- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر . وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الطيِّبين الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
قوة الإرادة :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوعٌ دقيقٌ دقيق هو أن الإنسان إذا عرف الحق واتبعه، فهذه حالةٌ طبيعيةٌ جداً ، أن تعرف الحق وأن تتبعه . وهناك من لم يتبع الحق لأنه ما عرف الحق ، وهذه حالةٌ طبيعية ، المُقدِّمات تتناسب مع النتائج ؛ عرفت الحق فاتبعته ، لم تتبع الحق لأنك لم تعرفه ، لكن الإشكال في حالةٍ ثالثة هي المُتفشيَّة في العالَم الإسلامي ، هو من عرف الحق ولم يتبعه .
كيف نفسِّرُ هذه الظاهرة ؟ إلامَ نعزوها ؟ كيف نُحلِّلها ؟ كيف نفهم طبيعتها ؟ إنسانٌ يعيش في بلدٍ مسلم ، خلال حياته المديدة عرَف الحق والباطل ، عرف الخير والشر ، عرف الجنة والنار وهو قاعدٌ لا يتحرَّك ، لا يتقي النار ولو بِشق تمرة ، ولا يتقرَّب إلى الله ولو بشق تمرة ؛ يعيش لذاته ، لمصالحه ، لشهواته .
فموضوع خطبتنا اليوم هو قوة الإرادة . وقوة الإرادة أحدُ خصائص النفس الفاضِلة ، أحد فروع الخُلُق القويم أن تتمتَّع بإرادةٍ قويَّة تحملك على طاعة الله ، وتحملك على أن تجتنب معصيته . لماذا كان يدعو النبي عليه الصلاة والسلام ويقول :
(( اللهمَّ أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ))
((أرنا الحق حقاً ))
هناك من يرى الحق باطلاً ، وهناك من يرى الباطل حقاً ، هذه نقطة :
((أرنا الحق حقاً ))
بقي التطبيق ، بقي الترجمة العملية .
((وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ))
أيها الأخوة الكرام ؛ قوة الإرادة من أُسس الأخلاق الفاضلة التي ترجع إليها مُعظم الفضائل ، فضائل كثيرة ، شمائل عالية ، أخلاقٌ رفيعة في مُجملها ترد إلى قوة الإرادة . وأخلاقٌ منحطَّة مذمومة في مجملها ترد إلى ضعف الإرادة .
استقامة الإنسان دليل قوة إرادته وانحرافُه دليلُ ضعف إرادته :
أيها الأخوة الكرام ؛ إذا صحَّ أن الإنسان مَمْلَكَة ، ففي هذه المملكة سلطةٌ تشريعيَّة، وسلطةٌ تنفيذيَّة ، وجمهور ؛ الجمهور هو الشهوات ، والأهواء ، والغرائز ، والنزعات ، والمطالب ، والحاجات . والسلطة التشريعية هي الفكر . وأما السلطة التنفيذيَّة التي تحوِّل الحقيقة إلى واقع فإنها الإرادة في الإنسان .
الفكر قال لك : افعل هكذا ، افعل هذا ، ولا تفعل هذا . والشهوات تطلب هذا . بقي عليك أن تتمتَّع بقوة إرادةٍ تحملك على الخير وتبعدك عن الشر ، تحملك على اتباع أمر الله واجتناب نهيه ، تحملك على الإحسان وتُبعدك عن الإساءة ، تَحملك على الإخلاص وتبعدك عن الخيانة . إذا صحَّ أن الإنسان يشبه مملكةً ؛ فالسلطة التشريعيَّة في هذه المملكة فكره ، والسلطة التنفيذيَّة إرادته ، ورعِيَّته شهواته ، ومطالبه ، وغرائزه ، ونزعاته ، ومصالحه ، والشهوات التي أودعها الله فيه على مختلف أنواعها .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الفكر من أين يستمدُّ حقائقه ؟ إما أن يستمدَّها من الواقع والتجربة ، وإما أن يستمدَّها من الفِطرة ؛ فالفطرة مقياس - الحكمة الفِطريَّة - وإما أن يستمدَّها من الوحي السماوي . له أن يأخُذها من النقْلِ ، وله أن يأخذها من الواقع ، وله أن يأخذها من الفطرة ، هذا الجهاز الاستشاري التشريعي يستمد خصائصه من الواقع ، أو من الفطرة ، أو من وحي السماء ، وكلَّما اقترب الإنسان في تشريعاته من وحي السماء كلَّما اقترب من الحق .
أيها الأخوة الكرام ؛ ومع كل ذلك أودع الله في الإنسان هيئَةَ وعظِ وإرشاد ، وأمرٍ بالمعروف ، ونهيٍ عن المنكر إنه الضمير الذي يعلِّق عليه علماء النفس مهماتٍ كثيرة ، يسمونه تارةً الوازع الداخلي ، ويسمونه تارةً الضمير ، ويسمونه تارةً الإحساس بالمسؤوليَّة .
أيها الأخوة الكرام ؛ على كل هل هناك مؤشِّرٌ ماديٌ قطعيُّ الدلالة على قوة إرادة الإنسان ؟ وهل هناك مؤشِّرٌ ماديٌ قطعيُّ الدلالة على ضعف إرادته ؟ نعم ، استقامة الإنسان دليل قوة إرادته ، وانحرافُه دليلُ ضعف إرادته . .
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
الانتفاع بالإرادة القوية إن رافقها علم و معرفة و حكمة :
أيها الأخوة الكرام ؛ لكنَّ قوة الإرادةِ وحدها إن لم يرافقها علمٌ ، ومعرفةٌ ، وحكمةٌ ، تصبح أداةً خطيرةً في يد الإنسان ، هناك من يتمتَّع بقوة إرادة كبيرة ، لكنَّه لم يوازِها بمعرفةٍ واسعة وحكمةٍ بالغة ، تراهُ يستخدم هذه القوة في غير ما شرع الله عزَّ وجل ، فهذا الذي نَذَرَ أن يقف في الشمس تقرُّباً إلى الله عزَّ وجل ، حينما بلغ النبي ذلك قال :
(( مروه فليتحوَّل لأن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه ))
المشقَّة في الإسلام ليست مطلوبةً لذاتها ، أحياناً من أجل أن تُحَقِّق سنةً غير مؤكَّدةٍ تُضَيِّع فرائض ، أوضح مثلٍ على ذلك : هذا الذي يصل إلى بيت الله الحرام وعنده إرادةٌ صُلبةٌ ، متينةٌ ، حديديةٌ أن يقبِّل الحجر الأسود ، من أجل تقبيل الحجر الأسود يُضَحِّي بفرائض؛ قد يؤذي المسلمين ، قد يكشف عورات المسلمين ، قد يُضَيِّع عليه الوجهة إلى الله عزَّ وجل ، لذلك لابدَّ من الإرادة القَويَّة من أجل أن ننتفع بها ، لابد لها من علمٍ وحكمةٍ ، وإلا غَدَت أداةً عمياء رعناء لا تنفع ولا تُفيد .
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((...إنَّ المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ))
من هو المُنْبَتَّ ؟ في المُعْجَم المنبت هو المُطَرِّف ، والتعبير المستعمل الآن -المُتَطَرِّف - المُنْبَتَّ هو الذي يحمل دابَّته على الجري والجري حتى يستنفذ كُلَّ قِواها ، إذا هي فجأةً تعجز عن المسير ، هذا هو المنبت لا أرضاً قطع ، ولا ظهراً أبقى ، لم يحقِّق المراد ، ولم يحافظ على دابَّته ، أصابها بالعَطَب ، وقد يُحمَل على هذا من يُجهد مركبته ابتغاء أن يصل إلى قصده ، هذا لا يصل ، لا يصل ولا يحافظ على مركبته . .
((...إنَّ المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ))
حاجة الإنسان إلى قوة الإرادة :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ يحتاج الإنسان إلى قوة الإرادة من أجل ماذا ؟ من أجل أن يقف أمام عوامل الانحراف ، والتثبيط من داخله ومن خارجه ، هناك من يدعو الإنسان إلى أن ينحرف ؛ شهواته ، غرائزه ، ميوله ، وهناك من يدعوه إلى أن يقعُد . .
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
هناك عوامل التثبيط وعوامل الانحراف ، في داخله وفي خارجه . قد تجد إنساناً يدعوك إلى معصيَة ويغريك بها ، ويزيِّنها لك ، إن في كسب المال ، أو في اقتناص الشهوات ، وهناك من يثبِّط عزيمتك إذا رآك اتجهت إلى الله ؛ يخوِّفك ، يملأ قلبك خوفاً من مغبَّة هذا العمل، هناك قِوى داخلية تدعوك إلى الانحراف ، أو إلى الكسل والقعود ، وهناك قِوى خارجيَّة تدعوك إلى الانحراف ، أو إلى الكسل والقعود ، وقوة الإرادة هي المعَوَّل عليها في أن تقف أمام المُغريات من الداخل ، والمغريات من الخارج ، وأمام المُثبطات من الداخل ، وأمام المثبطات من الخارج .
أيها الأخوة الكرام ؛ المال فتنة ، والأولاد فتنة ، والنساء فتنة ، والجاهُ فتنة ، والعلوّ في الأرض فتنة ، والدعَةُ فتنة ، والكسل فتنة ، والراحة فتنة ، والفوضى فتنة ، الإنسان يميل إلى عدم التنظيم - إلى الفوضى - يميل إلى الكسل ، يميلُ إلى الراحة ، إلى الدَعَة . .
﴿ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾
هناك رغبةٌ أن تَخْلُد إلى الأرض ، أن تميل إلى الراحة ، إلى الدعَة ، إلى الكسل، إلى الفوضى . وهناك رغبةٌ أن يزداد مالُك ، وأن يعظُم أولادك ولو على حساب الحَق ، من أجل أن تصنع من ابنك رجلاً قد تُقحمه في الباطل ، قد تحمله على معصية الله تقرُّباً إلى جهةٍ أو لأخرى من أجل أن ينال الدنيا . .
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَة﴾
والمرأة ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، فتنة :
((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ))
و . .
((اتقوا الدنيا ، واتقوا النساء فإن إبليس طلاع رصاد . وما هو بشيء من فخوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء ))
والجاه فتنة ، من أجل أن تصل إلى مرتبةٍ ما قد تُنفق عشرات الملايين . الجاه فتنة ، والمرأة فتنة ، والأولاد فتنة ، والمال فتنة ، والدَعَةُ رغبة ، والراحة رغبة ، والكسل رغبة ، والفوضى رغبة .
أيها الأخوة الكرام ؛ هنا نحتاج إلى قوة الإرادة ، أن نقِف أمام الدعوات الداخليَّة والخارجيَّة إلى الانحراف ، وأن نقف أمام رغبة النفس في الراحة والدعة والكسل والفوضى .
أيها الأخوة الكرام ؛ ما من إنسانٍ حقَّق مرادَه في الدنيا ، ما من إنسانٍ رسم هدفاً ووصل إليه ، ما من إنسانٍ ارتقى إلا وهو يتمتَّع بقوة الإرادة والعزيمة .
الإنسان بين الشجاعة والتفاؤل وبين الجبن والتشاؤم :
الحياة أيها الأخوة - مرةً ثانية - مليئةٌ بالمُغريات والمُثبِّطات ، مليئةٌ بالشهوات والمخاوف ، المخاوف تُقعدك عن طلب الحق ، وعن طلب العلم ، وعن حضور مجالس العلم ، وعن أن تلتزم الإسلام . والمُغريات تدعوك إلى المعاصي والآثام ، وليس إلا الإرادة تلك السلطة التنفيذَّية التي تحمل الإنسان على طاعة الله ، وتحميه من معصية الله ، هناك مخاوف حاضرة ، بقوة الإرادة تُصبح شجاعاً في مواجهتها ، وهناك مخاوف حاضرة بضعف الإرادة تصبح جباناً في مواجهتها ، هناك مخاوف متوقَّعة تصبح متفائلاً بقوة الإرادة ، وهناك مخاوف متوقَّعة تصبح متشائماً بضعف الإرادة . فأنت بين الشجاعة والتفاؤل ، وبين الجبن والتشاؤم ، والعامل الذي يؤثِّر في هذه الصفات الأربع قوة الإرادة ، إما أن تكون شجاعاً متفائلاً ، وإما أن يكون المرء جباناً متشائماً ، بقوة إرادته واتكاله على الله عزَّ وجل يصبح شجاعاً متفائلاً ، وبضعف إيمانه وضعف إرادته يصبح جباناً متشائماً .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه المخاوف الحاضرة تجعلُك شجاعاً أو جباناً ، والمخاوف المتوقَّعة تجعلك متفائلاً أو متشائِماً ، وأما المصائب الواقعة فتجعلك صابراً أو غير صابر -لجوجاً - فالإنسان بقوة إرادته يصبر ، وبضعف إرادته ينهار .
سبل تقوية الإرادة :
أيها الأخوة الكرام ؛ سؤالٌ دقيقٌ وخطير : هل هناك من سبيلٍ لتقوية الإرادة ؟ إذا كان أحدنا يشكو ضعف إرادته ، إذا كان أحدنا يشكو أنه لا يملك مقاومةً منيعةً أمام الشهوات ، مقاومته هشَّة ، سريعاً ما ينساق مع شهوته ، هذا دليل ضعف إرادته ، هل هناك من وسيلةٍ لتقوية الإرادة ؟ العلماء يقولون : إن هناك ارتباطاً بين قوة الإرادة وقوة الإيمان ، فكلَّما ازداد إيمانك قويَت إرادتك ، إذا آمنت أن الله سبحانه وتعالى لا يضيِّع المؤمن ، إذا آمنت أن الله سبحانه وتعالى يُدافع عن المؤمن ، ينصر المؤمن ، يوفِّقه ، يحفظه ، يؤيِّده . .
﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
وَعْدُ الله عزَّ وجل ، إذا آمنت أن الله سبحانه وتعالى مع المؤمنين بالتأييد ، والنصرِ ، والحفظ ، والرعاية من هنا تأتي قوة الإرادة ، فقوة الإرادة مرتبطة بقوة الإيمان ، فكلَّما ازداد إيمانك ؛ إذا ازداد إيمانك بوعد الله ، وازداد إيمانك بوعيد الله ، وازداد إيمانك بأن الموت حق ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وازداد إيمانك بأن الله سبحانه وتعالى سيسأل عباده أجمعين عما كانوا يعملون ، وأن لكل سيئةٍ عقاباً ، وأن لكل حسنةٍ ثواباً ، وأن السيئة .
﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
إذا آمنت هذا الإيمان من الطبيعي والبديهي أن تقوى إرادتك ، أما إذا آمنت ، أو إذا توهَّمت أن الله سبحانه وتعالى يَدَعُ عباده من دون أن يحاسبهم ، لا شكَّ أن الإرادة تضعف ، إذا توهَّمت لعقيدةٍ زائغةٍ أنه مهما فعلت من المعاصي ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة سيشفعُ لك بهذا المعنى الساذج ، البسيط ، الخاطئ ، مع أن شفاعة النبي حق ، وفيها نصوصٌ صحيحةٌ وثابتة تؤكِّدها ، ولكن ليس بهذا المعنى الساذج ، إذا آمنت بالشفاعة إيماناً ساذجاً لا شكَّ أن الإرادة تضعف وتقعد . إذا توهَّمت أن الإنسان كريشةٍ في مهب الريح . .
ألقاه في اليَمِّ مكتوفاً وقال له : إياك إياك أن تبـتلَّ بالـماءِ !
* * *
إذا ألْغيت عُنصر الاختيار في حياتك فقد وقعت في عقيدةٍ فاسدة ، وهذه تُضعف إرادتك . فالإرادة مرتبطة بصحة العقيدة ، قوة الإرادة مرتبطة بقوة الإيمان ، فمن أراد أن يقوِّي إرادته فليقوِّ إيمانه .
التدريبات العمليَّة على قوة الإرادة :
شيءٌ آخر : هناك تدريباتٌ عمليَّة على قوة الإرادة ، من مارسها ، من ألزم نفسه بقواعد عامَّة في حركته اليوميَّة وطبَّقها فقد سلك طُرُقَ التدريب الإرادي ، طرق تدريبيَّة .
هناك إنسان مثلاً يلزم نفسه بساعة رياضةٍ كل يوم ؛ برد ، مطر لا يبالي ، هذا تدريبٌ على قوة الإرادة . هناك إنسان يُلزم نفسه بنظامٍ غذائيٍ معيَّن ، هذا تدريبٍ على قوة الإرادة ، هناك من يلزم نفسه بساعةٍ ينام فيها ، هذا تدريبٌ على قوة الإرادة ، بساعةٍ يستيقظ فيها، هذا تدريبٌ على قوة الإرادة .
وفوق هذا وذاك هناك عباداتٌ شرعها الله عزَّ وجل لتقوية الإرادة ، منها الصوم ، إذا كنت في بيتك ، وليس معك أحد ، والماء عذبٌ فرات ، باردٌ كالثلج وأنت صائم ، من الذي يمنعك من أن تشرب ؟ عبادة الصوم ، وعبادة الصوم تقوّي في الإنسان قوة الإرادة . غض البصر من العبادات التي تقوي قوة الإرادة ، ما الذي يمنعك ؟ هناك قوانين تتوافق مع الشرائع ، السرقة محرَّمةٌ في الشرع ومحرَّمةٌ في القوانين كلِّها ، لكن غض البصر ليس محرَّماً في القوانين. ربَّما كان مأخذاً على الإنسان في عصور التفلُّت والفِتَن ، لكن الله وحده هو الذي أمر به ، فالائتمار بأمره دليل قوة الإرادة . فهناك عباداتٌ أساسها قوة الإرادة ، والأصح من ذلك أن من يطيع الله جلَّ جلاله في كل ما أمر ، وينتهي عن كل ما نهى وزجر ، فهذا تدريبٌ طويلٌ عمليٌ دائمٌ على قوة الإرادة .
ثم إن الله سبحانه وتعالى من خلال سُنة النبي صلى الله عليه وسلَّم - والنبي لا ينطق عن الهوى - بيَّن أن الأناة إذا أردت إنفاذ أمرٍ فتدبَّر عاقبته ، فكِّر ملياً ، ادرس الأمر من كل جوانبه ، وازن بين الإيجابيات والسلبيات ، لا تتخذ قراراً سريعاً ، الأناة ، والتمهُّل ، والتأَني ، والعُمق في الدراسة ، وتقليب الأمور على كل وجوهِهِ ، ثم اتخاذ القرار المناسب الذي ينسجم مع منهج الله ومع مصلحة المؤمن ، هذا مما يقوي في الإنسان قوة الإرادة ، ما من شقاءٍ في الدنيا والآخرة إلا بسبب قرارٍ ارتجالي ، نزوةٍ طارئة ، غضبٍ شديد ، حركةٍ عشوائيَّة .
ما ورد في الكتاب و السنة عن قوة الإرادة :
أيها الأخوة الكرام ؛ ماذا في الكتاب والسنة عن قوة الإرادة ؟ الله سبحانه وتعالى أشار إلى هذه الإرادة بمستوياتٍ ثلاثة : المستوى الأول قال تعالى :
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾
الإرادة هنا بمعنى الاختيار فقط . لكن من أراد الآخرة ، اختار الآخرة وهذا لا يكفي ، لا يكفي أن تختار شيئاً ، لابدَّ من أن تسعى له ، ولا يكفي أن تسعى له ، لابدَّ من أن تسعى له سَعْيَهُ ، الله جلَّ جلاله ما قال : ومن أراد الآخرة وسعى لها ، بل قال :
﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾
لها سعيُّ مخصوص ، كأن تقول : من أراد أن يكون طبيباً وأتى بالعلامة المطلوبة بكلية الطب ، ولم يأت بأي مجموع ، ولكن بالمجموع المطلوب ،
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
لها سعيٌ خاص ، ولها شروطٌ خاصة ، ولها ثمنٌ باهظ ، لكن
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾
لماذا جعل الله الإرادة هنا فعلاً مضارعاً ؟
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا﴾
لمَ يعجِّل الله لإنسان الدنيا ولا يعجل لإنسان الدنيا ؟ هنا يريد ، أيْ الفعل المضارع يشير إلى الاستمرار ؛ إرادة يوميَّة متكرِّرة ، أصرَّ عليها ، طلبها بكل جوارحه ، كل يوم ، صباحاً ، مساءً، قائماً ، قاعداً ، مُضَّطجعاً ، هذا معنى :
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ آية ثانية :
﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُم﴾
لو أرادوا لأعدّوا ، التلازُم بين الاختيار والسلوك . .
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُم﴾
هذا المستوى الأول بمعنى الاختيار .
لكن المستوى الثاني بمعنى : الإدراك العميق ، قال تعالى في آياتٍ كثيرة :
﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾
فكأن الله سبحانه وتعالى في كل آيات العقل أشار إلى الإرادة الواعية المُتَبَصِّرة ، لكنَّ وضوح الإرادة القوية في آياتٍ كثيرة ، منها قوله تعالى :
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
أيْ إذا صبرت على ما أصابك فأنت تملك إرادةً صلبة ، قويةً ، متينة :
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
وفي قوله تعالى :
﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
وفي قوله تعالى :
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾
أو من خلال سنة النبي عليه الصلاة والسلام يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله يحب أن تؤتى رُخَصُه كما يحب أن تؤتى عزائمه ))
معنى هذا الإيمان يحتاج إلى عزيمة ، إلى إرادة قوية ، كلمة العزائم في الكتاب والسُنة تشير إلى الإرادة القوية الحازمة ، التي بها تسعد وبضعفها تشقى .
(( إن الله يحب أن تؤتى رُخَصُه كما يحب أن تؤتى عزائمه ))
وفي إشارةٍ أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام :
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
أية قوة في المؤمن ؟ قد يكون ضعيفاً ، وقد يكون مُستضعفاً ، لكن القوة هنا تعني قوة إرادته ، قوة عزيمته ، المؤمن قويٌ في عزيمته ، قويٌ في إرادته ، وقَّافٌ عند كتاب الله ، يأخُذ الكتاب بقوة ، كما قال الله عزَّ وجل :
﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾
فالقوة مع الإيمان تعني قوة عزيمته ، وقوة إرادته . والنبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى قوة الإرادة فقال :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
فالكيِّس هو قوي الإرادة ، والعاجز هو ضعيف الإرادة .
في قوة الإرادة عاملان ؛ عامل إدراكي معرفي وعامل تنفيذي سلوكي :
في قوة الإرادة عاملان : عامل إدراكي معرفي ، وعامل تنفيذي سلوكي . فالكيِّس من أدرك أن الآخرة خيرٌ من الأولى - الخطوة الأولى - ثم انطلق منها إلى العمل للآخرة ، وضبط جوارحه وشهواته.
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
فالنصوص القرآنيَّة والنبويَّة التي تشير إلى قوة الإرادة في مستوياتٍ ثلاثة : المستوى الأول الاختيار . والمستوى الثاني العِلم . والمستوى الثالث العِلم والتَنْفيذ . ولا يسعد الإنسان ، ولا يربح الآخرة إلا بقوة إرادةٍ واعيةٍ منفِّذةٍ . وكما قلت قبل قليل : هناك تدريباتٌ كثيرة على قوة الإرادة ، وهناك عباداتٌ أساسها التدريب على قوة الإرادة ، ولماذا هناك محرَّمات ؟ من أجل أن تتملَّك إرادةً قويَّة .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حِذْرنا ، الكيَّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ . والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
السعادة الأبدية تتطلب التضحية بكل الشهوات غير المشروعة :
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثًا أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
أيْ لا تكون بطلاً تستحق جنة ربك إلى أبد الآبدين إلا بقوة الإرادة ، فعمل الجنة يبدو صعباً ، يحتاج إلى ضوابط ، إلى يقظة دائمة ، إلى مُراقبة ، إلى أن تضع شهوتك تحت قدمك ، إلى أن تُغَلِّب طاعة ربك على مصالحك ، هذا معنى :
(( ...حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثًا أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
أي لمجرَّد أن تنساق مع شهواتك ، ومع مغريات الحياة ، وأن تغوصَ فيما يغوص الناس فيه ، وأن تخوض فيما يخوض الناس فيه ، وأن تكون مع المجموع الساهي اللاهي ، مع عوامل البيئة والتطور ، وحلول الفِتَن محلَّ العزائم ، يكفي أن تكون مع عامة الناس ، مع الخط العريض . .
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً﴾
يكفي أن تنساق وراء شهوتك ، وراء مصالحك بدون رقابة ، بدون محاسبة ، بدون توجيه ، بدون إدراك لما سيكون ، بدون حساب للموت هذا ضعف الإرادة ، الانسياق مع الشهوات ضعف الإرادة ، والوقوف مع المَصالح الحقيقيَّة الأخرويَّة قوة الإرادة ، إذا أردت سعادةً أبديَّة عليك أن تُضَحِّي بكل الشهوات غير المشروعة .
يا أيها الأخوة الكرام ؛
(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثًا أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
الإنسان أحياناً يتحمَّل المشاق لفترة يسيرة على أمل أن يسعد سعادة طويلة ، هذا الذي يدرس ثلاثين عاماً ليلاً نهاراً ليأخذ أعلى شهادة في الطب ، ماذا في ذهنه ؟ في ذهنه حياة رغيدة أساسها وفرة المال ، ورفعة الشأن بين الناس ، والحركة براحة في الحياة ، هذا الذي يدرس ثلاثين عاماً يضحي بنزوات الشباب ، ويضحي بأكثر مطالب الشباب من أجل حياةٍ مستقرَّةٍ طويلة الأمد ، فكيف بالذي يؤمن بالدار الآخرة ؟ فيها :
(( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
.
أيها الأخوة الكرام ؛ قوة الإرادة موضوعٌ يحتاج إلى متابعة ، وإن شاء الله تعالى لنا في الأسبوع القادم - إن أحيانا الله عزَّ وجل - متابعة لهذا الموضوع .
الصحابة الكرام قدوة لنا علينا اتباع سيرتهم :
أروي لكم أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فيما رواه عمرو بن ميمون الأسدي ..قال : رأيت عمر بن الخطاب يقول : " يا عبد الله بن عمر - وكان عمر على وشك الموت - اذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقل : يقرأ عمر بن الخطاب عليكِ السلام ، ثم سَلْهَا أن أُدفن مع صاحبي " فقالت عائشة : " كنت أريده لنفسي - هذا القبر الثالث- فلَؤوثرنه اليوم على نفسي" فلما أقبل . . قال عمر : ما لديك يا عبد الله ؟ قال : أذنت لك أم المؤمنين يا أمير المؤمنين . قال : ما كان شيء أهم إليَّ من ذلك المضجع ، فإذا قبضت - هنا الدقَّة لعلَّك حينما استأذنتها لم ترضَ في باطنها لكن مراعاةً لعملي كوني أمير المؤمنين - فاحملوني ثم مروا أمام بيتها ، وسلِّموا ، وقولوا لها : يستأذن عمر بن الخطاب أن أُدْفَنَ إلى جنب صاحبيه ، فإن أذِنَت فادفنوني .
ما قَبِلَ إذناً في حياته ، ولكن أراد أن يكون الإذن بعد مماته ، بعد أن يتخلَّى عن قوَّته ، هو الآن أمير المؤمنين لعلَّها قالت : نعم ، دون أن تكون راضية . قال : فإذا متُّ فسلموا عليها وقولوا لها : إن عمر يستأذنكِ أن يُدفَن إلى جنب صاحبيه ، فإن أذنت فادفنوني . هذا هو الورع " ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعةٍ من مخلِّط" و " من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله " .
أيها الأخوة الكرام ؛ هؤلاء الصِحَاب الكرام هم أعلام المسلمين ، هم قدوة لهم ، فإذا قرأنا سيرتهم فلنتبع ما هم عليه لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
((. . . فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ))
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .