- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مع اسم الله ( المولى ):
أيها الإخوة الكرام، لازلنا مع الاسم العظيم من أسماء الله الحسنى ( المولى )، أيْ أن الله عز وجل يتولى عباده المؤمنين، يتولاهم بالرعاية، يتولاهم بالتربية، يتولاهم بالمعالجة.
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (257) ﴾
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
المعية العامة والمعية الخاصة:
لذلك أيها الإخوة الكرام، فرّق العلماء بين معية الله العامة ومعيته الخاصة، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (4) ﴾
أي: معكم بعلمه، مع أيّ مخلوق ؛ مع المؤمن، ومع الكافر، معكم بعلمه، أما إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾
هذه المعية الخاصة، أي هو معهم بالتأييد والنصر، والحفظ والتوفيق، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
المعية الخاصة تستلزم الولاية الربانية:
الحديث النبوي الشريف الذي يبين هذه المعية، ويبين هذه الرعاية وهذا الحفظ هو قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
ولم تَرِد كلمة الحرب إلا في موضعين، في موضع في القرآن الكريم، وموضع في الحديث الشريف، الموضع الأول:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾
في موضوع الربا، وما من معصية توعد الله في القرآن مرتكبها بالحرب إلا الربا، وفي الحديث الشريف الصحيح:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
قبل أن تقف في خندق مُعادٍ للحق، هل تعلم مَن هو الطرف الآخر ؟
إن الإنسان في الحياة المدنية قبل أن يتطاول على إنسان يمثل الحكومة هل تعلم من هو الطرف الآخر في حياتنا اليومية ؟ فإذا تطاول الإنسان على دين الله، وعلى شرع الله، ووصل إلى الأشياء التي هي مقدسة في حياة المسلمين فلينتظر الحرب من الله عز وجل.:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
المفهوم القرآني للولي:
1 – الوليُّ هو المؤمن بالله:
مَن هو الولي ؟ المفهوم القرآني للولي:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) ﴾
إنَّ أيَّ مؤمن يجب أن يكون ولياً لله.
2 – الوليُّ هو المتَّقي الله:
تعريف الولي في القرآن الكريم:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) ﴾
لو ضغط الدين كله في كلمتين لكانت الكلمة الأولى: أنك آمنت بالله، والكلمة الثانية: تتقي أن تعصيه، لذلك يمكن أن تضغط رسالات الأنبياء كلها في كلمتين:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
لذلك قال العلماء: " نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى "، فإذا وحدت الله، واتقيت أن تعصيه فقد حققت الهدف من وجودك، وقد وضعتَ يدك على حقيقة الدين.
هذا الراعي الذي امتحنه سيدنا عبد الله بن عمر، قال له: << بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ .
هذا الراعي وَضع يده على جوهر الدين.
في أيّة لحظة تقول: أين الله فقد وضعت يدك أيها الأخ الكريم على حقيقة الدين، لذلك يمكن أن يضغط الدين كله في كلمة واحدة، وهي الاستقامة، وما لم نستقم على أمر الله فلن نقطف من ثمار الدين شيئاً، لذلك الحديث الشريف الذي جاء على صيغة حديث قدسي:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
هنيئاً لمن وقف مع الحق، والويل لمن وقف في خندق معادٍ للحق، فالولي الذي آمن بالله واتقى، أن يعصيه، لأن نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، فإذا وحّدتَ الله وعبدته فقد حققت الهدف من وجودك، لذلك قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
معرفةُ الله مقرونة بالتقرب إليه وطاعته:
الآن لا معنى لأن تعرف الله من دون أن تتقرب إليه:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾
الآية:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
كأن الله عز وجل أراد أن يلخِّص القرآن كله في كلمة واحدة:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
ماذا يوحى إليه ؟
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾
إذاً: لو قلت: إن الشمس ساطعة، ويا لها من شمس ساطعة، وأنت في أمسِّ الحاجة إلى ضوء الشمس، ولم تتعرض لأشعة الشمس، وأنت تعاني من مرض جلدي، وعلاجه الوحيد التعرض إلى أشعة الشمس، فمهما تحدثتَ عن أشعة الشمس، مهما أثنيتَ على أشعة الشمس، مهما بينتَ فائدة أشعة الشمس، وأنت قابع في غرفة مظلمة فهذا الكلام لا قيمة له إطلاقاً ما لم تتحرك نحو أشعة الشمس.
لا تكن صاحبَ إيمانٍ إبليسيٍّ:
الإيمان من دون عمل قد يوصف أحياناً بأنه إيمان من نوع إيمان إبليس، قال تعالى:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ﴾
إبليس قال: رب، آمن به رباً، وآمن به عزيزاً، وقال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ (12) ﴾
آمن به خالقاً، وقال:
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾
لذلك ترداد كلمات الإيمان من دون عمل لا قيمة لها إطلاقاً:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
مراتب التقرُّبِ إلى الله لنيلِ منزلةِ الولاية:
1 – وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ:
قد بينت من قبل أن الإنسان إذا استقام على أمر الله يَسلم، أما إذا عمل الصالحات يسعد، وفرق كبير بين السلامة والسعادة، مع أن كل إنسان على وجه يتمنى السلامة والسعادة، لذلك الحديث القدسي الشريف:
((... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ... ))
الفرائض أولاً، أداء الفرائض مقدم على أي شيء، أعظم قربة إلى الله أن تؤدي الفرائض:
((... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ... ))
أيها الإخوة، حينما يقول الإنسان: هذه فريضة، ما معنى فريضة ؟ أي أن سعادتك تتوقف عليها.
للتقريب: كيف نقول: إن استنشاق الهواء فريضة، لأن حياة الإنسان متوقفة على استنشاق الهواء.
شرب الماء فريضة، لأن حياة الإنسان متوقفة على شرب الماء.
تناول الطعام فريضة، لأن أي حياة الإنسان متوقفة على تناول الطعام، فتناول الطعام، وشرب الماء، واستنشاق الهواء فرائض، بمعنى أن حياة الإنسان متوقفة عليها.
أما الحرام فهو الذي يحرم النفس من سعادتها وسلامتها، وحينما تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك، وليست حداً لحريتك تكون فقيهاً، فإذا رأيت لوحة كتب عليها: " ممنوع التجاوز، حقل ألغام "، فأنت لا تشعر أن واضع هذه اللوحة أراد أن يقيد حريتك، بل تعلم علم اليقين أنه أراد أن يضمن لك سلامتك، لذلك في اللحظة التي تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك وسعادتك تكون فقيهاً، وحينما تفهم أن أوامر الدين قيد لحريتك تكون بعيداً عن فهم الدين الصحيح.
2 – وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ:
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ ))
أول مراتب القرب من الله أداءُ الفرائض، والفريضة ما تتوقف عليها سعادتك وسلامتك.
عندنا أشياء في الدين حدية، وعندنا أشياء نسبية، فتركُ المحرمات حديٌّ، لا تفاوت في ذلك ولا تفاضل، كما أن عندنا في اللغة العربية أفعالا لا تقبل التفاوت، كفعل ( مات )، لا تقل: فلان أموت من فلان، الموت حدي، له حالة واحدة، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، تنوعت الأسباب والموت واحد، فهناك أفعال لا تقبل التفاوت بل هي حدية، وهناك أفعال تقبل التفاوت، تقول: أنا أكثر منك مالاً، المال نسبي يزيد وينقص، فالاستقامة ما فيها تفاوت، الاستقامة حدية، فالذي نهانا عنه النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن ننتهي عنه كلياً.
تقريباً: كمستودع الوقود السائل، له صفة سلبية وصفة إيجابية، الصفة السلبية أنه محكم، والإحكام حدي، هي حالة واحدة، إذا قلت: محكم، يعني أنه محكم، تضع فيه ألف لتر، وتغلقه بإحكام، وتغيب مئة عام، ترجع وتجده كما تركتَه، لأنه محكَم، إن لم يكن محكَماً فعدم الإحكام نسبي، قد تقلّ الكمية بعد شهر، أو بعد أسبوع، أو بعد سنة، أو بعد ساعة، فعدم الإحكام نسبي، أما الإحكام فحدي، الاستقامة حدية، لا تقبل التفاوت، لذلك إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فأقلّ ممرض في المستشفى مع أعلى طبيب في المستشفى لابد من تعقيم الإبرة، أما العلم فمتفاوت، الفرق كبير جداً بين الممرض والطبيب، أما من حيث تعقيم الإبرة فلو أراد طبيب متفوق جداً أن يعطي إنسانا حقنة فلا بد من تعقيمها، ولو جاء ممرض ليعطيه هذه الحقنة فلا بد من تعقيمها بقواعد ثابتة وحدية، فالاستقامة حدية، والأعمال الصالحة متفاوتة، هذا المستودع له صفة واحدة، هي أنه محكم، حدي، أما إملاءه فبحسب الرغبة، فإنسان وضع فيه مئة لتر، وإنسان آخر وضع مئتين، وإنسان آخر خمسمئة، وهكذا.
لذلك أول قربة إلى الله حدية، وهناك فرائض طوعية،
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
بينَ عبدِ الشكر وعبدِ القهرِ:
بالمناسبة كلمة ( عبد ) تجمع على جمعين، هناك عبد جمعه عبيد، وعبد جمعه عباد، والفرق كبير بين العبيد والعباد، العبد عبد القهر يجمع على عبيد، وعبد الشكر يجمع على عباد، قال تعالى:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
هذا عبد الشكر، وكل إنسان عبد لله، بمعنى أنه مقهور، كل إنسان سلامته متوقفة على سيولة دمه، فأيّ إنسان تجمدت قطرة دم في أحد أوعية الدماغ أصيب بالشلل، فالإنسان مقهور، مقهور بخثرة في الدماغ، مقهور بتشمع الكبد، مقهور بفشل كلوي، مقهور بورم سرطاني، فكل إنسان عبدٌ لله، عبد بمعنى أنه في قبضة الله، فهذا العبد عبد القهر يجمع على عبيد:
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) ﴾
أما العبد الذي عرف الله، وأقبل عليه، وانضبط بمنهجه فهذا العبد يجمع على عباد:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) ﴾
واللغة دقيقة جداً، والفرق بين الجمعين واضح جداً، لذلك:
التقرُّب إلى الله سهلٌ جدا:
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي ))
وهذه نسبة تشريف، فقد شرفنا الله عز وجل بأن نسبنا إلى ذاته العلية:
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
معنى ذلك أن العلاقة مع الله واضحة، الله عز وجل يحب من يتقرب إليه، وأحياناً يكون التعامل مع جهة صعب جداً، جهة مزاجية، ليس لها قاعدة تضبط تعاملها مع الآخرين، التعامل مع إنسان مزاجي صعب جداً، لكن التعامل مع رب العالمين سهل جداً، الله يحب الصادقين، يحب المتوكلين، يحب التائبين، وهناك عدد من الآيات تثبت هذا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ (222) ﴾
وهكذا فالتعامل مع الله سهل جداً
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ ))
هناك صلاة نافلة، وصيام النوافل، وصدقة وقيام ليل:
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
هناك شيء دقيق جداً، لو أن الإنسان مشى إلى الله خطوة مشى الله إليه خطوات، لمجرد أن تفكر أن تتقرب إلى الله رأيت أن الله عز وجل قد ملأ قلبك سعادة، ملأ قلبك طمأنينة، ملأ قلبك رضى، وهناك تجاوب سريع جداً من الله عز وجل، بل إن الله ينتظرك، وقد ورد في بعض الآثار:
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلى، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين ))
حينما تقبل على الله لا تدري أن الله أَفرَحُ بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد.
النبي عليه الصلاة والسلام قدّم صورة رائعة جداً لأعرابي ركب ناقته:
(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ))
(( لله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته ))
فلذلك حينما ترجع إلى الله وتتوب إليه يفرح الله بك، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض: أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
وإذا أحبك الله فلا تعبأ بشيء آخر، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (39) ﴾
لذلك إذا أحبك الله خدمك أعداءك، وإذا تخلى الله عنك يتطاول عليك أحبابك.
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
كيف تتجلّى ولاية الله للمؤمنين ؟
ما معنى أن الله ولي المؤمن ؟
1 – فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ:
(( فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))
الآن بدأنا باسم الولي، الإنسان يستمع إلى ملايين الموضوعات في حياته، أما المؤمن فسمعه منضبط بالمنهج الإلهي.
بالمناسبة مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستوعب الباطل، حياتنا جميعاً، حياة أهل الأرض لا تكفي لاستيعاب الباطل، لأن الباطل متعدد، تماماً كما في الهندسة ؛ بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، حاول أن تمرر مستقيما آخر يأتي فوقه تماماً، لذلك الحق لا يتعدد، والدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾
بين نقطتين يمر مليون خط منكسر، يمر مليون خط منحنٍ، لكن لا يمر إلا خط مستقيم واحد، لهذا قيل: المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، أما المعركة بين باطلين فلا تنتهي، وفرق كبير بين معركة لا تكون أصلاً، وبين معركة لا تطول، وبين معركة لا تنتهي.
الآن:
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ (257) ﴾
جمع:
﴿ إِلَى النُّورِ (257) ﴾
مفرد:
﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
لذلك أيها الإخوة الكرام، حياتنا جميعاً لا تكفي لاستيعاب الباطل، الباطل متنوع، ويمكن أن تمضي عشر سنوات أو عشرين سنة في دراسة فئة ضالة، والفئات الضالة تنتظمها قواعد تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد نصوص موضوعة، ونزعة عدوانية، فالباطل لا تكفي حياتنا لاستيعابه، لكن الحق واحد، من السهل جداً أن تستوعب الحق في عمر معتدل، فصار كل شيء خلاف الحق باطلا، لذلك الطريق سالك، ويمكن أن تستوعب الحق.
(( فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))
الإنسان يستمع إلى ملايين المقولات، فيغربلها، استوعب الحق، هذه الفكرة خلاف القرآن، هذه الفكرة خلاف الحديث الصحيح، هذه الفكرة خلاف المنهج، هذه الفكرة خلاف ما في كتاب الله عز وجل، فالأصل كتاب الله، هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(( فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))
هناك كلمات لا معنى لها، كلمات فيها تناقض مع القرآن الكريم، لذلك قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، هذه من صفات القلب السليم، السمع مضبوط بمنهج الله عز وجل، إنسان يردّ مليون مقولة، بل ويركلها بقدمه إن خالفت منهج الله عز وجل، عنده حق، عنده ميزان، عنده مقياس.
2 – وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ:
قال:
(( وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ))
لو أن إنسانا نظر إلى بناء يأخذ بالألباب، لكن صاحبه تاجر مخدرات، جمعه من مال حرام، فإنه لا يحترم صاحب هذا البناء، يحتقره لأن عنده ميزانًا، لذلك المؤمن منضبط، سمعه منضبط، وبصره منضبط، الأشياء لها صورة ولها حقيقة، يمكن أن يحترم إنسان دخله محدود جداً من حلال، ويحتقر إنسان بنى مجده على أنقاض الناس، أو على حياة الناس، أو على أمن الناس، أو على خوف الناس، فالآن تقييمه للأشياء مبني على نور ألقاه الله في قلبه، فيقيّم الأشياء بميزان دقيق، بمنظومة قيم رائعة جداً.
3 – ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا:
((فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا ))
لا يتحرك حركة إلا وفق منهج الله، إن أعطى أَعطى لله، وإن منع مَنع لله، وإن رضي رَضي لله، وإن غضب غَضب لله، وإن وَصل وصل لله، وإن قطع قَطع لله، هكذا.
4 – ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا:
((ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا ))
لا تقوده رجله إلا إلى عمل صالح، أو أمر بالمعروف، أو نهي عن المنكر، أو لارتياد بيوت الله، أو لإصلاح بين شخصين، حركته كلها في سبيل الله.
5 – وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ:
((وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ))
أصبح مستجاب الدعوة.
﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (257) ﴾
هذا معنى الولي.
6 – وَلئِِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ:
((وَلئِِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))
إذا التجأ إنسان إلى الله عز وجل فإنّ الله يلبي فوراً، أصبح مستجاب الدعوة
(( وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
قرأت تاريخ سبعين صحابيا من الصحابة الأجلاء، ما منهم واحد إلا كان في ساعة الموت في أسعد لحظات حياته، قال تعالى:
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾
ما معنى أن الله ولي المؤمن ؟ أن هذا المؤمن تحت رعاية الله، وحفظه، وتأييده، ونصره، يتولاه بالرعاية، يتولاه بالحفظ، يتولاه بالتأييد، يتولاه بالمعالجة، فلذلك من أقرب أسماء الله الحسنى إلى المؤمن اسم الولي.