وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0125 - مامن مخلوق يعتصم بي من دون خلقي... - مراحل الحمل الثلاث.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :
  الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر
 اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

حديث قدسي : ما من مخلوق يعتصم بي .......

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :

(( ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيّته ، فتكيدُهُ أهل السماوات والأرض إلا جعلتُ له من بين ذلك مخرجًا ، وما من مخلوقٍ يعتصم بِمَخلوقٍ دوني أعرفُ ذلك من نيّته إلا جعلتُ الأرض هوِيًّا تحت قدَمَيه ، وقطّعتُ أسباب السماء بين يديه ))

 يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ في آخر الزمان كما أنبأنا النبي العدنان ، ستَكُون فتَنٌ يتْبَعُ أوّلها آخرها ، القابضُ على دينه كالقابض على الجمْر ، أجْرُه كأجر سبعين صحابيّ ، فقال أصحاب النبي عليهم رضوان الله تعالى : مِنَّا أمْ منهم ؟ قال : بل منكم ، فقالوا : ولِمَ ؟ فقال : لأنّكم تجدون على الخير مِعْوانًا ، ولا يجدون .

(( ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيّته ، فتكيدُهُ أهل السماوات والأرض إلا جعلتُ له من بين ذلك مخرجًا ، وما من مخلوقٍ يعتصم بِمَخلوقٍ دوني أعرفُ ذلك من نيّته إلا جعلتُ الأرض هوِيًّا تحت قدَمَيه ، وقطّعتُ أسباب السماء بين يديه ))

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ من ثمرات الإيمان التوكّل ، وإذا أردْتَ أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله تعالى ، إذا أردْت أن تكون أغنى الناس فكُن بما في يدي الله أوْثَقُ منك بما في يديك ، وإذا أردْتَ أن تكون أكْرم الناس فاتّق الله تعالى .
 أيها الإخوة الأكارم ؛ إذا ألمّت بك ملِمَّة ، إذا حجَبَكَ أمْرٌ ، وإذا أقلقك أمرٌ ، وإذا لاحَ لك مُصيبة ، وشبحُ مصيبة ، إذا أهمّك شيءٌ وأحزَنَك فاعْتَصِم بالله تعالى ، وتوكَّلْ عليه ، وأطِعْهُ ، وتُبْ إليه ، اعْتمِد عليه ، وضَع كلّ ثقتك به ، قال الشاعر :
 اجْعَل لِرَبِّكَ كلَّ عِزِّكَ يستقرّ ويثبُت فإذا اعْتَزَزْتَ بمن يموت فإنّ عزَّك ميّتُ

 

آيات كريمة من سورة الجمعة .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ سورة اليوم ، أو الآيات التي نمرّ عليها إن شاء الله تعالى في سورة الجمعة هي :

الآية الأولى :

 قال تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 2 ]

 هذه هي مهمّة النبي عليه الصلاة والسلام .

 

ما هي المهام الموكلة للنبي ؟

المهمة الأولى : تلاوة آياته الكونية والقرآنية .

 المهمّة الأولى يتْلو عليهم آياته سواءٌ أكانتْ آياته الدالة على عظمته ، أو آيات قرآنه الكريم ، كلاهما آياتٌ أيْ علامات دالّة على عظمة الله سبحانه وتعالى ، فمُهِمَّة النبي عليه الصلاة والسلام أن يتْلُوَ على أصحابه آيات الله تعالى ، أنْ يتْلُوَها حقّ التِّلاوَة بِمَعنى أن يشرحها ، ويوضّحها ، ويبيِّنَ أبعادها ، وأن يُعَمِّق فهْم أصحابه فيها .
 فإذا كان العلماء في اتّفاق الأمّة ورثة الأنبياء ، ونُوّاب النبي عليه الصلاة والسلام في إبلاغ دعوته فهذه مهمّتهم أيضًا :
 أن يتْلُوَ كلّ داعيَةٍ على من يستمعهُ إليه آيات الله تعالى القرآنية والكونية ؛ لأنّ لله في خلقه كتابين :
 الكون كتاب ، والقرآن كتاب .
 الكون قرآن صامتٌ والقرآن كونٌ ناطق ، ذكِّرْهم بآلائي ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران الآيات : 190-191 ]

 أيها الإخوة الأكارم ؛ من آيات الله الدالة على عظمته نجْمُ القطب ، فنَجْمُ القطب في أقوال العلماء أقربُ نجمٍ على الإطلاق إلى الأرض عدا المجموعة الشمسيّة ، كم يبعُد عنّا نجم القطب ؟ يبعد عنّا أربعة آلاف سنة ضوئيّة فقط ! في حين أنّ بعض المجرّات تبعد عنّا عشرين ألف مليون سنة ضوئيّة ؛ هذا أربع آلاف ، أجريْتُ البارحة حسابًا سريعًا على آلة حاسبة ، هذه الأربعة آلاف سنة ضوئيّة ، هي بالكيلو مترات سبعة وثلاثون ألف مليون مليون كيلو متر !!! لو أنّ لِنَجم القطب طريقًا وأردت أن تقطعهُ بِسَيّارتك لاحتجْت إلى ثلاثة وأربعين ألف مليون سنة ، هذا أقربُ نجْم إلى الأرض عدا المجموعة الشمسيّة ، لو أنّ لهذا النّجم طريقًا عليك أن تقطعهُ بِسَيّارتك لاحتجْتَ إلى ثلاثٍ وأربعين ألف مليون سنة ، وهل تعرف ماذا تعني كلمة مليون ؟ لو أردْت أن تعطيَ إنسانًا مليون ليرة من القِطَع الحديديّة لاحتجْتَ إلى سبعة أيّام ؛ تعُدُّها عدًّا !
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قال تعالى :

﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 2 ]

 هل تنتهي مهمّة النبي عليه الصلاة والسلام بِتِلاوَة آيات الله تعالى ؟

 

المهمة الثانية : السمو والتربية الصالحة .

 قال تعالى :

﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 2 ]

 لابدّ من أن يُرَبِّيَهم تربيَةً صالحة ، ويسْمُوَ بِنُفوسهم ، ولابدّ من أن ترقى مشاعرهم ، وتسْمُوَ أهدافهم ، ويصطَبغوا بصِبْغة الله تعالى ، لابدّ من أن يكونوا كرماء ، وحلماء ، وعند وعْدِهم ، وعند عهدهم ، ولابدّ من أن يكونوا لأماناتهم حافظين .
 ما الذي يميِّزُ المؤمن من غيره ؟
 لعلّكم تظنّون الصّلاة ، لا والله ، فمن شاء صام ، ومن شاء صلّى ، ولكنّ الذي يميّز المؤمن عمَّن سواه أخلاقه الرفيعة ، إنّ هذا الدِّين قد ارتضَيْتُهُ لِنَفسي ، ولا يصلحهُ إلا السّخاء ، وحُسن الخلُق ، فأكرموه بهما ما صحِبتُموه ، لا يُعقلُ أن يكون المؤمن مؤمنًا ، وله نقيصةٌ أخلاقيّة ، وهو يُخلفُ وعْدَهُ ، وهو يضيِّعُ أمانتهُ ، وهو لا يصْدُق في الحديث .
 ما الذي جعلَ أصحاب النبي عليهم رضوان الله تعالى ، وهم قِلَّةٌ يفْتحون مشارق الأرض ومغاربها ؟
 وما الذي جعل ألف مليون من المسلمين في عهود التخلّف ليْسَت كلمتهم هي العليا ؟
 لعلّك ظننْتَ الدِّين صلاةً فقط ! لعلّ ظننْتَ الدِّين صيامًا فقط ، لعلّك ظننْتَ الدِّين حجًّا فقط .
 قال عليه الصلاة والسلام :

(( بنيَ الإسلام على خمس ))

 فالإسلام بناءٌ شامخ ، بُنِيَ على خمْس دعائم ، فهل الإسلام هو الدّعائم فهذه دعائمُه والإسلام شيءٌ آخر ، الإسلام خُلقٌ نبيل ، الإسلام رحمة وعدالة وإحسان .
 قال صلى اللّه عليه وسلم :

(( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج ))

[ رواه البخاري ]

 فإذا فهمتَ أنّ هذه الدعائم هي الإسلام كنت في ضلال مبين ، الإسلام وفاءٌ بالعهد .

(( أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقة وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ))

[ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة أم المؤمنين ]

 قال تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 2 ]

 علامة الداعية المخلص أنّ أتباعهُ تزْكو نفوسهم بِدَعوته ، فلابدّ من أن تسْمُوَ النفس حتى يصِحّ الإيمان ، ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي ، لو جلسْتَ إلى مسلمٍ لأسْمَعَكَ كلماتٍ عذْبة ، عفا الله عنّا ، وغفر الله لنا ، نحن عبيد إحسان ولسْنا عبيد امتحان ، لا يسَعُنا إلا فضْلهُ !! هذا هو التمنّي ، ليس الإيمان بالتحلّي ، ولا بالتمنّي ؛ أن تضعَ مصحفًا في غرفة البيوت ، أو أن تضَع مصحفًا في مقدّمة السيارة ، أو أن تضعَ آيةً قرآنيّة في المحلّ التّجاري ، وأن تبيع خلاف الشّرع ، وأن تكذب في البيع والشّراء ، وأن تحلفَ يمينًا فاجرة ، والآيات معلَّقةٌ على جدران المحلّ ، ليس الإيمان بالتّمنّي ، ولا بالتّحلّي ، ولكن ما وقرَ في القلب ، وأقرّ به اللّسان ، وصدّقه العمل ، إيّاك أن تتوهّم أنّك مؤمن إن لمْ يكن في قلبك شُعور التوكّل ، والرّضا ، والاستسلام ، المحبّة ، والحلم ، والإنصاف ، وأقرّ به اللّسان ، وصدّقه العمل ، قال تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 2 ]

 إذا فهمنا الكتاب هو القرآن الكريم فأغلبُ الظنّ أنّ كلمة يتْلو عليهم آياته تعني آيات الله في الكون .

 

المهمة الثالثة : يعلمهم الكتاب حلاله وحرامه .

﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾

 ألا وهو كتاب الله تعالى ، ويعلّمهم حلاله ، وحرامه ، ومحكمهُ ، ومتشابهه .

 

المهمة الرابعة : يعلمهم الحكمة .

 أيها الإخوة المؤمنون :

﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

 منه ، أو بِشَكل مطلق قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة الآية : 269]

 هذه مهمّة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذه مهمّة أتباعه من بعده ، قال تعالى :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف الآية : 108 ]

 هذه هي مهمّة الدعاة المخلصين ، أنْ يتْلُوَ عليهم آيات الكون ، وآيات الله في خلقهِ ، وأن يزكِّيهم ، أن يعلّمهم كتاب الله تعالى ، والحكمة منه ، أو والحكمة بِشَكلٍ مطلق ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 2]

الآية الثانية :

 ما الذي حصَل لليهود ؟ قال الله تعالى بعد أن قسَتْ قلوبهم وأصبح الدِّين طقوسًا في حياتهم لا معنى له ، قال سبحانه وتعالى :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 5 ]

 حُمِّلوها ثمّ لم يحملوها ، ولم يتقيَّدوا بها ، ولم يطبِّقوها ، لم يتدبّروها ، ولم يعقلوها ، ولم يكونوا في مستواها ، فمثلهم كمثل الحمار يحملُ أسفارًا ، هذا الذي يتلو القرآن الكريم بلِسانه ، ويخالفه بسُلوكه تنطبق عليه هذه الآية ، وهذا الذي يضع القرآن الكريم في بيته ، ودكّانه ولا يطبّقه تنطبق عليه هذه الآية ، قال تعالى :

﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 78 ]

 يتمنَّوْن ، وليسوا في مستوى تمنّياتهم .

 

الآية الثالثة :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قال تعالى :

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

[ سورة الجمعة الآية : 6]

 مقياسٌ دقيق ، ومِحَكٌّ صادق ، إن كنتَ مستقيمًا ، وكان عملكَ طيِّبًا فتَمَنَّ الموت ! هل تتمنّى لقاء الله عز وجل ؟ هل تحبّ أن تلقى الله عز وجل ؟ عملكَ الطَّيّب يحْملُك على تمنّي لقاء الله تعالى ، والانحراف في العمل يحول بينك وبين التمنّي .

 

السنة المطهرة : أحاديث شريفة .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ إلى بعض أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ، فلا شكّ أنّ في حياتنا الاجتماعيّة سيِّدٌ ومَسود ، وهذه سنّة الله في الأرض ؛ رجلٌ يأْمُر ، ورجلٌ يأتَمِرُ ، قويّ وضعيف ، صاحب محلّ تجاري وصانعٌ في هذا المحلّ ، سيِّدٌ ومَسود ، مجموعة أحاديث قالها النبي عليه الصلاة والسلام تتعلّق بهؤلاء الطبقة الذين يعملون لِحِساب أسْيادٍ لهم .

الحديث الأول : يا رب هذا عبدي فوق درجتي ......

 عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن عبدا دخل الجنة فرأى عبده فوق درجته فقال : يا رب هذا عبدي فوق درجتي قال : نعم جزيته بعمله وجزيتك بعملك ))

[ رواه الطبراني ]

 الخلق كلّهم عند الله سواسيَة ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له ، ربَّ دابّة مركوبةٍ خيرٌ من راكبها ، ألا يا ربّ مبلَّغٍ أوعى من سامع ، ألا يا رُبّ حاملِ فقهٍ لِمَن هو أفقه منك ، أنْدَم الناس عالمٌ دخل الناس بعِلمه الجنّة ودخل هو بعِلمه النار .

(( قال : يا رب هذا عبدي فوق درجتي قال: نعم جزيته بعمله وجزيتك بعملك ))

[ رواه الطبراني ]

الحديث الثاني : اعف عنه كل يوم ........

 حديث آخر عن هؤلاء الذين جعلهم الله تحت يدِ أُناسٍ آخرين .
 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كم نعفو عن الخادم ؟ فصمت ثم قال :

(( اعف عنه كل يوم سبعين مرة ))

[ أخرجه أبو داود]

 هكذا هي معاملة من كان تحت يدك ، من موظّف أو من صانع ، أو من أجيرٍ ، أو من طفلٍ صغير ، فأنت أوسَعُ منه .

 

الحديث الثالث : أحسن إليه ........

 عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام :

(( أحسن إليه فإني رأيته يصلي ))

 هذا الذي يصلّي وهو تحت يدك إيّاك أن تتجاوَزَ معه الحدّ ، فالله سبحانه وتعالى ينتقم له .

(( أحسن إليه فإني رأيته يصلي ))

الحديث الرابع : لا تستخدموا أرقاءكم بالليل ........

 عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :

(( لا تستخدموا أرقاءكم بالليل فإن الليل لهم والنهار لكم ))

[ رواه الديلمي ]

 هذا الذي يبقي إنسانًا إلى منتصف الليل ينتظرهُ ، ينطبقُ عليه هذا الحديث :

((الليل لهم والنهار لكم ))

الحديث الخامس : يا رسول الله إن مملوكين يكذبونني ........

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قصّة قصيرة .
 روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
 يا رسول الله إن مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم ؟
 قال :

(( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لك ولا عليك وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك وإن كان عقابك فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل ))

 قال :
 فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف .
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( أما تقرأ كتاب الله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ))

 فقال الرجل : والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم ، أشهدك أنهم أحرار .

[ رواه الترمذي ]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قبل يومين كانت مناسبة النّصف من شعبان ، وفي هذه المناسبة الشيء الذي أُريد أن أُنوِّهَ به هو أنّ بعض الأدعيَة التي يدعو بها بعض المسلمين في هذه المناسبة ليْسَت مأثورةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
 إن كنت كتبتني في أم الكتاب شقيا فامح عني اسم الشقاء ، وأثبتني عندك سعيدا ، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما مقترا علي رزقي ، فامح حرماني ويسر رزقي وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير ! هذا ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
 فالذي ورد في القرآن الكريم قوله تعالى :

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[ سورة يس الآية : 12 ]

 نكتب الأعمال التي اقترفوها وأصرّوا عليها ، ولم يتوبوا منها ، ولم يندموا على فعلتها ، نكتب أما أنّ الإنسان كُتِبَ عليه أنّه شقيّ وانتهى الأمر هذه الفكرة تُثبِّط عزيمة المرء ، وهذا الدعاء لمْ يرِد عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وما وردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعلى العين والرأس ، وما وردنا عن غيره فهُم رجال ، ونحن رجال ، كلّ إنسانٍ يؤخذ منه ويُرَد عليه إلا صاحب هذه القبّة الخضراء .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسـبوا أنفسكم قبل أن تحاسـبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسـيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسـه هواها وتمنّى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .

مراحل الحمل :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في القرآن الكريم آية يقول الله عز وجل فيها :

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ﴾

[ سورة البقرة الآية : 234 ]

 الإنسان يعْجَب لهذا الرّقم المحدّد ، أربعة أشهرٍ وعشرٍ ، لِمَ لمْ يقل الله أربع أشهرٍ ؟ أو خمس أشهرٍ ؟ أو ستّة أشهر ؟ أو شهران ؟ أو ثلاثة أشهر ؟
 علماء الطبّ قالوا :
 تمرّ المرأة الحامل بِثَلاث مراحل :

 

المرحلة الأولى : مرحلة الشك .

 في هذه المرحلة ينقطع دم الحيض ، وانقطاعه علامةٌ على أنّ المرأة حامل ، ولكن هل هي علامةٌ قاطعة ؟ لا ، فهناك أسباب عِدّة توقفُ هذه الدوْرَة ، كاضْطرابات نفسيّة ، أو هرمونيّة ، أو اختلال في بنية الجهاز التناسلي في المرأة ، هذا يسْتدْعي أن تنقطع الدوْرَة الشّهريّة ، فهل انقطاع الدوْرة يُعدّ دليلاً يقينيًا على الحمل ؟ الجواب : لا ، لذلك حينما تنقطع الدوْرة تدخل المرأة في مرحلةٍ اسمها مرحلة الشكّ .

المرحلة الثانية : مرحلة الظن .

 وبعدها تدخل المرأة في مرحلةٍ ثانية اسمها مرحلة الظنّ ، تأتيها أعراضٌ نفسيّة كالشّعور بالكآبة ، وأعراضٌ هضميّة كالإقياء والغثيان ، والمَيْل إلى العزلة ، فهذه الأعراض الهضميّة والنفسيّة اصطلح الناس على تسميتِها بالوحام ، هذه المرحلة هي مرحلة ظنّ ، وأغلب الظنّ أنّها حامل ، ولكن هل تُعَدّ هذه المرحلة دليلاً قاطعًا على الحمل ؟ الجواب : لا ! هناك أعراضٌ اسمها أعراض الحمْل الكاذب ، تُفاجأ المرأة بأنّ الدوْرة قد جاءتها ، وألغى الحمْل .

المرحلة الثالثة : مرحلة اليقين .

 ولكن في اليوم السادس والعشرين بعد المئة ، أي في الأسبوع الثامن عشر ، أي في اليوم العاشر بعد الأشهر الأربعة التي ذكرها القرآن الكريم ، إما أن تقول : أربعة أشهر وعشرة أيّام ، وإما أن تقول : ثمانية عشرة أسبوعًا ، وإما أن تقول مئة وستّة وعشرين يومًا ، يتحرّك الجنين ، وتُحِسّ المرأة أنّ الجنين الذي في بطنها بدأ يتحرَّك ، عندها تدخل المرأة مرحلةً ثالثة اسمها مرحلة اليقين ، حركة الطّفل في أحشاء أُمّه دليل قطعيّ على الحمْل ، لذلك قال تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ﴾

[ سورة البقرة الآية : 234 ]

 هذا القرآن الكريم من عند العليم الخبير ، القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هذه المعلومات من كتب طبيّة لا يدري مؤلّفوها بهذه الآية ، وليسوا عربًا ، قال تعالى :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

[ سورة فصلت الآية : 53 ]

 هذه الحقائق الطبيّة المترجمة إلى اللّغة العربيّة ، كيف أنّها تنطبق مع القرآن الكريم انطباقًا مذهلاً ؟ في اليوم السادس والعشرين بعد المئة ، يتحرّك الجنين ، وتدخل المرأة مرحلةً ثالثة اسمها مرحلة اليقين .

 

الدعاء :

 اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك .
 اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك .
 اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين .
 اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك .
 اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين .
 اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك .
 اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور