- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله ، سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين . اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من علامات إيمان المؤمن رحمتهُ بأهله :
أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا في موضوع الكبائر ، ولا سيما تلك الكبائر التي يظنّها الناس صغائر وهي كبائر ، فالكبائر عند عامّة المسلمين هي القتل ، والزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والإشراك بالله ، وما إلى ذلك ، وقد يغيبُ عن المسلم أنّ الاستِطالة على الزوجة ظلمًا من الكبائر ، بل هي من أكبر الكبائر ، الله جلّ جلاله يقول :
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
يا أيها الأخوة الكرام ؛ الأصْل في العلاقة الزوجيّة أن يسْكنَ الزوج إلى زوجته ، والأصل في العلاقة الزوجية المودّة والرحمة بينهما ، فمن لم يكن في بيته كذلك فهو على خلاف ما أراد الله ، فمن لم يكن في بيته كذلك فهو على خلاف الفطرة البشريّة ، فمن لم يكن في بيته كذلك فهو على خلاف ما ينبغي أن يكون عليه ، لذلك أيّها الأخوة الكرام ؛ أن يُصلح الإنسان علاقته بأهله ، وأن يجعل بيته سكَنًا ، وأن يجعل العلاقة بينه وبين أهله قائمةً على الموَدَّة والرحمة هو جزءٌ من إيمان المؤمن ، وجزءٌ من دينه .
أيها الأخوة الكرام ؛ الشيء الذي يلفتُ النَّظَر أحيانًا أن تجدَ مؤمنًا يرْتاد المساجد ، ويُصلّي في أوّل صفّ ، فإذا دَخَلَ إلى بيته قسا ، وكان على زوجته قاسيًا إلى درجةٍ لا يُصدّق أنَّه يرتاد بيوت الله ، ويطلب العلم الشرعي ، ويأْتمرُ بأمْر الله ، لذلك قال العلماء : من ظواهر خلُق الرحمة في المؤمن حُسْن معاشرته للنساء أي أهله ، لأنَّهنّ بِحَسَبِ ما فُطِرنَ عليه ضعيفات، لذلك أوصى الإسلام بالنساء خيرًا ، أمرَ بإكرامِهِنّ ، أمر بالإحسان إليهنّ ، أمَرَ بالصَّبْر على عِوَجِهِنّ ، أمرَ بِرَحمتهنّ ، أمرَ بالعَطف عليهنّ ، وبعدم ظُلْمهنّ ، طريقة معاملة الزوج جزءٌ من دينه ، وتعبيرٌ على حجم الإيمان في قلبه ، فكلّما ربا الإيمان في قلب المؤمن ازْدادَتْ رحمتهُ بالخلق ، وهل أقرب إليه من أهله ؟ فإذا رحم الغريب فالأولى أن يرحم القريب ، إذا رحِمَ الغريب فالأولى أن يرحمَ شريكة حياته ، فلذلك من علامات إيمان المؤمن رحمتهُ بأهله، من علامة إيمان المؤمن اتِّباعُهُ النبي صلى الله عليه وسلّم في معاملاته لِزَوجاته الطاهرات .
الاستِطالة على الزوجة ظلمًا وتعسُّفًا هو من أكبر الكبائر :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا يخفى عليكم أنَّ سعادة المرء في بيتِهِ أساسُ سعادته العامَّة، لأنَّ ألْصَقَ شيءٍ بالإنسان بيتهُ ، لذلك الاستِطالة على الزوجة ظلمًا وتعسُّفًا هو من أكبر الكبائر ، بل هو من الكبائر التي غابَتْ عن ذِهْن المسلمين أنَّها كبائر ، بل هي من الكبائر التي يُظَنُّ أنَّها من الصغائر .
أيها الأخوة الكرام ؛ روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، ولا يخفى عليكم أنّ الحديث الذي يرويه الإمام البخاري ومسلم معًا حديثٌ متّفق عليه ، وهو من أعلى درجات الأحاديث : عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))
وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا))
الزوج وزوجته متكاملان وليسا متطابقين :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا بدّ من وقْفَةٍ متأنِّيَة عند هذا الحديث ، الضِّلَعُ في اللّغة هو العِوَج ، وقد يغيب عن الرّجل أن خصائص المرأة غير خصائص الرجل ، إنّ خصائص المرأة النفسِيَّة ، والجِسْمِيَّة ، والاجتماعيّة ، والفكريّة غير خصائص الرجل النفسِيَّة ، والجِسْمِيَّة ، والاجتماعيّة ، والفكريّة ، وأنّ الزوج وزوجته متكاملان وليسا متطابقين ، ألا ترَوْن إلى قوله تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
ألا يلفتُ النَّظر أنَّه ما العلاقة بين الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى ؟ وبين الذَّكَر والأنثى ؟ كما أنَّ النهار جعلهُ الله ضِياءً ، ولِكَسْب الرّزق ، جعل الليل لباسًا ، وجعلهُ سكينةً ، وجعلهُ للراحة والسّكون ، كذلك الرجل له دَورٌ يتميّز عن دوْر المرأة ، الدَّوْران متكاملان وليسا متطابقين ، هذه التي جاءت تشْكو إلى النبي صلى الله عليه وسلّم زوْجها ، قالت : يا رسول الله إنّ فلانًا تزوّجني وأنا شابّة ذات أهل ومال وجمال ، فلمّا كبرَت سِنِّي ، ونثَرَ بطْني ، وذهب مالي ، وتفرّق أهلي قال : أنتِ عليّ كَظَهْر أمِّي ، ولي منه أولاد ، إن تركْتهم إليه ضاعوا ، وإن ضَمَمْتُهم إليّ جاعوا ، هذه المرأة التي شكَت إلى النبي زوجها وضَّحَتْ بشَكل بليغ أنّ للرّجل دورًا لا تُنافسهُ فيه المرأة ، وأنّ للمرأة دورًا لا ينافسها فيه الرّجل ، إنّه لِكَسْب الرّزق ، وللعلاقات العامّة ، وللعمل خارج البيت ، وإنّها لِتَربيَة الأولاد ، ولِيَكون البيت سكنًا للزَّوج ، حينما يظنّ الزّوج أنَّ المرأة ينبغي أن تكون على شاكلته فقد وقَعَ في وهْمٍ كبير .
أيها الأخوة الكرام ؛ الضِّلَع هو العِوَج ، وهذا الضِّلْع الذي في الصَّدر كم يكون مؤذيًا ومُحْرجًا لو كان مستقيمًا ؟ إنَّ كمالهُ في عِوَجِهِ ، والعِوَجُ يعني الانعطاف ، والانعطاف يعني العَطْف ، فبِشَكلٍ أو بآخر الحديث يُشير إلى أنَّه ما زاد من قوّة إدراك الرجل ، وما زاد من اهتمامه بالقضايا العامة ، وما قلّ من انفعاله واهتمامه بالقضايا الجزئيّة كمالٌ في الرَّجُل ، وما نقصَ من قوّة إدراك المرأة ، واهتمامها بالقضايا العامة ، وما زاد من عاطفتها ، وانحنائها على أولادها ، واهتمامها بالدّقائق والتفصيلات هو كمالٌ فيها ، وكنتُ أضربُ على هذا المعنى مثلاً رائعًا وهو أنّ السيارة التي أُعِدَّتْ لِنَقْل البضاعة ، ما زاد في المكان المخصّص لِنَقل البضاعة ، وما قلّ في المكان المخصّص لِنَقل الركاب كمال فيها ، أما السيارة التي أُعِدَّت لِنَقل الركاب فما زاد في المساحة المخصّصة لنقل الركاب ، وما قلّ في المساحة المخصّصة لنقل البضاعة كمالٌ فيها ، فربّنا سبحانه وتعالى حينما قال :
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
هو الخالق ، وهو المُصَمِّم ، وهو الفاطر ، وهو الذي خلق الرّجل ، وإذا قلتُ الرّجل فإنِّي أعْني جِنس الرّجال ، لأنّ هناك فروقًا فرديّة على مستوى الأفراد تتفوّق المرأة على الرجل في نواحي كثيرة ، ولكن إذا قلت المرأة والرجل أعني جنس الرّجال ، وجنس النساء .
أيها الأخوة الكرام ؛ إنَّ الرجل الذي يطمح أن تكون امرأته على شاكلته هو لا يعرف حقيقة المرأة ، وإنّ المرأة التي تطمحُ أن يكون زوجها على شاكلتها لا تعرف حقيقة الرجل، إنَّهما متكاملان متعاونان ، كلّ منهما ينْجحُ فيما خلق له ، فإذا تبادلت المواقع ، وبدَّلنا المواقع والمهمّات وقعنا في فسادٍ كبير .
مساواة المرأة للرجل في التكليف والتشريف والمسؤوليّة :
أيها الأخوة الكرام ؛ من الثابت أنَّ المرأة كالرجل في التكليف والتشريف والمسؤوليّة، ومن الثابت أيضًا أنَّها تمتاز بِطَبيعة جسميّة ونفسيّة واجتماعيّة وفِكريّة تتميّز بها عن الرجل ، وأنّ الرجل يتميّز بِطَبيعة جسميّة ونفسيّة واجتماعيّة وفِكريّة يتميّز بها عن المرأة ، وهذا مِصداق قوله تعالى :
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
فيا أيها الأخوة الأكارم النبي عليه الصلاة والسلام يقول :عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))
اهتمامها الشديد بالجزئيّات والتفاصيل ، وتعلّقها الشديد بأولادها ، واهتمامها بزينتها هو ممّا يكمّل حياة الرجل ، فهذا ليس عِوَجًا بالمعنى المطلق ، ولكنّه عِوَجٌ بالمعنى النّسبي ، هذا العِوَج هو كمالٌ فيها ، إنّه عِوج العطف ، وعِوَج الاهتمام بأولادها ، إنّه عِوَج الاهتمام بزينتها كي ترضي زوجها ، وهذا هو الأصل ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ))
لو أنّ المرأة كما تريد ، أوتيَت حِدَّة في الإدراك ، واهتمامًا بالقضايا العامّة على حساب بيّتها ، واهتمامها بأولادها ، واهتمامها بزينتها ، بالدّقائق والجزئيات لما استطعت ان تعيش معها ، إذًا وإنّ أعوج ما فيه أعلاه ، وإن تركْتهُ لم يزل أعوج ، فاستَوْصوا بالنّساء خيرًا .
الشقيّ من يبحث عن النقائص والعيوب و السعيد من يبحث عن الإيجابيّات :
أيها الأخوة الكرام ؛ المؤمن تُكْشف له الحقائق ، وتُكْشف له حِكَم الخلق ، ويعلم الحكمة التي من أجلها خلقت المرأة على هذا النَّحْو ، لذلك يتعايَش ويتكامَل ، ويمنحها من حبّه، ومن عطفه ، ومن إكرامه الشيء الكثير ، فيَحْيا حياةً هنيئة سعيدة.
أيها الأخوة الكرام ؛ روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ ))
الحديث الأوّل يؤكّد لنا أنّ صفات النساء والرّجال متكاملة ، وليْسَت متطابقة ، وهذا يعين على حُسن العُشْرة بين الزوجين ، أما الحديث الثاني فإنَّه يبين أنَّه ولو وجدْت في امرأتِكَ نقصًا ، أو وجدْت فيها عيبًا ، أو وجدتَ فيها قصورًا ، أو وجدْت فيها إهمالاً ، انطلاقًا من النَّظرة الموضوعية ، وانطلاقًا من الإنصاف ، لا ينبغي أن تغفل عن ميزاتها ، عليك أن تسجّل الإيجابيّات والسلبيات ، لذلك الشقيّ من يبحث عن النقائص والعيوب ، ويكبّرها حتى تسْحقهُ ، لكنّ السعيد في الحياة هو الذي يبحث عن الإيجابيّات في كلّ شيء حتى في زوجته ، لا يفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنة ؛ أي لا يكرهُ مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر ، فالإنسان في ثورة الغضب ، وفي شدّة الكراهية عليه أن يذكر الإيجابيّات ، عليه أن يذكر عِفَّتها، عليه أن يذكر استقامتها ، عليه أن يذكر تديّنها ، وحسن إدارتها للبيت ، عليه أن يذكر الإيجابيّات فإذا ذكرها بإنصاف ثمّ ذكر السلبيات ربّما رآها ليْسَت بشيء ، أما هذا الذي لا ينظر إلا للعيب ، ولا ينظر إلا إلى النَّقْص ، يتغافل عن الإيجابيّات ويبْرز السلبيات ، هذا إنسان شرّير ، والنبي عليه الصلاة والسلام بشَكْلٍ أو بآخر ، دعا فقال :
(( تعوذوا بالله من ثلاث فواقر : جار سوء إن رأى خيرا كتمه ، وإن رأى شراً أذاعه؛ وزوجة سوء إن دخلت عليها لسنتك ، وإن غبت عنها خانتك ؛ وإمام سوء إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر ))
اللهمّ إنِّي أعوذ منك من إمام سوء إن أسأت لم يقبل ، وإن أحسنت لم يقبل ! يُقاسُ على هذين الدعائين أنَّ الرجل إن رأى خيرًا َكَتَمَه ، وإن رأى شرًّا أذاعه ؛ هذا زوْج سوء ، أو أنَّ الرجل إن أحسنَتْ إليه امرأته لمْ يقبل ، وإن أساءَت لم يغفر ، هذا قرين سوء ، فيا أيها الأخوة الكرام ؛ أؤكد على هذه الناحيّة أنّ جزءاً كبيرًا من دينك ، وجزءاً كبيرًا من إيمانك يظهر في طريقة معاملتك لأهلك .
الحديث الثاني الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ))
الموازنة بين الإيجابيات و السلبيات :
أيها الأخوة الكرام ؛ العقل سلطان ، الإنسان أحيانًا يتحرك وفقَ نزَوَاته ، أو وفْق غضبه ، أو وفق توتّره النفسي ، دون أن يجعل لِعَقلهِ حكمًا أو سلطانًا ، فإذا رأى نقيصةً كبرَت عليه ، وأقام النَّكير ، وأرْغى وأزْبَد ، وربّما طلّق امرأته لِسَبب تافه ، ثمّ يكون النَّدَم الشّديد ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ))
اِجْعَل موازنةً بين الإيجابيات والسلبيات .
أيها الأخوة الكرام ؛ وفي خطبة حجَّة الوداع ، وهي الخطَّة الحاسمة التي رسمَت للمسلمين منهج حياتهم خصَّ النبي صلى الله عليه وسلّم جزءاً من خطبته للتَّوصية بالنساء ، فقال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجّة الوداع :
((ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، فإنما هنّ عَوَانٌ ))
جمعٌ مفردهُ عانِيَة ، والعانيَة مؤنّث عاني ، والعاني هو الأسير عندكم ، لذلك قال بعض الصحابة : الزواج رقّ فلينْظر أحدكم أين يضع كريمته .
مِقياس الخلق الكريم لا ما تفعله بين الناس بل ما تفعله في البيت :
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك حديث رابع وهو من الأهميّة في مكان ، ذلك أنّ الإنسان في الأعمّ الأغلب يتصرّف خارج البيت بذكاءٍ ، وتخطيط ، حِفاظًا على مكانته ، وعلى سمعته ، وعلى شخصيّته ، وعلى ما يقوله الناس في غيبَتِهِ ، هذا من خصائص الإنسان ، يُدافع عن مكانته بذَكاء تصرّفاته ، ولكن المألوف ، وفي الأعمّ الأغلب ، إذا دخل بيته يتصرّف على سجيّته من دون تكلّف ، لذلك عدَّ النبي صلى الله عليه وسلّم مِقياس الخلق الكريم لا ما تفعله بين الناس بل ما تفعله في البيت ، الإنسان خارج البيت يتصرّف بِوَعْيٍ ، وبإدراكٍ ، وبِتَخطيط ساعيًا للحِفاظ على مكانته ، أو لِرَفْع شأن ذاته بين الناس ، فَيُبْدي من التسامح والحِلْم ، والطِّيب والعطْف ، والرحمة ما لا سبيل إلى وصفه ، وهو في الحقيقة يبحث عن تأكيد ذاته ، وعن رفْع شأنها بين الناس ، ولكنّه في الأعمّ الأغلب أنَّ الإنسان إذا دخل بيته تصرّف على سجيّته على عفْو الخاطر من دون تخطيط ، ومن دون تركيز ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام الذي أوتِيَ جوامع الكلم ، والذي لا ينطق عن الهوى ، يقول :
((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا))
وفي تعليق قصير على قول النبي عليه الصلاة والسلام ، أنَّ الله سبحانه وتعالى حينما مدح النبي عليه الصلاة والسلام ، خالق الكون يمدح نبيّه ورسوله ؛ المخلوق الأوّل ، ما مدحهُ بأنّه خطيب ، ولا بأنّه عالم ، ولا بأنّه مفتيّ ، ولا بأنّه مجتهد ، ولا بأنّه قائدٌ ، ولا بأنّه زعيم ، ولا بأنّه قائدٌ حربي ، ولا بأنّه زعيمٌ سياسي ، ولكن قال تعالى :
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
فالإيمان بالتعريف الجامع المانع حُسْن الخلق ، وحسْنُ الخُلُق ذهب بالخير كلّه ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا))
استسلام المؤمن لحظوظه في الدنيا :
أيها الأخوة الكرام ؛ لعلّ النبي صلى الله عليه وسلّم في هذه الأحاديث الجامعة المانعة ينطلق من قوله تعالى :
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ آيةٌ في القرآن الكريم ، والله لو لم يكن في هذا الكتاب الكريم إلا هذه الآية لكفَتْ المؤمنين ، هذه الآية هي التي ترضّي الإنسان بِقَضاء الله ، وهي التي تُرَضِّيهِ بِقِسْمتهِ من الله ، قال تعالى :
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
فالمؤمن في ضَوْء هذه الآية يستسلم لحظوظه من الدنيا ، فهذه المرأة حظُّه من الدنيا ، وهؤلاء الأولاد حظّه من الدنيا ، وهذه الحرفة حظّه من الدنيا ، وهذا المستوى الذي وصل إليه حظّه من الدنيا ، وكما قال الإمام الغزالي في إحيائه : " ليس في الإمكان أبْدَعُ ممَّا كان " وقد فسَّرها بعضهم أنَّه ليس في إمكاني أبْدَعُ ممَّا أعطاني ، أيْ أنَّ الله سبحانه وتعالى لحِكمةٍ ولِعَدلٍ ولِرَحمةٍ اختار لك هذه الزوجة ، وتلك الحِرفة ، وهؤلاء الأولاد ، وهذا المستوى المعاشي ، فينبغي أن ترى حكمة الله ، وأن ترضى بقضاء الله ، وقد ذكرتُ لكم من قبل أنّ امرأ يطوف حول البيت ويقول : يا رب هل أنت راضٍ عنِّي ؟ فإذا بالإمام الشافعي يمشي خلفه ويسمع قولهُ، فقال : يا هذا ، وهل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ فقال هذا الرجل : من أنت يرحمك؟ فقال الشافعي : أنا محمّد بن إدريس ، فقال له : كيف أرضى عنه وأنا أتمنَّى رِضاه ؟ فقال الإمام الشافعي : يا هذا إذا كان سُرورك بالنِّقْمة كسُرورك بالنِّعمة فقد رضيتَ عن الله تعالى .
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء لا جزاء :
أيها الأخوة الكرام ؛ يجب أن تعلموا علْم اليقين أنَّ الحظوظ وُزِّعَت في الدنيا توزيع ابتِلاء لا توزيع جزاء ، وأنّ الحظوظ سوف توزّع في الآخرة توزيع جزاء ، يعني أنَّ الدنيا دار ابتلاء ، ودار تكليف ، ودار امتحان ، فالشيء الذي أعطاك الله إيّاه هو مادّة امتحانك مع الله ، والشيء الذي فاتك هو مادّة امتحانك مع الله ، فالامتحان مع الله على شكلين ؛ على شكلٍ إيجابي ، وعلى شكلٍ سلبي ، فالشيء الذي مُنِحْتَهُ مادَّة امتحانك مع الله ، والشيء الذي حُرِمْت منه هو أيضًا مادَّة امتحانك مع الله ، يؤكِّد هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم حينما يقول : " اللهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجْعلهُ عَوْنًا لي فيما أحبّ ، وما زويْت عنّي ما أحبّ فاجْعلهُ لي فراغًا فيما تحبّ "فالشيء الذي نلْتَهُ من الله ، إن على مستوى الزوجة ، أو على مستوى الأهل ، أو على مستوى الولد ، أو على مستوى الدَّخْل ، مادَّة امتحانك مع الله ، والشيء الذي فاتك من الزوجة ، أو الولد ، أو من الأهل ، أو من البيت ، أو من الدَّخْل ، أو من الحِرْفة ، مادَّة امتحانك مع الله ، والدنيا دار ابتلاء ، والآخرة دار عطاء ، والدنيا دار تكليف ، والآخرة دار تشريف ، الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، لذلك المؤمن الحصيف العاقل يُعَوِّلُ على ما في الآخرة من عطاء أبديّ سرمديّ ، ولا يُعَوِّلُ على ما في الدنيا .
معنى المعاشرة بالمعروف :
أردْتُ من هذه المقدّمة إلى أن أصِل إلى أنَّ ليس كلّ بيتٍ يُبْنى على الحبّ ، وما كلّ زواجٍ يُبنى على الحبّ ، المؤمن ولو لم يكن في قلبه تلك المحبّة الجارفة لأهله هو في حقيقته يُكرمهم ، ويُحْسن إليهم ، لعلّ الله سبحانه وتعالى يرضى عنه ، ولعلّه بهذا الإحسان إلى زوجته يأخذ بيدها إلى الله ، والدنيا فانِيَة .
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ الذي يظنّ أنّ الدنيا كلّ شيء ، وأنّ المرأة هي كلّ شيء ، وأنّ سعادته كلّها في زوجة تروق له ، هذا واهِمٌ وبعيدٌ عن الصواب .
أيها الأخوة الكرام ؛ لعلّ الأحاديث الشريفة التي ذكرها صلى الله عليه وسلّم تنطلق من قوله تعالى :
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾
قال علماء التفسير : معنى المُعاشَرَة بالمعروف إعطاء الزوجة حقوقها ، والإحسان إليها ، والتلطّف معها ، وإدخال السرور على قلبها ، والصبر على عِوَجِها ، والإنفاق عليها بالمعروف ، وعدم إيذائها ، وعدم مكارهتها ، فليْسَت المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها ، بل أن تحتمل الأذى منها .
من سعى لإصلاح ذات بينه أصلح الله له زوجته :
أيها الأخوة الكرام ؛ توضيحٌ لا بدّ منه ، قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة ، إِن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخَرَ ))
بعضهم يرى أنّ الكراهيّة قد تكون ذَوْقِيَّة ، فالرّجل إذا كره من زوجته ضَعْف دينها، وضعْف إيمانها ، وضَعف أمانتها ، وضعف حفظها لِنَفسها ، هذه كراهةٌ مُحِقّ بها ، ولكن قد يكرهُ ذوقًا منها ، بعض ما فيها ، هذه كراهة لا تقدّم ولا تؤخّر ، وهذه التي حضّنا النبي عليه الصلاة والسلام على مجاوزتها ، ولكنّك إذا رأيْتَ منها كذبًا ، أو ضعفًا في إيمانها ، أو تركًا لِصَلاتها ، أو تبذّلاً في خروجها ، ولم تكره ذلك فأنت لسْتَ مؤمنًا ، ينبغي أن تكره منها هذه التصرّفات ، وينبغي أن تقوّمها ، وأن تقيّمها .
أيها الأخوة الكرام ؛ المؤمن ينبغي أن يسعى - إن لم يكن متزوّجًا - إلى أن يبحث على زوجة صالحة ، ورد في الحديث أنَّه من تزوَّج المرأة لِجَمالها أذلَّهُ الله تعالى ، ومن تزوَّجَها لِمَالها أفْقَرَهُ الله ، ومن تزوَّجها لِحَسبها زاده الله دناءةً ، فعليك بِذات الدِّين تربَت يداك .
أما إذا كان متزوّجًا فلْيَضَع نُصْب عينَيْه قوله تعالى :
﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾
فكلما سعى الرجل لإصلاح ذات بينِهِ أصلحَ الله له زوجتهُ ، وقد قال الإمام الشعراني رحمه الله تعالى :" أنا أعرف مقامي عند ربّي من أخلاق زوجتي ".
أيها الأخوة الكرام ؛ أن يسْعد الإنسان في بيته هذا عَوْنٌ له على مواجهة مصاعب الحياة ، أما إذا كانت الجبهة الداخليّة منهارة ، والجبهة الخارجيّة منهارة ، فهذا وضْعٌ لا يُحتمل ، لذلك أن تكون في بيتك سعيدًا ، ومتفاهمًا ، وأن تحرصَ على إقامة الإسلام في بيتك ، وأن يكون هذا البيت وفق منهج الله ، وشريعة الله ؛ فهذا ممَّا يُسْعِدُك ، ويعينك على تحمّل مشاق الحياة .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتّخذ حِذْرنا ، الكيّس من دان نفسهُ وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبع نفسهُ هواها ، وتمنى على الله الأمانيّ . والحمد لله رب العالمين
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
العين آية من آيات الله الدالة على عظمته :
أيها الأخوة الكرام ؛ من آيات الله الدالة على عظمة الله في خَلْقِ الإنسان أنّ الإنسان خُلِقَت له عَينان ، وأُذنان ، ولسانٌ واحد ، وفمٌ واحد ، وأنفٌ واحد ، لماذا خلقَت له عَينان ولم تُخْلق له عينٌ واحدة ؟ ولماذا خلقتْ له أُذنان ولم تخلق له أذن واحدة كما هي الحال في الأنف واللّسان والفم ؟
أيها الأخوة ، إنّ العينين تُحَقِّقان معًا رؤيةً مُجَسَّمَة ، العين الواحدة - ولها تفصيلٌ طويل يدرسهُ طلاّب كليّة الطبّ - تُدرك بُعدين فقط طولٌ وعرض ، لكنّ العينين معًا تُدْركان معًا الشيء مع بعده الثالث وهو العُمْق ، لذلك المسافات التي أمامك لا تُدركها إلا بالعَينين ، أما المسافات التي تعترض العين فتُدْرك بعَين واحدة ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
إنَّك لن تستطيع أن تضع الخيط في الإبرة إلا بِعَينين ، بِعَينٍ واحدٍ قد يكون بين الخيط والإبرة عشرة ميلمترات ، ولا تُحكم إدخال الخيط في الإبرة ، ولكن بالعَينين معًا تُدْرك هذا البعد الثالث وهو العمق ، لذلك لا تبدو الصُّوَر مُجَسَّمة إلا بالعَيْنين معًا ، أما الأذنان فكما تعلمون أنَّ تفاضل وُصول الصوتين إلى الأذنين ، هناك جهاز في الدماغ يحسب هذا التفاضل، ومن معرفة التفاضل يكتشف الدماغ جهة الصوت ، أنت إذا كنت تمشي في الطريق ، وسمعت بوق سيارة من ورائك كيف تعرف جهة السيارة إلا من الأذنين ؟ لذلك قال تعالى :
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
أيْ عينان يرى بهما الأشياء ، ويرى بهما البعد الثالث للأشياء ، وأذنان يسمع بهما الأصوات ، وتفاضل وُصول الصوت إليهما هو جهة الصوت ، وهذا من فضل الله على الإنسان ، وكما أقول لكم أيها الأخوة إنّ الكون بما فيه من آيات دالّة على عظمته ، هو أقصرُ طريق إلى الله ، وأوْسَعُ باب تدخلون على الله منه .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .