وضع داكن
21-11-2024
Logo
الحقوق : حقوق الأبناء على الآباء 1 - حسن اختيار أمه - حسن اختيار اسمه - تربيته صغيراً - التعوذ من الشيطان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

حقوق الأبناء على الآباء :

أيها الأخوة المؤمنون, في الدرس الماضي أنهينا بفضل الله عزَّ وجل حقوق الآباء على الأبناء، وها نحن أولاء في هذا الدرس ننتقل إلى موضوعٍ آخر متمَّمٍ للأول, ألا وهو حقوق الأبناء على الآباء ، لأن كل حقٍ يقابله واجب، وكل واجبٍ يقابله حق، فما دام للآباء حقوقٌ على الأبناء، لا بدَّ من أن يكون للأبناء حقوقٌ على الآباء، والحديث الشريف الذي تعرفونه جميعاً:

((رحم الله والداً أعان ولده على برِّه))

موضوع حقوق الزوج على الزوجة، وحقوق الزوجة على الزوج، وموضوع حقوق الآباء على الأبناء، وحقوق الأبناء على الآباء، هذه موضوعاتٌ دقيقةٌ جداً، لأنه ما من واحدٍ من الأخوة الحاضرين إلا وتمسُّه هذه الموضوعات، فإذا أدَّيت ما عليك من حقوق صار الطريق إلى الله سالكاً، وإذا كان هناك تقصيرٌ، أو مجاوزةٌ، أو جنوحٌ، أو مخالفةٌ، أو إساءةٌ كانت هذه الأعمال حجاباً بين العبد وبين ربه، والحديث الذي تعرفونه أيضاً جميعاً, هو أن الإنسان قد يستحق النار يوم القيامة, فيقف بين يدي الله عزَّ وجل ويقول:

((يا رب لا أدخل النار حتى أًُدخِل أبي قبلي))

وهذا الطفل الذي شبَّ على الانحراف، وشجَّعته أمه الجاهلة على ذلك، وكبر وارتكب جريمةً, استحقَّ عليها الإعدام، قُبَيْلَ إعدامه طلب أن يلتقي أمه -هكذا الصحيح أكثرهم يقول : أن يلتقي بأمه-, فلما جيء له بأمه, قال: مدي لسانك كي أقبِّله, مدَّت لسانها فعضَّه وقطعه، وقال: لو لم يكن هذا اللسان مشجِّعاً لي على الجرائم ما فقدت حياتي:
إهمال تربية البنينَ جنايةٌ عادت على الآباءِ بالويلاتِ
إذاً: الحديث النبوي الشريف:

((رحم الله والداً أعان ولده على برِّه))

هو عنوان هذا الموضوع: حقوق الأبناء على الآباء.

ما هي هذه الحقوق؟

1-أن يحسن الأب اختيار الزوجة :

يا أيها الأخوة الأكارم, جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر سيدنا عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- ابنه, وأنَّبه على عقوقه لأبيه, فقال الابن: يا أمير المؤمنين, أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ قال: بلى, فقال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلِّمه الكتاب –القرآن- فقال الابن: يا أمير المؤمنين, إنه لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجيةٌ كانت لمجوسي، وقد سماني جُعْلاً -أي خنفساء- ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً, فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل, وقال له: أجئت تشكو عقوق ابنك؟ لقد عققته قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
هذا النص أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلِّمه القرآن، فإذا أهمل الأب هذه الأشياء, يكون قد عَقَّ ابنه قبل أن يعقَّه ابنه، ويكون الأب قد أساء إليه قبل أن يسيء الابن إلى أبيه.
فأول واجبٍ على الآباء تجاه الأبناء: أن يحسن الأب اختيار الزوجة، إن هذا الواجب يسبق وجود الولد، الواجب الأول بل هو أخطر واجب إنه يسبق وجود الولد، وهو: أن يحسن اختيار أمه.

صفات الزوجة الصالحة :

النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:

((خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة صالحة, تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها))

فأثمن شيءٍ أن تحسن اختيار الزوجة، ينبغي أن تكون الزوجة صالحة:

((تسرُّه إذا نظر إليها -أي أنها نظيفة- وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها))

وفي حديثٍ آخر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:

((يا رسول الله, أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ))

في هذا الحديث ليس فيه كلمة إليها؛ أي إذا نظر إلى غرفة النوم تسره، منظَّمة ومرتَّبة والملاءة نظيفة، وإذا نظر إلى المطبخ تسرُّه، وإذا نظر إلى أولاده تسرُّه، وإذا نظر إلى البيت إجمالاً تسرُّه، أي أنها تقوم بواجبها خير قيام، أي تحسن تبعُّل زوجها.
والنبي -عليه الصلاة والسلام كما تعرفون- يقول:

((اعلمي أيتها المرأة, وأعلمي من وراءك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله))

يعني الجهاد في سبيل الله.

((تسره إذا نظر، ولا تعصيه إذا أمر، ولا تخالفه بما يكره في نفسها وماله))

هذه صفات الزوجة الصالحة، لأن اختيار الزوجة الصالحة أول واجبٍ على الآباء تجاه الأبناء الذين سوف يأتون إلى الدنيا.
وفي حديثٍ آخر: عن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال:

((قال عليه الصلاة والسلام : تنكح المرأة على إحدى خصال؛ لجمالها، ومالها، وخُلُقها، ودينها, فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك))

[أخرجه أحمد في مسنده]

وفي حديثٍ آخر: عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، رواه البخاري ومسلم، يقول عليه الصلاة والسلام :

((تنكح المرأة لأربع؛ لمالها، ولخلقها، ولجمالها، ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك))

أي إن لم تفعل ما نلت إلا التُراب، والتراب شيءٌ لا قيمة له إطلاقاً، إذا جهدت، وتحمَّست ، وانقضضت، وأمسكت بشيء فإذا هو تراب، يقال: تربت يمينك؛ أي لن تأخذ شيئاً، لم تنل شيئاً، لم تفلح في هذا الزواج.
العلماء قالوا: يستحب أن تختار امرأة تسرُّك إذا نظرت إليها.
هذا من السنة، لكن العلماء أيضاً, ومنهم الماوردي يقول: كره العلماء أن يختار الإنسان امرأةً ذات جمالٍ بارع, لأنها متعبةٌ إلى أقصى الحدود، فإنها تزهو بجمالها، وتحب أن ينظر الناس إليها، وربَّما تعاند زوجها، وربَّما تتفلَّت من أوامر الشرع تفلُّت البعير.
لذلك هذا رأي بعض العلماء: أنه يجب أن تختار زوجةً تسرك إذا نظرت إليها، أما أن تختارها فائقةً فائقةً, فهذا ربما عاد عليك بالمتاعب التي لا حصر لها.
في حديث آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:

((من تزوَّج المرأة لجمالها أذلَّه الله.

-هي تزهو عليه بجمالها, وهو يتصاغر أمام هذا الجمال، فكأنها هي الآمرة الناهية، وكأنها هي القَيِّمة، وكأن لها القِوامة، لذلك-:
من تزوَّج المرأة لجمالها أذلَّه الله -أي لجمالها فقط-

ومن تزوَّجها لمالها أفقره الله، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءةً, فعليك بذات الدين تربت يداك))

لكن لو أنك تزوجت امرأةً غنيَّة, وطابت لك عن بعض مالها، فهذا يأكله الزوج هنيئاً مريئاً، كما قال الله عزَّ وجل في القرآن الكريم :

﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ 

[سورة النساء الآية 4]

عن النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره, ويحصن فرجه, أو يصل رحمه, بارك الله له فيها وبارك لها فيه))

والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا حضر عقد قِران, يقول:

((بارك الله لكما وعليكما وفيكما))

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال:

((قال عليه الصلاة والسلام: لا تزوجوا النساء لحسنهن))

فإذا ذُكرت كلمة حُسن أو جمال, المقصود الجمال وحده؛ أي أنك آثرت الجمال على الدين، هناك رقَّةٌ في الدين وتفوُّقٌ في الجمال، آثرت الجمال على الأخلاق، هناك شراسةٌ في الأخلاق، ورقةٌ في الدين، وتفوُّقٌ في الجمال, فالأمر فيه نذر السّر، إذا ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- كلمة الجمال أو الحُسن, فالمقصود به من آثره على بعض الشروط الأخرى.
يقولون: إن واحداً وضع عشرة شروط: أول شرط الجمال، ثاني شرط الكمال، الثالث الغنى –المال- الرابع الحسب، الخامس النسب، السادس الثقافة، السابع إلى أن صاروا عشرة ، أرسل والدته فلم يجد، فتخلَّى عن شرط، عمل جولة ثانية بعد سنة فلم يجد فتخلى عن شرط ثانٍ، عمل جولة ثالثة فلم يجد فتخلى عن شرط ثالث، بعد عشر سنوات بقي على شرطٍ واحد: وهو أن يعثر على امرأةٍ ترضى به، فعلى المرء ألا يعقِّد الأمور كثيراً.

((لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن .

-أي جميلة وجاهلة، حسنها يرديها، يجعلها تستعلي عليه، لا يحتملها زوجها فيطلِّقها، وهذا يحصل دائماً، استعلاؤها على زوجها يحملها على أن تكون فظَّةً معه، وقد لا يحتمل الزوج هذا، فيكون الفراق والشِقاق، إذاً-:

لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوَّجوهنَّ لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن

-المال يطغي-

ولكن تزوَّجوهنَّ على الدين، ولأمة خرماء -أي أذنها مشرومة- سوداء ذات دينٍ أفضل))

وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بالباءة -أي بالزواج- وينهى عن التبتُّل نهياً شديداً، ويقول :

((تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))

النبي -عليه الصلاة والسلام, وهو سيد الخلق, وحبيب الحق- اختار لنا هذين الشرطين: الودود الولود.
أي ما من طبعٍ أبغض عند الرجل في المرأة من أن تكون لئيمة، أو قاسية، أو متكبِّرة، أو لها لسانٌ سليط، أو مستعلية.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:

((تزوَّجوا الودود -تحب زوجها، تتحبَّب إليه، ترضيه، تؤثره على كل شيء، هذه الودود- الولود -لأنها إذا أنجبت لك طفلاً, ملأ هذا الطفل البيت أنساً ولطفاً، ومحبَّةً واشتياقاً، ومتَّن العلاقة بين الزوجين-.
تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة))

وقال عليه الصلاة والسلام:

((عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها .

-أي كلامها لطيف, وليست كلما تحدثت بكلمتين, قالت عن زوجها الأول: المرحوم ما كان يفعل هذا، المرحوم ما كان يفعل هذا، وفي هذا تنغيص لزوجها الحالي-.

عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها -أي كلامها لطيف- وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير))

[أخرجه ابن ماجه في سننه]

هذا كلُّه من حقوق الأبناء على الآباء، أي ليحسن الأب اختيار الزوجة الصالحة.

((الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]

الزواج سنة الأنبياء :

أراد ابن عمر -رضي الله عنه- ألا يتزوَّج، فقالت له أخته حفصة: أي أخي لا تفعل، تزوَّج فإن ولد لك ولد فماتوا كانوا لك أجراً، وإن عاشوا دعوا الله عزَّ وجل لك. لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ, أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ, أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))

الأنبياء العِظام -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- كلهم تزوَّجوا، قال الله عزَّ وجل :

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾

[سورة الرعد الآية: 38]

الأنبياء تزوَّجوا، الزواج لا يتعارض مع الدين بل هو في خدمة الدين:

﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾

[سورة النحل الآية: 72]

من فضل الله على الإنسان أن جعل له زوجة، وجعل له منها أبناءً، ورزقهم من الطيِّبات.
هناك أب ذكر لأبنائه فضله عليهم, فقال:
وأول إحساني إليكم تخيُّري لماجدة الأعراق بادٍ عفافها
هذا هو الحق الأول: حق ابنك عليك أن تحسن اختيار أمه.

2-التعوذ بالله من الشيطان قبل اللقاء الزوجي :

الآن الحق الثاني: التعوُّذ بالله من الشيطان قبل اللقاء الزوجي.
لأن في هذا الموضوع أحاديث كثيرة, وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هناك سؤال دقيق: كلَّما سألني سائل حول التعوذ, قال: إنني تعوَّذت بالله فلم يحصل ما أريد؟ وأرد عليه قائلاً: ربنا عزَّ وجل قال:

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾

[سورة فصلت الآية: 36]

يقول لك: استعذت بالله ولم يحصل شيء، فما جدوى هذه الاستعاذة؟.
في الجواب عن هذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم :

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة فصلت الآية: 36]

السميع باستعاذتك، والعليم لما في قلبك، استنبط العلماء من هذه الآية: أن الاستعاذة باللسان لا قيمة لها، ولا تكفي، ولا جدوى منها، ما لم يكن القلب في أعماقه متجهاً إلى الله بالاستعاذة، فلذلك:

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾

[سورة الناس الآية: 1-6]

-قل أعوذ- لا تقبل هذه الاستعاذة، ولا تُجدي، ولا تقطف ثمارها, إلا إذا كانت نابعةً من قلبك، بالدليل: أن الله سبحانه وتعالى ختم الآية, فقال:

﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة الأعراف الآية: 200]

سميعٌ لهذه الاستعاذة, ولكن يعلم أن قلبك ليس في مستواها، فإذا اتجه الإنسان إلى الله عزَّ وجل بكليَّته مستعيذاً, لا بدَّ من أن ينجيه من كل مكروه، هذا شيءٌ ثابت.
الله عزَّ وجل قال :

﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً﴾

[سورة الإسراء الآية: 64]

فالمشاركة في الأولاد: أن الزوج الذي ينسى أن يستعيذ بالله قبل اللقاء الزوجي، قد يشرَكه في هذا اللقاء الجن، وعندئذٍ يأتي الابن شريراً مخيفاً، هذا تفسير بعض العلماء لهذه الآية.
النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما روى البخاري ومسلم، عن ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- من طرقٍ كثيرة -أي صار هذا حديثاً متواتراً تواتراً معنوياً- أنه قال:

((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ, اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ, وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا, فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ, لَمْ يَضُرُّهُ))

أي الشيطان لم يضر هذا الولد. هذا الحديث واضح .
الإمام الداودي قال: معنى لم يضرَّه؛ أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر.
وليس المراد أن هذا الابن معصومٌ عن المعصية، فالقضية سهلة, إذا كان الواحد قد سمى, فهل يأتيه ولد صالح عالِم جليل؟ لا, بل إن العلماء يقولون: ليس معنى هذا أنه يصبح معصوماً عن المعصية، ولكن لم يضرُّه الشيطان فيهوي به إلى الكفر، إذا كان قد استعاذ الزوج بالله من الشيطان الرجيم قبل اللقاء الزوجي.
وكلكم يعلم: أن الإنسان إذا دخل بيته ولم يسلِّم, قال الشيطان لأخوانه: أدركتم المبيت في هذا البيت -الليلة هنا، طول الليل مشاكل- فإذا جلس إلى الطعام ولم يسمِ, قال الشيطان لأخوانه : وأدركتم العشاء -كذلك وعند العشاء، يشبع الجماعة- فإذا دخل ولم يسلِّم، وجلس إلى الطعام ولم يسمِّ, قال الشيطان لأخوانه: أدركتم المبيت والعشاء معاً.
أي أنكم الليلة نومكم هنا والعشاء كذلك جاهز.
إذاً خلاصة التوجيه النبوي: أن الإنسان عليه أن يسلِّم إذا دخل إلى بيته قائلاً: السلام عليكم، وعليه أن يسمي إذا أكل، عندئذٍ يجنبه الله الشيطان في علاقاته وفي طعامه.

3-أن يتخير له اسماً ذكراً كان أو أنثى :

الواجب الذي يلي هذا الواجب هو :أن يتخيَّر له اسماً حسناً ذكراً كان أو أنثى .
ففي الحديث الشريف:

((إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم))

[أخرجه أبو داود في سننه]

هكذا قال عليه الصلاة والسلام, بعضهم يسمي ابنه جعيفص مثلاً، ما هذه جعيفص؟ عبد الرحمن، عبد اللطيف مثلاً، عبد الله، حَسن، حُسين كذلك، هناك أسماء كثيرة جداً؛ أسماء إسلاميَّة، وأسماء أخلاقيَّة، من ذلك اسم مجيب أحياناً، واسم هُمام، لدينا أسماء كثيرة فيها معنى الشجاعة وغيرها.
طبعاً سبب هذه الأسماء القبيحة جهلٌ قائم بالأهل، إن سمَّاه اسماً قبيحاً يعيش ولا يموت كما يزعمون، يسميه فلفل، فجلة، خيشة، جدي، في أسماء أخرى أيضاً، هذه الأسماء يتوهَّم الآباء أنها تقي ابنهم من الأمراض ومن الموت، هذا كله كلام فارغ ولا أساس له من الصحَّة ، هذه أسماء مزرية بأصحابها.
وهناك أسماء مستوردة؛ ميمي، وشونو، وسونا، وفيفي، وشوشو، هذه أسماء لا تليق بالمسلم أساساً، لا تسمي اسماً خشناً ولا اسماً مستورداً، نريد اسماً إسلامياً، والآن لدينا الكثير من الكتب بالأسواق، وعندنا معاجم حوالي أربعة أو خمسة آلاف اسم مرتَّبة ترتيباً جيداً، اقتنِ كتاباً منها، فاختيار الاسم شيء مهم جداً، هذا الاسم سوف يكون علماً على هذا الابن, في حلِّه وترحاله، في علاقاته، في حركاته وسكناته، في نشاطاته.

الأسماء المحبب إلى الله؟ :

النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ابن عمر -رضي الله عنه- وفيما رواه الإمام مسلم يقول:

((إن أحب أسمائكم إلى الله عزَّ وجل؛ عبد الله وعبد الرحمن))

وكان عليه الصلاة والسلام إذا لم يعرف اسم إنسان, قال له:

((ادن مني يا عبد الله))

هذا اسم يطلق على الكل: يا عبد الله.
وعن جابرٍ -رضي الله عنه- قال:

((ولد لرجلٍ منا غلام فسمَّاه القاسم، فقلنا: لا نُكنيك أبا القاسم ولا كرامة -رسول الله أبا القاسم- فُأخبِر النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: سمِّّّّ ابنك عبد الرحمن))

أحياناً يكون بالأسرة رجل وقور وله قيمته يسمونه باسمه، وهذا الابن أحياناً يشذ، ينحرف، يتعرض لدعاء سوء من الأهل، فتصير هذه مشكلة، فيفضَّل إذا كان في الأسرة إنسان وهو عميد الأسرة له قيمته، فلا تعمل إحراجات وتسمي الصغير باسمه.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرضَ، قال له:

((سمه عبد الرحمن))

والنبي أمرنا في حديثٍ آخر رواه أبو داود:

((تسموا بأسماء الأنبياء))

[أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما]

((وأحب الأسماء إلى الله؛ عبد الله وعبد الرحمن))

[أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما]

إبراهيم، سيدنا إبراهيم:

((تسموا بأسماء الأنبياء, وأصدقها حارثٌ وهُمام، وأقبحها حربٌ ومرَّة))

[أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما]

وكان عليه الصلاة والسلام يبدِّل الأسماء.
أحياناً هذا الكلام أسوقه للمعلمين، إذا عندك طفل له اسمه لا يليق، أنت بدِّل له اسمه أثناء العام الدراسي في تعاملك معه، لا أقول بالسجلات فلها وضع آخر، وقت تقديم الشهادة تأخذ اسمه الصحيح، لكن أثناء التعامل اليومي أطلق عليه اسماً لطيفاً, ينتعش فيه هذا الطفل.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: عن سعيد بن المسيِّب بن حَزْن, أعطيه الحُزن, والحَزَن هو المعروف، معروف عند الجميع، وهو ما يعتري النفس من ألم ..:

﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة النمل الآية: 70]

الحُزن والحَزَن بمعنى واحد، لكن الحَزْن الأرض الوعرة.
قال عليه الصلاة والسلام:

((أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثًا, أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ))

الحَزْن الأرض الوعرة، أما الحَزَن والحُزن بمعنى واحد وهو الألم النفسي.
فعن سعيد بن المسيب بن حَزْن, عن أبيه, أنه جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال:

((ما اسمك؟ قال: حَزْن, فقال: أنت سهل, قال: لا أغير اسماً سمَّانيه أبي, فقال بن المسيِّب فيما بعد: فما زالت الحزونة فينا بعد))

أي غلظ الوجه وشيءٌ من القساوة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لك: أنت سهل, وهو يقول: لا اسمي حزْن ويرفض تسمية النبي.
قال: فما زالت الحزونة فينا بعد.
والحزونة غلظ الوجه وشيءٌ من قساوة القلب.
امرأةٌ اسمها عاصية سمَّاها النبي جميلة، لماذا عاصية؟.
ما اسمكِ؟ قالت:

((أنا عاصية, فقال لها: بل أنتِ جميلة))

وامرأةٌ اسمها برَّة فقال عليه الصلاة والسلام:

((أنتِ زينب))

الأنسب أن يختار الإنسان اسماً مناسباً، والذي أعرفه أن الإنسان له الحق أن يبدِّل اسمه، فإذا لم يرق له اسمه الذي سماه به أبوه, فله الحق أن يبدِّل اسمه حتى في قيود الدولة وسجلاتها، هذا من حقوق الأبناء على الآباء.
الحقيقة: الأسماء القبيحة أسبابها عادة قبيحة، وعقليَّة قبيحة، وتصوُّر قبيح, إذ يزعم الجهلة أن هذه الأسماء القبيحة تقي صاحبها من الضرر، والهلاك، والموت، والآفة، والمرض، والحق أنه لا يقي الإنسان إلا الله عزَّ وجل، لكن النبي قال:

((العين حق، إن العين -أي عين الحسود- تضع الجمل في القدر، والرجل في القبر))

المحسود الغافل عن الله عزَّ وجل تؤثِّر فيه عين الحسود، أما المحسود المُقبِل على الله لا تؤثِّر فيه عين الحسود .
وللتعوُّذ موضوعٌ آخر إن شاء الله، التعوُّذ بالله من الحسد وغيره يحتاج إلى موضوع تفصيلي نتحدَّث عنه في وقتٍ آخر.

ما ورد عن الغزالي في رياضة الصبيان :

نختار أيضاً من حقوق الأبناء على الآباء ما ورد في كتاب إحياء علوم الدين عن رياضة الصِبيان:
فاعلم أن الطريق في رياضة الصبيان -والمقصود هنا بالرياضة هي التربية- من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسة ساذجة، خاليةٌ من كل نقشٍ وصورة، وهو قابل لكل ما نُقِش، ومائلٍ إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلمٍ له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له، وقد قال الله عزَّ وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾

[سورة التحريم الآية: 6]

إذا كان الأب يصونه عن نار الدنيا، فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته عن نار الآخرة بأن يؤدِّبه ويهذبه -الكلام للإمام أبو حامد الغزالي- ويعلّمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قُرَناء السوء، ولا يعوِّده التنعُّم، ولا يحبِّب إليه الزينة وأسباب الرفاهية فيضيِّع عمره في طلبها إذا كبر، فيهلك هلاك الأبد، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره، فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه, إلا امرأةً صالحةً متدينةً تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، إذا وقع عليه نشوء الصبي انعجنت طينته من الخبث, فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث, قال: فإذا رأى فيه مخايل التمييز -صار مدركاً- فينبغي أن يحسن مراقبته ..

((لاعب ولدك سبعاً، وأدِّبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه))

1-أن يعلمه الحياء :

وأول ذلك ظهور أوائل الحياء، فإنه إذا كان يحتشم ويستحي، ويترك بعض الأفعال, فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه، حتى يرى بعض الأشياء قبيحاً ومخالفاً للبعض الآخر، وهذه عندئذٍ هديَّةٌ من الله تعالى إليك وبشارةٌ تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب.

2-أن يعلمه الأدب في الطعام :

وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام، فينبغي أن يؤدَّب فيه, فلا يأخذ الطعام إلا بيمينه، وأن يقول عليه: بسم الله عند أخذه، وأن يأكل مما يليه، فقد ورد عن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- قال: كنت غلاماً في حجر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت يدي تطيش في الصحفة -أي يأكل من كل الأطراف- فقال لي النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((يا غلام, سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما, ومالك في الموطأ]

وأن يعوِّده ألا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وألا يحدق النظر إليه، ولا إلى من يأكل، ولا أن يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغَ، وألا يوالي بين الُّلقم، ولا يلطِّخ يديه ولا ثوبه، وأن يعوَّد الخبز القِفار في بعض الأوقات -من حين لآخر خبز فقط، هذا توجيه الإمام الغزالي - وأن يعوَّد في بعض الأوقات الخبز القفار حتى لا يصير الإدام حتماً.
-هذا مصداق قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم))

ويقبِّح عنده كثرة الأكل، ويمدح عنده الصبي المتأدِّب القليل الأكل، وأن يحبِّب إليه الإيثار بالطعام، وقلَّة المبالاة فيه، والقناعة بالطعام الخشن أي طعامٍ كان.
-ابن المقفَّع له صديق قال عنه: من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظَّمه في عيني, صغر الدنيا في عينيه، فكان خارجاً عن سُلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد, ولا يكثر إذا وجد.

3-أن يحبب إليه الثياب البيض دون الملون :

قال-: وأن يحبِّب إليه الثياب البيض دون الملوَّن، والإبريسيم -أي المعرَّق- فإن هذا من شأن النساء والمخنَّثين، وإن الرجال يستنكفون منه، ومهما رأى على صبيٍ ثوباً من إبريسيم أو ملوَّن, فينبغي أن يستنكره ويذمَّه.

4-أن يحسن تأديبه :

وإن الصبي إذا أهمل من ابتداء نشأته, خرج في الأغلب رديء الأخلاق، كذَّاباً، حسوداً، سروقاً، نمَّاماً، لحوحاً، ذا فضول، وضحك، وكِياد، ومجانة -أي من المجون-, وإنما يُحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب، ثم يُشغل في المكتب؛ فيتعلَّم القرآن، وأحاديث الأخبار، وحكايات الأبرار وأحوالهم، ليغرس في نفسه حب الصالحين, ويحفظ من الشعر والنثر الأدبي ما يقوِّم لسانه، ويجعله محباً للغة العربيَّة وعاشقها.

5-أن تثني عليه إذا رأيت منه خلقاً حميداً :

-قال-: فإذا ظهر على الصبي خُلقٌ جميل وفعلٌ محمود، فينبغي أن يكرَّم عليه -يجب أن تثني على ابنك إذا رأيت منه خُلقاً حميداً؛ أمانةً، وفاءً، صدقاً- ويجازى عليه لما يفرح به، وأن يُمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرَّةً واحدة, فينبغي أن يتغافل عنه.
-غلط غلطة ننتقده انتقاداً صارخاً أمام الناس على غلطة واحدة، لا, فهذا لا ينبغي أن نفعله, وكما جاء في وصية الغزالي: فإذا خالف ذلك في بعض الأحوال مرَّةً واحدة, فينبغي أن نتغافل عنه, وأن لا نهتك ستره، وألا نكاشفه، ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر على أحدٍ مثله, أي أن التغافل على أخطاء قليلة حكمةٌ تربويَّة، أما إذا عاد ثانيةً يُعاتب عتاباً رقيقاً فيما بينك وبينه، ويقال له: إياك أن تعود إلى ذلك مرَّةً ثانية.
قال-: وليكون الأب حافظاً مع ابنه هيبة الكلام، فلا يوبِّخه إلا أحياناً، والأم تخوِّفه بالأب, وتزجره عن القبائح.

6-أن يمنع الابن من النوم نهاراً فإنه يورث الكسل وألا يمنع منه ليلاً :

-قال-: وينبغي أن يمنع الابن من النوم نهاراً, فإنه يورِّث الكسل، وألا يمنع منه ليلاً، ولكن يُمنع الفُرش الوطيئة حتى تتصلَّب أعضاؤه -الفرش الوثيرة المريحة هذه تعوِّده النوم-, وينبغي أن يمنع من كل فعلٍ يفعله خفيةً، فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح، فإذا تعوَّد ترك فعل القبيح فقد تعوَّد شيئاً طيباً، ويعوَّد في بعض النهار المشي والحركة والرياضة, حتى لا يغلب عليه الكسل، ويعود ألا يكشف أطرافه, وألا يسرع في المشي، وألا يرخي يديه, بل يضمهما إلى صدره.

7-أن يمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه أبوه :

ويُمنع أن يفتخر على أقرانه بشيءٍ مما يملكه أبوه -أبي كذا، أبي عنده بيته، سيارته، حاجته- أو بشيءٍ من مطاعمه وملابسه، أو أدواته، بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره, ويُمنع أن يأخذ من الصبيان شيئاً بطريق الحيلة، بل يعلم أن الرفعة في الإعطاء والدناءة في الأخذ، وإن كان الأخذ من أولاد الأغنياء لؤمٌ وخسَّة، فإن الأخذ من أولاد الفقراء يعلِّم الطمع والمهانة والذِلَّة -على الحالتين- وأن يُقبَّح عند الصبيان حب الذهب والفضَّة والطمع فيهما.

8-أن يعود ألا يبصق في مجلسه وألا يتمخط ... :

ويعوَّد ألا يبصق في مجلسه، وألا يتمخَّط، ولا يتثاءب بحضرة غيره، وألا يستدبر غيره ، وألا يضع رجلاً فوق رجل، وألا يضع كفَّه تحت ذقنه، ولا يعتمد رأسه في ساعده, فإن هذا دليل الكسل، ويعلِّم كيفية الجلوس, ويمنع كثرة الكلام، ويمنع أن يبتدئ بالكلام، ويعلَّم ألا يتكلَّم إلا جواباً, وبقدر السؤال، ويعلَّم حسن الاستماع ممن هو أكبر منه سناً، وأن يقوم لمن هو أكبر منه سناً، ويوسِع له في المكان، ويُمنع من لغو الكلام والفُحش، ومن اللعن والسب، ومن مخالطة من يجري على لسانه شيءٌ من ذلك.

9-ينبغي ألا يكثر الصراخ والشغب إذا ضربه المعلم ولا يستشفع بأحد بل يصبر :

وإذا ضربه المعلِّم ينبغي ألا يكثر الصُراخ والشَغَب -هذه الزعبرة- ولا يستشفع بأحد بل يصبر، وينبغي أن يعلَّم طاعة والديه ومعلِّمه ومؤدِّبه، وكل من هو أكبر منه سناً من قريبٍ أو أجنبيٍ، وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم، وأن يترك اللعب بين أيديهم.
هذا فصل ورد في إحياء علوم الدين عن رياضة الصبيان - تأديب الصبيان- وهو فصلٌ تربويٌ مهمٌ جداً, إذا أخذ الأب به، وإذا طبَّقه بقدر إمكانه, ولكن الظروف صعبةٌ جداً، أي قبل أن تستطيع أن تؤثِّر بابنك هناك ألف مؤثِّرٍ آخر، كما قال الله عزَّ وجل:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾

[سورة الروم الآية: 41]

فأرجو أن يكون هذا الكلام واقعياً، لكن قبل سنواتٍ طويلة، قبل مئات السنين, كان الجو جواً صحياً، والأخلاق هي السائدة، والحكمة هي المسيطرة .

الخاتمة:

وفي درسٍ آخر -إن شاء الله- هناك واجباتٌ كثيرة هي على الآباء تجاه أبنائهم؛ تعليم القرآن، وتعليم السباحة، والرماية، وركوب الخيل، والخِتان، والأذان في أذنه، وتحنيكه، والعقيقة.
أشياء كثيرة -إن شاء الله- نأخذها في الدرس القادم تتميماً لموضوع حقوق الأبناء على الآباء : 

((ورحم الله والداً أعان ولده على برِّه))

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور