الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا مع اسم الله المحسن،
(( فقد ورد في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ. ))
حتى لو قتلت حية، أو قتلت عقرباً، ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)) .
الحسنى هي الجَنة لأن فيها كمالاً مطلقاً:
أيها الإخوة؛ الإنسان خُلِق للجنة.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
صدّق أنه مخلوق للجنة، وهذه الدنيا دار إعداد، دار تكليف، سمّى الله الجنة ﴿الْحُسْنَى﴾ لأن فيها الكمال المطلق.
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)﴾
أما الدنيا فطبيعتها الكدح.
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
نظام الدنيا شيء، ونظام الآخرة شيء آخر، نظام الدنيا هي دار تكليف، نظام الآخرة دار تشريف، نظام الدنيا دار عمل، نظام الآخرة دار جزاء، الحُسنى مبنية على قوله تعالى: ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ أي شيء تطلبه وأنت في الجنة هو بين يديك: ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ لأنه دفع ثمن الجنة في الدنيا، في الدنيا أودع الله فيه الشهوات، أعطاه حرية الاختيار، سخر له ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾
فالذي صدّق أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله، ويبني حياته على العطاء.
المكذِّب بالحسنى مؤمن بالدنيا فقط:
لو سألتني عن فرق صارخ للمؤمن عن غير المؤمن، حياته مبنية على العطاء، قمة سعادته في أن يعطي، لا أن يأخذ، وغير المؤمن قمة سعادته في أن يأخذ، لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ .
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾
الذي كذب أنه مخلوق للجنة، واعتقد أنه مخلوق للدنيا استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، وأنت ببساطة يمكن أن تكتشف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة، من أهل الدنيا يسعدك أن تأخذ، وتتوهم أنك ذكي جداً حينما تأخذ ما ليس لك، ويسمى عند الناس شاطراً، أما إذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة، إذاً الحُسنى هي الجنة، ثمن الجنة: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى﴾ .
ينبغي للمؤمن أن يتحلى بصفة الإحسان:
كما أن الله محسن ينبغي أنت أيها المؤمن أن تتخلق بهذا الكمال، أي يكون عملك مشمولاً بالإحسان، أي أعطيت أعطِ دون أن تمُن، عاقبت عاقب دون أن تحقد، عملت اعمل عملاً متقناً، زرت كن متواضعاً، لا تُصَغّر دنيا هذا الإنسان في نظره، انقله إلى الآخرة.
قضية الإحسان لا أعتقد أن شيئاً أوسع منها، يمكن أن تُحسن وأنت تعاقب، أن تُحسن وأنت تمنع، أن تُحسن وأنت تعطي، أن تُحسن وأنت تقاتل: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)) حتى لو قتلت حيواناً مؤذياً أمرك الله بقتله ينبغي ألا تعذبه، هذا شأن المؤمن، أي المؤمن يحترم أن تكون السمكة في أعلى درجات الحركة، ثم يأخذ أحشاءها وينظفها قبل أن تثبت، قال تعالى:
﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)﴾
بعد أن تخرج روحها تماماً، وتستقر، وتثبت الآن نظفها: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)) .
الإنسان لن يُقبل على الله إلا إذا كان محسناً:
أيها الإخوة؛ الآن الآية الكريمة:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)﴾
المعنى دقيق جداً، لن تستطيع أن تُقبل على الله إلا إذا كنت محسناً، يقول لك أحدهم: لا أخشع في الصلاة، إن كنت محسناً تخشع في الصلاة.
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
الذي استقام على أمر الله، وخضع له في الصلاة يشعر بهذه الصلة، الصلة لها ثمن: ﴿مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ المؤمن الدعاء سهل عليه، والخشوع سهل عليه، لأنه محسن، أي الإحسان لفّ أعماله كلها.
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه:
من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤمِنَ بِالْبَعْثِ». قَالَ: مَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: «الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ». قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ». ثُمَّ تَلا النَّبِيُّ ﷺ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَالَ: «رُدُّوهُ». فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ». ))
أنت لاحظ نفسك إن جاءك ضيف مِن عِلية القوم، ضيف محترم جداً، فهم، على علم، على قوة، على تفوق، على أخلاق، جاءك زائراً هل يُعقل أن تجلس أمامه بثياب متبذلة؟ لا تستطيع، هل يُعقل أن تجلس أمامه وتضع رجلاً على رجل؟ لا تستطيع، هل يعقل أن تجلس أمامه وتعبث بالسبحة؟ لا تستطيع، هل يعقل أن تقول كلاماً لا يليق؟ لا تستطيع، أنت أمام إنسان من علية القوم تضبط كلامك، تضبط جلوسك، تضبط ثيابك، تضبط حركتك، إنسان دخل إلى بيت تجد نظره بجهة واحدة، أما لو تطلع هكذا وهكذا وهكذا ليس من أدب الضيف أن يزيغ البصر.
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
لذلك الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، وأنا أقول لكم أيها الإخوة؛ أفضل حالة من حالات المؤمن أن تشعر أن الله معك، لذلك
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاء. ))
((ما الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»)) هذا حال المراقبة.
من يعلم أن علم الله يطوله وقدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه:
والله أيها الإخوة؛ هناك آيات في كتاب الله تكفي:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾
أنت مع إنسان، لو وصل إلى سمعك أنك مراقب مِن قِبَل إنسان أي تضبط حركتك ضبطاً، إذا كنت تمشي على رصيف وإلى جانب هذا الرصيف سفارة تنتقل إلى الرصيف الآخر، لأنك مراقب، هذا شأن المراقَب، فأنت حينما تشعر أن الله معك، وأن الله يراقبك، هذه درجة بالإيمان عالية جداً، هذه الدرجة تقتضي الانضباط، أنت حينما تُحس أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، لا يمكن أن تعصيه، تكون عندئذٍ محسناً.
وقد ضربت لكم من قبل هذا المثل: إنسان مواطن من الدرجة العادية أو الدرجة الثانية، وقف على الإشارة الحمراء، والشرطي واقف، والضابط واقف، وشرطي آخر على دراجة واقف، فالأول يضبطه، فإذا خالف يلحقه الثاني، والثالث لئلا يتواطأ هذا الشرطي مع هذا المواطن، وهو من الدرجة الثانية هل يعقل أن يخالف؟ مستحيل، مع إنسان، مع واضع قانون السير لا يمكن أن تُخالفه، لأنك موقن أن علمه يطولك، عن طريق هذا الشرطي، وعن طريق الشرطي الثاني، وعن طريق الضابط في السيارة، وأن قدرته تطولك، تُسحَب منك الإجازة، تُصَادر السيارة، مثلاً، أنت مع إنسان من بني جلدتك، لكن علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، لكن بحسب الواقع هناك إنسان يخالف الإشارة الساعة الثالثة ليلاً، لأن علم واضع القانون لا يطوله، وقد يخالفها في رابعة النهار، إذا كانت قدرة واضع النظام لا تطوله، إن طالك علمه أو طالتك قدرته لا يمكن أن تعصيه، أما إن توهمت أن علمه لا يطولك، وأن قدرته لا تطولك يمكن أن تعصيه، فكيف مع خالق السماوات والأرض؟ لا تخفى عليه خافية.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾
كتوضيح لهذه الآية: طبيب أمامه مريضة، وقد سمح له الشرع أن ينظر إلى مكان المرض، لو اختلس نظرة إلى مكان آخر لا تشكو منه، ليس في الأرض كلها جهة يمكن أن تضبط هذه الخيانة، إلا الله: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾ مُطّلع عليك، تتكلم يسمعك، تتحرك يراك، تُضمر شيئاً يعلمه، لا تخفى عليه خافية، هذا مقام الإحسان، حينما تشعر أن الله معك، لكن معك بلطف، سميع بصير عليم، سميع إذا تكلمت، بصير إذا تحركت، عليم إذا أضمرت، مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هو محسن في كل شيء، الدليل:
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)﴾
صورٌ من إحسان الله إلى مخلوقاته:
هذا الصوص الذي في البيضة كيف يخرج منها؟ ينشأ في منقاره نتوء مؤنف حاد يكسر بهذا النتوء البيضة، فإذا خرج منها ضمر هذا النتوء، هل هناك من إحسان أدق من ذلك؟ في منقار الصوص، وهو في البيضة، كيف يخرج منها؟ ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة تماماً من أجل أن يكسرها، يكسر القشرة بهذا النتوء، فإذا خرج من البيضة ضمر هذا النتوء، وتلاشى، بطحال الرضيع كمية حديد تكفيه عامين، الحليب لأن الحليب ليس فيه حديد: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ قرنية العين شفافة، تنفرد بنظام تغذية خاص، تتغذى لا عن طريق الشعريات، بل عن طريق الحلول: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ الماء بدرجة زائد أربع يتمدد، لولا تمدده لما كان هذا الدرس، ولما كانت هذه البلدة، ولما كان إنسان على وجه الأرض: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ الصقر يرى ثمانية أمثال الإنسان، يرى طعامه في الماء وهو في أعالي الجو، الإنسان يرى أما الصقر سوف يغامر ويسقط من أعالي السماء ليأكل، فإذا لم يكن بصره حادًّا يرى طعامه على سطح الأرض وهو في أعالي السماء لا يكون خلقه حسنًا.
الحديث عن الآيات التي تؤكد أن الله محسن لا تنتهي، هذا الصيوان، هذه السطوح والتجاويف لتغطي كل الاتجاهات، أي صوت يتعامد مع سطح من سطوح الصيوان بالأذن، لو أن ثقب الأذن كان أوسع بقليل الطفل دون أن يشعر يخرق غشاء طبله، ثقب الأذن أضيق من أي إصبع، من أصغر إصبع، أحياناً يحمل إنسان ابنه، الأربطة هنا مدروسة بشكل أنها تحمل جسم الطفل، وقد يكون الأب غضبان يحمله بعنف، أي الوزن تضاعف، أحيانا تقتني محفظة تملؤها بالأغراض، تحملها تنخلع يدها، يقول لك: الصناعة غير مُتقنة، كيف الإنسان مدروس أن وزنه متناسب مع متانة الأربطة التي في ذراعه: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
لذلك أيها الإخوة؛ الآن عندنا أمر، الأمر:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾
أنت مأمور بالعدل، ومأمور مع العدل بالإحسان، فأحياناً المشكلة تُحلّ بالإحسان لا بالعدل، فلان ليس له عندك شيء، صح، لكنه بحاجة إلى مساعدتك، فأنت حينما تفهم هذه الآية يمكن أن تُحَل بهذه الآية آلاف المشكلات، هناك قضية لا تُحَل، بالعدل يجب أن تصرفه، يجب أن تدمره، يجب أن تفضحه، أما بالإحسان يجب أن تُعينه على الشيطان.
لذلك التوجيه الدقيق أن تعين أخاك على الشيطان، لا أن تعين الشيطان على أخيك، أحياناً يكون للإنسان جار سيئ جداً، يستطيع أن يقطع لسانه، لا بالمقص، بل بالإحسان، الإحسان يُسكِت، وأنا أنصح إنساناً عنده جار سيئ أن يقدم له هدية، تجد الأمور كلها انضبطت، من يقطع لسانه؟ أي مَن يُحسن إليه حتى يسكت؟ بالبر يُستعبد الحر.
الإحسان يدور مع الإنسان في كل حياته:
والله أيها الإخوة؛ موضوع الإحسان يدور مع الإنسان في كل حياته، سمعت عن قاضٍ أمر بحجز حرية إنسان، فالمحامي قدم طلباً لإطلاق سراحه، ما استجاب القاضي، ليس مقتنعاً، قدم طلباً ثانياً، وطلباً ثالثاً، وطلباً رابعاً، وطلباً خامساً، القاضي ما استجاب، فموكِّلو المحامي عزلوه، وعينوا محامياً جديداً، القاضي بعد أن عُيّن محام جديد بدا له أن يطلق سراحه، فإن أطلق سراحه يسقط الأول ويتألق الثاني، قال: ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلب إخلاء سبيل حتى أخلي سبيله، ما قَبِل أن يخلي سبيله إلا بطلب من المحامي السابق، منتهى الإحسان، هو كان غير قانع بإطلاق سراحه، ما استجاب لخمسة طلبات، أما لما بدا له أن يُطلق سراحه صار هناك محامٍ جديدٌ، سوف يصول ويجول، من أول طلب أطلق سراحه، قال: ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلباً لإطلاق سراحه حتى أُطلق سراحه.
الإحسان أن تفكر، أحياناً يكون هناك ابتسامة بغير مكانها فيها إساءة، أحياناً جلسة فيها كِبر، أحياناً سؤال، ماذا قدم لك زوجك في العيد؟ يحبها وتحبه، زوجها فقير، ضعضعها، حجّمها، أربكها، ثم هي تألمت لأنه ما قدم لها شيئًا فعلاً، هذا سؤال محرج، أنت أينما دخلت يجب أن تُحبّب الناس بالله عز وجل، لا أن تكرههم بحياتهم، والله مرة أذكر أني دخلت بيتاً حجم غرفة الضيوف غير معقول إطلاقاً، لا يوجد مكان للجلوس، خجل، قلت له: بالعكس، سيد الخلق وحبيب الحق غرفته لا تكفي لصلاته ونوم زوجته، وهو قمة البشر، استبشر، أنت زرت أختك يجب أن تمتّن علاقتها بزوجها عن طريق الثناء على زوجها، على أخلاقه، لا على دخله، كم دخله؟ لا يكفيكم هذا المبلغ، هذا عدم إحسان، الإحسان أن تلاحظ نفسك على الخطرة، على النظرة، على الكلمة، على الابتسامة، أحياناً ابتسامة في غير مكانها إساءة، ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)) .
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ .
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)﴾
النبي علّمنا أنك إذا وقفت أمام المرآة، ورأيت خَلقك سليماً فقل:
(( عن ابن مسعود: اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي. ))
هناك عاهات، هناك دمامة أحياناً، هناك مشكلة، هناك عضو مبتور، ((اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي)) .
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ آية تدور مع الإنسان في كل مراحل حياته:
قال تعالى:
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
غسيل الدم بالكلية الصناعية يحتاج إلى عدة ساعات، أعتقد ست ساعات، كل أسبوع ثلاث مرات، وكل مرة من مكان، أما الله هيأ لك كُلية، حجمها كالبيضة، بلا صوت، وبلا تعب، وبلا مشقة، وبلا أجر، تصفية تامة، وسمعت من بعض الإخوة الأطباء أن الكلية الواحدة فيها عشرة أضعاف حاجتك، الكليتين عشرون ضعفاً، احتياط، لذلك يمكن أن يستغني الإنسان عن إحدى كليتيه: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ فهذه الآية تدور مع الإنسان، مع خلق الإنسان، مع حاجاته، مع طعامه، مع شرابه.
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)﴾
بحاجة إلى حوين واحد، باللقاء الزوجي أحياناً الزوج يفرز من ثلاثمئة مليون إلى خمسمئة مليون حوين: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ ، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ كم خالق يوجد؟ يوجد خالقٌ واحدٌ، لكن الله عز وجل سمّى الصانع مَجازاً خالقاً، وازنْ بين غسيل الكلية الصناعية وبين الكلية الطبيعية، وازن بين آلة التصوير التي فيها بالميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي وبين عينك التي فيها بالميليمتر بالشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، بالشبكية بكل مليمتر مربع، هي الشبكية ميليمتر وثلث فيها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، فبالميلي يوجد مئة مليون مستقبل ضوئي عصيات ومخاريط، للون الأبيض والأسود والألوان، لذلك أنت تفرق بين ثمانية ملايين لون، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
توظيف كل شيء آتانا الله إياه للآخرة:
قال تعالى:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾
جعلك من أبٍ، هذه نعمة كبيرة، لك أبٌ معروف، لك أم طاهرة شريفة، عندك أولاد، بيتك مستقر، هذه من نعم الله الكبرى، لذلك الآية الكريمة:
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾
أي شيء آتاك الله إياه ينبغي أن يُوظف للآخرة، كيف؟ قال: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ لا تنس المهمة التي أتيت من أجلها، ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ هذا أمر آخر ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ الله عز وجل صبر عليك حتى اهتديت، فإذا كان عندك زوجة لم تستقم على أمر الله اصبر عليها، لا تأخذها بالعنف، الله كان حليماً عليك، كيف أن الله صبر عليك اصبر عليها، كيف أن الله ذكّرك ذكّر الآخرين، ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ ، ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ .
الملف مدقق