وضع داكن
24-04-2024
Logo
الخطبة : 0062 - التسيير والتخيير .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .

ثلاثة أدلة تثبت أن الإنسان مخيراً

أيها الأخوة المؤمنون ؛ أخ كريم سألني عن موضوع ما إذا كان الإنسان مخيراً أم مسيراً ، ونظرا لأن هذا الموضوع لا يجاب عليه بكلمتين ، فقد جعلت هذه الخطبة إجابة عن هذا السؤال الدقيق .
أولا : أن تقول أن الإنسان مخير أم مسير ؟ هذا سؤال غلط ، فيه مغالطة ، لأن مخير عكسها مكره ، تقول الإنسان مكره أم مخير ؟
الإنسان في الوقت نفسه مخير ومسير ، فما تفصيل ذلك ؟
كون أن الإنسان مخير ، هذا يثبت بأدلة ثلاثة ، بدليل عقلي ، وبدليل نقلي ، وبدليل واقعي .

1 –الدليل العقلي

أما الدليل العقلي ، فيستحيل على الله عز وجل أن يحاسبنا ، دون أن نكون مختارين ، لأن الاختيار أساس المسؤولية ، الاختيار أساس المحاسبة ، الاختيار أساس الجنة والنار ، لو أن جامعة فتحت أبوابها للطلاب ، وأخذت أحد الطلاب ووضعته في السجن طوال العام الدراسي ، ومنعت عنه أي كتاب ، وأي دفتر ، وأي شيء ، ثم أخرجته يوم الامتحان ليؤدي الامتحان ، طبعا يرسب هذا الطالب ، هل يعقل أن يحاسب هذا الطالب على رسوبه ؟ ما كان مخيراً ، ما كان مخيراً أن يدرس أو أن لا يدرس ، أكره على عدم الدراسة ، فكيف يحاسب!؟ الاختيار أساس المحاسبة
هل يفعلها إنسان ؟ مستحيل ، الإنسان مخير بالدليل العقلي ، يستحيل على الله عز وجل أن يكافئ إنسانا بالجنة دون أن يخيره ، بالعكس ، لو أعفينا طالبا من الدراسة ، ويوم الامتحان أعطيناه أوراقا مكتوبة إجابات تامة ، ونال الدرجات التامة ، ونجح ، وقلنا لقد أحرز هذا الطالب نجاحا كبيراً ، هل هذا النجاح حقيقي ؟ لا والله ، هذا نجاح مضحك ، مستحيل أن يستحق إنسان الجنة من دون اختيار ، أو أن يستحق النار من دون اختيار ، ومستحيل أن يعذب الله إنسانا من دون أن يعطيه حق الاختيار ، ومستحيل أن يحاسب إنسانا دون أن يكون مختاراً ، ومستحيل أن يكون الإنسان مسئولا ، وهو ليس مخيرا .
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
إذا أردنا أن نعرف ما إذا كان الإنسان مخيراً ، بالدليل العقلي هذا يستحيل ، هذه الأدلة في المنطق ، من نوع نفي العكس ، يعني لو رأيت مروحة تدور ولم ترى شريطا ، ما دامت المروحة لا يمكن أن تدور إلا بقوة كهربائية ، فلا بد من شريط مخفي ، كيف أثبتت الكهرباء ؟ بنفيك للعكس ، العكس مستحيل ، لابد من كهرباء ، هذا الدليل العقلي ، الإنسان مسؤول لأنه مخيَّر ، مُحاسب لأنه مخيَّر ، الجنة الإنسان دخلها بعدما اختار الإيمان ، جهنم الإنسان يدخلها بعدما كان مختاراً أن يؤمن أو لا يؤمن ، هذا كله ينطوي تحت الدليل العقلي لكون الإنسان مخيراً ، لو ناقشت إنسانا لا يؤمن بالقرآن ، يقول لك لا أريد آيات ، ولا أريد أحاديث ، ولا أريد أقوالا ، أقنعني أن الإنسان مخير ، لا يوجد إنسان في الأرض مهما انحط شأنه ، مهما كان غبيا ، يلزم إنسانا على عمل ما ، ثم يحاسبه على عمله ، يقول له أنت! من منا يدفع إنسانا حتى يقع ، فإذا وقع ، يقول له لمَ وقعت ؟ هذا الإنسان ألا يقول له بأعلى صوته ، أنت الذي أوقعتني ، فما ذنبي أنا ؟ هذا هو الدليل العقلي .

2 –الدليل النقلي

أما الدليل النقلي ، قال الله تعالى :

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾

[سورة الأنعام الآية:148]

هل في القرآن آية أوضح من هذه الآية ؟

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾

[سورة الأنعام الآية:148]

الإنسان مخيرٌ بالدليل النقلي من آيات القرآن الكريم
نحن لسنا مخيرين ، نحن الله عز وجل جعلنا مشركين هكذا ، هذا قول من ؟ قول الذين أشركوا ، فلو أن الإنسان قال مثلهم لجعل نفسه معهم ، من يقول أخي لا تؤمن حتى يريد الله ، أنا أقدر معارضة مشيئة الله عز وجل ؟ الله لم يشأ لي الهدى ، هذا كلام الشيطان بعينه ، الله عز وجل هدانا وانتهى الأمر ، بقيت علينا استجابتنا .

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾

[سورة فصلت الآية:17]

هذا دليل نقلي ، دليل قرآني .

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾

[سورة فصلت الآية:17]

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾

[سورة الإنسان الآية:3]

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾

[سورة البقرة الآية:148 ]

بعض المفسرين قال (هو) يعود على الله ، الرد على هذا التفسير ، لو أن هو تعود على الله ، لمَ قال الله عز وجل :

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148 ]

إذا قلت إن الذي يقود السيارة فلان ، أقول له خذ يمينك ، هل يعقل أن أقول لإنسان راكب بالمقعد الخلفي خذ يمينك ؟ يقول لي ما بيدي القيادة بيد السائق ، قل للسائق ! فكلمة فاستبقوا الخيرات موجهة للإنسان .

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148 ]

هذه آية واضحة كالشمس على أن الإنسان مخير .

﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾

[سورة الإنسان الآية:29]

فمن شاء ، تتمة الآية بعد قليل نتحدث عنها .

﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾

[سورة الإنسان الآية:30]

لكن الشطر الأول .

﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾

[سورة الإنسان الآية:29]

هذا هو الدليل الآخر على أن الإنسان مخير .
الآن : أوضح دليل ورد في نهج البلاغة للإمام علي كرم الله وجهه :
سأله رجل أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر ؟
ـ الشغل ترتيبه ؟ الآن الناس إذا كان في معصية وورطة ، يقول لك الناس كله ترتيبه ، تكون هذه نتائج تقصير ، نتائج انحراف ، نتائج معصية ، نتائج جهل ، يقول لك ترتيبه ـ
فقال الرجل لسيدنا علي :
أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر ؟
فقال سيدنا علي كرم الله وجهه :
ويحك - يعني عرف بهذه الكلمة خطورة هذا الكلام ومدى بعده عن الحقيقة ، ومدى ما يحمل من آثار سيئة - لعلك ظننت قضاء لازما ، وقدرا حاتما ، لو كان ذلك كذلك ، لبطل الثواب والعقاب - لا ثواب ولا عقاب ، فهذا الذي نجح نجاحا جيدا وقد قدمت له الأوراق جاهزة ، وهذا الذي رسب بعد أن أُودع في السجن ، طوال العام الدراسي - لو كان ذلك كذلك ، لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد - لمَ الوعيد ؟ لمَ التخويف من النار ؟ ولمَ الوعد بالجنة إن كان الإنسان ليس مخير؟ لمَ لم تدخل الجنة ؟ ليس بإرادتي بإرادتك يا رب - لو كان ذلك كذلك ، لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد - لمَ الوعيد - إن الله تعالى أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مُكرهاً ، ولم يرسل الأنبياء لعباً - لو كان الإنسان غير مخير ، يعني :

﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾

[سورة طه الآية:43-44]

لو لم يكن الإنسان مخيراً لبطل الثواب والعقاب
يعني هذه تمثيلية من الله عز وجل ، لما فرعون كان مخيرا ، وكان بإمكانه أن يهتدي ، لو كان الإنسان مسيرا ، أو مكرها على الكفر ، ليس هناك حاجة أن يرسل الله عز وجل موسى إلى فرعون ،

﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾

[سورة طه الآية:43-44]

ولم يرسل الأنبياء لعباً ، ولم ينزل الكتاب عبثاً ، لو كان الإنسان مكرها ليس مخيرا ما كان هناك من داع ٍ لكتاب الله أن ينزل ، قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾

[سورة ص الآية:26]

يعني إذا كان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر ، بمعنى أننا ملزمون ولسنا مخيرين ، لكان :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾

[سورة ص الآية:26]

لا زلنا في المؤيدات النقلية ، الإنسان مخيرٌ بالدليل النقلي ، سيدنا عمر اقتِيد إليه رجل متلبسٌ بشرب الخمر ، فقال والله يا أمير المؤمنين ، إن الله قدر عليَّ هذا ، فقال رضي الله عنه : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، وقال : ويحك إن قضاء الله ، لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار ، إلى الاضطرار ، يعني أنت لازلت مختاراً لذلك سأحاسبك ، فالإنسان مخير بالدليل العقلي ، كما قلت قبل قليل ، يستحيل على الله سبحانه وتعالى أن يحاسب ، أو أن يجعل الإنسان مسؤولا ، أو أن يدخل إنسانا الجنة ، أو أن يدخله النار ، وليس الإنسان مختاراً ، فالاختيار أساس المسؤولية ، والاختيار أساس المحاسبة ، والاختيار علة الدخول إلى الجنة ، وعلة الدخول إلى النار .

3 –الدليل الواقعي

أما الدليل الثالث : الدليل الواقعي ، الإنسان أحيانا يعاني ظاهرة اسمها الصراع النفسي ، متى يعاني الإنسان الصراع النفسي ؟ لأنه مخيرٌ ، أحيانا يأتيك ضيف مع درس الجمعة ، تقول : أحضر الدرس أم أجلس مع الضيف ؟ أحيانا تختار أن تجلس مع الضيف ، وقد تختار أن تأتي إلى الدرس ، ألست مختاراً ؟ يعني كل إنسان يقترف ذنبا ما ، أليس بإمكانه أن لا يفعل هذا الذنب ؟ طبعا الظالم سوط الله، ينتقم به، ثم ينتقم منه
فلو درسنا حياتنا اليومية ، لوجدنا أننا مختارون ، وأننا بسبب اختيارنا تنشأ في نفوسنا حالة تسمى الصراع الداخلي ، يعني الصراع الداخلي أأفعل هذا أم هذا ؟ الآن ، الوقت هذا أنت حضرت إلى هذا الدرس وكان بإمكانك أن تبقى في البيت ، أو أن تذهب إلى صديق ، أو أن تذهب إلى بيت فيه معصية ، أنت مخير ، شيء آخر ، ولكن هذا الاختيار عليه تعليقات كثيرة ، أول هذه التعليقات ، الإنسان مخير أن ينفع أو أن يضر ، لكنه ليس مخيرا أن ينفع من يشاء أو أن يضر من يشاء ، هنا أدق شيء بالاختيار ، الإنسان مخير يسرق أو لا يسرق ، لكن إذا اختار السرقة ليس حرا في اختيار الإنسان الذي يسرق منه ، عندئذ يتولى الله عز وجل توجيهه إلى إنسان ذي مال حرام يسرق منه ، لو الإنسان كان حرا بإيقاع الأذى على من يشاء لكان الله ظالما ، وحاشى لله .

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

[سورة الأنفال الآية:17]

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية:10]

﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة الزمر الآية:63]

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

[سورة هود الآية:123]

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾

[سورة الزمر الآية:62]

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[سورة الأعراف الآية:54]

لو تتبعت آيات القرآن الكريم لوجدت أن الإنسان مخير ، لكن اختياره في موضوع واحد ، أن تنفع أو أن تضر ، أن تصلح أو أن تفسد ، ولكنك لن تستطيع أن تضر إلا من يختاره الله عز وجل لك ، إنسان مؤذي إذاً ربنا أراد أن يؤدب عبدا ، أن يربي عبدا ، يسوق هذا العبد إلى هذا المؤذي فيؤذيه ، ربنا عز وجل قال : الظالم سوط الله ، ينتقم به ، ثم ينتقم منه .

﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾

[سورة الأنعام الآية:129]

هذه الفكرة أساسية لو أنك غفلت عنها ، أولم تعرفها لرأيت أن هذا الإنسان حر في أن يؤذي ، أين الله ؟ وقد قالها أناس كثيرون ، أين الله ؟ إذا كان الأمر بيد الله ، فأين هو؟ نقول لهم أن الله سبحانه وتعالى يسير هذا الذي اختار الأذى إلى من يستحق الأذى ، إذاً أنت مختار ، وأنت مخير ، ولكن مخير أن تحسن أو أن تسيء ، لكن أن تحسن لمن ، أو أن تسيء لمن ، هذا ليس في اختيارك ، ولكنه في اختيار الله عز وجل ، هو يسوق المحسن لمن يستحق الإحسان والمسيء لمن يستحق الإساءة .
الآن ملاحظة ثانية على الاختيار ، هذه ملاحظة أولى الموضوع مسلسل ، الإنسان مخير بالدليل العقلي ، ومخير بالدليل النقلي ، ومخير بالدليل الواقعي .

الآن ملاحظات حول الاختيار :

الملاحظة الأولى :

أول ملاحظة : الإنسان ليس له أن يختار أن يوقع الأذى على فلان ، أن يوقع الأذى ، الله سبحانه وتعالى يسوق المؤذي لمن يستحق الأذى ، ويسوق المحسن لمن يستحق الإحسان .

الملاحظة الثانية :

التعليق الثاني ، هو أن الله سبحانه وتعالى ، حتى الإنسان ينزه الله ويسبحه ، لما أب يجد ابنه اختار شيئا سيئا ، هل يقف الأب متفرجا ؟ مستحيل ، هل يقف الأب مكتوف اليدين ؟ مستحيل ، الأب فيه رحمة ، إذا ابنه اختار طريقا سيئا ، يتركه وشأنه ؟ مستحيل ، لا يردعه ؟ مستحيل ، لا ينصحه ؟ مستحيل ، لا يضيق عليه ؟ مستحيل ، إذا آمنا أن الإنسان مخير ، من لوازم هذا الإيمان ، أن الله سبحانه وتعالى لا يقف من عبده إذا اختار موقفا يضره ، لا يقف متفرجا ، ولكنه يفعل أشياء كثيرة .

الله سبحانه وتعالى يتدخل تدخلا إيجابيا أو سلبيا :

أولاً :

الله سبحانه وتعالى يتدخل ، أنظر أدق فكرة في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى يتدخل تدخلا غير مباشر، لو كان مباشرا ما عاد مختارا الإنسان ، الإنسان مخير ، أول شيء ، يتدخل في الأجواء النفسية ، لما الإنسان يختار طريق الهدى يشرح الله صدره ، وإذا اختار طريق الشقاء يضيق الله عليه ، يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصَّعد في السماء ،

﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

[سورة الحجرات الآية:7]

إذا اختار الإنسان طريق الهدى انشرح صدره، وإذا اختار طريق الشقاء ضيّق الله عليه
هذه رحمة الله ، الله سبحانه وتعالى يتدخل تدخلا إيجابيا أو سلبيا ، يعني إذا العبد اختار الخير يشرح الله صدره ، يجعله مستبشرا ، يجعل نفسه طليقة ، فرحة مسرورة ، يقول لك والله خف وزني يمشي على الأرض ، اختار الخير ، الله عز وجل فتح له آفاق الخير ، ولما يختار الشر يضيق عليه ، يصير معه انقباض ضيق .

﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾

[سورة التوبة الآية:118]

هذا أول تدخل من الله للعيد إذا رآه اختار شيئا سيئا ، يضيق عليه نفسه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء .
لما الإنسان يختار الشر والشقاء تضيق نفسه ، لكن لما يختار الخير ينطلق ، يفرح ، يستبشر ، هذه رحمة الله عز وجل ، ملخصة في قوله تعالى :

﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

[سورة الحجرات الآية:7]

ثانياً :

شيء آخر ، ربنا عز وجل ، يتدخل في حياتنا العقلية يبن لنا الحق ، ربنا عز وجل قال :

﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:23]

معنى ذلك إذا علم فيهم خيرا يسمعهم ، إرسال الأنبياء تحت هذه الآية ، إنزال الكتب السماوية تحت هذه الآية ، السماح للدعاة إلى الله بالدعوة إلى الله تحت هذه الآية ، أيام ربنا عز وجل يسوق لإنسان إنسان ينصحه ، يبن له الحق ، يهديه سواء السبيل ، بحذره ، يبشره ، ينذره ، إذاً ربنا عز وجل ، لما الإنسان يختار تدخل يده الكريمة ، أولا نفسيا ، وثانيا عقليا ، وثالثا ماديا، هنا جاء التيسير والتعسير .

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

[سورة الليل الآيات: 5-10]

صار فيه تدخل نفسي ، تدخل بياني عقلي ، تدخل مادي لما الإنسان يختار طريق الخير الله ييسر له أموره ، يوفقه ، يوفقه لعمل ، يوفقه لزواج موفق ناجح ، يوفقه لبيت يطمئن فيه يرتاح فيه ، يوفقه لذرية صالحة ، لأنه هو التفت إلى الله ، إذاً يوجد عندنا شرح صدر ، وعندنا تبيين ، وعندنا تيسير ، ولما الإنسان يختار طريق الشر ، الله عز وجل يضيق عليه ماديا ، يبعث له مشاكل تصيب جسده تصيب نفسه ، يبعث له مقلقات ، يبعث له مصائب تصيب ماله ، مصائب تصيب أولاده أحيانا ، تصيب أهله ، تصيبه نفسه ماديا ، بجسده أو بنفسه ، قال تعالى :

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:155-156]

إذاً كل أنواع التضييق ، المادي ، والمعنوي ، والنفسي ، هو بسبب أن هذا العبد اختار طريقا غير صالح فضيق الله عليه ، إذاً الله عز وجل يعالج الإنسان .

الخلاصة :

الفكرة الأساسية الثانية ، أن ربنا عز وجل لما الإنسان يختار لا يقف موقفا سلبيا ، يتدخل ، إن اختار الخير يشجعه ، وإن اختار الشر يضيِّق عليه ، نفسيا ، وماديا ، فكل أنواع المصائب ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( ما أصاب عبدا من مصيبة ، إلا بإحدى خلتين ، بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بتلك المصيبة ، أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك المصيبة ))

[ ورد بالأثر ]

على الأب أن ينصح ابنه إذا رأى منه سلوكاً خاطئاً
كل أنواع المصائب لا بد من أن تكون بهذا الباعث .

إذاً من أنواع التدخل الإلهي في اختيار الإنسان ، التدخل المادي ، التضييق المادي ، مصيبة في المال ، في الولد ، في الجسد ، في الأهل ، حتى يعود العبد إلى رشده ،

﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة القصص الآية:47]

لو أن الله عز وجل لا يتدخل ، إذا كان الابن اختار طريقا سيئا ، الأب قال له : اعمل ما شئت ، كبر الابن ، يرى نفسه خلف الناس ، يمتلئ عتبا على والده ، كنت نصحتني !، أنا ما كنت أعرف يا أبي ، كنت ضيقت عليَّ ، نبهني ، أضربني ، تركتني أختار الشر ، وأنت سكتت ! فلما الإنسان يختار الشر الله عز وجل يعالجه معالجات مستمرة ، لكن إذا تدخل باختياره مباشرة ، ما عاد مختارا الإنسان ، هو مختار ، ولكن التدخل غير مباشر ، أو يبين له ، أو يضيِّق عليه ، لكن لما الإنسان يختار الشر ، ويصرُّ عليه ، هذا أخطر شيء ، اختار الشر وأصر عليه ، قال الله عز وجل :

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾

[سورة الأنعام الآية:44]

الإصرار على الشهوة خطير جداًّ ، يستدعي أن الله سبحانه وتعالى ، يمدُّ له مداداَ ، لكن لما الإنسان يصر على الشيء ، أو لما يختار شيئا وليس مصرا عليه ، ماذا يحدث ؟ قال الله عز وجل :

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً﴾

[ سورة الإسراء الآية:18]

بالقدر الذي نشاء ولمن نريد ، معنى ذلك أن ربنا عز وجل لا ينفذ اختيار الإنسان كله بالقدر الذي يعينه على تركه في المستقبل ، قد يطلب الإنسان المال يعطيه بعض المال ، ويعطي بعض المال لبعض الناس ، أما إذا كان الطلب غير صادق ، والطلب مؤذي ، والإنسان طيب ، قد لا يستجيب الله له هذا من توابع الاختيار .

يزين الشيطان للإنسان أعماله السيئة

الآن فيه حالات توجد مجموعة آيات في كتاب الله عز وجل ، يعني تُوقع الإنسان في بعض الحرج ، ربنا عز وجل قال :

﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:48]

وقال :

﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾

[سورة البقرة الآية:10]

وقال:

﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾

[سورة فاطر الآية:8]

وقال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾

[سورة النمل الآية:4]

الشيطان أداةٌ قذرة، لاستخراج الشهوات الخبيثة من نفوس الناس
هذا التزيين ما حكمته ؟ يعني مناقشة منطقية ، إذا كان الشيطان يزين للإنسان السيئات ، فلماذا خلقه الله عز وجل ؟ الشيطان أراد أن يضل الناس جميعا ، لكن الله عز وجل وظف له ، إن صح التعبير ، هذه الإرادة الشريرة لمصلحة العباد ، الشيطان لا يستطيع أن يضل إلا الضال ، لكن الذي أصرّ على شهوة خبيثة ، صار إخراج هذه الشهوة خير من بقائها ، عندئذ يأتي دور الشيطان لتزيين هذه الشهوة حتى تخرج ، فيعاقب الله صاحبها عليها فتخرج هذه الشهوة من نفسه ، يعني لو إنسان اشتهى شيئا وأصر عليه ورأى موانع تمنعه من الشيء ، هذا الإنسان تعطل لا يعي على خير ، يشتهي الشيء ولا يفعله ، إخراج هذه الشهوة خير من بقائها ، عندئذ يأتي الشيطان فيزين للإنسان عمله السيئ فيفعله ، فيعاقبه الله عليه ، فيشفى من هذه العلة ، إذاً أحد أسباب شفاء الناس الذين يصرون على شهواتهم من عللهم الخبيثة ، أن الشيطان يزين لهم هذه الأعمال ، حتى تخرج هذه الشهوة من نفوسهم ، فيُعالجُوا منها ، أو يُعافَوا منها .
الملخص ، أن الشيطان من حيث لا يريد ، مسخر لخدمة الناس ، لكن دقيقة هذه الفكرة ، يعني الشيطان أداة قذرة ، لاستخراج الشهوات الخبيثة من نفوس الناس ، هذه وظيفته ، فربنا عز وجل لو لم يكن من خلقه فائدة ، لما خلقه الله عز وجل أساسا ، بالمناسبة الشيطان لا يستطيع أن يفعل شيئا ، قال تعالى:

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾

[سورة إبراهيم الآية:22]

الشيطان ماله فعل ، كلما يملكه أن يقول لك شيئا أن يوسوس ، فإما أن لا تستجيب ، وهذا هو الإيمان ، وإما أن يستجيب ، ولا يضل الشيطان إلا الذي ضل في الأساس .

توضيح لمعنى الإنسان مسير

شيء آخر ، الآن الإنسان مسير ، مسير ، أنهينا موضوع المخير ، مسير ليست عكس مخير ، لكن مسير تتكامل مع مخير ، الإنسان مخير والآن مسير ، كيف مسير ؟ يوجد في حياته أشياء ليس له خيار فيها ، أنه ولد في دمشق ، من فلان وفلانة ، في عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثين ، لو ولد في عام ستين في بيئة معينة ، في عام ثمانية وثلاثين في أجواء معينة ، هذا ولد بالأربعينات ، بالثلاثينات ، بالعشرينات ، ألف وثمانمئة وعشرة ، الناس كلها ورعة ، فكون الإنسان مولود في الزمن الفلاني ، وفي المكان الفلاني ، ومن هذا الأب الفلاني ، ومن هذه الأم الفلانية ، هذا تسيير أو قدر لا دخل للإنسان فيه ، ولكنه لمصلحته ، يعني إنسان مؤمن ، لو الله عز وجل جعله مع سيدنا رسول الله لبدا منافقا الإنسان مسيّر في خَلقه وفي البيئة التي نشأ فيها
الآن مؤمن كبير ، أما مع الصحابة الكرام يظهر منافقا ، لحكمة بالغة جعله في آخر الزمان ، لو جعله مع الأبطال لكان آخرهم ، جعله مع المقصرين فكان سابقهم ، لمصلحته في هذا الزمان ، إذاً لا أحد يتمنى لو كنا مع رسول الله ، لو كنا مولودين قبل مئة سنة ليس بالإمكان أبدع مما كان ، هذا قول الإمام الغزالي ، ليس بإمكاني أبدع مما أعطاني ، كون الإنسان له سكن معين ، قد يكون حسن الصورة ، قد يكون ذميم ، طويل قد يكون قصير ، صحته جيدة ، صحته معلولة ، معه التهاب أمعاء مزمن ، كبده ضعيفة ، معه ضعف في البصر ، معه قوة في البصر ، عنده ذاكرة قوية جداً ، كونك ولدت في المكان الفلاني ، وفي الزمن الفلاني ، ومن الأب الفلاني ، ومن الأم الفلانية، وهذه البنية بكل تفصيلاتها ، هذا قضاء من الله وقدر لا دخل لك فيه ، ولكنه لمصلحتك قطعا ، لقوله تعالى :

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[سورة آل عمران الآية:26]

فالإنسان يجب أن يعتقد ويوقن أن وضعه ليس في الإمكان أن يكون غير ما كان أبداً ، الله سبحانه وتعالى علم ما كان وعلم ما يكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، يعني أنت ابن أب وأم فقيرين ، علم ما لم يكن لو كنت ابن أم وأب غنيين ، كيف كنت تكون ، هناك حكمة بالغة ، ربنا عز وجل جميع الظروف التي لا دخل لك بها جعلها مسخرة لمصلحتك ، أحيانا ينشأ في حي فقير ، أحيانا ينشأ في أسرة مترفة لمصلحته ، لا يهتدي إلا بهذه الطريقة ، وقد لا يهتدي إلا أن يكون يتيما ، لا أب له ، يجعله في صلب رجل عمره قصير ، فقط سنتان مات أبوه ، نشأ يتيما، ضعيف ، مقصوص الجناحين ، لا يرى إلا الله سنده ، فأول شيء الذي لا دخل لك به لمصلحتك ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، ليس في إمكانك أبدع مما أعطاك الله عز وجل ، ارض عن كونك ولدت في المكان الفلاني ، و في الزمن الفلاني ، ومن هذا الأب الفلاني ، وهذه الأم الفلانية وبهذه البنية العقلية ، والنفسية والجسمية ، كله لمصلحتك ، قولا واحدا ، وقطعا ، هذا تسيير الكليات .

 

الإنسان مسير تسيير تنفيذ

هناك شيء آخر ، الإنسان مسير تسيير تنفيذ ، كل اختياره من يعينه على تنفيذ اختياره ؟ الله سبحانه وتعالى ، يعني ، العقرب لا تلدغ ، والحية لا تلدغ ، والنار لا تحرق ، وفلان لا يؤذي ، إلا إذا وافق الله عز وجل ، فالإنسان يختار لكن من ينفذ اختياره ؟ الله عز وجل ، المعتزلة قالوا غير ذلك ، قالوا الإنسان خالق أفعاله ، هذا شيء غير صحيح ، الإنسان لا يخلق أفعاله ، الإنسان يختار فقط ، أما الذي يخلق الأفعال هو الله عز وجل ، لأن :

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾

[سورة الزمر الآية:62]

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[سورة الأعراف الآية:54]

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية:10]

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ﴾

[سورة الأنفال الآية:17]

﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾

[سورة غافر الآية:20]

ليس في إمكان الإنسان أبدع مما أعطاه الله عز وجل
هذه كلها أشياء تؤكد أن ربنا عز وجل ، يسر الإنسان في تنفيذ مشيئته ، توجد آية دقيقة توضح ذلك في سورة النساء قال تعالى:

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾

[سورة النساء الآية:77-78]

تنفيذا ، السيئة من عند الله تنفيذا ، والحسنة من عند الله تنفيذا ،

﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾

[سورة النساء الآية:78]

اسمع الآية الثانية بعدها مباشرة :

﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾

[سورة النساء الآية:79]

أنت لك أن تختار ، والفعل بيد الله ، يعني إذا قلنا أن المعلم رسَّب هذا الطالب ، من أوقع قرار الرسوب ؟ المعلم ، من وقع الجلاء ؟ المعلم ، من قال يرسب في صفه ؟ المعلم ، إذا قلنا ، الطالب رسب كذلك صحيح ، إذا قلنا الطالب رسب سببا وعلة ، وقلنا المعلم رسبه تنفيذا وتحقيقا ، فالإنسان يختار والله ينفذ ، الإنسان يختار ورب العالمين ينفذ ، إذاً هناك تسيير تنفيذ ، واضح هذا .

الإنسان مسير تسيير تنسيق

هناك تسيير من نوع ثالث ، تسيير تنسيق ، يعني هذا اختار أن يسرق ، الله عز وجل سيره لإنسان ماله حرام ، هذا اختار يؤذي ، الله عز وجل سيره لإنسان يستحق الأذى ، هذا اختار ينفع ، الله عز وجل سيره لإنسان يستحق النفع ، هذا تسيير تنسيق ، هناك تسيير كليات ، وتسيير تنفيذ ، هناك تسيير كشف ، ربنا عز وجل ، يسير الإنسان لظروف محددة ، يكشف حقيقته ، قال تعالى :

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:2]

عندما يختار الإنسان طريق الحق، يبعث الله عز وجل له توفيقات
يقول لوالدته ، والله لو أتزوج يا أمي حتى أخدمك أنا وزوجتي ، هذا كلام ، الله عز وجل يسوق له ظروف ، بيت لا يوجد ، سكن مع والدته ، عمل عملا مع والدته لا يحتمل ، أين كلامك الماضي ؟ كله أصبح كذبا ، هذا تسيير كشف ، ربنا عز وجل كشف له حقيقته ، لك أن تقول ما شئت والله عز وجل يسيرك تسييرا يكشف حقيقة ما تقول ، لو عندي مال أتصدق بالشهر مئتي ليرة ، يبعث لك مئات الألوف ، مالنا وللناس ، لكل واحد رب يكفيه ، يكفي العباد الرب ، أنت لم تقل هذا سابقا ، قلت لو أن الرب يعطيك مالا تتصدق ، يسير لك تسيير كشف ، يكشف لك حقيقتك ، الله يعرفها لكنه يحب أن يعرفك بها ، هناك تسيير تشجيع ، لما الإنسان يختار طريق الحق ، ربنا عز وجل يشجعه ، يبعث له توفيقات ، يبعث له شيء ليس على باله ، فيها رزق جيد ، ينوي الزواج ويترك الزنى ، يؤمن له بيتا كيف ما أعرف ، لكن يتدبر ، يبعث له عملا إضافيا ، هذا تسيير تشجيع ، اختار أن يعرف الله عز وجل ، يبعث له أعمالا خفيفة تسمح له بوقت فراغ أن يتعرف إلى الله ، إذا ما يرد الله ، يبعث له عملا ثمانية عشر ساعة في اليوم ، يقول لك : أفيق على الشغل ، وأنام على الشغل ، قلبي معمي بالشغل ، لا تريد الله أنت ، لو أنك تريد الله لبعث لك عملا فيه وقت فراغ قليلا، فلما الإنسان لا يكون عنده طلب لله عز وجل ، تجد عمله يغمره ، يشتغل حتى تأتيه أزمة تودي به إلى القبر ، أما إذا إنسان طالب لله عز وجل يهيئ له عملا يتناسب معه .

الإنسان مسير تسيير تشجيع ومعالجة

فهناك تسيير تشجيع ، وهناك تسيير معالجة ، تسيير التشجيع ، ربنا عزوجل قال:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

أربع توكيدات بالآية ، اللام لام التوكيد لنهدينهم ، والنون نون التوكيد الثقيلة ، وإن من معانيها التوكيد ، وإن الله لمع المحسنين ، اللام للتوكيد ، أربع توكيدات في أربع كلمات ،

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

إذا ترك الإنسان الربا، الله تعالى يبارك له بماله
أحيانا الإنسان يختار شيئا لا يريده الله عز وجل ويصرُّ عليه ، فيقصمه الله عز وجل ، سيدنا سراقة أراد أن يقتل النبي عليه الصلاة والسلام وينال الجائزة ، مئة ناقة ، أصر على هذه النية ، فالله سبحانه وتعالى قصمه ، يعني رجلا الفرس ساخت في الأرض فوقع عنها ، ظن أنها تعثرت ، مرة ثانية ، مرة ثالثة فوقف ، فقال هذا الرجل ممنوع مني ، أيام الإنسان يصر على شيء لا يريده الله عز وجل ، يأتي ربنا عز وجل فيقصمه قصما ، وربنا عز وجل يسير الإنسان ليعرفه بنتائج الطاعة ، إذا تحرى الدخل الحلال يوفقه في عمله يأتيه دخل فيه بحبوحة ، يعني سمعت أن شخصا ترك مبلغا فيه شبهة ، الله بعث له أضعاف أضعافه ، هذا تسيير إلهي ، إذا الإنسان ترك الربى ، الله يبارك له بماله ، اقترف الربى ، يمحق له ماله ، هذا تسيير تعليم ، قال تعالى :

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:276]

يعني يعرفك بنتائج الطاعة ونتائج المعصية ، الطاعة هذه نتائجها والمعصية هذه نتائجها ، فهذا تسيير الله عز وجل ، تسيير تنفيذ ، تسيير تنسيق ، تسيير كشف ، تشجيع ، معالجة قصم ، تعريف الإنسان مسير ، لكن ملخص الملخص ، مسير لما اختار ، إذا أردت أبسط الأمور ، وأنا لا أعقدها عليكم ، الطالب مخير في الليل أن يدرس أو أن لا يدرس ، لكن صباحا حينما يُطلب منه فتح الوظيفة ، قد يعاقبه المعلم على يديه ضربتين ، ما عاد مخيرا بقبول العقاب أو رفضه ، صار مسيرا للعقاب ، يعني هذا التسيير بُنيَ على اختياره ، لما الإنسان يدخل بيتا ، مخير أن يسرق أو ألا يسرق ، فإذا سرق وقتل فقد اختياره ، صار مسيرا لحبل المشنقة ، ما عاد مختارا ، إذاً الإنسان مسير لما اختار ، هذه التفصيلات كلها يمكن أن نلخصها بكلمة ، الإنسان مسيّر ومخيّر ، مسيّر لما اختار يختار ، فيسيره الله باختياره مع المعالجة ، مع التشجيع ، مع التنبيه ، مع التحذير ، مع التضييق .

موضوعات جانبية :

مـن توابـع الموضـوع ، هنـاك عـدة موضـوعات جانبية لابـد مـن بحثـها مـع هذا الموضـوع .

الموضوع الأول : ربط مشيئة الإنسان بمشيئة الله عز وجل .

﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾

[سورة الإنسان الآية:29-30]

ما علاقة مشيئة الله عز وجل بمشيئة الإنسان ؟ يعني أنتم أيها العباد اختاروا ما شئتم ، مشيئتكم مشيئة اختيار ، لكن مشيئة الله عز وجل مشيئة فحص و اختبار ، يدخل أحدهم محل سجاد ، سجادة حقها سبعون ألفا وهو معه حقها ، لكن ليس صادقا في شرائها ، ليس معتمدا ، هناك حالة ثانية ، صادق لكن ليس معه ثمنها ، لا يمكن أن تشتري هذه القطعة إلا بشرطين ، أن تكون مريدا لشرائها أولا ، وأن تملك ثمنها ثانيا ، فلما الإنسان يختار الجنة ، ربنا عز وجل يفحص له اختياره ، يفحص ما إذا كان صادقا أو كاذبا ، وما إذا كان دافعا للثمن أو غير دافع ، صادق أو كاذب ، دفع الثمن أو ما دفع ،

﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾

[سورة الإنسان الآية:29-30]

مشيئة الله عز وجل ، مشيئة فحص واختبار ، للإرادة والثمن ، أنت مريد صادقا بهذه الإرادة ، دفعت الثمن ؟ يسمح الله ، أقرب تمثيل للحادثة ، طالب أخذ بكالوريا راح على الجامعة ، أخذ استمارة ، جمع مئة وخمسة ، كتب طب بشري ، هو اختار الطب ، لكن هناك جامعة ، هناك إدارة للجامعة ، فحصوا الطلب ، وجدوا علاماته لا تسمح له بذلك ، مع الرفض ، مشيئة الجامعة ، رفضت مشيئة الطالب ، لو حصّل مئتين وثلاثين ، مع الموافقة ، فمشيئة ربنا عز وجل مشيئة فحص و اختبار ، لا مشيئة قهر وتعسُّفٍ ، فإذا ربط الله عز وجل مشيئة الإنسان بمشيئته ، فليس معنى ذلك أن الإنسان قد يشاء الهدى ، والله لا لسبب لم يشأ له الهدى ، هذا كلام من لا يعرف الله عز وجل ، كلام الجهل ، مشيئة الله ليست تعسفية ، ليست غير مبررة ، مشيئة الله عز وجل مشيئة فحص واختبار ، دفع الثمن ، علاماته جيدة ، المواد جيدة ، لائق صحيا ، مع الموافقة ، طلبت الهدى أين الاستقامة ؟ الثمن الاستقامة ، لست مستقيما ، هذا ليس هدى ، هذا طلب فيه كذب ، فربنا عز وجل ربط مشيئة الإنسان بمشيئته ، ليفحص هذه المشيئة ، ويعطيها ما تستحق ،

﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾

[سورة الإنسان الآية:29-30]

والدليل : إنه كان عليما حكيما .

﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾

[سورة الإنسان الآية:31]

الإنسان عند هذه الآية ، يا ترى هل سينالني دور أم لا ؟، لست أعرف ، كَمَّل ربنا قال :

﴿وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾

[سورة الإنسان الآية:31]

معناها ، أدخل ربنا المنصفين ، أدخل الصالحين ، وترك الظالمين .

الموضوع الثاني : علم الله بما سيختار الإنسان لا يؤثر في سلوكه.

علم الله عز وجل لا يؤثر في اختيار الإنسان
موضوع آخر له علاقة بهذا البحث ، وهو أن علم الله بما سيختار الإنسان لا يؤثر في سلوكه ، يعني الله عز وجل ما أكره أحدا على اختيار شيء معين ، يعني من باب التشبيه والتمثيل والتوضيح ، إنسان واقف بشرفة مطلة على ساحة فيها مجموعة طرق ومنافذ ، في هذه الساحة رجل اختار أحد هذه ومشى فيه ، هذا الذي وقف في الشرفة ، وعرف أين ذهب فلان ، هل أثر في اختياره ؟ لا ما أثر ، يعني علم الله عز وجل لا يؤثر في اختيار الإنسان ، الله يعلم كيف ؟ لا نعرف ، هذا شيء مما اختص الله به ، الله يعلم ولكن علمه لا يؤثر في نوع اختيارنا ، علمه ليس ملزما ، لم يلزمك بأن تختار ، ولكنه يعلم ما تختار .

الموضوع الثالث : الإضلال .

فقط شيء آخر ، معنى الإضلال عند الناس غير واضح ، ربنا عز وجل قال :

﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

[سورة الأعراف الآية:180]

وقال:

﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾

[سورة الإسراء الآية:110]

فهل اسم المضل من أسماء الله الحسنى ؟ طبعا ، وكيف يكون هذا الاسم من أسماء الله الحسنى ؟ هناك آية واحدة توضح ذلك ، قال تعالى :

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾

[سورة غافر الآيات:69-73]

ما وجدناهم ، أين هم ؟ هؤلاء الذين أشركتموهم في الدنيا وجعلتموهم آلهة ، أين هم ؟ قالوا ضلوا عنا ،

﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾

[سورة غافر الآية:74]

أضلهم عن ماذا ؟ عن شركائهم ، إذا قلنا ربنا مضل ، يعني لا يضل الناس عن ذاته ، يضل الناس عن شركائهم مسافة كبيرة جداًّ ، بين أن تعتقد خطأً أن الله يضل الناس عنه ، أعوذ بالله ، هذا الشيء لا يمكن أن يكون ، لكن إذا أنت اعتقدت أن فلانا بيده الخير ينفعك ، الله عز وجل يضلك عنه ، تبحث عنه فلا تجده ، أي يرغمه ألاَّ ينفعك ، فالله مضل ، كيف مضل ؟ أضلك عن شريكه ، أضلك عمن اتخذته شريكا له ، هذا معنى من معاني المضل ، وأحيانا الابن معه التهاب بالأمعاء حاد ، ُوِصف له شربة ، شربة زيت خروع ، أيام ولابد له من هذه الشربة ، أيام الأم تقول له ، ليس فيها شيء هذه الشربة ، طيبة ، اشربها ، طبعا تضله عن طعمها السيئ لأنه لابد من شربها ، فإذا فسَّرت اسم المضل ، يجب أن تفسره بما يليق بكمال الله عز وجل وبجلاله ، يضلُّ عن شركائه ولا يضل عن ذاته ، أي يضل عن نتائج العلاج الذي لابد منه ، يضل عنه ، هناك شيء آخر ، لما الإنسان يلاحظ أب يضرب ابنه ، إذا كان يعرف طبيعة الأبوة ، وما في قلب كل أب من رحمة تجاه ابنه ، يفسر هذا الضرب بما يتوافق مع كون هذا الضارب أبًا ، لذلك لابد من أن تعرف الله أولا ، ثم بعد ذلك يمكن أن تفسر بعض الحوادث في ضوء هذه المعرفة ، أما أن تتعرف إلى الله من خلال الحوادث ، مستحيل ، إذا الإنسان ما عرف الأب من هو ، شاف رجلا يضرب ابنا ، يقول : ما أظلم هذا الرجل ، ما أشد ظلمه ، إذا عرفه أنه أب يقول : لعله يعالج ابنه ، فشتان بين أن تتعرف إلى الله من خلال الحوادث ، وبين أن تتعرف إليه من خلال الكون ، حتى توقن برحمته وعلمه ، وإنصافه ، وعدله ، عندئذ تفسر هذه الحوادث وفق ما عرفت من الله عز وجل .

الموضوع الرابع : القضاء والقدر .

آخر شيء ، النبي الكريم سئل عن بعض الموضوعات المتعلقة بالقضاء والقدر ، فكان بليغا إلى أقصى الحدود ، ما أجاب عن هذا السؤال ، ولكن مثَّل تمثيلا ، رأى امرأة تقبل ابنها ، فقال : أتلقي هذه المرأة بولدها إلى النار ، قالوا معاذ الله ، قال : والذي نفس محمد بيده ، َللَّه أرحم بعبده من هذه بولدها .
يعني الآيات الكريمة .

﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾

[سورة إبراهيم الآية:4]

الرضا بمكروه القضاء، أرفع درجات اليقين
أقرب التفسيرات وفق البحث اليوم ، من يشاء الهداية يهديه ، ومن يشاء الضلالة يضله ، إذا أصر على ذلك ، وإذا عزوت المشيئة لله ، فالله أرحم الراحمين ، يعني إذا قلنا هذه الأم تفعل بابنها ما تشاء كلها رحمة ، يعني هذا الموضوع دقيق جداًّ ، لأن حسن الظن بالله ثمن الجنة ، حسن الظن بالله ثمن الجنة ، لا تتهم الله في شيء قضاه الله لك ، هذا قال سيدنا علي ، لا تتهم الله في شيء قضاه الله لك ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، قال له : يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ قال يا عبدي ، هل أنت راض عني ، حتى أرضى عنك ؟ إن كنت راض عني ، - يعني عارفا بي - لذلك قال سيدنا عليُّ : الرضا بمكر

تحميل النص

إخفاء الصور