وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0523 - العبادات ، شروط الحج .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحكمة من حجّ بيت الله الحرام :

أيها الأخوة الكرام: نحن في أشهر الحج، والإسلام كما تعلمون عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق، والحج أحد العبادات الكبرى في الإسلام، إنه الفريضة البدنية، المالية، الشعائرية، التي خصَّت بأمكنة وأزمنة معينة.
أيها الأخوة الكرام: فرق كبير بين العبادات والطقوس، الطقوس: حركات لا معنى لها ولكن العبادات كما تعلمون وكما ذكر الإمام الشافعي معللة، فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

ويقول في القرآن الكريم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 183]

ويقول في القرآن الكريم:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

أيها الأخوة الكرام: الإنسان أحياناً يشرد عن الله عز وجل، تتحكم فيه قيم مادية، يلهث وراءها، ويستخدم موازين غير الموازين التي أرادها الله سبحانه وتعالى، لئلا يُفاجأ حينما يغادر هذه الدنيا، لئلا يشعر أن قيمها باطلة، وأن موازينه خاطئة، فرض الله جل جلاله على الموسر أن يحج بيت الله الحرام كي يستعد لرحلة شاءها الله لكل مخلوق، رحلة الإنسان عن الدنيا إلى الآخرة. ماذا في الحج أيها الأخوة؟ أول شيء في الحج التجرد من الثياب، والثياب تعني أشياء كثيرة، تعني الدنيا، وتعني مرتبتك المالية، ومرتبتك الاجتماعية، وتعني تعلق الإنسان بدنياه، يتجرد عن الثياب، ويتجرد عن المباحات التي أبيحت له خارج الحج، وفضلاً عن ذلك عليه أن يقوم بأعمال ونسك ربما كانت شاقة، عليه أن يحج الغني مع الفقير في مكان واحد، وفي مطاف واحد، وفي مسعى واحد، وأن يقف الناس جميعاً في عرفات، مجردين من الثياب التي يلبسونها في دنياهم بثياب أشبه شيء بالأكفان.
أيها الأخوة الكرام: التجرد عن الدنيا، والمساواة بين الخلق أحد معالم الحج، لعل الإنسان يذكر يوم القيامة، يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين، لعل الإنسان في هذا المكان الطاهر، وفي هذا المجتمع المتساوي، وفي هذا التجرد عن زينة الحياة الدنيا، يذكر الإنسان ربه، ويذكر العودة إليه، ويذكر وقوفه بين يديه.
لعل الحج أيها الأخوة تهيئة لمغادرة الدنيا إلى الآخرة، فالمؤمن كما تعلمون حينما ينتقل من الدنيا إلى الآخرة ينتقل كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا.

 

الحج صلة متميزة أساسها التّفرغ التّام :

أيها الأخوة الكرام: كلكم يعلم أيضاً أن العبادات في الإسلام أساسها الاتصال بالله عز وجل، فالصلاة من أجل الصلة، والصيام من أجل الصلة، والحج من أجل الصلة، والزكاة من أجل الصلة، من أجل أن تتصل النفس بربها، إلا أن الحج سمة متميزة أساسها التفرغ التام، لابد إذاً من مغادرة الأوطان، لابد من مغادرة الأهل والخلان، لابد من ترك الأسرة، لابد من ترك الزوجة، لابد من ترك الأولاد، لابد من ترك العلم، لابد من تحمل نفقات الحج.
هذا التفرغ التام وإن كان باهظ التكاليف إلا أنه باهر النتائج، فالصلة التي تحصل للحاج في الحج غير الصلة التي تحصل له في الصيام، وغير الصلة التي تحصل له في الصلاة.
أيها الأخوة الكرام: الحج صلة متميزة أساسها التفرغ التام، وأضيف إلى التفرغ التفريغ التفرغ من قبل العبد، حينما ترك بيته، وترك عمله، وترك أهله، وترك أولاده، ودفع التكاليف الباهظة، فرغ نفسه لله عز وجل، أما التفريغ فهذا من إكرام الله جل جلاله لكل حاج مخلص زار بيته الحرام.
إن الدنيا تُنزع من قلب الحاج، لا يذكر شيئاً من متاعب الدنيا، لا يذكر شيئاً من همومها، هو حينما غادر بلده، وترك أهله وأولاده، وترك علمه، كافأه الله بالتفريغ التام، فالتفرغ من العبد، والتفريغ من الرب.

 

الحج رحلة إلى الله و اتصال به :

أيها الأخوة الكرام: ولا تنسوا أن الحج رحلة إلى الله، لا تنسوا أن الحج رحلة من أجل الاتصال بالله، و لا تنسوا أن الحج مستويات، في أولى مستوياته الصلح مع الله، وفي بعض مستوياته العروج، كما ورد في الأثر: " الصلاة معراج المؤمن" .
التنقل من درجة إلى درجة، ومن حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام.
أيها الأخوة الكرام: الذي يحج البيت الحرام، ويلبي دعوة ربه وأمره التكليفي إنما يؤكد لنفسه أن تلبية دعوة الله جل جلاله أغلى عليه من أهله، ومن أولاده، ومن عمله، ومن مرتبته الاجتماعية، ومن مقامه في بلده، ومن الناس أجمعين.
أيها الأخوة الكرام: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل. حينما تبرهن لنفسك أن طاعة الله عز وجل وطلب مرضاته أغلى عندك من كل شيء هذا الذي يُمكّن الثقة في نفسك، ويجعلك تقبل على الله عز وجل، وتذوق حلاوة المناجاة.

 

شروط الحج :

أيها الأخوة الكرام: الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَلِلَّهِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾

[سورة آل عمران : 97]

والاستطاعة شرط من شروط الحج، الاستطاعة البدنية، والاستطاعة المالية، والاستطاعة الأمنية إن صحّ التعبير. فالذي لا يجد قوةً في جسده تعينه على أداء مناسك الحج ليس مستطيعاً، وبإمكانه أن ينيب من يحج عنه، بحسب نوع من الحج هو حج البدل، توسع الفقهاء في الحديث عن شروطه، والذي لا يجد المال الكافي لذهابه، وإيابه، ونفقته، وسكناه في مكة والمدينة، ليس مستطيعاً، فلا ينبغي للمؤمن أن يقترض من أجل أن يحج، ولا ينبغي أن يجمع المال بطريقة أو بأخرى من أجل أن يحج.

﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾

[سورة آل عمران : 97]

وحينما لا يسمح له أن يحج ليس له أن يسلك الأساليب الملتوية من أجل أن يحج.
أيها الأخوة الكرام: الحج فرض على المستطيع، والاستطاعة بدنية، ومالية، وأمنية، فإن اختلت أحد هذه الشروط ليس مستطيعاً، والله سبحانه وتعالى يعينه على الحج في الأعوام القادمة.
أيها الأخوة الكرام: ورد في الحديث الشريف:" أن الذي يحج بمال حرام ويضع رجله في الركاب ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة والملك لا شريك لك، يناديه مناد أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك".
لابد من النفقة الحلال، لابد من كسب المال الحلال كي تؤدى به هذه العبادة، بين أن يقول الحاج: لبيك اللهم لبيك، ويسمع نداء الحضرة الإلهية يقول: حجك مقبول، وسعيك مشكور، وذنبك مغفور، وبين أن يقول: لبيك اللهم لبيك، فيناديه مناد أن لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك.
أيها الأخوة الكرام: مادام الحج عبادة مالية، إذاً يجب أن يكون المال حلالاً من كسب مشروع، ومن طريقة مشروعة، وحتى يُبارك لهذا الحاج في حجه.
أيها الأخوة الكرام: يقع بعض العوام في وهم كبير، وهذا الوهم أساسه فهم خاطئ لبعض الأحاديث الشريفة، فمن حج بيت الله الحرام رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. أية ذنوب هذه؟ إنها الذنوب التي بينك وبين الله؛ لأن الذنوب التي بينك وبين العباد لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة، أما الذنوب التي بينك وبين الله فهذه التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال:

(( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

هذا الحديث ينصرف إلى الذنوب التي بين العبد وبين ربه، أما إذا كان هناك حقوق لم يؤدها، إذا كان هناك واجبات لم يؤدها، إذا تعلقت بذمته أموال لم يعطها لمن يستحق، فهذه الذنوب تبقى عالقة في رقبته، وعليه أن يدفع ثمنها.
أيها الأخوة الكرام: تفقهوا قبل أن تحجوا. حقوق الله جل جلاله مبنية على المسامحة، إلا أن حقوق العباد مبنية على المشاححة.

درء المفاسد مقدم على حجة النافلة :

أيها الأخوة الكرام: شيء آخر: من حجّ حجة الفريضة، ويرغب أن يحج حجة نفل يجب أن ينتبه إلى أن درء المفاسد مقدم على حجة النافلة، أداء الحقوق مقدم على حجة النافلة، أداء الواجبات مقدم على حجة النافلة، فلأن يزوج الإنسان ابنه الذي يخشى عليه العنت، ويخشى عليه الانحراف ولاسيما في فساد الزمان، ربما كان تزويج ابنه أفضل عند الله من حجة نافلة. حجة الفريضة ينبغي أن تؤدى على المستطيع، لكن حجة النافلة هذه التي يمكن أن نقول: إن درء المفاسد مقدم عليها، وإن أداء الحقوق مقدم عليها، وإن أداء الواجبات مقدم عليها، وإن إصلاح ذات البين مقدم عليها.

التّفقه قبل الحج :

أيها الأخوة الكرام: شيء آخر: هو أن الذي يحج بيت الله الحرام، ويطوف طواف الزيارة، ويسعى بين الصفا والمروة، ويقف في عرفات، هذه المشاعر المقدسة ينبغي أن ترافقها في الحج مشاعر مقدسة، قد تعجب أن بعض الحجاج يأتي من حجه، وتسأله عن هذا الحج فيحدثك عن كل شيء إلا الحج !.. تعجب. أيعقل أن يكون أمر الله جل جلاله بلا معنى؟ أيعقل أن يكون أمر الله الذي ورد في القرآن الكريم فريضة من الله أن يؤدى أداءً شكلياً دون أن يشعر الحاج بشيء؟
يا أيها الأخوة الكرام: تفقهوا قبل أن تحجوا. النبي عليه الصلاة والسلام علمنا نسكنا، وذكر لنا تفصيلات كثيرة، وأشار إلى بعض المشاعر التي ينبغي أن ترافق الحاج وهو يؤدي نسكه، حينما قبّل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ورد عنه قوله: هنا تذرف العبرات.. ما الذي يدعو الحاج إلى البكاء؟ أليس شعوره بالقرب من الله عز وجل؟
من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له.
أيها الأخوة الكرام:

(( ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة، فقال رجل: يا رسول الله، هن أفضل أم عدتهن جهاداً في سبيل الله؟ قال: هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة ))

[البيهقي عن جابر]

إذا ذهبت إلى بيت الله الحرام، ملبياً دعوة الله عز وجل، متجشماً المشاق، تنفق من مالك الحلال، ترجو رحمة الله عز وجل، ترجو المغفرة، ترجو العتق من النار، وقفت في عرفات، تناجي ربك، تتوب إليه، تعاهده على السمع والطاعة، تعاهده على طلب معرفته، وعلى بذل الغالي والرخيص من أجل مرضاته، أنت إذا وقفت في عرفات تناجي ربك، تتوب إليه، تعاهده على السمع والطاعة، تعاهده على طلب معرفته، وعلى بذل الغالي والرخيص من أجل مرضاته، إذا وقف الحاج في عرفات، بهذه النوايا الطيبة، وبهذا الإنفاق من مال حلال، وبهذا القصد النبيل، عندئذ يتجلى الله على أهل عرفات، فيغفر لهم ما كان منهم، ويقبلهم، ويعتقهم من النار. لذلك لا يرى الشيطان في يوم هو أدحر فيه من يوم عرفة.
أيها الأخوة الكرام: ورد في الأدعية التي كان يدعوها النبي عليه الصلاة السلام في عرفات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال رجل: هذا ثناء وليس بدعاء، فذكر هذا الرجل بالحديث القدسي:" إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين". فالثناء في القرآن دعاء، يؤكد هذا أن النبي الكريم يونس عليه السلام حينما التقمه الحوت نادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قال تعالى:

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء :88]

فاستجبنا له: أي ثناؤه كان دعاءً. وثناء العبد على ربه في عرفات من أجلّ الأدعية.

 

من استطاع الحج و لم يحج فقد كفر :

أيها الأخوة الكرام: يقول الله جل جلاله:

﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾

[سورة آل عمران:96]

يا أخوة الإيمان: يُستنبط من هذه الآية أن الذي يملك الزاد، والراحلة، والاستطاعة البدنية، أي أن الذي يستطيع الحج ولا يحج فربما شمله الكفر الذي هو دون الكفر الأكبر، كفر دون كفر.

﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة آل عمران:97]

الحج فريضة ينبغي أن يؤديها المستطيع، ولا أن يتعلل، ولا أن يسوف، قال تعالى:

﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة آل عمران : 97]

أي من كان مستطيعاً ولم يؤد هذه الفريضة، فهذا نوع من الكفر بها، وكفر دون الكفر الأكبر.

 

موضع مكة بالنسبة للقارات الخمس :

أيها الأخوة الكرام: وقد قال بعض العلماء: إن مكة تقع في الوسط الهندسي للقارات الخمس، وقد أكد هذا بدقائق مصورة عن موقع هذه المدينة المقدسة، وأما قوله تعالى:

﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾

[سورة آل عمران:96]

قال بعض العلماء: إن بكة موضع البيت الحرام من مكة المكرمة، وقال بعض العلماء: إن أول بيت وضع للناس لنسكهم وعبادتهم. العبادة ألزم شيء في حياة الإنسان.

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

وهذا مكان العبادة، وهذا المكان يحتاج إلى تفرغ تام، ويحتاج إلى تفريغ من الله عز وجل.

﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾

[سورة آل عمران :96-97]

من يصطلح مع الله و يتوب إليه يأمن من عذاب الدنيا و الآخرة :

وقد وقف العلماء حول كلمة ومن دخله كان آمناً مواقف شتى، من أبرزها، ومن أوجهها، أن الذي يهتدي إلى الله عز وجل ويصطلح معه ويتوب إليه يأمن من عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:

(( بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ ابْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

[متفق عليه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا.. ومن دخل هذا البيت بنية طيبة، ملبياً دعوة الله عز وجل، مصطلحاً معه، معاهداً إياه على التوبة، أمن من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. هذا هو الأمن الذي ذكره الله في القرآن الكريم.

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة الأنعام: 81-82]

من يعلم أن الله يعلم و يحاسب يستقيم على أمره ويسعد في الدنيا والآخرة :

أيها الأخوة الكرام: وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

[سورة المائدة: 97]

كما أن القرآن الكريم من خصائصه أنه مثاني، أي أن كل آية تنثني على أختها لتوضحها وتفسرها. الآية الكريمة التي تقول:

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾

[سورة الطلاق : 12]

إذا علم الإنسان أن الله يعلم وسيحاسب لابد من أن يستقيم على أمر الله، إذا شئت قانوناً لاستقامة النفس على أمر الله يجب أن تؤمن بأن الله موجود، وواحد، ويعلم، وسيحاسب. ما من نفس على وجه الأرض تتحقق من هذه الحقائق؛ أن الله موجود، وواحد، لا إله غيره، ويعلم ما تفعل، وسيحاسب، إلا واستقامت على أمر الله، لذلك هذه الآية الكريمة:

﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

[سورة المائدة: 97]

إذا علمت أن الله يعلم استقمت على أمره، وسعدت في الدنيا والآخرة، و إن علمت أن إنساناً قوياً يراقبك لابد من أن تستقيم على أمره، إنساناً قد لا تحبه، وقد لا تعظمه، ولكنه قوي ويراقب، ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾

[سورة النساء: 1]

ألم تقرأ قوله تعلى:

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾

[سورة الفجر: 14]

ويبدو من خلال هذه الآية أن أداء هذه العبادة العظيمة يسهم في أن تعلم أن الله يعلم، أن تعرف بأن الله سبحانه وتعالى وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

 

الحج المبرور :

أيها الأخوة الكرام: روى الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا ))

[مسلم عن أبي هريرة]

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور، والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم.
ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث متفق عليه:

(( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

أي الإنسان أمام فرصة وهو حي يُرزق، أمام فرصة أن يغفر الله له كل ذنوبه السابقة، أن تُفتح له مع الله صفحة جديدة، أن يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، هذا هو الحج المبرور.

(( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

وفي حديث آخر متفق عليه:

(( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

أيها الأخوة الكرام: ماذا بعد آيات الحج؟

﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾

[سورة آل عمران : 97]

وماذا بعد هذه الأحاديث المتفق عليها؟ إني أعجب أشدّ العجب ممن يستطيع أن يحج ولا يحج، تهاوناً أو تسويفاً، والله سبحانه وتعالى هو الغفار الرحيم، هو التواب الرحيم، أعطانا فرصة كي يتوب علينا، أعطانا فرصة كي نمحو الماضي كله، أعطانا فرصة كي نخرج من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، أعطانا فرصة أن نستحق الجنة بحج مبرور.
أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..

* * *

الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ظاهرة النبات وحدها آية من آيات الله الدالة على عظمته :

أيها الأخوة الكرام: أخ كريم من رواد هذا المسجد وهو أستاذ في الجامعة، أهداني في الأسبوع الماضي كتاباً عن النبات، وهو كتاب مقرر في كلية العلوم تصفحته قبل أيام وجدت فيه العجب العجاب.
في هذا الكتاب موضوع معنون بانجذاب النبات، النبات ينجذب إلى ماذا؟ هل النبات يعقل؟. النبات ينجذب إلى الضوء، فلو وضعت نباتاً في غرفة، ولهذه الغرفة نافذة واحدة، ترى أن أغصان النبات، وأوراق النبات تتجه إلى تلك النافذة التي يأتي منها الضوء، ولكن الأدق من ذلك أن أوراق الشجر تنتظم بشكل رائع بحيث تواجه كلها أشعة الشمس، فقلّما تتداخل أوراق الأشجار فيما بينها، وإذا تداخلت ففي حدّ أدنى من التداخل، لابد من أن تتجه أوراق الأشجار جميعها إلى أشعة الشمس، من أودع في هذا النبات هذه الخاصة؟

﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾

[سورة النمل : 63]

شيء آخر: جاؤوا بنبات ووضعوه بشكل أفقي في أنبوب، فإذا بالجذر يتجه نحو الأسفل، وبالساق يتجه نحو الأعلى، الجذر يتجه نحو الرطوبة والماء، والساق يتجه نحو الشمس والهواء، ما الذي جعل هذا النبات بجزئيه جزء يتجه نحو أشعة الشمس وجزء يتجه نحو الأرض؟

﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾

[سورة النمل : 63]

أيها الأخوة الكرام: شيء رابع هو أن جذور النبات تتجه نحو الماء، وهناك أشجار يصل طول جذورها إلى ثلاثين متراً بحثاً عن الماء. من أودع في النبات هذه الخاصة؟ الساق يتجه نحو الأعلى، والجذر يتجه نحو الأسفل، فلو كان الماء في طرف في التربة دون طرف لاتجهت الجذور نحو الماء وهي في باطن الأرض، ولو كان الساق متجهاً نحو الأعلى وكان الضوء من جهة أخرى، من جهة واحدة لاتجهت الأغصان نحو الضوء. هل المادة عاقلة؟..
إن ظاهرة النبات وحدها أيها الأخوة تلفت النظر، إن ظاهرة النبات وحدها تُعد آية من آيات الله الدالة على عظمته. الانجذاب نحو الضوء، والانجذاب نحو الأرض للجذور، ونحو السماء للفروع، والانجذاب نحو الماء.
وفضلاً عن كل ذلك فهناك ظاهرة في النبات يقشعر منها الجلد، أن النبات إذا عطش ينبغي أن يستهلك ماء الجذور، لا يستهلك إلا ماء الأوراق، وبعد أن يستهلك ماء الأوراق يستهلك ماء الأغصان، وبعد أن يستهلك ماء الأغصان يستهلك ماء الفروع، وبعد أن يستهلك ماء الفروع يستهلك ماء الجذع، وبعد أن يستهلك ماء الجذع يستهلك ماء الجذور، وآخر ماء يستهلكه النبات حينما يُمنع من الري ماء الجذور. فقد ينسى الفلاح أن يسقي الشجرة أياماً كثيرة، وقد تشح السماء بماء الأمطار، لكن هذا النبات لا يستهلك إلا الماء الذي لا يضر وجوده. آخر ماء يستهلكه النبات ماء الجذور، فإذا استهلك ماء الجذور ويبست الجذور يبس النبات ومات.
أية حكمة وراء هذه القاعدة؟
يا أيها الأخوة الكرام:

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[ سورة يونس: 101 ]

كل شيء في الأرض يدل على عظمة الله، ويدل على حكمة الله، ويدل على علم الله، ويدل على رحمة الله، ويدل على فضل الله عز وجل.

 

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين, اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب. اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم ارزقنا التأدب ونحن في بيوتك يا رب العالمين. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور