وضع داكن
28-04-2024
Logo
رحلة أمريكا 2 - المحاضرة : 05 - التعاون واجب ديني.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام ؛ محورُ هذا اللقاء: التعاون واجبٌ ديني، التعاون لقول الله عز وجل:

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[سورة المائدة]

 قال علماءُ الأصول - دقِّقوا - كلُّ أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوبَ ما لم تقُم قرينةٌ بخلاف ذلك، قال تعالى:

 

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

 

[سورة الكهف]

 اللام للأمر، فإذا كفر الواحد وقال: إن اللهَ أمرني بالكفر، نقول له: هذا أمر تهديد، هذه قرينة أخرى، قال تعالى:

 

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾

 

[سورة البقرة]

 هذا أمر إباحة، و قال تعال:

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾

 

[سورة النور]

 هذا أمر ندب، و قال تعالى:

 

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاة﴾

 

[سورة البقرة]

 هذا أمر وجوب.
 قال علماء الأصول: كلُّ أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة بخلاف ذلك، ومعنى القرينة، تقول: في بيتنا زهرة، أي نبات، إذا قلت:تلعب لم تعُد نباتا، صار طفلا، لأن الزهرة لا تلعب فهذه قرينة مانعةٌ من تصور المعنى الحقيقي، فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوبَ، يقول الله عز وجل

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

 

[سورة المائدة]

 هذا أمر يقتضي الوجوب، و مشكلة المسلمين أنهم فهموا الدينَ خمسَ أوامر، واللهِ لا أبالغ لعلَّه خمسمائة ألف أمر، لعله مائة ألف أمر، في بيتك في بيعك و في شراءك و في أفراحك و في أقراحك، وفي سفرك و في حلِّك و في ترحالك و في لباسك، منهج كامل، و لكن أتمنى من كل قلبي أن سيفهم المؤمنُ أوامر الدين كما لو كان متجوِّلا في حقل، فإذا بلوحة كُتِب عليها احذرْ حقل ألغام، هل تشعر بحقد على من وضعها ؟ لا، هل هي قيدٌ لحرِّيتك ؟ لا، هي ضمان لسلامتك، الجاهل يرى أوامر الدين قيدًا، أما العالم يراها ضمانا للسلامة، إذا قلنا: احذرْ من الاقتراب من التيار، هذا قيد للسلامة، ضمان للسلامة، وليس قيدا للحرية، فالإسلام منهج كامل، أوضِّح بمثل، خطر لي خاطرٌ و أنا في طريقي إليكم، أحيانا الإنسان يشتري دولاب سيارة، هل هذه اسمها سيارة ؟ قد يشتري محرِّكا ؟ قد يشتري بابا، هذه أشياء لها ثمن، و لكن ليست سيارة السيارةُ فيها تكامل،فيها محرِّك، فيها كبين، فيها مقاعد، فيها بنزين فيها كهرباء، فيها بطارية، فيها مِقود، إذا ما توفَّر ثلاثين أو أربعين شرطا هذه ليست سيارة، هذه اسمها "سكراب " كذلك هناك دين " سكراب" يصوم و يحجُّ، الدينُ منهج بكامله، مرةً جلستُ مع طيَّار قال لي: أوَّلاً لا بدَّ أن تنحقن الطائرةُ ثمانية أمثال هوائها لينشأ ضغط على ارتفاع أربعين ألف قدم يساوي ضغط الأرض، و لو تعطَّل جهازُ ضغط الهواء يجب أن يهبط الطيَّار ُهبوطًا اضطراريًا، لأن الركاب عندئذٍ يخرج الدمُ من آذانهم، اختلف الضغطُ، أي هناك في الطائرة جهاز لضخِّ الهواء، حتى ينشأ ضغطٌ على ارتفاع أربعين ألف متر يساوي الضغط على الأرض، قال لي: من أجل تجديد هواء الطائرة، عندنا هواءان هواء المحرِّك ثمانون درجة، و الهواء الخارجي خمسين تحت الصف فإذا سمحنا لهواء الخارجي بالدخول يموت الركابُ بردا، و لو سمحنا للهواء الخارجي يوتون احتراقا، لا بدَّ من جهاز خلط الهواء الخارجي مع هواء المحرِّك، هذا لثاني، و الثالثة قال لي:هناك جهاز تسخين أجنحة، و الجناح قد يتراكم عليه ثلجٌ فيختلُّ وزنُ الطائرة، فنحن عندنا ميزان حرارة، عند الصفر نشغِّل تسخين الأجنحة، و أنت إذا رأيت الطائرة تسير في السماء فيها أكثر من ألف شرط حتى هي في السماء تطير، جهاز التسخين، قال لي: حتى مستودع البنزين لو كان فراغا فقط شيء مضحِك، تقع الطائرة، لو مال على اليمين و مال البنزين على اليمين لوقعت الطائرة، هناك حواجز و ثقوب صغيرة و أجهزة ضخٍّ معاكسة، إذا مال على اليمين تعمل المضخَّاتُ بضخِّ البنزين على اليسار، فحتى ترى الطائرة تطير، معناه انه هناك شروطا كثيرة محققَّة لها، و حتى ترى سيارةً تمشي هناك شروط كثيرة جدَّا، لكن هاك طائرة " سكراب " عندنا في الشام، مطعم في باب الطينة، هذه مطعم و ليست طائرة، شكلها شكل طائرة، فنحن دين " السكراب" يصلي فقط، نده انتماء و عنده عاطفة و عنده أرضية دينية و مشاعر إسلامية، و عنده مكتبة، و يناقش أحيانا، و لكنه ليس ملتزِما.
 أنا أردتُ بهذه المقدِّمة أنَّ كل أمر في القرآن يقتضي الوجوبَ، وأحد هذه الأوامر، قال تعالى:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

 

[سورة المائدة]

 هذا أمر، و الإنسان له طبعٌ و هناك تكليف، و ذكرتُ هذا كثيرا، طبعُ الإنسان أن يملأ عينيه من الحرام، و التكليف أن يغُضَّ بصره، و طبع الإنسان أن يأخذ المالَ، و التكليف أن يدفعه، وطبع الإنسان أن ينام، و التكليف أن يستيقظ، طبع الإنسان أن يخوض في قصص لا علاقة له بها، يستمتع بها، لا ينجب الأولادَ، يقول لك:منه أو منها ؟ ما دخلك في امرأته، و ما دخلك في هذا الموضوع، فضول، و هذا الطبع، أما التكليف.

(( طوبى لم شغله عيبه عن عيوب الناس ))

 و قال عليه الصلاة و السلام، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ))

 

[رواه الترمذي]

 و أنتم تلاحظون أن الطبع يتناقض مع التكليف، هذا ذكرته سابقا، أما اليوم فطبعُ الإنسان فردي و التكليف جماعي، إذا ضعُف انتماؤك للدين تكون فرديا، و إذا ازداد إيمانُك تكون جماعيا، فأنت تشترك و تتعاون و تتضامن وتتكاتف و تؤثر و تضحِّي بقدر إيمانك وتنفرد و تنزوي و تبتعد و تؤثر انتماءك الشخصي بقدر تفلُّتك من منهج الله، الطبع فلادي و التكليف جماعي، فالإنسان يتعلون مع إخوانه بدافع من إيمانه، و يكون فرديا بدافع من طبعه، فالطبع فردي و التعاون جماعي، فالإنسان في طبعه ذو نزعة فردية، أما حينما ينصاع لأمر الله يتعاون مع إخوانه.
 أحيانا حضورك للدرس يدعِّم الدرسَ، و لو أنت لك مقام كبير حضورك لدرس العلم يدعِّم الدرس، يقول لك: فلان حضر و فلان حضر، و فلان قديم جدًّا، فأنت لا تعرف قدر الخير الذي يتأتَّى من دعم الجماعة قال عليه الصلاة و السلام:

(( عليكم بالجماعة وإيالكم و الفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.))

 يروون عن الأحنف بن قيس - و كان من التابعين الكبار - شيء مضحِك هو، قال: كان قصير القامة، أسمر اللون، غائر العينين ناتئَ الوجنتين، ضيِّق المنكبين، أعرج الرجلين، ليس شيءٌ من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب، و كان مع ذلك سيدَ قومه، إذا غضب غضب لغضبته مائةُ ألف رجل، لا يسألونه فيما غضب، و كان إذا علم أن الماءَ يفسد مروءته ما شربه، و كان فصيحا و كان جريئا، مرَّةً معاويةُ جمع وُجهاءَ القوم ليأخذ البيعة ليزيد، تكلَّم كلُّهم و أثنوا على يزيد و بقي الأحنف صامتا، قال له: تكلَّم يا حنف، قال: أخاف الله إن كذبتُ و أخافك إن صدقتَ، فكان تلميحا أبلغ من تصريح، أريد من هذا أن الإنسان في الأساس نزعته فردية، أما حينما يتعاون و يتضامن و يتكاتف و يجتمع يصبح منصاعا لأمر الله عز وجل.
 الآن هناك نزعة اجتماعية تنطلق من نزعة فردية، و كمت تعلمون اللهُ عز وجل قهرنا أن نكون مجتمعين، كلٌّ منا يتقن اختصاصا و بحاجة إلى مليون اختصاص، و معنى قوله تعالى:

 

﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا﴾

 

[سورة النحل]

 من أروع الآيات، أنت مثلا طبيب، يأتيك مريضٌ عنده مشكلة فأنت الآن هذا الموضوع أعلى منه، مفضَّل عليه، أنت نفسك الطبيب عندك مشكلة في سيارتك، تقف أمام المصلِّح و تقول له: لا بدَّ من فكِّ المحرِّك، لم يشتغل، لا بدَّ من فكِّ المحرِّك و هو بهذا المركز أعلى منك، اللهُ عز وجل قال:

 

﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا﴾

 

[سورة النحل]

 كلُّ واحد مفضَّل في شيء مفضول في شيء آخر، فالله عز وجل قهرنا أن نجتمع، في اجتماعنا كلُّ واحد منا يتقن عملا و بحاجة إلى مليون اختصاص، الزِّر الذي في قميصك اختصاص، معامل، تأكل أحيانا خيارة، في هولندا هناك معامل و مؤسسات و هناك دراسات و هناك إفوان، بيد انه طويلة لها معاملة زواج هجين، و إذا كانت نحيفة فلها معاملة ثانية، و إذا كانت خضراء، واللون الأخضر الغامق له معاملة تتحمَّل البرد لها معاملة، لها إفوان، من حالات الزواج متزوجة، حتى أعطتك هذه الخيارة بهذا الطول و بهذا النحف و بهذا اللون و بهذه القابلية و اللمعة و في مقاومة الأمراض و البرد، فكل شيء عالم قائم بذاته، أنت تستهلك جهودا كبيرة جدًّا و دراسات طويلة جدا، في مبنى تأخذ كيلو تفاح، هناك فلاَّح زرعه و اعتنى به و رشَّه و سمَّده، أنت تدفع ثمنَ الخدمة فقط، أما لو أن الله عز وجل ما خلق مادةً غذائية نحن نفتقر إلى ذلك، فنحن مقهورون بالاجتماع.
 هناك نقطة مهمة جدا، قد تجد كافرا اجتماعيا كثيرا، و الإنسان أحيانا يكون اجتماعيا من نزعته الفردية، مصالحه في المجتمع، فتجده لطيفًا جدا، مرنًا جدا لبقًا جدا، هذه صفات اجتماعية ذكية جدا لكنها لا علاقة لها بالعبادة إطلاقا، جزء من الأنانية الفردية و النزعة الفردية، فأنت في حاجة إلى المجتمع فتجد ترضي الناسَ كلهم، أما النزعة الاجتماعية التي هي محور هذا الدرس شيءٌ آخر، عندنا سلوك ذكي و عندنا عبادة الكافر أحيانا عنده سلوك ذكي جدا، و يكمن أن يصل إلى أهدافه بأدقِّ الوسائل، و دائما علاقاته العامة ناجحة جدا، و لذلك المؤمن يتميَّز عن هذا الذي شرد عن الله عز وجل بنزعة جماعية هي تنفيذ لأمر الله عز وجل.
 أيها الإخوة الأنبياء صلوات الله عليهم أعطوا و لم يأخذوا، و الأقوياء أخذوا و لم يعطوا، و نحن بين بين، نأخذ و نعطي، و الحياة أخذ و عطاء، يا من جِئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ، يا من قدَّست الوجود كله و رعيت قضية الإنسان، يا من هيَّأك تفوُّقُك لتكون واحدا فوق اجميع فعِشت واحدا مع الجميع، يا من أعطيت القدوةَ و ضربت المثل و مهَّدت الطريقَ، يا من نهنهْت غريزة القطيع،يا من زكَّيت سيادة العقل، هذل هو النبيُّ الكريم، فالحياة أخذ و عطاء.
 هناك نقطة دقيقة جدا ؛ أنت حينما تؤمن بالآخرة ينعكس ميزانُك، ترى الذكاء و الفلاح و التفوُّق و الفهم و العظمة في العطاء، و إذا كان إيمانُك في الدنيا فقط ترى الذكاء في الأخذ، لذلك قالوا: إذا أردتَ أن تعرف ما إذا ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة اُنظُر ما الذي يسعدك، أن تعطي أم أن تأخذ، إذا كان يسعدك أن تعطي فأنت قطعا من أهل الآخرة، و إن كان يسعدك أن تأخذ دون أن تعطي فأنت من أهل الدنيا.
 أيها الإخوة ؛ هناك شيء دقيق جدا وهو ؛ العمل الفردي لا يثمر إلا أعمالا صغيرة، أما الأعمال الجليلة لا تكون إلا من العمل الجماعي، و هناك أنتم تجارب بين أيديكم، فئة قليلة في المجتمع مسيطرة على المجتمع كله بالتعاون، الفئات القليلة في أكثر المجتمعات الغربية بيدها الاقتصاد و بيدها البنوك و بيدها الجامعات و بيدها الإعلام، مسيطرة و مهيمنة على كل المجتمعات بالتعاون الدقيق جدا، نحن أولى، إذا دينهم على الباطل يتعاونون على قواسم مشتركة قليلة جدا، نحن كمسلمين من باب أولى ظان نتعاون، و معنا الحق و بيننا قواسم كبيرة جدا، هل يُعقَل أن يتعاون الاعداءُ على خمسة من المائة قواسم مشتركة و نتقاتل على تسعين بالمائة من القواسم المشتركة، فالتعاون ضرورة إيمانية، و إن كانت ضرورة إيمانية، أي في كل العصور فنحن في هذا العصر في أمسِّ الحاجة إليها.
 و الحقيقة الآن لن تقوم قائمة للأفراد، هذا عصر التجمعات، و الآن شركات في أوروبا تتجمَّع تعمل " تروست " و إلا، فالعصر الآن عصر حيتان، الحوت يأكل السمك، فما لم يتعاضد السمك يأكله الحوتُ و ينتهي الأمر.
الآية محور هذا اللقاء، قال تعالى:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

 

[سورة المائدة]

 أمر إلهي لأن التعاون قد يكون على الإثم و العدوان، التعاون حيادي، قد يتعاون الكفارُ، و قد يتعاون المجرمون، و قد يتعاون الشاردون، و ينبغي ان يتعاون المؤمنون، لأن التعاون حيادي يمكن أن يكون في الخير كما يمكن أن يكون أن يكون في الشر، فجاء الأمرُ كما يلي:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

 

[سورة المائدة]

 الإثم المعصية، و العدوان التعدِّي، البر الدنيا و التقوى الآخرة، فأنت مأمور أن تتعاون على البر و التقوى، و على صلاح الدنيا و صلاح الآخرة، و منهيٌّ أن تتعاون على معصية أو على عدوان أيها الإخوة هذه الآية أصل في هذا الموضوع، و هناك شيء ثاني مهمٌّ و هو أن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾

 

[سورة آل عمران]

 النقطة في هذه الآية دقيقة جدا، لا بدَّ من شيء نعتصم حوله، إذا لا يوجد شيء يجمعنا، فالاعتصام لا معنى له إطلاقا، الصفر زائد صفر يساوي الصفر، أما إذا كان حبل لله عز وجل:

 

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾

 

[سورة آل عمران]

 فالدين يجمع، و الحقيقة أن المؤمنين كما قلت لكم سابقا بضهم لبعض نصحَة متوادُّون و إن ابتعدت منازلُهم، و المنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون و إن اقتربت منازلُهم، الذي يجمعنا القواسم المشتركة، مرة سمعتُ - و هي طُرفة -هناك كمبيوتر في أمريكا من أجل الزواج، وجدوا أن التوافق بين الزوجين أساسه كثرة نقاط الاشتراك بينهم، فكلما كثرت هذه النقاط كان التوافق و كلما قلَّت كان النفورُ و الطلاق، لعلها طرفة أو حقيقة لا أدري، و لكن قرأتُها، يأتي الشابُ و يسأله ألف سؤال، كيف تحب أن تحب ؟أن تقضي الليل مثلا، قبل ان تنام تحب أن تستمع إلى الموسيقى أو تقرأ، ماذا تفعل ؟ قبل أن تنام، كيف تحب أن تربِّي أولادك ؟ أسئلة كثية جدا في أمور الحياة، فيأتي الشابُ يدلي ويعطيه إجابة عن ألف سؤال، و يذهب و يغيب شهرا، و جاءت فتاةٌ و سُإلت و أعطت الجواب، يأتي يطلب أطول فتاة له و يصير هناك تقاطع في الكمبيوتر، فكلما كثرت نقاط اللقاء تكون هذه البنت أنسبَ شيء لهذا الشاب، هذا الجهاز ارتكب أخطاءً طفيفة جدا، فيعطي اسم ذكر عوض رجل، هناك توافق أكثر، أنا قصدت من هذه المسألة أنه متى يكون التوافق بين المؤمنين، إذا كانت النقاط مشتركة، إذا كانوا مؤمنين ؛ القيم مشتركة و الهدف مشترك و المنهج واحد و الإله واحد و النبي واحد و التوجيه واحد و الأهداف واحدة، و الوسائل واحدة يجب أن يجتمعوا، و من علامة إيمانك - و اللهِ الذي لا إله إلا هو قد تجد شخصا في أقصى الدنيا أشعر أنه أقرب إليك من أخيك في النسب، وهذا شيء ثابت، أحيانا تلتقي في السفر مع شخص بعيد من قارة ثانية، وهنا رجل - هكذا سمعتُ - رجل أستاذ رياضيات متفوِّق جدا ملحِد في جامعة سان فرنسيسكو اسمه "دي فيلند " دخلت عليه فتاةٌ مسلمة من الشرق الأوسط، في أيام الصيف الحارَّة محجَّبة من رأسها إلى قدمها، أستاذها أرسلها ليحلَّ لها بعضَ المشكلات في الرياضيات، لما رآها قال: أنا غيَّرتُ نظري عن فتاة الشرق الأوسط طالبة دكتوراه رياضيات و محجَّبة في أيام الصيف و نساء أمريكيات شبه عرايا، فمعنى ذلك أن لديها شيءٌ، و مرة كنت قادما من حلب إلى الشام أيام الشتاء البارد و الطقس سيِّء و الأمطار لقيتُ واحدا يركض، كل نساء دمشق و كل أهالي دمشق قاعدون وراء المدافئ يأكلون و يتعشَّون، هذا يركض تحت المطر، معناه أن له قناعة بالركض تفوق حدَّ الخيال، هناك شيء في عقله نظيفٌ جدًّا، أن الرياضة فوق كل شيء، و هذه الفتاة في أيام الصيف الحارة، و الفتيات شبه عاريات في أمريكا، و هي محجَّبة، أنا أنقل لكم ما كتب هذا الملحِد، أستاذ الرياضيات في سان فرنسيسكو، قال: حينما رأيتها غيَّرتُ رأيي في فتيات الشرق الأوسط، ثم إنني شعرتُ أن في داخلها قوة مُخيفة ؛قوة إيمان كبيرة جدًّا، و شعرتُ بدافع كبير أن أقدِّم لها أيَّة خدمة، و لم أجرؤ على أن أدقِّق في وجهها، من نفس اليوم بدأ يقرأ عن الإسلام، وانتهت به المطالعاتُ إلى أن يسلم و الآن من دعاة أمريكا المسلمين، السبب فتاة محجَّبة، و ألَّف كتابا: "لماذا أسلمتُ " تُرجِم للعربية فورا، أنا درَّست بجامع العثمان بدمشق خمس دروس أمضيتها في الحديث عن فقرات هذا الكتاب، و ذكرتُ هذه القصة ؛ أقسم باللهِ أنني رأيت في هذا الكتاب نفسه علاقتَه مع الله، محبَّته لله، تطبيقه لأمر الله، دفعه عن الإسلام، و هناك في الكون حقيقة واحدة هي الله، كل من اقترب منها انتابته مشاعر و أحوالٌ واحدة تمثِّل الحقيقة هي الله اقترِب و انظُر؛ تجد آخر إنسان ما الذي يجمعني مع إنسان ملحِد في سان فرنسيسكو، بعد ما عرف الله أخي، أخي في الله و اللهِ كنتُ أقرأ و أبكي، كنتُ في سفر أخذتُ معي كتابه قرأته بنهَم عجيب، و بتأثُّر بالغ، إنسانٌ شارد عرف اللهَ، قال: في أحد أيام رمضان الصعبة في أمريكا، من الصعب أن يصوم، يصل إلى الظهر لا يستطيع أن يكمل، ترك الجامعة و ذهب إلى البيت، انتظر حتى المغرب، و أظهروا في التلفاز جِياعَ الصومال،، قال: أنا صمتُ و كدتُ أفقدج حياتي من شدَّة الجوع و العطش، و لكن هناك مائدة، أما هؤلاء الجياع ليس عندهم مائدة إفطار، سألوه لماذا أنت تصلي بالجامع و أنت لا تفهم العربية ؟ قال له: ماذا يفهم الطفلُ و هو في حِضن أمه و هي تنادي له بكلامها ؟! مع أنه في قمة سعادته، اعترضوا عليه أنتم تصلُّن كمسلمين بجنب بعضكم و الدنيا حرٌّ، ابتعدوا قليلا، قال لهم: أمرنا اللهُ أن نصلَّيَ متواصلين ليكون أحدُنا و هو في قمة نشوته مع الله شاعرا بأخيه و أنت مع الله يجب أن تحسَّ بأخيك، لقيتُ إنسانا عجيبا يعيش في أمريكا الشاردة ملحد، و أصله كان كاثوليكيا، يتحدَّث عن الإسلام بشيء لا يُصدَّق.
الحقيقة واحدة، أنا كنت في فلوريدا، و ابني أطلعني على مناظرة،كذلك أستاذ الأديان في جامعة سام فرانسيسكو أسلم، و اللهِ ما سمعت بحياتي دفاعا عن الإسلام دفاعا، و اللهِ ما سمعته من دعاة الإسلام، أمريكيك، و سيأتيني الشريط إن شاء اللهُ إلى هنا، أتمنى أن أراه، أستاذ الأديان يتكلَّم عن الإسلام، و صلى، يصلي خمس أوقات، قال: الإسلام فيه حيويَّة كبيرة جدًّا، وهو أسرع دين ينمو في أمريكا، و قال: الإسلام عظمة القرآن أنه يخاطب اللهَ بذاته، و ليس بالوساطة كالإنجيل و التوراة، يخاطب ربُّنا الإنسان مباشرة، و حكى عن الإسلام و عظمته.
 و على كلٍّ أنا أردتُ من هذا ؛ عوامل الوحدة هي الإسلام، لأنه يجمع بينهم، و أنا رأيت مناظرةً بين ديدات و جيمي سواغرت، شعرت أن هذا ديدات أقرب من أخي في النسب، مع أنه كان يعيش في السند و جنوب إفريقيا، أساسا هناك واحد خبيث جدًّا أراد أن يجرَّه إلى أن يقول:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾

 

[سورة التوبة]

 طبعا أمام خمسة و عشرين ألف مستمع في أمريكا هناك، قال له:سؤال؛ أيمكن أن تُقام هذه الندوة في مكة المكرمة ؟ الجواب التقليدي: لا، لأن المشرك ممنوع ان يدخل مكة المكرمة، و الآية قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾

 

[سورة التوبة]

 تعلموا الذكاء و الللباقة، قال له: أنا حينما قدمت إلى أمريكا وقَّعتُ عشرات الوثائق والبيانات و قدَّمت كل الشروط المطلوبة، و من حقِّ أيِّ دولة لم يدخل أرضها أن يأتمر بأمرها أما أنت إن أردتَ دخول مكة يكفيك أن تقول بلسانك: لا إله إلا الله، و أهلا بك في مكة، و هو بالآية أراد أن يجرَّه إلى موضوع دقيق، و أحيانا الإنسان تكون عنده حكمة، إذا قعد مع ناس و أراد أن يعينهم على الإسلام يجب أن يكون لطيفا معهم و لبقاً، و اللهُ عز وجل علَّمنا كيف نناقش، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) ﴾

 

[سورة سبأ]

 ما قال لهم نحن الحق معنا و أنتم كفار،، لا يقال، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) ﴾

 

[سورة سبأ]

 لا يجوز عند الطرف الثاني ان يكون جاهلا و أنت عالم، لا بدَّ أن تنزل إلى مستواه تماما، ناقِشه، الحق هو بيننا إما معنا و إما معكم.
 فأردت من هذه الآية أن الإسلام يوحِّج، قال تعالى

 

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾

 

[سورة آل عمران]

 الآن هذا الودُّ الذس بين المؤمنين من خلق الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾

 

[سورة الأنفال]

 أقول لكم هذه الكلمة ؛ ما كان - دقِّقوا -سبب إنقاذ أمَّة و حدتها و قوتها و مجدها، ما الذي جعلها موحَّدةً سابقا ؟ ما الذي جعلها قوية ؟ و ما الذي جعلها نجيبةً ؟ سيظل السببَ أبد الدهر في إنقاذها ووحدتها و قوتها،أي اللهُ عزوجل قال:

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

 

[سورة النور]

 بربكم أين الاستخلاف ؟ و أين التمكين ؟ و أين التطمين ؟ و اللهِ لا استخلاف و لا تمكين و تطمين، و الجواب - دققوا - قال تعالى:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 

[سورة مريم]

 قد لقينا ذلك.
 الآن عندنا آية دقيقة جدا جدا، و اللهِ الذي لا إله هو لو فهمها الناسُ لكانوا في حياة غير هذه الحياة، يقول الله عزوجل:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾

 

[سورة الأنفال]

 و الآية الثانية، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾

 

[سورة الأنفال]

 لن تكون مؤمنا حقا إلا إذا جاهدت، و كلمة جهاد مخيفة، لا تعني إلا أن تجاهد نفسك و هواك، و لا تعني إلا أن تجاهد الجهاد الدعوي الجهاد الثالث غير متاح لأحد الآن، الآن جهاد النفس و الهوى و الجهاد الدعوي، و الدليل، قال تعالى:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

[سورة الفرقان]

 الله سماه كبيرا، تعلَّم القرآن و علِّمه، نحن عندنا مشكلة العلم، عندنا جهل كبير جدا، و أساس الجهاد القتالي هدفه الجهاد الدعوي، فإذا الدعوي متاح لك في ظل الديموقراطية، فأنت الآن في بحبوحة أمامك علِّم الناسَ، تعلَّم و علِّم، وعلى كلٍّ قال تعالى

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(74)﴾

 

[سورة الأنفال]

 الآن موطن شهوة، قال تعالى

 

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾

 

[سورة الأنفال]

 يتعاونون و يتآمرون لإضعاف المسلمين سلبهم ثرواتهم، و أخذ خيراتهم، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾

 

[سورة الأنفال]

 هكذا الآية، فيها هاءٌ على من تعود هذه الهاء ؟ الآية الأولى:

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(74)﴾

 

[سورة الأنفال]

 قال علماء التفسير: هذه الهاءُ تعود على الآية الأولى كلها، أي إن لم تؤمنوا و إن لم تتعاونوا و تتضامنوا و تهاجروا و تجاهدوا بأموالكم و أنفسكم و إن لم تؤووا و إن لم تنصروا بعضكم بعضا و إن لم تكونوا أولياء بعضكم من بعض تكن فتنةٌ في الأرض و فساد كبير.
 قضية نكون أو لا نكون، فقط، إما أن نتعاون فنبقى و نتخاذل فننتهي و حينما ذكر النبيُّ عليه الصلاة و السلام هلاك أمَّته آخر الزمان، ليس هلاك استإصال، هلاك ضعف،هلاك تمزُّق، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

 

[سورة الأنفال]

 و يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:

 

(( بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ))

 

[رواه مسلم]

 هذا الحديث أيضا من أصول أحاديث التعاون.
 أيها الإخوة ؛ قال النبيُّ الكريم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))

[رواه مسلم]

 أي إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، خذْ من زادك، من مصالحك،و من أولادك، و اخدُم الناس، و انشُر الحقَّ، اُدعُ إلى الله عزوجل حينما تفعل شيئا زائدا عن مصالحك تسعد بهذا الشيء، و إذا أردت أن تسعد فأسعِد الآخرين، و الصحابة الكرام، الأنصاري يقول للمهاجر: يا أخي دونك نصف مالي، فإذا جاءك إنسانٌ و أنت عاينتَه، و أعنتَه بأيِّ طريقة، هذا نوع من العمل الصالح الطيِّب، و أنت متمكِّن قدير، جاءك إنسان جديد يحتاج إلى أرشاد منك و إلى معاونة، يجب أن تعاونه، قال له: يا أخي دونك نصف مالي، أما شيء الذي لا يُصدَّق أن المهاجرين ظهر منهم عفّةٌ تفوق حدَّ الخيال، و ما سجَّل التاريخُ أن مهاجرا شارك أنصاريا مالَه، قال له: بالرك اللهُ في مالك و لكن دُلَّني عن السوق الأولون بذلوا و المهاجرون تعفَّفوا، هذا شيء رائع جدا.
 هناك شيء مهمٌّ، أسباب العداوة، عندنا في القرآن للعداوة قانون، نعم القانون قال تعالى:

 

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

[سورة المائدة]

 و لما الإنسان يقصِّر و يعصي اللهَ يصبح عنده مزاجٌ عدواني للآخرين أما إذا هناك استقامة، هذه الاستقامة تقود إلى التعاون و التفاهم و الحبِّ قال تعالى

 

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

[سورة المائدة]

 العداوة أيضا من أسبابها اتّباعُ الشيطان، قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)﴾

 

[سورة المائدة]

 إما في معصية و إما اتّشباع للشيطان، وجدن هناك تخاصم و حقدا و حسدا و كلاما و ميْلا حشريا عدواني بين المؤمنين، معنى ذلك أن ثمة تقصير، أنا بدأت في المجيء السابق إلى هنا إن شاء الله ذكرت أن الشيطان له مداخل، أول مدخل يدفعك إلى أن تكفر كنت ذا عقيدة متينة فشل، ينزل فيدفعك إلى الشرك، فإن رأى منك توحيدا عاليا يخفق، يدفعك إلى أن تكون مبتدعا، فإذا كنت من أهل السنة يخفق، يدفعك إلى أن ترتكب كبيرة، فإن رآك يقظاً أمرك بالصغيرة، و إن رآك ورِعًا دفعك إلى المباحات، و إن رآك زاهدا وصل إلى التحريش بين المؤمنين، آخر ثانية، إذا هناك مؤمنون صادقون ما كفر و لا أشرك و لا ابتدع و لا ارتكب كبيرةً و لا صغيرةً و لا التهى بالمباحات يدفعه إلى التحريش بين المؤنين، فالتحريش حالةٌ مرَضية لا بدَّ من أن تعالَج.
 هناك نقطة دقيقة جدا ؛ نُعَيم بن مسعود - سأقول لكم شيئا عن التعاون -هذا فتى في الجاهلية كان يقظَ الفؤاد ألمَعيَ الذكاء ولاَّجًا خرَّاجًا، يحسن التصرفَ، لا تعوقه معضلةٌ و لا تعجزه مشكلة، و كان صاحبَ صهوة و خبيرَ متعة، كان والِعًا بالخمر في الجاهلية، و لما بعث اللهُ النبيَّ صلى الله عليه و سلم برسالة الإسلام إلى العالمين أعرض نُعيمٌ عن هذا الدين الجديد أشدَّ الإعراض خوفًا من أن يحول هذا الدينُ بينه و بين مُتعه و لذَّاته، و عندنا في أعماق البشر وهْمٌ أنه إذا تديَّن تقيَّد، يقول: اترُكْنا مرتاحين و لا تضيِّق علينا، ليس هناك شهوةٌ أودعها اللهُ في الإنسان إلا و جعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، و الإسلام ليس فيه حرمان، فيه تنظيم هو خاف أن يحرِمه الدينُ من متعه، فأعرض، و لكن بعد فترة وجد نُعيْمٌ نفسَه مَسوقًا إلى الانضمام إلى خصوم المسلمين، مدفوعا إلى إشهار السيف في وجوههم - و القصة رائعة جدا - و لكن لحظةَ تفكير سليم، يا تُرى أنا مستهلَك، من موعد لموعد، و من عمل لعمل، ليلا و نهارا، ألا يجب أن تقف ربع َساعة، أين أمشي أنا، لحظة تفكير شسليم و لحظة محاكمة منطقية، و لحظة تأمُّل دقيق، و لحظة مراجعة مع النفس الصادقة، و لحظة تبصُّر عميق، هذا الإنسانُ انتقل من الكفر إلى أن يكون صحابيا كبيرا في حظة واحدة، لحظة تبصُّر عميق قد تكون هذه اللحظة سببا في سعادة أبدية و فوز عظيم، خرجتْ قريشٌ ببقضبها و قبيضها و بخيلها و رجِلها و بكل ما تملك و بكل وزنها و بكل ثقلها و بكل طاقتها بقيادة أبي سفيان متَّجهة شطرَ المدينة، كما خرجت غطَفانُ من نجدٍ بعُدَّتها و عددها بقيادة عُيينةَِ بن حصن و معه نُعيمُ بن مسعود و اتَّجه شطرَ المدينة، أنا أريد جانبًا واحدا، و القصة طويلة كثيرا،جانبا واحدا، طبعا في ليلة من ليالي الحصار، المسلمون زُلزِلوا زلزالا شديدا، حتى قال بعضُ الصحابة، أو بعضهم -أدقُّ -أيعِدنا صاحبك أن تُفتَح علينا بلادُ قيصر و كسرى و أحدُنا لا يأمن أن يقضيَ حاجته ‍‍‍!، كان رآهم خلفه هذا الذي يحكي، اليهود نقضوا العهدَ و كلُّ مَن في الجزيرة جاء ليستأصِل المسلمين و انتهى الأمرُ، و الإسلام هي ساعات و ينتهي نهائيا، قال: في ليلة من ليالي الحصار الذي دام عشرين يومًا، كلن نُعيمُ بن مسعود مكستلقيا على فراشه في خيمته في معسكر المشركين يتقلَّب في نِهاده قلقًا،و فجأةً سألتْه نفسُه قائلةً: ويْحك يا نُعيمُ ما الذي جاء بك من تلك الأماكن البعيدة، من نجدٍ لحرب هذا الرجل و من معه ؟ يحكي مع نفسه، إنك لا تحاربهم انتصارًا لحقٍّ مسلوب و لا حميَّةً لأمر مقصود، و لا لدمٍ مسفوك، و إنما جئتَ تحاربهم لغير سبب معروف، أيليق بك يا نُعيمُ برجل له مثلُ عقلك أن يقاتل فيقتُل أو يُقتَل لغير سبب، ما الذي يجعلك تشهر سيفَك في وجه هذا الرجل الصالح ؟ النبيُّ كان صالحا معروفا، كان يُسمَّى الأمين و على كلٍّ، قال: هذا الرجل يأمر أتباعَه بالعدل والإحسان و إيتاء ذي القربى، ويحك يا نعيم، ما الذي يحملك على أن تغمز رمحَك في دماء أصحابه، الذين اتَّبعوه بإحسان، هذا الحوارُ كان صادقا، جالس مستلْقٍ في الخيمة يحاور رسول الله، و ناقش نفسَه، و لو أن كلَّ واحد منا له ساعة صفاء مع نفسه، أين أمشي أنا، لماذا أخذتُ هذا الموقف، و لماذا أفعل هذا الفعلَ ؟ هذه مهمَّة جدًّا، هذا الإنسانُ جاء ليقاتل المؤمنين و لكن كان صادقا مع نفسه و حاورها، و في النهاية اتَّخذ نعيمُ عقِب هذا الحوار الصادق قرارا حاسما و عازما و نفَّذه مباشرةً، تسلَّل من معسكر أبي سفيان تحت جنح الظلام و مضى يحُطُّ الخطى نحو النبي عليه الصلاة و السلام، فلما رآه النبيُّ ماثلا بين يديه قال: نعيم بن مسعود ؟! قال: نعم يا رسول الله، قال: ما الذي جاء بك هذه الساعة ؟ قال: يا رسول الله جئتُ لأشهد أن لا إله إلا الله و أنك عبدُ الله و رسوله، أنا الآن في مائة و ثمانين درجة، و أن الذي جِئتَ به هو الحق، لقد أسلمتُ يا رسول الله و إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمُرْني بما شئتَ تصدِّقون أن الإسلام بأكمله كاد أن ينتهي، و الجل لوحده، قال: أنت فينا رجل واحد، فاذهبْ إلى قومك و خبِّر عنا إن استطعتَ، فإن الحرب خدعةٌ، رجع إلى قريش و كلَّمهم كلاما، و عرفوا أنه مسلم و كلَّم اليهودَ كلاما و عاونوا بعضَهم و انتهت الحربُ، و اللهُ عزوجل أرسل رياحا قلبت قدورَهم و اقتلعت خيامَهم و ملأت عيونهم ترابا فولَّوا و كفى اللهُ المؤمنين القتال.
 أنا أردت من القصة شيئا واحدا، أنه في لحظة من لحظات الصدق مع النفس، اِجعلْ لنفسك ربع ساعة في الأسبوع، مَن أنا ؟ أين كنتُ و إلى أين ذاهبٌ، و إلى أين أمشي ؟ هذا الشيء مهمٌّ جدا، هذا الرجل كان مشركا و محاربا للنبيِّ و كان كافرا، و إلى جهنم ؛ فكَّر ؛ ما الذي جاء بك إلى هنا كي تحارب هذا الإنسانَ الصالح، أنت ما جئت إلى هنا لدمٍ مسفوك و لا عرض منهوك و لا لمالٍ مغصوب جئتَ بلا هدف واضح، فأنت لا تعمل عملا بلا هدف واضح، أنت لله عزوجل يليق بك أن تكون لغير الله.
 أردتُ من هذا اللقاء أن يكون حول التعاون، و التعاون الآن ضرورة، و الآن فريضة، و الآن يندرج تحت قاعدة نكون أو لا نكون،نكون بالتعاون و لا نكون بالتفرُّق.
 ممكن أن يكون شيئا طريفا لكم أن نتحدَّث عن مجتمع النمل، فيه شيء لا يُصدَّق عن هذا المجتمع، قال: النملةُ حشرة اجتماعية راقية بهذا التعاون صعدت، موجودة في كل مكان، و في كل وقت، أنواع تزيد عن تسعة آلاف نوع، بعضُ النمل يحيا حياة مستقرة في مساكن محكمَة و بعض النمل يحيا حياة الترحال كالبدو تماما، بعضهم يكسب رزقَه بجدِّه و سعيه، و بعضهم يكسب رزقَه بالغدر و السيطرة، فالنمل حشرة اجتماعية تموت إذا عُزِلت عن أخواتها، تموت ؛ و إذا وضعنا الواحدَ في غرفة عنده أكل و شري لا يموت، أما النمل تموت و لو وضعتَ لها الطعام، تموت عندما نعزلها عن رفيقاتها، و النملة تعلِّم الإنسانَ درسا بليغا في التعاون، فإذا التقتْ نملةٌ جائعة بأخرى شَبعى، ما الذي يحدث؟ في الجهاز الهضمي - إخواننا أطباء الهضم - في الجهاز الهضمي جهاز ضخٍّ و جهاز مصٍّ، إذا التقت نملةٌ شبعى بأخرى جائعة تضخُّ لها من غذائها، فقط تمصُّ، و تعطي الشبعى الجائعةَ خلاصات غذائية من جسمها، لأن في جهازها الهضمي جهازا تطعم به، و النبيّ يقول:

((و اللهِ ما آمن و الله ما آمن و الله ما آمن، من بات شبعان و جاره جائع إلى جانبه و هو يعلم))

 أنا لا أعرف،نقول له: من لم يتفقَّد شؤون المسلمين فليس منهم"
 للنمل ملِكة كبيرة الحجم، مهِمَّتها وضع البنود، و إعطاء التوجيهات و لها مكان أمين في مساكن النمل، و هي على اتَّصال دائم مع أفراد المملكة، عندهم كومبيوتر بينهم، و النملات العاملات لها مهمَّات، من مهمَّات العاملات تربية الصغار، و هذا يشبه قطاعَ التعليم، و في النمل عساكر لها حجمٌ أكبر و لها رأسٌ صلبٌ كأن عليه خوذة، و هذا يشبه قطاع الجيش، في حراسة الملِكة و حفظ الأمن و ردِّ العدوان، و من مهمَّات العاملات تنظيف المساكن و الممرَّات، و هذا يشبه قطاع البلديات، و من مهمات العاملات سحب جثث الموتى، وهذا يشبه مكاتب دفن الموتى، ومن مهمات العاملات جلب الغذاء من خارج البلدة استيراد الأغذية يشبه قطاع المستوردين، و من مهمات العاملات زرع الفطريات و هذا يشبه قطاع الزراعة، تزرع النملُ الفطريات، و من مهمات العاملات تربية حشرات تعيش النملُ على رحيقها، تربية الأنعام هذا مربوا الماشية، و النمل يبني المدنَ و يشقُّ الطرقات و يحفر الأنفاقَ و يخزِّن الطعامَ في المخازن و في الصوامع، و بعض أنواع النمل يقيم الحدائقَ، حدائق للمتعة فقط، يزرع النباتات، و بعض أنواع النمل يقيم حروبا على قبائل أخرى، و يأخذ الأسرى من ضعاف النمل المهزوم، و الله عزوجل قال:

 

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾

 

[سورة الأنعام]

 هذا بحثٌ علمي متَرجَم، قال تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾

 

[سورة النمل]

 لقد أثبت اللهُ تعالى لهذه النملة الكلامَ و نوعا من المعرفة، و للنملة مخٌّ صغير و خلايا عصبية، و أعصاب لتقدير المعلومات و الخرائط كي تهتدي بها إلى مواضع الغذاء، و النملة تملك نوعا من التصرُّف العقلاني، و هي من أذكى الحشرات، و هي ترى بموجات ضوئية لا يراها الإنسانُ، و لغةُ النمل كيماوية، لها وظيفتان: التواصل و الإمداد، و لو سحبتَ نملة لها رائحة تصدر منها تستغيث بها النملاتُ أو تحذِّرها، إن شعرت أنها ستموت نهائيا تحذِّر، هناك أحد يؤذيها تناديهم لإنقاذها.
 لا تستطيع النملةُ دخول بيتها، و كرها إلا إذا عرفت كلمةَ السِّرِّ، زُرنا أحد إخواننا الأطباء أعطى كلمة السر فانفتح البابُ، و النمل جهاز هضم مدهِش فيه فمٌ ومريء و معدة و أمعاء و جهاز مصٍّ وجهاز ضخٍّ.
 هذا النمل، و النمل متعاون إلى أقصى درجة، فهل يليق بالنمل أن يكون أحسنَ منا ‍‍‍‍!

 

تحميل النص

إخفاء الصور