وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0895 - المحبة - أسباب جالبة لمحبة الله عز وجل .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المحبة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في الخطبة السابقة تحدثت عن الإخلاص ، وقد يغيب عن معظم المسلمين خطورة هذا الموضوع ، فإذا كان الإخلاص عبادة القلب هو في الحقيقة نصف الإسلام كما يبدو ، لكن لو دققت لرأيته الإسلام كله ، لأن العمل من دون إخلاص لا يقبل .
 شيء آخر يغفل عنه المسلمون ألا وهو الحب ، قد تجد كل مظاهر الدين صارخة ، لكن هذا الحب الذي يملأ القلب هذا الحب لله تعالى ، والحب لرسوله ، ولسنة رسوله ، وللمؤمنين ، ولكل عمل صالح يقرب من الله عز وجل ، وقد يضعف هذا الحب ، ومع ضعف هذا الحب تضعف حركة المسلم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ كبار العلماء أدرجوا المحبة من بين منازل : إياك نعبد وإياك نستعين ، فقالوا : هذه المنزلة تنافس فيها المتنافسون ، وإليها أسرع العاملون ، وإلى علمها شمر السابقون ، وعليها تفانى المحبون ، وبروح نسيمها تروح العابدون ، هي قوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون ، هي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات ، هي النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ، هي الشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام ، هي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، هي روح الإيمان ، هي روح الأعمال ، هي روح المقامات ، هي روح الأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه ، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها ، توصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها ، تبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ، هي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب ، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب ، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب ، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة ، تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون ، وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون ، أجابوا منادي الشوق إذا نادى بهم حي على الفلاح ، وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم ، وكان بذلهم بالرضا والسماح ، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح ، تالله حمدوا عند الوصول ثراهم ، وشكروا مولاهم على ما أعطاهم ، وإنما يحمد القوم الثرى عند الصلاح .

 

تعلق القلب بغير الله عين الشرك :

 أيها الأخوة الكرام ؛ نبدأ ببعض الآيات التي تتحدث عن الحب ، الله عز وجل يقول:

﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾

[ سورة البقرة : 165]

 من للتبعيض :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾

[ سورة البقرة : 165]

 فأخبر جلّ جلاله أنه من أحبّ من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فهو ممن اتخذ من دون الله أنداداً ، هذا ند في المحبة ، وليس نداً في الخلق والربوبية ، لا يعقل أن يقول أحد : فلان خلق السموات والأرض ، هذا شيء مستحيل ، ولكن الندية التي أشارت هذه الآية إليها تعني ندية في المحبة والتعظيم ، فإذا كان القلب متعلقاً بغير الله معظماً غير الله فهو في شرك تنطوي عليه هذه الآية ، وتشمله هذه الآية .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يدّعي ما لله من خلق وتربية ، ولكنه قد يتوجه لغير الله ، وهذا هو الشرك ، والذنوب كما تعلمون ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين الخلق ، وذنب لا يغفر وهو الشرك ، الشرك أيها الأخوة أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، الشرك الخفي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمالاً لغير الله))

[ أحمد عن شداد بن أوس ]

 هذا تؤكده الآية الكريمة :

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

 أنت حينما تعظّم غير الله ، وحينما تحب غير الله ، وحينما تعقد الأمل على غير الله ، وحينما ترجو غير الله ، وحينما تخاف من غير الله ، وحينما تتوهم أن فلاناً ينفعك ، وأن زيداً يضرك ، وأن علاناً بإمكانه أن يقدمك نحو الأمام كثيراً ، هذا هو عين الشرك .
 أيها الأخوة الكرام ؛ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، الآية الأولى :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾

[ سورة البقرة : 165]

 أي في المحبة والتعظيم ، كما ينبغي أن تحب الله عز وجل ، يحب ما سوى الله كما ينبغي أن يحب الله ، يعظم ما سوى الله كما ينبغي أن يعظم الله ، وهذا هو عين الشرك .

 

اتباع سنة النبي دليل محبة الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ آية أخرى متعلقة بهذا الموضوع الجليل ، الآية الكريمة :

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران : 31 ]

 هذه الآية أيها الأخوة تعطيك الدليل على محبتك لله ، لما ادعى معظم الناس محبة الله عز وجل وكلٌ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ، لما ادّعى معظم الناس محبة الله عز وجل طالبهم الله بالدليل ، وأقوى دليل على محبة الله اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام لأن اتباع سنة النبي عين طاعة الله ، ولأن طاعة الله عين اتباع سنة النبي ، الله عز وجل يقول:

﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾

[ سورة التوبة : 160 ]

 بضمير المفرد ، أي إرضاء الله عز وجل عين إرضاء النبي ، وإرضاء النبي صلى الله عليه وسلم عين إرضاء الله :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 31 ]

 هذه الآية تبين دليل محبة الله ، وقد يكون هذا الدليل بنفس المؤمن ، هو يدعي محبة الله فإذا خالف سنة النبي في مواطن كثيرة فهذا دليل أن محبته ادعاء وليست حقيقة .

 

علامات من يحبّ الله و رسوله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ آية ثالثة متعلقة بهذا الموضوع الجليل قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 هؤلاء المحبون لهم أربع علامات :

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 أي مشفقون عليهم ، يحرصون على سلامتهم ، يحرصون على سعادتهم ، يفرحون بما يفرحون ، يتألمون لما يألمون ، يشفقون عليهم ، هذه العلامة الأولى من محبة الله :

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 ما خصائصهم ؟

﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 أما إذا كان العكس ، أما إذا كان بين يدي الله ذليلاً وعلى أخيه المؤمن قوياً هذه علامة خطيرة جداً :

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾

 يجاهدون في سبيل الله ، يجاهدون أنفسهم وأهواءهم ، ويجاهدون بالقرآن الكريم ، ويجاهدون في إعداد العدة للعدو ، ويجاهدون جهاداً قتالياً ، جهاد النفس والهوى ، والجهاد الدعوي ، والجهاد البنائي ، وجهاد النفس والهوى

﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾

 أربع علامات ؛ لا تفكر تفكيراً ضبابياً كن علمياً في تفكيرك ، تدّعي محبة الله ، هل أنت مطبق لسنته التفصيلية ؟ هل تعلم سنته ؟ كيف تطبق سنة النبي إن لم تعلمها ؟ والقاعدة الأصولية : ما لا تيم الفرض به فهو فرض ، أرأيت إلى الوضوء إنه فرض لأن الصلاة التي هي فرض لا تتم إلا به ، أرأيت إلى أشياء كثيرة تعد مقدمات لواجبات أو لسنن ، إنها تأخذ حكمها ، فإذا كانت علامة محبة الله أن تتبع سنة النبي فأول عمل يقتضي أن تتعرف إلى سنة النبي ، هذه العلامة الثانية .
 العلامة الثالثة :

﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 يجاهدون أنفسهم ، ويجاهدون جهاداً دعوياً .

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان : 52]

 ويجاهدون جهاداً بنائياً .

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ﴾

[ سورة الأنفال : 60 ]

 ويجاهدون جهاداً قتالياً :" وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ " حينما يتحركون نحو أهدافهم لا تعنيهم أقوال الناس . ما ضرّ السحاب نبح الكلاب ، وما ضرّ البحر أن ألقى فيه غلام حجراً ، ولو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على هذا الدين ما أثاروه إلا على أنفسهم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ أربع علامات في هذه الآية وعلامة في الآية السابقة .
 و هناك شيء آخر :

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾

[ سورة الإسراء : 57]

 متى تتمنى أن تتقرب من جهة إلا إذا أحببت القرب منها ؟ ومتى تحب القرب منها إلا إذا أحببتها في ذاتها ؟ فعلامة محبة المؤمن أنه يسعى دائماً إلى التقرب من الله عز وجل .

 

الفرق الكبير بين حلاوة الإيمان و حقائق الإيمان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه بعض الآيات المتعلقة بالمحبة فماذا في السنة الصحيحة ؟ يقول عليه الصلاة والسلام :

((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان))

[ متفق عليه عن أنس]

 وفرق كبير بين حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان .
 حقائق الإيمان أي إنسان أوتي فهماً عميقاً يدركها ، لكن ليس أي إنسان يذوق حلاوة الإيمان لأن لها ثمناً ، هذا الثمن أي يكون الله في قرآنه ، في أمر ونهيه ، ورسوله في سنته الصحيحة ، في أمره ونهيه ، أحبّ إليه مما سواهما ، ولو طرحت هذا السؤال على مليار مسلم لأجابوا جميعاً بنعم ، ليس هذا هو المعنى ، أن يكون الحكم الشرعي المستنبط من الكتاب والسنة أحبّ إليك من مصالحك القريبة الملموسة المادية عندما تتعارض مع الحكم الشرعي ، هذا البند عند التعارض ، حينما تتعارض مصالح المسلم المادية مع الحكم الشرعي ويؤثر مصلحته إذاً هو لا يحب الله ورسوله ، إذاً هو لم يدفع الثمن أن يكون الله في قرآنه ورسوله في سنته أحب إليه عند التعارض مما سواهما ، ثمن هذه الحلاوة باهظ جداً ، لكن على المؤمنين ليس بالباهظ ، كقوله تعالى :

﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

[ سورة البقرة : 45]

 وإن هذا الثمن باهظ إلا على عباد الله المؤمنين .

 

السّعادة و اللّذة :

 أيها الأخوة : حلاوة الإيمان تعني السكينة التي تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، حلاوة الإيمان تعني ذلك الأمن .

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 82]

 حلاوة الإيمان تعني الحكمة .

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾

[ سورة البقرة : 269 ]

 حلاوة الإيمان تعني السعادة ، والسعادة شيء واللذة شيء آخر ، السعادة تنبع من داخل الإنسان ، ويملكها كل إنسان ، وهي متنامية وتنتهي بصاحبها إلى الجنة ، بينما اللذة تأتي من خارج الإنسان وتحتاج إلى أموال ، وتأثيرها متناقص وتعقبها كآبة ، وقد تنتهي بصاحبها إلى النار ، فشتان بين اللذائذ التي يلهث الناس وراءها وبين السعادة التي يملك كل مسلم قيادها .
 أيها الأخوة الكرام ؛ المفارقات العجيبة فيما بين اللذة والسعادة أن اللذائذ تحتاج إلى شروط ثلاثة ؛ وهذه الشروط من المستحيل أن تتوافر جميعاً في وقت واحد ، ففي بداية الحياة هناك الصحة وهناك الوقت ولكن ليس هناك مال ، وفي منتصفها هناك الصحة وهناك المال ولكن ليس هناك وقت ، وفي خريف العمر هناك المال وهناك الوقت ولكن ليس هناك من صحة، أما إذا طرقت باب الله عز وجل ، وخطبت وده ، واصطلحت معه ، وأطعته ، وعقدت معه توبة نصوحاً ، فأنت في سعادة لا يعرفها إلا من ذاقها .

 

الولاء و البراء :

 إذاً :

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ... ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

 هذا هو الولاء والبراء ، أن تحب المؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء ، أن تحب ما يحبون ، أن تحمل همومهم ، أن تسعى لحل مشكلاتهم ، أن تسعى لهدايتهم ، أن تنتمي إليهم ، النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف بالغوا في إيذائه فقال : اللهم اهد قومي، لم يقل : اللهم اهد هؤلاء ، اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، ما تخلى عن قومه ودعا لهم واعتذر عنهم ، أن توالي المؤمنين ، وأن تتبرأ من الطرف الآخر ، ولو كانوا أقوياء ، ولو كانوا أغنياء ، ولو كانوا أذكياء، ولو أن مصالحك معهم ، أبلغ من ذلك يجب أن توالي المؤمن ولو نالك منه أذىً متأولاً أو مجتهداً أو مخطئاً ، وينبغي أن تتبرأ من الكافر ولو نالك منه خير ، هذا هو الولاء و البراء ، لذلك قالوا : هناك حب في الله ، وهناك حب مع الله ، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك .
 أيها الأخوة الكرام ؛

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ... ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

 وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ، هو في الأعماق ، هو عبد الله ، واتخذ قراراً مصيرياً في السراء والضراء ، في الغنى والفقر ، في إقبال الدنيا وفي إدبارها ، قبل الزواج وبعد الزواج ، قبل أن يكون ذا شأن كبير وبعد أن يكون ذا شأن كبير .

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب : 23]

 أما هذا الذي يعبد الله على حرف لم يتحقق من محبة الله عز وجل ، إن أصابه خير اطمأنت نفسه ، هذا الذي يعبد الله على حرف مقاومته هشة ، أي ضغط يخرجه عن طاعة الله ، وأي إغراء يخرجه عن طاعة الله ، بينما المؤمن الحق لا يسمح لسبائك الذهب اللامعة ولا لسياط الجلادين اللاذعة أن تصرفه عن محبوبه .

المؤمن يرى بنور الله و يسمع ما وافق منهجه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ حديث آخر يتحدث عن الحب ، في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى :

(( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه - أي شيء يسمعه يعرضه على الميزان ، على الكتاب والسنة ، فإن وافق وحي الله وتفصيل النبي بهذا الوحي يقبله ، فإن خالفه يرفضه بل يركله بقدمه ، هناك تصفية قبل أن يسمع ، هناك مصفاة الكتاب والسنة - الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 لو رأى مباهج الدنيا يقول كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ))

[ متفق عليه عن سهل بن سعد ]

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾

[ سورة النساء : 77 ]

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾

[ سورة النساء : 113 ]

 يرى بنور الله .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾

[ سورة الأنفال : 29 ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[ سورة الحديد : 28 ]

 هو يسمع ما وافق منهج الله عز وجل ، ويرفض كل كلام يتناقض مع وحي الله ، ثم إنه لا يرى إلا بعين مقاييس القرآن الكريم .

العلم و العمل مقاييس القرآن للمفاضلة بين الناس :

 في الدنيا مقاييس كثيرة ، مقياس المال ، مقياس القوة ، مقياس الوسامة ، مقياس الذكاء ، مقياس الجمال ، لكن في القرآن مقياسين فقط :

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[ سورة الأحقاف : 17 ]

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾

[ سورة المجادلة : 11 ]

 مقياس القرآن العلم والعمل ، مقياس أهل الدنيا المال والقوة والجمال والصحة وما إلى ذلك ، فلذلك لا يرى إلا بمقاييس القرآن ، فهذا الذي كان قصير القامة ، أسمر اللون ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ، أحنف الرجل ، ما شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وهو مع ذلك سيد قومه ، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب ، إذاً حينما نعتمد مقاييس القرآن في تقييم الأشخاص نكون في حال غير هذا الحال .

((...... كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 لا يتحرك إلا وفق منهج الله ، لا يتحرك إلا بالخير ، لا يبطش بهذه اليد إلا وفق الأمر والنهي ، لا وفق المزاج والهوى .

(( ورجله التي يمشي بها ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 لا يمشي إلا بالخير ، إلى إصلاح ذات البين ، إلى مسجد ، إلى درس علم ، إلى دعوة ، إلى إنكار منكر ، إلى عمل صالح .

((وإن سألني لأعطينه ، وإن استعاذني لأعيذنه ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

من أحبّه الله أحبّه أهل الأرض و السماء :

 أيها الأخوة الكرام ؛ حديث ثالث يتعلق بالمحبة ، في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام :

(( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 أيها الأخوة : عيّن النبي عليه الصلاة والسلام على سرية أميراً فكان يقرأ في كل صلاة : قل هو الله أحد ، وهو يقول إنها صفة الرحمن ، فلما أخبروا النبي عليه الصلاة والسلام قال : إن الله يحبه . ومن دعاء داود كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((اللهم إني أسألك حبك ، والعمل الذي يبلغني حبك ، اللهم اجعل حبك أحبّ إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد ))

[ الترمذي عن أبي الدرداء]

 ومن الأدعية التي دعا بها النبي عليه الصلاة والسلام :

(( اللهم ارزقني حبك ، وحب من ينفعني حبه عندك ، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب ، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب ))

[ الترمذي عن ابن أبي شيبة]

محبة الله للصابرين و المحسنين و المتقين :

 أيها الأخوة : من علامات محبة الله اقرأ القرآن الكريم : إن الله يحب الصابرين .

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 13 ]

 إن الله يحب التوابين ، يحب المتطهرين :

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً﴾

[ سورة الصف : 4 ]

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾

[ سورة التوبة : 4]

﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾

[ سورة البقرة : 205]

﴿لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾

[ سورة لقمان : 18]

﴿لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة الشورى : 40]

أحبّ الأعمال إلى الله :

 في السنة : أحب الأعمال إلى الله كذا وكذا .

(( أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ، ثم بر الوالدين ، ثم الجهاد في سبيل الله))

[متفق عليه عن ابن مسعود]

(( أحب الأعمال إلى الله الإيمان بالله ، ثم الجهاد في سبيل الله ، ثم حج مبرور))

[مسلم عن أبي هريرة]

(( كان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه))

[ البخاري عن عائشة ]

((إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه ))

[ أحمد في مسنده والبيهقي عن ابن مسعود ]

الحبّ أصل في الدين الإسلامي :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ملخص هذا الكلام الإنسان الذي لم يجد في نفسه حاجة إلى أن يحب أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر ، الحب أصل في هذا الدين ، ينبغي أن تحب الله ، وينبغي أن تحب كل عمل يقربك إلى الله ، والحب في الله يجعلك تفعل الشيء الذي لا يصدق ، من دون حب جثة هامدة ، من دون حب وردة صناعية لا رائحة لها ، ولا تجذب الإنسان إليها .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أسباب جالبة لمحبة الله عز وجل :

1 ـ قراءة القرآن بالتدبر و التفهم :

 أيها الأخوة : بعض العلماء عدّد أسباباً جالبة لمحبة الله عز وجل ، إنها عشرة أولها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم .

﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾

[ سورة البقرة : 121 ]

 يتلوه وفق قواعد اللغة ، وإن أمكن وفق قواعد التجويد ، ويتفهمه ، ويتدبره بمعنى أن يسأل نفسه مع كل آية أين أنا من هذه الآية ؟ ثم يطبقه ، هذه تجلب محبة الله له .

 

2 ـ التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض :

 البند الثاني : أن تتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .

 

3 ـ ذكر الله في كل الأحوال :

 البند الثالث : دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب أو بكليهما ، وبالعمل وبالحال، أي الدعاء ذكر ، والاستغفار ذكر ، والتسبيح ذكر ، والتهليل ذكر ، والتوحيد ذكر ، والتكبير ذكر ، والمناجاة ذكر ، أن تذكره في كل أحوالك .

 

4 ـ إيثار محابه على محابك :

 البند الرابع : إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى ، أي إن استثيرت رغبة أو شهوة تؤثر ما يُحب على ما تحب .

 

5 ـ مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها :

 البند الخامس : مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ، ومشاهدتها ومعرفتها ، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة ، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه .

 

6 ـ مشاهدة بره و إحسانه :

 البند السادس : أن تشاهد بره وإحسانه ، وأن تتحدث عن نعمه الباطنة والظاهرة ، فإنها دعاية إلى محبته .

 

7 ـ انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى :

 البند السابع : انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى ، بالقدر الذي تفتقر إليه يقربك منه ، وبالقدر الذي تلهى عنه يبعدك عنه ، في بدر :

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾

[ سورة آل عمران : 123 ]

 أي مفتقرون إلى الله ، وفي حنين :

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 25]

 نتعلم من هذين الدرسين أنك إذا قلت : الله ، تولاك الله ، فإذا قلت : أنا ، تخلى الله عنك ، أنت بين التولي والتخلي كل يوم ، هذا امتحان تمتحن به كل يوم عشرات المرات ، تعتمد على علمك ، على ذكائك ، على من حولك ، على نسبك ، على خبراتك ، يكلك الله إليها، تعتمد على الله تقول : يا رب إنني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين ، تفتقر إلى الله فيمدك ، وباب الانكسار إلى الله عز وجل ليس فيه ازدحام أبداً ، أما باب الكبر والاستعلاء والأنا فهو من علامات هذا العصر .

((إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً))

[الترمذي و أبو داود عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ]

 مادية ما بعدها مادية ، يبيع الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل :

(( إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً وَهَوًى مُتّبَعاً - الجنس - وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ ))

[الترمذي و أبو داود عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ]

 بِرَأْيِهِ - الكبر - سمة هذا العصر مادية مقيتة ، وجنس يعبد من دون الله ، وكبر ما بعده كبر :

(( إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً ، وَهَوًى مُتّبَعاً ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فالزم بيتك - أي ليسعك بيتك ، لا تكن في مواطن الفتن ما ظهر منها وما بطن - فالزم بيتك وأمسك لسانك - لا تتدخل بما لا يعنيك - وعَلَيْكَ بِخَاصّةِ نَفْسِكَ ))

[الترمذي و أبو داود عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ]

 أقرباؤك ، جيرانك ، أصدقاؤك ، زملاؤك ، من تعرفهم ، من تثق بهم ، ودع عنك أمر العامة :
 أيها الأخوة الكرام ؛ انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى .

 

8 ـ الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته :

 البند الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته ، وتلاوة كلامه ، والوقوف بالقلب ، والتأدب بأدب العبودية بيد يديه ، في الحديث الصحيح :

(( إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر ، نزل إلى السماء الدنيا فنادى : هل من مستغفر ؟ هل من تائب ؟ هل من سائل ؟ هل من داع ؟ حتى ينفجر الفجر))

[ مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ]

 والله ما نصحت أخاً أن يصلي قبل الفجر ركعتين ، وأن يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة إلا وذكر لي أن الله وفقه إلى ذلك ، خالق السموات والأرض يقول لك : أنا أستمع إليك، هل لك من حاجة عندي ؟ هل لك من سؤال ؟ هل تحب أن تستغفرني ؟ هل تحب أن تتوب إليّ؟ الخلوة وقت النزول الإلهي لمناجاته ، وتلاوة كلامه ، والوقوف بالقلب ، والتأدب بأدب العبودية بين يديه .

 

9 ـ مجالسة المحبين الصادقين :

 البند التاسع : مجالسة المحبين الصادقين .

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 مجالسة المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم ، كما تنتقي أطايب ثمرات الشجر ، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام .

 

10 ـ الابتعاد عن كل سبب يحول بين قلب الإنسان وبين الله عز وجل :

 البند العاشر : أن تبتعد عن كل سبب يحول بين قلبك وبين الله عز وجل .
 أختم هذه الخطبة بقوله تعالى :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء : 88-89]

 ومن أدق ما قيل في القلب السليم : القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تطبيق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله ، وسلم من تحكيم غير شرع الله .
 أيها الأخوة الكرام ؛ تأكدوا أن ديناً وإسلاماً من دون محبة كالجسد من دون روح ، الفرق بين المسلمين المتأخرين الذين يزيدون عن مليار و مئتي مليون وبين الصحابة الكرام فرق ما بين المحبة وبين فتور المحبة ، قل لي من تحب أقل لك من أنت ، ينبغي أن تفرح بفضل الله ورحمته لا أن تفرح بالدنيا .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافينا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل ِكلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اجعل تدميرهم في تدبيرهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين ، اشغلهم بأنفسهم ، اجعل بأسهم بينهم ، نجينا منهم سالمين يا أكرم الأكرمين ، اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى ، واجمع كلمتهم ، و وحد شأنهم يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور