وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0133 - الزهد - خلايا جسم الإنسان .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
 اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

تمهيد :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ رجل من أهل الإيمان قام في الليل ليُصلي ، فرفع يديه ، وناجى ربّه وقال : إلهي ، هذا ذُلّي ظاهر بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ، أطلب الوُصول إليك ، وبك أسْتدلّ عليك ، فاهْدِني بِنُورك إليك ، وأقِمْني بصِدق العبوديّة بين يديك ، وأجِبْ دعائي بِحَقّي عليك ، إلهي علِّمني من علمك المخزون ، وصنّي بسِرِّك المصون ، إلهي حقِّقْني بِحَقائق أهل القرب ، واسْلُكْ بِيَ مسالك أهل الحبّ ، إلهي أغْنِني بِتَدبيرك عن تدبيري ، وباختيارك لي عن اختياري ، وأوْقفْني على مراكز اضْطراري أي أعرف ضعفي ، إلهي أخرجني من ذلّ نفسي ، وطهّرني من شكّي وشركي قبل حلول رمسي ، بك أسْتنصرك فانصُرني ، وعليك أتوكّل فلا تكِلْني ، وإيّاك أسأل فلا تُخيِّبْني ، ومن فضلك أرغبُ فلا تحرمْني ، ولِجَنابك أنتسبُ فلا تُبعدني ، وببابك أقف فلا تطردني ، إلهي ماذا وجدك من فقدَك ؟ ما الذي حصّله ؟ وماذا كسب ؟ على ما قبضَ ؟ وبمَ أمسك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟ الذي عرفك وأحبّك وأطاعك ، وتقرَّب إليك ، ماذا خسر ؟ أخَسِرَ بيتًا فخْمًا ؟ لا بدّ من تركه عند الموت ، أخَسِرَ طعامًا ؟ لابدّ من الانقطاع عنه عند الموت ، ماذا خسر ؟
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذه هي الكلمة الأخيرة ، ماذا وجَدَ يا إلهي من فقَدَك ؟ وما الذي فقدَ من وجدَكَ ؟ وهذا مصداق الحديث القدسي ؛ ابن آدم اُطلبني تجِدْني ، فإذا وجدْتني وجدْتَ كلّ شيء ، وإذا فتُّكَ فاتكَ كلّ شيءٍ وأنا أحبّ إليك من كلّ شيء ، من هنا قال سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه : فلْينظُر ناظرٌ بِعَقله أنّ الله أكرَمَ محمَّدًا أم أهانه ؟ حين زوى عنه الدّنيا فإن قال : أهانه فقد كذب ، وإن قال : أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدّنيا ، من هنا اُثِرَ عن سيّدنا الصدّيق رضي الله عنه أنّه ما ندِمَ على شيءٍ فاته من الدّنيا قط ، قد تجدُ في قلب بعض الناس حرقةً ، وألمًا شديدًا من الدّنيا ، لامرأة خطبوها فلم يظفروها بها ، ولوظيفةٍ كادوا أن ينالوها فَزُوِيَتْ عنهم ولبيْتٍ كادوا أن يُوقِّعوا عقده فلم يوقّع هذا العقد ، ترى في قلبه حرقة ، إلهي ماذا وجد من فقدَكَ ؟ وماذا فقَدَ من وجَدَك ؟ اُطلبني تجدني فإذا وجدْتني وجدْت كلّ شيء ، وإذا فتُّكَ فاتكَ كلّ شيء ، وأنا أحبّ إليك من كلّ شيء .
 أيها الإخوة المؤمنون ، من عرف الله زهِدَ فيما سواه ، لو أنّ الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء ، من عدَّ غدًا من أجله فقد أساء صُحبة الموت ، إذا قال : غدًا سأفعل كذا وكذا ، فقد أساء صُحبة الموت ، وما عرفها ، خلال ثانية واحدة يتوقّف القلب ، وتُطبع النّعْوَة على الجدران ، سكتةٌ قلبيّة ، خلال ثواني حادثٌ أليم ، وخلال دقيقة انفجار شريان في الدّماغ ، خلال دقائق احتشاء ، فبين الإنسان والموت ثواني ، ومرحبًا بلقاء الله تعالى ، لابدّ من أن نموت ، وكلّ مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزّة والجبروت ، ولكنّ البطولة أن تستعدّ لهذا اليوم ، إذا طُرق الباب ، وجاء ملك الموت فمرحبًا بلقاء الله تعالى ، استقامةٌ وعملٌ طيّب ومعرفة ، فإذا قلنا فلان قد مات ، فلا يعني هذا أنّه ماتَ وحدهُ ، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل البقيع قال : أنتم السابقون ، ونحن اللاحقون ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، رجلٌ دعا أُناسًا على طعام الغذاء ، وكان من جملة المدْعُوِّين رجلٌ آخر لمْ يستطِع أن يُلبّ الدعوة لِسَبب بسيط أنّه قد مات ، دُعِيَ الأربعاء ، والطعام يوم السبت ، فكان بين هذين اليومين تحت الثرّى ‍.
 فيا أيها الإخوة المؤمنون ؛ ماذا وجدك من فقدَك ؟ وماذا فقدَ من وجدك ؟ لقد خاب من رضي دونك ، ولقد خسر من بغى عنك متحوّلاً ، كلمة من القلب ؛ ليس في الكون كلّه إلا حقيقة واحدة ، وهي الله سبحانه وتعالى ، أيّ شيءٍ أوصلَك إليه فهو حقّ ، وأيّ شيءٍ أبْعدَكَ عنه فهو باطل ، على مستوى العقائد ، وعلى مستوى السّلوك ، والأعمال ، والعلاقات ، ليس في الكون إلا حقيقة واحدة هي الله سبحانه وتعالى ، فماذا بعد الحقّ إلا الضّلال؟ قال تعالى :

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 153 ]

 أيّ شيءٍ يوصلُك إليه فهو حقّ ؛ من قولٍ أو عمل أو شعور أو محبّة ، وأيّ شيءٍ يبعدك عنه فهو باطل ، وحينما يوضع الإنسان في قبره يقول الله عز وجل : عبدي رجعوا وتركوك ؛ رجعوا ليقتسموا ، ورجعوا ليأكلوا ، ويركبوا السيارة ، ويأخذوا هذا البيت ، ويقتسموا ثمنه بعد بيعه ، وفي التراب دفنوك ؛ كان يسكنُ بيتًا مساحته أربع مئة متر مربّع ، في أرقى أحياء دمشق ، فإذا هو في حفرةٍ لا تزيد عن جسمه تحت التراب ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولمْ يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحيّ الذي لا يموت ، أرجحكم عقلاً أشدّكم لله تعالى حبًّا ، لأنّك سوف تكون معه إلى الأبد ، أحْسِن صُحبته من الآن ، أطِعْ أمرهُ من الآن ، تقرّب إليه من الآن ، وتعرّف عليه من الآن ، قبل أن تأتي إلى دارٍ موحشة ، لا تعرف فيها أحدًا إنّك لك قرينًا يا قُيَيْس تُدفنُ معه وأنت ميّت ، ويُدفنُ معك وهو حيّ ، فإن كان كريمًا أكرمك ، وإن كان لئيمًا أسلمك ، ألا وهو عملك .

 

آيات من سورة البقرة تتحدث عن الزهد .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ ربّنا سبحانه وتعالى في سورة البقرة :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 130 ]

 معنى رغب عن أي انصرفَ ، ورغب في الشيء بمعنى أقبل عليه ، فإذا رغبْت عن هذا الدِّين أي أدرْت ظهرك عنه وانصرفْت ، وأعرضْت عنه وجعلتهُ وراء ظهرك ، لم تبالي بأحكامه ، وحلاله وحرامه ، ولم تبالي بمنهجه ، إذا رغبْت عنه فقد سفِهْتَ نفسك ، أي احتقرْتها ، أتوضَعُ جوهرةٌ نفيسة ثمنها مئات الملايين في القمامة ؟ من وضعها في هذا المكان فقد احتقرها ، أو ما عرف قيمتها ، أي احتقرها ، فإما أن تعرف قدْر نفسك فتُعَرِّفها بربِّها ، وإما أن تحتقرها ، أو أن تجهل قيمتها فتجعلها جاهلةً ، أو تبقيها جاهلة ، وقديمًا قالوا : ليس العار أن تكون جاهلاً ، ولكنّ العار أن تبقى جاهلاً .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ قال تعالى :

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماًَ﴾

[ سورة البقرة الآية : 124 ]

 متى يحِقّ للإنسان أن يقول ، وأن يأمر ، وأن ينهى ، وأن يلقي الكلِمَ ، وأن يتصدَّر للدعوة إلى الله تعالى ، متى يحقّ له ذلك ؟ قال تعالى :

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 124 ]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قال الله عز وجل :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت الآية : 33]

 دعا إلى الله ، وعمل صالحًا ، الكلمة الطيّبة صدقة ، قال تعالى :

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾

[ سورة إبراهيم الآيات : 24-25]

 هذه الكلمة إذا ألقيتها على الناس ، وكنت صادقًا بها ، ومطبِّقًا لها ، لذلك العلماء حينما قالوا في تفسير قوله تعالى يتلونه حقّ تلاوته ، ما معنى حقّ تلاوته ؟ يعني يجوّدونه ، ويفهمونه ، ويطبِّقونه ، كلمة حقّ تلاوته تعني أشياء ثلاثة ؛ تجويد نطقه ، وفهمه ، وتطبيقه ، فإذا جوَّدْت نطقه ، وفهمته ، وطبّقته ، ثمّ نقلتهُ للناس ، خيركم من تعلَّم القرآن وعلّمه ، ثمّ نقلته لناس ، هذا أعظم عملٍ عند الله عز وجل ، وهذه الكلمة الطيّبة قد تُحيي بها نفسًا طيّبة ، ومن أحيا نفسًا فكأنّما أحيى الناس جميعًا ، قال تعالى :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 5]

 هذا الذي يقرأ القرآن ، ولا يفقه المراد منه ، ولا يتدبّره ، ولا يتفهّمه ، ولا يطبّقه ، هذا ينطق عليه قوله تعالى :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 5]

 إذا رغبْت عن دين الإسلام فقد سفهْتَ نفسه ؛ أي احتقرْتها ، ما عرفْت قدرها ، ومهمّتها ، ونُبلها ، وأنّها من نور الله تعالى ، وما عرفت خلودها وأنّها في النهاية إما إلى جنّة يدوم نعيمها ، أو إلى نارٍ لا ينفذُ عذابها .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قال تعالى :

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 124]

 شيءٌ آخر ، قال تعالى :

﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 120]

 أي لا تطمع لما لا يكون ، لن يرْضَوا عنك حتى تتّبع ملّتهم ، الحقّ حق ، والباطل باطل ، وليس هناك انْجِذابٌ فيما بينهما ، الحقّ لا يقبلُ الباطل والباطل لا يقبلُ الحقّ ، فإما أن تكون مع الحق ، وإما أن تكون مع الباطل ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملّتهم ، قال تعالى :

﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ﴾

[ سورة البقرة الآية : 120]

 أيجْتَمِعُ شرْك مع إيمان ؟ وعدل مع ظلم ؟ وتوحيد مع شرك ؟ في الأرض هدًى واحد هو هدى الله عز وجل ، فإما أن تكون مهتديًا ، وإما أن تكون ضالاًّ ، وليس هناك حالة ثالثة بينهما ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ قال تعالى :

﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 120 ]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ من الآيات الكريمة في هاتين الصفحتين من سورة البقرة ، قوله تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 123 ]

 قد يقع بعض المسلمين في وهمٍ أنّه مهما فعل من معاصٍ ، ومن مخالفات فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام يشفع له .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام حقّ ، ولكن لِمَن اتَّبعَ سنّته ، وجاء يوم القيامة لا يُشرك بالله شيئًا ، فإذا اتَّبعْتَ سنّته اسْتحْققْتَ شفاعته ، وجاءتْكَ شفاعته ، فإن لم تتَّبع سنّته يقول عليه الصلاة والسلام يوم القيامة حينما يرى أمّته تُساق إلى النار ، يقول : أمّتي أمّتي ، فيُقال له : لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ، فيقول : سحقًا سحقًا .
 قال تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 123 ]

 لا يقبل منها عدل ؛ شيءٌ يعادل العذاب ، أي فديةٌ ، ولا هم ينصرون ، لا ينبغي أن تقع في وهْم وضلال ، ولا ينبغي أن تمنّي نفسك بشيءٍ لا يكون قال تعالى :

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

[ سورة إبراهيم الآية : 22]

 هذه الحقيقة يجبُ أن تعرفها في الوقت المناسب ، لا ينبغي أن تقع تحت الوهم والضلال ، وتحت تأثير تصوّرات خاطئة ، اعْرِف الحقّ قبل فوات الأوان .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ بضعةُ آيات من سورة البقرة ، دقّقوا فيها ، ارجعوا إليها ، تعرّفوها إلى أبعادها ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 130 ]

 أي هذا الذي يُعرض عن الدِّين يحتقرُ نفسه ، ولا يعرف قيمتها ، ولا يعرف لما خلقت له ، ولا مهمّتها .
 والشيء الثاني لا ينبغي لك أن تدْعُوَ إلى الله عز وجل قبل أن تطبّق أحكامه ، قال تعالى :

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماًَ﴾

[ سورة البقرة الآية : 124 ]

 الشيء الثالث لا توجد أنصاف للحُلول ، إما أن تكون مؤمنًا ، وإما أن تكون غير مؤمن ، قل إنّ هدى الله هو الهدى ، وحينما تحاولُ أن تجمع بين الكفر والإيمان ، أو بين الشّرك والتوحيد ، أو بين الضلالات والهدايات فهذا عملٌ يُفسد الهدى ، ويُفسد التوحيد ، ويفسد الحق .

 

أحاديث شريفة تتحدث عن الاقتصاد بالمعيشة .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( إياكم والسرف في المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا ))

[ رواه الديلمي ]

 لاشكّ أنّ العالم كلّه مقدمٌ على نقص المواد ، ورفع الأسعار ، في مثل هذه الأحوال لا ينبغي للمؤمن أن ينفق مالاً من دون طائل ، وأن يفعل شيئًا لا جدوى منه ، وأن يحصِّلَ مالاً من غير وجهٍ مشروع ، ليُنفقهُ على أشياء لا تقدّم ولا تؤخّر ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم :

(( ما عال من اقتصد ))

[ رواه البيهقي ]

 لكنّ النبي عليه الصلاة والسلام يهاجم البخل والشحّ ، عن جبير بن مطعن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :

(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله ))

[ رواه الديلمي ]

 إيّاكم والسّرف في المال والنفقة ، وعليكم بالاقتصاد ، فما افتقر قومٌ قطّ اقتصدوا ، وما عال من اقتصد ، وما خاب من استخار ، فالأحاديث النبويّة تدور مع الناس في كلّ أوقاتهم ، اخْشَوْشِنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم ، وتمعْدَدُوا فيجبُ أن نُوَطِّن النفس على شدّ الأحزمة كما يقولون ، بِسَبب أنّ حياة الإنسان غاليةٌ جدًّا عند الله تعالى ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة ))

[ رواه الدارقطني ]

 تجارةٌ فيها قلق ، وخوف ، وحرام ، وما يغضب الله ، لا كانت هذه التجارة ، ولا كان دخلها الكبير ، ولا كانت البحبوحة الناتجة عنها .

(( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة ))

 لم يقل عليه الصلاة والسلام : خير من التجارة ، ولكن من بعض التجارة ربّنا سبحانه وتعالى يقلّب الناس في أحوال ، قال تعالى :

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآيات : 155-157 ]

 فالمؤمن راضٍ عن الله تعالى في أحواله كلّها ، في السراء والضراء ، وضيق المعيشة ، وبحبوحتها ، وفي الغنى والفقر ، وفي الصحّة والمرض وفي إقبال الدّنيا وإدبارها ، من أجل توفير صفاء النفس ، وتحقيق مهمّة الإنسان في الحياة ، ومن أجل تأدية الرّسالة ، وتبليغ الأمانة ، يجبُ أن يتمعْدَدَ الإنسان ، كي لا تؤثّر عليه انخفاض المعيشة ، وكي لا يعوّد نفسه عادات لا يستطيع الاستمرار بها ، اخْشوشنوا فإنّ النعم لا تدوم ، ما عال من اقتصد ، إيّاكم والترف في المال ؛ في كسبه والنفقه ، وعليكم بالاقتصاد فما افتقر قومٌ قطّ اقتصدوا ، ويقول عليه الصلاة والسلام : الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة ، أي إذا اقتصدْت واشتريْت الأشياء من مضانّها فربّما انخفض مصروفك إلى النّصف ، أما مستوى المعيشة فقد ينخفض عشرةً بالمئة ، ولكنّ المصروف قد ينخفض إلى النّصف ، أردت من هذا الحديث ، وطرح هذا الموضوع أن يكون تعلّق المؤمن بربِّه ، ومتابعة الإقبال عليه والتعلّم ، والترقّي أغلى عليه من الدنيا ، وما فيها ، لذلك سيّدنا الصدّيق ما ندم على شيءٍ فاته منها قطّ ، إذا توافرَت هذه المادّة ، وإن لم تتوافر فأنا أغلى منها عند الله تعالى ، صفائي أغلى من توافرها ، راحتي النفسيّة أغلى من وُجودها ، لئلاّ تصبح الدنيا أكبر همّنا ، ومبلغ علمنا ، ولئلاّ نبتعد عن الله بسببها ، أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام منهم الأغنياء ، وكانوا سمحاء ، ومنهم الفقراء وكانوا صابرين ، فالصّبر حسن ولكن في الفقراء أحسن ، والسّخاء حسن ولكن في الأغنياء أحسن ، أما إذا جمعتَ بين الاستقامة والصّلاح ، وبين الإحسان وحضور مجالس العلم ، وبين معرفة الله ، فأهلاً وسهلاً بها .

 

نماذج من أصحاب النبي .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ أريد أن أعرض عليكم نموذجين من محبّة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام .
 نحن في حياتنا المعاصرة هناك كتب ومؤلّفات ، ومجلّدات ، وجوامع ، وخطب ، ومكتبات ، كلّ شيءٍ ماديّ متوفّر والحمد لله رب العالمين ، ولكنّ هذه الروح التي كانت بين جوانح أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، هذه المحبّة التي خفقَتْ بها قلوبهم ، وهذا الورع الذي كانوا يتحلّون به ، وهذا الصّبر الذي كانوا يتحلّون به ، وهذا الإقدام ، والمعنويات العالية ، والمحبّة الآثرة ، والافتقاد في قلوبهم ، هذا الذي فقده المسلمون ، صاروا ألف مليون ، وكلمتهم ليْسَت عليا في الأرض ، وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لا يزيدون عن عشرة آلاف ، رفرفتْ رايات الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ، عن ثوبان قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :

(( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنكم غثاءٌ (ما يحمله السيل من وسخ) كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول اللّه، وما الوهن؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت ))

[ رواه أبو داود ]

 رجلٌ يرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدِهِ خاتمًا من ذهب ، فينْزعه النبي من يده ويطرحهُ في الأرض ، تحقيرًا لهذه المخالفة ، فهذا الذي لا يتبرّم ، ولا يشمئزّ ، بل ينشرحُ صدره ، ويُسرّ بذلك ، وآية ذلك أنّه حلفَ ألاّ يأخذه من الأرض بعد أن طرحه النبي عليه الصلاة والسلام ، فقيل للرجل بعدما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام : خُذْ خاتمك ؟ انتفع به ، فقال : والله لا آخذه أبدًا بعد أن طرحه النبي عليه الصلاة والسلام ، كأنّه أباحه لمَن يأخذه من فقراء المسلمين كي يبيعه وينتفعُ به ، ليس محرَّمًا أن يكون عندك خاتمٌ من ذهب في البيت ، ولكنّ المحرّم أن تضعه في أصبعك.
 امرأة تسمع إشاعة كاد قلبها ينفطر ، أنّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلّم قتِلَ يوم أحد ، فيُؤلمها النبأ ، وتخرجُ من بيتها ، لِتَستجليَ الحقيقة ، وتمرّ على أرض المعركة بأُحد ، وأحد قريبة من المدينة ، وتجد من الشهداء أباها ، وابنها ، وزوجها ، وأخاها ، يا للعجَب ‍‍!! أربعة رجال هم عمدة حياتها ، رأتْهم شهداء على أرض المعركة ، هكذا تروى القصّة ، ولولا أنّها وقعَت لا تُصدّق ، فلا تأبهُ بهم ، ولا تقف عندهم ، بل تندفعُ باحثةً عن رسول الله تسأل عنه كلّ من لقيتْهُ ، تول لهم : ما فعل رسول الله ؟ أين هو ؟ ما أخباره ؟ فيقولون لها : إنّه أمامك ، إلى أن وصَلَت إليه ، واطمأنَّتْ على سلامته ، فأخذتْ بِطَرف ثوبه ، ثمّ قالتْ : يا رسول الله ، كلّ مصيبةٍ بعدك جلَل ، ولا أبالي إذا سلمْت من عُطِب .
 هذه المحبّة ، وهذا الورع ، أردتُ من هاتين القصّتين أن أُعطيَكُم نموذجين ؛ عن الورع ، وعن المحبّة ، والورع والمحبّة روح الإسلام ، والإسلام جسدٌ روحه المحبّة ، فإذا لم تكن هناك محبّة كان هذا الجسد ميِّتًا لا روح فيه ، هل تستطيع أن تجلس مع ميّت ؟ وأن تحب جسدًا ميِّتًا ؟ هل تحرص على النظر إليه ؟ هل تستأنسُ به ؟ والإسلام من دون محبّة ، ومن دون ورع ، وصلة بالله عز وجل ، كمعلومات ، وصار الإسلام عند الناس ثقافة ، ويطالع ويبحث ويدقّق ، ويتكلّم ، ويتفاصح أمام الناس ، ويتصدّر المجالس ، وليس في قلبه نبضٌ من محبّة ، وليس في عمله ورع ، وما لم تكن هناك محبّة ، فالإسلام جسدٌ لا روح فيه ، لذلك ركعتان من روع خير من ألف ركعة من مخلّط .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .

خلايا جسم الإنسان .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ من منكم يصدّق أنّ في معدتكم خمسةٌ وثلاثون مليون عصارة ؟ تفرز المواد الكيميائيّة كي تهضم الطعام ، ومن يصدّق أنّ في الأمعاء ، في كلّ سنتمتر مربّع ثلاثة آلاف وستّ مئة زغابة لِتَمْتصّ الغذاء ، ومن منكم يصدّق أنّ في اللّسان تسعة آلاف حليمة تنقلُ طعم الطعام إلى الدماغ ؟ ومن منكم يصدّق أنّ في مخاطية الفم أي الغشاء الداخلي للفم خمس مئة ألف خليّة ؟ تتوفى في كلّ خمس دقائق ، نصف مليون خليّة في جدار الفم الداخلي تموت في كلّ خمس دقائق لِيَحلّ محلّها نصف مليون خليّة جديدة ، ومن منكم يصدّق أن كريات الدّم الحمراء لو صُفَّتْ إلى جانب بعضها بعضًا لبلغ طولها طولاً يزيد عن محيط الأرض بستّة أضعاف ! ومن منكم يصدّق أنّ هذه الكريت الحمراء لو وُضِعَت على سطحٍ منبسط لاحتلَّتْ مساحة تزيد عن ثلاثة آلاف متر مربّع ! ومن منكم يصدّق أنّ في كلّ ملي متر مكعّب من الدّم خمسة ملايين كريّة حمراء ؟ وأنّ كلّ كريّة حمراء تجول في الدّم في اليوم الواحد ألفًا وخمس مئة جولة ، تقطعُ فيها ألف ومئة وخمسون كيلو متر ، حركة الكريّة من القلب إلى الرئتين إلى الأطراف ألف وخمس مئة دورة ، تقطع فيها ألف وخمس مئة كيلو متر ، وأنّ القلب الذي ينبضُ في الثانية الواحدة من ستّين إلى ثمانين خفقة ، ينبضُ في اليوم مئة ألف مرّة ! يضخّ خلالها ثمانية آلاف لتر ، فإذا كل عشرين لتر تنكة ، فالمئتا لتر تعادل برميلا ! هذا القلب يضخّ ثمانية آلاف لتر في اليوم ، وبعض العلماء أجرى حسابًا عن ضخّ القلب في العمر ستّ وخمسون مليون جالون ، والجالون ربع تنكة ، وأنّ تحت الجلد ما يزيد عن خمسة عشرة مليون مكيّف لِتَكييف الجسم ، لكلّ غدّة عرقيّة مكيّف لِتَكييف حرارته ، وتعديل رطوبته ، ومن منكم يصدّق أنّ الإنسان يستهلك في الثانية الواحدة مئة وعشرين مليون خليّة ، وأنّ في الرئتين سبع مئة مليون سنخٍ مئوى ، كعنقود العنب ، حبّة العنب في الرّئة كأنها سنخ رئوي ، وهذه الأخيرة لو نُشِرَت لاحتلّت مساحة مئتي مليون مربّع ، ومن منكم يصدّق أنّ الرئتين تخفقان في اليوم خمسًا وعشرين ألف مرّة ، وأنّ الرئتين تستنشقان في اليوم الواحدة مئة وثمانون متر مكعّب ، وأنّ في الدّماغ خلايا استناديّة لم تُعرف وظيفتها بعد ، عددها مئة وأربعون مليار خليّة ، وأنّ خلايا قشرة الدماغ عددها أربعة عشرة مليار خليّة .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذه حقائق قد تبدو لكم مذهلة ، لكنها بديهيّة يعرفها كلّ طلاّب الطبّ ، كتابٌ قرأته اليوم ألّفه طبيب ، وما زاد عن أن نقل من كتب الطب هذه الأرقام ، من كتب الطبّ المعتمدة التي تدرّس في الجامعة جمع هذه الأرقام في مقالة ، فقلتُ : يا سبحان الله ، هذا يذكّرنا بقوله تعالى :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 21 ]

 وهذا غيظٌ من فيض .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور