- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين . اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
رمضان دَوْرة مكثّفة سنويّة لِمَحو أدران الماضي وللرقيّ في معارج الكمال :
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر مرّة فقال : آمين .. نحن في شهر يُعدّ فرصة سامحة ، ودَوْرةً مكثّفة سنويّة لِمَحو أدران الماضي ، وللرقيّ في معارج الكمال ، فلِرمضان وظيفتان ، وظيفة المغفرة والعفو ، ووظيفة الرقيّ في مدارج الكمال ، فالله سبحانه وتعالى جعل العبادات ومنها الصّيام مُعلّلة بِمصالح الخلق ، وهذا قول أحد العلماء الكبار : عبادات الله تعالى مُعلّلة بمصالح الخلق ، وقال عالم آخر : الشريعة عدْلٌ كلّها ، مصْلحةٌ كلّها ، رحمةٌ كلّها ، لذلك لو استنبطنا هذه الحِكمة ؛ حكمة الصيام من القرآن الكريم ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
آية واضحة كالشمس ، العبادات أيها الأخوة إذا خلَت من هذه الحِكَم ، وتلك المصالح انقلبَتْ إلى طُقوس لا معنى لها ، لا يمكن أن يكون دين الله عز وجل غير معقول ، وغير مفهوم ، إنّه دينُ خالق الكون ، لذلك يقول الله عز وجل في القرآن الكريم :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
وأيّ أخٍ صائمٍ لا يضعُ هذا الهدف أمام عينيه ، ولا يسْعى إليه سَعيًا حثيثًا ، فقد غابَت عنه حكمة الصّيام ، وقد ذكر بعض العلماء أنّ من الصّيام صيام العوام ، هؤلاء يصومون ، ويفطرون ، ولا يدْرون لم صاموا ؟ ولا لم أفطروا ؟ مثلهم كمثل الناقة عقلها أهلها فلا تدري لا لم عقلَتْ ؟ ولا لمَ أطلقَتْ ؟ وصيام المؤمنين صيامُ جوارحهم كلّها عن كلّ مخالفة أو معصِيَة ، لكنّ صيام الأتقياء صيام عمّا سوى الله .
ثمار التقوى :
أيها الأخوة الكرام ؛ القرآن الكريم من أوصافه في القرآن أنّه مثاني ، أيْ أنّ كلّ آية تنثني على أختها فَتُفسِّرُها ، وقد ذكر الله عز وجل في آية أخرى فقال :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِه﴾
إذًا لعلّكم تتّقون ؛ مِن ثِمار التقوى أن يجعل الله لك نورًا تمشي به ، والإنسان حينما يتحرّك في الحياة الدنيا ، لا بدّ من التّحرّك لأنّ الله سبحانه وتعالى أوْدَعَ فيه الشهوات ، وهذه الشهوات بِمَثابة قِوَى تحرّكهُ ، وتدفعُه ، فإذا كان مع هذه الحركة نورٌ يستضيءُ به ، إذا كان مع هذه الحركة مِصباحٌ متألّق يكشف له خبايا الطريق ، إذًا هذه الحركة سليمة ونافعة ومُثْمرة ، أما إذا خلَت هذه الحركة - ولا بدّ من هذه الحركة - من نورٍ يكشف لك الطريق فلابدّ من التَّدَهْوُر ، ولا بدّ من الوقوع ، ولا بدّ من التّعثّر ، تصوَّروا أيها الأخوة إنسانًا يمشي في طريقٍ كثير الانعطافات ، مملوءٍ بالحُفر والأكمات ، من دون مصباح ، فأنْ يقع في إحدى الحُفَر شيءٌ حَتمي ، وأن يُجانب صراط الطريق شيءٌ حَتمي ، فالذين يصومون صيامًا كما أراد الله عز وجل كأنّهم بهذا الصّيام يصلون إلى التقوى ، ومن معاني التقوى أنّ الله سبحانه وتعالى يجعل لك نورًا تمشي به ، أي قرارُك سليم لأنّ رؤيتَك صالحة ، ترى الحقيقة فتَسْلكها ، وطريق الحق فتتَّبِعُهُ ، ترى الشرّ فتجْتنبَهُ ، ترى الباطل فتبْتَعِدُ عنه ، وترى الحق فتلتزمُهُ ، أساس السّلوك هي الرؤية ، وما من إنسانٍ أيها الأخوة يتحرّك ، إلا وقبل أن يتحرّك هناك رؤية وتصوّر هي مَبْعث تلك الحركة ، هذه آية ، هذه الآية انْثَنَتْ على آية الصّيام فبيَّنَتْ ما هي التّقوى ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِه﴾
آية ثانية ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾
من ثِمار التّقوى أنّك تفرّق بين الحق والباطل ، ولا تقعُ في جهالة جهلاء ، ولا في ظلامة عَمْياء ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
آية ثالثة ، قوله تعالى :
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾
هل في الأرض كلّها أيها الأخوة إنسانٌ واحد يتمنّى أن تُعَسَّر أمورهُ ؟ يتمنى أن يواجه الصعوبات واحدة بعد واحدة ؟ لكنّ الذي يريحُ الإنسان أن تُيسَّر أموره ، وأن تجري بيُسْرٍ وراحة، قال تعالى :
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾
فإذا وقعْتَ في مشكلة ومطبّ وأزمة ، قال تعالى :
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
فالتقوى تكشف لك الطريق بحيث تفرّق به بين الحق والباطل ، والخير والشرّ ، وما هو صالح ، وما هو طالح ، وما هو نافع ، وما هو ضارّ ، وما هو مُجدي ، وما هو عبث، وهناك شيءٌ آخر بالتَّقْوى تكفّر عنك سيّئاتك ، لأنّ الإنسان إذا اصْطلح مع الله عاد من ذنوبه كيَوْم ولدتْهُ أمّه ، فالإسلام يجبّ ما قبله ، وشيءٌ ثالث ، ومن يتّق الله يجعل له من أمره يُسرًا ، وشيءٌ رابع ؛ ومن يتّق الله يجعل له مخرجًا .
الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما :
أيها الأخوة الكرام ؛ أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن نفهمها فهمًا عميقًا ، لأنّ سيّدنا سعد بن أبي وقاص يقول : " والله ما سمعتُ حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا علمْتُ أنّه حق من الله تعالى " فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ....كفارة لما بينهما ))
صلّيْت الفجر ، وقعْتَ في بعض الهفوات ، جاءَتْ صلاة الظهر فصلَّيْتها بالتمام والكمال ، فهذه صلاة الظهر كفّارة لما بين الفجر والظهر ، جاءَت صلاة العصر ، أيضًا كفرّت عنك ما بدَرَ عنك خطأً ، فرمضان يُكَفِّرُ عمّا سلف ، وهذه الجمعة تكفِّرُ عمّا سلف ، والصلاة إلى الصلاة تكفّر ما بينهما ، لأنّ كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون ، ولا أعني بالخطأ الخطأ الذي تصرّ عليه ، ولا أعني بالخطأ الخطأ الذي تعرفهُ خطأً وتصرّ عليه ، فهذا والعياذ بالله ينقلب إلى كبيرة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))
حينما يصرّ الإنسان على صغيرة ، تنقلب هذه الصغيرة إلى كبيرة ، ولكن حينما يسْهو الإنسان ، حينما لا ينتبه ، ويتكلّم كلمة ينبغي ألا يقولها ، وينظر نظرةً ينبغي ألا ينظرها ، هذه الهَفْوَة عن غير قصْد ، وعن غير تصوّر ، وعن غير تصميم ، ومن دون إصرار ، هذه الهفوة هي التي عناها النبي عليه الصلاة والسلام ، لأنّ الصلاة إلى الصلاة ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان تكفّر ما بينهما .
من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ذنوبه :
يا أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح متّفق عليه، رواه البخاري ومسلم :
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ... ))
لماذا يصوم الإنسان ؟ ما الذي يمنعه في الصيف عندما يدخل إلى بيته ويغلق بابه أن يشرب كأس ماءٍ بارد وهو في رمضان ؟ لا يمنعهُ إلا خوف الله ، لا يمنعهُ إلا إيمانه بالله ، وبِفَرضِيّة هذا الصّيام ، وإيمانه بأنّ الله مطّلعٌ عليه ، فالصّيام يتماشى مع الإيمان ، أما الذي ينهمكُ في عمله يأكل قبل الفجر ، ويعود إلى بيته بعد أذان المغرب ويأكل هل هذا صام ؟ الصّيام عبادة ، ومعنى عبادة أنّك آمنتَ أنّ الله فرض عليك هذه العبادة ، ومعنى عبادة أنّ الله مُطّلعٌ عليك ، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً ، يحتسب جوعه وعطشه في سبيل الله ، يحتسبُه من أجل الله ، وإرضاءً لله ، وتقرّبًا إلى الله ، من أجل أن يقبل بهذا على الله عز وجل .
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
وهذه بشرى أيها الأخوة من النبي عليه الصلاة والسلام ، أنّك إذا صمتَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله لك ما كان من ذنبك ، وفي حديث آخر أيضًا متّفق عليه ، رواه البخاري ومسلم ، وقد روي عن أبي هريرة :
(( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
وقيام رمضان صلاة التراويح في رأي معظم العلماء ، فمن صام نهار رمضان، ترك الطعام والشراب ، وسائر المباحات ، تقرّبًا إلى الله عز وجل ، فلمّا جاء الليل قام الليل إيمانا واحتسابًا ، قام رمضان إيمانا واحتسابًا ، أيْ صام نهار رمضان إيمانا واحتسابًا ، وقام ليلهُ إيمانا واحتسابًا ، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، هاتان بشارتان لمن صام نهار رمضان ، ولمَن قام ليل رمضان ، فهل من حالة أسعد للمؤمن من أن يقف بين يديّ ربّه جلّ جلاله يتلو كتاب الله عز وجل ؟
صيام رمضان عبادة الإخلاص و قيام الليل صلاة الإخلاص :
يا أيها الأخوة الكرام ؛ قيام الليل ورد في القرآن الكريم في آيات كثيرة قال تعالى :
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾
أحدُ العلماء الكبار الذي تركَ مصنّفاتٍ لا تُعدّ رآه تلميذهُ في المنام ، قال : يا سيّدي ما فعل الله بك ؟ قال : يا بنيّ ، طاحَت تلك العبارات ، وذهبت تلك الإشارات ، ولم يبْق إلا رُكَيعات ركعْناها في جوْف الليل ، إذا كان صوم رمضان عبادة الإخلاص ، فقد تدخلُ بيتَكَ، وتغلق بابك ، وأنت في أشدّ حالات العطش والجوع ، ولا تستطيعُ أن تضعَ قطرةً من الماء في فمك ، لأنّك مؤمن أنّ الله مطَّلِعٌ عليك ، إذا كان صيام رمضان عبادة الإخلاص ، فإنّ قيام الليل أيضًا صلاة الإخلاص ، قد تصلّي الفجر في جماعة ، وقد تصلّي الظهر في مسجد ، أما إذا قمتَ من الليل وصلّيْت لله عز وجل من دون أن يدْري بك أحد ، فهذه الصلاة أيضًا صلاة الإخلاص ، قال تعالى :
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾
وهناك آية ثانية تشير إلى قيام الليل ، قال تعالى :
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
المضاجع لها معنى خاصّ ، ولها معنى عامّ ، المعنى الخاص أنهم يدعون فرشهم الوثيرة ليُصلّوا الليل ، والمعنى العام أنّهم لا يركنون إلى الدنيا ؛ لأنّها تغرّ وتضرّ وتمرّ ، وإنّ هذه الدنيا دار التِواء لا دار استواء ، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لِرَخاء ، ولمْ يحزَن لِشَقاء، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لِعَطاء الآخرة سببًا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوَضًا ، فيأخذ ليُعْطي ، ويبتلي لِيَجزي . ومن آيات قيام الليل قوله تعالى :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾
هم يتنعّمون في الجنّة ، في جنّة عرضها السموات والأرض ، يتنعَّمون في جنّة تجري من تحتها الأنهار ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةً* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾
قال تعالى :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾
آخذين ما آتاهم الله من إكرام ، لماذا ؟ ما هو الثّمن الذي دفعوه ؟ قال تعالى :
﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
الصيام لله و هو الذي يجزي به :
أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح آخر :
((كلّ عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ...))
أيُّ عملٍ صالحٍ أيها الأخوة له أجرٌ عند الله عز وجل ، من عشْرة أمثال إلى سبعمئة مِثْل إلا الصوم - ولا بدّ من طرْحِ مثَلٍ يقرِّبُ المعنى - أيّ أمرٍ تكليفي متعلّقٌ بِمَصلحة الإنسان ، فالإنسان إذا أقبل على أمرٍ تكليفي من جِهَةٍ يُطيعُ الله عز وجل ، وهو موقنٌ أنّ هذا لِصالحِهِ ، فمن ترك الكذب ، ومن صدق ، ومن كان أمينًا ، ومن غضّ بصرهُ أراح قلبهُ ، ما من أمر تكليفي إلا وله ثمرةٌ يانعةٌ يقطفها في الدنيا قبل الآخرة ، لأنّ الأوامر التكليفيّة كما قلتُ قبل قليل متعلّقة بِمَصالح العباد ، إلا أنّ ترْك الطعام والشراب ، وتركُ شيءٍ مباح في الأصل ، ترْك الكذب واضح ، ترك الغيبة واضح ، ترْك النميمة واضح ، ترْك الخيانة واضح ، أما أن تدَعَ شيئًا أحلّه الله لك ، طعامًا نفيسًا ، وشرابًا باردًا ، ترْكُ شيءٍ مباح لا لِعِلَّة تعقلها ، إلا لأنّ الله أمرك بها ، فلذلك :
((كلّ عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ...))
يدع شهوتهُ وطعامه من أجلي ، لو أنّ ابنًا أمرهُ أبوه أن يتنظَّف ، الأمر واضح، لو أمرهُ أن يصْدق ؛ الأمر واضح ، أما إذا أمر الأب أن يدع ابنه الطعام من دون سبب مقنِع، فامْتَثَل الابن أمْر أبيه ، وقال : سمْعًا وطاعةً يا أبت ! ألا يُعَدُّ هذا الابن على مستوى رفيع من البِرّ لِوَالدِهِ ؟ لذلك هذا معنى الحديث القدسي ؛
((.....إلا الصوم فإنَّه لي أنا أجزي به ))
ما أُثر عن النبي الكريم في رمضان :
أيها الأخوة الكرام ؛ كان عليه الصلاة والسلام يُكْثر في رمضان من تِلاوَة القرآن ، ولكنَّ النقطة الأساسيّة التي أتمنَّى أن نعقلها جميعًا هي أنّ الإمام الحسَن البصري له قَوْلٌ رائِع ، يقول : " إنَّما أنزل هذا القرآن لِيُعْمَلَ به ، فاتَّخَذَ بعض الناس قراءتَهُ عملاً " شيءٌ جميلٌ جدًّا أن تقرأ القرآن ، وتلاوة القرآن عبادة ، وتلاوة القرآن قربٌ من الله عز وجل ، ولا يوجد في هذا شكّ إطلاقًا إلا أنّ الذي تراه يتْلو كتاب الله ، وتِجارته ، وبيعهُ ، وشراؤُه ، وعلاقتهُ ليْسَت منضبطة بأمر الله ، ونَهْيِهِ، هذا ربّ تالٍ للقرآن ، والقرآن يلعنهُ ، ما آمنَ بالقرآن من اسْتحلّ محارمه ، ليس القصْد أن تقرأ القرآن لمجرّد قراءة القرآن ، ينبغي أن تقرأ القرآن لتَعملَ به ، لذلك حينما تقرأ قوله تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
ماذا تشعر ؟ ألا تشعر أنّك معْنيّ بهذا الخِطاب ؟ أتستطيعُ مع إنسانٍ قويّ يوجّه لك أمرًا أن تنظر إليه هكذا من دون أن تتحرّك ، ومن دون أن تظنّ أنّ هذا الأمر يَعنيك ، ومن دون أن تقدّم عذرًا لِعَدم انْصِياعِكَ له ؟ قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾
فهل قولنا سديدٌ ؟ قال تعالى :
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
هل نفعل نحن هذا ؟ قولوا للناس حسنًا ، تتبّع أمر الله عز وجل ، وأنت في هذا الشهر الكريم ، يا أيها الأخ الكريم تقرأ كتاب الله أيُّما آيةٍ وردت : يا أيها الذين آمنوا ، ماذا ينبغي أن تشعر ؟ أن تشعر أنّك مَعْنيّ بهذا الخِطاب ، وأنّه أمْرٌ من الله عز وجل ، وهل من جهةٍ أعظمُ من أن تطيع الله عز وجل ؟
يا أيها الأخوة الكرام ؛ لا تَنْسوا هذا القول للحسن البصري : " إنّما أُنزل هذا القرآن ليُعْملَ به ، فاتَّخَذَ بعض الناس قراءتهُ عملاً " ينبغي أن تقرأه لتَعمل به ، ينبغي أن تنطلق من قراءته إلى العمل به ، لذلك حينما سئِلَت السيّدة عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قالت : كان خُلقهُ القرآن ، مرَّةً سئِلَت عن قيامه لليل ، قالت لهم : ألسْتُم تقرؤون القرآن ؟ فقالوا : بلى ، قالت: اقْرؤوا المزمّل ، قال تعالى :
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام كما قال بعضهم : قرآن يمشي ، إذا كان الكون قرآنًا صامتًا ، وإذا كان القرآن كونًا ناطقًا ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، وينبغي أن تسير على سنَّته ، وينبغي أن يُرَى القرآن في سلوكك ، أن تُرَى أحكامهُ في معاملتك ، أن يُرى أمرهُ ونهْيُهُ فيك ، أن تجسّد في سلوكك ما قرأتهُ في كتابه ، هذه الحقيقة أيها الأخوة حقيقة ناصعة نصوع الشمس ، إنّما أُنزِلَ هذا القرآن ليُعْمَلَ به ، فاتَّخَذَ بعض الناس قراءتهُ عملاً ، ينبغي أن تقرأه ، وواجب عليك أن تقرأه ، وينبغي أن تقرأه من دون شكّ ، ولكن يجب أن تعلم أنّك تقرأ كي تطبّق ، وتقرأ كي تأتمر ، وتقرأ كي تنتهي ، وتقرأ كي تجسِّدَ بسُلوكك أحكامه.
أيها الأخوة الكرام ؛ وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنّه كان أجْوَدَ الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، ما عُبِدَ الله بأفضل من جبْر الخواطر ، الإنسان أيها الأخوة مُركَّب في طبْعِهِ أنه يحبّ الأخْذ ، ولكن إذا أعطى يكون قد خالف طبْعهُ ، ولا ترقى إلى الله عز وجل إلا إذا خالفْتَ طبْعَكَ ، ألا تدون أيها الأخوة أنّ الإنسان مركَّبٌ على الراحة ، فإذا صلى الفجر في جماعة فقد خالف طبْعه ، الإنسان مُحَبّب إليه أن يؤثر الراحة على الجهد ، النوم على اليقظة ، الاسترسال في الحديث عن ضبط اللّسان ، يؤثر أن يأخذ المال لا أن ينفقهُ ، أما إذا أنفقَ المال فقد خالف نفسهُ وهواه ، لذلك لا نرقى نحن أيها الأخوة ، القول لا يكلّف شيئًا لكنّك حينما تنفق من مالك ، وحينما تضبط من جوارحك ، وحينما تلتزم أمْر ربّك عندئذٍ ترقى ، فنقطتان أساسيّتان ؛ صيامٌ في النهار ، وقيامٌ في الليل ، وإكثار من تلاوة القرآن ومن الإنفاق ، أربع نقاط في هذا الشهر ، وهذا الشهر دورةٌ مكثّفة كي تمْحو بها أدران الماضي ، وكي ترقى بها إلى ربّ الأرض والسموات ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
((خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له ...))
من صام رمضان إيماناً و احتساباً رحمه الله و أسعده :
أيها الأخوة الكرام ؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أنْ نلتزم جميعًا بِمَجالس العلم في رمضان ، وبِصَلوات التراويح في رمضان ، فإنّها كالجائزة ، أنت قمْت رمضان إيمانًا واحتسابًا ، متى تقبض الجائزة ؟ حينما تقف ليلاً بين يديّ الله عز وجل ، وتنتظر من الله أن يشرح صدرك لما يُتلى من كتاب الله ، وأن تأخذ شيئًا من التَّجلّي الذي سمِّه إن شئتَ سكينةً ، وسمِّهِ إن شئْتَ رحمةً ، وسمِّه إن شئْت نورًا ، وسمِّهِ إن شئْت سعادةً ، تنوُّع الأسماء لا يُعوَّل عليه ، إنّك إذا وقفْت بين يدي الله عز وجل في ليل رمضان ، وقد صُمْتَ نهارهُ إيمانًا واحتِسابًا شعرْتَ أنّ الله يرحمك ، وأنّ الله يُسْعِدك ، وأنّ الله يعْطيك أضعاف ما ذهب منك .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطّى غيرنا إلينا ، فلنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأمانيّ ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الصّيام دورة وقائيّة :
أيها الأخوة الكرام ؛ من عادة الإنسان أنّه إذا أعطى أمرًا في ذهنه هدفٌ واحد ، وحِكمةٌ واحدة ، لكنّك حِيال أمر الله عز وجل تجد العجب العُجاب ، فلو أمْضَيْت كلّ حياتك في تقصّي وتتبّع الحكم الظاهرة والباطنة من أمر الله عز وجل لا تنتهي ، فكما أنّ الصّيام عبادة نرقى بها ، وشيءٌ نتقرّب به إلى الله عز وجل هو من ناحِيَةٍ أخرى صِحَّة وأيّة صِحّة ، أعجبتني كلمةٌ قالها أحد الأطِبّاء ، قال : الصّيام دَوْرةٌ وِقائيّة سَنَوِيَّة تقي من كثير من الأمراض ، ودَوْرة عِلاجِيَّة لبعض الأمراض ، فَمِن أبرز هذه الوِقاية أنّ الصائم بالصّيام يقي نفسه أمراض الشَّيْخوخة الناجمة عن الإفراط في إرهاق العضويّة ، يأتي الصّيام لِيَقِيَ الإنسان من هذه الأمراض ، يقي الصّيام الصائم من كثير من الأمراض ، وهو في حقيقته علاج لبعض الأمراض، صوموا تصِحُّوا ، قال بعض علماء الطّب : إنَّه عِلاج لأمراض الجهاز الهضمي ، كالتهاب المعدة الحادّ ، والإقْياءات العنيدة ، وقال بعضهم : إنَّه علاج لبعض أمراض ضَغط الدمّ لارتفاع التوتّر الشرياني ، وقال بعضهم : إنَّه يخفّف من متاعب الداء السكّري ، على كلّ وبِمُجْمل القول : إنّ الصّيام يخفّف العبء عن جهاز الدوران ؛ القلب والأوعيّة ، إرهاق العضويّة ربّما تعب القلب ، وتصلَّبت الشرايين ، يأتي الصّيام ليُخفّف العبء عن جهاز الدوران ؛ القلب والأوعِيَة ، ويأتي الصّيام لِيُخفّف العبء عن الكليتين ؛ جهاز الإفراز ، لأنّه كلّما ارتفعت نسبة البولة في الدم ، جهدت الكليتان عن طرحهما في البول ، أما إذا صام الإنسان فلن تطرح هذه المواد لقلّتها ، وارتاحَت الكليتان ، ومن فضائل الصّيام كما قال بعض الأطبّاء أنّ سكّر الكبد يتحرّك ، حينما يقلّ السكّر المتناوَل في النهار ، ما الذي يتحرك ؟ سكّر الكبد ، ويتحرّك معه الدّهن الموجود تحت الجلد ، وتتحرّك أيضًا بروتينات العضلة ، وتنشط الغدد ، وخلايا الكبد ، ألا ترَوْن أنّ بعض المصانع تُجري دورَةَ صِيانة كلّ عامٍ لآلاتها ، وهذا من أدقّ الأمثلة ، والله إنّ هذا الشَّهر صيانةٌ لِجَميع أجهزة الجسم ، صيانةٌ وتنشيط لِجَميع أجهزة الجسم ، ووِقايَةٌ من أكثر أمراض الشَّيخوخة ، وعِلاج لِبَعض الأمراض ، إلا أنّ بعض الأمراض أيّها الأخوة الصّيام يؤذيها ، لذلك قال تعالى : فمن كان منكم مريضًا أو على سفر . . .أخر" هناك أمراض يعرفها الأطبّاء والصّيام يؤذيها ، ومن صامَ على الرّغم من ذلك فقد عصى الله ورسوله .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ لا ينبغي أن نُفْطِر لأيّة فتوى يفتيها طبيب لا نعرفهُ ، العلماء اشْترطوا في الطبيب أن يكون مسلمًا ، وأن يكون ورِعًا ، وأن يكون حاذِقًا ، إذا أفتى لك بالفِطْر فيجب أن تفطِر ، لأنّ فطرك كالصّيام تمامًا ، قال تعالى :
﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
شيءٌ أخير أيّها الأخوة ، هو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل هكذا ، كان يتناوَل ثلاث تمراتٍ ، وكوبَ ماءٍ ، ويُصلِّي المغرب ، جاء الأطبّاء وحلَّلُوا هذه الظاهرة ، قالوا : إنَّ التمر أسرع مادّة سكّرية تنتقل من الفم إلى الدم ، وعدّوا هذه المدة بعِشرين دقيقة ، ففي عشرين دقيقة ينتقل السكر من فمك إلى دمك ، فإذا صار في الدَّم شعرْت بالراحة والشِّبَع ، فإذا قمْت إلى الطعام قمْت إلى الطعام وكأنّك في الإفطار ؛ من دون جوعٍ شديد ، من دون انكباب على الطعام بشَكل غير معقول ، لذلك من السنّة أن نأكل بعض التمرات ، ونشرب الماء، ونصلي المغرب وسنَّته ، وأن نجلس لِتَناوُل الطعام .
لكنّ أيّها الأخوة ، بعض إخوتنا الذين يأكلون من دون قَيْدٍ ، ومن دون حِساب ، هؤلاء يستثْقِلون صلاة التراويح ، فإذا أردْت أن تقوم الليل فعليك أن تأكل أكلاً معتدِلاً ، كي تقف نشيطًا لِتَستمع إلى جزء من كتاب الله يتلوه الإمام ، وكي تسْتَوْعِبَهُ ، وتقف على معانيه الدقيقة ، وكي تتفاعل معه ، أما المشغول بِهَضْم الطعام ، فهذا يسْتثقل القيام ، وربّما صلّى ثماني ركعات، وربّما قال : التراويح سنّة ، ومن ترك السنّة لا شيء عليه ، الصّيام كلّه من أجل التراويح ، لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( من قام رمضان ....))
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .