وضع داكن
26-04-2024
Logo
رحلة أمريكا 2 - المحاضرة : 03 - الدعوة إلى الله فرض عين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، الإنسان في أدقِّ تعاريفه زمنٌ، بل رأسُ ماله الزمن بل أجمل ما يملكه هو الزمن، بدليل أن الله عز وجل أقسم بالزمن بمطلق الزمن، بهذا المخلوق الذي هو في حقيقته زمنٌ، قال تعالى:

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

[سورة العصر]

 جواب القسم أنه في خسر، أيَّة خسارة تلك ؟ قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

 

[سورة العصر]

 في أدقِّ التفاسير العصر هو الزمن، أقسم اللهُ عز وجل بالزمن، بهذا المخلوق الذي هو في حقيقته زمن، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

 

[سورة العصر]

 خاسر لا محالة، فما هي الخسارة ؟ قالوا: مضِيُّ الزمن وحده يستهلك الإنسانَ، أداة التعريف، قال الحسن البصري الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، أي كائن متحرِّك إلى هدف ثابت، فكل ثانية تقرِّب هذا الكائن من هدفه، إذًا هو زمن، أو الزمن رأس ماله أو الزمن وعاء عمله.
 سؤال الآن كي ننفق هذا الزمن ؟ هناك إنفاقان، هناك إنفاق استهلاكي وهناك إنفاق استثماري، إذا الإنسان ذهب إلى مكانا جميلا، و نزل في فندق، أمضى خمسة أيام و أكل أكلا، و أثناء المحاسبة ملائة ألف، يدفع هذا المبلغ استهلاكا، هذا المبلغ ليس له مردود، انتهى و صرفه، أما لو كانت شركة تعطي في المائة ثلاثين أرباحا و نقل لها المائة ألف، هو قد دفع المبلغ، هذا ليس استهلاكا، هذا استثمار، فرقٌ كبير بين الاستهلاك و الاستثمار، فالزمن يمكن أن ننفقه انفاقا استهلاكيا، أكلنا و شرينا و نمنا و عملنا و جمعنا المالَ و استمتعنا بالحياة و انتهى الأمرُ، هذا إنفاق استهلاكي.
 مثلٌ بسيط، إذا دخل الواحدُ إلى الحمَّام و جلس في البالون، ماء فاتر ساخن، شيء ممتِع جدًّا، و لكن إذا استلقى في الحمام و الماء ساخن هل يصير طبيبا و هل يصير عالما و هل يصير تاجرا ؟ الاسترخاء و الاستمتاع ليس له مردود في المستقبل، فإذا استمتع الإنسانُ بالحياة استمتاعا عالٍ جدًّا، كلُّ شيء أحسن، و هذا الاستمتاع ليس له مردود في للمستقبل، هذا هو إنفاق الوقت إنفاقا استهلاكيا.
 هناك الإنفاق الاستثماري، أن تنفق الوقتَ في عمل ينفعك بعد مضِيِّ الوقت الآية دقيقة جدًّا،قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1)﴾

 

[سورة العصر]

 قسم،قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

 

[سورة العصر]

 إذا أنفقتَ الوقت إنفاقا استثماريا تتلاقى الخسارةَ خسارةٌ محقَّقة، ما يجمعه الإنسانُ في ستين عاما يفقده في ثانية واحدة، الموت يأتي بغتة و القبر صندوق العمل، هذه ساعة الفراق، و أعقل العقلاء و أذكى الأذكياء الفالِح الناجح و الفائز المتفوِّق هو الذي يعِدُّ لها، فإذا أعدَّ لها و وافتْه المنيَّةُ، كلُّ من حوله يبكي وهو يضحك، الإنسان حينما يأتي إلى الدنيا، كلُّ من حوله يضحك و هو يبكي وحده، فإذا أعدَّ لهذه الساعة عدَّته، وا كربتاه يا أبت، قال لا كرب على أبيكِ بعد اليوم، غدًا نلقى الأحبَّةَ محمدا و صحبه، أنا ما وجدتُ أذكى و لا أعقل و لا أكثصر فوزا و نجاحا و تفوُّ قا من الذي يعدُّ لهذه الساعة عدَّتها، و النبيُّ عليه الصلاة و السلام قال:

((أكثروا من ذكر هادم اللذات، مفرق الأحباب مشتِّت الجماعات...عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارقه...و اعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به.))

 الحقيقة التفكُّرُ في الموت أُمِرنا به، أكثروا، و ليس معناه لا تشتغل، تأخذ دكتوراه و تتزوج و تؤسِّس مشروعا و تتاجر، لكن ضمن المنهج، من ميزة الموت يبقيك على المنهج، سيارة تمشي على الطريق عندها خطران أن تنزلق و أن تقف، التفكرُ بالموت يمنعك من أن تنزلق إلى المعصية ومن أن تقف، أما تعمل في الدنيا بتفوُّق لكن لا تعصي اللهَ و لا تتوقَّف في المسير إلى الله عزو جل، فهذه السورة،قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

 

[سورة العصر]

 خسارة محقَّقة، لأن مضيَ الزمن وحده يستهلكه، و الإنسان المفروض فيه أن يعُدَّ عمرَه عدًّا تنازليا و ليس تصاعديا، الواحد ذاهب مثلا إلى حمص، من الشام بدأ يعدُّ...ليس كم قطعنا، كم بقي لنا، شيء دقيق جدًّا، كم بقي لي، سؤال آخر هل بقي بقدر ما مضى ؟ هذا العدُّ التنازلي يجعله يصحو، و يراقب نفسَه، قال تعالى:

 

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[سورة العصر]

 هذه أركان النجاة.
 اليوم الذي لا تزداد إيمانا و لا تزداد عملا صالحا و لا تزداد دعوةً إلى الله و لا صبرا، هو خسارةٌ، كلَّ يوم يدعو، سمعتُ أن أشخاصا كل يوم مليون دولار يُدخِله، فهذه الخسارة أن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسانَ
 سؤال محرِج ؛ ممكن أن تستيقظ كلَّ يوم كاليوم السابق إلى ما شاء اللهُ ؟ مستحيل، مستحيل أن تستيقظ كلَّ يوم كاليوم السابق إلى ماشاء الله، لا بدَّ من اقتراب الإنسان من أجله، و هناك ظاهرة لم تكن من قبل موجودة فإذا الإنسان أعدَّ لهذه الساعة عدَّتها، أنا قرأتُ تاريخ سبعين صحابيا و درَّسته، و اللهِ يا أيها الإخوة ؛ الشيء الذي لا يُصدَّق أن كل هؤلاء الصحابة مشتركون في موقف واحد أنهم في أسعد لحظات حياتهم حينما غادروا الدنيا، وا كربتاه يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غدا نلقى الأحبَّة محمدا و صحبه، و ذكرتُ لكم أيها الإخوة الكرام ؛ و إن كان شيئا مبالغ فيه أما هذا هو الواقع، واحد في الأرض و يضع أصفارا إلى الشمس، كلُّ ميليمتر صفر،،ما هذا الرقم ؟‍‍‍‍! ستة أصفار مليون، اثنا عشر مليون مليون، ثمانية عشر مليون مليون مليون، كل ميليمتر صفر للشمس، مائة و ستة وخمسون مليون كيلومتر، هذا الرقم ضعه و الصورة و مخرجه إلى ما لا نهاية يساوي صفرا، الآخرة هي ما النهاية، الأبد و الدنيا مهما طالت، عش ما شئت فإنك ميتٌ و أحبِب من شئت فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، و كلُّ مخلوق يموت و يبقى ذو العزة و الجبروت، و الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، و العمر مهما طال فلا بد من نزول القبر، إذًا هناك في المستقبل حقيقة قطعية يقينية مائة بالمائة صارخة هي الموت، و لا يستطيع أحدٌ أن ينكر الموتَ، لكن الناس يتفاوتون في مدى الاستعداد للموت.
 إخواننا الكرام، هناك نقطة مهمة جدًّا، أنت أحيانا تريد أن تشتري بيتا، و هذا البيت موجود و ما أعجبك، صغير، و هذا البيت منطقته غير جيِّدة هذا البين ليس له إطلالة، هذا البيت عتيق، مثلا، فأنت أمام سراء هذا البيت مخيَّرٌ بين أن تقبل و بين أن ترفض، لكنك مع الإيمان الخيارُ خيار وقت فقط، فرعون الذي قال:

 

﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

 

[سورة النازعات]

 و الذي قال:

 

﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

 

[سورة القصص]

 لما جاءه الموتُ قال تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

 

[سورة يونس]

 معنى ذلك أن كل إنسان على وجه الأرض سوف يرى ما جاء به النبيُّ عليه الصلاة و السلام، من كلِّ الأديان، قال تعالى:

 

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

 

[سورة ق]

 ماذا قال سيدُنا عليٌّ رضي اللهُ عنه، قال: و اللهِ لوكُشِف الغطاءُ ما ازددتُ يقينا، وقال: و اللهِ لو علمتُ أن غدًا أجلي ما قدرتُ أن أزيد في عملي، العدَّادُ مغلقٌ على المئتين و الأربعين، أسرِع، لا أقدر، و لا أطيق، لو علمتُ أن إذا أجلي ما قدرتُ أن أزيد في عملي.
 أنا بدأتُ هذه المقدَِّمة من أجل شيء واحد، الباطن تتنامى دوائرُه، هناك آية مؤثِّرة جدًّا، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ﴾

 

 

[سورة النساء]

 أيها المؤمنون:

 

 

﴿فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾

 

[سورة النساء]

 لكن:

 

﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾

 

[سورة النساء]

 الكفار هو على باطل و يكيدون للحق و و يتحدَّون الإلهَ، و مع ذلك يتألمون و يسهرون و يعملون و يتعاونون و يتضامنون و يبذلون الغالي و الرخيص، و النفس و النفيس، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ﴾

 

[سورة النساء]

 أيها المؤمنون: فإنهم يألمون كما نألم، و لكن، قال تعالى:

 

﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾

 

[سورة النساء]

 فهذا الحق، و دوائر الباطل تتنامى، ماذا نفعل، من اجل ان نبقى، مبدئيا من اجل أن نبقى فقط، لا بدَّ من أن ندعوَ إلى الله، إذا ما دعونا دوائرُ الباطل التي تتنامى سوف تضيِّق على دوائر الحق، فنحن إذا دعونا إلى الله مبدئيا أوقفنا التراجعَ، ثبتنا، فإذا نشطنا وسَّعنا، هذا، و أكثركم يتوهَّم أن الدعوة إلى الله مكلّفٌ بها العلماء، أنا مالي علاقة أنا طبيب، أنا مهندس العلماء هم المسؤولون، وهو يحاسبهم، إذا ما اشتغلوا.
 أنا الآن سأثبت لكم بالدليل أن الدعوة إلى الله فَرضُ عين، هناك دعوةٌ هي فرضُ كفاية، يقوم بها كبارُ العلماء المتبحِّرون، المتعمِّقون،أصحاب الثقافة الواسعة جدًّا و الإخلاص الشديد و الفقه، و الحجَّة القوية و الدليل التفصيلي و ردِّ الشبهات، هؤلاء طور آخر، قال تعالى

 

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

 

[سورة آل عمران]

 منكم، أي بعضكم، الدعوة إلى الله بهذا المستوى فرضُ كفاية، إذا قام به البعضُ سقط عن الكل، أما الدعوة إلى الله التي هي فرضُ عين على كل مسلم، أين الدليل ؟ في سورة العصر، قال تعالى

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[سورة العصر]

 التواصي بالحق ربع النجاة، كيف ؟ إلا أن الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم، و مع من تعرف فقط، أنت سمعت درسا فيه أفكار دقيقة جدًّا، إما أنك حفظتها أو كتبتها أو أخذتَ شريطها، ثلاث حالات، إما عندك ذاكرة قوِّية جدًّا، قال: جهاز المناعة يتمتَّع بذاكرة مدهشة، إذا دخل جرثوم و أخذنا تركيبه و صنعنا نصلا مضادا إذا غاب بعد سبعين سنة، رأسا يصنِّع نصلا مضادا، فجهاز المناعة له ذاكرة عجيبة، إذا أنت سمعت درسا و سمعت خطبةً و سمعت لقاءً، إذا أنت حفطته جيِّدما حفظته خذْ شريطه، ما كان اُكتب رؤوس أقلام، عندك جمعة في سهرة في دعوة في عَشاء، في غداء، الساعة السادسة الغداء، في مناسبات كثيرة، ماذا تقول في هذه المناسبة، لايوجد أجمل من إنسان إذا سمع يوم الجمعة أو سمعه من شريط، يكتب رؤوس أقلام، كلما جلس مع إخوانه يحدِّثهم به، قال عليه الصلاة و السلام،َ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))

[رواه البخاري]

 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ بِزِمَامِهِ قَالَ:

((أَيُّ يَوْمٍ هَذَا فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ ))

[رواه البخاري]

 لا تعرف، و اللهِ هناك إخوان في الشام تألَّقوا تألقا على شريط اعطاهم إياه شخصُ، كان مفتاح التشغيل، و الإنسان مثل السيارة موتور واقف، متى شغَّل المحرِّك لا تلحقها، فإذا الإنسان قنع و اخذ قرار صار شيئا مدهِشا و اللهِ أخٌ من إخواننا في الشام كان مسرفا على نفسه في المعاصي، قال: أنا عشرين سنة في الفسق و الفجور و عشرة في القمار، قال: فصار معي مرض عضالٌ، و أنا بالمستشفى، قلت يا ربي:أريد أن أقاطع، من دون ثياب، أعطني خمسة أيام لأتوب إليك، و اللهُ أعطاه مهلة طويلة و حضر الدروس كلها، أحوال عالية، قال لي: قبل أن أجيئ إليكم، نجى ربَّه، قال:يا ربي كل هذه السعادة بالقرب منك، لماذا لم تبعث لي هذا المرض من عشر سنوات ؟! كل هذه السعادة بالقرب منك، الاصطلاح مع الله شيء مذهِل، أت تصطلح مع الله.
 فيا أيها الإخوة الكرام ؛ الشيء المُسعِد أن تخرج من ذاتك، و كل واحد منا له بيت و زوجة و أولاد و مصانع و مهنة و عمل، شيء طبيعي جدًّا أنتبحث عن مصلحتك و أولاد و بيت و مهنة و عمل، شيء طبيعي جدًّا ان تبحث عن مصلحتك، لكن أنت بهذا لا ترقى، أما حينما تخرج من ذاتك بالدعوة إلى الله، فرض عين، فرض الكفاية دعكم منها، فرض عين، لا بدَّ لها من دليل أقوى، قال تعالى:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

 

[سورة يوسف]

 ما قولك؟ من بلم يدع إلى الله على بصيرة فهو ليس متَّبعا لرسول الله، الآية الثانية، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

 

[سورة آل عمران]

 عندنا أخٌ في الجامع في الشام، كان مديرا للاتِّحاد الرياضي العسكري، ثم تقاعد، أخذ عشرين طالبا من المعهد يعلِّمهم القرآن، قال: أنا في سعادة لا تُوصف، عملٌ غير مأجور و ما له أيُّ مردود نفعي له، و لكن لوجه الله فعله، لم تعرف و أنت تعمل عملا لوجه الله كم تتألَّق عند الله، و أنا دعوتي في هذا الدرس يطلع أحدُنا من ذاته إلى عمل صالح، معقول كلُّ عمره يتلقَّى العلمَ، كل عمره يسمع، متى يتكلَّم، كل عمره يتلقى متى يلقي كل عمره يأخذ متى يعطي، لا بدَّ من مرحلة تنتقل من الأخذ للعطاء، من الاستماع إلى إلى الكلام، من التلَّقي إلى الإلقاء، إذا الإنسان كما علَّمنا النبيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))

[رواه البخاري]

 أنت حضرتَ خطبة جمعة، ونحن من باب الطُّرفة واحد لا يسكن في المهاجرين بالشام، هناك بائع فول في البناء طيِّب جدًّا متشدِّد يسخِّن سيارته ربع ساعة، ينزل هكذا على الميدان يأخذ كيلو فول و يرجع أما لخطبة، فينتقي خطبة جانب البيت، أي أن دينك أرخص من كيلو فول عليك، ويدخل بعد ما نوى الصلاة هي هي الخطبة ن العبادو الأسبوعية التعليمية، و لما ربُّنا عز وجل قال:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(9)﴾

 

[سورة الجمعة]

 العلماء قالوا: ذكر الله الخطبة، وليس الصلاة، الصلاة أيُّ صلاة تؤدَّى فاسعوا إلى ذكر، قالوا: الخطبة، ديننا العظيم فيه عبادة تعليمية هي الخطبة، ومن ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر نكتت نكتةٌ سوداء في قلبه، فأنت لا بحث عن خطيب ترتاح معه، تستفيد منه و تخرج بشيء، يا أخي ما هذه الخطبة تأخذ العقلَ، ماذا قال ؟ لا أذكر شيئا، لكن الخطبة تأخذ العقلَ، الناس كلهم يقولون: ما هذا الخطيب ! و لكن لا يذكر شيئا، لماذا الإنسان يكون نائما ؟ و هل فيه من يعُدُّ الدولارات نائما ؟!! ما رأيت في حياتي واحدا يعدُّ المال و هونائم، يفعل هكذا يعد الواحد مع الأخرى، أثناء الدفع طبعا.
 فقصْدنا أنه معقول أن يكون دينُك أرخص من كيلو فول، و الشيء الثاني عندك كومبيوتر و انتزع و بجانبك بائع الخضر و تحبُّه كثيرا، آدمي، أبو حسن، أعطِه ليصلحه لك، لا تستطيع، لا بدَّ له من وكالة و لا بد له من خبراء، دينك أرخص من الكوبيوتر كذلك ؟! لا بد له من وكالة و خبراء،دينك أرخص من الكومبيوتر كذلك، معقول أن الجهاز بسيط لا بد له من وكالة "إ-ب -م" و أنت لست متَّبعا الخبيرَ، و اللهُ عز وجل قال:

 

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

[سورة فاطر]

 إذًا محور هذا اللقاء إن شاء الله وهو الأخير، محور اللقاء لا بدّض من أن تدعو إلى الله، لا بد من أن تخرج من ذاتك، لا بد من أن تتجاوز مصالحَك، أنا حكيتُ كثيرا هذه النقطة، لما كنت أقرأ المختار إلى الباجرز، فيه مقالة انتهت بنصف صفحة فارغة، وضعوا فيها حكمة، و اللهِ صار لها ثلاثين سنة، و اللهِ هذه الحكمة وصلتْ إلى العظم، إذا أردتَ أن تسعد فأسعِد الآخرين، لما تفكِّر لتخرج من ذاتك لخدمة الخلق، أنت أسعدُ واحد، و اتقيتُ مع ثاني طبيب عيون في العالَم بموسكو، وهو من حلب أساسُه، قال لي: له أنا زرتُ الدنيا كلها، لكن أكثرُ شيء يسعدني الآن أن أعمل عمليةً ناجحة على مريض، يشعر أنه سعِد بهذه العملية، و كنتُ في تركيا، هذا الجسر الذي فوق استنبول فوق الفوسفور الذي مثله يوجد في نيويورك تقريبا معلَّقا، مهندسُه أحد خمس مهندسين في العالَم، يوم افتتاح الجسر صار فيه الذي صار، وضعوا شريطا من حرير قصَّه و ألقى بنفسه إلى الفوسفور فمات، المهندس المصمَّم المنفِّذ، أخذ من هيلتون غرفةً و ذهبوا إليها و وجدوا رسالةً قد كتبها: ذُقتُ كلَّ شيء في الدنيا فلم أجِد لها طعما، فأردتُ أن أذوق طعمَ الموت " هناك فراغ في نفس الإنسان لا يملأه المالُ و لا البيتُ و لا السيارة و لا الأولاد، لا يملأه إلا أن تصطلح مع الله، إلا أن تشعر أن الذي خلق الكون يحبُّك، و اللهِ مرةًَ كنتُ في عقد قران، و أحد العلماء الأجِلاَّء ذكَر قصَّةً، أنا أخذتُ منها فقرةً قال سيدنا النبي لسيدنا معاذ.

 

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))

 

[رواه أبوداود]

 أي إذا الواحد كان يمشي في رضاء الله، في خدمة الخلق، هكذا ينيب إلى الله عزوجل و يخدم عباد الله، عمله صالح، كل عمله طيِّب و ما كذب أبدًا، و ما غشَّ إنسانا و ما أساء لإنسان، كيف ينام ؟ هناك فندق في ألمانيا مكتوب على السرير: إذا لم تنَم فالعلَّة ليست في فراشنا، الفراش وسير، العلة في ذنوبك، إذا الواحد مستقيم ينام نوما مريحا، و الراحة النفسية لا يوجد أثمنَ منها، هذه تأتي بالإيمان، قال تعالى

 

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

 

[سورة الأنعام]

 إذا الواحد ركب سيارة َهو معه دولابين نفسين كيف يقضي مائة كيلومتر؟ بقلق شديد، لو انعطبتْ واحدةٌ برَك، لو أن ابنه صلَّحها له و لم يقل له نفس القلق يعيشه، لو صلَّحها له ابنُه و لم يقل لأبيه، و أبوه خرج، طول الطريق قلق، و لكن الدولابين غير نفسين و لا يعرف، بالعكس، لو كان الدولاب نفِسا وهو لا يعرف، بالعكس مرتاح، معنى ذلك أن الأمنَ شيءٌ يُخلَق في الإنسانِ، لو أن الواحد معه شيك بمائة ألف دولار لكنه مزوَّر، و لا يعرف أنه مزوَّرٌ، مبسوط و مكيَّف، أما حينما يكشفه مزوَّرا يُخرَب بيتُه، فقضيةُ الأمن قضيةٌ دقيقةٌ جدًّا، قال تعالى::

 

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

 

[سورة الأنعام]

 أي إذا الواحد في أولاده، و أولادُ أخيه فرَضًا، و عمل في الجمعة سهرةً، و قرأنا القرآن و تحدَّثنا عن بعض الآيات و بعض الأحاديث، جلسةٌ لله، تبادلنا فيها ذكرَ اللهِ عزوجل، شيءٌ مسعِد جدًّا.
 الدعوة إلى الله أيها الإخوة فرضُ عينٍ على كلِّ مسلم، وهذا دليلُه، و الشيءُ الثاني أن الإنسان ينطلق لسانُه بذكر الله، جرَِّب، مع أن اللهً لا يُجرَّب، و لا يُشارب، و لكن جرِّب أن تخرج من عملك اليومي الروتيني المُمِل، أنا أتحدَّى أن يكون في الدنيا شيءٌ يُمدُّك بسعادة مستمرة إلا بلذَّة متناقصة،ذكرتُ قبل يومين الفرقَ بين السعادة و اللَّذة، السعادة من الداخل و اللَّذة من الخارج، تأتي من كل شيء مادي، أما السعادة من الداخل، حينما تتَّصل بالله و تصطلح معه تأتيك السعادةُ، هذا الذي قاله أحد العلماء: بستاني في صدري، ماذا يفعل أعدائي بي، إن أبعدوني فإبعادي سياحة و إن حبسوني فحبسي خلوة، و إن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي، العبرةُ أن يخرج نبعٌ داخلي، هذا يأتي من عمل صالح، و الدليل، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

[سورة الكهف]

 عندنا أخٌ في الشام، ليس له إمكانية أن يصعد، قال:أنا آخذ مائة شريط و أوزِّعه، سبحان اللهِ، على أقربائه و أخواته و أولاد أخواته و بنات أخواته و سجلَّ عليه الاسم، حتى يرجعه، و يعرف هل سمعه، أما الكتاب إذا تستعيره فلا بد أن تقرأه، و الشريط تسمعه مرتاحا، هذا كتابك، إذا استعرتَ الكتاب، و لكن لا تجعل الإعارة هي الأساس، واحد قبل ان يموت له مكتبة ضخمة، من الأرض أربعة جدران، وهو على فراش الموت، وصَّى أولادَه أن لا يعيروا منها كتابا، أبدًا، لماذا يا أبت؟ قال: لأنها كلها كتب معارة،، فإذا سمع الإنسانُ شريطا، قرأ كتابا تأثَّر سجَّل ملاحظة، قاعد مع أخيك حكيت له، ما أجمل ذكر اللهِ، تكلَّم في الدنيا تجد أنه صار فيها انقسامات، و صار فيه شعورٌ بالحرمان، و شعور بالتفوُّق، و صار فيه إغاضة، أبدا الدنيا تفرِّق والآخرة تجمع، أجمل جلسة هي التي فيها ذكر لله عزو جل، قال عليه الصلاة و السلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[رواه أبوداود]

 جرِّبوا في كل لقاء لكم فيه ذكر الله عزوجل، معقول الواحد يحفظ تفسير آية أو حديث أو قصة عن صحابي،قصة وقعت معه، اُترُك هدفك، أحيانا الشيطان يتكلم كلاما مزعجا، أن هذا صاحب دين و بقي وراء الناس، هذه قصة شيطانية، و قد تكون غير صحيحة، حاول أن تحكيَ قصةً مقرِّبة، مشجِّعة، قال: يا ربي أيُّ عبادك أحبُّ إليك حتى أحبَّه بحبِّك؟ قال: أحبُّ العباد إليَّ تقيُّ القلب نقيُّ اليدين لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبَّني و أحبَّ من أحبَّني و حبَّبني إلى خلقك، قال: يا ربي إنك تعلم أني أحبُّك و أحبُّ من يحبُّك فكيف أحبِّبك إلى خلقك ؟ قال: ذكِّرهم بآلائي و نعمائي و بلائي "
 اُنظُر إلى التوازن، لا بدَّ من أن تذكِّرهم بآلاء الله كي يعظِّموا اللهَ، و لا بد من أن تذكِّرهم بنعمة الله كي يحبوه و لا بد من ان تذكَّرهم بعقابه من اجل أن يخافوه، معنى ذلك لا بد من ان يكون في قلب المؤمن تعظيمٌ و خوفٌ وحبٌّ، و الحبُّ أساسُ الدين، قلنا لهم في نيو جرسي، فيه مركز باكستاني هناك أخٌ ترجم لي أن الدين بدون حبٍّ وردة من بلاستيك، أما الدين مع الحبّ وردة طبيعية، فيها روح، و فيها حياة، فيها رائحة، إذا أحبَّ الإنسانُ اللهَ عزوجل، صار عنده إشعاعٌ، أما إذا ما أحبَّه يُمَلُّ حديثُه و تمَلُّ معاملتُه.
 فأردتُ أن يكون هذا اللقاء الأخيرُ إن شاء اللهُ متعلِّقا بالدعوة إلى اللهِ، الدعوة إلى اللهِ فرضُ عين في حدود ما تعرف، أما الدعوة فرض الكفاية لا بدَّ لها من تبحُّر و لا بدَّ لها من اختصاص و تفرُّغ، أم أنت طبيب سمعتَ خطبةً أو سمعت حديثا أو قرأت كتابا أو سمعت شريطا تأثَّرت بآية، بحديث بموقف صحابي، اُكتُب رؤوس أقلام، دفتر وظيفة في الجيب، قعدت في جلسة حدِّثهم عنها، صار فيه تألُّق، إذا ذكِر الصالحون نعطَّر بهم المجلس، ومرة قلتُ لكم أن هناك أخٌ من إخواننا أراد أن يعمِّر جامعا بنهر عيشة، جانب الميدان، فكلَّف أحدَ إخواننا بالبحث عن أرض، وجد أرضاً مناسبة قيمتها ثلاثة ملايين و نصف، و صاحب الأرض ورِثها قبل شهر، آذِن مدرسة معاشُه أربعة آلاف و له ثمانية أولاد، ورِث أرضًا مساحتها ستمائة متر مربَّع،قيمتها ثلاثة ملايين و نصف، فهذا الأخ من إخواننا هو الوسيط في الشراء، وهو تاجر مشهور في الميدان، قال له: هذه مناسبة للجامع، تفاوضوا مع صاحبها، دفع ثلاثة و نصف، أعطاه شيكًا بمليونين، و قال له: الباقي عند التنازل عند الأوقاف، قال الآذِنُ: ما هو التنازل ؟ قال: عند الأوقاف، قال: و لِم الأوقاف ؟ قال: هذا جامع، قال: جامع: أخذ الشيك و مزَّقه، قال:أنا أولى منك أقدِّمها لله، يقول هذا التاجر: بحياتي ما صغُرتُ أمام شخص كما صغُرت امام هذا الآذن، لا يملك من الدنيا إلا الأرض، و الآن هذا الجامع مفخرة، فيه أطول مادة، إذا ذهبتم إلى القدم على اليمين ترى أطول مادة هي الجامع نفسه، إنسان يعمل مستخدما في وزارة التربية، عنده ثمانية أولاد، و معاشه بأربعة آلاف لا يملك إلا الأرضَ، و قد قدَّمها لله عزوجل، قُل قصة تشجِّعك و ترفع معنوياتك و تدفعك للعمل الصالح، و اترك كلامك هادف، كلام يعمل تثبيت بلاط، كلام يمجِّد الكفار، الذي يريدونه يفعلونه هؤلاء الجماعة اللهُ موجود، قال تعالى:

 

﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾

 

[سورة آل عمران]

 و قال تعالى:

 

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77)﴾

 

[سورة النساء]

 فدائما أنت لا بد أن توازن بين شعبين و بين دولتين و بين أمَّتين، بين شخصين، أنصحك أن تضيف الآخرة إلى الدنيا، أضِف الدنيا و آخرتهم و دنياك و آخرتك، تجد نفسك الأذكى و أنت الأعقل، لا تنضعِّف معنوياتك، قال تعالى:

 

﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)﴾

 

[سورة محمد]

 و قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

 

[سورة آل عمران]

 كفاك على عدوِّك نصرا أنه في معصية الله، يشرب حتى السَّمن، و يزني حتى يتحوَّل إلى لواط مثلا، أنت أقلُّ منه ؟‍! أنت طاهر أنت عندك بيتٌ منضبطٌ، و عندك زوجة و أولاد، ليس لك إلا الزوجية أنت، فأنت أغلى على اللهِ منه بكثير لا تضعف أمامه، اترُك نفسك قوِّيا، و اتركط نفسك واثقا من اللهِ عزوجل، رسول اللهِ كان مُلاحقا و كان مهدورا دمُه، ومدفع مائة ناقة لمن يبأتي به حيًّا أو ميِّتا، لحقه سراقة و قال له: كيف أنت يا سراقة إذا لبستَ سوار كسرى ؟ ما هذه الثقة بنصر الله ؟ أنا سأصل إلى المدينة و أؤسِّس دولةً و أحارب الفرْس و تأتيني الغنائم و لك يا سراقة سواري كسرى، لا يجوز أن يكون المؤمن ضعيفا خائفا ذليلا خنوعا، لا يجوز، إن الله ليغضب إذا مُدِح الفاسق، تمدح الفاسقَ و فسقَه و فجوره تفوُّقه وغناه ضعَّفت المعنويات، من دخل على الأغنياء - غير المؤمنين طبعا، و أنا عندي قاعدة: لا يُضاف على كلمة مؤمن و لا كلمة، مؤمن فقط مصطبغ بالكمال الإلهي - أما من دخل على الأغنياء غير المؤمنين خرج من عندهم و هو على اللهِ ساخط، ليس لي شيء، قد خرجت، و إذا عاشر مؤمنين موحَّدين و مستقيمين منيبين و متواضعين متفقِّهين يرقفى عند الله.
 هذا الذي أردتُ أن أجعله في آخر لقاء إن شاء اللهُ، عليكم بالجماعة، هذا رجائي الوحيد، و إياكم و الفرقة فإن الشيطانَ مع الواحد وهو من الاثنين أبعدُ، و إنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصية، و نحاول قدر إمكاننا نشرَ الحق، و كلُّ واحد مكلَّفٌ أن يدعوَ إلى الله في حدود ما يعلم و مع من يعرف.

 

تحميل النص

إخفاء الصور