- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا .
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
بينما كليم الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام يمشي ذات يوم ، إذ لقي عابد يعبد الله تعالى ، قال العابد لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام يا كليم الله إذا ناجيت ربك فاسأله لي ثلاثة أشياء ألا يرحمني رضاه ، وألا يشغلني بسواه ، وأن يلهمني ذكره حتى لا أنساه .
من أكثر من ذكر الله ، برئ من النفاق .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، قال في كتابه الكريم :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾
﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾
من العمل الصالح .
﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾
من الإخلاص .
﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾
من الاستقامة على أمر الله عز وجل .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
لأنهم فسقوا ، نسوا الله ، لأنهم نسوا الله ، أنساهم ، نسيان الله أنفسهم ، أي مهمتهم في الحياة ، أنساهم رسالتهم ، أنساهم علة وجودهم .
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله .
دخل على السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها فسمعها تقول :
اللهم إني أسألك لأنك الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
فقال لها يا عائشة :
لقد سألت الله باسمه الأعظم ، الذي ما سئل به إلا أعطى ، ولا دعي به إلا أجاب .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، الذين زهدوا في الدنيا ، فأحبهم الله ، وزهدوا بما في أيدي الناس ، فأحبهم الناس .
يا أخي دونك مالي فخذ نصفه ، قال له عبد الرحمن بن عوف بارك الله لك في مالك ، ولكن دلني على السوق ، زهدوا في الدنيا ، فأحبهم الله ، وزهدوا بما في أيدي الناس ، فأحبهم الناس .
لا تركنن إلى القصور الفاخرة وانظر عظامك حين تمسي ناخرة
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل يا رب إن العيش عيش الآخـرة
هكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام ، كلما وقعت عينه على مباهج الدنيا على زينتها ، على بيوتها ، على بساتينها ، على متعها ، كان يصرف بصره ، ويقول :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علم ، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباع ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسن ، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين .
الوعد الكاذب :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ آية اليوم من سورة إبراهيم ، قال تعالى :
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
﴿ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
يمنيهم ، ويجعلهم يعيشون في أمل كاذب ، يحبب لهم الدنيا ، يحبب لهم زينتها ، زين لهم المال الحرام ، حتى يحملهم على الإقبال عليه .
﴿ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
البطولة يوم القيامة حين يقول الشيطان :
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾
أي لا تنظر إليها بحجم أكبر من حجمها تافهة ، عابرة ، تغر ، وتضر ، وتمر ، سريعة الزوال ، وشيكة الانتقال لم تدم بيد رجل ، إلا تحولت عنه .
﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾
أي لا تنظر إليها نظرةً تعطيها حجماً أكبر من حجمها ، هي تافهة ، النبي عليه الصلاة والسلام ، قال له أحد الصحابة الكرام : أخبرنا عن الإمارة فقال عليه الصلاة والسلام إنها أمانة ، وإنها خزي وندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئس الفاطمة .
يعني لا بد من أن تزول ، فتركها قبل أن تتركك ، إن أسعد الناس بها أرغبهم عنها ، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
الشيطان يغرك بالدنيا ، يزينها لك ، يزين لك فيها مالها الحرام ، يعدك ، يمنيك ، وإذا استمت على أمر الله يخوفك ، ويخوفهم .
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
أسمع إلى الشيطان ماذا يقول غداً .
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
يعني ضحكت عليكم ، أوقعتكم في الضلال ، ورطتكم في المعصية ، علقتكم في الدنيا ، جعلتها أكبر همكم ، ومبلغ علمكم ، جعلتكم تتنافسون عليها ، وتدفعون الثمن من دينكم ، ومن أخرتكم ، ومن سعادتكم ، الدنيا تغر وتضر وتمر ، دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له .
فالله سبحانه وتعالى ينقل لنا مشهداً سوف يكون ، وإذا عبر الله سبحانه وتعالى عما سيكون بما قد كان فهذا في البلاغة لتحقق الوقوع ، إذا استخدم الله سبحانه وتعالى الفعل الماضي ، لما سيكون في المستقبل ، فهذا من قبيل تحقق الوقوع ، يعني الشيطان يوم القيامة سوف يقول لكم كيت وكيت .
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
شماتة ما بعدها من شماتة ، ازدراء ما بعده من ازدراء ، تقريع ما بعده من تقريع ، يبدو الإنسان أمام الشيطان يوم القيامة غبياً ، سخيفاً ساذجاً ، صغيراً .
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾
هذه هي الجنة ، وهذه هي النار .
﴿ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
استخففت بكم ، استحقرتكم ، ذللتكم ، أزريت بكم ، ورطتكم ، وألا يقول الإنسان يا رب لما خلقت الشيطان ، هو الذي أضلنا ، استمع إلى الفقرة الثانية .
﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
لن يضل الشيطان أحد ، لن يضل الشيطان إلا الذي استجاب له وكان راغباً في الضلالة ، كان راغباً في اتباع الهوى ، كان راغباً في معصية الله ، كان متشوقاً إلى ما يغضب الله .
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
كم يبدو الرجل أمامنا صغير العقل ، سخيف التفكير ، إذا أمره رجل لا سلطان عليه بعمل يهلك به نفسه ويستجيب له ، لو قال لك رجل ، وأنت أمام حفرة ممتلئ بمياه آسنة أنزل فيها ، ولا يملك عليك سلطان ، فنزلت فيها ، كم يكون المرء غبياً ، وسخيفاً ، وساذجاً .
﴿ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾
سقت لك هذه الآية لأن معظم المسلمين كلما وقع في معصية ، وكلما تورط في شيء يغضب الله عز وجل ، وكلما تكلم بكلام فيه ما يغضب الله ، قال ، لعن إبليس ، وكأنه جير هذه المعصية إلى إبليس ، وكأنه لم يفعل هو المعصية ، إنما إبليس ألهمه إياها ، أو وسوس له بها لئلا يقع الإنسان في هذه الضلالة ، لئلا يعزو معصيته إلى إبليس ، لئلا يظن أن إبليس هو الذي أضله ، وهو الذي حمله على المعصية ، استمع إلى قوله تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
السنة المطهرة : تعريف الإيمان .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ إلى السنة المطهرة النبي عليه الصلاة والسلام في خمسة أحاديث يعرف الإيمان ، لأنه ما من رجل إلا ويحسن الظن بنفسه ، ويقول أنا مؤمن ، ولكن الإيمان له دلائل ، له شروط ، له علائم ، له مؤشرات ، له صفات .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( الإيمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ))
مؤمن غير مستقيم كلام فارغ .
(( الإيمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ))
يقول لك أحدهم أنا قلبي نظيف ، ولكنه لا يعمل بالأركان ليس مؤمناً .
(( الإيمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن ))
(( الإيمان قيد الفتك))
يعني مؤمن يفتك بإنسان ، يفتك بحيوان ، يفتك بنبات ، مصدر أذى ، هذا مستحيل ، الخير بيدي ، والشر بيدي ، فطوبى لمن قدرت الخير على يده ، والويل لمن قدرت الشر على يده ، إن من عباد من هم مفاتيح للخير ، مغاليق للشر ، الإيمان قيد الفتك ، الإيمان قيد ، لا تستطيع بالإيمان أن تخدع ، ولا أن تظلم ، ولا أن تدلس ، ولا أن تضل ، ولا أن تكذب ، ولا أن تغش ، الغش فتك ، والكذب فتك ، والتدليس فتك ، لا تستطيع إن كنت مؤمناً أن تجاوز حدود الله ، لأن الإيمان رؤية ، إنك ترى الله عليك رقيباً ، ترى عدالته ، ترى ما سيكون ، ترى مغبة المعصية ترى نتائج المعصية ، ترى ما عند الله ، من عقاب أليم ، لكل معصية ، إذاً :
(( الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( الإيمان عفيف عن المحارم ، عفيف عن المطامع ))
المؤمن لا يطمع فيما ليس له ، قانع بالذي له ، لا يبتغي ما ليس له في الرخاء شكور ، في الزلازل صبور ، يمسك الناس من نفسه ، يقول الحق ولو على نفسه ، عفيف عن المطامع ، عفيف عن المحارم ، كأن المطامع زينة الدنيا ، كأن المحارم ما حرمه الله سبحانه وتعالى ، لا يقع في معصية ، ولا يبتغي ما ليس له ، قد يأخذ بيتاً ليس له ، قد يغتصب محلاً تجارياً ليس له ، عفيف عن المطامع ، عفيف عن المحارم ، هذه صفات المؤمن ، ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن ، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه ))
يعني إيمان بلا عمل كشجر بلا ثمر ، الذين أمنوا وعملوا الصالحات ، فصار العمل ، نتابع الأحاديث ، ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ))
من خلال هذه الأحاديث الخمسة ، من علائم الإيمان الصبر ، من علائم الإيمان الشكر ، من علائم الإيمان العمل ، من علائم الإيمان العفة عن المحارم ، من علائم الإيمان العفة عن المطامع ، من علائم الإيمان أنه قيد الفتك ، من علائم الإيمان أنه معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان .
هذه الأحاديث أيها الإخوة المؤمنون ؛ ذكرتها لئلا يقع الإنسان في وهم كبير ، أنه مؤمن وهو ليس كذلك ، إذا عرفت حجمك الحقيقي فهذا بداية الطريق ، نحو التقدم ، أما إذا توهمت أنك مؤمن فهذا هو العمى بعينه إذا عرفت حجم إيمانك بالضبط فهذه بداية الطريق ، نحو التكامل ، نحو الزيادة ، فالسعيد من عرف نفسه ، والشقي من توهم عظيمة ، وهو ليست كذلك .
قصة :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ يروى أن رجلاً اشترى بيت وذهب إلى سيدنا علي كرم الله وجهه يريد أن يكتب له عقد شراء ، قال له : يا أمير المؤمنين اكتب لي عقد الشراء بيديك ، فنظر إليه الإمام علي كرم الله وجهه ، فوجد أن الدنيا تربعت على سويداء قلبه ، رأى حب الدنيا في عينيه ، وحجبته عن ذكر الله ، فأمسك بالقلم وكتب على الرقعة ، بسم الله الرحمن الرحيم ، فقد اشترى ميتٌ من ميتٍ ، داراً في بلد المذنبين ، وسكة الغافلين ، لها أربعة حدود ، الحد الأول ينتهي إلى الموت ، والحد الثاني ينتهي إلى القبر ، والحد الثالث ينتهي إلى الحساب ، والحد الرابع ينتهي إلى الجنة أو إلى النار ، كتب له عقد شراء ، ووعظه بهذا العقد ، ثم خاطب نفسه وقال : يا دنيا غر غيري ، لقد عرفتك ، لقد طلقتك بالثلاث ، ألي تعرضت أم إلي تشوفت ، هيهات هيهات ، لقد طلقتك بالثلاث ، لا رجعة فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آه من قلة الزاد بالسفر ووحشة الطريق الخلاصة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها ، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها ))
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، الطيبين الطاهرين .
الصقر :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ تتخذ معظم الدول الصقر شعاراً لها ، وقد طالعت مقالة عن أخلاق الصقر ، فعجبت مما قرأت ، يقول كاتب المقال ، إن من أخلاق الصقر التناصر، فهو يحمي بني جنسه ويدافع عنهم ، ومن أخلاق الصقر أنه يقبل التعلم ، وهو يجد متعة عندما يشعر أن مدربه راضٍ عنه ، ومن أخلاق الصقر أنه لا يرضى بالذل ، ولا يرضى بالغدر ، وإذا احتاج أخذ ، وإذا استغن ترك ، وفي معاملته للصقرة هو آية في الرقة ، والمجاملة وهو محب لفراخه ، غيور على أبنائه ، قلت سبحان الله ، أيكون الصقر أكرم من الإنسان ، أيكون الصقر أشرف من الإنسان .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾
ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سمى عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، أيكون الإنسان الكافر دون الحيوان ، نعم ، إنه شر البرية .
هذا الصقر الحيوان الأعجم هكذا أخلاقه ، تناصره لبني جنسه ، دفاعهم عنهم ، قبيله للتعلم ، متعته بالتعلم ، لا يرضى بالذل ، لا يرضى بالغدر ، إذا احتاج أخذ ، وإذا استغن ترك ، آية في الرقة في معاملته أنثاه ، محب لفراخه ، غيور على أبناءه ، إذا كان الصقر هكذا فما قولك ببني البشر ، الذين يغدرون ، والذين يرضون بالذل ، والذين يأخذون ما لا يأكلون ، يجمعون من الأموال مالا يحتاجونه ، ما قولك ببني البشر ، الذين يتكبروا على التعلم ، أخذته العزة بالإثم ، إنهم كانوا :
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾
أيكون الصقر أشرف من الإنسان ، هذا الذي خلت له السماوات والأرض ، هذا الذي سخر الله له ما في الأرض جميعاً ، هذا الذي سخر الله ما في السماوات والأرض ، هذا الذي كرمه ، هذا الذي خلقه من أجل خلقت لك السماوات والأرض فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب فبحقي عليك ، لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضت عليك ، كيف يكون موقف الإنسان يوم القيامة ، إذا كان دون الحيوان ، إذا رأى نفسه شر البرية .
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
كيف بالإنسان إذا جاء يوم القيامة غافلاً ، تائهاً ، ضالاً ، شارداً عاقاً ، ظالماً ، أيكون الصقر أشرف من الإنسان ؟ إنها كلمات قليلة ولكنها تنطوي على موعظة بليغة ، ألا تغار أيها الإنسان من الصقر ، ألا تخشى أن يكون الصقر أشرف منك ، وأكرم عند الله منك ، هذه أخلاق الصقر لهذا السبب تتخذ بعض الدول الصقر شعاراً لها ، لأنه رمز الإباء ، لا يغدر ، ولا يرضى بالذل ، يدافع عن بني جنسه ، يحميهم ، يعطف على فراخه ، لا يأخذ إلا عند الحاجة ، إذا استغنى ترك .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا يا رب العالمين ، أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بينا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ، واقبل توبتنا ، وفك أسرنا ، وأحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا ، اللهم استر عورتنا ، وأمن روعاتنا ، وأمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد أمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء ، مولانا رب العالمين ، اللهم أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .