وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0489 - وعاشروهن بالمعروف - العين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله ، سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين . اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

من علامات إيمان المؤمن رحمتهُ بأهله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا في موضوع الكبائر ، ولا سيما تلك الكبائر التي يظنّها الناس صغائر وهي كبائر ، فالكبائر عند عامّة المسلمين هي القتل ، والزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والإشراك بالله ، وما إلى ذلك ، وقد يغيبُ عن المسلم أنّ الاستِطالة على الزوجة ظلمًا من الكبائر ، بل هي من أكبر الكبائر ، الله جلّ جلاله يقول :

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الروم :21]

 يا أيها الأخوة الكرام ؛ الأصْل في العلاقة الزوجيّة أن يسْكنَ الزوج إلى زوجته ، والأصل في العلاقة الزوجية المودّة والرحمة بينهما ، فمن لم يكن في بيته كذلك فهو على خلاف ما أراد الله ، فمن لم يكن في بيته كذلك فهو على خلاف الفطرة البشريّة ، فمن لم يكن في بيته كذلك فهو على خلاف ما ينبغي أن يكون عليه ، لذلك أيّها الأخوة الكرام ؛ أن يُصلح الإنسان علاقته بأهله ، وأن يجعل بيته سكَنًا ، وأن يجعل العلاقة بينه وبين أهله قائمةً على الموَدَّة والرحمة هو جزءٌ من إيمان المؤمن ، وجزءٌ من دينه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ الشيء الذي يلفتُ النَّظَر أحيانًا أن تجدَ مؤمنًا يرْتاد المساجد ، ويُصلّي في أوّل صفّ ، فإذا دَخَلَ إلى بيته قسا ، وكان على زوجته قاسيًا إلى درجةٍ لا يُصدّق أنَّه يرتاد بيوت الله ، ويطلب العلم الشرعي ، ويأْتمرُ بأمْر الله ، لذلك قال العلماء : من ظواهر خلُق الرحمة في المؤمن حُسْن معاشرته للنساء أي أهله ، لأنَّهنّ بِحَسَبِ ما فُطِرنَ عليه ضعيفات، لذلك أوصى الإسلام بالنساء خيرًا ، أمرَ بإكرامِهِنّ ، أمر بالإحسان إليهنّ ، أمَرَ بالصَّبْر على عِوَجِهِنّ ، أمرَ بِرَحمتهنّ ، أمرَ بالعَطف عليهنّ ، وبعدم ظُلْمهنّ ، طريقة معاملة الزوج جزءٌ من دينه ، وتعبيرٌ على حجم الإيمان في قلبه ، فكلّما ربا الإيمان في قلب المؤمن ازْدادَتْ رحمتهُ بالخلق ، وهل أقرب إليه من أهله ؟ فإذا رحم الغريب فالأولى أن يرحم القريب ، إذا رحِمَ الغريب فالأولى أن يرحمَ شريكة حياته ، فلذلك من علامات إيمان المؤمن رحمتهُ بأهله، من علامة إيمان المؤمن اتِّباعُهُ النبي صلى الله عليه وسلّم في معاملاته لِزَوجاته الطاهرات .

 

الاستِطالة على الزوجة ظلمًا وتعسُّفًا هو من أكبر الكبائر :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا يخفى عليكم أنَّ سعادة المرء في بيتِهِ أساسُ سعادته العامَّة، لأنَّ ألْصَقَ شيءٍ بالإنسان بيتهُ ، لذلك الاستِطالة على الزوجة ظلمًا وتعسُّفًا هو من أكبر الكبائر ، بل هو من الكبائر التي غابَتْ عن ذِهْن المسلمين أنَّها كبائر ، بل هي من الكبائر التي يُظَنُّ أنَّها من الصغائر .
 أيها الأخوة الكرام ؛ روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، ولا يخفى عليكم أنّ الحديث الذي يرويه الإمام البخاري ومسلم معًا حديثٌ متّفق عليه ، وهو من أعلى درجات الأحاديث : عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

الزوج وزوجته متكاملان وليسا متطابقين :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا بدّ من وقْفَةٍ متأنِّيَة عند هذا الحديث ، الضِّلَعُ في اللّغة هو العِوَج ، وقد يغيب عن الرّجل أن خصائص المرأة غير خصائص الرجل ، إنّ خصائص المرأة النفسِيَّة ، والجِسْمِيَّة ، والاجتماعيّة ، والفكريّة غير خصائص الرجل النفسِيَّة ، والجِسْمِيَّة ، والاجتماعيّة ، والفكريّة ، وأنّ الزوج وزوجته متكاملان وليسا متطابقين ، ألا ترَوْن إلى قوله تعالى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل : 1-4]

 ألا يلفتُ النَّظر أنَّه ما العلاقة بين الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى ؟ وبين الذَّكَر والأنثى ؟ كما أنَّ النهار جعلهُ الله ضِياءً ، ولِكَسْب الرّزق ، جعل الليل لباسًا ، وجعلهُ سكينةً ، وجعلهُ للراحة والسّكون ، كذلك الرجل له دَورٌ يتميّز عن دوْر المرأة ، الدَّوْران متكاملان وليسا متطابقين ، هذه التي جاءت تشْكو إلى النبي صلى الله عليه وسلّم زوْجها ، قالت : يا رسول الله إنّ فلانًا تزوّجني وأنا شابّة ذات أهل ومال وجمال ، فلمّا كبرَت سِنِّي ، ونثَرَ بطْني ، وذهب مالي ، وتفرّق أهلي قال : أنتِ عليّ كَظَهْر أمِّي ، ولي منه أولاد ، إن تركْتهم إليه ضاعوا ، وإن ضَمَمْتُهم إليّ جاعوا ، هذه المرأة التي شكَت إلى النبي زوجها وضَّحَتْ بشَكل بليغ أنّ للرّجل دورًا لا تُنافسهُ فيه المرأة ، وأنّ للمرأة دورًا لا ينافسها فيه الرّجل ، إنّه لِكَسْب الرّزق ، وللعلاقات العامّة ، وللعمل خارج البيت ، وإنّها لِتَربيَة الأولاد ، ولِيَكون البيت سكنًا للزَّوج ، حينما يظنّ الزّوج أنَّ المرأة ينبغي أن تكون على شاكلته فقد وقَعَ في وهْمٍ كبير .
 أيها الأخوة الكرام ؛ الضِّلَع هو العِوَج ، وهذا الضِّلْع الذي في الصَّدر كم يكون مؤذيًا ومُحْرجًا لو كان مستقيمًا ؟ إنَّ كمالهُ في عِوَجِهِ ، والعِوَجُ يعني الانعطاف ، والانعطاف يعني العَطْف ، فبِشَكلٍ أو بآخر الحديث يُشير إلى أنَّه ما زاد من قوّة إدراك الرجل ، وما زاد من اهتمامه بالقضايا العامة ، وما قلّ من انفعاله واهتمامه بالقضايا الجزئيّة كمالٌ في الرَّجُل ، وما نقصَ من قوّة إدراك المرأة ، واهتمامها بالقضايا العامة ، وما زاد من عاطفتها ، وانحنائها على أولادها ، واهتمامها بالدّقائق والتفصيلات هو كمالٌ فيها ، وكنتُ أضربُ على هذا المعنى مثلاً رائعًا وهو أنّ السيارة التي أُعِدَّتْ لِنَقْل البضاعة ، ما زاد في المكان المخصّص لِنَقل البضاعة ، وما قلّ في المكان المخصّص لِنَقل الركاب كمال فيها ، أما السيارة التي أُعِدَّت لِنَقل الركاب فما زاد في المساحة المخصّصة لنقل الركاب ، وما قلّ في المساحة المخصّصة لنقل البضاعة كمالٌ فيها ، فربّنا سبحانه وتعالى حينما قال :

﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾

[ سورة آل عمران : 36 ]

 هو الخالق ، وهو المُصَمِّم ، وهو الفاطر ، وهو الذي خلق الرّجل ، وإذا قلتُ الرّجل فإنِّي أعْني جِنس الرّجال ، لأنّ هناك فروقًا فرديّة على مستوى الأفراد تتفوّق المرأة على الرجل في نواحي كثيرة ، ولكن إذا قلت المرأة والرجل أعني جنس الرّجال ، وجنس النساء .
 أيها الأخوة الكرام ؛ إنَّ الرجل الذي يطمح أن تكون امرأته على شاكلته هو لا يعرف حقيقة المرأة ، وإنّ المرأة التي تطمحُ أن يكون زوجها على شاكلتها لا تعرف حقيقة الرجل، إنَّهما متكاملان متعاونان ، كلّ منهما ينْجحُ فيما خلق له ، فإذا تبادلت المواقع ، وبدَّلنا المواقع والمهمّات وقعنا في فسادٍ كبير .

 

مساواة المرأة للرجل في التكليف والتشريف والمسؤوليّة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من الثابت أنَّ المرأة كالرجل في التكليف والتشريف والمسؤوليّة، ومن الثابت أيضًا أنَّها تمتاز بِطَبيعة جسميّة ونفسيّة واجتماعيّة وفِكريّة تتميّز بها عن الرجل ، وأنّ الرجل يتميّز بِطَبيعة جسميّة ونفسيّة واجتماعيّة وفِكريّة يتميّز بها عن المرأة ، وهذا مِصداق قوله تعالى :

﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾

[ سورة آل عمران : 36 ]

 فيا أيها الأخوة الأكارم النبي عليه الصلاة والسلام يقول :عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 اهتمامها الشديد بالجزئيّات والتفاصيل ، وتعلّقها الشديد بأولادها ، واهتمامها بزينتها هو ممّا يكمّل حياة الرجل ، فهذا ليس عِوَجًا بالمعنى المطلق ، ولكنّه عِوَجٌ بالمعنى النّسبي ، هذا العِوَج هو كمالٌ فيها ، إنّه عِوج العطف ، وعِوَج الاهتمام بأولادها ، إنّه عِوَج الاهتمام بزينتها كي ترضي زوجها ، وهذا هو الأصل ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 لو أنّ المرأة كما تريد ، أوتيَت حِدَّة في الإدراك ، واهتمامًا بالقضايا العامّة على حساب بيّتها ، واهتمامها بأولادها ، واهتمامها بزينتها ، بالدّقائق والجزئيات لما استطعت ان تعيش معها ، إذًا وإنّ أعوج ما فيه أعلاه ، وإن تركْتهُ لم يزل أعوج ، فاستَوْصوا بالنّساء خيرًا .

 

الشقيّ من يبحث عن النقائص والعيوب و السعيد من يبحث عن الإيجابيّات :

 أيها الأخوة الكرام ؛ المؤمن تُكْشف له الحقائق ، وتُكْشف له حِكَم الخلق ، ويعلم الحكمة التي من أجلها خلقت المرأة على هذا النَّحْو ، لذلك يتعايَش ويتكامَل ، ويمنحها من حبّه، ومن عطفه ، ومن إكرامه الشيء الكثير ، فيَحْيا حياةً هنيئة سعيدة.
 أيها الأخوة الكرام ؛ روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الحديث الأوّل يؤكّد لنا أنّ صفات النساء والرّجال متكاملة ، وليْسَت متطابقة ، وهذا يعين على حُسن العُشْرة بين الزوجين ، أما الحديث الثاني فإنَّه يبين أنَّه ولو وجدْت في امرأتِكَ نقصًا ، أو وجدْت فيها عيبًا ، أو وجدتَ فيها قصورًا ، أو وجدْت فيها إهمالاً ، انطلاقًا من النَّظرة الموضوعية ، وانطلاقًا من الإنصاف ، لا ينبغي أن تغفل عن ميزاتها ، عليك أن تسجّل الإيجابيّات والسلبيات ، لذلك الشقيّ من يبحث عن النقائص والعيوب ، ويكبّرها حتى تسْحقهُ ، لكنّ السعيد في الحياة هو الذي يبحث عن الإيجابيّات في كلّ شيء حتى في زوجته ، لا يفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنة ؛ أي لا يكرهُ مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر ، فالإنسان في ثورة الغضب ، وفي شدّة الكراهية عليه أن يذكر الإيجابيّات ، عليه أن يذكر عِفَّتها، عليه أن يذكر استقامتها ، عليه أن يذكر تديّنها ، وحسن إدارتها للبيت ، عليه أن يذكر الإيجابيّات فإذا ذكرها بإنصاف ثمّ ذكر السلبيات ربّما رآها ليْسَت بشيء ، أما هذا الذي لا ينظر إلا للعيب ، ولا ينظر إلا إلى النَّقْص ، يتغافل عن الإيجابيّات ويبْرز السلبيات ، هذا إنسان شرّير ، والنبي عليه الصلاة والسلام بشَكْلٍ أو بآخر ، دعا فقال :

(( تعوذوا بالله من ثلاث فواقر : جار سوء إن رأى خيرا كتمه ، وإن رأى شراً أذاعه؛ وزوجة سوء إن دخلت عليها لسنتك ، وإن غبت عنها خانتك ؛ وإمام سوء إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر ))

[البيهقي عن أبي هريرة]

 اللهمّ إنِّي أعوذ منك من إمام سوء إن أسأت لم يقبل ، وإن أحسنت لم يقبل ! يُقاسُ على هذين الدعائين أنَّ الرجل إن رأى خيرًا َكَتَمَه ، وإن رأى شرًّا أذاعه ؛ هذا زوْج سوء ، أو أنَّ الرجل إن أحسنَتْ إليه امرأته لمْ يقبل ، وإن أساءَت لم يغفر ، هذا قرين سوء ، فيا أيها الأخوة الكرام ؛ أؤكد على هذه الناحيّة أنّ جزءاً كبيرًا من دينك ، وجزءاً كبيرًا من إيمانك يظهر في طريقة معاملتك لأهلك .
 الحديث الثاني الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

الموازنة بين الإيجابيات و السلبيات :

 أيها الأخوة الكرام ؛ العقل سلطان ، الإنسان أحيانًا يتحرك وفقَ نزَوَاته ، أو وفْق غضبه ، أو وفق توتّره النفسي ، دون أن يجعل لِعَقلهِ حكمًا أو سلطانًا ، فإذا رأى نقيصةً كبرَت عليه ، وأقام النَّكير ، وأرْغى وأزْبَد ، وربّما طلّق امرأته لِسَبب تافه ، ثمّ يكون النَّدَم الشّديد ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 اِجْعَل موازنةً بين الإيجابيات والسلبيات .
 أيها الأخوة الكرام ؛ وفي خطبة حجَّة الوداع ، وهي الخطَّة الحاسمة التي رسمَت للمسلمين منهج حياتهم خصَّ النبي صلى الله عليه وسلّم جزءاً من خطبته للتَّوصية بالنساء ، فقال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجّة الوداع :

((ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، فإنما هنّ عَوَانٌ ))

 جمعٌ مفردهُ عانِيَة ، والعانيَة مؤنّث عاني ، والعاني هو الأسير عندكم ، لذلك قال بعض الصحابة : الزواج رقّ فلينْظر أحدكم أين يضع كريمته .

 

مِقياس الخلق الكريم لا ما تفعله بين الناس بل ما تفعله في البيت :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هناك حديث رابع وهو من الأهميّة في مكان ، ذلك أنّ الإنسان في الأعمّ الأغلب يتصرّف خارج البيت بذكاءٍ ، وتخطيط ، حِفاظًا على مكانته ، وعلى سمعته ، وعلى شخصيّته ، وعلى ما يقوله الناس في غيبَتِهِ ، هذا من خصائص الإنسان ، يُدافع عن مكانته بذَكاء تصرّفاته ، ولكن المألوف ، وفي الأعمّ الأغلب ، إذا دخل بيته يتصرّف على سجيّته من دون تكلّف ، لذلك عدَّ النبي صلى الله عليه وسلّم مِقياس الخلق الكريم لا ما تفعله بين الناس بل ما تفعله في البيت ، الإنسان خارج البيت يتصرّف بِوَعْيٍ ، وبإدراكٍ ، وبِتَخطيط ساعيًا للحِفاظ على مكانته ، أو لِرَفْع شأن ذاته بين الناس ، فَيُبْدي من التسامح والحِلْم ، والطِّيب والعطْف ، والرحمة ما لا سبيل إلى وصفه ، وهو في الحقيقة يبحث عن تأكيد ذاته ، وعن رفْع شأنها بين الناس ، ولكنّه في الأعمّ الأغلب أنَّ الإنسان إذا دخل بيته تصرّف على سجيّته على عفْو الخاطر من دون تخطيط ، ومن دون تركيز ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام الذي أوتِيَ جوامع الكلم ، والذي لا ينطق عن الهوى ، يقول :

((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا))

[الترمذي عن أبي هريرة]

 وفي تعليق قصير على قول النبي عليه الصلاة والسلام ، أنَّ الله سبحانه وتعالى حينما مدح النبي عليه الصلاة والسلام ، خالق الكون يمدح نبيّه ورسوله ؛ المخلوق الأوّل ، ما مدحهُ بأنّه خطيب ، ولا بأنّه عالم ، ولا بأنّه مفتيّ ، ولا بأنّه مجتهد ، ولا بأنّه قائدٌ ، ولا بأنّه زعيم ، ولا بأنّه قائدٌ حربي ، ولا بأنّه زعيمٌ سياسي ، ولكن قال تعالى :

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 فالإيمان بالتعريف الجامع المانع حُسْن الخلق ، وحسْنُ الخُلُق ذهب بالخير كلّه ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا))

[الترمذي عن أبي هريرة]

استسلام المؤمن لحظوظه في الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لعلّ النبي صلى الله عليه وسلّم في هذه الأحاديث الجامعة المانعة ينطلق من قوله تعالى :

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[ سورة النساء : 19]

 أيها الأخوة الكرام ؛ آيةٌ في القرآن الكريم ، والله لو لم يكن في هذا الكتاب الكريم إلا هذه الآية لكفَتْ المؤمنين ، هذه الآية هي التي ترضّي الإنسان بِقَضاء الله ، وهي التي تُرَضِّيهِ بِقِسْمتهِ من الله ، قال تعالى :

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 216]

 فالمؤمن في ضَوْء هذه الآية يستسلم لحظوظه من الدنيا ، فهذه المرأة حظُّه من الدنيا ، وهؤلاء الأولاد حظّه من الدنيا ، وهذه الحرفة حظّه من الدنيا ، وهذا المستوى الذي وصل إليه حظّه من الدنيا ، وكما قال الإمام الغزالي في إحيائه : " ليس في الإمكان أبْدَعُ ممَّا كان " وقد فسَّرها بعضهم أنَّه ليس في إمكاني أبْدَعُ ممَّا أعطاني ، أيْ أنَّ الله سبحانه وتعالى لحِكمةٍ ولِعَدلٍ ولِرَحمةٍ اختار لك هذه الزوجة ، وتلك الحِرفة ، وهؤلاء الأولاد ، وهذا المستوى المعاشي ، فينبغي أن ترى حكمة الله ، وأن ترضى بقضاء الله ، وقد ذكرتُ لكم من قبل أنّ امرأ يطوف حول البيت ويقول : يا رب هل أنت راضٍ عنِّي ؟ فإذا بالإمام الشافعي يمشي خلفه ويسمع قولهُ، فقال : يا هذا ، وهل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ فقال هذا الرجل : من أنت يرحمك؟ فقال الشافعي : أنا محمّد بن إدريس ، فقال له : كيف أرضى عنه وأنا أتمنَّى رِضاه ؟ فقال الإمام الشافعي : يا هذا إذا كان سُرورك بالنِّقْمة كسُرورك بالنِّعمة فقد رضيتَ عن الله تعالى .

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء لا جزاء :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يجب أن تعلموا علْم اليقين أنَّ الحظوظ وُزِّعَت في الدنيا توزيع ابتِلاء لا توزيع جزاء ، وأنّ الحظوظ سوف توزّع في الآخرة توزيع جزاء ، يعني أنَّ الدنيا دار ابتلاء ، ودار تكليف ، ودار امتحان ، فالشيء الذي أعطاك الله إيّاه هو مادّة امتحانك مع الله ، والشيء الذي فاتك هو مادّة امتحانك مع الله ، فالامتحان مع الله على شكلين ؛ على شكلٍ إيجابي ، وعلى شكلٍ سلبي ، فالشيء الذي مُنِحْتَهُ مادَّة امتحانك مع الله ، والشيء الذي حُرِمْت منه هو أيضًا مادَّة امتحانك مع الله ، يؤكِّد هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم حينما يقول : " اللهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجْعلهُ عَوْنًا لي فيما أحبّ ، وما زويْت عنّي ما أحبّ فاجْعلهُ لي فراغًا فيما تحبّ "فالشيء الذي نلْتَهُ من الله ، إن على مستوى الزوجة ، أو على مستوى الأهل ، أو على مستوى الولد ، أو على مستوى الدَّخْل ، مادَّة امتحانك مع الله ، والشيء الذي فاتك من الزوجة ، أو الولد ، أو من الأهل ، أو من البيت ، أو من الدَّخْل ، أو من الحِرْفة ، مادَّة امتحانك مع الله ، والدنيا دار ابتلاء ، والآخرة دار عطاء ، والدنيا دار تكليف ، والآخرة دار تشريف ، الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، لذلك المؤمن الحصيف العاقل يُعَوِّلُ على ما في الآخرة من عطاء أبديّ سرمديّ ، ولا يُعَوِّلُ على ما في الدنيا .

 

معنى المعاشرة بالمعروف :

 أردْتُ من هذه المقدّمة إلى أن أصِل إلى أنَّ ليس كلّ بيتٍ يُبْنى على الحبّ ، وما كلّ زواجٍ يُبنى على الحبّ ، المؤمن ولو لم يكن في قلبه تلك المحبّة الجارفة لأهله هو في حقيقته يُكرمهم ، ويُحْسن إليهم ، لعلّ الله سبحانه وتعالى يرضى عنه ، ولعلّه بهذا الإحسان إلى زوجته يأخذ بيدها إلى الله ، والدنيا فانِيَة .
 فيا أيها الأخوة الكرام ؛ الذي يظنّ أنّ الدنيا كلّ شيء ، وأنّ المرأة هي كلّ شيء ، وأنّ سعادته كلّها في زوجة تروق له ، هذا واهِمٌ وبعيدٌ عن الصواب .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لعلّ الأحاديث الشريفة التي ذكرها صلى الله عليه وسلّم تنطلق من قوله تعالى :

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾

[ سورة النساء : 19]

 قال علماء التفسير : معنى المُعاشَرَة بالمعروف إعطاء الزوجة حقوقها ، والإحسان إليها ، والتلطّف معها ، وإدخال السرور على قلبها ، والصبر على عِوَجِها ، والإنفاق عليها بالمعروف ، وعدم إيذائها ، وعدم مكارهتها ، فليْسَت المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها ، بل أن تحتمل الأذى منها .

 

من سعى لإصلاح ذات بينه أصلح الله له زوجته :

 أيها الأخوة الكرام ؛ توضيحٌ لا بدّ منه ، قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة ، إِن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخَرَ ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

 بعضهم يرى أنّ الكراهيّة قد تكون ذَوْقِيَّة ، فالرّجل إذا كره من زوجته ضَعْف دينها، وضعْف إيمانها ، وضَعف أمانتها ، وضعف حفظها لِنَفسها ، هذه كراهةٌ مُحِقّ بها ، ولكن قد يكرهُ ذوقًا منها ، بعض ما فيها ، هذه كراهة لا تقدّم ولا تؤخّر ، وهذه التي حضّنا النبي عليه الصلاة والسلام على مجاوزتها ، ولكنّك إذا رأيْتَ منها كذبًا ، أو ضعفًا في إيمانها ، أو تركًا لِصَلاتها ، أو تبذّلاً في خروجها ، ولم تكره ذلك فأنت لسْتَ مؤمنًا ، ينبغي أن تكره منها هذه التصرّفات ، وينبغي أن تقوّمها ، وأن تقيّمها .
 أيها الأخوة الكرام ؛ المؤمن ينبغي أن يسعى - إن لم يكن متزوّجًا - إلى أن يبحث على زوجة صالحة ، ورد في الحديث أنَّه من تزوَّج المرأة لِجَمالها أذلَّهُ الله تعالى ، ومن تزوَّجَها لِمَالها أفْقَرَهُ الله ، ومن تزوَّجها لِحَسبها زاده الله دناءةً ، فعليك بِذات الدِّين تربَت يداك .
 أما إذا كان متزوّجًا فلْيَضَع نُصْب عينَيْه قوله تعالى :

﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾

[ سورة الأنبياء : 90]

 فكلما سعى الرجل لإصلاح ذات بينِهِ أصلحَ الله له زوجتهُ ، وقد قال الإمام الشعراني رحمه الله تعالى :" أنا أعرف مقامي عند ربّي من أخلاق زوجتي ".
 أيها الأخوة الكرام ؛ أن يسْعد الإنسان في بيته هذا عَوْنٌ له على مواجهة مصاعب الحياة ، أما إذا كانت الجبهة الداخليّة منهارة ، والجبهة الخارجيّة منهارة ، فهذا وضْعٌ لا يُحتمل ، لذلك أن تكون في بيتك سعيدًا ، ومتفاهمًا ، وأن تحرصَ على إقامة الإسلام في بيتك ، وأن يكون هذا البيت وفق منهج الله ، وشريعة الله ؛ فهذا ممَّا يُسْعِدُك ، ويعينك على تحمّل مشاق الحياة .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتّخذ حِذْرنا ، الكيّس من دان نفسهُ وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبع نفسهُ هواها ، وتمنى على الله الأمانيّ . والحمد لله رب العالمين

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

العين آية من آيات الله الدالة على عظمته :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من آيات الله الدالة على عظمة الله في خَلْقِ الإنسان أنّ الإنسان خُلِقَت له عَينان ، وأُذنان ، ولسانٌ واحد ، وفمٌ واحد ، وأنفٌ واحد ، لماذا خلقَت له عَينان ولم تُخْلق له عينٌ واحدة ؟ ولماذا خلقتْ له أُذنان ولم تخلق له أذن واحدة كما هي الحال في الأنف واللّسان والفم ؟
 أيها الأخوة ، إنّ العينين تُحَقِّقان معًا رؤيةً مُجَسَّمَة ، العين الواحدة - ولها تفصيلٌ طويل يدرسهُ طلاّب كليّة الطبّ - تُدرك بُعدين فقط طولٌ وعرض ، لكنّ العينين معًا تُدْركان معًا الشيء مع بعده الثالث وهو العُمْق ، لذلك المسافات التي أمامك لا تُدركها إلا بالعَينين ، أما المسافات التي تعترض العين فتُدْرك بعَين واحدة ، فالله سبحانه وتعالى يقول :

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[ سورة البلد : 8]

 إنَّك لن تستطيع أن تضع الخيط في الإبرة إلا بِعَينين ، بِعَينٍ واحدٍ قد يكون بين الخيط والإبرة عشرة ميلمترات ، ولا تُحكم إدخال الخيط في الإبرة ، ولكن بالعَينين معًا تُدْرك هذا البعد الثالث وهو العمق ، لذلك لا تبدو الصُّوَر مُجَسَّمة إلا بالعَيْنين معًا ، أما الأذنان فكما تعلمون أنَّ تفاضل وُصول الصوتين إلى الأذنين ، هناك جهاز في الدماغ يحسب هذا التفاضل، ومن معرفة التفاضل يكتشف الدماغ جهة الصوت ، أنت إذا كنت تمشي في الطريق ، وسمعت بوق سيارة من ورائك كيف تعرف جهة السيارة إلا من الأذنين ؟ لذلك قال تعالى :

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[ سورة البلد : 8]

 أيْ عينان يرى بهما الأشياء ، ويرى بهما البعد الثالث للأشياء ، وأذنان يسمع بهما الأصوات ، وتفاضل وُصول الصوت إليهما هو جهة الصوت ، وهذا من فضل الله على الإنسان ، وكما أقول لكم أيها الأخوة إنّ الكون بما فيه من آيات دالّة على عظمته ، هو أقصرُ طريق إلى الله ، وأوْسَعُ باب تدخلون على الله منه .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور