- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المرأة في الإسلام :
أيها الأخوة الكرام ؛ موضوع الخطبة السابقة عن الظالم لنفسه ، فأمة النبي صلى الله عليه وسلم حيال هذا التراث النبوي ، وحيال الكتاب الذي أورثه الله لهذه الأمة أصناف ثلاثة؛ ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات .
تحدثت في الأسبوع الماضي عن الظالم لنفسه ، ووعدتكم في الأسبوع الحالي أن أتحدث عن المقتصد ، وعن السابق بالخيرات ، ولكن هناك موضوعات أحياناً تقفز إلى ساحة الاهتمام فجأة ينبغي أن نعالجها ، فسأرجئ الحديث عن المقتصد ، وعن السابق بالخيرات إلى خطبة أخرى إن شاء الله تعالى ، والحديث اليوم عن المرأة في الإسلام .
أيها الأخوة الكرام ؛ المرأة في الإسلام مساوية للرجل تماماً في نقاط كثيرة تزيد عن عشر حالات ، فالمرأة من حيث هي إنسان مساوية للرجل تماماً ، فلها مشاعره ، ولها أحواله ، ولها خصائصه ، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
يا أيها الناس أي الرجال والنساء . فالمشاعر التي يشعر بها الرجل تشعر بها المرأة ، والقيم التي يسمو إليها الرجل تسمو إليها المرأة ، والبطولة التي يحققها الرجل تحققها المرأة ، فالرجل والمرأة من نفس واحدة .
﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾
المرأة من حيث هي إنسان مشابهة للرجل تماماً ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود وأحمد والترمذي:
((إنما النساء شقائق الرجال))
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ؟))
والمولود ذكراً كان أو أنثى .
أية نظرة إلى المرأة على أنها من طبيعة أخرى ، على أنها دون الرجل من حيث أنه إنسان هي نظرة جاهلية ، لا يقرها الإسلام ، ولا يقبلها بل جاء ليحاربها .
فطرة الإنسان تعرف فجور النفس و تقواها :
شيء آخر أيها الأخوة ، كما أن الرجل يستقيم المرأة تستقيم ، وكما أن الرجل ينحرف تنحرف المرأة . يؤمن وتؤمن ، يكفر وتكفر ، يعصي وتعصي ، يطيع وتطيع ، يسمو وتسمو ، يرقى وترقى . قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
والنفس ذكراً كان أو أنثى . فألهمها فجورها وتقواها : أي مركب في فطرة الإنسان ذكراً كان أو أنثى أنها تعرف طريق فجورها ، وطريق تقواها ، وأنها إذا اتقت أو إذا فجرت تعلم بفطرتها أنها اتقت أو فجرت . هذا هو الإسلام من منابعه ، هذا هو الإسلام من مصادره ، العبرة لا بالواقع الذي يعيشه المسلمون ، ولكن بالمبادئ السامية التي جاء بها الكتاب والسنة .
أيها الأخوة الكرام ؛ ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
وهذه الآية تعني الرجال والنساء معاً . من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً ، ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً .
مساواة المرأة للرجل في الإنسانية و التشريف و الكرامة :
أيها الأخوة الكرام ؛ إنها مساوية للرجل من حيث إنسانيتها ، ومساوية للرجل تماماً من حيث إمكانها أن ترقى ، وأن تسمو ، وأن تتفوق ، وأن تكون من اللاتي يشار إليهن بالبنان.
شيء آخر: مساوية له في التشريف والكرامة ، أذكركم بأن قانون حمورابي الذي يدرسونه في كليات الحقوق إحدى بنود هذا القانون أنه من قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يسلم ابنته لذاك الرجل ليقتلها . . ما ذنبها ؟ ما ذنب ابنة القاتل لتقتل مكان المقتولة ؟ . سئل عليه الصلاة والسلام:
((أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ))
وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم:
﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
وقد قال الله عز وجل:
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
مساوية له في إنسانيتها ، مساوية له في سموه وسموها ، مساوية له في كرامته وكرامتها ، في التشريف ، بل إن الإسلام العظيم جعل الذين يرمون المحصنات الغافلات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء جعل قصاصهم أن يُجلدوا ثمانين جلدة ، وألا تُقبل لهم شهادة أبداً ، حتى لو تابوا لابد من أن يُجلدوا ثمانين جلدة ، عقاب الدنيا لا يسقط بالتوبة ، لذلك ورد في الأثر: " قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة ".
مساواة المرأة للرجل في أركان الإيمان :
أيها الأخوة الكرام ؛ مساواتها في إنسانيته ، ومساواتها في سموه ، ومساواتها في كرامته ، بل إن المرأة مساوية للرجل في أنها مكلفة بأركان الإيمان ، ومكلفة بكل التكاليف الشرعية التي كلف الله بها الرجل . الأدلة من كتاب الله:
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾
لو أن الله سبحانه وتعالى قال : إن المسلمين والمؤمنين والقانتين والصادقين والصابرين والخاشعين إلى آخر الآية لكانت هذه الآية تشمل الرجال والنساء ، ولكن الله أراد أن يؤكد ، وأن يبين ، وأن يزيل اللبس من أن المرأة كالرجل مساوية له تماماً في التكاليف الشرعية، وفي أركان الإيمان ، وفي أركان الإسلام .
دليل آخر:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
دليل ثالث:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
المرأة مكلفة بشكل مستقل عن الرجل بتكاليف الشريعة :
أيها الأخوة الكرام ؛ بل إن المرأة مخلوق مستقل من حيث مسؤوليته عن عمله ، وهي مكلفة استقلالاً عن الرجل بتكاليف الشريعة ، مكلفة بشكل مستقل عن الرجل بتكاليف الشريعة . .
((والمرأة راعية في بيت زوجها ، وهي مسؤولة عن رعيتها))
أيها الأخوة الكرام ؛ أوضح شاهد امرأة فرعون ، قال عليه الصلاة والسلام:
((كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أربع آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ))
آسية زوجة رجل ادعى الألوهية ، وأذلَّ أتباعه ، قتَّل أبناءهم واستحيا نساءهم ، ولم يستطع بكل جبروته أن يحمل امرأته على أن تعبده كما يعبده كل الناس ، قالت:
﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
معنى ذلك أن المرأة مستقلة استقلالاً تاماً في أنها مكلفة بأركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، والتكاليف الشرعية ، وتُحاسب وحدها عن تقصيرها وأية امرأة تقول : إن زوجي يريد ذلك . هذه حجة عند الله غير مقبولة .
مساواة المرأة للرجل في التّربية و التّهذيب :
أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
والمرأة أيضاً مساوية للرجل في التربية والتهذيب ، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
قوا أنفسكم وأهليكم ، والأهل في القرآن الكريم الزوجة والأولاد . وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي :
((ما نحل والد ولده من نحلة أفضل من أدب حسن))
والولد ذكر كان أو أنثى . يروي ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه:
((ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه ، أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة))
هذه بشارة لكم جميعاً . . أي رجل له بنتان إذا أحسن إليهما ورباهما التربية الإسلامية الصحيحة ، واعتنى بهما ، وأحسن إليهما فله الجنة . وفي حديث آخر:
((من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات))
هذا شيء دقيق . من كانت أخته عنده ، وأحسن إليها ، وأكرمها ، ودلّها على الله فله الجنة . قد تبقى البنت بلا زواج ، تصبح عانساً مصيرها عند أخيها ، هذا الحديث الشريف يبين أن الذي يرعى أخته ، ويحسن إليها ، ويربيها التربية الصحيحة ، ويدلها على الله فله الجنة. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنَتَانِ ، أَوْ أُخْتَانِ ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ))
وفي رواية تضاف إلى هذا الحديث:
((فأدبهن ، وأحسن إليهن ، وزوجهن فله الجنة))
مكلفة بشكل مستقل عن الرجل بتكاليف الشريعة . .
مساواة المرأة للرجل في العلم الكفائي والواجب العيني :
أيها الأخوة الكرام ؛ والمرأة مساوية للرجل تماماً في العلم والواجب العيني ، وفي العلم الكفائي ، فإذا كانت مكلفة بأركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، وبأحكام الشريعة ، فلا يكون هذا إلا بالعلم ، لذلك قال تعالى:
﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾
تقرأ هذه الآية الفتاة ويقرؤها الفتى ، تقرأ هذه الآية المرأة ويقرؤها الرجل . وطلب العلم فريضة على كل مسلم ، أي على كل شخص مسلم ذكراً كان أو أنثى .
أيها الأخوة الكرام ؛ عن عبد الله بن قيس قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا ، فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ ، وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ ، وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ))
وقال عروة بن الزبير يصف خالته السيدة عائشة رضي الله عنها قال: " ما رأيت أحداً أعلم بفقه ، ولا بطب ، ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها ". وكثيرة جداً الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين ، وكثيرة جداً تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير ، وفقه الحديث ، وكثيرات جداً النساء اللواتي حفظن كتاب الله ، أو حفظن كثيره .
مساواة المرأة للرجل في وجوب تمسكها بالأخلاق الباطنة والظاهرة :
أيها الأخوة الكرام ؛ والمرأة مساوية للرجل في وجوب تمسكها بالأخلاق الباطنة والظاهرة ، الباطنة من طهارة القلب ، وسلامة القصد ، والظاهرة أخلاق اللسان وأخلاق الجوارح. قال تعالى:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
ذكراً كان أو أنثى . وقد قال بعض الأقوام : في كل مشكلة فتش عن المرأة . أما الإسلام فيقول : في كل مشكلة فتش عن المعصية ؛ لأنه ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان . إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركتها الغيرة التي هي من خصائص النساء ، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
كم هي كرامة المرأة غالية في الإسلام ، وصفت بأنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام لمن قالت هذه الكلمة :
(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
أيها الأخوة الكرام ؛ المرأة مسؤولة عن قلبها من حيث الإيمان أو النفاق ، والإخلاص والرياء ، مسؤولة عن لسانها من حيث الصدق والكذب ، ومسؤولة عن أعضائها من حيث الطاعة والمعصية ، مساوية للرجل في وجوب طهارة القلب وسلامة القصد ، وفي وجوب ضبط اللسان وضبط الجوارح .
المرأة مساوية للرجل في وجوب تحقيق الكليات الست :
أيها الأخوة الكرام ؛ والمرأة مساوية للرجل في وجوب تحقيق الكليات الست التي جاء الإسلام من أجلها ، فالإسلام يقوم على كليات ست ، من اعتدى على إحداهن فله في نص القرآن الكريم عقوبة محددة هي الحد الذي جاء به القرآن الكريم وفصلته السنة .
فالشريعة كما تعلمون مصلحة كلها ، ورحمة كلها ، وعدل كلها ، وأية قضية خرجت من العدل إلى الجور ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، ومن الرحمة إلى القسوة ، فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل .
أيها الأخوة الكرام ؛ الدين ، والنفس ، والعقل ، والعرض ، والمال ، والأمن ، فمن اعتدى على إحدى هذه الكليات فله جزاء مقرر في كتاب الله ، واضح في سنة رسول الله ، ذكراً كان أم أنثى ، هذا الحد يصيب الذكور كما يصيب الإناث .
﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
شارب الخمر ينبغي أن يُجلد ثمانين جلدة ذكراً كان أم أنثى . العرض ؛ من اعتدى على أعراض الآخرين فعقوبته الجلد أو الرجم :
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾
والعدوان على النفس:
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
والقصاص يصيب الرجال كما يصيب النساء ، والأمن لمن يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فساداً ، إما أن يقتل ، وإما أن تقطع أيديه وأرجله من خلاف .
المساواة بين الرجل والمرأة في الدعوة إلى الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ حتى إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الدعوة إلى الله ، ينبغي أن تنقل ما تعلمته إلى أخواتها ، وعليها أن تنشر هذا الدين لقول الله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
السيدة خديجة حينما جاء النبي الوحي ، وجاء إليها وقال لها : خشيت على نفسي ، ماذا قالت ؟ قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتقري الضيف ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر . ما معنى ذلك ؟ أنها كانت مع النبي في دعوته . وأول امرأة شهيدة قُتلت في الإسلام سمية وزوجها ياسر قتلا دفاعاً عن عقيدتهما ، وعن تمسكهما بهذا الدين القويم ، فالمرأة أيضاً تدعو إلى الله ، وتنشر هذا الدين في الحقل الذي يناسبها ، وفي الحدود التي يسمح لها بها .
المساواة بين المرأة و الرجل في الميراث :
أيها الأخوة ، والمرأة مساوية للرجل في الميراث ، قال تعالى:
﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾
مساوية له في الميراث ، وأما أن للذكر مثل حظ الأنثيين فله تفصيل رائع سيكون في خطبة قادمة إن شاء الله .
المساواة بين المرأة و الرجل في الأقارير و العقود و التصرفات :
ثم إن المرأة مساوية للرجل تماماً في الأقارير - أي جمع إقرار- والعقود والتصرفات . أي بإمكانها أن تشتري ، وأن تبيع ، وأن تقرَّ بيعاً أو شراءً ، فالصدقة ، والدين ، والوقف ، والبيع ، والشراء ، والكفالة ، والوكالة ، هذه كلها المرأة مساوية للرجل .
المساواة بين الرجل و المرأة في كل شيء :
ساوته في الأقارير والعقود والتصرفات ، وساوته في الميراث ، وساوته في وجوب الدعوة إلى الله ، وساوته في وجوب طلب العلم ، لأنها مكلفة بأركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، وأحكام الشريعة ، ومساوية له في وجوب تطهير قلبها وقصدها ولسانها وجوارحها ، ومساوية له في العلم والواجب العيني والكفائي ، ومساوية له في التربية والتهذيب ، ومساوية له في الإيمان بالله ، والتكاليف الشرعية ، ومساوية له في الكرامة ، ومساوية له في الخلقة ، والمساواة الكاملة في الإنسانية .
هذه نصوص الكتاب والسنة ، التي تبين أن المرأة إنسان بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، وأنها مساوية له . أما إذا قال الله تعالى:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
فهناك اختلاف بين الجنسين اختلاف يُعد في حق كل منهما كمال وأي كمال .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني . .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ضرورة معرفة الإسلام من أصوله و ينابيعه :
أيها الأخوة الكرام ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي))
((ما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم))
وفي زيادة :
((وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً))
وقال عليه الصلاة والسلام موجهاً الخطاب إلى النساء ، قال لإحداهن :
((اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله))
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته كان بسَّاماً ضحاكاً ، وقد وصف النساء فقال : إنهن المؤنسات الغاليات ، هذا هو الدين ، هذا هو الشرع الحنيف الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، الإسلام ينبغي أن نعرفه من أصوله ، لا ينبغي أن نعرفه من خلال واقع المسلمين الذي ربما لم يكن وفق منهج الله ، الإسلام ينبغي أن نعرفه من ينابيعه ، لا من روافده التي رفدته من الثقافات الغربية التي شوهت معالمه .
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾
الإكمال نوعي ، والإتمام عددي ، فكل القضايا التي نحن بأمس الحاجة إليها ، عالجها معالجة كاملة ، وأدرجها في منهجه القويم ، وفي كتابه الكريم . ما علينا إلا أن ندرس ، وأن نتعلم ، وأن نطلب العلم . ومن ضيق الأفق ، ومن سذاجة الإنسان أن يتهم شيئاً دون أن يعرفه ، ودون أن يتعمق في فهمه ، ودون أن يسلك السبيل القويم في معرفته ، ودون أن يأخذه من ينابيعه الأصيلة ، إذا أردت أن تعرف الإسلام فهذا هو القرآن ، وهذه هي سنة النبي العدنان، إذا أردت أن تعرف الإسلام فاعرفه من خلال أصحاب رسول الله الذين اتبعوه بإحسان ووعي وفهم ، قال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
لا ينبغي أن تحكم على الإسلام قبل أن تفهمه ، لا ينبغي أن تتهمه قبل أن تتعمق في دراسته ، اطلب العلم فطلب العلم فريضة على كل مسلم ، وما من شيء يسمو بك إلا العلم. إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
أيها الأخوة الكرام ؛ وحضور خطبة الجمعة كما ذكرت في الأسبوع الماضي هي الحد الأدنى من التعلم ، إن حضرت خطبة ، وفهمت آية أو حديثاً ، أو حكماً أو موضوعاً ، أو موقفاً وتمثلته ، ونقلته لمن تحب فقد حققت الأدنى من عبادة التعلم ، وما حضور خطبة الجمعة إلا عبادة هدفها نشر العلم بشكل دوري .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم ارزقنا التأدب ونحن في بيوتك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .