- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظر أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومَن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
العلاقة الترابطية بين المعصية و ضعف الإيمان :
أيها الأخوة المؤمنون؛ في الجمعة السابقة تحدَّثت عن مظاهر ضعف الإيمان، وقدَّمت لهذا الموضوع بأن معظم الدُعاة والخطباء، جزاهم الله خيراً، يصفون الواقع المُر الذي يعيشه المسلمون من تقصيرٍ، ومعصيةٍ، ومخالفةٍ، ونفاقٍ، وما إلى ذلك، وذكرت أيضاً أن كل هذه الأوضاع السيئة إنما هي أعراض لمرضٍ واحد هو الإعراض عن الله عز وجل، وأن وراء الإعراض عن الله عز وجل ضعف الإيمان به وضعف معرفته.
ثم ذكرت عدداً من مظاهر ضعف الإيمان يزيد على عشرين مظهراً، ووعدتكم أن أعالج في هذا الأسبوع أسباب ضعف الإيمان، وقبل أن أدخل في الأسباب التفصيلية لابد من نقطة دقيقة وهي أن بعض مظاهر ضعف الإيمان هي نفسها أسبابٌ لضعف الإيمان، يعبِّر عن هذا العلماء بالعبارة التالية: هناك علاقة ترابطية، أي أن ضعف الإيمان سببٌ للمعصية، وأن المعصية نفسها تُبْعِد عن الله وتسبب ضعف الإيمان، فالمظهر يكون أحياناً سبباً، لأن بين المظهر وبين السبب علاقة ترابطيَّة، فكما أن ضعف الإيمان يوَلِّد معصيةً للواحد الديان كذلك المعصية نفسها تسبب ضعف الإيمان، وكأن الإيمان ينهار درجةً درجةً عن طريق المعصية، فالمعصية تضعف الإيمان، وضعف الإيمان يسبب معصية أكبر وهكذا، فالمعاصي، والانشغال بالدنيا، ومعظم مظاهر ضعف الإيمان يمكن أن تنقلب إلى أسبابٍ لضعف الإيمان، فضلاً عن هذه المقدِّمة هناك أسبابٌ كثيرةٌ لضعف الإيمان.
أسباب ضعف الإيمان :
1 ـ الابتعاد عن الأجواء الدينية فترة طويلة :
أيها الأخوة؛ من هذه الأسباب الابتعاد عن الأجواء الدينية فترة طويلة، وهذا مدعاةٌ لضعف الإيمان في النَفس، يقول الله عز وجل:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
أن تبتعد عن أجواء الإيمان فترةً طويلة، أن تبتعد عن المساجد، عن خُطَب الجمعة، عن دروس العِلْم، عن اللقاء مع المؤمنين، عن صُحْبة الأعلام، عن صحبة الأولياء الصالحين بالمفهوم القرآني..
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
أن تبتعد عن المساجد، وعن دروس العِلم، وعن القرآن، وعن السُّنة، وعن أهل الإيمان، وعن الصالحين، وأن تكون في أجواءَ أخرى إلى أمدٍ طويل هذا يضعف الإيمان.
طائفة من أحاديث رسول الله متعلِّقة بصلاة الجمعة :
أيها الأخوة ؛ إليكم طائفة من أحاديث رسول الله المتعلِّقة بيوم الجمعة، بصلاة الجمعة، يقول عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ))
فلو أن إنسانًا مرِض مرضًا يُقْعده عن الذهاب إلى المسجد فهو معذورٌ، لكن من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه. وفي حديثٍ آخر عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ))
وفي حديث ثالث:
((مَنْ تَرَكَ ثَلاَثَ جُمُعَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُتِبَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ))
و.. من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عِلَّة ولا مرض ولا عذر طبع الله على قلبه.
خطبة الجمعة شحنة علمية روحية أسبوعية، وهي فريضة، فإذا ابتعدت عن حضور خُطَب الجمعة، وعن مجالس العلم، وعن صُحْبة العلماء، وعن صحبة الصالحين، وابتعدت عن أجواء القرآن الكريم، عن أجواء السنة المُطَهَّرة، وابتعدت عن أهل الإيمان فما البديل؟ الأجواء الأخرى التي يعيشها الناس أجواء بعيدة عن الإيمان، مُبعدة عن الإيمان، أجواء الشاشة تُبعد عن الإيمان بُعد الأرض عن السماء، أجواء الأسواق، أجواء الحفلات، أجواء الاختلاط، كل هذه الأجواء، أجواء الصحافة، أجواء المجلاَّت بما فيها من صور، ومن تعليقات، ومن قصص، هذا الذي يعيشه الناس كل يوم يبعدهم عن الإيمان.
لك أن تقرأ الخبر الصادق، وليس لك أن تقرأ القصة الماجنة في الجريدة، لك أن ترى الكعبة المشرفة في صورة، لكن ينبغي ألا ترى صورة لا ترضي الله عز وجل في الجريدة، فالأجواء التي يعيشها الناس بعيدة عن الإيمان ومبعِدة عن الإيمان. يقول الحسن البصري: " إخواننا أغلى عندنا من أهلينا.... "، الإنسان المؤمن له أخوان في الله وله أهل، غريب كلام الحسن البصري وهو سيد التابعين، قال: " إخواننا أغلى عندنا من أهلينا، فأهلونا يذكروننا بالدنيا، وأخواننا يذكروننا بالآخرة ".
أيها الأخوة الكرام ؛ أن يعيش الإنسان لفتراتٍ طويلةٍ مديدةٍ مع أجواء لا ترضي الله؛ هناك دعوةٌ إلى معصية، هناك إقرارٌ على انحراف، هناك صورٌ زاهية تغري بالدنيا ويتكالب عليها الإنسان من شدة التأثيرات، حتى هذه الإعلانات أحياناً تثير في النفس رغبة باقتناء هذه المركبة، لشدة عرضها عرضاً جذَّاباً، فكل هذه الأجواء التي يعيشها الناس بعيدة عن الإيمان وتبعدهم عن الإيمان أيضاً.
2 ـ الابتعاد عن القدوة الصالحة :
هناك سبب آخر لضعف الإيمان هو الابتعاد عن القدوة الصالحة، فالشخص الذي يلتقي برجل صالح، بعالم ورع مُحقق، يأخذ من علمه، ويأخذ من خلقه، فهو يعيش جو الإيمان، أما إذا ابتعد الإنسان عن الصالحين والتصق بالطالحين، وابتعد عن أهل الإيمان وكانت علاقاته مع أهل الكفر والعِصيان، وابتعد عن الأُناس المُنصفين وخالط المنحرفين، فأثر الرجل في صاحبه يكاد لا يصدَّق، لذلك قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
وكأن الله عز وجل يُعَلِّمنا أنكم لن تستطيعوا أن تتقوني إلا إذا كنتم مع الصالحين..
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
ولك أن تفهم الآية فهماً بطريقةٍ أو بأخرى..
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
أيها الأخوة الكرام... قل لي مَن تصاحب أقل لك مَن أنت، لا تصاحب مَن لا يرقى بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله، لا تصاحب أهل الدنيا.. فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نصحها -:
((إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنْ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ))
يقصد النبي عليه الصلاة والسلام الأغنياء غير المؤمنين.. من دخل على الأغنياء - والمقصود غير المؤمنين - خرج من عندهم وهو على الله ساخط .
الصحبة لها أثر لا يصدق، إن صاحبت أهل الإيمان اقتربت من الإيمان، وإن صاحبت أهل الكفر والعصيان اقتربت من الكفر والعصيان، إن صاحبت أهل الدنيا اشتهيت الدنيا، إن صاحبت أهل القيَم اشتهيت القيم، قل لي مَن تصاحب أقل لك مَن أنت، لذلك يجب أن تختار أصحابك، وإخوانك، وأصدقاءك، بعنايةٍ فائقة، إما أن يرقى بك أو أن يهوي بك، إما أن يكون سبيلاً لك إلى الجنة أو سبيلاً لك إلى النار، إما أن يغريك بطاعة، وإما أن يغريك بمعصية، إما أن يحبب إليك الآخرة، وإما أن يحبب إليك الدنيا، فحينما نبتعد عن القدوة الصالحة نبتعد عن الإيمان، وكأن أجواء الإيمان شحنة، وكأن المؤمنين الصادقين الأتقياء المخلصين العاملين شحنة أخرى إلى الله عز وجل.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووري التراب، فقال الصحابة: فأنكرنا قلوبنا. بعد وفاته أنكرنا قلوبنا، وقد ورد في تفسير هذه الآية:
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾
لأنك حِلُّ بهذا البلد كان بلداً مقدساً، فأنت حينما تبتعد عن المؤمنين، وتلتقي بالطالحين، بالفسقة، بالفُجَّار، بالمنافقين، بالغارقين في حب الدنيا، بالذين يبيعون دينهم بعرضٍ من الدنيا قليل، فإذا صاحبتهم فبعد حين تألفهم، تُقِرُّهم على معصيتهم، ترى أنَّهم منطقيون، ترى أنَّهم واقعيون، وهذا ما يقع لمَن يعيش في بلاد الغرب، في الشهر الأول يستنكر انحرافاتهم، يستنكر تفلُّتهم، يستنكر كل تصرفاتهم وأعمالهم، بعد حين يستمرئ أعمالهم، ويقرهم عليها، يدافع عنهم، يحتقر أمَّته الإسلامية، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ أَقَامَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمِّةُ))
والمؤمن إذا جلس في المقاصف والمتنزِّهات، حيث الغناء، وحيث النساء الكاسيات العاريات، يذهب إلى أي مكان دون حرج، يلتقي مع مَن يشاء دون حرج، فهو يُبعد نفسه عن أجواء الإيمان، يقترب من أجواء الكفر والعصيان.
أيها الأخوة الكرام ؛ الفقهاء الأجلاَّء عددوا ثلاثاً وثلاثين حالةً تجرح العدالة: مَن عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته وحرمت غيبته، لكن من أكل لقمة من حرام، لقمة واحدة، جرحت عدالته، لا تقبل شهادته، فرق كبير بين أن تسقط عدالته وبين أن تجرح عدالته، من مشى حافياً، ومن بال في الطريق، ومن أكل في الطريق، ومن طفّف بتمرة، ومَن علا صوته في البيت تجرح عدالته، ومَن صحب الأراذل تجرح عدالته، ومن تنزَّه في الطرقات، مقاهي الرصيف أحدث شيء الآن، ليملأ عينه من محاسن النساء الغاديات الرائحات، ومن تنزَّه في الطريق جرحت عدالته، من قاد برذوناً جرحت عدالته، من أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته.
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ يقول بعض أصحاب رسول الله: ( بعد موت رسول الله كنا كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة )، مع أن النبي ترك قمماً وترك جبالاً من البطولات، فما بال الناس يلتقون مع المنحرفين، مع الكاذبين، مع الساقطين، مع شاربي الخمر، مع الذين يكيدون للناس، مع الذين يبتزون أموالهم، مع الذين يقهرونهم، يلتقون معهم ويفتخرون بصحبتهم، هذه الصُّحبة السيِّئة سبب ضعف الإيمان.
3 ـ الابتعاد عن طلب العلم الشرعي :
أيها الأخوة الكرام ؛ ثم إن الابتعاد عن طلب العلم الشرعي، الابتعاد عن الكتب التي تذكِّرك بالله، وفي رأس هذه الكتب كلام الله عز وجل ؛ القرآن الكريم، الذي يبتعد عن أجواء القرآن الكريم بعيدٌ عن الإيمان، لا يقرؤه، لا يفهمه، لا يتدبره، لا يحل حلاله، لا يحرِّم حرامه، أين هو من الإيمان؟ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ))
((رُبَّ تالٍ للقرآن الكريم والقرآن يلعنه ))
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك كتب تذكرك بالله، هناك كتب تذكرك بالدار الآخرة، هناك كتب ترقق قلبك، تقرِّبك من الله عز وجل، وهناك كتبٌ إن لم تضر لا تنفع ولا تقرِّب، لذلك ما من دعوةٍ صادقةٍ وما من كتاب مؤثرٍ إلا يخاطب العقل والوجدان معاً، انظر إلى قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾
لقد خاطب القلب وخاطب العقل معاً، هناك مَن يقرأ كتباً تبعده عن الدين، لو ابتعدنا عن الكتب المنحطة لكان أولى وأجدى، فهناك كتب قصص، تاريخ، موضوعات لا ترقق القلب، عنده هواية تاريخية مثلاً في التاريخ القديم؛ تاريخ الإغريق، ماذا يفعل بك هذا الموضوع؟ قد يكون ممتعاً، ولكن ليس بنافعٍ إطلاقاً، العمر قصير، ما يطبع في اليوم الواحد باللغة الإنكليزية لا تستطيع أن تقرأه في مئتي عام، يجب أن تختار، أن تصطفي، أن تصطفي الكتاب الذي يذكرك بالله واليوم الآخر، أن تختار كتاباً يعرِّفك أحكامَ الفقه.
أيها الأخوة الكرام ؛ أردت أن أقول بشكلٍ مختصر: إنّ هناك مطالعات لا جدوى منها إطلاقاً، مطالعات لا تقدِّم ولا تؤخر، بل تصرفك عن مهمتك الأساسية في الحياة، يجب أن تختار الكتاب الذي يحرِّك قلبك، ويغذي عقلك، قلت لكم سابقاً: الكتاب القيِّم تقرؤه وتنتهي من قراءته، فتبدأ متاعبك، والكتاب السخيف تقرؤه فتنتهي من قراءته وتتثاءب وتنام، الكتاب القيِّم هو الذي يعرفك بمهمتك في الحياة، بمسؤوليَّاتك، بماذا ينتظرك.
أيها الأخوة ؛ حتى في العلوم الدينية، هناك علوم ما أشدَّ حاجة المسلمين إليها، ومع شدة حاجة المسلمين إليها يجعلونها وراء ظهورهم، لكن الإنسان العاقل حينما يكتفي بها ينكر قلبه، هناك كتبٌ ضمن الحقل الديني، ولكن إذا بالغ الإنسان وانصرف إليها دون أن يلتفت إلى قلبه وإلى أحواله، هذه الكتب تكون حجاباً بينه وبين الله، بل إن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، والشيء قد لا يصدق فإنه قال: هناك بعض العلوم الفرعية جداً في الدين قد تكون حجاباً بينك وبين الله، إنْ أتقنتها، وتمكَّنت منها، واستعليت بها على الناس، ورأيت أنك وحيد عصرك في هذا العلم، هذا العلم وهذا الاعتداد بالذات، وهذا الكبر حجبك عن الله عز وجل، فلابد من أن تتعاهد قلبك.
أيها الأخوة الكرام ؛ شيخٌ جليل نصح تلميذه المتخصص بفرعٍ من فروع الدين، قال له: يا بني عليك بالمتن، التفت إلى متن الأحاديث من أجل أن تعي ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، ولا تجعل عمرك كله في السند، عليك بالمتن، اقرأ المتن، وطبِّق مضمون المتن.
أيها الأخوة ؛ يقول بعضهم: أهل الحديث هم أهل رسول الله، هم إن لم يصحبوا نفسه صحبوا أنفاسه، كلام النبي مُرَقِّق، كلام النبي واضح، كلام النبي معصوم عن الخطأ، كلام النبي وحيٌ غير متلو لا ينطق عن الهوى، أنا أعجب أشدّ العجب من بيتٍ ليس فيه كتاب للحديث الصحيح، الكتاب الذي تضمن أنه من عند الله عز وجل بشكلٍ غير مباشر هو حديث رسول الله.
أيها الأخوة؛ ملخَّص هذا البند: الابتعاد عن الكتب الإيمانية، والاستغراق بموضوعات أدبية قصصية لا تقدِّم ولا تؤخر، ولا ترقى بك، ولا تزيدك علماً بالله ولا قرباً منه فهذه مُضِرة ومُفسِدة، ورد في بعض الأدعية:
((لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً ))
هناك شيءٌ آخر ؛ وهي طرفة: إنسان دخل إلى مكان موبوء بالمعاصي، ألقى نظره يمنة فقال: أعوذ بالله، ثم ألقى نظره يسرة فقال: أعوذ بالله، فقيل له: لماذا جئت إلى هنا؟ هذا المكان ليس لك، لا يليق بك أن تكون في هذا المكان، فهذا الذي ينتقل من فندق إلى فندق، من لقاء إلى لقاء، لقاء متفلِّت، مختلط، نساء كاسيات عاريات، الكفر البواح، فأنتَ بإيمانك منزَّهٌ عن كل هذا، والدنيا مزيَّنة إلى أقصى درجة، هذه الأمكنة تبعدك عن الإيمان، المؤمن في المسجد كالسمك في الماء، والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص، يتضايق.
4 ـ وجود المسلم في وسط يَعُجُّ بالمعاصي :
أيها الأخوة الكرام ؛ وجود المسلم في وسط يَعُجُّ بالمعاصي، يتباهى أحدهم بمعصية يرتكبها، يترنَّم بألحان أغنية، بكلمات ساخطة، وآخر يدخِّن، ورابع يتصفّح مجلةٌ ماجنة، وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم، والقيل والقال، والغيبة والنميمة، وأخبار الساقطين والساقطات الأحياء منهم والأموات، هذه الأجواء تبعدك عن الإيمان، تبعدك عن الواحد الديَّان، هناك مَن يكون في أوساط لا يُذكر فيها إلا الدنيا، أحاديث التجارة، والوظيفة، والأسعار، والأموال، والاستثمارات، ومشاكل العمل، والعلاوات والترقيات، كل ما يلقى في هذا المجلس يبعدك عن الله.
هذا يقول: أنا أنفقت كذا، وذاك يقول: أنا أنفقت كذا، كل واحد يتباهى بمكانته، بدخله، بإنفاقه، بترفه، أنت لا دخل لك مع هؤلاء، هؤلاء يبعدونك عن الله عز وجل، اجلس مع المؤمنين، اصحب المؤمنين، لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي، لابد من أن يكون لك كهفٌ تأوي إليه، إنه مسجدك، وإنه بيتك، ابتعد عن الفسقة والفجار، ابتعد عن المظاهر الدنيوية الأخَّاذة، هذه تحزن القلب فهي جميلة جداً ولكنْ لا تملك ثمنها.
ذكرت مرة أن الذي يأتي مع زوجته إلى بيت من بيوت الله، يستمعان إلى درس علم تزداد العلاقة بينهما التصاقاً، لأن الذي تكلَّم ذَكَّرها بحق زوجها عليها، وذكَّره بحق زوجته عليه، فيزداد الوئام والمحبة بينهما، فلو ذهبا إلى السوق ورأت حاجة جميلة جداً لا يملك زوجها ثمنها، نشب خلافٌ بينهما، لذلك ورد عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
((أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا جِبْرِيلُ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ فَقُلْتُ لَا أَدْرِي وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا ))
يا أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ))
ويقول في حديث آخر عند ابن ماجه والطبراني وهو في صحيح الجامع:
(( يَكْفِي أَحَدَكُمْ مِثْلُ زَادِ الرَّاكِبِ ))
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الرِّفْقُ فِي الْمَعِيشَةِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ التِّجَارَة))
من تجارة محرَّمة، من تجارة تجعلك قلقاً طوال حياتك، هناك تجارات مربحة، ولكنها مقلقة قلقاً لا يحتمل، ابتعدت بها عن الله عز وجل.
5 ـ الانشغال بالمال والزوجة والأولاد :
أيها الأخوة الكرام ؛ ومن أسباب ضعف الإيمان الانشغال بالمال والزوجة والأولاد، يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾
يقول عليه الصلاة والسلام:
((حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ))
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الطبراني في الكبير، وهو في صحيح الجامع، دققوا في هذا الحديث:
(( الولد محزنةٌ مجبنةٌ مجهلةٌ مبخلةٌ ))
أي أن الولد مع أب ضعيف الإيمان يدعوه إلى أن يكون دائماً حزيناً، جباناً، فيقعد عن الجهاد، جاهلاً، فيبتعد عن مجالس العلم، بخيلاً، فيحرص على المال له، الذرية من دون إيمان قوي تغدو محزنةً، مجبنة، مجهلة، مبخلة، ليس القصد أن يدع الزواج وإنجاب الذرية أبداً، ولكن المطلوب أن يكون هذا في طاعة الله، وأن يكون هذا منسجِمًا مع هَدْيِ الله، وأن يكون على منهج الله عز وجل.
يقول عليه الصلاة والسلام أيضاً في صحيح الجامع عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ ))
وقد ذكَّرتكم كثيراً أن المأخذين الخطيرين الذيْن يُسقِطان إيمان الإنسان هما المال والمرأة، ومن كان محصناً من المال الحرام والمرأة الحرام فهو في حصنٍ حصين، والذين يسقطون في العالَم إما بفضيحة أخلاقية، أو فضيحة مالية، وقد سمعت في بعض الأخبار، وذكرت هذا من قبل، أن أعداءنا في خبرٍ واحد: سقط رئيس كيانهم بفضيحة مالية، ووزير دفاعهم بفضيحة جنسية، من حُصِّن تجاه المرأة الحرام والمال الحرام فهو في حصنٍ حصين.
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ))
المال والشرف، الشرف هنا بالمعنى الاجتماعي السمعة، أنا مِنْ بيت فلان، نحن هكذا رُبِّينا، حينما تعتز بأسرة متفلِّتة هذا كالذئب في الغنم، يجب أن تعتز بالإسلام، أن تعتز بالقرآن، أن تعتز بأهل التوحيد، أن تعتز بالمؤمنين، وهناك مزلقٌ خطير ؛ هناك مؤمنون من رواد المساجد يعتزون بأُسَرهِم اعتزازاً باطلاً. عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ))
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
((وَيْلٌ لِلْمُكْثِرِينَ إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا أَرْبَعٌ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ قُدَّامِهِ وَمِنْ وَرَائِهِ ))
الإكثار من المال إذا كان الهدف منه إنفاقه في سبيل الله فهو نعمة، أما الإكثار من المال من دون هذا الهدف فمن أكبر المصائب، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
6 ـ طول الأمل :
من أسباب ضعف الإيمان أيضاً طول الأمل، قال تعالى:
﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾
كلام سيدنا علي: " إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ". وجاء في الأثر: " أربعة من الشقاء ؛ جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا ".
والله جلست مع أحد الناس، حدَّثني عن مشاريعه والله لعشرين سنة قادمة؛ سيذهب إلى المكان الفلاني، وسيلتقي، وسيتنزَّه، وسيعود بعد خمس سنوات إلى بلده، وسيتقاعد، سيشتري محلاً تجارياً، وسيجعل فيه التحف، والله حدثني عن مشاريعه لعشرين عامًا قادمة، والله الذي لا إله إلا هو قرأت نعوته في اليوم نفسه، طول الأمل، كل واحد مخطط لثلاثين سنة قادمة، مَن أدراك؟!! المؤمن الصادق مهيَّأ للقاء الله عز وجل، وإنّ طول الأمل أحد أسباب ضعف الإيمان، طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، لذلك المتأمِّل في الدنيا يسوِّف، وقد هلك المسوفون.
7 ـ قسوة القلب والإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة :
ومن أسباب ضعف الإيمان قسوة القلب والإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة وما إلى ذلك، الإفراط في كل شيء، هذا كله يبعدك عن أجواء الإيمان، المؤمن خفيف، خفيف بكل شيء، هين لين، يألف ويؤلف، ولا خير فيمَن لا يألف ولا يؤلف، همه قليل، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يحتاج أخذ من حتفه وهو لا يشعر، إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها، وأشقاهم فيها أشدُّهم تعلُّقًا بها.
أيها الأخوة ؛ لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.
هذه بعضُ أسباب ضعف الإيمان، في الخطبة السابقة تحدَّثت عن مظاهر ضعف الإيمان، وفي هذه الخطبة بتوفيق الله عز وجل بيَّنت بعض أسباب ضعف الإيمان، وسأحاول في الأسبوع القادم إن شاء الله عز وجل أن أتحدث عن علاج ضعف الإيمان.
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المنافع الوقائية لشجرة الزيتون :
أيها الأخوة الكرام ؛ في أحاديث كثيرة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّى شجرة الزيتون بالشجرة المباركة،
وقد ورد هذا في القرآن الكريم، عثرت في موقع معلوماتي على حقيقة دقيقة جداً وهي أنّ علماء بريطانيين توصلوا إلى أدلة جديدة تثبت المنافع الوقائية لزيت الزيتون في علاج سرطان الأمعاء
الذي يذهب ضحيته ما يقدر بعشرين ألف شخص سنوياً في بريطانيا وحدها، وفي العالم رقم فلكي لمَرضَى ورم الأمعاء الخبيثة،
فالعلماء البريطانيون وصلوا إلى أدلةٍ جديدة تثبت المنافع الوقائية لزيت الزيتون، وثَمَّةَ باحثون آخرون وجدوا أن زيت الزيتون يتفاعل في المعدة مع حامض معوي ويمنع الإصابة بمرض السرطان.
أيها الأخوة ؛ الإصابة بهذا المرض – السرطان- في ثمانيةٍ وعشرين بلداً في العالم، يقع معظمها في أوروبا وأمريكا والبرازيل وكولومبيا وكندا والصين، ووَجَدَ الباحثون أن عوامل غذائية تلعب دوراً هاماً في إصابة الشخص بهذا المرض، وهذه النسب تقل كثيراً عند مَن يأكلون الخضراوات والحبوب.
حدثني أخ كريم عاش في أمريكا ثلاثين عاماً، قال لي: بعد دراسة مستفيضة دقيقة جداً وجدوا أن غذاء شعوب الشرق الأوسط أفضل غذاء في العالم، لأنهم فقراء، لأن اعتمادهم على الخضر الكاملة
لا عصير معلَّب عندهم، فهذه المواد السيللوزية تسرع عملية الهضم، وتمتص الفائض من الكوليسترول، وتبقي الطعام في الأمعاء في أقل وقت ممكن
ثم إن زيت الزيتون غذاء أساسي في هذه البلاد، ثم إن البروتين النباتي كالحمص والفول أيضاً هو أفضل أنواع البروتين
بينما الإصابات الخطيرة في بلاد غنية جداً ثمانية أضعاف، لأنهم أغنياء ويأكلون اللحوم بكميات كبيرة.
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك في هذه الدراسة أيضاً أن خطر الإصابة بأمراض الأمعاء تقل مع تناول وجبات غذائية غنية بزيت الزيتون، بل إن فوائد زيت الزيتون لا تقتصر على الوقاية من أمراض القلب
بل إنها تقي من أمراض كثيرة جداً، وقد ذكر بعضها في هذه الدراسة
بل إن عمر الإنسان كما يقول بعض الأطباء من عمر شرايينه، وزيت الزيتون أحد الأغذية الأساسية في الحفاظ على مرونة الشرايين.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا. أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم لا تؤمنّا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم صُن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد مَن أعطى وذم مَن منع، وأنت من فوقهم وليُّ العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء. اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.