- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
النّصيحة المخلصة لكلّ مسلم :
أيها الأخوة الكرام ؛ موضوع دقيق في حياة المسلمين ، وهو النصح . لقد شاءت حكمة الله أن نأتي إلى الدنيا تباعاً ، وأن نغادرها تباعاً ، وكان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا دفعة واحدة جميعاً ، وأن نموت جميعاً ، ولكن حكمة الله البالغة حينما جاء بنا إلى الدنيا تباعاً ليستفيد بعضنا من بعض .
الإنسان أيها الأخوة خلال عمره الطويل تتراكم عنده الخبرات ، وتتراكم عند المعارف، وتتراكم عنده التجارب ، تعلمه الحياة الشيء الكثير ، الوقائع تعلمه ، والنصوص تعلمه ، والمواعظ تعلمه ، والتعليم أحد أسباب نماء هذه الخبرات ، لئلا يبدأ كل منا من الصفر ، قد تنقضي الحياة ولا يحصل الإنسان بخبراته الشخصية ، من تجاربه الذاتية إلا النذر اليسير، ولكن يأتي ابن من أبٍ له تجارب ، له خبرات ، له معارف ، هذه التجارب ، وتلك الخبرات ، وهذه المعارف يلقنها لابنه بكلمات معدودة ، لذلك من كرامة الإنسان على الله أنه علمه البيان :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
والبيان الذي علمه الله للإنسان بيان شفهي ؛ النطق والاستماع ، وبيان كتابي ؛ الكتابة والقراءة ، بالبيان الشفهي يتصل أفراد النوع ، وبالبيان المكتوب تنتقل المعارف من جيل إلى جيل ، ومن شعب إلى شعب ، ومن أمة إلى أمة ، ومن حقبة إلى حقبة .
لذلك كانت النصيحة ذات مركز كبير في الإسلام ؛ لأن الذي عرف الله ، وعرف حقيقة الدنيا ، وعرف الأمر والنهي ، وعرف عواقب الأمور ، هذا يقدم لأبنائه ، ولإخوانه ، ولمن حوله ، ولمن هم دونه ، ولمن هم في سنه ، هذه الخبرات مكثفة في كلمات ، لذلك سيدنا جرير بن عبد الله قال:
((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت : يا رسول الله أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ))
النصح لكل مسلم ، أي النبي عليه الصلاة والسلام علّق قبول الإسلام ، قبول بيعته على الإسلام ، واشترط عليه النصح لكل مسلم . لا تجد مؤمناً صادقاً ، لا تجد مسلماً مخلصاً إلا وهو ينصح من حوله ، النصيحة المخلصة مقبولة ، والنصيحة المخلصة ينبغي أن تشكر عليها ، والنصيحة المخلصة لا تُقدر بثمن ، فالنبي عليه الصلاة والسلام شرط على سيدنا جرير حينما أتاه يبايعه على الإسلام النصح لكل مسلم .
شروط النّصح :
أيها الأخوة الكرام ؛ ولكن النصح لكل مسلم له شروط ، من أولى شروطه الرفق واللين ، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ))
إذا نصحت فابدأ بكليات الدين ، إذا نصحت فابدأ بالأساسيات ، إذا نصحت عرِّف بالآمر قبل الأمر ، إذا نصحت دُلَّ على الله ، حبب طاعته ، كرِّه معصيته ، ثم بيّن بعد ذلك طاعته ومعصيته ، يجب أن تعطي الطاعة قيمتها ، وأن تعطي المعصية وبالها .
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام سيد المعلمين ، سيد المربين ، سيد الدعاة قال :
((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا))
وقال أيضاً :
((إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ))
هم لم يهلكوا ، هو الذي أهلكَهم ، وفي رواية فهو أهلكُهم أي هو أشدهم هلاكاً .
المعنى الأول هو الذي توهم أنهم هالكون ، أو هو الذي يُعدّ عند الله أشدهم هلاكاً .
أيها الأخوة الكرام ؛ فرق كبير بين النصيحة وبين الفضيحة ، فرق كبير بين النصيحة وبين الفتنة ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ))
كلمة واحدة ، كلمة يهوي بها الإنسان في النار ، وكلمة يرقى بها في الجنان .
أيها الأخوة الكرام ؛ ما إن يستقر الإيمان في قلب المؤمن حتى يعبر عن ذاته بالنصيحة ، لكن الذي يخلص في نصيحته يلهمه الله الأسلوب اللطيف ، الأسلوب الرقيق ، الكلمة الحانية ، الطريقة التي تحبها النفوس ، لا تنفر منها :
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ))
جئنا إلى الدنيا تباعاً ليستفيد بعضنا من بعض ، ليعلم بعضنا بعضاً ، لينصح بعضنا بعضاً ، لتنتقل هذه المعارف ، وتلك الخبرات ، وهذه الحقائق ، وهذه المشاهدات ، لتنتقل من أب إلى ابنه ، من معلم إلى تلميذه ، من أخ إلى أخيه ، من صديق إلى صديقه ، من جيل إلى جيل ، من حقبة إلى حقبة ، من أمة إلى أمة عن طريق الترجمة .
الانفضاض و الالتفاف :
أيها الأخوة الكرام ؛ الله سبحانه وتعالى يعلمنا من خلال توجيه النبي عليه الصلاة والسلام يقول الله عز وجل :
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
دققوا في هذه الآية ، الباء باء السبب ، بسبب ما استقر في قلبك يا محمد من الرحمة التي أتتك من خلال اتصالك بالله عز وجل ،
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
لين جانبك ، أنك تألف وتؤلف ، أحبك الناس ، أقبل عليك الناس ، بسبب اللين ، لين العريكة ، ولين الأخلاق ، وسماحة النفس ، وهذه بسبب الرحمة التي استقرت في قلبك ، ولو لم تكن هذه الرحمة في قلبك ، لو نُزعت هذه الرحمة من قلبك ، لكنت فظاً غليظ القلب ، عندئذ ينفض الناس من حولك .
﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ يبدو من خلال هذه الآية أن الإنسان الموصول بالله يستقيم على أمره ، فيتصل به ، من خلال هذه الصلة تستقر الرحمة في القلب ، وهذه الرحمة تدعو صاحبها إلى اللين ، إلى الرفق ، إلى التلطف ، إلى الحكمة ، إلى اختيار أحلى الكلمات ، أدق العبارات، يختار أدق كلمة يُفهم من خلالها أخاه دون أن يجرحه ، لذلك يلتف الناس حول الناصح ، يحبون الناصح ، يهتمون بكلامه ، ما أخلص عبد لله عز وجل إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة .
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام على ما هو عليه من أنه معصوم ، ومن أنه يوحى إليه ، ومن أنه مؤيد بالمعجزات ، ومن أنه سيد ولد آدم ، ومن أنه سيد الأنبياء والمرسلين ، على كل هذه الخصائص ، أنت يا محمد :
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
لذلك هؤلاء الذين ينصحون ينبغي أن تستقر الرحمة في قلوبهم ، كي يلهموا الصواب ، لذلك قال تعالى :
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
وقد ورد :
((مَن أمر بالمعروف فليكن أمره بمعروف))
أمر الله هو النافذ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن :
أيها الأخوة الكرام ؛ سيدنا لقمان له نصيحة عظيمة النفع ، دقيقة المعاني ، واسعة الشمول ، وردت في سورة لقمان ، قال تعالى :
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
وما أهلك الناس إلا الشرك ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . لا أحد يشك في أن لهذا الكون خالقاً ، لكن هذا الخالق العظيم ، والإله الرحيم ، والرب الكريم ، في السماء إله ، وفي الأرض إله ، إله فعال يفعل ما يريد .
﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾
أمره هو النافذ ، مشيئته هي الحاصلة ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدً ﴾
﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾
﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾
﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾
نموذج قرآني في الوصية والنصيحة :
أيها الأخوة الكرام ؛ النصيحة الأولى : ذنب لا يُغفر ، وذنب لا يُترك ، وذنب يغفر، أما الذنب الذي لا يُغفر فهو الشرك بالله تعالى ، وأما الذنب الذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم لبعض ، وأما الذنب الذي يُغفر فما كان بينك وبين الله . النصيحة الأولى لسيدنا لقمان لابنه :
﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
ظلم للنفس ، وظلم للمجتمع ، وظلم للآخرين .
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾
أن تعبد الذي خلقك ، وأن تحسن للذي كان سبب وجودك .
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
هناك أب أنجبك ، وهناك أب زوجك ، وهناك أب دلك على الله .
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾
علمه الاستقامة التامة ، وأن الأعمال مهما دقت لا تضيع عند الله ، وأن السيئات مهما دقت لابد من أن يُحاسب عليها الإنسان :
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾
هذه نصيحة موجزة ، لو أردنا التفاصيل لاستغرقت كل فقرة فيها خطبة بأكملها ، لكنها نصيحة جاءت كشاهد من نصائح الأنبياء والمرسلين ، ومن نصائح الصالحين التي وردت في القرآن الكريم .
نموذج نبوي في الوصية والنصيحة :
أيها الأخوة الكرام ؛ من نصائح النبي صلى الله عليه وسلم :" أيها الناس - وهي من أدق النصائح ، ومن أفعلها في النفس ، بل إن الناس ولاسيما في هذه الأيام يعجب الإنسان أشد العجب ، ما أكثر المواعظ ، وما أقل المتعظين ، ما أكثر العبر ، وما أقل المعتبرين - يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
((أيها الناس : كأن الموت فيها على غيرنا كُتب))
أيْ في هذه الحياة الدنيا ، إذا تأملت في حركات الإنسان في الحياة الدنيا لا تشعر أبداً أن الموت داخل في حساباته إطلاقاً ، إذا رأيت طريقة كسبه للمال ، وطريقة إنفاقه ، وأسلوب حياته ، وتمتعه بالشهوات التي حرمها الله عز وجل ، إذا نظرت في أساليب حياة المسلمين في الأعمّ الأغلب لا تجد أن الموت ، ولقاء الله عز وجل ، والوقوف بين يديه، والحساب داخل في حساباتهم إطلاقاً . لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((أيها الناس : كأن الموت فيها على غيرنا كُتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نشيع من أموات سَفرٌ عما قليل إلينا راجعون))
ألا ترى جنازة في المسجد وأناس كثيرون واقفون على باب المسجد لا يصلون ، هؤلاء الذين جاؤوا لتشييعه أليسوا لاحقين به ؟
كل ابن أنثى و إن طالت سلامت ه يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جنـــــــــــازة فـاعلم بأنك بعدها محمــــــــول
***
لابد من أن تدخل المسجد مرةً ليُصلى عليك ، أبداً . . الموت حق ، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر . نأكل تراثهم ، كأنا مخلدون بعدهم ، قد نسينا كل واعظة ، وأمنا كل جائحة . طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس . . اشتغل بإصلاح عيوبه ، اشتغل بتطهير نفسه ، اشتغل بتصفية قلبه ، اشتغل بذكر ربه ، اشتغل بإقامة شعائر الله ، اشتغل بعبادة ربه . طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، طوبى لمن طاب كسبه . كان دخله حلالاً ، بنى رزقه على طريقة حميدة ، لم يبن رزقه على محرم ، ولم يبن ماله على أنقاض الناس . طوبى لمن طاب كسبه ، طوبى لمن صلحت سريرته . . ليس في قلبه حقد ، ولا حسد ، ولا كبر ، ولا استعلاء ، قلبه سليم معافى . طوبى لمن طاب كسبه ، طوبى لمن صلحت سريرته ، وحسنت علانيته . علانية الإنسان مطلوبة ، المؤمن يجب الغيبة عن نفسه ، يضع نفسه حيث ينبغي ، لا يضع نفسه موضع التهمة . طوبى لمن طاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت علانيته ، واستقامت طريقته ، طوبى لمن تواضع لله من غير منقصة ، وأنفق مما جمعه من غير معصية . أنفق المال الحلال الذي جمعه بكد يمينه وعرق جبينه . . وأنفق مما جمعه من غير معصية ، وخالط أهل الفقه والحكمة . . يسعد بلقائه مع المؤمنين ، وينقبض قلبه بلقائه مع أهل الدنيا . وخالط أهل الفقه والحكمة ، ورحم أهل الذل والمسكنة ، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، ووسعته السنة ولم يعدل عنها إلى البدعة . نصيحة جامعة مانعة . .
((أيها الناس : كأن الموت فيها على غيرنا كُتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نشيع من أموات سَفرٌ عما قليل إلينا راجعون ، نأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم ، قد نسينا كل واعظة ، وأمنا كل جائحة ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، طوبى لمن طاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت علانيته ، واستقامت طريقته ، طوبى لمن تواضع من غير معصية ، وخالط أهل الفقه والحكمة ، ورحم أهل الذل والمسكنة ، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، طوبى لمن وسعته السنة ولم يعدل عنها إلى البدعة))
أيها الأخوة الكرام ؛ النموذج الأول نموذج قرآني في الوصية والنصيحة ، والنموذج الثاني نموذج نبوي في الوصية والنصيحة .
نموذج عن أصحاب النبي في الوصية والنصيحة :
وأما النموذج الثالث فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال ابن عباس :" قال لي أبي يوماً ، أي بني إني أرى أمير المؤمنين عمر يدعوك ، ويقربك ، ويستشيرك مع أصحاب رسول الله ، فاحفظ عني ثلاث خصال ؛ اتق الله - استقم على أمره- ، ولا يجربن عليك كذبةً ، ولا تفشين له سراً ، ولا تغتابن عنده أحداً " .
قال عامر الذي حدث بهذا الحديث : قلت : " يا بن عباس كل واحدة من هذه النصائح هي خير من ألف ، قال : بل كل واحدة هي خير من عشرة آلاف " ولا يجربن عليك كذبة ، الإنسان حينما يكذب يسقط ، ولو كانت كذبة ، ولو قالت الأم لابنها : تعال خذ ، وليس في يدها شيء ، هذه كذبة ، كُتبت كذبة .
الدين بالتعريف الجامع المانع النصيحة :
أيها الأخوة الكرام ؛ تطبيقاً لهذه الخطبة ، كل واحد منكم يحضر في كل أسبوع خطبة جمعة فيها الآيات ، فيها الأحاديث ، فيها الأحكام ، فيها السير ، ألم يلفت نظرك من الخطبة كلها آية واحدة ؟ حديث واحد ؟ موقف لصحابي ؟ حكم فقهي ؟ حقيقة علمية ؟ شيء مؤثر ؟ قصة بالغة التأثير ؟ هذه الآية أو ذاك الحديث ، هذه القصة أو تلك الحقيقة ، هذا الموقف أو ذاك الحكم ، ألا تستطيع أن تحفظه ؟ وإن شئت فسجله ، لك لقاءات كثيرة في الأسبوع ، لك لقاءات ، ولك زيارات ، ولك مجالس ، ولك ولائم ، ولك نزهات ، ولك أدوار كما تُسمى ، ألا تستطيع أن تنقل تفسير آية سمعتها من خطيب الجمعة ؟ ألا تستطيع أن تنقل حديثاً شريفاً هزَّ مشاعرك ؟ ألا تستطيع أن تنقل موقف صحابي ملك عليك إعجابك ؟ هذه النصيحة ، قد تنصح مسلماً فيتوب إلى الله فهو في صحيفتك ، قد تنصح ابناً لك فيستقيم على أمر الله فهو في صحيفتك .
الدين بالتعريف الجامع المانع - أحياناً يُعرف الدين بكلمة واحدة - قال عليه الصلاة والسلام :
((الدين النصيحة ، قالوا : يا رسول الله لمن ؟ قال : لله - انصح العباد بطاعة الله - ولكتابه -انصح العباد بقراءة كتابه ، وتدبر آيات كتابه ، والعمل بآيات كتابه ، ثم لمن؟ - ولرسوله - انصح الناس باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولأئمة المسلمين ، وعامّتهم))
الدين بالتعريف الجامع المانع النصيحة . . وما إن يستقر الإيمان في قلب المؤمن إلا و يعبر عن ذاته بذاته بالنصيحة ، لكنه إذا استقر في قلبك رحمة من خلال اتصالك بالله ، عندئذ تعرف كيف تنصح ، تكون ليناً ، تكون مترفقاً ، تكون حكيماً ، تكون أنيساً ، تكون واضحاً ، تكون علمياً ، تكون ناصحاً مع الدليل ، لذلك في مطلع الخطبة قلت : فرق كبير بين النصيحة ، وبين الفضيحة ، فرق كبير بين النصيحة وبين الفتنة ، انصح ولا تحرج ، ولا تحمر الوجوه ، ولا تفضح ، ولا تستعلي ، إن كان في قلبك رحمة تتلطف في نصيحتك ، إن كان في قلبك رحمة تختار الأسلوب الأمثل في نصيحتك .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني . .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
التجارة الرابحة هي التجارة مع الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ؛ يسعى أحدنا طوال عمره ليشتري بيتاً صغيراً لا يزيد عن مئة متر ، أو ليصل إلى شهادة متواضعة تدر عليه رزقاً لا يكفيه نصف الشهر ، أو ليؤسس تجارة تملأ حياته مشقة وهماً وحزناً . ألا تسعى إلى تجارة مع الله ؟ قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
قدمت هذه الآية لهذه الحقيقة ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام للإمام علي كرم الله وجهه :
(( يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها))
((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس))
((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم))
بإقناع ، ومداراة ، وخدمة ، وتلطف ، ومداومة ، وتفقد ، إن أكرمك الله بهداية رجل واحد فخير لك من الدنيا وما فيها ، في الدنيا تجارات وأرباح ، وقصور ، ومركبات ، ومتع ، ومباهج ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها))
لكن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول :" ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس …. ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى "
بربكم ، لو جاءك خبر أن هذا البيت معروض للبيع بمئتي ألف ليرة ، وثمنه يزيد على مليونين ، هل تنام الليل ؟ هل تقول : غداً أشتريه أم تذهب إلى بيت الدلال في الليل ؟ لماذا المغنم العاجل نسرع إليه والمغنم الآجل نتوانى في تحقيقه ؟ إذا استطعت أن تتلقى شيئاً من العلم ، وأن تعلمه أخاك المسلم ، وأن تأخذ بيده إلى الله ، فهو خير لك من الدنيا وما فيها ، هذا كلام سيد الأنبياء ، هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى ، هذا كلام عدّه علماء العقيدة وحياً غير متلو . .
أيها الأخوة ؛ مرةً ثانية : الدين النصيحة ، لا تسكت عن الخطأ ، الساكت عن الحق شيطان أخرس .
* * *
طلب العلم فريضة على كل مسلم :
إحدى محطات الأخبار العالمية نقلت الخبر التالي : أرسلت مركبة فضائية تحمل مرصداً عملاقاً ، قطر عدسته ثمانية أمتار ، هذه المركبة أرسلت قبل أربع سنوات ، ويغلب على ظني أن سرعتها تزيد على أربعين ألف ميل في الساعة ، مضى على انطلاقها من الأرض أربع سنوات ، وفيها مرصد عملاق ، من أجل أن يكتشف خبايا الكون وأسراره ، لعله اقترب من المشتري ، وقد التقط قبل يومين صورة مجرة جديدة اكتشفت حديثاً .
أنا كنت أقول قبل أيام وقبل أسابيع : إن أبعد مجرة اكتشفت بعدها عنا يقدر بأربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية ، وكلكم يعلم أن أقرب نجم ملتهب يبعد عنا أربع سنوات ضوئية ، ولو أردت أن تعرف ماذا يعني أربع سنوات ضوئية ، لو أردت أن تصل إلى هذا النجم الذي يبعد عنا أربع سنوات ضوئية في مركبة أرضية تحتاج إلى خمسين مليون عام . نجم القطب أربعة آلاف ، المرأة المسلسلة مليونا ، أحدث مجرة يقدر بعدها بأربعة وعشرين ألف مليون . الخبر الذي أذيع عن تلك المركبة الفضائية التي انطلقت قبل أربع سنوات بسرعة أربعين ألف ميل في الساعة ، والتي يظن أنها قرب المشتري ، أرسلت قبل أيام صورةً لمجرة تبعد عنا - الآن دققوا في هذا الرقم - ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية ، والبليون ألف مليون ، وهذه المجرة كانت في هذا الموقع قبل ثلاثمئة ألف بليون سنة ، ثم تحولت إلى موقع آخر ، لأن سرعتها تزيد على مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية ، أين هي الآن ؟ . . الآن دققوا في قوله تعالى :
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
هذا الإله العظيم الذي خلق هذا الكون العظيم أيعصى ؟ . . أينصرف الإنسان عن أمره ونهيه ؟ لا يعبأ بوعده ووعيده ؟ يرجو غيره ؟ يخاف غيره ؟ يسعى لإرضاء غيره ؟
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية ، تبعد عنا هذه المجرة التي اكتُشفت قبل يومين ، أما إذا علمتم أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، في الثانية الواحدة !. . كم قطع الضوء من أول هذه الخطبة حتى الآن ؟ في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين . .
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
لذلك قال الله العظيم جلّ جلاله :
﴿كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
إذا أردت أن تعرف الله فاطلب العلم ، رتبة العلم أعلى الرتب ، العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، حضور خطبة الجمعة جيد جداً وهي فريضة لا شك فيها ، ولكن لا يكفي أن تستمع من أسبوع إلى أسبوع إلى كلام يُلقى في ساعة ، لابد من حضور مجالس العلم، لابد من أن تعرف كتاب الله على ماذا ينطوي ، أن تعرف أمره ونهيه ، أن تعرف وعده ووعيده ، أن تعرف حلاله وحرامه ، لابد من أن تعرف سنة رسول الله ، لابد من أن تعرف سيرة رسول الله، لابد من أن تعتقد العقيدة الصحيحة ، لماذا أنت في الدنيا ؟ أين كنت ؟ ولماذا ؟ وإلى أين؟ طلب العلم فرض عين على كل مسلم ، لا تقل : أنا لست مختصاً بشؤون الدين ، أنا أعمل في الحقل الفلاني ، هذا كلام لا يقبل ، طلب العلم فريضة على كل مسلم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، و لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .