وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0840 - الكبائر2 - تشبه النساء بالرجال - حوار فيه حلّ للمشكلات العقدية التي تشغل المسلمين .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

النصر على أعدائنا يكون بتحرر حياتنا من المنكرات و إعداد القوة :

 أيها الأخوة الكرام، في خطبتين سابقتين تحدثت عن الكبائر، واليوم أتحدث عن إحدى هذه الكبائر، ولعلها من أكبر الكبائر، أما علاقتها بما يجري حولنا من أحداث فواضحة وضوح الشمس، كلنا يتطلع إلى أن ينصرنا الله على أعدائنا.
أعداؤنا أيها الأخوة في التقييم العسكري ثالث قوة ضاربة في العالم، وكلنا يتطلع أن ننتصر عليهم، والمعركة كما ترون تتنامى وتتعاظم، وما أصعب أن ينتصروا، وما أسعدنا إذا انتصرنا، ولكن نصر الله عز وجل- وهذه حقيقة مسلم بها مقطوع بها بحسب النصوص الصحيحة- لا يتنزل إلا على من يستحقه، فنحن مهمتنا الأولى أن نعد لأعدائنا ما استطعنا من قوة، وأن نؤهل أنفسنا كي نستقبل نصر الله لنا.
 التأهيل الأول أن نعد لأعدائنا ما استطعنا من جميع أنواع القوى، والقسم الثاني أن نحرر حياتنا من كل المنكرات والمعاصي.
 والمعاصي أيها الأخوة كثيرة جداً، ولكن شيئين يستقطبان هذه المعاصي كلها، أحدهما كسب المال والثاني النساء، فكسب المال له موضوعات طويلة ومتنوعة يعالج في وقت آخر إن شاء الله، لكن العلاقة بالنساء، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

المرأة المسترجلة من أكبر الكبائر :

 الكبيرة التي أدرجت مع الكبائر، بل إن بعضهم قال: هي من أكبر الكبائر، المرأة المسترجلة، ذلك أن الله سبحانه وتعالى أودع في قلب كل رجل محبة الطرف الآخر هي كما قال الله عز وجل:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[ سورة آل عمران: 14 ]

فقد أودع الله في نفس كل رجل محبة الناس، لكن الله جل جلاله ما أودع في الإنسان شهوةً إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، فلا حرمان في الإسلام، ولكن في الإسلام تنظيماً، فهذه الشهوة التي أودعها الله في الإسلام قناتها النظيفة الزواج، وسائل صيانتها غض البصر، حجاب المرأة، حينما نعيش مجتمعاً متفلتاً تبدو فيه المرأة بكل مفاتنها، وترتدي ثياباً فاضحةً، فإن فتنةً كبيرة جداً تسري في ثنايا هذا المجتمع، وعندئذ هذه المعاصي على تنوعها بدءاً من إطلاق البصر، وانتهاءً بالفاحشة، هذه المعاصي هي التي تعيق أن نرى من الله ما نريد، فلذلك أيها الأخوة، فيما أرى أن الغرب يسعى جاهداً ليحارب المسلمين بالمرأة، تستغل المرأة لتكون فتنةً طاغيةً، لذلك فيما أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل أطلعه عما سيكون في آخر الزمان، وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام:

((النِّسَاءِ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَاتِ الْمَائِلَاتِ الْمُمِيلَاتِ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ ))

[ البخاري عن ابن عباس]

 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

((لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ قَالَ فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا ))

[ البخاري عن ابن عباس]

 والمترجلات من النساء اللاتي يتشبهن بالرجال في زيهن وهيئتهن، فأما في العلم والرأي المحمود فلا شيء في ذلك.

 

أحاديث صحيحة متعلقة بتشبه المرأة بالرجال :

 أيها الأخوة الكرام، أسوق لكم بعضاً من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بتشبه المرأة بالرجال: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ))

[ النسائي عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ]

 وفي رواية الإمام أحمد لا يدخلون الجنة، وهناك تعليق على هذا الحديث والمرأة المترجلة هي المتشبهة بالرجال، فهؤلاء الفتيات اللواتي يمشين في الأسواق أليس لهن آباء؟ أليس لهن أزواج؟ أليس لهن أخوة؟ أين الرجال؟ كيف يسمح هؤلاء أب كان أو أخ أو ابن لهذه المرأة أن تخرج بهذا الزي، وبهذه الثياب الفاضحة الضيقة، وبهذه الثياب الرقيقة.
 إن فتنة بني إسرائيل كانت بالنساء، ويوجد أحاديث كثيرة كان عليه الصلاة والسلام يحذرنا فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))

[ مسلم أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 أيها الأخوة الكرام، في قوله تعالى:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

[ سورة النساء: 32 ]

 لعل من أسباب نزول هذه الآية أن المرأة أحياناً تتمنى أن تكون رجلاً فتتشبه بالرجال، والرجل أحياناً يتمنى أن يكون أقرب إلى الجنس الثاني فيتشبه بالنساء، فهذا نهي شديد ذلك لأن لكل من المرأة والرجل مكان في الجنة إذا اتقى الله فيما أقامه، لكل من المرأة والرجل مكان في الجنة إذا اتقى الله فيما أقامه، قال تعالى:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾

[ سورة النساء: 32 ]

 ألم يقل عليه الصلاة والسلام لامرأة تمنت أن يفرض عليهن الجهاد قال لها:

(( اعلمِي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ابن عساكر وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾

[ سورة النساء: 32 ]

 كنت مرة في محاضرة وجه إلي هذا السؤال: هل هناك من عبادة خاصة بالنساء؟
 قلت: نعم إنها عبادة إعفاف الشباب، هذه من أعظم العبادات، ذلك أن الرجل قد يرتدي ثياباً رقيقة في الصيف يتخفف من ثيابه الثقيلة، وقد يرتدي ثياباً يرتاح بها، لكن المرأة لها عبادة خاصة، إنها عبادة إعفاف الشباب، لابد من أن ترتدي ثياباً فضفاضة، ولا بد من أن ترتدي ثياباً لا تشف عن لون بشرتها، فهذه الثياب بشكل مجمل حجاب المرأة عبادتها التي أناطها الله بها.

 

مظاهر تشبه النساء بالرجال :

1 ـ الثياب :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾

[ سورة النساء: 32 ]

 هذه آية دقيقة جداً، فكل من الرجل والمرأة مؤهل أن يصل إلى أعلى مقام في الجنة إذا هو عبد الله فيما أقامه، إذا عبد الله فيما أقامه يصل إلى أعلى مراتب الجنة، فلذلك لا داعي أن تتمنى المرأة أن تكون كالرجل فتسترجل، ولا داعي أن يتمنى الرجل أن يكون قريباً من جنس النساء، فيقضي وقتاً طويلاً في تزيين نفسه، وفي التعطر، وما إلى ذلك.
 أيها الأخوة الكرام، من مظاهر تشبه النساء بالرجال أولاً الثياب، فأي ثوب يرتديه الرجل إذا قلدته المرأة أدرجت تحت هذه الأحاديث التي فيها اللعن وفيها الغضب، فلبس ثياب خاصة بالرجال، لبس ثياب تصف حجم أعضائها، هذا من تشبه المرأة بالرجل، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل))

[أحمد وأبو داود عن أبي هريرة]

 وفي حديث آخر عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

((إِنَّ امْرَأَةً تَلْبَسُ النَّعْلَ فَقَالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ ))

[ أبو داود عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ]

 أي التي تتشبه بالرجال. هذا نوع من أنواع التشبه؛ أن ترتدي المرأة ثياباً عرفت للرجال، وفهمك كاف للتعبير عن تفاصيل هذا الكلام.

 

2 ـ عدم الالتزام بالحجاب الشرعي و إظهار زينتها :

ثانياً عدم الالتزام بالحجاب الشرعي، والحجاب الشرعي يجب أن يستر المرأة، أن يستر كل أعضائها بثياب من حيث اللون، ومن حيث الاتساع، ومن حيث الشفافية، سماكة الثوب جزء من دين المرأة، واتساع الثوب جزء من دين المرأة، ولون الثوب جزء من دين المرأة، بل إن كل مساحة مهما دقت في ثياب المرأة تعد جزءاً من دينها، لأنها بهذا تعبد الله فيما أقامها، تسهم في إعفاف الشباب، أما هذه التي يبدو كل شيء منها في الطريق، فهذه تنطبق عليها كل هذه الأحاديث التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، ولأن النبي يقول: " لعن الله" فلعنة المرأة أدرجت هذه المعصية مع الكبائر، ومن ذلك أيضاً إظهار الزينة التي ينبغي أن تكون خافية. 

3 ـ كثرة خروجها من البيت من غير حاجة :

 من تشبه المرأة بالرجل كثرة خروجها من البيت من غير حاجة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾

[ سورة الأحزاب: 33]

 أن تقر المرأة في بيتها، وقد توهم بعضهم أن هذه الآية موجهة إلى نساء النبي، إذا كانت نساء النبي وهن العفيفات الطاهرات قد أمرن أن يقررن في بيوتهن، فلأن تكون نساء المؤمنين ملزمات بتطبيق هذا الأمر من باب أولى، أي إذا قلنا للأول في صفه: اجتهد، فهذا الأمر ينسحب على كل طلاب الصف، لأن الأول مطالب أن يجتهد فكيف بالمقصر؟
 أيها الأخوة الكرام، هذه المرأة الخراجة الولاجة التي تمضي معظم أوقاتها في الطريق وفي الأسواق، تخرج بسبب وبلا سبب، لحاجة ولغير حاجة، قال تعالى:

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾

[ سورة الأحزاب: 33]

 لكن إذا خرجتن لحاجة أساسية، قال تعالى:

﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾

[ سورة الأحزاب: 33]

 المرأة يمكن أن تخرج من البيت لسبب معقول، أما أن تكون ولاجة خراجة فهذا ليس من شأن المرأة، هذا من شأن الرجل. 

4 ـ مزاحمة الرجال :

 شيء آخر أيها الأخوة الكرام، من مظاهر تشبه النساء بالرجال مزاحمة الرجال، والمخالطة في الأسواق والأماكن العامة، في أي مكان مزدحم، في أي مناسبة ترى المرأة تزاحم الرجل كتفاً بكتف، وصدراً ببطن، وهكذا مزاحمة الرجال في شؤونهم، هذا من صفات تشبه المرأة بالرجل.
 بعضهم قال المترجلة التي تتشبه بالرجل في الحركة والكلام والمخالطة ونحو ذلك.

الأنوثة في المرأة :

 أيها الأخوة الكرام، علماء النفس يشيرون إلى صفة في الأنثى دقيقة جداً، هي الأنوثة، وقد عبر القرآن عنها بالحياء، قال تعالى: 

﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾

 

[ سورة القصص: 25]

 فما الذي لفت نظر هذا النبي الكريم في بنت سيدنا شعيب؟ حياؤها.

﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾

[ سورة القصص: 25]

 وما الذي لفت نظر بنت سيدنا شعيب في سيدنا موسى؟ قوته وأمانته عفافه، قال تعالى:

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾

[ سورة القصص: 26]

 بل إن من علامات قيام الساعة أن تنزع المروءة من رؤوس الرجال، وأن يذهب الحياء من وجوه النساء، وأن تنزع الرحمة من قلوب الأمراء، فلا مروءة في رأس الرجل، ولا حياء في وجه المرأة، ولا رحمة في قلب الأمير.

 

5 ـ رفع الصوت بالكلام و مجادلة الرجال :

 من مظاهر تشبه النساء بالرجال رفع الصوت بالكلام، ومجادلة الرجال، صوتها يعلو على صوته في الطريق، وفي أي مكان آخر، وفي البيت صوتها الذي يعلو، فإذا ارتفع صوتها فقدت أنوثتها، بقيت امرأة لكنها فقدت أنوثتها، والذي يلفت نظر الرجل في المرأة حياءها وأدبها وخفض صوتها.

6 ـ تقليد الرجل في المشية و في الحركات :

 أيها الأخوة الكرام، ومن مظاهر تشبه المرأة بالرجل تقليد الرجل في المشية والحركات، قد تجد امرأة تمشي واثقة من نفسها، تمشي وكأنها رجل، مثل هذه المشية التي تشبه مشية الرجال هذا نوع من أنواع تشبه المرأة بالرجال، تمشي مشية الرجل بقوة وجلد وتظهر الصلابة والخشونة، بل ويصل بها الحد إلى أن تتدرب في بعض النوادي على المصارعة.

7 ـ الخشونة في التعامل :

 ومن مظاهر تشبه النساء بالرجال الخشونة في التعامل، فهي عنيدة فظة الخلق مستبدة برأيها لا تقدر ولا تحترم أحداً، وهذه الصفات مذمومة بحق الرجل فكيف بحق المرأة؟

8 ـ ترك الزينة :

 وهناك شيء قد يلفت النظر نص عليه العلماء من مظاهر تشبه النساء بالرجال ترك الزينة، كأن المرأة مأمورة أن تتزين، أن تعرب عن أنوثتها، طبعاً لمحارمها، لزوجها، فهناك امرأة تترك الزينة كلياً، وترفع صوتها على زوجها، وخشنة في المعاملة، عنيدة، قاسية لا تلين، فظة، هذه الصفات مذمومة بالرجال فكيف بالنساء؟

9 ـ نبذ قوامة الزوج :

 أيها الأخوة، ومن مظاهر تشبه النساء بالرجال نبذ قوامة الزوج، هذه التي لا ترى حرمةً لزوجها، لا تطيع أمره، لا تحترمه أمام أولاده، هي امرأة خالفت منهج النبي عليه الصلاة والسلام، فنبذ قوامة الزوج أو رعاية الولي نوع من أنواع تشبه المرأة بالرجال، لا تقبل أمراً، ولا تخضع لأحد، لا لأبيها، ولا لزوجها، ولا لإخوتها، وأنا لا أتكلم من فراغ أيها الأخوة، أنا لخصت هذه النواحي في أسئلة كبيرة ومشكلات كثيرة، طلب مني أن أعالجها، وجدت امرأة لا تنصاع لأحد.

10 ـ أن تسافر من دون محرم :

 ومن مظاهر تشبه النساء بالرجال أن تسافر من دون محرم، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ))

[البخاري عن ابن عمر]

شيء مألوف جداً أن تجد امرأة تنتقل من قارة إلى قارة، ومن بلد إلى بلد، من دون محرم، والسفر خلوة كما نص عليه الفقهاء.

 

11 ـ قلة الحياء :

 أيها الأخوة الكرام، ومن مظاهر تشبه المرأة بالرجل قلة الحياء، فالمرأة المسترجلة نزعت الحياء من شخصيتها، ومن أخلاقها، أصبحت كالشجرة بلا لحاء، مصيرها إلى العطب وإلى الموت سريعاً، فالمرأة المسترجلة تتكلم في كل موضع، وقد يكون الموضوع يقتضي أن تستحي أن تقول فيه، تتكلم في كل موضوع، وتتحدث مع كل الناس، وتذهب إلى كل مكان بلا حياء وبلا خلق، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ))

[البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ]

أسباب تشبه النساء بالرجال :

 أيها الأخوة الكرام، لو أردنا أن نعود إلى أسباب هذه الظواهر، أول سبب نقص الإيمان وقلة الخوف من الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 ضعف الإيمان وراء كل معصية فتاة نشأت في بيت فيه ضعف في الإيمان، ثم التربية السيئة، فالإنسان ابن بيئته، فإذا كانت البيئة التي نشأت فيها الفتاة صالحةً كانت فتاةً أخلاقية، وإذا كانت البيئة التي نشأت فيها الفتاة سيئة، الأم تتطاول على الأب، البيت سائب لا انضباط فيه، ولا محاسبة، مثل هذا البيت ليس تربةً صالحةً لفتاة تتأدب بآداب الإسلام.
 أيها الأخوة، ومن أسباب هذا التشبه الغزو الثقافي الذي جاءنا عن طريق الصحون، نموذج المرأة الغربية امرأة مسترجلة، امرأة قوية هي أقوى من زوجها، أقوى بكثير، لا تصبر على زوج سنتين، فهذا الغزو الثقافي الذي يأتي المسلمين من خلال هذه الصحون، من خلال الأعمال الفنية هذا يغرس في أعماق الفتيات نموذجاً للمرأة القوية المسترجلة التي لا تخضع لزوج، وتتأبى عليه، وهي المسيطرة، أحد أسباب المرأة المسترجلة هو تقليد الأجانب.
 أيها الأخوة الكرام، والتقليد الأعمى حينما تؤخذ المرأة بصرعات الأزياء، وحينما تؤخذ المرأة بحديث الصديقات السيئات، فهذا سبب آخر من أسباب استرجال المرأة، ثم إن رفيقات السوء أكبر خطر على الفتاة، الأب المؤمن يعلم علم اليقين من تصاحب ابنته، الإنسان كائن اجتماعي، لكن يعلم علم اليقين من تصاحب ابنته لذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ))

[متفق عليه عن أَبَي بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، أول مهمة من مهمات الآباء أن يعرفن من تصاحب بناتهن من الرفيقات، وهناك ضعف نفسي عند بعض الفتيات تحب أن تظهر بمظهر يلفت النظر، هذا إتمام نقص في شخصيتها، فحينما تربى الفتاة تربية إيمانية، التربية الإيمانية تعطي الفتاة قوة الشخصية، تعطي الفتاة قيمتها في المجتمع المسلم، تعطي الفتاة قيمتها عند الله عز وجل، فحينما يكون هناك نقص في شخصية المرأة هذا الذي يدعوها أحياناً إلى أن تلفت النظر، أما الشيء الذي يعد هو الفيصل فالقدوة السيئة، الأم المسترجلة تنشئ بناتها على أن يتشبهن بالرجال لذلك قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الْآيَةَ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 كمثل البهيمة لا تلد إلا البهيمة.
 أيها الأخوة الكرام، وآخر شيء من أسباب هذا الاسترجال والتشبه بالرجال انعدام الغيرة من زوجها أو وليها، فالزوج يمشي مع زوجته وهي كاسية عارية وهو مرتاح جداً، وهو يصلي الجمعة أحياناً، زوج لا يغار على زوجته والغيرة من الإيمان، أتعجبون من غيرة سعد، والله إنني لأشد غيرة منه كما قال عليه الصلاة والسلام، فالزوج الذي لا يغار على زوجته ولا على بناته هذا في إيمانه إشكال:

((ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ))

[ النسائي عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ]

وسائل فعالة في معالجة تشبه المرأة بالرجل :

 أيها الأخوة، لابد من التربية الإيمانية، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

لك الجنة، الجنة هدف كل إنسان ومن أثمانها أن تربي ابنتك تربيةً إيمانية، من أحد أكبر أسباب دخول الجنة أن تربي بناتك تربيةً إسلامية ثم القدوة الحسنة، حينما تكون الأم قدوةً لبناتها في حجابها، في أدبها مع زوجها، في رعايتها لبناتها، الأم أيضاً يمكن أن تكون هي المحور في تربية البنات وإلزام البنت أو المرأة بالحجاب الشرعي الذي نص عليه الفقهاء، ألا يظهر من مفاتنها شيء، وعدم السماح للمرأة بالخروج من دون حاجة، هذه أيها الأخوة بعض الوسائل المجدية في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
 أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[ سورة النحل: 97]

﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[ سورة غافر: 40]

 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، و سيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

حوار فيه حلّ للمشكلات العقدية التي تشغل المسلمين :

 أيها الأخوة الكرام، أسوق لكم حواراً وجدت فيه حلاً لمعظم المشكلات العقدية التي تشغل المسلمين، في بعض العصور السابقة ظهرت فكرة خلق القرآن، وتبنى هذه الفكرة أحد خلفاء بني العباس، وأدخل كل من أنكر هذا السجن، وكانت فتنةً كبيرة جداً، كيف حلت؟ حلت بحوار جرى بين عالم جليل وبين خلفية المسلمين، أسوق لكم طرفاً من الحوار.
 أدخل على الواثق شيخ من أهل الفقه والحديث من الثغر الشامي- من بلاد الشام- مقيداً، حسن الشيبة، فسلم غير هائب، ودعا فأوجز، فرأيت الحياء منه في حماليق عيني الواثق، فقال له أمير المؤمنين: يا شيخ أجب أحمد بن أبي دؤاد عما يسألك، أحمد بن أبي دؤاد يتزعم فكرة خلق القرآن، وهذا الشيخ جاء مقيداً. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين أحمد يصغر، ويضعف عند المناظرة، فرأيت الواثق وقد صار مكان الرحمة غضباً عليّ، فقال: أبو عبد الله يصغر ويضعف عند مناظرتك؟ فقال: أيها الأمير هون عليك أتأذن لي في كلامه؟ فقال الواثق: قد أذنت لك، أقبل الشيخ على أحمد فقال: يا أحمد إلام دعوت الناس؟ قال أحمد: إلى القول بخلق القرآن، فقال له الشيخ: مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها من القول بخلق القرآن أداخلة في الدين فلا يكون الدين تاماً إلا بالقول بها؟ قال: نعم، قال الشيخ: فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إليها أم تركهم؟ قال: لا ما دعا الناس إليها.
فقال: يعلمها أم لا يعلمها؟ قال: يعلمها، قال: فلمَ دعوت إلى ما لم يدعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه واحدة، ثم قال الشيخ: أخبرني يا أحمد، قال الله تعالى في كتابه العزيز: اليوم أكملت لكم دينكم، فقلت أنت: الدين لا يكون تاماً إلا بمقالتك بخلق القرآن، فالله تعالى عز وجل الصادق في تمامه وكماله أم أنت الصادق في نقصانه؟ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه الثانية، ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد الله عز وجل حينما قال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، فمقالتك هذه التي دعوت الناس إليها فيما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأمة هل بلغها إلى الأمة أم لا؟ فأمسك، قال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه الثالثة. ثم قال بعد ساعة: خبرني يا أحمد لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتك التي دعوت الناس إليها وسعه أن أمسك عنها أم لا؟ قال: بل وسعه ذلك، فقال الشيخ: وكذلك لأبي بكر اتسع ألا يقولها للناس وكذلك لعمر وكذلك لعثمان وكذلك لعلي رحمهم الله تعالى؟ قال: نعم، فصرف الشيخ وجهه إلى الواثق، وقال يا أمير المؤمنين: إذا لم يسع لنا ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه فلا وسع الله علينا.
 فقال الواثق: نعم لا وسع الله علينا، إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه فلا وسع الله علينا، ثم قال الواثق: اقطعوا قيوده فلما فكت جاذب عليها - أخذها - فقال الواثق: دعوه ثم قال: يا شيخ لم جاذبت عليها؟ قال: لأني عقدت في نيتي أن أجاذب عليها فإذا أخذتها أوصيت أن تجعل بين يدي و كفني، ثم أقول: يا رب سل عبدك لم قيدني ظلماً وارتاع بي أهلي؟ فبكى الواثق والشيخ وكل من حضر، ثم قال: يا شيخ اجعلني في حل – سامحني- فقال: يا أمير المؤمنين ما خرجت من منزلي حتى جعلت في حل إعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقرابتك منه، فتهلل وجه الواثق وسر. ثم قال: أقم عندي آنس بك. فقال له: مكاني في الثغر أنفع- كان العلماء مجاهدين- وأنا شيخ كبير ولي حاجة هناك أن ألقى الله في ساحة المعركة. فقال: سل ما بدا لك. قال: يأذن لي أمير المؤمنين في رجوعي إلى الموقع الذي أخرجني منه هذا الظالم. فقال: أذنت لك وأمر له بجائزة فلم يقبلها.
أيها الأخوة الكرام، أرأيتم إلى طبيعة هذه المناظرة بمثل هذه المناظرة تحل أكثر المشكلات العقدية فيما بين المسلمين التي جعلت بأسهم بينهم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال))

[ ابن ماجه عن العرباض ]

 فحينما قال الله عز وجل:

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[ سورة المائدة: 3]

 قال العلماء: الإكمال نوعي، والإتمام عددي، فعدد القضايا التي عالجها الإسلام تام عدداً، وطريقة المعالجة كاملة نوعاً، وأي إنسان إلى يوم القيامة يضيف على الدين شيئاً هو يتهمه بالنقص، وأي إنسان يحذف من الدين شيئاً يتهمه بالزيادة.

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[ سورة المائدة: 3]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك، و إنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا و لا تحرمنا، أكرمنا و لا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا و ارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، و لا تهتك عنا سترك، و لا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحق و الدين، و انصر الإسلام و أعز المسلمين، و أذل الشرك و المشركين، خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى، إنك على ما تشاء قدير و بالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور