وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة البينة - تفسير الآيات 1 - 7. مقدمة في معاني واصطلاحات قرآنية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

التعريف ببعض المصطلحات القرآنية :

 سورة اليوم أيها الأخوة الأكارم هي سورة:

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

 وأجد نفسي قبل الحديث عن معانيها آيَةً آيةً مجبراً على التعريف ببعض المصطلحات القرآنية التي وردت فيها، يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾

 أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وهم أهل كتاب مؤمنون بالله، والله سبحانه وتعالى قال:

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

 فكيف يكون أهل الكتاب كفاراً؟ لأن بعض الناس أو معظم الناس يتوهمون أن الكافر هو الذي ينكر وجود الله عز وجل، ولا يعترف بوجوده، ويؤدي بعض العبادات ليصبح مؤمناً، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

 إذًا هؤلاء عند الله كفار، وفي آية أخرى يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾

[سورة التوبة: 54]

 أردت في هذا الدرس أن أوضح معنى الإيمان ومعنى الكفر، معنى الإسلام ومعنى الفسوق، معنى العصيان ومعنى الفجور، معنى الذنب ومعنى السيئة، معنى التقوى ومعنى الإحسان، معنى الدين، هذه المصطلحات التي تكثر في القرآن الكريم، إنها كلمات ذات مدلولات دقيقة ومحددة.

 

 

1 ـ الإسلام :

 

 

 أولا: ما تعريف الإسلام؟ الإسلام تطبيق لأوامر الدين، فإذا لم يطبق أحدنا أوامر الدين بنص كتاب الله فقد نفى الله سبحانه وتعالى عنه الإسلام، قال تعالى:

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾

[ سورة الحجرات: 14 ]

 هذا الذي غض بصره، وأدى زكاة ماله، وصام شهره، وصلى فرضه، وتحرى الحق، هذا يسمى مسلماً، فإذا أكل مالاً حراماً، وإذا غش المسلمين، وإذا أطلق بصره إلى الحرام فَقَدَ صفة الإسلام، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[سورة السجدة: 18]

 فحيثما وردت كلمة ( إسلام ) فهي تعني الانقياد والاستسلام لأوامر الله عز وجل، فمن كان منقاداً ومستسلماً لأوامر الله عز وجل فهو مسلم.

 

الإسلام قناعة و اعتقاد و عمل :

 

 كيف ينقاد الإنسان لأوامر الله عز وجل، ويستسلم له قبل أن يعرفه؟
 الحقيقة أنه لا بدّ من أن تسبق الإسلام قناعة فكرية، فمن أين تأتي القناعة؟ من إعمال الفكر، فكل واحد منا إذا أقنعه الطبيب أن بيته في الطابق الثالث يضر قلبه، مع أنه اشتراه، وأسسه، وزينه، واعتنى به، إذا اقتنع أن هذا البيت فيه خطر عليه تراه بمحض اختياره يعرضه للبيع، ويبحث عن بيت يناسب حالته الصحية، متى اتخذ هذا الإنسان خطوات عملية؟ حينما اقتنع.
 إذا اقتنع الإنسان أن الدخان يسبب له ورماً خبيثاً في رئته، ويسبب له أزمة قلبية، ويسبب له جلطةً مميتة، يقلع عن الدخان إذا ثبت له ذلك، فحينما يقنع الإنسان ينطلق نحو العمل، إذا رأيت إنساناً قاعداً لا ينطلق إلى عمل ما فقناعته مغلقة، إذاً لا بد من إعمال الفكر في أمور الدين، لأن الله سبحانه وتعالى حينما فطر الإنسان فطره فطرةً عالية، ومن خصائص هذه الفطرة أنه يحب نفسه، ويبتغي سلامتها، ويسعى إلى رقيها، وينطلق إلى سعادتها، و يحرص على سلامتها، هذا شيء فطري، فحينما يُقنع الإنسان نفسه، أو حينما تتولد في الإنسان قناعة فكرية أن هذا الدين لمصلحته، إنه مجموعة حدود لسلامته، وليس مجموعة قيود لحريته، كما لو رأيت عموداً كهربائياً كتب عليه: " خطر الموت "، ألا تحس بأن المسؤولين عن الكهرباء أرادوا نصح المواطنين؟ وأرادوا حمايتهم من أخطار الموت؟ وأن هذه اللوحة ليست حداً لحريتهم إنما ضمان لسلامتهم؟ إذا بلغ المنطق بك أن علمت أن كل أوامر الدين لمصلحتك ولسعادتك الأبدية، ولتحيا حياة مطمئنة، حياة طيبة، عندئذ تنطلق إلى تطبيق أوامر الله عز وجل، فلا بد من قناعة فكرية مبنية على المحاكمة والاستقراء، والمقايسة والموازنة، والمقابلة وفحص الأمور، وتفاضلها، وبيان أسبابها ونتائجها، إذا انطلق الفكر، وتولدت القناعة، عندئذ يستسلم الإنسان لأوامر الله عز وجل، فينقاد، ويخضع لها ويطبقها.
 ماذا يقابل القناعة الفكرية عند عامة الناس؟ يقابلها الاعتقاد، ما هو الاعتقاد؟ كل شيء سمعته من الآخرين، فإذا عطل كل شخص فكره، وأرهف أذنه،على أن فلانًا قال كذا، و فلانًا قال كذا، والأب قال كذا، والمعلم قال كذا، والخطيب قال كذا، هذا الذي يأتيك من الآخرين دون بحث وتمحيص، دون مقارنة ودراسة، ودون تفكر وتعمق، دون سبر، هذا الذي يأتيك عفواً، ويترسب في أعماقك، سماه علماء التوحيد الاعتقاد.
 إن الناس يعتقدون بوجود الله عز وجل، ولكنهم لا يطيعونه، يعتقدون بأن هناك جنة، ولكنهم لا يعملون لها، يعتقدون بأن هناك ناراً، لكنهم لا يتقونها، يعتقدون بأن هناك حسنات وسيئات، ولكنهم يفعلون السيئات، ويقعدون عن الحسنات.

من خصائص الاعتقاد الخطأ والنسيان والشك :

 من خصائص الاعتقاد أنه يتصف بالخطأ والنسيان والشك، قد يكون هذا الذي تعتقده صحيحاً ولكنك شاك في صحته، وقد يكون غلطاً ولكنك لا تعرف أنه غلط، وقد يكون صحيحاً، وعرفت أنه صحيح، ولكنه سرعان ما تنساه، فمن صفات الاعتقاد الشك والخطأ والنسيان.
 ومن دراسة الناس، وحضورهم مجالس العلم، وحضورهم خطب الجمعة، واللقاءات، والحفلات، وما يقال فيها من خطب، كوّن بعضهم مجموعة أفكار لم يدقق فيها، ولم يستقصِ صحتها، لم يقابلها، ولم يمحصها، ولم يدرسها، ولم يتأملها، فكوّن معتَقَداً، فهذا المعتقد يكذب، وهذا المعتقد يغش الناس أحياناً، وهذا المعتقِد يحب الدنيا، وهذا المعتقِد لا يتقرب إلى الله عز وجل، ولا يفعل الصالحات، فالاعتقاد الذي هو متواتر عند عامة الناس يقابله عند المؤمن قناعة فكرية مبنية على البحث، والمدارسة، والتحليل، واستقصاء الأسباب والنتائج.
 لاحظ نفسك في أمور الدنيا، حينما تقنع أن هذا السبيل لمصلحتك تنطلق للتطبيق، إذا اقتنعت أن هذا البيت يجب أن يباع تعرضه للبيع فوراً، وإذا اعتقدت أن هذه المصلحة فيها أرباح طائلة تنطلق إليها فوراً، وإذا اعتقدت أن هذا الخاطب مناسب تسأل عنه، وتبلّغه النتيجة، وحينما تتولد عندك قناعات ثابتة في أمور الدنيا ترَى أنك تنطلق إلى التطبيق فوراً.
 إن الإسلام يجب أن تسبقه قناعة فكرية، أيهما أفضل البيع والشراء أم الربا؟ هذا الذي محص وفكر لا يقول لك: أنا أضع مبلغاً ضخماً في المصرف، وآخذ فائدة سنوية تكفيني طوال العام، وأستريح من العمل، لو قنع الإنسان أن العمل هو الخير، وأن الربا هو الشر، لترك الربا، واتجه نحو العمل، هذا الذي يؤثر الربا على العمل ليس عنده قناعة صحيحة بأن الدين حق.

2 ـ الإيمان :

 إذاً عند عامة الناس هناك الاعتقاد الذي يتصف بالشك، والخطأ، والنسيان، وعند المؤمنين هناك القناعة الفكرية التي تتولد في النفس، عندما توازن بين الزواج الذي شرعه الله عز وجل وبين السِفاح تجد فرقًا كبيراً بين النكاح والسِفاح، هذا شرعه الله، وهذا نهى الله عنه، وكذلك الأمر بين البيع والشراء والربا، بين إطلاق البصر وغض البصر، بين الأمانة والخيانة، بين الصدق والكذب، بين ما جاء به الدين وما جاءت به القوانين الوضعية، هذه المقايسة ومرحلة الإقناع الفكري تسبق الإسلام، فإذا صحت استسلم الإنسان لأوامر الله، وانقاد لها، فسمي مسلماً، أما الإيمان فشيء آخر، قال تعالى:

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 14 ]

 حينما ينقاد الإنسان كلياً لأوامر الله عز وجل صغيرها وكبيرها؛ فيما يتعلق بالعبادات، وفيما يتعلق بالمعاملات، وفي كل أمرٍ أمر الله به، إذا استمر على هذه الحالة يكسب شيئاً اسمه الثقة برضاء الله عنه، هذه حالة نفسية رائعة، وفي الأثر: والثقة كنزي، يحس هذا الإنسان أن الله راضٍ عنه، بإحساسه هذا إذا وقف ليصلي يُقبِل على الله، ويتوجه إليه، ويتصل به، فإن صحت هذه الصلة فهذا التوجه هو الإيمان، الإيمان من الأمن، إذا أقبلت على الله شعرت بالأمن، إذا أقبلت على الله شعرت بالطمأنينة، إذا أقبلت على الله شعرت بالسعادة، إذا أقبلت على الله شعرت بسمو نفسي لا يعرفه إلا من ذاقه، إذا أقبلت على الله اتكلت عليه، وفوضت أمرك إليه، واستسلمت لحكمه، وصبرت على مصيبته، إذا عرفت الله سعدت، هذه الوجهة إلى الله هي الإيمان، الإيمان وجهة، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ))

[مسلم عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

القناعة الفكرية تفضي إلى الإسلام والإسلام يفضي إلى الإيمان :

 الإيمان له طعم لا يعرفه إلا من ذاقه، علامة الإيمان أن تكره أن تعود إلى الكفر كما يكره الرجل أن يلقى في النار، علامة الإيمان أن تقول: ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، علامة الإيمان الطمأنينة، الأمن، والأمان، علامة الإيمان أنك من سعداء الدنيا.
 إن القناعة الفكرية تفضي إلى الإسلام، والإسلام يفضي إلى الإيمان، لكن المؤمن معرض للنكسة، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾

[ سورة النساء: 137 ]

 من علامات قيام الساعة أن يصبح المرء مؤمناً، ويمسي كافراً، يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، الإيمان وجهة، فإذا اتجهت إلى امرأة ضاع إيمانك، وضاعت وجهتك، وفقدت سعادتك، وضاعت منك كل مكتسبات الإيمان.
 القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن، فإما أن تتوجه إلى الله فتكون من السعداء، وإما أن يتوجه المرء إلى الدنيا فتكون من الأشقياء.

 

3 ـ الفسق :

 نعود إلى القسم الآخر: القناعة الفكرية يقابلها عند الناس اعتقاد، والاستسلام لأمر الله والإسلام يقابله الفسق، اسمعوا إلى بعض الآيات المتعلقة بالفسق قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾

[ سورة الكهف: 50 ]

 ما معنى فسق عن أمر ربه؟ أيْ خرج، فتعريف الفسق الخروج عن أمر الله، أيّ أمر من أوامر الله إذا خرجت عنه فهذا هو الفسق.
 آية ثانية، قال تعالى:

﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة يونس: 33 ]

 مسلم فاسق، هذا كلام مضحك، كأن تقول: هذه الغرفة منيرة مظلمة، إما أن تكون منيرة، وإما أن تكون مظلمة، إن كان مسلماً فلا يكون فاسقاً، وإن كان فاسقاً فليس مسلماً، قال تعالى:

﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة يونس: 33 ]

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 18 ]

 الفسق والإيمان يتناقضان، الإيمان وجهة، والفسق عقبات أمام هذه الوجهة، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 99 ]

الفاسق يوجه الآيات توجيهاً يغطي انحرافاته :

 حدث عن آية قرآنية أمام عشرة، الذين يكذبون هذه الآية، أو تفسيرها، أو ما تعنيه، أو دلالتها، هم العصاة الفاسقون، المستقيم يقول لك: صدقت ورب الكعبة، هذا هو الحق، غير المستقيم يقول لك: لا أعتقد أن هذه الآية هذا معناها، يحب أن يوجه الآيات توجيهاً يغطي انحرافاته، فإذا قلت له:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾

[ سورة آل عمران: 130 ]

 قال لك: الآية تنهى عن النِّسب المرتفعة في الربا، ولكن النسب المعتدلة لم ينه الله عنها في نص هذه الآية.

 

4 ـ النفاق و الكفر :

 من الذي يرفض الحق؟ الفاسق، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 99 ]

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص: 50]

 والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة المائدة: 49]

 أكثر الناس فاسقون، يصلون، ويصومون، ويزكون، وهم فاسقون، وفسقهم حجاب، وصلاتهم سراب، وصومهم جوع وعطش، وحجهم سياحة، وأعمالهم مرفوضة، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة التوبة: 67]

 لو كان مستقيماً لما نافق، ولأنه فاسق ينافق، فالفسق من علامات النفاق، والنفاق من لوازمه الكفر.

الفاسق إنسان خرج عن أمر الله فنسي هدفه في الحياة :

 قال تعالى:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

[ سورة الحشر: 19]

 نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لماذا نسوا الله؟

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة الحشر: 19]

 لأنهم خرجوا عن أمر الله، خرجوا عن أمره فنسوا الله، فلما نسوا الله نسوا أنفسهم، أي نسوا المهمة التي خلقوا من أجلها، نسوا هدفهم في الحياة.

 

الفاسق لا يهديه الله عز وجل و يتوعده بالعذاب الأليم :

 ثم قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[ سورة الصف: 5]

 الفاسق لا يهديه الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يتوعد الفاسقين ويقول:

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 145]

 يوجد بلاد دمرها الله، وجعل فيها فتنة لا تنقضي، قال تعالى:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[ سورة النحل: 112]

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 145]

 المدن التي ضج فيها الفسق رأينا كيف دمرها الله عز وجل.

 

الآيات التالية تبين خطورة الفسق :

 قال تعالى:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 53]

﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة الزخرف: 54]

 أطاعوه على ضلال، لماذا أطاعوه على ضلال؟ إنهم كانوا قوماً فاسقين، ولأنهم كانوا قوماً فاسقين أطاعوا من استبد بهم، هذه الآيات التي ذكرها الله عز وجل تبين خطورة الفسق، فالأصل الاستقامة، والعبادات تُجدي مع الاستقامة، فإذا انعدمت الاستقامة فلا جدوى لهذه العبادات، ورأيتم قوله تعالى:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 هذا هو الفسق، الفسق يقابله الإسلام، الإسلام انقياد، والفسق خروج عن أمر الله، الإسلام مبني على قناعة فكرية، والفسق من ثمار الاعتقاد، وليس القناعة، الاعتقاد قد ينتهي بالفسق، أما القناعة الفكرية فقد تنتهي بالإسلام.

الإيمان و الكفر :

 الإيمان وجهة إلى الله، ماذا يقابل الإيمان؟ الكفر، الكفر ليس إنكاراً لوجود الله، هل يشك أحدا في أن إبليس كان كافراً؟ لا يشك أحد، ومع ذلك قال:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[ سورة ص: 82]

 اعترف بالله رباً، واعترف بعزته ليغوينهم أجمعين، قال تعالى:

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾

[ سورة التوبة: 54]

 والذي دعاني إلى هذا الدرس قوله تعالى:

﴿ لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

 لهم كنائس، ولهم رجال دين، ولهم صلوات، ولكنهم كفروا بالله، أي لم يلتفتوا إليه، بل التفتوا إلى الدنيا وشهواتها، وغاصوا فيها، وخاضوا في ملذاتها، ولم يعنهم ما إن كانت أعمالهم منطبقة على الشرع أم لا.

الإيمان وجهة إلى الله وطمأنينة وسعادة والكفر خوف و قلق و انحراف :

 إذاً الإيمان وجهة إلى الله، وطمأنينة، وسعادة، وسمو، يقابله الكفر، ومع الكفر خوف، قال تعالى:

﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾

[سورة الحشر: 2]

 ومع الكفر قلق، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾

[سورة طه: 124-125]

 مع الكفر قلق، ومع الكفر خوف، و مع الكفر انحراف، و مع الكفر شقاء، الناس رجلان بر تقي كريم على الله، و وفاجر شقي هينٌ على الله.

الفسق يودي بصاحبه إلى الكفر :

 ثم يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[سورة النور: 55]

 ما الذي أفضى به إلى الكفر؟ الفسق، أشياء في منتهى الدقة، إن الاعتقاد ينتهي بصاحبه إلى الفسق، والفسق ينتهي بصاحبه إلى الكفر، والقناعة الفكرية تنتهي بصاحبها إلى الإسلام، والإسلام ينتهي بصاحبه إلى الإيمان، ومع الإيمان خطر، الإيمان ذوق، والإسلام تطبيق، لكن الإيمان إذا تصاعد رسخ، وإذا استمر ينقلب إلى تقوى، والتقوى شيء آخر، كما أن الإسلام شيء والإيمان شيء، فالتقوى شيء ثالث.

 

5 ـ التقوى :

 هناك أكثر من مئتي آية تتحدث عن التقوى، ملخصها هاتان الآيتان، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾

[سورة الأنفال: 29]

 أخطر شيء في الحياة ألاّ تملك رؤية صحيحة، من أين تأتي المشكلات؟ من اتخاذ قرار خاطئ، كأن يغضب الرجلُ فيطلق فيشقى، أو يغضب فيقتل، أو يُغرى فيأخذ ما ليس له، عندها كان أعمى، قال تعالى:

﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾

[سورة الحج: 46]

 إن أخطر شيء في حياة الإنسان أن يكون أعمى القلب، إن كان أعمى القلب فيتقلّب من شقاء إلى شقاء، ومن ورطة إلى ورطة، ومن انحراف إلى آخر، ومن عمل سيئ إلى أسوأ، لأنه أعمى، لكن الإنسان إذا امتلك رؤية صحيحة عندئذ لا يسلك إلا الطريق الصحيح، وإن سلك الطريق الصحيح سعد في الدنيا وفي الآخرة.
 إن التقوى هي المرتبة التي فوق الإيمان، والتي يتمتع صاحبها برؤية صحيحة، يرى الخير خيراً فيتبعه، ويرى الباطل باطلاً فيجتنبه، يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾

[سورة الأنفال: 29]

 آية ثانية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

[سورة الحديد: 28]

 المؤمن يخاطب، أنت مؤمن، هناك مرتبة أعلى، أنت مؤمن، ولكن عليك أن تتقي الله .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

[سورة الحديد: 28]

المؤمن معه كفالتان؛ كفالة في الدنيا وكفالة في الآخرة :

 التقوى درجات، يقول الله عز وجل في آية أخرى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

[سورة آل عمران: 102]

 أي الوضع الأمثل للتقوى.
 الآية الثانية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾

[ سورة الحديد: 28 ]

 المؤمن معه كفالتان: كفالة في الدنيا، وكفالة في الآخرة، أن تتقي الله، أن تسلم، وتؤمن، وتتقي الله.

التقوى رؤية صحيحة فيرى العبد فيها الخير خيراً والشر شراً :

 يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[سورة البقرة: 38]

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[سورة فصلت: 30]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الحديد: 28]

 إنها قناعة فكرية تنتهي بالإسلام، والإسلام الصحيح ينتهي بالإيمان، والإيمان العميق ينتهي بالتقوى، والتقوى لا رجوع بعدها، التقوى رؤية صحيحة، يُقذف نور الله في القلب فيرى العبد الخير خيراً والشر شراً.

الهدف من الصيام أن يبلغ الإنسان مرتبة التقوى :

 سبب آخر دعاني لتوضيح هذه المصطلحات هو أننا على أبواب رمضان:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة: 183]

 ليس في كتاب الله آية أوضح من هذه الآية، الهدف من الصيام أن تبلغ مرتبة التقوى، أن ترى بنور الله، أن ترى الخير خيراً والشر شراً، الحق حقاً والباطل باطلاً، وإذا رأيت الحق حقاً تتبعه، وإن رأيت الباطل باطلاً تجتنبه، إن رأيت الحق حقاً آمنت به، و إن رأيت الباطل باطلاً كفرت به، هذا هو الهدف.
 شهر رمضان على الأبواب، والهدف الأكبر منه أن تبلغ التقوى، إن كنت مؤمناً، ونفسك في أخذ ورد، وصراع وعناد، وحالتك في مدافعة التدني، إذا انتهى رمضان وكنت من أهل التقوى فحالتك الرؤية الصحيحة ومتابعة الترقي، وشتان بين الحالتين.

 

6 ـ الإحسان :

 التقوى هي مرتبة بعد الإيمان، وقبل مرتبة أخيرة، وهي الإحسان، جاء سيدنا جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن الإحسان فقال:

(( فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ))

[مسلم عن عمر بن الخطاب]

 إذا بلغت مرتبة الشهود، وكان همك الأوحد الإحسان إلى خلق الله فهذه مرتبة الإحسان، أي الفائدة العملية من مرتبة التقوى، هناك مصطلحات لا بد من تحديدها، عرفنا الاعتقاد، وعرفنا الفسق، وعرفنا الكفر، الفسق معصية، وخروج عن أمر الله، أما الكفر فإعراض عن الله مع الإيمان به، ومع الإيمان بأنه رب، وبأنه إله، وبأنه عزيز.

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[سورة ص: 82]

7 ـ الشرك :

 شيء آخر هو الشرك، الشرك أن تشرك مع الله أحداً، إما أن تشرك نفسك مع الله:

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾

[سورة الفرقان: 43 ]

 وإما أن تشرك الآخرين، في الماضي صنماً، أو رجلاً، أو زوجةً، أو تجارةً، أو بيتاً، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[سورة التوبة: 24 ]

 الشرك أن ترجو غير الله، أو أن ترجو مع الله أحداً، هناك شرك في الطاعة، من أطاع مخلوقاً في معصية الله فهو المشرك، وهناك شرك في الوجهة، تتجه إلى الله، وتقبل على غير الله أحياناً، وهناك شرك في النية، تنوي بهذا العمل إرضاء زيد أو عبيد، هذا شرك في النية، وهناك شرك في الوجهة، وهناك شرك في الطاعة، وهناك شرك في المحبة، هذه أربعة أنواع للشرك.

 

آيات الشرك :

 أما المشرك فاستمعوا يا أخوة الإيمان إلى آيات الشرك، يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

[سورة النساء: 48 ]

 إذا شرب أحد الخمر يقول الناس عنه: يا لطيف، لقد شرب الخمر، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

[سورة النساء: 48 ]

 لأنه وضع الثقة في غير محلها، وضع أمله في إنسان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾

[سورة الكهف: 110 ]

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

[سورة الزمر: 13 ]

 إن كان النبي عليه الصلاة والسلام هكذا يقول عن نفسه فما بالك بإنسان دون النبي تضع فيه كل ثقتك؟

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

[سورة النساء: 48 ]

 إذا ظن الإنسان أن زوجته تسعده فقد أشركها مع الله عز وجل، ووضع في هذا الإنسان كل ثقته.

 

من اتجه إلى إنسان لا يملك شيئاً حبط عمله و خاب ظنه :

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾

[سورة النساء: 116 ]

 إذا كان أحد الأشخاص يمشي في طريق، ودخل في فرع من فروع الطريق، وسار في هذا الفرع خمسمئة كيلومتر، واكتشف بعد ذلك أنه في غير الطريق المرجو، هذا ضلال بعيد، وثمة ضلال مبين، يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾

[سورة النساء: 116 ]

 أي اتجه إلى إنسان لا يملك شيئاً، ووضع فيه كل ثقته، فخاب ظنه، وحبط عمله، ورآه لا شيء، لذلك الله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك:

﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾

[سورة المائدة: 72]

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾

[سورة الكهف: 26]

من يظن أن الأمر بيد فلان أو علان فقد ضلّ ضلالاً بعيداً :

 بيده الأمر، لا شريك مع الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده ملكوت السماوات والأرض، بيده زمام كل شيء، قال تعالى:

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾

[سورة الفتح: 10]

﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾

[سورة الأنفال: 17]

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[سورة هود: 123]

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾

[سورة الحج: 31]

 عندما يشرك الإنسان فكأنه هوى من السماء إلى الأرض.

﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[سورة لقمان: 13]

 دخلت إلى دائرة لتوقّع معاملة، وتوهمت أن الذي يجب أن يوقعها لك هو هذا المستخدم، ووقفتَ على بابه ساعات، ثم فوجئتَ أن هذا المستخدم ليس بيده شيء، لكن الأمر بيد فلان، حينما تظن أن الأمر بيد فلان فقد ضللت ضلالا بعيداً.

﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[سورة لقمان: 13]

من أطاع غير الله فقد أشرك :

 والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾

[سورة التوبة: 28]

 ليسوا نجسين، ولكنهم نَجَس، لأن النجِس يطهر، أما النجَس فهو النجاسة، فهو عين النجاسة.

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[سورة يوسف: 106]

 إنّ معظم من يدّعي الإيمان هم مشركون، إذا رجوت غير الله، وإذا أحببت غير الله، وإذا خفت من غير الله، وإذا أطعت غير الله، وإذا علقت أملاً على غير الله فقد أشركتَ.
 في الأثر: " ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه، ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً"، إنه شيء خطير جداً أن يكون الإنسان مشركاً، قد يصلي وهو مشرك، يصوم رمضان وهو مشرك، يحج البيت وهو مشرك، لقوله تعالى:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[سورة يوسف: 106]

 إن أشركت هواك مع الشرع فهذا شرك، الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على معصية، إذا أحببت رجلاً عاصياً لله فهذا نوع من أنواع الشرك.

(( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ: يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ))

[ابن ماجه عن شدادا بن أوسٍ]

 هذا هو الشرك، وعلاجه التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء: 213]

التوحيد علاج الشرك :

 إن أحد أسباب العذاب النفسي، والألم، والضيق، والقلق، والحقد، والبغضاء، الإشراكُ بالله عز وجل، فاجعل الهموم همًّاً واحداً يكفك الهموم كلها.

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[سورة هود: 55-56]

 فالشرك علاجه التوحيد.

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[سورة محمد: 19]

 اعلم وليس قُلْ.

(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قالوا: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))

[الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال]

 لا إله إلا الله، لا يسبقها عمل ولا تترك ذنباً، لا إله إلا الله حصن من دخله أمن من عذاب الله، لا إله إلا الله كلمة التوحيد.

(( أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ))

[مالك عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ ]

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[سورة الأنبياء: 25]

 فحوى دعوة الأنبياء جميعاً:

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[سورة الأنبياء: 25]

 ملخص القرآن الكريم:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾

[سورة الكهف: 110]

 أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، والشرك يقابله التوحيد.

 

8 ـ المعصية و الفجور :

 شيء آخر: كل خروج عن أمر الله يسمى معصية، وقد يكون العاصي مُصرًّاً عليها، وقد يكون مغلوباً على أمره، إن كان هذا العاصي متباهياً بمعصيته فهذا هو الفجور، الفجور أن تعصي الله جهراً.
 إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا.
 الفجور أن تعصي الله جهراً، والمعصية مخالفة لأمر الله، قد يكون صاحبها متألماً هذا يرجى له التوبة.
 رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً.

9 ـ الإلحاد :

 إذاً: هناك فجور ومعصية، أما الذي ينكر وجود الله فهذا لا يسمى كافراً، هذا يسمى ملحداً.
 والإلحاد على أنواع: إلحاد في الذات، وإلحاد في الأسماء، وإلحاد في الآيات، إذا أنكرت رحمته إذا قلت: هناك مجاعات في إفريقيا فأين رحمة الله؟ هذا إلحاد بأسمائه، وإلحاد برحمته، إذا قلت: قد يطيع العبد ربه طوال حياته، ثم يضعه في جهنم، وقد يعصيه طوال حياته، ثم يضعه في الجنة، لأنه لا يُسأل عما يفعل، وهم يسألون، هذا إلحاد في أسمائه، وإلحاد في عدالته، الإلحاد في الذات أن تنكر وجوده، والإلحاد في الأسماء أن تنكر أسماءه الحسنى.

﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾

[سورة الإسراء: 110]

 بقي شيء:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾

[سورة فصلت: 40]

 إذا أنكرت عظمة الشمس فهذا إلحاد في الآيات، وهو نوع ثالث من الإلحاد، هناك إلحاد في الذات، إذا أنكرت وجوده، وهناك إلحاد في الأسماء، إذا أنكرت رحمته، أو أنكرت عدالته، أو قلت: إن الله لن ينصر المؤمنين، الله عز وجل قد قوى الباطل، وسيبقيه إلى الأبد، هذا إنكار لأسمائه.
 الإلحاد إما أن يكون إنكاراً للذات، إنكاراً للوجود، وإما أن يكون إنكاراً للأسماء، وإما أن يكون إنكاراً للآيات.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾

[سورة فصلت: 40]

 هذا هو الإلحاد، وهذا هو الشرك، وهذه هي المعصية، وهذا هو الفجور.
 في رمضان: من أفطر في رمضان في الطريق هذا لا يسمى عاصياً أو فاسقاً، هذا يسمى فاجراً، لأنه جاهر بالمعصية.

 

10 ـ الذنب :

 بقي علينا الذنب، الذنب شيء علق بالنفس، شهوة من شهوات الدنيا علقت بها، أحبَ مالاً حراماً، أو أحبَ الزنى، أو يحبُ الغناء، هذه كلها ذنوب، معنى المغفرة أن يشفيك الله من هذه الذنوب، إذا أقبلت عليه غفر لك، أما المعنى الساذج عند عامة الناس أن الإنسان له ذنوب، والله عز وجل إذا شاء غفرها له، ما معنى غفرها له؟ أي محاها عن اسمه، هي أمراض.
 مثلا: هناك مريض معه قرحة في المعدة، والطبيب كتب: فلان معه قرحة في المعدة، هل شفاء هذا المرض يكون بمحو كلمة قرحة عند صفحة الطبيب؟ الآلام قائمة، إذا محوت كلمة قرحة في دفتر الطبيب تبقى القرحة قرحةً، أما إذا جاءها الدواء الناجع، وشفي منها فهذه هي المغفرة.
 المغفرة شفاء النفس من الذنوب، ومما علق بها، الذنوب تغفر بالإقبال على الله عز وجل، أما السيئات فتكفّر.
 إنّ إنساناً عمل سيئات، وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وأحب الله، لكن هذه الذاكرة فيها ذكرى السيئات، إن الذكرى وحدها تعذب صاحبها، لذلك هذا الذي له جاهلية، ثم آمن، وطهرت نفسه، وسمت، ونضجت، إذا مات يفنى جسده، لماذا يفنى جسده؟ كي يُكفر الله عنه سيئاته، لأن هذه السيئات عالقة في الذاكرة، كل منا إن كانت له قبل التوبة جاهلية يذكرها، فإذا خطرت هذه الجاهلية على خاطره تراه يذوب خجلاً.
 هذا عن الذنب، والذنب يغفر، والسيئة تُكَفر:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[سورة التحريم: 8]

11 ـ الدّين :

 بقي الحديث عن الدين، ما تعريف الدين؟ هو الشيء الذي تدين إليه، مثال مبسط: لو قلت لكم: لو قال معلم في صف من الصفوف: اثنان زائد اثنان يساوي خمسة، هل يسكت الطلاب؟ يضجون، وإن كانوا مهذبين يرفعون أصابعهم، ويقولون: أخطأت يا أستاذ، اثنان زائد اثنان يساوي أربعة، النفس لا تخضع إلا للحق، فالشيء الذي سمعته خضعت له هذا هو الدين.

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾

[سورة الأنعام: 153]

 الحق واحد، أيّ إنسان منصف إذا سمع الحق يخضع له، وإنما جاء الدين ليبين لك طريقة استعمال كل شيء.
 الدنيا فيها شهوات، فيها نساء، وفيها مال، وفيها متع رخيصة، فالدين يقول لك: تزوج ودع الزنى، اعمل في عمل شريف ودع أكل الربا، ودع الرشوة، ودع السرقة، فكأن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملاً، وتبركوا في قراءته، وعصوا فحواه:

(( مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ ))

[الترمذي عَنْ صُهَيْبٍ]

 إذًا الدين هو الشيء الذي تخضع له، فإن سمعت قصة تظهر أن الله عز وجل ليس عادلاً، نفسك لا تدين لهذه القصة، إذا سمعت أن النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى زينب بثياب متبذلة فأحبها، فقال: سبحان الله! هذا مستوى النبي عليه الصلاة والسلام؟ نفسك لا تخضع لذلك، لا تنقاد لذلك، إذًا لا تدين لذلك.

الدين هو الخضوع والنفس لا تخضع إلا للحق :

 الدين هو الخضوع، والنفس لا تخضع إلا للحق، فإذا سمعت الباطل نفرت منه وأبته، إما أن تأباه باللسان، وإما أن تأباه بالقلب، قد يأبى الإنسان هذه القصة بلسانه، وقد يسكت، وقد يجاملك، ويأباها بقلبه، ليس من بين الصحابة وهم أغنياء جداً- بعضهم غني كسيدنا عبد الرحمن بن عوف وسيدنا عثمان بن عفان وسيدنا سعد- ليس من بين هؤلاء الأصحاب المحبين الذين قدموا للنبي أرواحهم أحد يقرض النبي عليه الصلاة والسلام إلا يهودي يقرضه، ويماطل النبي في أداء المبلغ، ثم يلتقي به في الطريق، ويمسكه من ثيابه، ويهزه هزاً عنيفاً، هذه القصة ليست من الدين لأن النفس تأباها.

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾

[سورة المائدة: 67]

 فالدين شيء ثانٍ، الدين منطق، وعقل، وأشياء صحيحة يقبلها العقل والمنطق، و ترتاح لها النفس، ولكن في الدين أشياء ليست منه، دخيلة عليه، دسها بعض الزنادقة ، لذلك النفس تأباها، فإذا أبتها ظنت أن الدين كذلك، الدين ما تخضع له النفس، قال عليه الصلاة والسلام:

((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ))

[ ابن ماجه عن العرباض ]

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[سورة يوسف: 108]

 علامة أهل الحق أنهم يدعون إلى الله على بصيرة، إذًا أية قصة لا تؤكد عدالة الله عز وجل أو أسماءه الحسنى أو عصمة الأنبياء فليست من الدين في شيء، هذا هو الدين.

 

معرفة المصطلحات العلمية جزء من المعرفة العلمية :

 هذا العرض السريع لبعض المصطلحات القرآنية من إسلام، وإيمان، وتقوى، وإحسان، ومن اعتقاد، وكفر، وإلحاد، وفسق، وشرك،

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور