- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
شرح لمعنى لا إله إلا الله و أركانها :
أيها الأخوة الكرام، لو دققت وحللت كل مصيبة وكل محنة وكل بلاء نزل بالمسلمين، وكنت منصفاً وصادقاً تجد أن ضعف التوحيد هو السبب الأكبر لما يعانيه المسلمون، قال تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
الحديث في هذه الخطبة عن لا إله إلا الله.
أيها الأخوة الكرام، لا إله إلا الله تعني أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو المعطي، هو المانع، تعني هذه الكلمة الانخلاع أولاً من كل ضروب الكفر والشرك والعبودية للمخلوق، والدخول في التوحيد الخالص ظاهراً وباطناً، تعني هذه الكلمة الكفر بالطواغيت، كل الطواغيت على اختلاف أنواعهم وأشكالهم وأسمائهم بالاعتقاد والقول والعمل.
مرةً ثانية: تعني هذه الكلمة الكفر بالطواغيت، كل الطواغيت على اختلاف أنواعهم وأشكالهم وأسمائهم بالاعتقاد والقول والعمل، والإيمان بالله تعالى وحده بالاعتقاد والقول والعمل.
أيها الأخوة الأحباب، أي إنسان يقول: لا إله إلا الله على غير هذا الوجه فهو لم يقل لا إله إلا الله القول الذي ينجيه يوم القيامة، إنها كلمة التوحيد الأولى.
أيها الأخوة، أركان هذه الكلمة نفي مجموع المعبودات الباطلة، هناك من يتخذ إلهه هواه، هناك من يتخذ إلهه قوياً يخشاه أو يرجو ما عنده، هناك من يتخذ شهوته يعبدها من دون الله.
أيها الأخوة، نفي جميع المعبودات الباطلة إثبات العبادة لله وحده، قال بعض العلماء في شروط صحة هذه الشهادة: من شروطها العلم المنافي للجهل فمن لم يعرف المعنى فهو جاهل بمدلولها ومعناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله.
أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
لا تقبل تقليداً، ولا تقبل ترديداً، لا تقبل إلا عن علم وعن بحث ودرس لقول الله عز وجل:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
ركناها أن تنفي العبادة لكل جهة غير الله، وأن تثبت العبادة لله وحده، كلمة خطيرة، كلمة هي الإسلام كله، هي الإيمان كله:
((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ))
شروط النّطق بشهادة لا إله إلا الله :
من شروط هذه الكلمة أن تعلمها، أن تكون عالماً بها لا مقلداً في تردادها، والشرط الثاني اليقين المنافي للشك، لأن من الناس من يقولها وهو شاك فيما دلت عليه من معناها، ولا سيما في أيام المحن قد يقول ضعيف الإيمان: أين الله ؟ لماذا المسلمون كذلك ؟ لماذا تخلى الله عنهم ؟ قد يقولها الإنسان في ساعات المحنة.
فالشرط الأول أن تقولها عالماً بمعناها نافياً جهلك عن معناها الحقيقي، والشرط الثاني اليقين المنافي للشك، والشرط الثالث الإخلاص المنافي للشرك، فمن لم يخلص أعماله كلها لله عز وجل فهو مشرك شركاً ينافي الإخلاص، أن تعلم حقيقتها، وأن تكون متيقناً من مدلولها، وأن تخلص في النطق بها، ثم من شروطها الصدق المنافي للنفاق، لأن المنافقين يقولونها، ولكن لا يطابق قولهم ما في جنانهم، فصار قولهم كذباً لمخالفة الظاهر للباطن، ومن شروط النطق بها القبول المنافي للرد، لأن في الناس من يقولها مع معرفة معناها لكن لا يقبل ممن دعاه إليها، لو أنك فسرت بعض الأحداث تفسيراً أساسه التوحيد لا يقبله الناس، لا يقبلون إلا التفسير الأرضي الشركي، وفرق كبير بين أن تفسر ما حدث تفسيراً توحيدياً يضع الكرة عندك في ملعبك ترى هذا الذي حدث تسليطاً وليس قهراً، إذاً يوجد هناك مشكلة مع الله لابد من أن أصححها، إذاً كان هناك مشكلة مع الله لابد من أن أصححها، فلذلك هناك من ينطق بها، ويعلم معناها، ولكنك إذا طرحت تفسيراً أو حلاً على أساسها يرفضه، ومن شروطها أيضاً أيها الأخوة الانقياد المنافي للترك، والانقياد لا يحصل إلا بالعمل، فمن آمن بها حق الإيمان انصاع إلى ما تمليه عليه هذه الكلمة.
أيها الأخوة الكرام، ومن شروطها أيضاً المحبة المنافية لخلافها فلا يحصل لقائلها معرفة إلا بالمحبة لما دلت عليه من الإخلاص المنافي للشرك.
أيها الأخوة الكرام، من شروط صحة النطق بهذه الكلمة التي هي كلمة الإسلام الأولى، وكلمة الإيمان الأولى العلم المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المنافي للنفاق، والقبول المنافي للرد، والانقياد المنافي للترك، والمحبة المنافية لخلافها، هذه شروط النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله، أركان هذه الكلمة أن تنفي العبادة عن كل جهة إلا الله، وأن تثبت العبادة لله وحده.
فضائل لا إله إلا الله :
أيها الأخوة الكرام، من أجل هذه الكلمة خلقت الخليقة، أرسلت الرسل، أنزلت الكتب، بها افترق الناس إلى مؤمن وكافر، وسعيد وشقي، هي العروة الوثقى، هي كلمة التقوى، هي أعظم أركان الدين، هي أهم شعب الإيمان، هي سبيل الفوز بالجنة، والنجاة من النار، هي كلمة الشهادة، هي مفتاح دار السعادة، هي أصل الدين، هي أساسه، هي رأس أمره، وفضائل هذه الكلمة لا تعد ولا تحصى.
أيها الأخوة الأحباب، من فضائل هذه الكلمة أن الله جل جلاله يقول:
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
من فضائل هذه الكلمة أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
ما من رسول إلا فحوى دعوته لا إله إلا الله، لو وقفنا وقفةً متأنية أنت حينما ترى أن هناك قوياً غير الله تخاف منه، وترجو ما عنده على حساب طاعتك لله، كل عوامل التخلف والمرض والانهيار سببها ضعف التوحيد، حينما ترى أن هناك آلهةً في الأرض يفعلون ما يريدون هذا مناقض للتوحيد، حينما لا ترى إلا الله، لا ترى إلا يد الله تعمل في الخفاء، حينما ترى أن الله في السماء إله، وفي الأرض إله، حينما ترى أن الأمر كله راجع إليه، حينما ترى أن ملكوت السموات والأرض بيد الله، حينما ترى أنه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده تتوجه إلى الله وحده.
أنت إذا دخلت إلى دائرة وبيدك معاملة وتعلق على الموافقة على طلبك آمالاً كبيرة جداً، ثم تيقنت أن كل الموظفين في هذه الدائرة ليس من صلاحيتهم أن يوافقوا لك على طلبك إلا المدير العام فهل تبذل ماء وجهك لغير هذا الذي يقع على رأس هذه الدائرة ؟ مستحيل.
هو التوحيد أن تتجه إلى الله، أن تستسلم إليه، أن تحبه، أن تعقد عليه الآمال، أن تخافه وحده، ألا تشرك به، هذا هو التوحيد، وما من مشكلة يعاني منها المسلمون أفراداً ومجتمعين قديماً وحديثاً ومستقبلاً إلا بسبب نقص التوحيد، نقص التوحيد يسبب الخوف من غير الله، نقص التوحيد يؤدي إلى النفاق، يؤدي إلى أن تقول ما لست معتقداً به، نقص التوحيد يؤدي إلى الخوف، كل الأمراض النفسية والانحرافات السلوكية أساسها نقص التوحيد.
أيها الأخوة الكرام، من فضائل هذه الكلمة أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
أي اعبدوا الله وحده واجتنبوا الطاغوت، ومعظم البشر يعبدون طواغيت الأرض، والإسلام حرر الإنسان من الخضوع إلى طواغيت الأرض إلى الخضوع لشرع الله عز وجل، فقد قال بعض الصحابة: الحمد لله الذي أخرجنا من جور الحكام إلى عدل الإسلام.
من فضائل هذه الكلمة أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
والذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى لا يأمرك أن تعبده إلا بعد أن يطمئنك أن الأمر كله بيده، قال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾
صحتك بيد الله، رزقك بيد الله، من يلوذ بك بيد الله، من هم فوقك بيد الله، من هم دونك بيد الله، كل المتغيرات بيد الله وحده، فحينما توقن هذا اليقين تتجه إلى الله وحده، وترجو الله وحده، وتعلق الأمل على الله وحده، وتسعى لمرضاة الله وحده، عندئذ تنام قرير العين، أنت حينما تجعل علاقتك مع جهة واحدة يكفيك الله الجهات كلها، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
من فضائل هذه الكلمة قوله تعالى:
﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
قال الإمام مجاهد: النعم الظاهرة والباطنة لا إله إلا الله. يكفي أن المسلم يفهم حقيقة ما يجري، يكفي أن المسلم يرى أن الأمر كله بيد الله، هذه الصراعات الأرضية، وهذه المآسي التي لا يملك أحد تفسيراً لها إلا المسلم، فإنه يملك التفسير الصحيح، لأن القرآن نوره، لأن القرآن أضاء له الطريق، هناك مشكلة، ولكنك حينما تفهم حكمتها لا تغدو مشكلة، قد يغدو المنع عين العطاء، قد تجد العطاء في المنع، وقد تجد المنع في العطاء.
أيها الأخوة الكرام، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، من فضائلها أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾
قال العلماء: هذه الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله، إنك إن عرفت الناس بأن المسير واحد ربطتهم به، فإذا اتصل الإنسان بالله سعد بقربه، ويسر الله له أموره، ودخل في حياة من نوع آخر، ومن فضائل هذه الكلمة أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾
والقول الثابت هي كلمة لا إله إلا الله، كلمة التوحيد، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، حينما تفهم أن كل شيء وقع بأمر الله وبإرادة الله ولحكمة مطلقة، وأنه لو لم يقع لكان الله ملوماً، وأنه لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، حينما تفهم هذا ترتاح نفسك وإلا فالناس معذبون بسبب الشرك، قال تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
الناس معذبون بسبب أنهم يتوهمون أن أمرهم بيد أعدائهم، وأن أعداءَهم أقوياء لم يرحموهم، هذه الفكرة وحدها تحبط العمل، هذه الفكرة وحدها تشد الإنسان، أمرك بيد غيرك، وغيرك حاقد عليك، ولن يرحمك، أما إذا رأيت أمرك بيد الله ولله حكمة بالغة، وأن الخلق كلهم عند الله سواسية، يتفاضلون بأعمالهم، لا أنسى هذه الكلمة التي قالها عمر رضي الله عنه لسيدنا سعد قال له: يا سعد - النبي قال له: ارمِ سعد فداك أبي وأمي، أروني خالاً مثل خالي- لا يغرنك أنه قد قيل خال رسول الله فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
الطريق سالك إلى الله في أي مكان، وفي أي زمان إذا دعوت الله أجابك، وإذا تقربت إليه قربك، وإذا توددت إليه تودد إليك، وإذا تقربت منه شبراً تقرب منك ذراعاً، وإذا دعوته أجابك، وإذا استغفرته غفر لك، وإذا تبت إليه تاب عليك، والأمر كله بيده، والأقوياء بيده.
أيها الأخوة الكرام، من فضائل هذه الكلمة أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾
قال ابن عباس: العهد شهادة أن لا إله إلا الله، ومن فضائلها أنها العروة الوثقى، قال تعالى:
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾
ومن فضائلها أن الله سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى:
﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾
لا إله إلا الله أساس الاستقامة، لا إله إلا الله أساس الرضا، لا إله إلا الله أساس الطمأنينة، لا إله إلا الله أساس التفاؤل، لا إله إلا الله أساس السعادة، لذلك من قال لا إله إلا الله هي حصني، من دخلها أمن من عذابي، ومن فضائل هذه الكلمة أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
الكلمة الباقية لا إله إلا الله.
أيها الأخوة الكرام، ومن فضائلها قوله تعالى:
﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾
وكانوا أحق بها، وأهلها وكلمة التقوى هي لا إله إلا الله، ومن فضائل هذه الكلمة أنها منتهى الصواب، قال تعالى:
﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً﴾
أي قال: لا إله إلا الله، ومن فضائلها أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾
إنها دعوة الحق.
نواقضها :
أيها الأخوة الأكارم، قد لا تصدقون أن هناك نواقض لهذه الكلمة، فمن فعل شيئاً من هذه الأشياء العشرة هذه الأشياء العشرة تنقض كلمة التوحيد، وتنقض صحة النطق بهذه الشهادة أول شيء ينقض كلمة التوحيد الشرك في عبادة الله، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾
الشرك الجلي، وقلما نجده في العالم الإسلامي، ولكن الشرك الخفي، وهو أخوف ما يخاف النبي على أمته من بعده، الشرك الخفي ينقض كلمة التوحيد، هذه من نواقض الإيمان بكلمة التوحيد.
الشيء الثاني من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم، ويتوكل عليهم فقد نقض كلمة التوحيد، قال تعالى:
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾
الذي ينقض كلمة التوحيد أن تعتقد أن أشخاصاً مما سوى الله عز وجل، كل ما سوى الله إن اعتقدت أنه يستطيع أن ينفعك، أو أن يضرك فهذا شرك أيضاً، ينقض كلمة التوحيد، هذا الذي لا يكفر الكافر، ويظن به الخير، ويظن به الصلاح والسداد، وأنه على شيء من الحق فهذا أيضاً من نواقض كلمة التوحيد.
أيها الأخوة، من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، وأن حكم غيره أفضل من حكمه فقد نقض كلمة التوحيد، هذا مما ينقض هذه الكلمة، ومن أبغض شيئاً مما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فقد نقض كلمة التوحيد، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾
ومن استهزأ بشيء من دين الله عز وجل، أو استهزأ برسوله، أو بثوابه، أو بعقابه، فقد نقض كلمة التوحيد، قال تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾
السحر ينقض كلمة التوحيد، هؤلاء الذين يتعاونون مع الجن، ويؤمنون بالسحر، ويستخدمونه، هؤلاء قد نقضوا كلمة التوحيد، قال تعالى:
﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾
ومما ينقض التوحيد مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، لمجرد أن تعاون مشركاً أو كافراً على مسلم فقد نقضت كلمة التوحيد لا إله إلا الله، ذلك أنك ترى أن معاونتهم تسلمك من بطشهم، أو أن معاونتهم تجلب لك الطمأنينة والرخاء، وهذا ما يجري في العالم الإسلامي، لمجرد أن تعاون مشركاً أو كافراً على مسلم فقد نقضت كلمة التوحيد.
ومن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، يسعه وهو في الآخرة من الناجين فقد نقض كلمة التوحيد، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
ومن أعرض عن دين الله لا يتعلمه، ولا يعمل به، مشغول، ليس عنده وقت لمعرفة الله ولا لتعلم أحكام الله قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾
فقد نقض كلمة التوحيد .
الأمة الإسلامية أمة لا إله إلا الله :
أيها الأخوة الكرام، لا تقولوا قد قسوت، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، نحن أمة لا إله إلا الله، من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله.
فإن لم تحجز هذه الكلمة صاحبها عن محارم الله فهو ما قالها بحقها، وما انتفع منها، ولا تنجيه يوم القيامة، فلا إله إلا الله لها أركانها، ولها شروطها، ولها فضائلها، وفضائلها في آيات كثيرة جداً شرحت بعضها بتوفيق الله عز وجل، ونواقضها عشر من فعل أحد نواقضها أبطل ثوابه منها، وأبطل أن تكون هذه الكلمة منجية له، لو ضغطنا الإسلام كله بكلمتين، وأنا أعني ما أقول، لو ضغط الإسلام كله بكلمتين لكانتا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الله سبحانه وتعالى موجود واحد كامل، قال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾
﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾
﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وبعد:
العلاقة بين الإرضاع و الذكاء :
أيها الأخوة الكرام، الله جل جلاله حينما يقول: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين )
فقد ثبت بالبحوث العلمية الدقيقة أن الأطفال الذين يحصلون على رضاعة طبيعية يتمتعون بمستويات ذكاء أعلى من غيرهم
فقد ثبت أن هناك علاقة بين الذكاء وبين الإرضاع، لذلك قد يلفت نظرنا أن الأم حينما يستحيل أن ترضع ابنها فالقرآن الكريم يقول:
﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾
الإرضاع الصناعي لا يعطي الطفل حاجته:
أما هذا الإرضاع الصناعي فهو بعلم الله سيكون لكن لم يرد في القرآن الكريم إطلاقاً
فسترضع له أخرى. ذلك أن الرضاعة الطبيعية لفترة تقل عن ثلاثة أشهر عقب ولادة الطفل قد تؤدي إلى التأثير سلباً على ذكائه، فينخفض مستوى ذكائه
وفي دراسة إلى أقل من المتوسط، الطفل الذي لا يرضع من ثدي أمه ينخفض ذكاؤه إلى أدنى من المتوسط، ويقول هؤلاء: وينبغي الاستمرار في الرضاعة الطبيعية للعام الثاني.
شيء آخر: الرضاعة الطبيعية تفيد الطفل في رفع قدرته على التعلم غير الذكاء
الذكاء المجرد شيء والقدرة على التعلم شيء آخر مع أنهم يرتبطان مع بعضها بعضاً أحياناً، ولكن القدرة على التعلم ترتفع ارتفاعاً بيناً ظاهراً، حينما يرضع الطفل من ثدي أمه، وقد عجب العلماء من السبب قال بعضهم: قوة الرابطة التي تمنحها الرضاعة الطبيعية بين الأم والطفل
أو ما يحتويه لبن الأم من مواد مغذية ضرورية للنمو، أو أن هناك أحماضاً دهنيةً ينفرد بها حليب الأم هو الذي يفعل هذا في جسم الطفل
حيث ينمو دماغه وأعضاءه.
أيها الأخوة، الله سبحانه وتعالى صمم الطفل يرضع من أمه
وأي عدول عن أصل التصميم إلى تصميم آخر نحو الأسوأ ونحو الأبعد عن سلامة الطفل وعن مستقبله
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك، و إنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا و لا تحرمنا، أكرمنا و لا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا و ارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، و لا تهتك عنا سترك، و لا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحق و الدين، و أذل الشرك و المشركين، خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى، أهلك أعداءك أعداء الدين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، و اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير و بالإجابة جدير.