجها ، بل إنه يقي المعدة من الإسهالات و التسممات
وفيه من المعادن البوتاسيوم ، والفوسفور ، والكلورين ، والصوديوم ، والمغنيزيوم ، والكالسيوم ، والكبريت
وقيمته الحرورية صفر ، الكالوري في هذه المادة صفر
وهو يداوي التهابات الفم و الحلق
و يزيل الشحوم و يسكن ألم الشقيقة
و يشفي التهاب المفاصل ، ويزيل الترسبات داخل شرايين الجسم
فهذا كلام النبي ليس من عنده ، إن هو إلا وحي يوحى ، إنه طبيب القلوب ، وطبيب الأجساد ، وهذا من الطب النبوي
ولا سيما خل التفاح .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، و عافنا فيمن عافيت ، و تولنا فيمن توليت ، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت ، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك ، و إنه لا يذل من واليت ، و لا يعز من عاديت ، تباركت ربنا و تعاليت ، و لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، اللهم أعطنا و لا تحرمنا ، أكرمنا و لا تهنا ، آثرنا و لا تؤثر علينا ، أرضنا و ارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معصيتك ، و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، و متعنا اللهم بأسماعنا و أبصارنا و قوتنا ما أحييتنا ، و اجعله الوارث منا ، و اجعل ثأرنا على من ظلمنا ، و انصرنا على من عادانا ، و لا تجعل الدنيا أكبر همنا ، و لا مبلغ علمنا ، و لا تسلط علينا من لا يخافك و لا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، و ذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء ، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين ، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، و ما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب ، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، و من الخوف إلا منك ، و من الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، و من شماتة الأعداء ، و من السلب بعد العطاء ، مولانا رب العالمين ، اللهم بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحق و الدين ، و انصر الإسلام و أعز المسلمين ، و خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى ، إنك على ما تشاء قدير و بالإجابة جدير .