وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0530 - آداب المسجد - الخيل .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

المساجد بيوت الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ نحن في موضوع متسلسل إلا أن أخاً كريماً تمنى عليّ أن أعالج موضوع آداب المسجد في خطبة مستقلة ، نظراً لما يرى من جهل بآداب المسجد ، أو انتهاك لقواعد دخوله ، والجلوس فيه ، والاستماع ، والصلاة ، فلبيت رغبته ، وهأنذا أجعل هذه الخطبة متعلقة بآداب المسجد ، مع أن الذي يُلاحظ أن تسعة وتسعين بالمئة من رواد المسجد ملتزمون بآداب المسجد ، إما بدافع من ذوقهم العام ، أو بمعرفتهم بالحكم الشرعي ، أما القلة القليلة فهذه ينبغي أن يُلفت نظرها إلى الآداب التي ينبغي أن يراعيها المسلم إذا دخل بيتاً من بيوت الله .
 أيها الأخوة الكرام ؛ المساجد بيوت الله تعالى ، ومن أحبّ الله تعالى أحبّ بيوته، وأكثر من زيارتها ، قال تعالى :

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

[سورة الجن: 18]

 ويا أيها الأخوة الكرام ؛ والضيف إذا نزل بساحة الكرماء ، ومنازل العظماء ، نال من أعطياتهم ، وغنم من جودهم وفضلهم ، فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين ، وحلّ ببيت رب العالمين ؟ عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه :

((إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زواري فيها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ، وحُق على المزور أن يكرم زائره))

[أبو نعيم عن أبي سعيد]

 أيها الأخوة الكرام ؛ أعظم هذا الإكرام ، وأفضل هذه الأعطيات أن يذيق الله المسلم الذي يزوره في بيته لذة القرب ، وحلاوة المناجاة ، وأن يمنحه شهادة الإيمان .
 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾))

[الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد]

من تعلق قلبه بالمسجد ينعم بظلّ الله يوم لا ظلّ إلا ظله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ شيء آخر : في منازل يوم القيامة ، وكربات مواقفها ، وأهوال مشاهدها ، يكون الذي يرتاد المساجد في ظلّ عرش الله جلّ جلاله آمناً مطمئناً يوم لا ظل إلا ظله . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ؛ الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 الإنسان الذي يحب الدنيا قلبه معلق بالأماكن التي فيها الدنيا ، والإنسان الذي يحب الله ، والدار الآخرة ، قلبه معلق بالمكان الذي فيه قرب من الله والدار الآخرة ، الرجل الذي قلبه معلق بالمساجد ، هذا ينعم بظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، كما ورد في الحديث الصحيح .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 أن تأتي إلى المسجد لصلاة الجمعة هذه فريضة ، لحضور مجلس علم ، لأداء الصلوات ، لذكر الله عز وجل ، لتلاوة القرآن ، لطلب العلم ، هذا مما يجعلك من المقربين عند الله عز وجل .

 

المسجد بيت الله لتلاوة كتابه وبيان معانيه ومدارسته :

 يا أيها الأخوة الكرام ؛ حقيقة دقيقة وعميقة ، أرجو أن يكون الانتباه إليها واضحاً؛ دور المسجد تقلص في عصور تأخر المسلمين ، تقلص إلى أن أصبح مكاناً تؤدى فيه الصلوات، مع أن أي مكان في الأرض يصلح لأداء الصلوات :

((أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ))

[متفق عليه عن أبي ذر]

 أي مكان أدركك فيه الوقت إذا صليت فيه فهو مسجد ؛ لأنه مكان السجود ، منْ فِعل سَجَدَ ، فأداء الصلوات يمكن أن يكون في أي مكان ، ولكن المسجد له دور أكبر بكثير ، وأخطر بكثير من أن يكون مكان تؤدى فيه الصلوات ، قال تعالى :

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾

[سورة النور:36]

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

[سورة طه: 123]

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[سورة البقرة: 38]

 هذا الهدى الذي إذا اتبعه الإنسان لا يضل عقله ولا تشقى نفسه أين نجده ؟ في الطريق ؟ في المجلات ؟ في أي مكان نجده ؟ نجده في المساجد . . مكان الهدى ، مكان نشر الحق ، مكان بيان الفضيلة ، مكن توضيح الهدى .
 أيها الأخوة الكرام ؛ في المسجد خطبة الجمعة ، وفي المسجد تفسير كتاب الله ، وفي المسجد شرح حديث رسول الله ، وفي المسجد بيان سيرة رسول الله ، وفي المسجد بيان أحكام الفقه ، وفي المسجد قصص الصحابة الكرام ، إنها غذاء العقل لئلا يضل ، وغذاء للقلب لئلا يشقى . لا كيان بلا مكان ، الهدى أين مكانه ؟ في المسجد . إذا أردت أن تكون طبيباً لا بد من جامعة تتعلم فيها ، وإذا أردت أن تكون مؤمناً مهتدياً مستقيماً عارفاً لحقيقة الحياة الدنيا ، عارفاً لحقيقة الإنسان ، هذا الهدى أين تجده ؟ في المسجد .
 أيها الأخوة الكرام ؛ وفي المسجد أيضاً تعاون على البر والتقوى ، قال تعالى :

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

[سورة المائدة: 2]

 قال علماء التفسير : البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة . والشاهد الذي يوضح هذه الحقيقة التي فحواها أن المسجد له دور كبير قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 بيت الله المكان الطبيعي الصحيح لتلاوة كتاب الله ، وبيان معانيه ومدارسته .

 

المحور الذي ينبغي أن تكون عليه رسالة المسجد :

 السكينة : سَمِّها ما شئت ، ولكنها حال إذا أصاب المؤمن شعر كأنه ملك الدنيا. السكينة تجلٍّ من الله عز وجل على قلب المؤمن يملؤه غنى ، يملؤه طمأنينة ، يملؤه تفاؤلاً ، يملؤه فرحاً ، يملؤه سعادة ، يملؤه شعوراً بالفوز ، شعوراً بالتفوق ، يملؤه شعوراً بالفلاح .

((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 قد يقول أحدكم : والله شعرت براحة كبرى ، هذه الراحة هي السكينة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام ، قد يقول أحدكم : والله شعرت بطمأنينة ، هي السكينة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .

((وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ))

 أمدهم الله عز وجل برحمته ، إن في الأمور الدنيوية ، أو في الأمور الأخروية ، رحمة الله مطلقة وواسعة ، تشمل الدنيا والآخرة . هم في مساجدهم ، والله في حوائجهم :

((وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ))

 الملك يلهم ويسدد .

((وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

 ورفع الله ذكر هذا الإنسان الذي يرتاد المساجد .
 هذا الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم هو المحور الذي ينبغي أن تكون عليه رسالة المسجد :

((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

آداب المسجد :

1 ـ تعظيم بيوت الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآن سندخل في موضوع الخطبة ، الأدب الأول : تعظيم بيوت الله . إذا كان من حق الضيف أن نكرمه فإن من واجب الضيف أن يعرف قدر المزور وأن يتأدب معه ، من حق الضيف أن يُكرم من قبل صاحب البيت ، ومن واجب الضيف أن يعرف مَن صاحب البيت ، مَن الداعي ، من المزور ، أن تعرف من صاحب البيت ، وأن تتأدب معه ، لذلك أول أدب من آداب المسجد تعظيم بيوت الله جل جلاله ؛ لأنها بُنيت لذكره ، وبُنيت لعبادته ، ولتلاوة كتابه ، وأداء رسالة نبيه ، ونشر تعاليمه ، وتبليغ منهجه ، وبُنيت كي يتعارف المسلمون فيما بينهم ، مكان اللقاء ، مكان التعارف ، مكان التناصح ، مكان البذل ، مكان التضحية ، مكان الوئام ، مكان الحب .
 أيها الأخوة الكرام ؛ المسلمون في بيوت الله ينبغي أن يتعارفوا ، وأن يلتقوا على محبة الله عز وجل ، وأن ينهلوا العلم ، والحكمة ، ومكارم الأخلاق ، قال تعالى :

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾

[سورة النور: 36]

 وقد ورد في الحديث فيما رواه الطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((المسجد بيت كل تقي ))

[الطبراني عن أبي الدرداء]

2 ـ العمل على إشادتها وصيانتها والعناية بها ودعوة الناس إلى ذلك :

 الأدب الثاني : العمل على إشادتها ، وصيانتها ، والعناية بها ، ودعوة الناس إلى ذلك ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :

((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ))

[ابن ماجه وابن خزيمة عن جابر بن عبد الله]

 لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

((أحبّ البلاد إلى الله مساجدها ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 مكان الهدى ، ومكان العبادة ، مكان الذكر ، مكان التعليم . روي أن تميماً الداري أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل من الشام إلى المدينة قناديل وزيتاً وحبالاً ، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة ، أمر غلاماً له فربط الحبال ، وعلق القناديل ، وصب فيها الزيت ، وجعل فيها الفتيل ، فلما غربت الشمس أمر غلامه فأسرجها ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هي تزهر ، فقال : من فعل هذا ؟ قالوا : تميم الداري ، فقال عليه الصلاة والسلام موجهاً الخطاب إلى تميم الداري : يا تميم نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة ، أما لو كانت لي ابنة لزوجتكها .
 بناء المساجد ، تنوير المساجد ، توفير المرافق ، توفير راحة المصلي ، هذا عمل عظيم من أعظم الأعمال .
 أيها الأخوة الكرام ؛ المكان النظيف يجذب الناس ، المكان المريح يجذب الناس ، المكان الجميل يجذب الناس ، فكما أننا نعتني بالبيوت ؛ ننظفها ، ونطليها ، ينبغي أن نعتني بالمساجد كي نجذب الناس إليها . وأبلغ كلمة قيلت في هذا الموضوع أنه لا ينبغي أن تكون المساجد من حيث النظافة ، والأناقة ، والترتيب ، وتوفير الراحة أقل من بيوتنا ، حتى ينجذب الإنسان إلى المسجد .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لا ينبغي أن تكون الدور التي يُعصى الله فيها أنيقة ، ومزدانة، بينما المساجد التي يُعبد الله فيها ينبغي أن تكون نظيفة ، وأنيقة ، ومزدانة ، وأن تكون عالية .

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ ﴾

[سورة النور:36]

 لم يقل الله أن تُبنى ، قال :

﴿أن تُرفع﴾

  وفي هذه الكلمة دلالة على أن بيوت الله جلّ جلاله ينبغي أن تكون عالية شامخة .

3 ـ التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة و حسن الوضوء :

 الأدب الثالث من آداب المسجد : التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة ، وحسن الوضوء ، والتسوك ، ولبس الثياب النظيفة ، وتقليم الأظافر ، وترجيل الشعر ، والتجمل ، والتطيب . لذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم غُسل الجمعة واجباً عينياً على كل مسلم : " اغتسل ولو مداً بدينار".
من أجل أن تأتي إلى بيت من بيوت الله نظيف الثياب ، قال تعالى :

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾

[سورة الأعراف: 31]

 كيف بك إذا ذهبت إلى حفل بهيج ، إلى عقد قران ، ترتدي أجمل ثيابك ، ترجل شعرك ، تنظف هندامك ، تؤنِّقه ، هكذا ينبغي أن تفعل إذا توجهت إلى بيت من بيوت الله .
 روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً))

[أخرجه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة]

4 ـ الدخول إلى المسجد بتقديم الرجل اليمنى :

 الأدب الرابع : الدخول إلى المسجد بتقديم الرجل اليمنى ، والدعاء التالي : " بسم الله ، اللهم صلّ على سيدنا محمد ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك " لأن الرحمة في المسجد ، وإذا خرج المسلم من المسجد يقدم اليسرى ويقول : " اللهم افتح لي أبواب فضلك"
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلِ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ))

[ابن ماجه وأبو داود]

 أنت في حالين ، في المسجد تتلقى من الله الرحمات ، وخارج المسجد تتلقى من الله الفضل .

5 ـ صلاة تحية المسجد قبل الجلوس :

 ومن آداب المسجد صلاة ركعتين - تحية المسجد - قبل الجلوس ، فإن لم تتمكن فقل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

6 ـ خلع الحذاء وإزالة ما علق به ووضعه في المكان المناسب :

 ومن آداب المسجد خلع الحذاء ، وإزالة ما علق به ، وإطباقه ، ووضعه في المكان المناسب ، والحذر من رفعه فوق الرؤوس ، والحذر من تلويث المسجد به . نفضه ، إزالة ما علق به ، طبقه ، وضعه في المكان المناسب .

7 ـ الانتباه إلى نظافة الجوارب :

 ومن آداب المسجد الانتباه إلى نظافة الجوارب ، فكم من ضعيف في الإيمان نفر من المسجد من جورب ذي رائحة ، وكم من ضعيف في إيمانه ترك المسجد من مصلّ ذي رائحة ، لذلك ؛ التنَظُّف ، نظافة البدن والثياب ، والتجمل ، والتطيب ، من آداب المسجد .

8 ـ تجنب أكل الثوم والبصل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ومن آداب المسجد تجنب أكل الثوم والبصل وما له رائحة كريهة ، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :

((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ و قَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ))

[متفق عليه عن جابر بن عبد الله]

 هذه الأكلة المحببة اجعلها في يوم آخر ، وليكن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلى عندك من هذه الأكلة .

9 ـ تجنب رفع الصوت ولو بتلاوة القرآن :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ومن آداب المسجد تجنب رفع الصوت ولو بتلاوة القرآن .
 عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ :

((كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ : اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ : مَنْ أَنْتُمَا ؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا ؟ قَالَا : مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ ، قَالَ : لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

[البخاري عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ]

 رفع الصوت لا يجوز ولو بتلاوة القرآن ، ما الذي يحصل ؟ أحياناً مجلس علم في المسجد ، والدرس قائم ، يدخل رجل ليصلي إماماً ويرفع صوته بالقراءة فيشوش على المستمعين درسهم ، إذا رأيت الحرم ممتلئاً بمجلس علم فصلّ خارج الحرم ، وإذا أممت آخرين فأسمعهم فقط، لا ينبغي أن تسمع كل من في المسجد قراءتك وتكبيراتك ، رفع الصوت حتى بالقرآن مكروه في المسجد . عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ :

((اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ : أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ ))

[أبو داود وأحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ]

 وفي حديث آخر :

((إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ بِمَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ ))

[أحمد ومالك عن ابن عمر]

10 ـ تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا وإنشاد الشعر :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ومن آداب المسجد تجنب الخصومات ، وتجنب الاشتغال بأمور الدنيا والبيع والشراء والبحث عن ضائع ، وإنشاد الشعر .

((أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمسجدَ ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ ، وَعَنِ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ))

[ أبو داود و الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]

 فقد روى الإمام الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

((إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا : لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ))

[الترمذي عن أبي هريرة]

 ومن جلس في المسجد فإنما يجالس ربه ، فحقه ألا يقول إلا خيراً .

11 ـ تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بالمسبحة :

 ومن آداب المسجد تجنب الاحتباء ، أن تطوق ركبتيك بيديك ، وتشبيك الأصابع وفرقعتها ، والعبث بها ، وعدم العبث بالمسبحة ، إذا قلت : لصاحبك صه فقد لغوت. عن مولى لأبي سعيد الخدري قال :

((بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبياً مشبكاً أصابعه بعضها في بعض ، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي سعيد فقال : إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه))

[أحمد عن مولى لأبي سعيد الخدري]

 الاحتباء : أن تضم الرجلان إلى البطن بثوب أو يدين.

12 ـ تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ومن آداب المسجد تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة . أحياناً إمام في مسجد ، ومدرس يلقي درس علم فيه ، فتأخر قليلاً في درسه فأذن المؤذن ، يخرج الإمام من المسجد ليصلي إماماً في مسجد آخر . عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ :

((كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

[ مسلم عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ ]

13 ـ تجنب تناول الأطعمة وجعل المسجد مكاناً للراحة :

 ومن آداب المسجد تجنب تناول الأطعمة ، وتجنب جعل المسجد مكاناً للراحة ، والقيلولة ، والسمر . حديث دنيوي ، جلسة بعد العصر بأمور الدنيا ، هذا لا يجوز أبداً ، المسجد ليس مكاناً للسمر ، ولا للراحة ، ولا لتناول الطعام . وتجنب أيضاً الوقوع في المحرمات كالغيبة ، والنميمة ، والكذب ، فالغيبة عقابها كبير ، هذا العقاب يتضاعف إذا كانت في المسجد، المسجد مكان مقدس لذكر لله ، لا لغيبة المسلمين .

14 ـ تجنب المرور من المسجد كطريق :

 ومن آداب المسجد تجنب المرور من المسجد كطريق . أحياناً أناس كثيرون يدخلون إلى الجامع الأموي من باب ، ويخرجون منه من باب آخر ، اختصاراً لطول لطريق ، هذا لا يجوز أن يكون المسجد ممراً . أو الدخول والخروج من غير صلاة ، أو ذكر ، أو تسبيح، أو عبادة ، أو أمر بالمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو طلب علم ، هذا كله لا يجوز .

15 ـ صيانة المسجد والحفاظ على نظافته وأناقته وأثاثه :

 ومن آداب المسجد القيام بصيانة المسجد ، والحفاظ على نظافته ، وأناقته ، وأثاثه، وأمتعته ، وكتبه ، ومصاحفه . فهذا الذي يأتي بغلام صغير فيبول في المسجد على السجاد الأنيق النظيف المخيط الذي أصبح قطعة واحدة ألم يسئ إلى المسجد إساءة بالغة ؟ روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور ، أي في الأماكن التي تُبنى فيها البيوت ، وأن تُنظف ، وأن تتطيب . وفي حديث دقيق عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا))

[الترمذي وأبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 أي قشة إن التقطتها من أرض المسجد ووضعتها في جيبك هذا العمل تُؤجر عليه. أما الأطفال فوق السابعة فينبغي أن تأتي بهم إلى المسجد ، الأطفال هم المستقبل ، والكبار هم الحاضر ، والحاضر عليه ألف مأخذ ، لكن المستقبل ينبغي أن يكون خيراً من الحاضر ، لذلك ليكن ابنك معك في المسجد لكن فوق السابعة ، كي يفهم الخطبة ، كي يفهم ما يتلى ، ما يقال ، أما إذا كان في سن صغيرة جداً وأردت أن تجلبه معك لا لشيء إلا لتوجيه من زوجتك وقد يؤذي المسجد ، فهذا ليس من تعويد الطفل على بيوت الله في هذه السن التي لا يفقه فيها شيئاً ، بل ربما كان إيذاؤه أكبر من نفعه .

16 ـ تجنب التطيب والتزين والتبرج للمرأة التي تدخل المسجد :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ومن آداب المسجد تجنب التطيب ، والتزين ، والتبرج للمرأة التي تدخل المسجد ، وينبغي أن تدخل من مكان دخول النساء ، وألا تختلط بالرجال إطلاقاً .
 عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا ))

[مسلم عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ عود على بدء ، ذكرت في مطلع هذه الخطبة أن تسعة وتسعين بالمئة من إخوتنا الكرام رواد هذا المسجد يلتزمون بهذه الآداب ، إما عن علم أو عن ذوق عام ، ولكن قلة قليلة لا تزيد عن واحد بالمئة لا تعرف هذه الأحكام ، وقد تجهلها ، لذلك جُعلت هذه الخطبة لفت نظر لهؤلاء القلة القليلة من أجل أن يكون بيت الله معظماً ، ومن تعظيم بيت الله عز وجل اتباع هذه الآداب التي ورد في كل منها حديث صحيح .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الخيل من آيات الله الدالة على عظمته :

 أيها الأخوة الكرام ؛ إلحاقاً بالموضوع الأول أتمنى عليكم أن تتركوا طريقاً من الباب إلى مقدمة المسجد ، الذي يُلاحظ أن في مقدمة المسجد أماكن فارغة ، وتباعد بين الأخوة المصلين ، وأن في مؤخرة المسجد اكتظاظاً وازدحاماً ، لو كان هناك طريق سالك مفتوح من الباب إلى المقدمة ، ومن هذا المكان إلى المقدمة ، فكل من جاء متأخراً يمشي في هذا الطريق ليملأ الفراغ الذي في مقدمة المسجد لقول الله عز وجل :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾

[سورة المجادلة: 11]

 مما يلفت النظر من آيات الله الدالة على عظمته أن الخيل التي قال عنها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((الْخَيْلُ مَعْقودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن ابن عمر ]

 مما يلفت النظر في هذا الحيوان الذي سخره الله للإنسان تكريماً له قال : الخيل قوية السمع ، تسمع وقع الخطا قبل أن ترى الذي يمشي ، تسمع وقع حوافر خيل أخرى قبل أن تتبدى لها في الأفق ، وتنبه صاحبها ، هذا من خصائص الخيل . وقال : الخيل لا تفقد قدرتها على التناسل حتى وهي متقدمة في السن :

((الْخَيْلُ مَعْقودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ ))

 وهي سريعة الشفاء من جروحها سرعة غير معقولة ، أسرع من شفاء جروح الإنسان ، وتلتئم كسور عظامها بسرعة عجيبة جداً ، ويكفي الحصان علف قليل ليقوم بجري كثير ، وجهاز الحصان التنفسي قوي ، وهو ذو قصبة هوائية واسعة جداً ، وقفص صدري واسع جداً يعينه على استنشاق أكبر كمية من الأكسجين لتعينه هذه الكمية على الجري الطويل .
 والحصان له قدرة على تحمل المصاعب والمشاق ، ويستطيع أن يحمل ربع وزنه ، وزنه أربعمئة كيلو غرام ، يحمل مئة كيلو ويعدو بها إلى مسافات طويلة ، ويستطيع الحصان أن يعدو مسافات طويلة ولأمد طويل دون طعام ولا ماء ، ويتميز الحصان بذاكرة حادة جداً ، وهذه الذاكرة تنصب على الأماكن التي يعيش بها ، فبإمكانه إذا أصاب صاحبه مكروهاً أن يعيده إلى البيت بذاكرته ، ويستطيع الحصان أن يحفظ أدق الأماكن ، وأدق التفاصيل ، بل إنه يعرف صوت صاحبه ولو لم يره ، بل إنه يعرف صاحبه من طريقة ركوبه الفرس ، صاحبه له طريقة في الركوب ، يتعرف على صاحبه إما من صوته ، أو من رائحته ، أو من طريقة ركوبه الفرس .
 والحصان أيها الأخوة يستجيب لردود فعل سريعة جداً لحركات فارسه ، ومن القصص التي تُروى أن حصاناً عليه ابنة صاحبه ، فلما فزع وأراد أن يعدو انحنى على الأرض، وأنزلها من على ظهره ثم عدا هارباً . من أذكى الحيوانات ، ومن أشدها وفاءً ، والشيء الذي يلفت النظر كما ذُكر في بعض البحوث العلمية أن ركوب الخيل يقي أمراض القلب ، وأمراض الكبد ، والكليتين ، وأمراض جهاز الهضم ، بينما ركوب السيارة دائماً يجلب أمراض القلب ، وأمراض الكليتين ، وأمراض الكبد . والشاعر الجاهلي الذي وصف حصانه فقال :
 فازور من وقع القنـــــــــا بلبانــــــــه وشكـــا إليّ بعبرة وتحمحـــــم

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى  ولكان لو علم الكلام مكلـمي
***

 فـلذلك :

((الْخَيْلُ مَعْقودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن ابن عمر ]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور