وضع داكن
19-04-2024
Logo
الحقوق : حقوق الأبناء على الآباء 3 - تعليمه للقرآن والرماية والسباحة وإطعامه حلالاً.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تتمة حقوق الأبناء على الآباء :

5-أن يعلم الأب ابنه القرآن الكريم :

أيها الأخوة المؤمنون, لا زلنا في موضوع الحقوق، ولا زلنا في موضوع حقوق الأبناء على آبائهم، وقد تحدَّثت في الدرس الماضي عن بعض هذه الحقوق، وفي هذا الدرس نتابع الحديث عن هذه الحقوق .
فمن هذه الحقوق: أن يُعَلِّمُ الأب ابنه القرآن الكريم، هذا حق الابن على أبيه.
فقد ورد في حديثٍ شريف, رواه البيهقي, عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

((حق الولد على الوالد: أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية، وألا يرزقه إلا طيباً))

هذا الحديث الذي رواه البيهقي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورد في الجامع الصغير في الجزء الأول .

لماذا وجه النبي أبناء أمته ليتعلموا القرآن الكريم؟ :


أيها الأخوة الأكارم, القرآن الكريم لماذا وجَّهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- كي نعلمه لأبنائنا؟

لأن القرآن الكريم منهجٌ تفصيليٌ للإنسان، تعليمات الصانع، فأيَّة حركةٍ في مضمونها وفي شكلها تكون خارج هذا الكتاب، فهي حركةٌ ليست مجدية بل إنها مؤذية, أي أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وخلق الخلق وفق سننٍ ثابتة، وخلق الإنسان وفطره على فطرةٍ ثابتة، وربنا سبحانه وتعالى نظَّم تنظيماً دقيقاً علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، فما دام الإنسان وفق هذا المنهج فعمله ينجح، فإذا خرج عن هذا المنهج فلا بدَّ من أن يشقى.
والمقولة التي تعرفونها جميعاً هو أنه: ما من مشكلةٍ على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسببِ جهلٍ به، إذاً كل مصيبةٍ، كل مشكلةٍ: أساسها الجهل وعلاجها العِلم، والقرآن الكريم كتاب الله عزَّ وجل، فيه هذا كتاب مقرر ، فيه تعليمات الصانع، فمن أخذ به فقد أمسك مفتاح النجاح، ومن أهمله فقد جانب النجاح، ومن هنا قال الله عزَّ وجل:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا﴾

[سورة مريم الآية: 59]

وقد لقي المجتمع الذي جعل هذا المنهج وراء ظهره وانغمس في شهواته، لقي هذا المجتمع الغَي كما وعد الله عزَّ وجل .

الأهداف التي يستفيدها الطفل من تعليم القرآن الكريم :

إذاً في تعليم الابن القرآن الكريم, هناك أهدافٌ لا تعدُّ ولا تحصى، أول هذه الأهداف: أن القرآن الكريم فيه النُظُم التي لا بدَّ من تطبيقها في الحياة، فربنا عزَّ وجل في هذا الكتاب ذكر أشياء، وسكت عن أشياء، وأقرَّ بعض الأشياء، وبعض الأشياء تركها مَرِنَة، فالشيء المَرِن هو الذي يمكن أن يتطور وفق الزمان والمكان، والشيء الذي بَتَّ القرآن فيه, هو الشيء الذي لا علاقة له لا بالمكان ولا بالزمان ولا بالبيئة, والشيء الذي سكت عنه القرآن الكريم, هو الذي لا يتعلق بسعادة الإنسان ولا باتصاله بخالقه.
فحينما يعلِّم الأب ابنه كتاب الله عزَّ وجل، يكون قد أدى ما عليه من حقوقٍ تجاه الدين.
لكن هنا ملاحظة مهمة جداً: يربي الأب ابنه, فهذا عمل يختلف اختلافاً كلياً عن أي عمل آخر، فمثلاً:
أن تمسك بقطعة خشب وتنجِّرها وفق ما تريد، فهذا أمر سهل لأن قطعة الخشب مطواعةٌ لك، فأنت تفعل بها ما تشاء؛ تقطعها، تنجِّرها، تصلها بأختها، ولكن الابن له اختيارٌ مستقلٌ عن أبيه، فكأن الأب مطالب أن يبذل العناية الكافية، ولكن ليس على الأب أن يحقق النتائج المرجوة في ابنه، فهذا فوق مقدور الإنسان، لأن الله عزَّ وجل ضرب بسيدنا نوح مثلاً، ابن سيدنا نوح، ومن هو سيدنا نوح؟ نبيٌ كريم, قال:

﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾

[سورة هود الآية: 42-43]

وبعد بضع آيات قال:

﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقّ ُ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾

[سورة هود الآية: 45-46]

أنا ذكرت هذا الكلام حتى يبذل كل أب أقصى جهده في تربية ابنه، ولكن أحياناً مع بذل غاية الجُهد وأقصى العناية والتوجيه، فالابن قد يأخذ موقفاً آخر لأن الابن مخَيَّر، من هنا قال الله عزَّ وجل للنبي -عليه الصلاة والسلام-:

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾

[سورة البقرة الآية: 272]

وهذه آيةٌ ثانية في الموضوع ذاته:

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾

[سورة القصص الآية: 56]

وآيةٌ ثالثة :

﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾

[سورة هود الآية: 86]

وآيةٌ رابعة :

﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾

[سورة الغاشية الآية: 21-23]

فعلى الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح، هذا الكلام أريد أن أذكره, لئلا يتألَّم أبٌ بذل قصارى جهده في تربية ابنه، وفي تعليمه، وفي إرشاده، وفي توجيهه، فرأى هذا الأب ابنه في طريقٍ آخر، وفي وادٍ آخر، ولم يستجب له, النجَّار علاقته بقطعة الخشب شيء، والأب علاقته بابنه شيءٌ آخر، لو أن عناية الأب وحدها كافيةٌ لهداية الابن, لما نشأ ابنٌ عاقٌ عند أبٍ مؤمن.
ولكن كما يُمسك الطبيب مريضاً, فيبذل الطبيب قصارى جهده في معالجته، وتشخيص دائه، ووصف الدواء المناسب، ثم تنتهي مهمة الطبيب عند بذل العناية، ولذلك أجمع الفقهاء على أن أجرة الطبيب ليست من المعاوضات، ما هي المعاوضات؟ .
أي حينما تشتري بيتاً تدفع العِوَض، تستلم المَبيع وتدفع الثمن، فهذا عقد معاوضة، الإيجار والبيع وما شاكل ذلك، ولكن أجرة الطبيب والمحامي سمَّاها العلماء جُعالة؛ أي أن الطبيب يستحقها لا عند شفاء المريض ولكن عند بذل العناية الكافية، يأكل الطبيب أجرته حلالاً مائة في المائة إذا بذل العناية الكاملة للمريض، أما أن يشفى المريض أو أن لا يشفى فهذا شيءٌ آخر بتقدير الله وبعلمه.
إذاً: شأن الأب كشأن الطبيب, هناك بعض المهن تكون العلاقة خلالها بينك وبين الإنسان الآخر علاقة عناية وبذل جهدٍ ليس غير، لكن بالمقابل هناك أخطاءٌ كثيرةٌ عند الأبناء سببها تقصير الآباء، وكل إنسانٍ يعلم بالضَبط ما إذا كان قد بذل العناية القصوى أو لم يبذل، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾

[سورة القيامة الآية: 14-15]

الأب يعرف، إذا كان انحراف ابنه أو تقصيره بسبب تقصير الأب أو إهماله، أو بسبب إصرار الابن على اختيارٍ معين، هذا الشيء يعلمه الأب وحده دون غيره، فلذلك المسؤولية تنتهي حينما تبذل قصارى جهدك مع ابنك، وإذا أكرم الله عزَّ وجل أحد الآباء بابن طيِّع بار، فأنا أنصحه نصيحةً غالية أن يسجد لله عزَّ وجل، ويشكر الله على هذه الموهبة.
أقول: على هذه الهبة, لأن الله سبحانه وتعالى قال:

﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ﴾

[سورة العنكبوت الآية: 27]

وهبنا، ومعلومٌ لديكم أن الهبة بلا مقابل، فإذا كان عند إنسان ابن صالح مؤمن، دَيِّن، مطواع، بار، فهذا من فضل الله عليه، وأنا أنصحه مرةً ثانية ألا يعزو هذا إلى تربيته، ولا إلى ضبطه، ولا إلى توجيهه، ولا إلى حَزْمِهِ، ولا إلى شدته، يجب أن يعزو هذا لفضل الله وحده, فكم من أبٍ منحرفٍ، سيءٍ، ضالٍ، مضلٍ، جاءه ابنٌ صالحٌ كأنه مَلَك؟ وكم من أبٍ مؤمنٍ مستقيمٍ, جاءه ابن منحرف؟
فهذا الحال جزء منه، داخل باختيار الإنسان، وجزءٌ آخر داخلٌ بتقدير الله عزَّ وجل، ولذا أنصح أن يتأدب الإنسان مع الله عزَّ وجل، فإذا عزوت هذا إليك، إلى قدراتك، إلى حزمك، إلى خبراتك في التربية، فهذا من الضلال ومن الشرك.
إذاً:

((حق الولد على الوالد: أن يعلمه الكتابة, والسباحة, والرماية، وألا يرزقه إلا طيباً))

الفرق بين المتعلم والجاهل .

الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، فهو نورٌ يهتدي به الحائر.
أي كما تعلمون مني سابقاً: أن هذه القيَم التي يتفاضل الناس بها في الدنيا؛ القوة، الغنى، الوسامة، الجمال، الذكاء، الصحة، هذه القيَم قد رفض القرآن الكريم أن يعتمدها قيماً مُرَجِّحَة، إلا قيمةً واحدة هي قيمة العلم والعمل به، فلذلك قال الله عزَّ وجل:

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الزمر الآية: 9]

وقال الله عزَّ وجل :

﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾

[سورة طه الآية: 114]

والفرق الدقيق الدقيق بين الإنسان الذي أكرمه الله بالعلم، وبين الإنسان الذي بقي جاهلاً هو فرقٌ كبيرٌ جداً فهما لا يستويان، فلذلك على الأب أن يحرص على تعليم ابنه في الدرجة الأولى المنهج الإلهي الدقيق.
فمرة ثانية، وثالثة, ورابعة: إذا كانت لديك آلة معقدة جداً، غالية جداً، ذات نفع عظيم جداً، وأنت حريصٌ عليها حرصاً بالغاً، إذا كنت حريصاً عليها، وإذا كان ثمنها باهظاً، وإذا كان نفعها عظيماً, فما عليك إلا أن تقرأ كتاب التعليمات المرافق لهذه الآلة وإلا خسرتها.
والقرآن الكريم في جوهره تعليمات الصانع لهذا الإنسان الأول، لذلك إذا جاء الأب بابنه وأحضره ليعلمه القرآن الكريم؛ ليعلمه تجويده، ليعلمه تفسيره، ليعلمه أحكامه، ليعلمه إعجازه، هذا الوقت الذي يبذله الأب، أو يمضيه الأب في تعليم ابنه القرآن الكريم, هو توظيف الموقت واستثمارٌ له، وليس تضييعاً كما يتوهم جهلة الناس.
أعرف أباً بلغ من نجاحه في الدنيا مرتبةً عاليةً جداً، فقد نجح في تجارته وفي صناعته إلى درجة أن تفرَّد في الشرق الأوسط في صناعةٍ معيَّنة، فحاز بها قصب السبق ودخلت عليه الأموال بغير حساب، ولكنه أهمل أولاده، نشؤوا على المعاصي، والانغماس في الشهوات، قُبَيْلَ وفاته قال لزوجته باللغة الدارجة: يا فلانة فرطنا بالذهب واتَّبعنا الفحم, لأنه هذه الأموال الطائلة سوف تغدو بين أيدي أبناء فسقة منحرفين، فعرف هذه الغلطة الكبيرة.
من هنا سيأتي معنا: أن خير كسب الرجل ولده؛ أي مهما بذلت من وقتٍ، من جهدٍ، من تعليمٍ، من توجيهٍ، من حلمٍ، من صبرٍ، من خسارةٍ، إذا أمكنك أن تصل بهذا الابن إلى الطريق الصحيح, فأنت الرابح الأكبر. بعض الأبيات الشعرية اللطيفة :

بالعلم تحيا نفوسٌ قط ما عرفت
من قبل ما الفرق بين الصدق والمَيْنِ
العلم للنفس نورٌ يســتدل به
على الحقائق مثــل النـور للعين

-المَيْنِ: هو الكذب-.

ولولا العلم ما سعدت نفوسٌ ولا عرف الحلال من الحرام
فبالعلم النجـاة من المخازي وبالجهل المــذلة والرغام

أنا مرة ضربت لكم مثلاً: عامل في بعض المطارات أثناء تنظيف الطائرة, رأى غرفة العجلة -والطائرة وعندما تكون جاثمة, فإن عجلاتها على الأرض، فوق العجلة غرفة كبيرة, حينما تُقلع الطائرة، فإن هذه العجلة تُرفع من قِبَل الطيار، من أجل ألا يعيق حجمها حركة الطائرة- هذا العامل نظر إلى هذه الغرفة رآها واسعة، قال: لمَ لا أقبع بها, وأنتقل من مطار إلى مطار, بلا أجور، وبلا رسوم، وبلا جواز سفر، وفي ذاك البلد أعمال كثير جداً؟ فصعد إلى هذه الغرفة، فلما أقلعت الطائرة, اضطر ربان الطائرة -حسب تعليمات القيادة- أن يرفع العجلة للغرفة المخصصة بها، فابتعدت جوانب الغرفة عن بعضها لتأخذ العجلة مكانها، فسقط هذا الإنسان على أرض المطار من على ارتفاع ثلاثمائة متر، فمات فوراً.
هذه قصة أُعلِّق عليها أهميةٌ كبرى، ما الذي قتل هذا الإنسان؟ جهله، هل كان يريد أن يموت؟ لا والله، كان يظن أنه ذكيٌ جداً، وأنه سوف يوِّفر رسوم السفر، ورسوم الخروج, وجواز السفر، وينتقل بلا قيود ولا شروط إلى بلد آخر، ولكن لو عرف أن هذا المكان مكانٌ لا بدَّ من أن يموت الإنسان فيه إذا دخله, لما ألقى به وأوردها حتفها.
قال لي واحد: لو كان في الغرفة مكان ثابت وغير متحرك ليبقى فيه الإنسان, لمات بسبب البرد, إذ تبلغ الحرارة في الجو خمسين تحت الصفر فيموت برداً، إذاً: أعدى أعداء الإنسان هو الجهل، فإذا علمت ابنك القرآن الكريم، الإنسان العالم إنسان ثمين جداً، هل هو شخصية فَذَّة؟ والجاهل مهما ارتفع قدره في الدنيا, هذا ارتفاعٌ هوائيٌ لا قيمة له، مهما انتفخ جيبه، هذا غنىً لا قيمة له، لأن الله عزَّ وجل قال:

﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾

[سورة طه الآية: 114]

وسيدنا علي -كرم الله وجهه- يقول: العلم خيرٌ من المال, لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.
وأنا أذكر أخاً قبل اثنتي عشرة سنة، بعد خطبة الجمعة سألني سؤالاً والدموع من عينيه تسيل: إن زوجته خانته، وله منها خمسة أولاد، وهو في بحبوحة، يسكنها بيتاً فخماً، وهو يعجب لماذا حدث هذا؟ ماذا يفعل؟ أيطلقها؟ أيسكت عنها؟ أيعفو عنها؟ تكلَّم والبكاء والدمعة تترقرق من عينه والألم يعتصر قلبه, قلت: كيف حصل هذا؟ قال لي: من سنتين تقريباً وأنا لا أدري, مع من؟ مع جارنا, لكن كيف تعرف على زوجتك؟ قال لي: والله أنا السبب، فقد طرق علينا الباب ذات مرة زائراً فأمرتها أن تجلس معنا، وكان الحريق المدمر من تلك الشرارة الواهية.
فهذا الزوج لو كان يحضر مجالس العلم، ولو عرف الحرام من الحلال، وأن هذا يجوز وهذا لا يجوز ما وقع في هذه الورطة، فلما يترك الإنسان نفسه بلا علم، يدفع الثمن غالياً في تجارته، في بيعه، في شرائه، في زواجه، في أولاده، في صحته أحياناً.
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
فالله عزَّ وجل كرم الإنسان بالعلم، فإذا أهمل العلم وقع ضحية الجهل, وليس العار أن تكون جاهلاً، ولكن العار كل العار أن تبقى جاهلاً.
إذا أحببت إيضاحاً أكثر: فما من قصةٍ تصل إلى أذنيك إن حلَّلْتها, تَرى أن هذا الطلاق، وأن هذا الإفلاس، وأن هذا المرض العُضال -أحياناً أقول أحياناً- وأن هذا الخلاف الزوجي، وأن هذه الجريمة، وأن هذه المشكلة، وأن هذه الفضيحة، وأن هذه الفِتنة سببها معصية، وأن هذه المعصية سببها الجهل، لذلك: العلم نور وهدى.
اللهم صلِّ عليه قال:

((إنما بعثت معلماً))

بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- في أصلها بعثة تعليم.

حقيقة مسلم بها :

وبالمناسبة: يا أخواني, الإنسان يحب ذاته، هذه حقيقةٌ مُسلَّمٌ بها، والمطلب الثابت للإنسان في كل مكانٍ وفي كل زمان: السلامةُ والسعادة، ولو سألت خمسة آلاف مليون من البشر واحداً واحداً: ماذا تريد؟ يقول لك: السلامة من كل مرض، من الفقر، من الخوف، من الشقاق الزوجي، من الضعف، من الذل، من أن أفقد حريتي، وأتمنى البحبوحة في المال، والسعادة الزوجية، و و....
إذاً: أنا أستطيع أن أقول: إن المطلب الثابت لكل إنسان في كل مكانٍ وزمان هو السلامة والسعادة، والسلامة والسعادة لا تكونان إلا إذا سرت على منهج الله:

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه الآية: 123]

هذا كلام ربنا، والله الذي لا إله إلا هو, لزوالُ الكونِ -لا أقول الأرض بل الكون- أهون على الله من أن كون هذا الكلام غير صحيح:

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه الآية: 123]

لا يضل عقله ولا تشقى نفسه:.

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 38]

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[سورة النحل الآية: 97]

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[سورة طه الآية: 124]

﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾

[سورة طه الآية: 125 -126]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

وهكذا ....
إذا علّمْتَ ابنك القرآن فقد علمته منهج الحياة حقيقة، والقرآن ليست وردةً تتزين بها، أنا تعلمت القرآن, وأنت إذا تعلمت القرآن تعلمت أهم شيء في حياتك، تعلمتَ المنهج.
مرةً ضربتُ مثلاً: كمبيوتر ثمنه ثلاثون مليوناً لتحليل الدم، وكل كبسة زِر أجرها ألف ليرة، وينتظر مائة زبون بالدور، نقطة دم تضعها وتكبس زراً يعطيك أربعةً وعشرينَ تحليلاً بكبسة زر واحدة، وكل نتيجة مسجلة على الورق، هكذا حاسوب، وعندك مائة زبون ينتظرونك، وكل زبون بألف ليرة، مائة ألف كل يوم، مبلغ ضخم، هذا الحاسوب اشتريناه، لكنْ حدث خطأ هو: أن الشركة نسيت أن تبعث لنا كتيب التعليمات، إن شغلته من دون تعليمات تخربه، وإن خفت عليه عطلت المائة ألف دخله كل يوم، يا ترى أليست هذه التعليمات أهم مِن هذا الجهاز؟ إن استعملته بلا تعليمات خرَّبته، وإن خفت عليه فلم تستعمله، جمدت ثمنه وفاتك ربح وفير, إذاً: يمكن أن تركب الطائرة وأن تدفع عشرات الألوف كي تحصل على هذه التعليمات.
إن القرآن الكريم في علاقته بالإنسان لأخطر من هذه التعليمات؛ أخطر بكثير وأهم، كيف تعيش؟ كيف تفكر؟ كيف تعتقد؟ كيف تقف؟ كيف تَصِل؟ مَن تصل؟ مَن تقطع؟ مَن تعطي ؟ مَن تمنع ؟ كيف تتعامل مع شهواتك؟ هذه الشهوة مسموح بها، هذه ممنوعة، هذه محرمة، هذا مكروه، هذا محرَّم، هذا واجب، هذا مُباح، هذا فرض، فالإنسان بلا علم بهيمة، وإن كانت الكلمة قاسية: بهيمة، وأنا أقول: دابة فلتانة، دابة جموح, فلتانة، هكذا الإنسان بلا علم, لذلك:

((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))

[أخرجه ابن ماجه في سننه]

أي على كل شخصٍ، أي على كل مسلمٍ ومسلمة بالتعريف الدقيق .

وصف للقرآن الكريم من قبل إنسان غير عربي :

هناك إنسان وصف القرآن الكريم وهو ليس عربياً، لكن هؤلاء الذين يؤمنون بدافع قناعتهم وسلامة فطرتهم فقط، يفعلون المستحيلات.
قال هذا الإنسان العالم الدكتور: إن القرآن الكريم هو بمثابة ندوةٍ علمية للعلماء، ومعجم لغةٍ للغويين، ومعلم نحوٍ لمن أراد تقويم لسانه، وكتاب عروضٍ لمحب الشعر وتهذيب العواطف، ودائرة معارف للشرائع والقوانين، وكل كتابٍ سماوي جاء قبله لا يساوي أدنى سورةٍ من سوره في حُسن المعاني وانسجام الألفاظ، ومن أجل ذلك نرى رجال الطبقة الراقية من الأمة الإسلامية يزدادون تمسكاً به، واقتباساً لآياته، ويبنون عليها آراءهم كلما ازدادوا رفعةً في القدر ونباهةً في الفكر.
أي أنه كتاب شامل، فدائماً ضع الفرق بين القرآن وبين كلام البشر، ادخل لمكتبة، فلو أن فيها مائة ألف مجلد، كل هذه المجلدات من تأليف البشر، والإنسان يخطئ ويصيب, ففي كلٍ منها تجد الخطأ والصواب، لكن كلام الله عزَّ وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, لذلك:
دخل إنسان إلى مكتبة في إيطاليا، فلفت نظره القرآن الكريم مترجماً، فسأل صاحب المكتبة: مَن مؤلف هذا الكتاب؟ فقال له: خالق الكون, وهو مغنٍ شهير، فاشترى الكتاب وقرأه مترجماً، ويبدو أنه آمن به، الآن هذا المغني الشهير من المؤمنين المتفوقين، ترك الغناء وصار يشتري كل تسجيلاته ليحرقها، يشتريها بماله، بثروته الطائلة، وهو حالياً يعيش في لندن.
فهذا كلام الله عزَّ وجل، منهجك في الحياة، إنسان بلا منهج كالبهيمة.

ضرورة تعليم القرآن للإطفال :

فإننا نرحب بكل أخ عنده ابن حريص عليه، ونحن عندنا معهد تحفيظ القرآن الكريم، طبعاً تحفيظه، وتجويده، وتعليم أحكامه أحياناً، وشيء من علومه وتفسيره، كذلك درس التفسير, هذا درس مهم جداً، لماذا هو مهم؟ هذا منهجنا في الحياة، فهل هناك عمل أخطر وأهم وأعظم من أن تتعلم المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه؟.
فقد يقول أحدنا: الفصل شتاء فإلى أين نذهب لنسهر فالليل طويل؟ درس التفسير جيد, نذهب ونسمعه عقب صلاة العشاء, لا, ليس هذا الموضوع بل الموضوع أخطر من ذلك، لا لأن الفصل شتاء، فهذا صار ذبوناً شتوياً، بل لأن هذا منهج منهجك بالحياة، فإذا عرفت ما هو التوكل؟ ما هو الصدق؟ ما هو اليقين؟ ما هو التوحيد؟ ما هو الشرك؟ فقد عرفت الخير والإيمان حقاً.
هذه أشياء خطيرة جداً تدخل في صميم حياة كل إنسان، لذلك حضور مجلس علم هو الأجدى، وليس قولك: اليوم عندي فراغ وليس لدي ما يشغلني، أو أن أقول: أنا مشغول لا أقدر أن آتي, فموضوع أن تكون مشغولاً أو غير مشغول، الفصل شتاء، والليل طويل، لا يوجد شيء يشغلني، هذا كله مرفوض, ما من عملٍ أعظم من أن تتعلم منهج الحياة وهو القرآن.
ولابنك محل آخر عندنا، لدينا معهد يعلمه التجويد مبدئياً، يعلمه التحفيظ، مع شيء من أحكام القرآن، وشيء من العقيدة، يعلمه شيئاً من السُنَّة أحياناً، فلذلك على الإنسان أن يحرص على ذلك، عندنا لكل المستويات، عندنا ابتدائي، وإعدادي، وثانوي .

6-أن يعلمه السباحة :

الحق الآخر: أن يعلمه السباحة.
أحياناً باللغة أنت تذكر الجزء وتريد الكُل، مثلاً: الفقراء والمساكين, العلماء قالوا:
إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
كيف؟ أي أن الله عزَّ وجل إذا قال: للفقراء والمساكين, معناها: أن الفقراء هم الذين لا يجدون حاجتهم، دخل أحدهم أقل من حاجته، أما المساكين فهم الذين لا يستطيعون العمل، أو هم بلا أعمال، إذا اجتمعا افترقا، ولكن إذا افترقا اجتمعا, فإذا قال ربنا عزَّ وجل: للفقراء؛ أي للفقراء والمساكين، إذا قال: للمساكين؛ أي للفقراء والمساكين، حيثما اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- عندما قال في حديثٍ رواه البيهقي:

((أن يعلمه الكتاب والسباحة ....))

أنا أعتقد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقصد بالسباحة مدلولها بالذات، بل مدلول السباحة عموماً, لأنها تحرِّك كل عضلات الجسم، فكأنه لما ذكر هذا النوع من الرياضة, وأراد به كل أنواع الرياضة، فقد يكون الإنسان بمكان لا يوجد فيه أنهار أو مسابح إطلاقاً، كما هو الحال في بعض القرى، إذاً صار المقصود من السباحة هنا, أي يجب أن ينشأ ابنك في بنيته الجسمية نشأةً قوية، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

لكن روعة الحديث: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قيَّد القوة بالإيمان، لأن القوة وحدها شيءٌ خطير، شيءٌ مخيف، شيءٌ مدمِّر، أما المؤمن القوي، لم يقل: القوي, بل المؤمن القوي، لأن الإيمان فيه ضوابط:
الإيمان قَيْدُ الفتك ولا يفتك مؤمن.
المؤمن القوي، والإنسان -كما قال سيدنا علي، هذا كلام واقعي وخطير- أعظم نعمةٍ تمتلكها ما هي؟ نعمة الإيمان.
فسيدنا عمر إذا أصابته مصيبة, كان يقول: الحمد لله إذ لم تكن في ديني ...
أي أن أعظم نعمة ألا تكون واقعاً في الكبائر، ألا تكون ذا مالٍ حرام، ألا تكون مصلحتك لا ترضي الله عزَّ وجل، ألا يكون في بيتك منكر لا تستطيع أن تزيله، هذه أكبر مصيبة، بل هي مصيبة المصائب، فإذا كان الإيمان، ما هي أكبر نعمةٍ بعد الإيمان؟ أكبر نعمة -أقول وأعني ما أقول-: هي الصحة, فما قيمة المال من دون صحة؟ لكن ما هي أكبر نعمةٍ بعد الصحة؟ أن تكون مكتفياً, لذلك: الإيمان والصحة والكفاية إذا توافرت لك, فالدنيا كلّها لا تعدل شيئاً أمامها، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :

((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ, مُعَافًى فِي جَسَدِهِ -الآمن أي مطمئن إلى ربه- عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ, فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))

[أخرجه الترمذي في سننه]

فالإنسان متى يطمئن؟ هل يطمئن إنسان عاصٍ؟ أبداً فهو في قلق، لا يطمئن إلا المؤمن، والدليل :

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِي آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة الأنعام الآية: 81-82]

هذه آية قرآنية، أي لا تمتع بنعمة الأمن حصراً إلا المؤمن.

﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾

[سورة الحشر الآية: 2]

أقوى إنسان في الأرض، أغنى إنسان في الأرض، إذا أشرك, قذف الله في قلبه الخوف، وقد ذكرت هذا في درس الشِرك، كيف أن أصحاب أموال الطائلة إذا اعتمدوا على أموالهم فهم معذَّبون, كيف؟ لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾

[سورة الشعراء الآية: 213]

لكن كيف يعذَّب هذا الغني؟ هذا الغني يعذب بخوف فقد المال، هذا عذاب، وإذا فقده يعذب بفقده، فهو إن كان معه المال معذبٌ بخوف فقده، وإن فقده معذبٌ بفقده، في كلا الحالين هو معذب، لذلك: أعظم نعمةٍ أن تكون مؤمناً:
آمناً في سربه.
إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.
فالسكينة هي الطمأنينة:

((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ, مُعَافًى فِي جَسَدِهِ -صحة- عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ, فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"بحذافيرها))

[أخرجه الترمذي في سننه]

إذاً: صحة الجسد شيءٌ مهم، والحقيقة: أن الجسد مطيَّتك إلى الله عزَّ وجل، فمن الناس من يقول: يا أخي إن العمر محدود, وهذا صحيح, لكن هل من الممكن لأحد الناس أن يعيش ثلاثةً وثلاثين عاماً مسطحاً على ظهره أو واقفاً على قدميه؟ العمر هو العمر، لكنك إذا اعتنيت بصحتك، بين أن تعيش هذا العمر في راحةٍ وطمأنينة، لأنه جسمك مطيَّتك، الإنسان بالصحة يعمل، ويدرِّس، ويدعو إلى الله عزَّ وجل، ويكسب المال، ويفعل كل شيء، أما إذا تعطلت صحتك, فإنك تتعطل عن العمل بسبب المرض، فالقضية خطيرة جداً، أي أن العناية بالصحة, أريد أن أقول شيءٌ يلي الإيمان في الأهمية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((علموا أولادكم الكتاب والسباحة))

المقصود بالسباحة؛ أي الرياضة، فالإنسان بطعامه، بشرابه، وبكل أموره, يجب أن يكون دقيقاً, وإلا فالخسارة محققة.
سمعت من يومين أن سرطان الفم أسبابه -هذه نصيحة للأخوان- إذا كان لديك سن انكسرت ولم تقلعها، إذا وجد نتوء حاد بالفم والإنسان بدافع الفضول يدأب بلسانه ليحكه، هذا التخريش أحد أسباب سرطان الفم، إذا انتبه الإنسان لهذه النقطة, فإنه لن يترك شيئاً من النتوءات الحادة بفمه، لأن الحركة الدائمة مع النتوء الحاد يسبب تخريشاً، هكذا سمعت من طبيب يقول، فالعلم مهم حتى في صحتك، هناك مواد مؤذية، ومواد مخرشة، ومواد كيميائية، وأصبغة إذا تراكمت, تسبب أمراضاً معينة، فالإنسان قبل أن يأكل، قبل أن يشرب، قبل أن يتحرك, قبل أن يفعل هذا كله, عليه أن يكون واعياً من أجل سلامته.
وقد يُبهر البعض فيقول: جهاز يسخن الأكل خلال ثوانٍ, هذا الجهاز أساسه تخريب الخلايا، يا ترى: هل أنت متأكد مائة بالمائة أنه لا خطر منه؟ لا تعرف، تضع الطعام في صحن بارد، واللحمة مثل الحطبة، وخلال ثوانٍ يصبح اللحم مثل النار, والصحن بارد، يتعرض الطعام لإشعاعات تخرب الخلايا وتسخنه, هذا إنجاز حضاري عظيم, لكن يا ترى: هل نحن متأكدون أن هذا الإنجاز الحضاري ليس له مضاعفات ثانية؟ لا نعرف، لذلك على الإنسان أن يبقى طبيعياً في شؤونه، فكل إنجاز حضاري قد يكون له أخطار كبيرة تكتشف بعد سنوات من وجوده، فأنا ليس عندي معلومات دقيقة حول هذا الموضوع، ولكن مجرد استنباط عام، فقد يكون هناك شيء ضار، هذا الطعام الذي تم تحضيره بثوانٍ حسب الظاهر؛ أنه إنجاز سريع، تسخين سريع.

قصة بين فيلسوف وملاح :

قالوا: إنَّ فيلسوفاً من كبار الفلاسفة ركب سفينة, فالتقى بملاَّح على ظهر السفينة، فسأله عن درجة علمه: ما معك من شهادات؟ هذا الملاح قال له: والله لا أعرف شيئاً, قال له : إنك لا تنفع مطلقاً لأنك لا تعرف شيئاً, ما قيمتك بالحياة ألم تدرس أبداً؟ فقال له الملاح: يا مولاي أتعرف السباحة؟ قال: لا إنها لا تجدي نفعاً, واتفق بعد زمنٍ يسير أن حدث هياجٌ واضطرابٌ عظيمٌ في البحر، حتى أشرفت السفينة على الغرق، فدنا الملاح من هذا الفيلسوف العظيم, وقال: يا سيدي إننا هالكون لا محالة, فهل تعرف السباحة؟ فقال الفيلسوف: والله لا مفر لي من الموت، ولا حيلة بيدي, فقال الملاح: ادعُ معارفك وعلومك لعلها تنجيك, فقال الفيلسوف: إن معارفي لا تنجي من الغرق, فقال الملاح: أما أنا فأعرف السباحة، وهي تنجي من الغرق بإذن الله، رغم أنك قلت لي قبل قليل: أنها لا تجدي نفعاً, وها أنت الآن تعرف أنها تجدي حقاً.
وبينما هما يتكلمان, لطمت الأمواج السفينة فقلبتها, وسقط من فيها في الماء، فأمسك الملاح الفيلسوف بإحدى يديه وسبح بالأخرى حتى نجا كلاهما، فقال الفيلسوف: صدقَ من قال: علمك بالشيء خيرٌ من الجهل به .
المؤمن -شيء عالٍ- إن كان يسبح، وكان جسمه قوياً، وهو ذو مصلحة, بيده مهنة، يقول أحدهم: أنا كهربائي، أنا خياط، أنا مزارع, شيء رائع جداً.
فسيدنا عمر يقول: إني أرى الرجل ليس له عمل يسقط من عيني.
وقال سيدنا علي: قيمة الرجل ما يحسن.
لذلك: المؤمن الذي بيده حرفة, مصلحة، تجارة، صناعة، حرفة, خدمات، دارس، مدرِّس، طبيب، مهندس، خيَّاط، نجَّار، حدَّاد، فهو إنسان نافع، إذاً تعلَّم للآخرة، وتعلَّم مصلحة للدنيا، واجمع بينهما، و ..:

ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا واقبح الكفر والإفلاس في الرجل

إذاً: السباحة بمعنى مُطلق القوة؛ القوة الجسمية، الرياضة البدينة.

قواعد فقهية :

لكن بالمناسبة: الآن لا بدَّ من التحفُّظ, فأذكركم بالحكمة الثانية:
دع خيراً عليه الشر يربو .
لو فرضنا أني أردت أن أعلم ابني السباحة، والمسبح فيه كشفٌ للعورات، أو على شاطئ فيه نساءٌ كاسيات عاريات، هذه سباحة ولكن معها فسادٌ كبير.
وعندنا قاعدة فقهية تقول:
دَرْءُ المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع.
أي أنك إذا علمت ابنك السباحة, وفسدت أخلاقه من جراء ذلك, وانجرف إلى شهواتٍ محرمة، وضيّع دينه ودنياه وآخرته، ماذا تجديه السباحة؟.
أريد أن أعلم ابني اللغة الإنكليزية مثلاً, قالوا لي: أفضل شيء ابعثه إلى بريطانيا، إذا لم يقم لدى أسرة قد اختلط بأفرادها شهراً بكامله، وصار لديه براتيك –محادثة- فإنه لا يتقوّى, شيء جميل، بعث ابنه إلى مجتمع فاسد منحرف، الزنا في هذا المجتمع كشربة الماء، شاب في مقتبل حياته مثل الوردة, تضعه في أسرة فيها صبايا وفتيات، والأب منحرف، والأم منحرفة، رجع الابن يُتقن البراتيك ولكنه رجع زانياً، فما قولك؟ أيُّ براتيك هذا؟ .
دع خيراً عليه الشر يربو.
درء المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع.
أحياناً تكون مصلحة تجارية رائجة جداً، لكن في السوق فيه فساد كبير، والربح ثلاثون بالمائة، وكل يوم رواج وبيع، لكن كل العلاقة مع النساء، علاقة صارخة مع النساء، الإنسان يصبر يوماً، يومين، شهراً، ثم بعد ذلك يستسلم، بعد ذلك تزل قدمه:
درء المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع.
قاعدة أساسية، فإذا تحدثنا عن الرياضة والسباحة, فالحديث جميل بشرط ألا نضيع من أجلها أخلاق أبنائنا، هذه قاعدة مهمة جداً، كشف العورات، الاختلاط، هذا كله يتناقض مع قواعد الدين.
في أحاديث أخرى :

((علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية))

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول :

((ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

وهذا من إعجاز النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأحدث سلاح الآن أساسه دقة الرمي، والآن اسمع:
يقول لك الخبراء: الخطأ متر.
إن كان السلاح مدافع، وإن كان صواريخ، وإن كان صواريخ موجهة، وأي سلاح، قوة السلاح بدقة إصابته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول :

((ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

هذا الحديث الشريف من أحاديثه التي تُنْبِئ عن نبوته صلى الله عليه وسلم .
ويقول في حديثٍ آخر رواه أبو داود :

((ارموا واركبوا, ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبةً عنه فقد كفر))

أي كفر هذه النعمة نعمة الرمي، طبعاً هذا كله من أجل إعداد العدة من أجل قتال الأعداء .
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يشجِّع أبناء المسلمين على الرمي:
فعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال:

((مر النبي -عليه الصلاة والسلام- على قوم ينتضلون؛ -أي يستابقون في الرمي- فقال: ارموا بني إسماعيل, فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان -فريقان انضم النبي لأحد الفريقين, وقال: ارموا أنا مع بني فلان- فأمسك أحد الفريقين بأيديهم -الفريق الثاني توقف عن الرمي- فقال عليه الصلاة والسلام: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: يا رسول الله كيف نرمي وأنت معهم؟ -فهل نتسابق مع قوم أنت معهم!! لا يعقل هذا؟ إنه منتهى الأدب, كيف نرمي وأنت معهم؟- عندئذٍ قال عليه الصلاة والسلام: ارموا وأنا معكم جميعاً))

أي أنا مع الفريقين فتنافسوا. هذا من تشجيعه صلى الله عليه وسلم للرماية .
وفي حديث آخر رواه الطبراني :
كل شيءٍ غير ذكر الله فهو لهوٌ أو سهوٌ:

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 5]

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 1-3]

فسر القرطبي هذه الآية: بأن اللغو هو كل ما سوى الله هو لغو-، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

((كل شيءٍ غير ذكر الله فهو لهوٌ أو سهوٌ, إلا أربع خصال؛ مشي الرجل بين الغرضين -بين الأهداف أي تعلمه الرمي- وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة))

أي إذا قعد الإنسان مع أولاده، فليس هذا لهواً, فقد كان النبي يمشي على يديه ورجليه ويركب الحسن والحسين على ظهره.

الفرق بين اللهو وملاعبة الأطفال

ويقول:

((نعم الجمل جملكما, ونعم العدلان أنتما))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت بنتٌ صغيرة جارية تأخذ بيده وتقوده حيث شاءت، فإذا الإنسان دخل بيته أحداً, صار هذا القادم واحداً من أهله، داعب أولاده، أدخل على قلوبهم السرور، كن بسَّاماً، كن ضحَّاكاً، هذا ليس من اللهو، لأن هؤلاء لهم حقٌ عليك، والرجل العظيم هو عظيم خارج بيته, أما إذا دخل بيته فهو إنسان عادي بين أهله.
المشي بين الغرضين, وتأديبه فرسه, وملاعبته أهله, وتعليمه السباحة.

7-ألا يرزقه إلا طيباً :

الآن: الحق الثالث: ألا يرزقه إلا طيباً.
والمراد بالرزق الطيب الكسب الحلال، ومعنى ذلك: أن يتحرى الحلال في تجارته، وأن يؤدي الأعمال بإتقان, قضية دقيقة جداً, فإذا كنت صانعاً صاحب مهنة، وطلبت أجراً لهذا العمل مبلغاً معتدلاً جداً ومناسباً، لكن الأداء مستواه منخفض، هذا الأجر الذي تأخذه أجرٌ حرام، هذا مثل بسيط:
قريب لي اضطر إلى أن يكسر كل البلاط، بلاط رخام إيطالي بالحمام، كسرناه كله, السبب: أنبوب الماء الساخن ينحصر بالإسمنت مع خوابير، وينحصر بالجبصين، فيه يحف سريعاً، بين أن يضع الخوابير حتى يحصر الأنبوب, ويضع له إسمنت, وينتظر خمس ساعات لكي يجف، وبين أن يضع قطعة من الجبصين بعد خمس دقائق جفّّت فتثبت، الجبصين يأكل الحديد أكلاً، فخلال عدة سنوات يحدث ثقب كبير قدر الباهم في الأنبوب، فهذا مبلط بالرخام، والحمام قَلد بسيراميك، والمالك أحسن كساءه، وقد دفع دم قلبه بهذه الكسوة، وأنت لكي تختصر خمس ساعات, ثبت الأنابيب بالجبصين, فماذا حصل؟ بعد خمس سنوات الحيطان سال الماء عليها، فاضطر صاحب المنزل لإصلاحها لتكسير كل الرخام، نتيجة إهمال مقصود من قبل العامل، ولذلك الأجر الذي يأخذه صاحب المهنة, إذا أهمل مهنته أو أساء أو أدَّاها أداءً منخفضاً, هذا الأجر حرام، سرقة، ولذلك: فإتقان العمل جزءٌ من الدين.
قال عليه الصلاة والسلام:

((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))

يقول بعضهم: أنا صلاتي متقنة, وأنا أقول: إذا لم يكن عملك متقن, فكل صلاتك ليست لها قيمة، لأن الدين في التعامل.
قال له: هل عاملته بالدرهم والدينار؟ هل حاككته؟ هل جاورته؟ قال: لا، قال: إذاً أنت لا تعرفه.
فالدين لا يبدو في الصلاة والصوم والحج والزكاة، الدين يبدو في أداء العمل، العمل المتقن، فبالمهن كلها هناك أشياء مخيفة جداً.
أحدهم باع طقم كنباة, جاء لبيت الذي اشتراه ضيوف, فمن أول يوم قعدوا نزل، سارع لعند البائع قائلاً: نزل, قال له: يمكن أنكم قعدتم عليه، استعملته؟ فلماذا اشتراه؟ هل اشتراه ليقف بجانبه أم ليقعد عليه؟.
إذاً: الكسب الحلال، ومعنى الحلال: أن يتحرى الحلال في تجارته, وأن يؤدي أعماله بإتقان, حتى يكون كسبه حلالاً.
الآن بالتصريح, يقول له: هذه البضاعة متينة, قل له الحقيقة: هذه بضاعة درجة ثانية، هذه ليست أصلية، هذه فيها خيط تركيبي، يقول لك: صوف مائة بالمائة، وثمنها ثلاثمائة ليرة، والحقيقة: إذا كان صوفاً مائة بالمائة ثمنها ألف ومئتا ليرة، لماذا تكذب عليه؟ فهذا خيط تركيبي، عند الغسيل يشلف، قل له: هذا خيط تركيبي, هذا سعره، لا يوجد منها صوف مائة بالمائة كله كلام فارغ، والمشتري معه هذا المبلغ, فقنع أنه صوف مائة بالمائة فاشتراه، لو قلت له: هذا تركيبي, لما اشتراها، فأنت أخذت من تعبه، هذا اسمه عدوانٌ على الكسب.
وهناك كسب الكسب: أنت اعتديت على كسب الإنسان، أخذت من كسبه الحلال كسباً حراماً، طبعاً إذا بيَّن البائع فلا مانع، وأصبح ليس بغاش، فلو قلت للمشتري: هذا قماش درجة ثانية، هذا ينكمش، هذا خشب نوع ثانٍ، هذه طاولة مصنوعة من نشارة، يظنها لاتيه، يضع لها برغي, يغوص كل البرغي، ينساها تحت المطر فيزيد سمكها، قل له: هذه نشارة وليست لاتيه ، بيِّن له، وضِّح له .
قال عليه الصلاة والسلام:

((من أصاب مالاً في مهاوش -أي بالهيلمة- أذهبه الله في نهابر))

يذهب المال نهيباً، كيف يأتي المال يذهب.
حديثٌ ورد في الجامع الصغير:

((من أصاب مالاً في مهاوش, أذهبه الله في نهابر))

قال لي: تعاملت مع واحد أربع أو خمس سنوات، أشتري بوراً على أساس أنه أجنبي, والسعر ثلاثة أمثال، فظهر لي أنه يعطيني بللوراً وطنياً، يستنظف بعض الألواح, ويعطيني على أساس أنها من صنع أجنبي بثلاثة أمثال السعر، وإذا أذّن المؤذّن للظهر يذهب أول واحد للجامع:

((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي))

((مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

انظر الفرق: من غشنا ومن غش؛ من غش مطلقاً، لو غششت مجوسياً فلست من أمة محمد، ليس من غشنا، بل مطلق الغش فليس منا.
قال:

((الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ, أَشْعَثَ أَغْبَرَ, يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ, يَا رَبِّ يَا رَبِّ, وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ, وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ, وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ, وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ, فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك!؟))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

((يا سعد, أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))

[أخرجه الطبراني في المعجم الصغير]

معنى الغش: -وهذا بحث طويل -إن شاء الله- نعالجه- الغش بالوصف، إن قلت أجنبي وهو وطني فهذا غش، إن قلت من نوع أول، وهو من النوع الثاني فهو غش، إذا وصفته وصفاً وهو على وصف آخر فهو غش، إن كنت أعطيته وزناً أقل من وزنه، ونوعاً أقل جودة من نوعه، إن حددت له وقتاً أبعد من الوقت المطلوب، وفوّت عليه ربحاً كثيراً، فكل هذا من أنواع الغش، إذا أديت عملاً أداء لا إتقان فيه فهو غش، وهذا أيضاً يسبب الكسب الحرام.
يقول عليه الصلاة والسلام:

((من سعى على عياله من حِلِّه, فهو كالمجاهد في سبيل الله, ومن طلب الدنيا حلالاً في عفاف, كان في درجة الشهداء))

وفي الأثر أنه:

((من لم يبال من أين مطعمه, لم يبال الله عزَّ وجل من أي أبواب النيران دخل))

هذه كلمة: حط بالخرج؛ هذه كلمة الشيطان، ومثلها كلمة: لا تدقق، ضعها بذمتي, هذا كله كلام فارغ، ومن وحي الشيطان.
كلكم يعلم: أن أكل لقمةٍ من حرام يجرح العدالة، تطفيفٌ بتمرة يجرح العدالة.
الإمام ابن حنبل -رضي الله عنه- له صديق اسمه يحيى بن معين، له معه صحبةٌ طويلة، الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- هجر صديقه سنوات طويلة, لأن صديقه قال: إني لا أسأل أحداً شيئاً ولو أعطاني الشيطان شيئاً لأكلته, -هكذا قال له صديقه-، فحينئذٍ غضب ابن حنبل حتى اعتذر يحيى، وقال: " كنت أمزح, فقال: " تمزح بالدين؟! أما علمت أن الأكل من الدين؟!!
بل هو أخطر ما في الدين، قدمه تعالى على العمل الصالح.
في قوله تعالى في سورة المؤمنون الآية الحادية والخمسون:

﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً﴾

[سورة المؤمنون الآية: 51]

الله عزَّ وجل قدم الأكل الحلال على العمل الصالح؛ أي أن عملك الصالح من دون أن تأكل مالاً حلالاً لا قيمة له:.

﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 51]

إذاً: العمل الصالح ليس مجدياً إلا إذا كان كسب المال في الأصل حلالاً .
أبناء أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- كانوا يوصون أباهم قبل أن يذهب إلى العمل، يقولون له: اتقِ الله فينا ولا تعد علينا إلا بالحلال، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على عذاب الله.
إن شاء الله في الدرس القادم نتابع حقوق الأبناء على آبائهم، واعتقد أن هذه الموضوعات تمس كل إنسان منا، وهي مهمة جداً, لأنه ما من إنسان إلا وله أب أو ابن, فليعرف إذا كل واحد منهما ما له وما عليه . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور