- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الرّجوع إلى الحق :
أيها الأخوة الأكارم ؛ لا زلنا في موضوع حُبّ الحق وإيثارِه ، وقد تفرَّع من هذا الموضوع موضوعاتٌ كثيرة ، منها الصِّدق ، ومنها الأمانة ، والوفاء بالعَهْد ، ومنها أداء الوعْد ، هذه الأخلاق الإسلاميّة كلُّها متفرِّعَة من خُلُقٍ أصيل واحِد ، ألا وهو حُبّ الحقّ وإيثارُه .
واليوم ننتقلُ إلى فرْع آخر من فروع هذا الخُلُق الأصيل ؛ إنَّهُ الرّجوع إلى الحقّ، لأنّه من الثابت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم معْصُومٌ بِمُفردِهِ ، أوتِيَ مكارم الأخلاق ، إنّه كما قال الله عز وجل :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
كما قال الشاعر حسّان بن ثابت :
وأحْسنَ مِنْكَ لمْ ترَ قَطُّ عَيْني وأَجْمَلَ مِنْك لمْ تلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّءًا مِنْ كُلِّ عَيْــــــــبٍ كأنَّك قد خُلِقْتَ كما تَشَــاءُ
***
النبي عليه الصلاة والسلام معْصُومٌ بِمُفردِهِ من كلّ خطأ في القَول أو العمل أو السلوك أو الحال ، لكِنَّ أُمَّتهُ - وهذا من فضْل الله علينا - مَعْصومةٌ أيضًا ولكن بِمَجموعها، أُمَّتهُ معصومةٌ بِمَجموعها ، والدليل عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ))
كلُّ واحدٍ من أُمَّته تفوّق من ناحِيَة ، وغابَتْ عنه ناحية ، فالمجموع متكامِلون ، إذًا كما قال عليه الصلاة والسلام في حديثٍ آخر عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ))
الإنسان أحيانًا لِنَقصٍ في علْمِهِ ، ولِضَعفٍ في إرادته ، ولِقُصورٍ في فهْمِهِ ، ولِتَحَمُّلٍ لِضُغوطٍ لا يُطيق تحمّلها ، ولِشَهْوةٍ تغلبُه ، قد تزِلّ قدمُهُ ، فكيف نوفّقُ بين أنَّ الإنسان خطَّاء وبين الاستقامة على أمر الله ؟ التوفيق بين هاتَيْن الحالتين هو موضوع هذه الخطبة ؛ الرُّجوع إلى الحق .
الإصرار على الخطأ وقوع في أشنع الأخلاق :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ليس العار أن تُخطئ ، ولكنّ العار أن تبقى مخطئًا ، ليس العار أنْ تجْهل ، ولكنّ العار أن تبقى جاهِلاً ، المؤمن في نموّ مستَمِرّ ، دائمًا يُقَيِّمُ نفسهُ ، دائمًا يٌحاسبُ نفسهُ ، ويُدَقّق في تصرّفاته ، يُمَحِّصُ في أقواله ، دائمًا يطرحُ هذا السؤال الأبدي : هل عملي مُطابقٌ للشّرع ؟ لماذا ؟ لأنّ الله عز وجل في آيةٍ قرآنيّة نحن نقرؤُها كثيرًا ، ولكن نغفل عن أبعادها ، يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
سُلّم الدرجات عند الله بحسب طاعتك لله ، قِسْ نفْسكَ لا بِمَشاعِرِكَ ، فقد تكون خدَّاعة ، قِسْ نفْسَكَ بمَدى انطباق حركتك اليوميّة على منهج الله عز وجل ، وهذا هو الدليل :
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
لذلك الإنسان إذا أخطأ في عقيدته ، أخطأ في تصوُّراتِهِ ، ونقصَ علْمهُ في جانبٍ ، بالغ في موضوع حجْمُه أصغر من ذلك ، وقلّل من شأن موضوع حجمهُ أكبر من ذلك ، غابَتْ عنه حقيقة ، إذا كان هناك نقْصٌ في عقيدته ، انحرافٌ عن الطريق الصحيح ، وسخّر الله له من يُبيِّن ، ومن يُفصِّلُ ، ومن يُعْطِيَهُ الصواب ، ويُعْطِيَهُ الدليل ، وبقيَ مُصِرًّا على خطئِهِ ، فقد وقعَ في أشْنَع الأخلاق التي يتحلّى بها عامّة الناس ، لذلك الرُّجوع إلى الحقّ ومعرفتهُ ، واسْتِبانَة أمرِه من الظواهر السُّلوكِيّة من خُلُق حبّ الحق وإيثاره .
الكِبر هو أحَدُ الدوافِعِ النفسيّة المشينَة للإصرار على الباطل :
أيها الأخوة الأكارم ؛ من الذي يُصِرّ على الباطل رغْمَ انْجِلاء الغموض ووُضوح وِجهة الحق ؟ إنَّه انحرافٌ خلقي مشين ، مشينٌ بِصَاحِبِهِ ، إنَّها مجموعة عوامل نفْسِيَّة يقعُ في رأسها الكِبْر ! من الذي يُصِرّ على خطئِهِ ؟ من الذي يرى الحقّ واضِحًا كالشّمس ويُصِرّ على الباطل ؟ أحَدُ الدوافِعِ النفسيّة المَشينَة أو المُشينَة - على وجهين - هو خُلق الكِبْر ، أو خُلُق الاستِعلاء ، أو حبّ الغَلَبَة ولو بالباطل ، أو خوف الظّهور بِمَظْهر الخطأ ، أو الاعتِزاز بالإثم ، أو الاسْتِكبار عن قَبول الحقّ ، أو الأنانيّة المفْرِطَة التي تُحِبّ الاسْتِئثار بالمَجْد كلّه .
أيها الأخوة الأكارم ؛ من أرقى أنواع الخُلُق التي يتخلّق بها المؤمن أن يكون رجَّاعًا إلى الحق ، وقّافًا عند حُدود الله ، رجَّاعًا أي كثير الرّجوع ، كلّما بدا له الحق رجع إليه ، كلّما بيّن له الآخرون الحقّ رجَع إليه ، واسْتَغْفر الله عمّا كان منه .
أيها الأخوة الأكارم ؛ أصحاب الفِطَر السليمة ، أصحاب الهِمَم العالِيَة ، الذين يُحِبّون الله عز وجل ، والذين يعرفون حجْمهم الحقيقيّ ، الذين يرْتقون في مقام العبوديّة ، هؤلاء يرْجِعون إلى الحقّ كلّما بدا لهم الحقّ ويقفون عند كتاب الله كلّما لاحَتْ لهم آيةٌ من كتاب الله .
الرجوع إلى الحق و ترك الأنانية المفرطة :
أيها الأخوة الأكارم ؛ كلّكم يعلم أنّ الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
أي لو أنَّك توهَّمْت فِكْرةً ، أو تصَوُّرًا ، ودَعَوْتَ إليه ، وجاء إنسانٌ وقال لك : هذا الكلام خِلاف قوله تعالى ، هنا الامتحان ؛ إما أنّك مؤمنٌ مُحِبّ للحق ، تقول : صدَقْتَ يا أخي؛ جزاك الله عنِّي كلّ خير ، هذه الآية كانت غائِبَةً عَنِّي ، أو عكس ذلك ، ألمْ يقف سيِّدُنا عمر لمّا بلغَهُ وفاة رسول الله ، وقد اخْتلَّ توازنهُ ، وقال : إنّ المنافقين يقولون : إنّه قد مات وسيرْجِع ويقْطعُ رقابهُم فجاء سيِّدُنا الصّديق ، وقال له قوله تعالى :
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾
آيةٌ قرآنيّة ، قال تعالى :
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾
صحا سيّدنا عمر ، وكأنّ هذه الآية يسمعها أوّل مرّة ، كلُّ ما في الأمر أنَّك إذا سِرْتَ في طريقٍ ، وإذا توهَّمْتَ شيئًا ، وجاءَت آيةٌ صريحة ، واضحة بسيطة ، يفهمها الناس جميعًا ، وهي على خِلاف ما تقول ، يجب أن ترجع للحق ، وإلا فهناك اسْتِعلاءٌ ، أو كِبْرٌ ، أو خوْفُ الظّهور بِمَظهر الخطأ ، أو اعتِزاز بالإثم ، أو استكبارٌ عن قبول الحقّ من بعض الأشخاص بالذات ، أو أنانيّة مفْرِطَة تحبّ أن تجمعَ المجْدَ كلّه في شخصٍ واحد .
ارتقاء الصحابة عند الله برجوعهم إلى الحق و وقوفهم عند كتابه :
أيها الأخوة الأكارم ؛ شيءٌ من السيرة النبويّة ، سيِّدُنا الصّديق ، ألَمْ تعلموا أن الحديث التالي : " لو وزن إيمان الخلق مع إيمان أبي بكر لرجح " ألم يُثنِ عليه النبي ثناءً لا حدود له ؟ هذا الصّديق ، وهذا الذي يأتي بعد رسول الله ، هذا الذي قال عنه الإمام عليّ كرَّم الله وجهه : كنت أشْبهنا بِرَسول الله خَلقًا وخُلقًا ، صدَّقْتهُ حينما كذّبهُ الناس ، وقمْتَ معه لمّا قعدُوا ، سمَّاك الله في كتابِهِ صدِّيقًا حيث قال تعالى :
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
هذا كلام الإمام عليّ في سيّدنا الصّديق ، هذا الصّديق ، الذي ما طلعت شمسٌ على رجل بعد نبيّ أفضل من أبي بكر ، وهذا الذي قال عنه النبي : تسابقتُ أنا وأبو بكر فكنّا كهاتين ، وأشار إلى أصبعين ، وهذا الذي قال عنه النبي : ما ساءني قطّ فاعرفوا له ذلك ، هذا الذي قال عنه النبي سُدّوا عليّ كلّ خوخة إلا خوخة أبي بكر .
هذا الصّديق حينما خطب الناس قال : أيّها الناس ؛ لقد وُلِّيتُ عليكم ولسْتُ بِخَيركم - ما هذا التواضع ؟ - إن أحْسَنْتُ فأعينوني ، وإن أسأتُ فقوِّموني ، إلى أن يقول : أطيعوني ما أطعْتُ الله فيكم ، فإن عصَيْتُهُ فلا طاعة لي عليكم - هذه خطبة ، إذًا كان هذا الصّديق رجَّاعًا للحق - أطيعوني ما أطعْتُ الله فيكم ، فإن عصَيْتُهُ فلا طاعة لي عليكم .
سيِّدُنا عمر ، كان معروفًا بين أصحابه أنَّه رجَّاعًا للحق ، وقَّافًا عند كتاب الله ، كلّكم يعلم أنَّه التقى يومًا بعَبد الرحمن بن عوف ، وقال له : تعال نتجوّل في أسواق المدينة ، في سِكَكِها ، كما جاء في التعبير ، هذا ليلاً رأى قافلةً مسْتريحةً في أطراف المدينة ، فقال لعبد الرحمن بن عَوْف تعال نحرسها ، في أثناء الحِراسة سَمِعَ صوت طفلٍ يبكي فاتَّجَهَ عمر إلى أُمِّه وقال : أرْضِعيه ، فأرْضعته ، ثمّ بكى ، فقال : أرضعيه ، فأرْضعته ، ثمّ بكى ، يبْدو أنَّها لك تكن ترضِعُهُ! وكانت توهِمُ عمر بن الخطاب أنَّها كانت ترضِعُهُ ، فلّما بكى في المرّة الثالثة أدركَهُ الغضب ، وقال : يا أمَة السّوء أرْضِعيه ! فقالَتْ له : ما شأنُكَ بنا ؟ إنِّي أُفْطِمُه ، لأنّ عمر لا يُعطينا العطَاء إلا بعد الفِطام ، يعني التعويض العائلي !! فما كان من هذا الخليفة العظيم إلا أن ضربَ جبْهته بيَدِهِ ، وقال : ويْحَكَ يا ابن الخطّاب كمْ قتَلْتَ من أطفال المسلمين؟!! وأصْدَرَ أمْرًا فورِيّا بأنَّ كلّ مَولودٍ يستحقّ التعويض والعطاء منذ الوِلادة ، وصلى الفجر بأصحابه فما سمعَ أصحابه صوته من شِدَّة بُكائِهِ ، وقال : يا ربّ ، هل قبِلْتَ تَوْبتي فأُهنِّأَ نفسي أم ردَدْتها فأُعزِّيَها ؟ كان وقّافًا عند كتاب الله ، غابَتْ عنه هذه الحقيقة ؛ لمّا قرّر العطاء بعد الفِطام غابَت عنه أنَّ هناك أُمّهات ربّما فطمْن أولادهنّ قصرًا من أجل التعويض ، فأصْدَرَ أمْرَهُ ، وعدَّلهُ ، وقال : كلّ مَولودٍ يستحقّ العطاء من حِين الوِلادة .
سيّدنا عمر أراد أن يحَدِّدَ من قيمة المُهور ، تَيْسيرًا للزواج ، فقالَت له امرأة : وآتَيْتُم إحداهنّ قنطارًا ؟!! فقال : امرأة خاصمَت عمر فخَصَمتهُ ! تبقى في أعلى درجات العِلْم ، وفي أعلى درجات الكمال ، وفي أعلى درجات القوّة ، إذا رجَعتَ إلى الحقّ ، وانْصَعْتَ إليه ، وخضَعْت له ، فالحق فوق الجميع ، وحينما تصرّ على خطئِكَ ، وحينما تأبى الحقّ الصُّراح ، عندئذٍ هناك علّة ، هناك عِلَّة خبيثة ، إنَّها الكِبْر ، إنّها الإصرار على الباطل ، إنَّها الاستئثار بالمجد كلّه .
أيها الأخوة الأكارم ؛ النبي عليه الصلاة والسلام يقول : إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : إنّ الله وضع الحقّ على لسان عمر يقول به ، قال يا عمر : ما لَقِيَك الشيطان سالكًا فجًّا قطّ إلا سلَكَ فجًّا غير فجِّك ، إنَّه كان في أعلى درجات التواضع ، قال له أبو ذرّ : إنَّ الناس خافوا شِدَّتك وبأسك ، فقال : والله يا أبا ذرّ لو علِمَ الناس ما في قلبي من الرّاحة لأخذوا عباءتي هذه ، ولكنّ هذا الأمر لا يُناسبُه إلا كما ترى .
أحدُ أصحابه تغاضَبَ مع بلالٍ الحبشي ، وهذا الغضب جرّهُ إلى كلمةٍ قالها لِبِلال، قال : يا بن السوداء ! فشكا بلال أمْرَ هذا الصحابيّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن قال لهذا الصحابي يا أبا فلان : طفَّ الكَلِم ؛ أَتُعَيِّرُه بأُمّه؟ إنَّك امرؤٌ فيك جاهليّة ، ماذا فعل هذا الصحابي ؟ أصرّ أن يضعَ رأسهُ على الأرض لِيَدوسَ عليه بلال ، تكفيرًا لِكَلمةٍ قالها ، لن ترقى عند الله ، ولن تبلغ الدرجات العليا ، ولن يرضى الله عنك إلا إذا كنت رجَّاعًا إلى الحق ، وقّافًا عند كتاب الله ، لأنّ الله عز وجل يقول :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
الدِّينُ كاملٌ وتامّ وأيّة إضافةٍ أو حذْفٍ هو تشويهٌ له وخروج عن حقيقته :
الدِّينُ كاملٌ وتامّ ، أيْ أنّ مجموع القضايا التي عالجها الدِّين تامّ من حيثُ العدد، وطريقة المعالجة كاملةٌ من حيث النوع ، فأيّة إضافةٍ ، وأيّ حذْفٍ هو تشويهٌ للدِّين وخروجٌ عن حقيقته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
((كلّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار))
إذا أضفْتَ على العقيدة شيئًا ، أو حذفْت منها شيئًا ، أو أضفْتَ على العبادات شيئًا، أو حذفتَ منها شيئًا ، فهذه هي حقيقة البدعة الدِّينيّة ، أما البدعة اللّغويّة فأن تُحْدِثَ شيئًا لم يكن من قبل هذه البِدْعة ، فعَنْ ابْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا))
يمكن أن تكون البدعة فيها عَمل صالح ، كمن يهيّئ للمُصلّين في المساجد وسائل الراحة ، هذه له أجرها وأجْرُ من عمل بها إلى يوم القيامة ، وأيُّ عادةٍ مستحدثةٍ فيها مخالفةٌ لأمر الله عز وجل فهي بدْعةٌ سيّئة عليه وزْرها ، ووزْرُ من عملَ بها إلى يوم القيامة ، وهناك بِدَعٌ مُباحةٌ لأنّها لا علاقة لها بشَأن الدِّين ، وهناك بِدَعٌ موْقوفةٌ على نوع اسْتِعمالها .
التوبة من الرجوع إلى الحق :
أيها الأخوة الأكارم ؛ الله عز وجل جعَلَ من التوبة رُجوعاً إلى الحق ، المؤمن كما قال النبي مُذْنبٌ توَّاب ، أي كثير التوبة ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾
ما علاقة التوبة بِمَوضوعنا ؟ كلّما بدا لك أنّك على غير الحقّ تُبْ إلى الله عز وجل ، تُبْ من عقيدةٍ زائغة أو من سُلوكٍ غير صحيح ، كلّما بدا لك أنّك على غير الطريق فتحَ الله لك باب التوبة على مِصْراعَيْه ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))
وقد يسأل أحدكم هذا السؤال ؛ لماذا سُمِّيَ الإقبال على الله رُجوعًا ؟ لأنَّك حينما ترجعُ إلى الله ، حينما تنْحرفُ عن طريق الحقّ ابْتَعدتَ عن فِطْرتِكَ السليمة ، عن مبادئك الإنسانيّة ، ابْتَعَدْت عن حقيقة وُجودك ، ابْتَعَدْت عن ذاتك ، فإذا عُدْت إلى الحقّ فقد عُدْت إلى فطرتك ، لذلك الأصْل أنّك على الحقّ ، فإذا انْحرفْتَ فهذا ابتِعادٌ عن الحقّ ، فإذا كنتَ على الحقّ ، فهذا رُجوعٌ إليه ، الأصْل في هذه الطائرة أن تعود إلى قواعدها ، مكان استقرارها أرض المطار ، تخرج وتعود ، فإذا عادَت اسْتقرَّتْ في مكانها الصحيح .
أيها الأخوة الأكارم ؛ لذلك كانت التوبة من الرجوع إلى الحقّ ، ولولا أنّ الله فتَحَ باب التوبة ليَئِسَ المُذْنبون ، ولأصبح المذنب الصغير مُجرمًا عاتيًا ، لذلك مهما كان الخطأُ فاحشًا ، مهما كان التصوّر خطيرًا بإمكانك أن تتوب إلى الله عز وجل .
شروط قبول التوبة :
أيها الأخوة الأكارم ؛ التوبة لا تصِحّ إلا بعِدَّة شُروط ؛ أوّلاً : الإقلاع الفَوْري ، ثانيًا: النَّدَم على ما كان ، ثالثًا : العزيمة ، فالنَّدَم للماضي ، والإقلاع للحاضر ، والعزيمة للمستقبل ، فالتائب الصحيح يُغطِّي أزمنةً ثلاثة ، يُغطِّي ما مضى ، ويُغطِّي ما هو فيه ، ويُغطّي المستقبل ، يندمُ على ما سبق ، ويُقلعُ من فَوْرهِ ، ويعْزِمُ على ألاّ يعود ، ويجبُ أن تكون هذه التوبة قبل الموت ، ويُضيفُ بعض العلماء : ويجب أن تكون هذه التوبة قبل طُلوع الشمس من مغربها ، وقد حارَ العلماء في هذا الحديث ، فهو من علامات قيام الساعة ، وهناك من يفسّر هذا الحديث بأنَّ الناس إذا رأوا أنّ الغرْب هو كلّ شيء ؛ هو الحضارة ، ومنه التقدّم ، ومنه القِيَم ، ومنه المبادئ ، ونحن لا شيء ، إذا وصَلَ الإنسان في تصوُّرِهِ إلى هذا المستوى لن يتوب من ذُنوبِهِ ، لأنَّه يرى ذُنوبه فضائل ، يراها تَمَشِّي مع روح العصْر ، يرى ذُنوبهُ قِيَمًا مستحدثةً ، يرى ذنوبه قيَمًا حديثة من روح العصْر ، فلذلك يجب أن نُقلِع ، وأن ننْدَم ، وأن نعْزِم، وأن يكون هذا قبل الموت ، لأنَّه عند الموت لا تُقبل التوبة ، هذا إذا كان الحقّ بينك وبين الله عز وجل ، أما إذا كان هناك أشخاص من بني البشر تعلَّقَت بهم الحُقوق ، فلا بدّ من أن تُضيفَ شرْطًا سادسًا ، ألا وهو أداء الحقوق أو المسامحة ، ولا تُقبلُ توبة إنسانٍ عصى الله عز وجل بأكْلِ حُقوق الناس ، هل هناك أعظم من الشهيد ؟ هل هناك أعظم من الشهيد الذي قدَّمَ حياتهُ في سبيل الله عز وجل ؟ الشهيدُ يُغْفرُ له كلّ شيءٍ إلا الدَّيْن ، إلا حُقوق ، هل هناك أعظم من أصحاب النبي رضوان الله عليهم الذين جاهدوا معه ؟ كان عليه الصلاة والسلام يسألُ أصحابهُ عن هذا المُسجَّى ، عن صاحبِه ، أعَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ فإن قالوا عليه دَين ، يقول : صَلُّوا على صاحِبِكُم ! إذًا حُقوق العباد لا تسقط ، وأقول لكم مرّة ثانيَة : وربّما كانت الحقوق الأدبيّة أعظمُ عند الله من الحُقوق الماديّة ، قال تعالى :
﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾
أن تنْهشَ عرْضَ المسلم ، أن تتَّهِمَهُ في إيمانه ، أن تتَّهِمَهُ في دينه ، أن تكفِّرَه ، أن تفسّقه ، أن تصفهُ بالجهل ، أن تصمه بالضلالة من دون تحقُّق ، ومن دون تريّث ، ومن دون دليل ، وتظنّ أنَّك بهذا تقرِّب الناس من الحقّ .
أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا العُدوان على حقوق الإنسان الأدبيّة ربّما كان أشدّ عند الله من العدوان على حقوقه الماديّة .
أنواع التوبة :
أيها الأخوة الأكارم ؛ قال بعض العلماء : هناك توبة من الكُفْر ومن الشِّرْك الأكبر والأصغر ، وهناك توبةٌ من الكبائر ، وهناك توبة من الصغائر ، وهناك توبة من المكروهات ، وهناك توبة من التقصيرات ، وهناك توبة من الغفلات عن الله عز وجل ، توبة من الكُفْر والشِّرْك ، وتوبةٌ من الكبائر ، وتوبة من الصغائر ، وتوبة من المكروهات ، وتوبة من التقصيرات ، وتوبة من الغفلات ، كأنّ المعاصي مختلفة في أحجامها ، معصِيَة بهذا الحجم، ومعصِيَة أقلّ منها ، ومعصِيَة أقلّ منها ، وتوبتك سطحٌ فيه ثقوب ، كلّما ضاق الثّقب كلّما حجز ومنعَ معْصِيَةً ، وأكْمَلُ أنواع التوبة ألاّ تسْمَحَ بِمَعْصِيَة مهما دقَّتْ ، فَمِن الشِّرْك والكفر ، ومن الكبائر ، ومن الصغائر ، ومن المكروهات ، ومن التقصيرات ، ومن الغفلات .
بالرجوع إلى الحق يزداد علمك و مكانتك و تزداد عند الله رِفْعة :
أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الموضوع يلخّص في آية واحدة ذكرتها لكم ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))
وإذا اعْتَقَدْتَ أنَّك إذا عُدْتَ إلى الحقّ أو رجعت إليه صَغُرَت مكانتك ، فهذا هو عَيْنُ الخطأ ، فبالرجوع يزداد علمك ، وتزداد مكانتك ، وتزداد عند الله رِفْعة .
أيها الأخوة الأكارم ؛ وقفَ مرَّةً النبي عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابهُ أن يسألوه، فقال أحدهم : اُدْع الله يا رسول الله أن يطهّرني من النفاق ، فقال عمر : يا رجل فضَحْت نفسك ، وهمّ به ، فقال : دَعْهُ يا عمر ، فُضوح الدنيا خير من فُضوح الآخرة .
ما دُمْتَ في حياةٍ فأنت في بَحبوحة ، عُدْ إلى الحق ، فإنّ العَوْدة إلى الحق ترضي الله عز وجل ، وتُرضي الحق .
أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الموضوع متعلّق بالموضوعات المتسلسلة التي تتَمَحْوَر حول مِحْوَرٍ دقيق ألا وهو حُبُّ الحقّ وإيثارُه ؛ منه الصِّدْق ، منه الوفاء بالعهْد ، منه الأمانة ، هذه الموضوعات كلّها تتعلّق به .
اللهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدنا علماً ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الطحال :
أيها الأخوة الأكارم ؛ تحت المعِدة عضْوٌ صغير لا يزيدُ وزْنُهُ عن مئة وسبعين غرامًا ، ولا يزيد أطْوَلُ أبعاده عن خمسة عشر سنتمترًا ، هذا العُضْوُ الصغير اسمه الطُّحال، وقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
ملايين الملايين بل في كلّ ثانية مليونان ونصف من الكريات الحمراء تفِدُ إليه ؛ الكريات الميِّتَة ، الكريات الحمراء هي خليّة ، خليَّةٌ دَمَوِيَّة ، هذه الخليّة لها عُمْرٌ ، يزيدُ عمرها عن مئة وعشرة أيام ، حينما تموت ، تذْهبُ إلى الطّحال ، لأنَّه مقبرتها .
مليونان ونصف مليون كريّة حمراء بالثانية تموت ، وتذهب إليه لِتُحلّل إلى عواملها الأساسيّة ، تُحَوَّل إلى الهيموغلوبين ، يذهب إلى الكبِد ، فَيُكَوّنُ الصّفراء ، والصّفراء مادَّة فعّالة في هضْم المواد الدّهنيّة ، ومَن اسْتؤصَلت صفراؤه لا ينبغي أن يأكل المواد الدّهنيّة أبدًا ، وتذهب كمّيات الحديد المُحَلَّلة من كريات الدّم الحمراء إلى نقيّ العِظام لِيُعاد تَصْنيعُها من جديد كرياتٍ حمراء جديدة ، الاقتصاد إذًا فضيلة من الفضائل وفوق هذا وذاك ، يُعَدُّ الطّحال مستودعًا احتِياطِيًّا للدّم ، فخمسةٌ بالمئة من مجموع الدّم مخزّن في الطّحال ، متى يُصرف هذا المخزون ؟ قال : يُصْرف عند انخفاض الضّغط الشديد ، أو في النزيف ، أو عند ارتفاع درجة الحرارة ، في هذه الحالات الثلاث ينفق هذا المخزون لِيُلَبِّيَ الحاجة السريعة ، وفوق هذا وذاك الطُّحال معْمَلٌ لِتَصنيع كريات الدّم الحمراء ، كان هذا المعمل يعمل قبل خروج الجنين من بطْن أمّه ، معْمل مرْحلي ، وبعد خُروج الجنين من بطْن أمّه ، وعمل نقي العِظام في تصنيع الكريات الحمراء ، يصبحُ معملاً احْتِياطيًّا ، فلو أصاب المعامل الأساسيّة خللٌ ، أو خطرٌ يعمل من جديد ، فهو معمل دمٍ احتياطي ، ومسْتودعٌ للدّم ، ومَقْبرةٌ له ، وربّما كانت سلامتُنا متوقّفة إلى حدٍّ ما على سلامة الطُّحال ، فلو عمل بأنْشَطَ مِمَّا ينبغي أن يعمل لأُصيبَ الإنسان بِفَقْرٍ في الدّم شديد أوْدى بِحَياته هذا الطّحال الذي نأكلهُ أحيانًا في الفطائر ، هذه قِصَّتهُ ؛ مَعْمَلُ دَمٍ احتياطيّ ، ومَقْبرةٌ للدّم ، ومستودعٌ يُخزِّنُ خمسة في المئة من مجموع دم الإنسان ، قال تعالى :
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .