وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 0402 - سلسلة الأخلاق7 ، الرجوع إلى الحق - الطحال.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الرّجوع إلى الحق :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ لا زلنا في موضوع حُبّ الحق وإيثارِه ، وقد تفرَّع من هذا الموضوع موضوعاتٌ كثيرة ، منها الصِّدق ، ومنها الأمانة ، والوفاء بالعَهْد ، ومنها أداء الوعْد ، هذه الأخلاق الإسلاميّة كلُّها متفرِّعَة من خُلُقٍ أصيل واحِد ، ألا وهو حُبّ الحقّ وإيثارُه .
 واليوم ننتقلُ إلى فرْع آخر من فروع هذا الخُلُق الأصيل ؛ إنَّهُ الرّجوع إلى الحقّ، لأنّه من الثابت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم معْصُومٌ بِمُفردِهِ ، أوتِيَ مكارم الأخلاق ، إنّه كما قال الله عز وجل :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

 كما قال الشاعر حسّان بن ثابت :

وأحْسنَ مِنْكَ لمْ ترَ قَطُّ عَيْني  وأَجْمَلَ مِنْك لمْ تلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّءًا مِنْ كُلِّ عَيْــــــــبٍ  كأنَّك قد خُلِقْتَ كما تَشَــاءُ
***

 النبي عليه الصلاة والسلام معْصُومٌ بِمُفردِهِ من كلّ خطأ في القَول أو العمل أو السلوك أو الحال ، لكِنَّ أُمَّتهُ - وهذا من فضْل الله علينا - مَعْصومةٌ أيضًا ولكن بِمَجموعها، أُمَّتهُ معصومةٌ بِمَجموعها ، والدليل عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ))

[ الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ]

 كلُّ واحدٍ من أُمَّته تفوّق من ناحِيَة ، وغابَتْ عنه ناحية ، فالمجموع متكامِلون ، إذًا كما قال عليه الصلاة والسلام في حديثٍ آخر عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ))

[ الترمذي عَنْ أنس]

 الإنسان أحيانًا لِنَقصٍ في علْمِهِ ، ولِضَعفٍ في إرادته ، ولِقُصورٍ في فهْمِهِ ، ولِتَحَمُّلٍ لِضُغوطٍ لا يُطيق تحمّلها ، ولِشَهْوةٍ تغلبُه ، قد تزِلّ قدمُهُ ، فكيف نوفّقُ بين أنَّ الإنسان خطَّاء وبين الاستقامة على أمر الله ؟ التوفيق بين هاتَيْن الحالتين هو موضوع هذه الخطبة ؛ الرُّجوع إلى الحق .

 

الإصرار على الخطأ وقوع في أشنع الأخلاق :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ليس العار أن تُخطئ ، ولكنّ العار أن تبقى مخطئًا ، ليس العار أنْ تجْهل ، ولكنّ العار أن تبقى جاهِلاً ، المؤمن في نموّ مستَمِرّ ، دائمًا يُقَيِّمُ نفسهُ ، دائمًا يٌحاسبُ نفسهُ ، ويُدَقّق في تصرّفاته ، يُمَحِّصُ في أقواله ، دائمًا يطرحُ هذا السؤال الأبدي : هل عملي مُطابقٌ للشّرع ؟ لماذا ؟ لأنّ الله عز وجل في آيةٍ قرآنيّة نحن نقرؤُها كثيرًا ، ولكن نغفل عن أبعادها ، يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 13]

 سُلّم الدرجات عند الله بحسب طاعتك لله ، قِسْ نفْسكَ لا بِمَشاعِرِكَ ، فقد تكون خدَّاعة ، قِسْ نفْسَكَ بمَدى انطباق حركتك اليوميّة على منهج الله عز وجل ، وهذا هو الدليل :

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 13]

 لذلك الإنسان إذا أخطأ في عقيدته ، أخطأ في تصوُّراتِهِ ، ونقصَ علْمهُ في جانبٍ ، بالغ في موضوع حجْمُه أصغر من ذلك ، وقلّل من شأن موضوع حجمهُ أكبر من ذلك ، غابَتْ عنه حقيقة ، إذا كان هناك نقْصٌ في عقيدته ، انحرافٌ عن الطريق الصحيح ، وسخّر الله له من يُبيِّن ، ومن يُفصِّلُ ، ومن يُعْطِيَهُ الصواب ، ويُعْطِيَهُ الدليل ، وبقيَ مُصِرًّا على خطئِهِ ، فقد وقعَ في أشْنَع الأخلاق التي يتحلّى بها عامّة الناس ، لذلك الرُّجوع إلى الحقّ ومعرفتهُ ، واسْتِبانَة أمرِه من الظواهر السُّلوكِيّة من خُلُق حبّ الحق وإيثاره .

 

الكِبر هو أحَدُ الدوافِعِ النفسيّة المشينَة للإصرار على الباطل :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من الذي يُصِرّ على الباطل رغْمَ انْجِلاء الغموض ووُضوح وِجهة الحق ؟ إنَّه انحرافٌ خلقي مشين ، مشينٌ بِصَاحِبِهِ ، إنَّها مجموعة عوامل نفْسِيَّة يقعُ في رأسها الكِبْر ! من الذي يُصِرّ على خطئِهِ ؟ من الذي يرى الحقّ واضِحًا كالشّمس ويُصِرّ على الباطل ؟ أحَدُ الدوافِعِ النفسيّة المَشينَة أو المُشينَة - على وجهين - هو خُلق الكِبْر ، أو خُلُق الاستِعلاء ، أو حبّ الغَلَبَة ولو بالباطل ، أو خوف الظّهور بِمَظْهر الخطأ ، أو الاعتِزاز بالإثم ، أو الاسْتِكبار عن قَبول الحقّ ، أو الأنانيّة المفْرِطَة التي تُحِبّ الاسْتِئثار بالمَجْد كلّه .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ من أرقى أنواع الخُلُق التي يتخلّق بها المؤمن أن يكون رجَّاعًا إلى الحق ، وقّافًا عند حُدود الله ، رجَّاعًا أي كثير الرّجوع ، كلّما بدا له الحق رجع إليه ، كلّما بيّن له الآخرون الحقّ رجَع إليه ، واسْتَغْفر الله عمّا كان منه .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ أصحاب الفِطَر السليمة ، أصحاب الهِمَم العالِيَة ، الذين يُحِبّون الله عز وجل ، والذين يعرفون حجْمهم الحقيقيّ ، الذين يرْتقون في مقام العبوديّة ، هؤلاء يرْجِعون إلى الحقّ كلّما بدا لهم الحقّ ويقفون عند كتاب الله كلّما لاحَتْ لهم آيةٌ من كتاب الله .

 

الرجوع إلى الحق و ترك الأنانية المفرطة :

 

 أيها الأخوة الأكارم ؛ كلّكم يعلم أنّ الله عز وجل يقول :

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[ سورة الأحزاب: 36]

 أي لو أنَّك توهَّمْت فِكْرةً ، أو تصَوُّرًا ، ودَعَوْتَ إليه ، وجاء إنسانٌ وقال لك : هذا الكلام خِلاف قوله تعالى ، هنا الامتحان ؛ إما أنّك مؤمنٌ مُحِبّ للحق ، تقول : صدَقْتَ يا أخي؛ جزاك الله عنِّي كلّ خير ، هذه الآية كانت غائِبَةً عَنِّي ، أو عكس ذلك ، ألمْ يقف سيِّدُنا عمر لمّا بلغَهُ وفاة رسول الله ، وقد اخْتلَّ توازنهُ ، وقال : إنّ المنافقين يقولون : إنّه قد مات وسيرْجِع ويقْطعُ رقابهُم فجاء سيِّدُنا الصّديق ، وقال له قوله تعالى :

﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾

[سورة الزمر : 30]

 آيةٌ قرآنيّة ، قال تعالى :

﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 144 ]

 صحا سيّدنا عمر ، وكأنّ هذه الآية يسمعها أوّل مرّة ، كلُّ ما في الأمر أنَّك إذا سِرْتَ في طريقٍ ، وإذا توهَّمْتَ شيئًا ، وجاءَت آيةٌ صريحة ، واضحة بسيطة ، يفهمها الناس جميعًا ، وهي على خِلاف ما تقول ، يجب أن ترجع للحق ، وإلا فهناك اسْتِعلاءٌ ، أو كِبْرٌ ، أو خوْفُ الظّهور بِمَظهر الخطأ ، أو اعتِزاز بالإثم ، أو استكبارٌ عن قبول الحقّ من بعض الأشخاص بالذات ، أو أنانيّة مفْرِطَة تحبّ أن تجمعَ المجْدَ كلّه في شخصٍ واحد .

 

ارتقاء الصحابة عند الله برجوعهم إلى الحق و وقوفهم عند كتابه :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ شيءٌ من السيرة النبويّة ، سيِّدُنا الصّديق ، ألَمْ تعلموا أن الحديث التالي : " لو وزن إيمان الخلق مع إيمان أبي بكر لرجح " ألم يُثنِ عليه النبي ثناءً لا حدود له ؟ هذا الصّديق ، وهذا الذي يأتي بعد رسول الله ، هذا الذي قال عنه الإمام عليّ كرَّم الله وجهه : كنت أشْبهنا بِرَسول الله خَلقًا وخُلقًا ، صدَّقْتهُ حينما كذّبهُ الناس ، وقمْتَ معه لمّا قعدُوا ، سمَّاك الله في كتابِهِ صدِّيقًا حيث قال تعالى :

﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾

[سورة الزمر : 33]

 هذا كلام الإمام عليّ في سيّدنا الصّديق ، هذا الصّديق ، الذي ما طلعت شمسٌ على رجل بعد نبيّ أفضل من أبي بكر ، وهذا الذي قال عنه النبي : تسابقتُ أنا وأبو بكر فكنّا كهاتين ، وأشار إلى أصبعين ، وهذا الذي قال عنه النبي : ما ساءني قطّ فاعرفوا له ذلك ، هذا الذي قال عنه النبي سُدّوا عليّ كلّ خوخة إلا خوخة أبي بكر .
 هذا الصّديق حينما خطب الناس قال : أيّها الناس ؛ لقد وُلِّيتُ عليكم ولسْتُ بِخَيركم - ما هذا التواضع ؟ - إن أحْسَنْتُ فأعينوني ، وإن أسأتُ فقوِّموني ، إلى أن يقول : أطيعوني ما أطعْتُ الله فيكم ، فإن عصَيْتُهُ فلا طاعة لي عليكم - هذه خطبة ، إذًا كان هذا الصّديق رجَّاعًا للحق - أطيعوني ما أطعْتُ الله فيكم ، فإن عصَيْتُهُ فلا طاعة لي عليكم .
 سيِّدُنا عمر ، كان معروفًا بين أصحابه أنَّه رجَّاعًا للحق ، وقَّافًا عند كتاب الله ، كلّكم يعلم أنَّه التقى يومًا بعَبد الرحمن بن عوف ، وقال له : تعال نتجوّل في أسواق المدينة ، في سِكَكِها ، كما جاء في التعبير ، هذا ليلاً رأى قافلةً مسْتريحةً في أطراف المدينة ، فقال لعبد الرحمن بن عَوْف تعال نحرسها ‍ ، في أثناء الحِراسة سَمِعَ صوت طفلٍ يبكي فاتَّجَهَ عمر إلى أُمِّه وقال : أرْضِعيه ، فأرْضعته ، ثمّ بكى ، فقال : أرضعيه ، فأرْضعته ، ثمّ بكى ، يبْدو أنَّها لك تكن ترضِعُهُ! وكانت توهِمُ عمر بن الخطاب أنَّها كانت ترضِعُهُ ، فلّما بكى في المرّة الثالثة أدركَهُ الغضب ، وقال : يا أمَة السّوء أرْضِعيه ! فقالَتْ له : ما شأنُكَ بنا ؟ إنِّي أُفْطِمُه ، لأنّ عمر لا يُعطينا العطَاء إلا بعد الفِطام ، يعني التعويض العائلي !! فما كان من هذا الخليفة العظيم إلا أن ضربَ جبْهته بيَدِهِ ، وقال : ويْحَكَ يا ابن الخطّاب كمْ قتَلْتَ من أطفال المسلمين؟!! وأصْدَرَ أمْرًا فورِيّا بأنَّ كلّ مَولودٍ يستحقّ التعويض والعطاء منذ الوِلادة ، وصلى الفجر بأصحابه فما سمعَ أصحابه صوته من شِدَّة بُكائِهِ ، وقال : يا ربّ ، هل قبِلْتَ تَوْبتي فأُهنِّأَ نفسي أم ردَدْتها فأُعزِّيَها ؟ كان وقّافًا عند كتاب الله ، غابَتْ عنه هذه الحقيقة ؛ لمّا قرّر العطاء بعد الفِطام غابَت عنه أنَّ هناك أُمّهات ربّما فطمْن أولادهنّ قصرًا من أجل التعويض ، فأصْدَرَ أمْرَهُ ، وعدَّلهُ ، وقال : كلّ مَولودٍ يستحقّ العطاء من حِين الوِلادة .
 سيّدنا عمر أراد أن يحَدِّدَ من قيمة المُهور ، تَيْسيرًا للزواج ، فقالَت له امرأة : وآتَيْتُم إحداهنّ قنطارًا ‍‍؟!! فقال : امرأة خاصمَت عمر فخَصَمتهُ ! تبقى في أعلى درجات العِلْم ، وفي أعلى درجات الكمال ، وفي أعلى درجات القوّة ، إذا رجَعتَ إلى الحقّ ، وانْصَعْتَ إليه ، وخضَعْت له ، فالحق فوق الجميع ، وحينما تصرّ على خطئِكَ ، وحينما تأبى الحقّ الصُّراح ، عندئذٍ هناك علّة ، هناك عِلَّة خبيثة ، إنَّها الكِبْر ، إنّها الإصرار على الباطل ، إنَّها الاستئثار بالمجد كلّه .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ النبي عليه الصلاة والسلام يقول : إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : إنّ الله وضع الحقّ على لسان عمر يقول به ، قال يا عمر : ما لَقِيَك الشيطان سالكًا فجًّا قطّ إلا سلَكَ فجًّا غير فجِّك ، إنَّه كان في أعلى درجات التواضع ، قال له أبو ذرّ : إنَّ الناس خافوا شِدَّتك وبأسك‍ ، فقال : والله يا أبا ذرّ لو علِمَ الناس ما في قلبي من الرّاحة لأخذوا عباءتي هذه ، ولكنّ هذا الأمر لا يُناسبُه إلا كما ترى .
 أحدُ أصحابه تغاضَبَ مع بلالٍ الحبشي ، وهذا الغضب جرّهُ إلى كلمةٍ قالها لِبِلال، قال : يا بن السوداء ‍! فشكا بلال أمْرَ هذا الصحابيّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن قال لهذا الصحابي يا أبا فلان : طفَّ الكَلِم ؛ أَتُعَيِّرُه بأُمّه؟ إنَّك امرؤٌ فيك جاهليّة ، ماذا فعل هذا الصحابي ؟ أصرّ أن يضعَ رأسهُ على الأرض لِيَدوسَ عليه بلال ، تكفيرًا لِكَلمةٍ قالها ، لن ترقى عند الله ، ولن تبلغ الدرجات العليا ، ولن يرضى الله عنك إلا إذا كنت رجَّاعًا إلى الحق ، وقّافًا عند كتاب الله ، لأنّ الله عز وجل يقول :

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[ سورة المائدة: 3 ]

الدِّينُ كاملٌ وتامّ وأيّة إضافةٍ أو حذْفٍ هو تشويهٌ له وخروج عن حقيقته :

 الدِّينُ كاملٌ وتامّ ، أيْ أنّ مجموع القضايا التي عالجها الدِّين تامّ من حيثُ العدد، وطريقة المعالجة كاملةٌ من حيث النوع ، فأيّة إضافةٍ ، وأيّ حذْفٍ هو تشويهٌ للدِّين وخروجٌ عن حقيقته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

((كلّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار))

[أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية ]

 إذا أضفْتَ على العقيدة شيئًا ، أو حذفْت منها شيئًا ، أو أضفْتَ على العبادات شيئًا، أو حذفتَ منها شيئًا ، فهذه هي حقيقة البدعة الدِّينيّة ، أما البدعة اللّغويّة فأن تُحْدِثَ شيئًا لم يكن من قبل هذه البِدْعة ، فعَنْ ابْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا))

[الترمذي عَنْ ابْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ]

 يمكن أن تكون البدعة فيها عَمل صالح ، كمن يهيّئ للمُصلّين في المساجد وسائل الراحة ، هذه له أجرها وأجْرُ من عمل بها إلى يوم القيامة ، وأيُّ عادةٍ مستحدثةٍ فيها مخالفةٌ لأمر الله عز وجل فهي بدْعةٌ سيّئة عليه وزْرها ، ووزْرُ من عملَ بها إلى يوم القيامة ، وهناك بِدَعٌ مُباحةٌ لأنّها لا علاقة لها بشَأن الدِّين ، وهناك بِدَعٌ موْقوفةٌ على نوع اسْتِعمالها .

 

التوبة من الرجوع إلى الحق :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ الله عز وجل جعَلَ من التوبة رُجوعاً إلى الحق ، المؤمن كما قال النبي مُذْنبٌ توَّاب ، أي كثير التوبة ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[ سورة التحريم : 8]

 ما علاقة التوبة بِمَوضوعنا ؟ كلّما بدا لك أنّك على غير الحقّ تُبْ إلى الله عز وجل ، تُبْ من عقيدةٍ زائغة أو من سُلوكٍ غير صحيح ، كلّما بدا لك أنّك على غير الطريق فتحَ الله لك باب التوبة على مِصْراعَيْه ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))

[أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى ]

 وقد يسأل أحدكم هذا السؤال ؛ لماذا سُمِّيَ الإقبال على الله رُجوعًا ؟ لأنَّك حينما ترجعُ إلى الله ، حينما تنْحرفُ عن طريق الحقّ ابْتَعدتَ عن فِطْرتِكَ السليمة ، عن مبادئك الإنسانيّة ، ابْتَعَدْت عن حقيقة وُجودك ، ابْتَعَدْت عن ذاتك ، فإذا عُدْت إلى الحقّ فقد عُدْت إلى فطرتك ، لذلك الأصْل أنّك على الحقّ ، فإذا انْحرفْتَ فهذا ابتِعادٌ عن الحقّ ، فإذا كنتَ على الحقّ ، فهذا رُجوعٌ إليه ، الأصْل في هذه الطائرة أن تعود إلى قواعدها ، مكان استقرارها أرض المطار ، تخرج وتعود ، فإذا عادَت اسْتقرَّتْ في مكانها الصحيح .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ لذلك كانت التوبة من الرجوع إلى الحقّ ، ولولا أنّ الله فتَحَ باب التوبة ليَئِسَ المُذْنبون ، ولأصبح المذنب الصغير مُجرمًا عاتيًا ، لذلك مهما كان الخطأُ فاحشًا ، مهما كان التصوّر خطيرًا بإمكانك أن تتوب إلى الله عز وجل .

 

شروط قبول التوبة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ التوبة لا تصِحّ إلا بعِدَّة شُروط ؛ أوّلاً : الإقلاع الفَوْري ، ثانيًا: النَّدَم على ما كان ، ثالثًا : العزيمة ، فالنَّدَم للماضي ، والإقلاع للحاضر ، والعزيمة للمستقبل ، فالتائب الصحيح يُغطِّي أزمنةً ثلاثة ، يُغطِّي ما مضى ، ويُغطِّي ما هو فيه ، ويُغطّي المستقبل ، يندمُ على ما سبق ، ويُقلعُ من فَوْرهِ ، ويعْزِمُ على ألاّ يعود ، ويجبُ أن تكون هذه التوبة قبل الموت ، ويُضيفُ بعض العلماء : ويجب أن تكون هذه التوبة قبل طُلوع الشمس من مغربها ، وقد حارَ العلماء في هذا الحديث ، فهو من علامات قيام الساعة ، وهناك من يفسّر هذا الحديث بأنَّ الناس إذا رأوا أنّ الغرْب هو كلّ شيء ؛ هو الحضارة ، ومنه التقدّم ، ومنه القِيَم ، ومنه المبادئ ، ونحن لا شيء ، إذا وصَلَ الإنسان في تصوُّرِهِ إلى هذا المستوى لن يتوب من ذُنوبِهِ ، لأنَّه يرى ذُنوبه فضائل ، يراها تَمَشِّي مع روح العصْر ، يرى ذُنوبهُ قِيَمًا مستحدثةً ، يرى ذنوبه قيَمًا حديثة من روح العصْر ، فلذلك يجب أن نُقلِع ، وأن ننْدَم ، وأن نعْزِم، وأن يكون هذا قبل الموت ، لأنَّه عند الموت لا تُقبل التوبة ، هذا إذا كان الحقّ بينك وبين الله عز وجل ، أما إذا كان هناك أشخاص من بني البشر تعلَّقَت بهم الحُقوق ، فلا بدّ من أن تُضيفَ شرْطًا سادسًا ، ألا وهو أداء الحقوق أو المسامحة ، ولا تُقبلُ توبة إنسانٍ عصى الله عز وجل بأكْلِ حُقوق الناس ، هل هناك أعظم من الشهيد ؟ هل هناك أعظم من الشهيد الذي قدَّمَ حياتهُ في سبيل الله عز وجل ؟ الشهيدُ يُغْفرُ له كلّ شيءٍ إلا الدَّيْن ، إلا حُقوق ، هل هناك أعظم من أصحاب النبي رضوان الله عليهم الذين جاهدوا معه ؟ كان عليه الصلاة والسلام يسألُ أصحابهُ عن هذا المُسجَّى ، عن صاحبِه ، أعَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ فإن قالوا عليه دَين ، يقول : صَلُّوا على صاحِبِكُم ! إذًا حُقوق العباد لا تسقط ، وأقول لكم مرّة ثانيَة : وربّما كانت الحقوق الأدبيّة أعظمُ عند الله من الحُقوق الماديّة ، قال تعالى :

﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾

[ سورة النور : 15]

 أن تنْهشَ عرْضَ المسلم ، أن تتَّهِمَهُ في إيمانه ، أن تتَّهِمَهُ في دينه ، أن تكفِّرَه ، أن تفسّقه ، أن تصفهُ بالجهل ، أن تصمه بالضلالة من دون تحقُّق ، ومن دون تريّث ، ومن دون دليل ، وتظنّ أنَّك بهذا تقرِّب الناس من الحقّ .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا العُدوان على حقوق الإنسان الأدبيّة ربّما كان أشدّ عند الله من العدوان على حقوقه الماديّة .

 

أنواع التوبة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ قال بعض العلماء : هناك توبة من الكُفْر ومن الشِّرْك الأكبر والأصغر ، وهناك توبةٌ من الكبائر ، وهناك توبة من الصغائر ، وهناك توبة من المكروهات ، وهناك توبة من التقصيرات ، وهناك توبة من الغفلات عن الله عز وجل ، توبة من الكُفْر والشِّرْك ، وتوبةٌ من الكبائر ، وتوبة من الصغائر ، وتوبة من المكروهات ، وتوبة من التقصيرات ، وتوبة من الغفلات ، كأنّ المعاصي مختلفة في أحجامها ، معصِيَة بهذا الحجم، ومعصِيَة أقلّ منها ، ومعصِيَة أقلّ منها ، وتوبتك سطحٌ فيه ثقوب ، كلّما ضاق الثّقب كلّما حجز ومنعَ معْصِيَةً ، وأكْمَلُ أنواع التوبة ألاّ تسْمَحَ بِمَعْصِيَة مهما دقَّتْ ، فَمِن الشِّرْك والكفر ، ومن الكبائر ، ومن الصغائر ، ومن المكروهات ، ومن التقصيرات ، ومن الغفلات .

 

بالرجوع إلى الحق يزداد علمك و مكانتك و تزداد عند الله رِفْعة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الموضوع يلخّص في آية واحدة ذكرتها لكم ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))

[أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى ]

 وإذا اعْتَقَدْتَ أنَّك إذا عُدْتَ إلى الحقّ أو رجعت إليه صَغُرَت مكانتك ، فهذا هو عَيْنُ الخطأ ، فبالرجوع يزداد علمك ، وتزداد مكانتك ، وتزداد عند الله رِفْعة .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ وقفَ مرَّةً النبي عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابهُ أن يسألوه، فقال أحدهم : اُدْع الله يا رسول الله أن يطهّرني من النفاق ، فقال عمر : يا رجل فضَحْت نفسك ، وهمّ به ، فقال : دَعْهُ يا عمر ، فُضوح الدنيا خير من فُضوح الآخرة .
 ما دُمْتَ في حياةٍ فأنت في بَحبوحة ، عُدْ إلى الحق ، فإنّ العَوْدة إلى الحق ترضي الله عز وجل ، وتُرضي الحق .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الموضوع متعلّق بالموضوعات المتسلسلة التي تتَمَحْوَر حول مِحْوَرٍ دقيق ألا وهو حُبُّ الحقّ وإيثارُه ؛ منه الصِّدْق ، منه الوفاء بالعهْد ، منه الأمانة ، هذه الموضوعات كلّها تتعلّق به .
 اللهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدنا علماً ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الطحال :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ تحت المعِدة عضْوٌ صغير لا يزيدُ وزْنُهُ عن مئة وسبعين غرامًا ، ولا يزيد أطْوَلُ أبعاده عن خمسة عشر سنتمترًا ، هذا العُضْوُ الصغير اسمه الطُّحال، وقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
 ملايين الملايين بل في كلّ ثانية مليونان ونصف من الكريات الحمراء تفِدُ إليه ؛ الكريات الميِّتَة ، الكريات الحمراء هي خليّة ، خليَّةٌ دَمَوِيَّة ، هذه الخليّة لها عُمْرٌ ، يزيدُ عمرها عن مئة وعشرة أيام ، حينما تموت ، تذْهبُ إلى الطّحال ، لأنَّه مقبرتها .
 مليونان ونصف مليون كريّة حمراء بالثانية تموت ، وتذهب إليه لِتُحلّل إلى عواملها الأساسيّة ، تُحَوَّل إلى الهيموغلوبين ، يذهب إلى الكبِد ، فَيُكَوّنُ الصّفراء ، والصّفراء مادَّة فعّالة في هضْم المواد الدّهنيّة ، ومَن اسْتؤصَلت صفراؤه لا ينبغي أن يأكل المواد الدّهنيّة أبدًا ، وتذهب كمّيات الحديد المُحَلَّلة من كريات الدّم الحمراء إلى نقيّ العِظام لِيُعاد تَصْنيعُها من جديد كرياتٍ حمراء جديدة ، الاقتصاد إذًا فضيلة من الفضائل وفوق هذا وذاك ، يُعَدُّ الطّحال مستودعًا احتِياطِيًّا للدّم ، فخمسةٌ بالمئة من مجموع الدّم مخزّن في الطّحال ، متى يُصرف هذا المخزون ؟ قال : يُصْرف عند انخفاض الضّغط الشديد ، أو في النزيف ، أو عند ارتفاع درجة الحرارة ، في هذه الحالات الثلاث ينفق هذا المخزون لِيُلَبِّيَ الحاجة السريعة ، وفوق هذا وذاك الطُّحال معْمَلٌ لِتَصنيع كريات الدّم الحمراء ، كان هذا المعمل يعمل قبل خروج الجنين من بطْن أمّه ، معْمل مرْحلي ، وبعد خُروج الجنين من بطْن أمّه ، وعمل نقي العِظام في تصنيع الكريات الحمراء ، يصبحُ معملاً احْتِياطيًّا ، فلو أصاب المعامل الأساسيّة خللٌ ، أو خطرٌ يعمل من جديد ، فهو معمل دمٍ احتياطي ، ومسْتودعٌ للدّم ، ومَقْبرةٌ له ، وربّما كانت سلامتُنا متوقّفة إلى حدٍّ ما على سلامة الطُّحال ، فلو عمل بأنْشَطَ مِمَّا ينبغي أن يعمل لأُصيبَ الإنسان بِفَقْرٍ في الدّم شديد أوْدى بِحَياته هذا الطّحال الذي نأكلهُ أحيانًا في الفطائر ، هذه قِصَّتهُ ؛ مَعْمَلُ دَمٍ احتياطيّ ، ومَقْبرةٌ للدّم ، ومستودعٌ يُخزِّنُ خمسة في المئة من مجموع دم الإنسان ، قال تعالى :

﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾

[ سورة المؤمنون : 14]

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 21 ]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور