وضع داكن
19-04-2024
Logo
المنتدى العلمي للوسطية - المحاضرة : 2 - عمان - الوسطية والاعتدال منهج الأمة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الدين توفيقي لا يضاف عليه ولا يحذف منه لأنه من عند الله :

 أيها الأخوة الكرام، أيها المستمعون الأفاضل، إذا أردتم الدنيا فعليكم بالعلم، وإذا أردتم الآخرة فعليكم بالعلم، وإذا أردتم الدنيا والآخرة معاً فعليكم بالعلم، والعلم لا يعطينا بعضه إلا إذا أعطيناه كلنا، فإذا أعطيناه بعضنا لم يعطنا شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط.

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[سورة الملك]

 أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل يقول:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[سورة المائدة الآية:3]

 أي أن عدد القضايا التي عالجها الإسلام تام عدداً، وأن طريقة المعالجة كاملة نوعاً، فالكمال للنوع والتمام في العدد،

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

 لذلك الدين توفيقي، بمعنى أنه لا يضاف عليه، ولا يحذف منه، لأنه من عند الله، وكمال الله كمال مطلق.

 

التجديد بالدين هو أن ننزع عنه كل ما علق به مما ليس منه :

 لذلك أيها الأخوة لا يمكن أن نفهم التجديد، وهذه الكلمات تتردد كثيراً، وقد يتوهم الناس أن التجديد أن تضيف على الدين شيئاً، أو أن تحذف منه شيئاً بدافع التطور، بدافع الحياة المعاصرة، الدين توقيفي لا يحذف منه شيء ولا يضاف عليه شيء، لأنه من عند الله عز وجل، والدليل الأول:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

 إذاً كيف نفهم هذه الكلمات التي كثيراً ما نستمع إليها، التجديد بالدين، لا يمكن أن تفهم التجديد إلا بطريقة واحدة، أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، هذا هو الدين، فالدين أيها الأخوة كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام دين الحق لا يأتيه الباطلُ من بين يديه، ولا من خلفه، فلما أُضيف عليه ما ليس منه، ولما حذف منه ما ليس منه، حينما أضيف عليه ما ليس منه تقاتلنا، وحينما حذفنا منه ما هو أصلي فيه اختلفنا، فالخلافات بين المسلمين وضعف المسلمين يعزى الخلاف إلى أننا أضفنا على الدين ما ليس منه، فأصبحنا شيعاً، وأحزاباً، وفرقاً، ومذاهب، وطوائف كلها تتصارع، لأننا أضفنا على الدين ما ليس منه، وحينما حذفنا منه ما عرف منه بالضرورة ضعفنا، إذاً:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

إعمار الدنيا واجب ديني ووطني وقومي :

 لكن الله أمرنا أن نعمر الأرض، أن نطور حياتنا، أن نحل مشكلاتنا، أن نهيئ بيوتاً لشبابنا، أن نلغي العنوسة من مجتمعاتنا، أمرنا أن نستصلح الأراضي، أن نستخرج الثروات، أن نطور الصناعات، أن نرفع مستوى المعيشة، هذا كله نحن مطالبون به فأهملناه، والذي أمرنا أن نحافظ عليه دون أن نمسك به طورناه، المشكلة أننا ابتدعنا في الدين وقلدنا في الدنيا، والأصل أن نقلد في الدين وأن نبتدع في الدنيا، لأن إعمار الدنيا واجب ديني ووطني وقومي.

الغلو في الدين أوقع المسلمين في مشكلات لا تنتهي :

 أيها الأخوة، ما الذي أوقعنا في مشكلات لا تنتهي؟ الغلو في الدين، الآية الكريمة:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾

[سورة النساء الآية:171]

 والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))

[أخرجه النسائي وابن ماجه وأبو يعلى والإمام أحمد عن عبد الله بن عباس]

 أيها الأخوة، الغلو: مجاوزة الحد، هذا الدين قرآن وسنة، القرآن قطعي الثبوت، وظني الدلالة، بعض آياته قطعية الدلالة، و علينا أن نفهمه وفق علم الأصول، ووفق فهم الصحابة الكرام، والتابعين، وتابعي التابعين، كما قال عليه الصلاة والسلام :

((خَيْرُ الناس قَرْني، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونَهم))

[ البخاري و مسلم عن عمران بن حصين]

 هذه هو القرآن كلام الله، حبل الله المتين، الصراط المستقيم، الدستور الإلهي الذي يربط المجتمعات الإلهية، ينبغي أن نفهمه وفق علم الأصول، وينبغي أيضاً أن نطبقه، بل إن الله عز وجل حينما قال:

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

[سورة البقرة الآية:121]

 أن تقرأه وفق قواعد اللغة، وأن تقرأه إن أمكن وفق قواعد التجويد، وأن تفهمه، وأن تدبره، أي أن تسأل نفسك مع كل آية أين أنت منها؟.

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[سورة الأنفال الآية:2]

 هل يضطرب قلبك إذا قرأت القرآن الكريم؟.

 

مهمتنا أن نبحث عن المعنى من خلال أهل الذكر :

 أيها الأخوة القرآن الكريم قطعي الثبوت، بعض آياته قطعية الدلالة، وبعض آياته ظنية الدلالة، مهمتنا أن نبحث عن المعنى من خلال أهل الذكر، قال تعالى:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة النحل]

 أما السنة فبعضها قطعي الثبوت وبعضها ظني الثبوت، مهمتنا مع السنة أن نتأكد من صحة نسبة النص إلى رسول الله، فكم من حديث موضوع هو سبب فرقتنا؟ و كم من حديث موضوع هو سبب اختلافنا؟ كم من حديث موضوع هو سبب تقاتلنا؟ النصوص إذا تأكدنا من صحتها اتفقنا وتعاونا، لأن الحق لا يتعدد، قالوا: الحق لا يتعدد، لذلك المعركة بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول، وبين باطلين لا تنتهي.
 أيها الأخوة الكرام، أما الحديث فلابدّ من تحري صحة الحديث، وقد هيأ الله لهذه الأمة علماء كبار من علماء الحديث صنفوا الأحاديث إلى صحيحة، إلى متواترة، إلى حسنة، إلى ضعيفة، فحينما نقرأ حديثاً شريفاً يجب أن نهتم بصحة الحديث، وإلا قد نقع في إشكال كبير.
 مثلاً: كل الناس هلكى إلا العارفون، والعارفون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، هذا الحديث موضوع، وضعته الزنادقة للتيئيس، في الحديث هناك حديث صحيح، وحديث ضعيف، وحديث موضوع، إذاً نحن مع الأحاديث بحاجة إلى حركتين، أن نتأكد من صحتها، وأن نفهمها من العلماء الربانيين، أما النص الآخر فلنا معه مواقف ثلاث؛ أولاً: أن تتأكد من صحة نسبته إلى صاحبه، ثم نتأكد من المعنى الذي أراده، ثم نقيسه بالقرآن والسنة فإذا وافقه فعلى العين والرأس وإذا خالفه فلا علاقة لنا به، وينبغي أن نركله بأقدامنا، الكلام الموضوع ييئس، يفرق المسلمين، فينبغي ألا نهتم له.
 لذلك أيها الأخوة الشيء الدقيق جداً ينبغي أن تعتقد، ينبغي أن تستدل ثم تعتقد، لكن بعض الناس يعتقدون أولاً ثم يستدلون، يريد هذه الفكرة يعتقدها وبعدها يبحث عن ربط يؤيدها، هذا غلو في الدين، استدل أولا ثم اعتقد، أما أن تعتقد أولاً ثم تستدل من أدلة ضعيفة أو غير صحيحة فهذه مشكلة كبيرة في الدين.
 لذلك قالوا : إذا كنت ناقلاً فالصحة مدعياً فالدليل، العلم علاقة بين شيئين، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، لو أن هذه العلاقة ليس مقطوع بصحتها، لكانت وهماً، أو ظناً، أو شكاً، والعلم ما كان يقينياً، مطابقة الواقع، إن لم يطابق الواقع فهو جهل، عليها دليل، فالعلم ليس تقليداً، وليس بعداً عن الواقع، وليس ظناً، وليس شكاً، وليس وهماً، علاقة مقطوعة بصحتها، تؤيد الواقع، عليها دليل.

 

الاختلافات بين العلماء تعود إلى الغلو الاعتقادي :

 أيها الأخوة الكرام، الآن من الغلو في الدين ونحن في رحاب المنتدى العالمي من الوسطية، والوسطية تعني العلاج، تعني العدل، تعني القوة، تعني أن نكون وسطاء بين الله وبيننا، وفي هذا نبحث عن الاعتدال، قال الله تعالى:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾

 والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((وإياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين))

[ النسائي عن عبد الله بن عباس]

 أيها الأخوة، هناك غلو اعتقادي، مثلاً: أنت مختص بالتفسير ترى أن التفسير هو الدين، وأي فرع آخر لا قيمة له، هذا غلو، أن تأخذ فرعاً من فروع الدين وتجعله الأصل، هذه غلو في الدين، أو تأخذ جزءاً من الدين فتجعله كل الدين، أو أن تأخذ فرعاً من فروع الدين فتجعله أصلاً في الدين، هذا كله غلو في الدين، وما الاختلافات بين العلماء إلا من وراء هذا النوع من الغلو.

 

أنواع الاختلاف بين الناس :

1 ـ الاختلاف الطبيعي :

 أيها الأخوة الكرام، سمعت قولاً أعجبني، لو أن المسلمين تنافسوا على الدنيا لتخاصموا لأنها محدودة، ولو تنافسوا على مرضاة الله وعلى طلب الآخرة لتحابوا.

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[سورة المطففين]

 لذلك الاختلاف يرد أحياناً إلى نقص المعلومات، هذا اختلاف طبيعي.

 

2 ـ الاختلاف القذر :

 ويرد أحياناً أخرى الاختلاف إلى الأهواء و الحظوظ، قال تعالى:

﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾

[سورة آل عمران الآية:19]

 هذا اختلاف قذر أساسه الهوى.

 

3 ـ الاختلاف المحمود :

 وهناك اختلاف محمود أساسه التنافس على الآخرة.

الغلو العملي :

 أيها الأخوة الكرام، أما الغلو العملي، أيها الأخوة الأحباب، الغلو العملي أن تأخذ جانباً وتعنى به وتهمل بقية جوانب الحياة.
 جاءت امرأة إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها قالت: إن زوجي صوام قوام، أي أهملها، فالنبي عليه الصلاة والسلام استدعى زوجها وقدم له نصيحة ثمينة، قال له: ألك بي أسوة؟ أنام وأقوم، أصوم وأفطر، آكل اللحم، وأتزوج النساء، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي، ثم قال: أشدكم خشية لله أنا.
 في اليوم التالي جاءت زوجة هذا الصحابي إلى بيت السيدة عائشة عطرة نضرة، سألتها عن حالها، فقالت: أصابنا ما أصاب الناس.

أربع محطات في حياة الإنسان عليه أن يعتني بها :

1 ـ علاقته مع الله :

 الإسلام وسطي، الزوجة لها حق، الأولاد لهم حق، عملك له حق، أنا أرى أيها الأخوة، أن هناك أربعة أشياء في حياتنا، أربع محطات لابدّ من أن نعتني بها معاً وإلا تطرفنا، ما هذه الأربع؟ علاقتك مع الله أولاً، أن تعرفه، أن تطيعه، أن تقبل عليه، أن تتقرب له بالعمل الصالح.

2 ـ علاقته مع أهله :

 علاقتك مع أهلك وبيتك، قال عليه الصلاة والسلام:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 الإنسان خارج البيت يتأنق، يتلطف، يتعطر، يبتسم، ينحني من أجل مصلحته، من أجل مكانته، لكن أخلاقه الحقيقية تبدو في البيت، لا رقيب عليه، ولا أحد يحاسبه، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

 إذاً تعني الوسطية أن تؤدي حق الله عز وجل، وتعني الوسطية أن تؤدي حق أولادك، قال عليه الصلاة والسلام:

(( أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً، من أن أكون لئيماً غالباً))

[ ابن عساكر عن علي]

 فالعناية بالأهل والأولاد جزء من الدين.

((أفضل كسب الرجل ولده ))

[أخرجه الطبراني عن أبي بردة بن نيار]

 ولم يبقَ في أيدي المسلمين اليوم من ورقة رابحة إلا أولادهم.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور الآية: 21]

 ينبغي أن تعرف الله، أن تحضر دروس العلم ، أن تتابع المعلومات دينية، أن تقرأ القرآن، أن تفهم القرآن، أن تقرأ حديث النبي العدنان، وينبغي أن تعتني بأهلك وبأولادك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام يخاطب النساء:

(( اعلمِي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله))

[ورد في الأثر]

 أن تعرف الله، وأن تقبل عليه، وأن تحسن إلى خلقه، وأن تعتني بأهلك.

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

3 ـ  علاقته بعمله :

 المحطة الثالثة: أن تعتني بعملك الذي ترتزق منه، أن تتقنه، أن تطوره، أن تغني بلدك على أن تستورد، خدمة الأمة من الدين، تطوير الصناعات من الدين، استصلاح الأراضي من الدين، تأمين الغذاء للمواطنين من الدين، أنت حينما تعمل عملاً تخدم به أمتك أنت دين والله، أنت تؤدي حق الأمة عليك.
 الوسطية تعني أن تعتني بمعرفتك بالله وعلاقتك به، وخدمة خلقه، وأن تعتني بأهلك وأولادك، فالنبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، يا ترى إذا دخل المسلم إلى بيته هل يكون العيد إذا دخل أم إذا خرج؟ هذا مقياس دقيق، العيد إذا دخلت أم إذا خرجت؟ إذا خرج بعض الأزواج تنفس الأهل الصعداء، لكن البطولة إذا دخلت أن تكون محبوباً، هذه الكلمة أقولها: نحن بالثقافة الإسلامية كل أب يحترم، وكل أم محترمة، لكن البطولة أن تكون أيها الأب محبوباً لا أن تكتفي من أولادك أن يحترموك، والبطولة أن تكوني أيتها الأم محبوبة لا أن تكتفي من أولادك باحترامك، نحن في الوسطية.

4 ـ علاقته بصحته :

 أقول لكم بعض الحقائق: ما قولكم في مدينة في دولة عربية، عدد سكانها خمسة ملايين فيها خمسمئة ألف مريض في السكر، هذا المرض حدثنا عنه أستاذ في الجامعة قال: يمكن أن تتعايش معه طوال حياتك، مع ضبط الغذاء، وهناك بلد متفلت يتحول أربع و خمسون بالمئة من مرضى السكر إلى شلل، وإلى فقد بصر، وإلى أمراض وبيلة، و بلاد تتحول إلى أربعة بالمئة فقط.
 إذاً أنت عندك صيام تعتني بصحتك، صحتك ليست ملكك، ملك أولادك، ملك زوجتك، ملك أمك وأبيك، ملك أمتك، فالعناية بالصحة من الدين، لما كان عليه الصلاة والسلام في بدر قال: كل ثلاثة على رحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، لما جاء دوره في المشي قالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكنكم لستم أقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكم عن الأجر.
 فالعناية بصحتك، وبأهلك وأولادك، وبالعمل لمعرفة الله هذا هو التوسط، أما أن تعتني بجانب وتهمل الآخر فهذا ليس من التوسط في الدين.
 أيها الأخوة، أسباب الغلو الهوى، وأسباب الغلو الجهل، وبطاعة الله تبعد الهوى، وبالعلم تبعد الجهل.

من توهم أن التوحيد يعفيه من المسؤولية فهو متطرف :

 أيها الأخوة الكرام، الآن لو دخلنا في موضوعات الدين الكبرى واحدة واحدة لنرى أين التطرف وأين الوسطية، التوحيد، المقولة الرائعة: وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى أن يد الله فوق أيديهم، التوحيد أن تتلو قوله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

[ سورة الزخرف الآية: 84]

 التوحيد أن تتلو قوله تعالى:

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

[ سورة الكهف]

 التوحيد أن ترى أن الله فعال:

﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾

[ سورة هود]

 ولكن هل يعفيك التوحيد من المسؤولية؟ هنا التطرف، إذا توهمت أن التوحيد يعفيك من المسؤولية فأنت متطرف، طبيب إسعاف بمستشفى جاءه مريض في الليل قال: لينتظر، مات المريض، يحاسب كإنسان ارتكب بحق هذا الإنسان عملاً خطيراً، لماذا؟ لأنه يقول لك: مات بأجله، لكنك محاسب ما الدليل؟

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

[ سورة النور الآية: 11]

 وبعد ذلك يقول الله عز وجل:

﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة النور]

 التوحيد لا يعفيك من المسؤولية، تحاسب أنت عن كل الأخطاء مع أن الله سمح بها، من المقولات الدقيقة التي تحل مشكلاتنا: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
 إذاً لا تتوقع أيها الأخ الكريم أن التوحيد يعفيك من المسؤولية، إن ألغيت التوحيد فأنت متطرف لأن أصل الدين هو التوحيد.

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد الآية: 19]

 وإذا ظننت أنه يعفيك من المسؤولية فأنت متطرف، أما الوسطية والاعتدال أن تعتقد بالتوحيد اعتقاداً، وأن تحاسب نفسك عن كل الأخطاء سلوكاً.

 

كلّ شيء في الدنيا له وظيفتان؛ وظيفة إرشادية ووظيفة نفعية :

 أيها الأخوة، الآن الموضوعات الكبرى في الإسلام سأبين لكم بتوفيق الله عز وجل متى يكون أحدنا حيالها متطرفاً ومتى يكون معتدلاً، الكون، هذا الكون هو الثابت الأول، لو أننا أغفلنا الكون، لم نفكر فيه، والله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران]

 هذا الذي لا يفكر أبداً بالموت، بآيات الله الدالة على عظمته، تطرف وأهمل النظر في الكون، والذي انتفع به في الدنيا فقط تطرف أيضاً، النبي عليه الصلاة والسلام رأى هلالاً فقال:

((هلالُ خَيْرٍ ورُشْدٍ ))

[أخرجه أبو داود عن مرسل قتادة]

 في هذا الحديث الصغير الجامع المانع بيّن النبي الكريم أنّ كل شيء في الدنيا له وظيفتان، وظيفة إرشادية، ووظيفة نفعية.

 

لقطة من لقطات الكون :

 لقطة واحدة من لقطات الكون: الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي، هذه الأرض فيها قطران، قطر كبير، وقطر صغير، فإذا انفصلت الأرض من القطر الصغير هناك احتمال أن تنجذب إلى الشمس، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة، لذلك حكمة الله، وقدرته، وعلمه، يرفع سرعة الأرض، إذا رفعت الأرض سرعتها نشأ بها قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها.

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

[ سورة فاطر الآية: 41]

 حكمة بالغة، فإذا وصلت الأرض إلى القطر الأطول ضعفت الجاذبية، ومن الممكن أن تتفلت من جاذبية الشمس، تصبح الحرارة مئتين و سبعين تحت الصفر، عندئذٍ تنتهي الحياة، ما الذي يحدث؟ تخفض الأرض سرعتها لينشأ من خفض السرعة قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل لتبقى على مسارها،

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

 لو أنها تفلتت من جاذبية الشمس لاحتاجت إلى مليون مليون حبل فولاذي، والحبل الفولاذي يتحمل قوى شد تقدر بمليوني طن، أي الأرض مرتبطة بالشمس بقوة جذب تساوي مليون مليون ضرب مليوني طن، من أجل أن تحرفها ثلاثة ميلي كل ثانية، حتى ينشأ مسار مغلق حول الشمس

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

 لو زرعنا على سطح الأرض مليون مليون حبل، قطر الحبل خمسة أمتار، لفوجئنا أن بين كل حبلين خمسة أمتار فقط، أي أن الزراعة تعطلت، والصناعة تعطلت، والبناء تعطل، وشق الطرقات تعطل، وتعطل كل شيء.

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[ سورة الرعد الآية: 2]

 هذه الآيات الكونية تزيدنا إيماناً، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟.

تعصي الإله وأنت تظهر حب ه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـــو كنت صادقاً لأطعته  إن الـمحب لمن يحب يطيع
* * *

 

لقطة من لقطات الأرض :

 أيها الأخوة، لقطة من الأرض:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة فصلت الآية: 53]

 قرص لحمي اسمه المشيمة، هذا ينزل مع الجنين، هذا القرص اللحمي يقوم بأعمال يعجز عنها أطباء الأرض مجتمعين، في هذا القرص اللحمي دورة دم الأم مع دورة دم الجنين، من بديهيات الطب، وأغلب الأطباء يعرفون ذلك أنك إذا أعطيت الإنسان دماً من زمرة غير زمرته يموت فوراً بانحلال الدم، وللأم زمرة دم تختلف عن زمرة دم الجنين، ولا يختلطان كيف لا يختلطان؟ قال: بينهما غشاء عاقل، سماه الأطباء الغشاء العاقل لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء، يأخذ الأوكسجين من دم الأم يضعه في دم الجنين، قام مقام جهاز التنفس، ثم يأخذ السكر من دم الأم يضعه في دم الجنين، قام مقام جهاز الهضم، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، قام مقام البنكرياس، صار في دم الجنين أوكسجين وسكر وأنسولين، يحترق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين، تتولد حرارة، حرارة الجنين سبع و ثلاثون من أين جاءت؟ من هذا الاحتراق، الفضلات أكسيد الكربون، غاز الفحم، الغشاء العاقل يأخذ ثاني أكسيد الكربون من دم الجنين ويضعه في دم الأم، فجزء من نفس الأم نفس جنينها، يد من تصنع هذا؟ علم من؟ حكمة من؟.

أتحسب أنك جرم صغير  وفيك انطوى العالم الأكبر
* * *

 ثم إن هذا الغشاء العاقل يأخذ عوامل المناعة من دم الأم ويضعها في دم الجنين، فالجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه، وهذا من حكمة الله عز وجل، بل إن المواد السامة لا يسمح الغشاء العاقل بانتقالها إلى دم الجنين فلو أن الأم تناولت طعاماً ساماً هذا السم لا ينتقل إلى جنينها، يد من؟ علم من؟ حكمة من؟.
 الغشاء العاقل يعلم ما يحتاج الجنين كل ساعة، من بروتينات، من شحوم، من سكريات، من معادن، من أشباه معادن، من فيتامينات، هذا كله يعلمه بدقة وينفذه، وقد يغير النسب في كل ساعة، أطباء الأرض لا يستطيعون القيام بهذه المهمة، ولو ترك الجنين لأطباء الأرض لمات في ثانية واحدة، هذا الغشاء العاقل سماه الأطباء غشاءً عاقلاً لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء.
 أخواننا الكرام لو أن الجنين احتاج إلى مادة بوتاس، كيف يعلم أمه؟ يطرق عليها الباب؟ يخاطبها؟ تشتهي الأم طعاماً يحتاجه جنينها، فما تشتهي الأم أثناء الحمل هو حاجة الجنين إلى هذا الطعام، هذه آيات الله، قال تعالى:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور