وضع داكن
26-04-2024
Logo
رحلة أمريكا 2 - المحاضرة : 04 - الشيطان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام ؛ من سنة الله في الخلق أنه يخاطب الناسَ بأصول الدين بينما يخاطب المؤمنين بفروع الدين، و هذا يعلِّمنا درسًا بليغًا، فلو خاطبتَ كافرًا لا ينبغي أن تحدِّثه بفروع الدين إطلاقًا، حتى اليوم الآخر إخباري، و كلُّ شيء إخباري يحتاج إلى ان تؤمن بالمُخبِر، فحينما تواجه إنسانًا غيرَ مسلم لا ينبغي ان تحدِّثه بفروع الدين إطلاقا، موضوع الجنِّ، و موضوع الجنة و موضوع النار، و موضوع الملائكة، هذا كله إخباريات، لا بدَّ من أن تحدِّثه بالمعقول، حينما تعرِض عليه آيات الله في الكون يخضع لذلك اللهُ عزوجل قال:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾

[سورة البقرة]

 و قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

 

[سورة التوبة]

 و هذا الدرسُ سيكون محورُه إن شاء الله فرعًا من فروع الدين ألا وهو موضوع الشيطان.
 أكثر المسلمين ليسوا على استعداد أن يأخذوا مفهومَ الشيطان أخذًا واقعيا كأنه يعدُّه رمزًا للشرِّ، أو يعدُّه شيئًا رمزيًّا و ليس حقيقيا، مع أن الله عزوجل يقول:

 

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾

 

[سورة فاطر]

 كم من زواجٍ انتهى إلى الدَّمار، و كم من شركة انهارت، و كم من علاقة طيِّبة فسدت، كم من بناء تهاوى بسبب الشيطان، فلا بدّ من أن يأخذ مفهوم الشيطان مأخذًا جدِّيا وفق ما جاء في القرآن الكريم، و في سنة النبيِّ عليه الصلاة و السلام.
 أوَّلاً ؛ الحديث الصحيح الذي ورد في صحيح مسلم، قول النبي عليه الصلاة و السلام:

((عَنِ ابْنِ مسعود قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ قَالُوا وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ ))

[رواه مسلم]

 مع كل إنسان قرين من الجن و قرين من الملائكة، لأن الإنسان مخيَّر و هو في الدنيا مُبتلى قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 فهذا الشيطان و ذاك البلاء يحرِّكان الإنسان، و لكن النقطة الدقيقة جدًّا هو أن الشيطان ليس له على الإنسان سلطان، قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)﴾

 

[سورة إبراهيم]

 واحد يرتدي اجمل ثياب و أغلى ثياب، و في الصيف بيضاء و الحذاء و القميص، أي بأعلى مستوى و قع في حفرة ماء آسِن، ماء مجاري، و خرج منة هذه الحفرة و تتوجَّه إلى مخفر الشرطة ليشتكي، فسأله المحقِّقُ: هذا الذي تشتكي عليه دفعك إلى هذه الحفرة ؟ يقول: لا، حرام، ما دفعني، طيِّب أمسكك و وضعك فيها ؟ يقول: لا و اللهِ، هل شهر عليك مسدَّسًا و ألزمك ان تنزل ؟ قال: لا واللهِ، كيف تشتكي عليه ؟ قال: قال لي اِنزِل فنزلتُ، هذا لا بدَّ له من مستشفى المجانين، الشيطان لا يملك على الإنسان سلطانًا، قال تعالى:

 

﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾

 

[سورة إبراهيم]

 و كلُّ إنسان يقول: الله يلعن الشيطان، الشيطان لا علاقة له، الشيطان وسوس، أنت لماذا استجبتَ ؟هذه الحقيقة الأولى، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾

 

[سورة فاطر]

 و قال عليه الصلاة و السلام، عَنِ ابْنِ مسعود قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ قَالُوا وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ ))

[رواه مسلم]

 الحديث في صحيح مسلم، أي تحرَّك ؛ إما أن تستجيب لإلهام الملَك و إما أن تستجيب لوسوسة الشيطان ؛ هذه واحدة، الحقيقة الأولى.
 الحقيقة الثانية ؛ ورد في القرآن الكريم أن إبليس يخاطب ربَّه يقول:

 

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)﴾

 

[سورة الأعراف]

 أي لمجرَّد أن يستقيم الإنسانُ يبدأ عملُ الشيطان، و ما دام الإنسان في الملاهي و الحانانت و القمار و التفلُّت، هذا الذي يريده الشيطانُ، يريح الشيطانَ، متى يبدأ عملُه ؟ حينما يبدأ الإنسان في السير في طريق الإيمان، قال تعالى:

 

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)﴾

 

[سورة الأعراف]

 لمجرد أن يستقيم الإنسان يأتيه الشيطان بوساوس، أنت مكتوب من أهل الشقاء، فلا تكلِّف حالك، مَن خلق اللهَ ؟ و لماذا اللهُ خلقَنا ؟ ملايين الأسئلة، يقول لك: قبل أن اتوب ما كانت عندي مشكلات، و بعدما تبتُ أتتْ هذه الوساوس، هذه لحكمة بالغة بالغة أرادها اللهُ عزوجل، قال تعالى

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾

 

[سورة الأعراف]

 و نحن عندنا ستُّ جهات، يمين و يسار، أمام و وراء، أعلى و أسفل، و الآية أغفلتْ الأعلى و الأسفل، قال بعضُ المفسِّرين: أغفلت الأعلى لأن الطريق إلى الله محميَّةٌ من الشيطان، و حينما تتّجه إلى الله في هذه الجهة ليس هناك شيطان، و الأسفل حينما تأتي متواضعا إلى الله عزوجل أيضا طريق الدنوِّ و العلوِّ محمي من الشيطان، أما:

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾

 

[سورة الأعراف]

 أحيانا الشيطانُ يزيِّن أنه عصرُ تقدُّم و عصر الحداثة، يا أخي لم نكن نعيش كنا نعيش متخلِّفين، الكمبيوتر، أنا لا أهاجم هذا إطلاقا، لكن حينما نؤلِّه هذا و ننسى اللهَ عزوجل، هذه أجهزة يمكن أن تُتخذ وسيلة فعَّالة حتى في الدين و الذي لا يستخدم هذا الجهاز سيُعدُّ أمِّيًّا، أنا لا أهاجم هذه المنجزات أما حينما نؤلِّه أصحابها و أنسى ديني و أنسى منهجي و أنسى سرَّ وجودي أتَّخذ من هذه المنجزات إلها معبودا من دون الله، فالعصرنة و الحداثةُ و التقدًُّم و الشيء الجديد و عصر العلم و العلمانية، حينما تستهويني هذه المصطلحات على حساب ديني، حينما تستهويني هذه الأشياء البرَّاقةُ على حساب قيَمي، وحينما تستهويني هذه الأشياء التي دُهِشتُ بها و انبهرت بها على حساب آخرتي، أنا أهاجم هذا النموذج، من الذي يستخدمه أداةً لقوة المسلمين، قال تعالى

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

 

[سورة الأنفال]

 يجب ان نستخدم كلَّ هذه الوسائل الحديثة لخدمة المسلمين، أما أن أُأَلِّه أصحابها و أنسى ديني و أنسى مبادئي، هذا الذي يريده الشيطان، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾

 

[سورة الأعراف]

 إذا كانت ثمة تقاليد و تراث و عادات و سلوك آباء و أجداد يخالف منهج الله عزوجل كثِّر دينك، و هكذا نشأنا، هذا مخالف للسنة، فحينما تعتزُّ بأحاديث المتناقد مع الدين، و حينما تعتزُّ بالقديم المتناقض مع الدين هذان مدخلان كبيران للشيطان، إما أن تتمسَّك بالحداثة التي تتناقض مع الدين و إما أن تتمسك بالتراث الذي يتناقض مع الدين، هذان مدخلان كبيران من مداخل الشيطان قال تعالى

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾

 

[سورة الأعراف]

 عن أيمانهم الوساوس أحيانا أنت لستَ موصولا بالله، لماذا الصلاة ؟ هي الصلاة صِلةٌ، فإذا لم تكن موصولا لا تصلِّي، و لا تأتي إلى الدرس أنت معكّرٌ، ماذا تفعل في الدرس، تزداد عكَرًا، تصوَّر الواحد قال للطبيبُ أنا لما أكون صحيحا آتي عندك، لا بالعكس ؛ يجب أن تأتيه مريضا، حتى يعالجك، فالإنسان أحيانا يشعر بضيق يأتي إلى مجلس علم ينشرح صدرُه.
 فيا أيها الإخوة الكرام ؛ هذه الآية دقيقة جدًّا، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾

 

[سورة الأعراف]

 دائما يتأفَّف، دائما يتشكَّى، هذا نموذج، التشكِّي و التأفُّف نموذج.
 أيها الإخوة ؛ الآن مراحل الشيطان ؛ أول هدف من أهداف الشيطان يدفع الإنسانَ إلى أن يكفر بالله عزوجل، يدفعه إلى أن يشرك به، فإن لم يستطع يأمره بالكبائر فإن لم يستطع يأمره بالصغائر، فإن لم يستطع يغريه بالمباحات، و هناك تسلسلٌ، أول هدف من أهداف الشيطان أن يحمل الإنسان على الكفر، أو على الشرك، فإذا كانت عقيدةٌ هذا الإنسان قويَّةً و متينة و متماسكة لا يستطيع ان يفعل هذا، ماذا يفعل، ما الذي يأتي بعد الشرك و الكفر ؟ أن يبتدع، أن يبتدع في الدين بدعةً تحرِفه عن مساره الصحيح، و الذي حصل أنَّ كلَّ أناس أضافوا على الدين شيئًا إلى أن أصبحت معالمُ الدين مختلفة، و لا يصلح آخرُ هذه الأمة إلا بما بما صلح به أوَّلُها، و أنا ذكرتُ قبل يومين التجديدَ في الدين فقط كما يلي:
 أن تزيل عنه ما علِق فيه مما ليس منه، بيتٌ ؛ التجديد لا يعني أن نضيف غرفةً و لا أن نحذف غرفةً، و لا أن نبنيَ طابقا جديدا، التجديد لهذا البيت أن نزيل عن حجارته اللَّون الأسودَ الذي علق به من مئات السنين، هذا هو التجديد، و اللهُ عزوجل تولَّى بذاته أن يبعث على رأس كلِّ مائة عام من يجدِّد لهذه الأمة دينها، "مَن" لا تعني واحدًا، بل تعني الآلاف، و العشرات و كل إنسان أعاد الدينَ إلى ينابيعه و إلى أصالته و إلى صفائه و إلى منطقيَّته و إلى واقعيَّته، فهذا مجدِّدٌ للدين، فأول هدف من أهداف الشيطان أن يحمل الإنسان على الكفر ثم على الشرك، فإن لم يستطع و كانت عقيدتُة صلبةً يدفعه إلى أن يبتدع بدعة في الدين تحرف الدين عن مساره، فلذلك الشيء الذي لا يُصدَّق أنك ترى حال المسلمين بعيدًا جدًّا عن أصل دينهم قد يصبح الدينُ غناءً و قد يصبح الدينُ رقصًا، و قد يصبح الدينُ فُلكلورًا أساسا مما يُؤسَف له أن القرآن الكريم قُرِئ في باريس على أنه فلكلور شرقي، كتاب الله، منهج السماء إلى الأرض قُرِئ في باريس على انه فلكلور شرقي، حتى المثقَّفون الإسلاميون يقولون: الدين تراث، و كلمة تراث تعني أنه أرضي، تقاليد و عادات و ثقافة، و الدين وحيٌ من عند الله عزوجل، لذلك اللهُ عزوجل في القرآن رتَّب المعاصي ترتيبا تصاعديًّا، ذكر الفحشاء و المنكر و الإثم و العدوان و الشرك و الكفر و جعل في قمة هذه المعلصي:

 

﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)﴾

 

[سورة الأعراف]

 أن تبتدعوا، لذلك قال: النصيحة تُكتَب على ظهر:اتَّبِع، لا تبتدع اِبتضِع ترتفع، الورِع لا يتَّسِخ، فإذا كان هذا الإنسان من أهل السُّنة يعلم سنة رسول الله لم يستطع الشيطانُ أن يحمله على البدعة، أوَّلُ محاولة باءت بإخفاق -الفشل هو الضعف -خطأٌ شائع، صوابه الإخفاق، أوَّلُ محاولة باءت بإخفاق، و ثاني محاولة باءت بإخفاق، بقي عليه أن يحمله على كبيرة، فإن كان ورِعًا، فإن كان متبصِّرا أيضا تخفق خِطَّتُه، بقي عليه أن يحجمله على صغيرة، و قد قال عليه الصلاة و السلام-دقِّقوا-:

((لا صغيرةَ مع إصرار و لا كبيرة مع استغفار))

 طريق أوتوستراد - ما اسمُه ؟ هاي واي، طريق على يمينه وادٍ سحيق و على يساره واد سحيق عريض جدًّا، و تقود مركبة، لا صغيرة أن تحرف المٍقوَد سانتيمتر واحد لو ثبَّتتَ هذا الانحراف على الوادي، هذا معنى قول النبيِّ:

((لا صغيرة مع إصرار و لا كبيرة مع استغفار ))

 أما الكبيرة أن تحرِفه تسعين درجة فجأةً، هذه الكبيرة الصغيرة سانتيمتر، وز هذا السانتيمتر إذا استمرَّ أدى إلى نتائج الكبيرة هذا معنى قول النبيِّ عليه الصلاة السلام:

((لا صغيرة مع إصرار و لا كبيرة مع استغفار))

 هذا الشيء الثاني يحمله على الكفر فإن لم يستطع فعلى الشرك، فإن لم يستطع فعلى الابتداع، فإن لم يستطع فعلى الكبيرة، فإن لم يستطع على الصغيرة، فإن لم يستطع ؛ تالآن دقِّقوا ؛ يدفعه التحريش بين المؤمنين، هذه مهمَّته الأولى، وقفتَ ووضع عينَه في عينيك و لم يسلّم عليك، هذا أخ هذا، و أنت لستَ منتبِها أبدا، تجد مهمة الشيطان الأولى يوقع بين المؤمنين، أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء تأكَّدوا مائة في المائة أن كل مشكلة تنشأ بين المؤمنين هي بسبب فعل الشيطان، يوقع بين المؤمنين العداوة و البغضاء، و النبيُّ عليه الصلاة و السلام كان مع أصحابه فمرَّ رجلٌ فقال أحدُ صحابه: و اللهِ إني لأحبُّ هذا يا رسول الله، قال: قُم فأعلمه، أنا واللهِ البارحة التقيتُ بأحد إخواننا اليوم غائب قلتُ له: و اللهِ إني لأحبُّك، صدقا، إذا تحبُّ أخًا فأبلِغْه و متِّن علاقتك معه، مرِض عُده، أصابه همٌّ واسِه، أصابته نعماءٌ هنِّئْه، و التهنئة واجب، و التعزية واجب و المعاونة واجب، و المواساة واجب، والإقراض واجب، أساسه الجار، قال عليه الصلاة و السلام:

((أتدرون ما حق الجار ؟ إذا استعان بك أعنتَه و إن استنصرك نصرته و إن استقرضك أقرضته و إن أصابه خيرٌ هنَّأته و إن أصابته مصيبةٌ عزَّيته و لا تستطل عليه ببناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، و إذا اشتريت فاكهةً فأهدِ له منها، فإن لم تفعل فأدخِلها سرًّا، و لا يخرج بها ولدُك فيغيظ ولدَه و لا تؤذِه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منه ))

 إخواننا الكرام، يقول عليه الصلاة و السلام عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ))

[رواه مسلم]

 أي تكاد تكون مهمَّة الشيطان الأولى التحريش بين المؤمنين و الإيقاع بين الزوجين، يتكلم كلمة قاسية فتردُّ عليه بأقسى، تحاربوا، هذا من فعل الشيطان، لذلك اِعرِف من عدوُّك، اعرف أن الشيطان،كما قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾

 

[سورة فاطر]

 الآن، لم يقدر على الإنسان ان يكفر، عقيدته متينة، و ما استطاع ان يحمله على الشرك، موحِّدٌ، و ما استطاع أن يحكم على كبيرة يعلم أحكام الشرع، ما استطاع ان يحمله على صغيرة ورِع، ما أمكنه أن يحمله على بدعة، يعلم السنة، و اللهِ شيءٌ ممتاز، و لا كبيرة و لا صغيرة و لا بدعة و لا كفر و لا شرك، و علاقته مع إخوانه طيِّبة جدًّا بقي لهذا الشيطان بابًا، المباحات، باب المعاصي بالمباحات، يبذل وقتَه كله للعناية بوضعه، وقتا ثمينا يُبذَل، و الهدف صغيرٌ، أما الوقت ثمين هذه المباحات إذا تعمَّقنا فيها و اعتنيا بها و بالغنا في العناية بها صرفتنا عن الله عزوجل، هذا باب من أبواب الشيطان على المؤمنين، كفرٌ و شرك و ايتداع و كبيرة و صغيرة و تحريش بين المؤمنين، و مباحات، يقول الله عزوجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)﴾

 

[سورة البقرة]

 الشيطان كما يقول العلماءُ ذكيٌّ جدًّا، يأتي إلى الزاهد من باب الزهد، يأتي إلى العالِم من باب العلم، و يأتي إلى الجاهل من باب الجهل، كلُّ إنسان له مفتاح عند الشيطان، أحيانا من باب المال، و أحيانا من باب المرأة، و أحيانا من باب العلوِّ في الأرض، أحيانا لا يتراجع، مكانتُه، يلقي في رُوعه أنه أنت يجب أن لا تتراجع، مع أن النبيَّ عليه الصلاة و السلام وقف موقفا مذهِلا، لحكمة بالغة بالغة أرادها اللهُ حجب اللهُ عن نبيِّه الموقعَ المناسبَ في موقعة بدرٍ، حجبها عنه وحيًا و اجتهادا و إلهاما، أعطى أمرًا أن يقف الجنودُ في هذا المكان، جاء صحابيٌّ جليل اسمُه الحُبابُ بن المنذر ؛ و اللهِ يا أيها الإخوة ما رأيتُ أكثرَ أدبًا من هذا الصحابي، قال: يا رسول الله ؛ هذا الموقع وحيٌ أوحاه اللهُ إليك أم هو الرأيُ و المشورةُ ؟ أي إذا كان وحيا و لا حرف، أما إذا كان اجتهادا، قال: بل هو الرأي و المشورة، قال: و اللهِ ليس بموقع، غير مضبوط، رأيتَ الأدب، أم تقول غيرة، يقول سيدنا عمر: أنا أريد أميرا إن لم يكن أميرا أمَّر نفسه، و إن كان أميرا بدا كأنه واحدٌ من إخواني، فسيِّدنا الحبابُ غارَ، سأل النبيَّ أولاً، هل هذا الموقف وحيٌ ؟ إذا وحي لا كلام أما إذا اجتهاد فليس بموقع، النبيُّ عليه الصلاة و السلام و بكلِّ بساطة و بكل راحة قال له: أين الموقع المناسب ؟ دلَّه عليه و قال: هذا الصواب و أعطى أمرا بالانتقال، ما اسم هذه الفضيلة ؟ هذه فضيلة نادرةٌ، اسمُها الرجاءُ الرجوع إلى الحق، هذه الفضيلة من أعظم الفضائل، أنت سيِّدُ البيت و سيد الأسرة سيد هذا الموقع و أنت الموقع القيادي تراجعتَ سمعتُ عن قصة عن طبيب في مصر في مستوصف حكومي جاء أبٌ مع ابنه عالج الابن ووصف الدواءَ، و الابن نسي و أعطاه عيارة كبيرة، و يبدو أن الدواءَ خطيرٌ، و العيارُ الكبير يُميت الطفلَ، و خرج الأب و ابنُه و ليس عنده أيَّ علم باسمه و بلا عنوانه وشعر أنه قاتل للطفل، اتَّصل بالتلفزيون و قطعوا البرامج و طلعت لوحة أنه في المستوصف الفلاني هناك أب وابنه أخذوا وصفةً يجب أن يمتنعا عن أخذ هذه الوصفة، هذا الطبيب ضحَّى بسمعته إنقاذا لهذا الطفل، ما الذي حدث ؟ عكس ما كان يُتوقّع، ارتقى إلى أعلى علِّيين، حرصُه على سلامة هذا الطفل كانت أغلى عليه من سمعته.
 فيا أيها الإخوة ؛ المؤمن يسعى جاهدا إلى أن يرجع إلى الصواب، فالنبي كان قدوةً لنا حينما رجع إلى الحق، و قل له هذا هو الصواب أعطى أمرا، وهذا نوع من أنواع، الشيطان أحيانا يدخل على الإنيان أنه أنت حكيت، و إيَّاك أن تتراجع، هذا مدخلٌ أيضا، وطِّنْ نفسك، و أنت مع الحق حيث ما دار الحقُّ، كنت معك في عملك، رئيس مركز، أو كنت في بيتك سيد هذه الأسرة، إذا وُجِد خطأ تراجعْ، هذا من تقوى الإنسان.
 و هناك شيءٌ آخر ؛ الشيطان حينما يدخل على المؤمنين عن أيمانهم، أحيانا من عاقبتهم، يلقي شبهات في العقيدة، و النبيُّ عليه الصلاة و السلام قال، و علَّمنا أن نطلب العلمَ، قال تعالى:

 

﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾

 

[سورة الفرقان]

 و قال تعالى:

 

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 إذا كانت قضيَّة متعلِّقة بالدنيا، قال تعالى::

 

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 و إذا قضية متعلقة بالآخرة، قال تعالى:

 

﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾

 

[سورة الفرقان]

 شيءٌ آخر، عن أبي إدريس الخولاني قال: دخلتُ مسجد دمشق الشام فإذا أنا بفتًى برَّاق الثنايا و إذا الناسٌ حوله إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه و صدروا عن رأيه، فسألتُ عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغدُ هجَّرتُ فوجدتُ قد سبقني بالهجير إليه، و قال إسحاقُ بالتهجير و وجدتُه يصلي فانتظرتُه حتى إذا قضى صلاته جئتُه من قِبَل وجهه فسلَّمتُ عليه، فقلت له: و اللهِ إني لأحبُّك لله عزوجل، فقال الله، فقلتُ: الله، فأخذ بحبوة ردائي فجذبني إليه و قال: أبشر لإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: قال الله عزوجل:

((وجبت محبَّتي للمتحابين فيَّ و المتجالسين فيَّ و المتباذلين في و المتزاورين فيَّ، و المتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبِّيون يوم القيامة ))

 أي أعلى علاقة بين شخصين الحب في الله، فهذه الأخوة يجب أن نحرص عليها و يجب أن نصونها من الضعف، و كل شيء يقوِّيها أُمِرنا به، و كل شيء يضعضِعها نُهِينا عنه، اِحرص على أخيك، لأنه أثمن شيء لك، لأَن تخسر الدنيا و تربح أخاك فأنت الرابح الأول، و يقول الله عزو جل:

(( المتحابون في جلالي على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم الأنبياء و الشهداء))

 و الذي قلتُه قبل قليل، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:

((إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحْبِبْهُ))

[رواه أحمد]

 لذلك قال عليه الصلاة و السلام:عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ البخاري]

 حدَّثت أخا كريما، و قلت له: الطبيب ينطبق عليه حديثُ رسول الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ قَالَ أَبُو دَاوُد لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ))

[رواه مسلم]

 و دائما و أبدا إذا أردت أن تعرف مقامك فانظُر فيما استعملك، إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظُر فيما استعملك.
 سيِّدنا ابن عبَّاس كان معتكِفا، و رأى رجلا مهموما، قال له: ما لك يا فلان ؟ قال:هموم لزمتني لديون لا أطيق سدادها، قال: لمَن ؟ فقال: لفلان، قال: أتحب أن أكلِّمه لك ؟ قال: إذا شئتَ، فخرج ابنُ عبَّاس من معتكَفه فقال له رجلٌ: يا ابن عباس أنسيتَ أنك معتكِف ؟ قال: لا، و لكنني سمعت صاحب هذا القبر، و العهدُ به قريب، و اللهِ لئن أمشي مع أخي في حاجته خي لي من الدنيا و ما فيها، و خير لي من صيام شهر و اعتكافه في مسجدي هذا " أي كلُّ واحد منا له عمل، ويتقن عمله و ينال منه أجرا وفيرًا، لكن جرِّبْ أن تعمل عملاً لا تنتفع به إطلاقًا إلا أنه يرضي اللهَ، أي عملًا خالصا لله، و كن صادقا مع نفسك، تشعر بسعادة لا تُوصف، حدَّثني مرةً أخٌ، قال لي: جئتُ من الزبداني إلى الشام في أيامك الصيف، الساعة الثانية عشر كنتُ في دُمَّر، وجدتُ رجلا و إلى جانبه امرأة و هي زوجته يحملان طفلا وهما مضطربان، وقفتُ، الابن حرارتُه واحد و أربعون، و في أثناء أحداث لبنان يبدو أن الأب و الأمَّ غرباء و الطفل مريض جدًّا، و الساعة الثانية عشر و لا أحد، قال: أخذتُهم بسيارتي، و طبيب مُناوب في المستشفى إلى الساعة الرابعة، و القصة طويلة، حتى أمَّن الدواء و الحُقنَ و العلاج كاملا، يقسم بالله هذا الأخُ قال لي: عشرة أيام يشعر بسعادة لا توصَف، جرِّبْ عملا ليس لك فيه مصلحة، لله، و هناك أخٌ من إخواننا بالشام طبيب أسنان، زارته مريضة فقيرة جدًّا، و يبدو أن المبلغ فوق طاقتها، فنوى ان يجرِيَ لها العملية مجَّانا، إصلاح أسنان، قال لي: في حياتي ما شعرتُ بسعادة كهذا العمل، عنده مئات الزبائن، و كلُّ زبون يشتغل معه يأخذ منه، و حينما تعمل لله عملاً خالصا، هذا هو العمل الصالح، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

[سورة الكهف]

 هذه الآية دقيقة جدًّا، إن أردتَ الاتِّصالَ بالله، و بالمناسبة يا إخواننا إن طبِّقتَ الأمر و النهيَ سلمتَ، و إن عملتَ العمل الصالح سعِدتَ، بتطبيق منهج الله تسلم، لكن بالعمل الصالح تسعد، و كلُّ واحد منا يبتغي السلامةَ و السعادةَ، السلامة من الآفات و العيوب و الفقر و القهر و المرض و الشدَّة، هذا مطلبٌ أساسيٌّ عند كل إنسان، المبتغى الثاني السعادة، السلامة سببُها طاعة الله، و السعادة سببُها العملُ الصالح، و كل إنسان مطلبُه الأساسي السلامة و السعادة.
 الآن ؛ أحدُ مداخل الشيطان على الصالحين، نحن نخاطب مؤمنين، هناك مدخل خفيٌّ عن الشيطان، تضخِّم شيئا في الدين و تخفِّض شيئا، الدينُ متوازن، الواحد أتقن علم التجويد، يجعل الدين كلَّه تجويد، غير هذه الأحكام لا، و يهمل أشياء كثيرة، تضخيم جانب على حساب جوانب، هذا مدخل من مداخل الشيطان، و هناك شيء آخر، اختصاصه يراه أعظمَ اختصاص و يحتقر بقية الاختصاصات، هذا مدخل من مداخل الشيطان نحن نقول: الدينُ واسعٌ جدًّا، أناسٌ غطُّوا العقيدةَ، و ناسٌ غطوا التفسير و ناس غطوا الحديث، و ناس غطوا الفقه، كلُّ إنسان شدَّ ثغرةً في الدين و هم عند الله سواء، الأصولي يحتقر الاختصاصات الباقية، هذا أيضا من مداخل الشيطان، يكون شرخًا بين المؤمنين، و النبيُّ عليه الصلاة و السلام معصوم بمفرده، بينما أمَّته معصومة بمجموعها، بمعنى أن كلَّ إنسان تفوَّق في شيء و غابت عنه أشياء.

 

قل لمن يدَّعي في العلم فلسفةً  حفظتَ شيئا و غابي عنك أشياءُ
***

 

 مرَّة، عالِم شاب صار حوله إقبالٌ شديد، و الناس اجتمعوا حوله، و طرِبوا لدعوته، و تأثَّروا لها، هذا الشيء أثار حفيظة الكبار، فجاء عالمٌ كبيرٌ يريد أن يصغِّر و يحجِّم هذا العالم الناشئ، جلس في درسه، و الناس أقبلوا عليه، و بعد أن انتهى الدرسُ قال له: يا فتى هذا الذي قلتَه ما سمعناه،، قال له: يا سيِّدي و هل تعلَّمتَ العلم كلَّه ؟، انحرج، فإذا قال له: كله غلطان، قال: تعلَّمتُ شطرَه، قتال: هذا من لشطر الذي لا تعرفه.
 أحيانا الإنسان يلهِمه اللهُ، مرةً كان أبو حنيفة عند المنصور،و عنده قاضٍ من أعداءه، و القاضي أراد أن يحرجه، قال له يا أبا حنيفة إذا أمرني الخليفةُ بقتل رجل أأقتله أم أتريَّث، و لعله مظلوم، ما رأيك بهذا السؤال و المنصور قاعد، إذا قال له: اقتله أغضب اللهَ، لا تردَّ عليه، أغضب المنصور، قال له: الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ إذا على الحق فكنْ مع الحق، فلما خرج قال: أراد أن يقيِّدني فربطتُه، أحيانا الإنسان يُلهَم الجواب الدقيق جدًّا، قال المنصور لأبي حنيفة لو تغشَّيتنا، قال: و لِم أتغشَّاك، و ليس لي عندكم شيءٌ أخافكم عليه، و هل يتغشَّاكم إلا من خافكم على شيء، إنك إن قرَّبتني فتنتني و إن أبعدتني أزريتني، له طبعا قصص كثيرة.
 دخل وفدٌ مكن المهنِّئين على سيدنا عمر بن عبد العزيز، وفد الحجازيين، قدَّموا غلاما صغيرا، عمره عشر سنوات، انزعج الخليفة، قال له: أيها الغلام اجلِس، وليَقُم من هو أكبر منك سنًّا، الغلام قال: أصلح اللهُ الأمير المرءُ بأصغريه قلبه و لسانه، فإذا وهب اللهُ العبد لسانا لافظًا و قلبا حافظا فقد استحقَّ الكلامَ، و لو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحقُّ منك بهذا المجلس.
 و دخل مرةً وفدٌ على عبد الملك بن مروان، خليفة من الأمويين، و يبدو أن هناك غلام انزعج، اخرج وأتِ بالحاجب، قال له: ما شاء أحدٌ أن يدخل عليَّ إلا دخل حتى الغلام، حتى الصبيان، وقف الغلامُ، و قال: يا أمير المؤمنين إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك و لكنه شرَّفني، أصابتنا سَنَةٌ أذابت الشحمَ ؛ كان هناك شحم فذاب، و سنة أكلت اللحمَ، و سنة دقَّت العظم، و عندكم فُضولُ مال، فإن كان لله فنحن عباده، و إن كانت لكم تصدَّقوا بها علينا، و إن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا ؟ قال: و اللهِ ما ترك هذا الغلام لنا في واحدة عذرًا، كلام بليغ.
 سيدنا عمر يمشي في الطريق، مجموعة غلمان، كان عظيم الهيبة، لما رأوه تفرَّقوا إلا واحدا منهم بقي واقفا، فقال له: يا غلام لِمَ لم تهرب مع من هرب ؟ قال له: أيها الأمير لستَ ظالما فأخشى ظلمك، و لستُ مذنبا فأخشى عقابك، و الطريق يسعُني و يسعُك، هناك أجوبةٌ، يسمُّونها مفحِمة، واحد أراد أن ينصح خطيبته قال لها: إنك كلُّك سوءًأ، فقالت له: إن أسوأ خلق منك مَن حاجك لسوء الخلق، تزوجوا طبعا، الخطبة كلها ربعه ساعة، و بعد سنتين يأتي و تُسحَب منه كلَّ السحب.
 الإنسان أحيانا يأخذ جانبا من الدين ضيِّقا و يقتصر عليه، الدين له ثلاثة جوانب ؛ جانب معرفي و جانب سلوكي و جانب زمني، و كل إنسان اكتفى بجانب هذا متطرَِّف، و كلُّ إنسان تحرَّك في الجوانب الثلاثة، هذا متفوِّق، لا يكفي علمٌ، مؤلَّفات و كتب و نظريات و واقع المسلمين وواقع الأجانب و المكائد و المؤامرات، و أين أنت، و إذا أتقنت علم ابن مالك إنسان يكتفي بجانب على حساب جوانب، هذا أحد مداخل الشيطان، لا بدَّ من التوازن، و عندنا شيء اسمه كاريكاتير، في الكاريكاتير ينمو الرأسُ على حساب الجسم، أو الجسم كبير على حساب الرأس، هناك وضع غير طبيعي، الكاريكاتير الإنسان مشوَّه، فكل دين كاريكاتير فيه مبالغة من جهة، و هناك بعض الأشخاص عندهم وضعٌ عجيب، يعطيك سؤالا سمسمة معلقة بين أسنانه ماذا أفعل، تفضَّل يا أستاذ، تكون له كلمة، يدقِّق على سمسمة بين أسنانه، أنا فطرتُ و ما فطرت، و له من دون ذك أعمال يندى لها الجبينُ.
 هذا النموذج المتناقض، بالتعبير العامي يبلع الثور بغصب الذَّنب، هذا أيضا من مداخل الشيطان، غير متوازن، تارك للفرائض و في لاحج لا بدَّ أن يقبِّل الحجر، يؤذي المسلمين، و تقبيله سنة و فرضٌ عليه أن لا يؤذي المسلمين، يؤذي المسلمين بيده و بغلظته و بفضاضته.
 أنا مرةً شبَّهتُ تشبيها ؛ لو فرضنا أبًا حوله خمسةُ أولاد، و عنده ابنٌ منحرف، جاء و مسك أول أخٍ و ضربه كفَّين فأصفعه و الثاني رفسَه برجله و الرابع نعَره بصدره، و يقبِّل يد أبيه في مقابلة " البوكْس " و اللهِ هذا في الحج يحدث يا إخوان، تجد العنفَ في التقبيل غير معقول، هذا حج هذا ! تؤذي المسلمين من أجل أن تقوم بسنَّة، هذا من مداخل الشيطان يفعل سنةً و يلغي فرضًا، عندنا كثير من الناس حجَّ سبعا و ثلاثين حجَّة، و أولاده بلا زواج، و من حقِّ وليِّ أمر المسلمين أن يمنع سنةً أدَّت إلى ترك واجب، واجب الأب في هذه الأيام أن يزوِّج أبناءه و أن يحصِّنهم كأنه مرتبٌّ لعدَّاد، لا بدَّ أن يحجَّ ثلاثين حجَّةً، كل سنة، و أولادُه مقصِّرٌ في حقِّهم، تركهم بلا زواج، أنا ضد التناقض و عدم الانسجام، الدين متوازن هذا أيضًا من مداخل الشيطان.
 الآن عندنا نغمةٌ جديدةٌ، يسمع الناسُ إلى الفضائيات، حوار حول قضايا خلافية في الدين، أصل الدين ليس لابسًا له، معقول الواحد ما درس الطبَّ إطلاقا، يحبُّ أن يفهم الأصحَّ إذا الواحد معه مرض القلب هل يعمل الرياضة أو لا يعمل الرياضة، أرتاح أم أمشي، أنت لم تدرس أصول الطبِّ، هناك أشياء أساسية، و أكثر المسلمين في غفلة عن أصول الدين، رأسًا يدخل في الخلافيات و يتابعها، و يقول: فلان معه الحق، فتوى غلط، أنت أين ؟

يقولون هذا عندنا غير جائز  فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ
***

 تجد الأخَ محور العالَم هو، غير معقول، أنت مرجع ؟! عقلك مرجع ؟! لا يلتهي، و من أنت ؟ حتى لا تقبلها إذا كانت آيةً قرآنية.؟
 مرة كانت هناك ندوة في محطة فضائية، قال: لا بدَّ أن نعمل بدائل للردع القرآني، الله عزوجل أعطى ردعا لبعض المعاصي الكبيرة، هو هذا الردع لم يعجبه، بدِّله، فصار نوعا من الشطط، و هذا كلّه من مداخل الشيطان تبديل أساليب منهج الله عزوجل.
 و عندنا مدخل للشيطان هو التسويف، متى ؟ حتى أتزوج، فـزوج، وحتى أشتري بيتا، فاشترى بيتًا، متى ؟ حتى أتعيَّن، فتعيَّن، هلك المسوِّفون، هذا أحد مداخل الشيطان

 

ما مضى فات و المُؤمَّل غيب  و لك الساعة التي أنت فيها
***

 لا تملك إلا الساعة التي أنت فيها، أنت بين يوم مفقود و يوم مشهود و يوم موعود و يوم مورود و يوم ممدود، عندنا خمسة أيام، و أخطر يوم اليوم المشهود، الذي تعيشه المفقود، و المورود لا بدَّ من أن ترِده بحسب المشهود، و الممدود بحسب المشهود، أخطر يوم هو اليوم المشهود، هذا أيضا مدخل من مداخل الشيطان.
 و هناك مدخل آخر هو الغرور، المجدُ تصوَّروه جبلا، و الصعود إليه شاقٌّ، طريق وعْر فيه أكمات و فيه حُفر و فيه غبار، لا تصل إلى هذه القمة إلا بشق الأنفس، وصلتَ إلى الفوق، و بالمناسبة البطولة لا أن تصل إلى القمة، أن تبقى فيه، الغرور فوق، و هناك طريق تحت سيراميك مع صابون، حينما تغترُّ تسقط، و الغرور أكبرُ مرض يصيب الناجحين في الحياة، و النبيُّ عليه الصلاة و السلام لمَّا فتح مكةَ فتحها مطأْطِأ الرأس، كادت ذؤابةُ عمامته تلامس عنقَ بعيره تواضعا لله عزوجل، و الإنسان أحيانا يقول: أنا علم متراكم، خبرات، أنا تعبتُ كثيرا حتى وصلت إلى هنا، قل: اللهُ عزوجل تفضَّل عليَّ، و عندنا أخٌ بالشام قدَّم بيتا من ثمانية ملايين ليرة لجمعية تعاونية، حتى يكون مقرًّا لتهيئة الفقيرات لحِرفة الخياطة في العفيف، طبعا القصة قديمة، و ثمانية ملايين مبلغٌ ليس بالقليل سابقا، قدَّمه فصار هناك حفل تكريم لهذا المحسِن، و الخطباء أشادوا بإحسانه و كرمه و إعطائه، و هناك أخٌ من إخواننا حكى كلاما معاكسا، قال له: أيها الأخ الكريم كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا نعطيك في الشهر خمسمائة ليرة و تعطينا هوّيتك و توقِّع على المبلغ، لكنَّ اللهَ أكرمك و جعلك تعطي، ممكن أن تكون آخذًا و لا تعطي و اللهُ أكرمك فجعلك تعطي، جعلك بعلم عالٍ، و أعطاك اختصاصا، ممكن الواحد يكون في ذهنه كثير من المسائل من دراك المجتمع، و الله عزوجل كرّمك فدائما قل الله تفضَّل عليَّ، الله كرَّمني و اللهُ سامحني و اللهُ أغناني و اللهٌ زوَّجني، حينما تنسب الفضل إلى الله فأنت في فضل و فضل، و حينما تعزوه إلى نفسك فهاك خطر أن يُؤخذ منك، هذا مدخل آخر، و الغرور مدخل آخر.
 هناك مدخل أخير هو المدخل السابع من مداخل الشيطان، يأتي الشيطان يشكِّكك في نفسك، أنت نيَّتك م هذا المجيء ليس طيِّبة، إذا لا تأتي يقولون أين فلان ؟ و حتى تتلافى هذا الذنب تأتي إلى الدرس، هذا مدخل، أنت نيَّتك عالية طيِّبة، و لكن أدخل فيك هذا الشكَّ، أنت في العادة تصلي الضحى، عندك ضيف، تقول: لا أنا لا أصلِّ أمامه،هذه من الشيطان أيضا، صلِّ، من ترك العبادةَ خوف الناس فهو شرك، و من فعلها لناس فهو رياء، من تركها خوف الناس فهو شرك، هذا كذلك مدخل، أنها تشكِّكك في نفسك، و النبي قال:

 

(( نفسك مطيتك فارفق بها ))

 و هذا مدخل أيضا، هناك مدخل -معقول كله أخير - باقي واحد.
 آخر مدخل، قبل الأخير -احتياطا - كلُّ هؤلاء الناس مخطئين و أنت على الصواب، نعم، اللهُ عزوجل قال:

 

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾

 

[سورة الأنعام]

 أحيانا تجد الناسَ كلهم فلتانين، فيفلت معهم، مثل الآن، أحيانا الناسُ كلُّهم متأثِّرة فيتأثر معهم، كل الناس مسرورون، ليس هناك ازدراء، كلُّ هؤلاء الناس مخطئين، و أنا وحدي على صواب، لا، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾

 

[سورة الأنعام]

 هذه بعض مداخل الشيطان على المؤمن:
 ممكن الآن فقط استعراض سريع، حينما يتوهَّم ان الكثرةَ المنحرفة تنجي المنحرف، هذا مدخل، و حينما تصغي إلى تشكيك الشيطان بنواياك، هذا مدخل ثانٍ، و حينما يقع الإنسان في الغرور مدخلٌ ثالث، و حينما يقع في التسويف مدخل رابع، و حينما، ما أضلَّ اللهُ قوما بعد إذ هداهم إلا ابتُلوا بالجدل، العيب أن الناسَ يحبون العيَّ كثيرا، قال عليه الصلاة و السلام، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ))

[رواه البخاري]

 فهذا أيضا من مداخل الشيطان، فالانشغال بالخلافيات و الاهتمام بجانب من الدين و إهمال جوانب أخرى هذا أيضا من مداخل الشيطان، و تضخيم جانب على حساب جانب من مداخل الشيطان، هذه بعض مداخل الشيطان على المؤمنين، أنا أخاطب المؤمنين هناك بعض الدعاة يهاجم المنكرات التي لا يمكن أن يفعلها مؤمنٌ أمام المؤمنين، هذا الكلام ليس للحاضرين، الذين أمامك لا يفعلون هذا، و الذين يفعلون هذا ليسوا أمامك، أنت أكون أخاطب مؤمنا يعرف الله و يخشى اللهَ و يرجو رحمته، هذه مداخل الشيطان على المؤمن، فأرجو اللهَ سبحانه و تعالى أن نكون قد أفدْنا بهذا الموضوع.

 

تحميل النص

إخفاء الصور