وضع داكن
29-03-2024
Logo
الندوة : 14 - تفسير قوله تعالى - لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ جمال:
 بسم الله الرحمن الرحيم، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على حبيب الله محمدٍ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
 مستمعينا الكرام، سلام الله تعالى عليكم جميعاً ورحمته وبركاته، أهلاً بحضراتكم مع بداية هذه الحلقة المتجددة من لقائنا الأسبوعي يوم الجمعة صباحاً "فيه هدىً للناس".
 نتحدث عن الإعجاز العلمي والحقيقي في هذا الكون العجيب المذهل في صنعه، وتحدثنا في الأسبوع السابق عن خلق الإنسان، تحدثنا عن الآية الكريمة:

 

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون ﴾

[سورة الذاريات الآية:21]

 نبقى في سياق هذه الآية، ويقول الله جلّ جلاله:

 

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

[سورة التين الآية:4]

 ما زلنا نبحث مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في خلق الإنسان، هذا الخلق العظيم، وربنا جلّ جلاله يدلنا من خلال الآيات الكريمة على عظمة هذا الإنسان، الخالق هو الله والمطلوب من الإنسان أن يعبد الله، لماذا؟ للوصول إلى سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة.
 دكتور نتابع الحديث:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون ﴾

 وربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

من آيات الله الكبرى الدالة على عظمته :

1 ـ الغشاء العاقل :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أستاذ جمال ـ جزاك الله خيراً ـ ينزل مع الجنين عند الولادة قرص لحمي، يسمى في بلدنا الخلاص، أما عند علماء الطب يسمى المشيمة، في هذا القرص اللحمي يجتمع دم الأم ودم وليدها، ولا يختلطان، لو اختلطا لماتت الأم والوليد في ثانية واحدة، بشيء اسمه انحلال الدم، الآن لو أعطينا الإنسان دماً من غير زمرته يموت فوراً، هذه المشيمة يجتمع فيها دم الجنين مع دم الأم، دم الجنين زمرة ودم الأم زمرة، ولا يختلطان، كيف لا يختلطان؟ قال: بين دم الأم ودم الجنين غشاء، سماه الأطباء الغشاء العاقل، لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها أطباء الأرض مجتمعين، ماذا يفعل؟ قال: هذا الغشاء العاقل يأخذ الأوكسجين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، ثم يأخذ السكر من دم الأم ويضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، صار في دم الجنين سكر، وأوكسجين، وأنسولين، يحترق السكر بالأوكسجين بوساطة الأنسولين، وتصبح الحرارة في الجنين سبعاً و ثلاثين درجة، من أين جاء الجنين بهذه الحرارة؟ من احتراق السكر بالأوكسجين بوساطة الأنسولين، هذه أول وظيفة.
 هذا الغشاء العاقل يأخذ كل مناعة الأم، جميع الأمراض التي أصيبت بها في حياته وشفيت منها، وكسبت مناعة، عوامل هذه المناعة يأخذها الغشاء العاقل من دم الأم يضعها في دم الجنين، إذاً الجنين مُحصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه.
 الغشاء العاقل يأخذ المواد الغذائية، يحتاج إلى مئات المواد، سكر، شحوم ثلاثية، بروتينات، فيتامينات، معادن، أشباه معادن، بالمئات، الغشاء العاقل أخذ هذه المواد بنسب تتبدل كل ساعة، بحسب نمو الحنين، هذا العمل ـ وأنا أعني ما أقول ـ لا يستطيعه أطباء الأرض مجتمعين، الغشاء العاقل يأخذ ما يحتاجه الجنين من جميع المواد، بروتينات، سكريات، شحوم، دهون، فيتامينات، معادن، أشباه معادن، يأخذها بمعايير دقيقة جداً تتناسب مع حاجة الجنين، وتتبدل كل ساعة، ولو سلمنا هذه الوظيفة لكل أطباء الأرض مجتمعين لمات الجنين بساعة واحدة، هذا الغشاء العاقل.
 الغشاء العاقل ماذا يفعل؟ عندما نقل السكر والأوكسجين والأنسولين إلى الجنين، احترق السكر بالأوكسجين بوساطة الأنسولين، الفضلات ثاني أوكسيد الكربون، الغشاء العاقل يأخذ ثاني أوكسيد الكربون من دم الجنين يضعه في دم الأم، فجزء من نفس الأم أو زفيرها زفير جنينها، والغشاء العاقل عندما نقل إلى الجنين المواد الدسمة، والسكرية، والشحوم، والشحوم الثلاثية، والمعادن، وأشباه المعادن، صار هناك حالة اسمها الاستقلاب ، الاستقلاب تحول الغذاء إلى دم، هذا التحول اسمه استقلاب، الاستقلاب من نتائجه حمض البول، الغشاء العاقل يأخذ حمض البول من دم الجنين يضعه في دم الأم، فجزء من بول الأم بول جنينها.
 أما الشيء الذي لا يصدق، أن هذا الجنين يحتاج إلى كالسيوم، و بوتاسيوم، والأم لا تأكل هذا الطعام الذي فيه هذه المواد، فكيف يستطيع هذا الجنين إعلام الأم بحاجته لهذه المواد؟ الشيء الذي لا يصدق أن شهوة الأم الحامل هي حاجة حنينها، الطعام الذي تشتهيه المرأة في أثناء الحمل هو حاجة جنينها، شيء لا يصدق، والله لو لم يكن بالإنسان هذا الغشاء العاقل في المشيمة التي ترمى في المهملات بعد الولادة لكفت، الغشاء العاقل آية كبرى دالة على عظمة الله سبحانه وتعالى.
الأستاذ جمال:
 دكتور، هناك مسألة هامة في خلق الإنسان، هي نعمة النطق، نعمة الكلام.

2 ـ النطق و الاستماع :

الدكتور راتب:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[سورة الرحمن]

 الحقيقة أنه البيان، ولولا البيان لما اهتدى الإنسان، البيان ينقل أفكار السابقين إلى اللاحقين، ينقل أفكار أمة إلى أمة أخرى، البيان تُعبّر به عن أفكارك ومشاعرك تعبيراً يعد أرقى تعبير، هو اللغة، مقاطع صوتية يُعبّر بها عن الفكر، فأنا حينما أنقل مشاعري وأفكاري بلساني، أنت تستمع إلى كلامي، النطق والاستماع أداة اتصال من أرقى أدوات الاتصال، أي اللغة أعلى وسيلة من وسائل الاتصال بين أفراد النوع، تنقل أفكارك ومشاعرك، وتأخذ أفكار الآخرين ومشاعرهم، لو دخلت الترجمة نقلنا أفكار أمة إلى أمة، أي الثقافة الآن تراكمية بالبشر سببها اللغة، لذلك جاء قوله تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

.
 أستاذ جمال، هل تصدق أن كل حرف ينطق به الإنسان يسهم في صنعه سبع عشرة عضلة، وأنت تتكلم بطلاقة وعفوية ولا تشعر ماذا يحدث، فالنطق من خصائص الإنسان

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

.
 لكن هناك ملمحاً دقيقاً جداً هو أن الله عز وجل بدأ بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان، هذا الشيء غير معقول! أيعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق؟ مستحيل! علماء التفسير قالوا: هذا الترتيب ترتيب رتبي لا ترتيب زمني، بمعنى أن وجود الإنساني لا معنى له من دون منهج يسير عليه.
 الآن أستاذ جمال، أنا أمشي في الطريق ورائي مركبة، أطلقت بوقها، دون أن أشعر أنحاز نحو اليسار، لِمَ لم أنحاز نحو اليمين؟ قال: هناك جهاز بالدماغ بالغ التعقيد، يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، أنا أمشي على يسار الطريق والمركبة أطلقت بوقها، دخل صوت البوق إلى أذني اليمنى قبل اليسرى، التفاضل بينهما واحد على ألف و ستمئة و عشرين جزءاً بالثانية، هذا الجهاز بالدماغ يحسب التفاضل، يكتشف هذا الجهاز جهة الصوت، فإذا أطلق بوق المركبة من على يميني أنا أتجه نحو اليسار.
 وكطرفة، كنت مرة بطريقي من حمص إلى الشام بمركبتي، أمامي كان هناك قطيع غنم، أطلقت بوق المركبة فانزاح القطيع كله إلى اليسار، هذا الجهاز عند الحيوانات أيضاً موجود، شيء دقيق جداً هذا الجهاز يكشف لك جهة الصوت.

 

3 ـ منعكس المص :

 أستاذ جمال، تعلمنا في الجامعة أن الطفل حينما يولد لا يملك أي قدرات، ولا مهارات، ولا أي شيء، إلا منعكس المص وهو منعكس بالغ التعقيد، منعكس المص لمجرد ولادة الطفل لو جاءت أصبع القابلة أمام شفتيه لمصها، والمص عملية معقدة، يحكم الشفتين حول حلمة الثدي، يحكم ويسحب الهواء، هل تستطيع جهة في الأرض أن تُعلّم هذا الجنين كيف يمص ثدي أمه؟ لولا هذا المنعكس ما كان هذا اللقاء، ولا كانت دمشق، ولا كان إنسان بالأرض، منعكس المص منعكس بالغ التعقيد، لمجرد أن تصل أصبع القابلة إلى شفة المولود يمصها، منعكس المص آلية معقدة جداً تولد مع الطفل، ولولا هذا المنعكس لما عاش إنسان على الأرض، لأنه لا يوجد قوة في الأرض يمكن أن تعلم الجنين كيف يمص ثدي أمه، هذا المنعكس يعد من آيات الله الدالة على عظمته.
 لكن الله عز وجل لحكمه بالغة، بالغة بكل مليون طفل يأتي طفل لا يوجد عنده منعكس المص فيموت، لا يوجد قوة تعلمه، هذا من آيات الله الدالة على عظمته.

4 ـ ثقب بوتال :

 هناك شيء آخر أستاذ جمال، أن الطفل في بطن أمه لا يوجد هواء ولا تنفس، ورئتاه معطلتان، جهاز التنفس بكامله معطل في الجنين، كيف ينتقل الدم؟ له دورة كبرى، من البطين الأيسر إلى الجسم كله ثم إلى الأذين، ومن الأذين إلى الرئتين، كيف تكون دورة الدم في بطن الأم؟ فتح الله ثقباً بين الأذنين، هذا الثقب اكتشفه عالم اسمه بوتال، اسمه ثقب بوتال، الشيء الذي لا يصدق أنه عند الولادة تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، ويكلف إغلاق هذا الثقب الآن قريب النصف مليون ليرة، لو بقي مفتوحاً لمات الطفل، يصبح معه مرض اسمه داء الزرق، كله أزرق، أي الدم بدل من أن يذهب إلى الرئتين ليتجدد، ينتقل من أذين إلى أذين عبر هذا الثقب، فيد من أغلقت هذا الثقب عند الولادة؟ لمجرد أن يقول الطفل: واع، أي الثقب أغلق، هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته.
الأستاذ جمال:

﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون]

 أيها الأعزاء، نتابع مع حضراتكم هذا اللقاء الأسبوعي مع صاحب الفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، مازلنا نتحدث عن حيثيات الآية الكريمة،

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

 دكتور، هناك غدة اسمها البروستات، تشغل الناس كثيراً، يتحدثون عنها، خاصةً كبار السن، ماذا عن هذه الغدة؟.

 

مهمة البروستات :

الدكتور راتب:
 أستاذ جمال، الكليتان أرقى جهاز تصفية في الإنسان، وقد لا أبالغ إذا قلت لك: إن كل كلية فيها طاقة تصفيه تساوي عشرة أضعاف حاجة الإنسان، الكليتان عشرون ضعفاً، أي الكليتان مجهزتان بإمكانيات تساوي عشرين ضعف حاجة الإنسان إلى تصفية الدم، الكليتان يطرح منهما بكل عشرين ثانية قطرة بول، كل كلية قطرة، الكليتان تطرحان قطرتي بول، فهذه قطرات البول تجتمع في المثانة، الآن الممر الذي يُخرج البول إلى خارج الجسم، هذا الممر ممر للبول، والممر هذا نفسه لماء الحياة ـ للحيوانات المنوية ـ فالبروستات مهمتها إذا كان الذي سيجري في هذا الأنبوب بول تفتح له الباب ليخرج، فإذا كان الذي سيجري هو ماء الحياة، البروستات تقذف مادة مطهرة، ثم مادة معطرة، ثم مادة مغذية، هذه صنع من؟ البروستات مهمتها إطلاق مادة مطهرة، الأنبوب فيه بول سابقاً، الأنبوب واحد للبول ولماء الحياة، فهذه البروستات تطلق مادة مطهرة، ثم مادة معطرة، ثم مادة مغذية، إذا كان سيجري فيها ماء الحياة، أما إذا جرى البول تطلق مادة تتفاعل مع حامض البول، مادة قلوية لئلا تخدش جدران هذه القناة، إذا كانت الممر سيجري به البول تطلق مادة قلوية تتوازن مع المادة الحمضية، وإذا كان سيجري فيه ماء الحياة تطلق مادة مطهرة، ومادة معطرة، ومادة مغذية، هذه البروستات، هذا صنع الله.

﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[سورة لقمان الآية:11]

كلما ارتقى إيمان الإنسان أُغلقت عنده بوابات الألم :


 أستاذ جمال، طريق الآلام، طريق الآلام في الجسم يبدأ من الخلايا العصبية الحسية، وينتقل عبر الأعصاب إلى النخاع الشوكي، ومن النخاع الشوكي إلى المخيخ في الدماغ، هناك مركز آلام بالدماغ، أحياناً الطبيب يقلع سن مريض من دون مخدر، أثناء قطع العصب يكاد يخرج المريض من جلده من شدة الألم، لحكمة بالغة، بالغة جعل الله على هذا الطريق ـ طريق الآلام ـ بوابات، هذه البوابات إذا أُغلقت كان ألم الإنسان العشر، فإذا لم تغلق كان الألم عشرة أضعاف، هذا الذي يفسر أن المرض الواحد هناك مريض لا يحتمل، ومريض يحتمل، اكتشف أن هناك بوابات على طريق الآلام، أما الشيء اللطيف جداً ما الذي يتحكم بهذه البوابات؟ قال: الحالة النفسية للإنسان، فكلما ارتقى إيمان الإنسان أُغلقت بوابات الألم.
 أنا أذكر قصة أستاذ جمال، إنسان مصاب بورم خبيث في أمعائه، لكن أظنه صالحاً ولا أتألى على الله، فكان إذا قرع الجرس يأتي الممرضون، غرفة مريحة، المريض منور لطيف، لا يصيح، يعاني آلاماً لا تحتمل لكنه لا يصيح، ويرحب بمن يأتي إليه، فخلال أسبوع أو أسبوعين هذه الغرفة أصبحت قبلة لكل من في المستشفى، يدخل الممرض، الطبيب، يرتاح نفسياً، هذا الإنسان كلما زاره مريض يقول له: اشهد أنني راضٍ عن الله، الحمد الله، بعد أيام توفي أراد الله سبحانه وتعالى أن يعطي أطباء هذه المستشفى والموظفون جميعاً درساً لا ينسى، جاء مريض آخر مصاب بالمرض نفسه، الآلام التي آلمت به، الصياح الذي خرج منه، السباب الذي تلفظ به، شيء لا يحتمل، من في المستشفى رأوا مريضين بالمرض نفسه، بالآلام نفسها، الأول تلقى هذه الآلام بصبر، بفضل بوابات الألم التي أودعها الله في طريق الآلام، ولأن هذه البوابات مغلقة، إذاً الألم يكون بالمئة عشرة، رضاؤه عن الله وصبره أغلق هذه البوابات، أما الثاني لم يكن راضياً عن الله، فلذلك جاءته آلام لا تحتمل، لذلك طريق الآلام فيه بوابات، المؤمن الذي يرضى بقضاء الله وقدره تغلق هذه البوابات.
الأستاذ جمال:
 لذلك دكتور، الحديث الشريف :

((عَجَبا لأمر المؤمن ))

الدماغ أخطر جهاز بالإنسان و هو من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب:

((إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له, وليس ذلك لغير المؤمن))

[أخرجه مسلم عن صهيب الرومي]

 في بوابات الألم، في الدماغ أخطر جهاز بالإنسان، هناك مئة وأربعون مليار خلية لم تعرف وظيفتها بعد، هناك خلايا قشرية، لكن هذا الدماغ أي عطب أصابه أصيب الإنسان بالشلل، أو بفقد البصر، أو بفقد التوازن، شيء خطير، فكيف حمى الله هذا الدماغ؟ قال: هذا الدماغ وضعه الله في علبة عظمية هي الجمجمة، ووضع بين الجمجمة وبين عظم الرأس سائل، كل المركبات الفضاء قلدت هذه الطريقة، فالمركبة الفضائية التي فيها رواد فضاء بينها وبين الغلاف الخارجي سائل، لو جاءت صدمة هذا السائل يمتص الصدمة ويوزعها على كامل السطح، فمثلاً لو أن الإنسان وقع على الأرض وارتطم رأسه بالبلاط، تسمع صوتاً عالياً، هذه الضربة امتصها السائل الذي بين الدماغ والجمجمة، ووزعها على كل الدماغ، كانت الضربة تساوي مثلاً خمسة كيلو أصبحت غراماً واحداً، هذا التوزيع، لذلك المركبات الفضائية قلدت الدماغ مع الجمجمة في الإنسان، هذه من آيات الله الدالة على عظمته.
الأستاذ جمال:
 إذا نتابع أيها الأعزاء مع حضراتكم الآية الكريمة:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

الأنف آية من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب:
 أستاذ، النقطة الدقيقة هنا أن التنفس ينبغي أن يكون من الأنف، لذلك أكثر النزلات الصدرية في الشتاء سببها التنفس من الفم، ماذا في الموضوع؟ الهواء في الشتاء حرارته صفر أحياناً، أو دون الصفر بخمس درجات أو عشر درجات، أو صفر، أو خمس درجات، والجسم حرارته تقدر بسبع و ثلاثين درجة، فالإنسان إذا تنفس من فمه يدخل فجأة هواء بارد إلى جسم الإنسان، ماذا يفعل الأنف؟ الأنف مجهز بأوعية شعرية فيها عضلات حلقية، هذه الحلقات تتسع وتضيق، في البرد الشديد الإنسان يحمر أنفه لماذا؟ لأن الأنف يوسع قطر الأوعية الدموية، فيأتي الدم غزيراً، حرارة الدم سبع و ثلاثون، فيدخل هواء من الأنف يمشي في طبقات متداخلة، الطبقة الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة، طبقات متداخلة، هذه الطبقات المتداخلة مغطاة بمادة لزجة، مادة مخاطية لزجة في الأنف، فالدم يمشي في طريق طويل جداً ذهاباً وإياباً بين هذه الطبقات، والدم حرارته سبع و ثلاثون والهواء حرارته صفر، خلال هذه الرحلة الطويلة عبر طبقات الأنف المتداخلة يصبح الهواء حرارته كحرارة الدم، الآن هذه السطوح المتداخلة في الأنف مغطاة بمادة لزجة فإذا كان هناك غبار مع الهواء تعلق على هذه السطوح، وإذا كان هناك شيء استطاع أن يمشي في الفراغات فقط فهناك أشعار تلقي القبض عليه، معنى ذلك التنفس من الأنف يجعل الهواء حرارته تقدر بسبع و ثلاثين، والمواد العالقة بالهواء ترتطم بالسطوح اللزجة فتعلق عليها، إذاً التنفس من الأنف مفيد جداً وقلّما يصاب الإنسان الذي يتنفس من أنفه بأمراض الشتاء، أما الذي يتنفس من فمه ألغينا كل الجهاز المعقد، السطوح الحارة المتداخلة الساخنة مع المادة اللزجة مع الأشعار.
الأستاذ جمال:
 إلى أين وصلنا دكتور في قوله تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

النطفة و البويضة من آيات الله أيضاً الدالة على عظمته :

الدكتور راتب:
 أستاذ، باللقاء الزوجي الإنسان يفرز خمسمئة مليون حوين، أو الأصح من ثلاثمئة مليون لخمسمئة مليون حوين، الحوينات هذه خلايا، الشيء الدقيق أن البويضة تحتاج إلى حوين واحد، هذه الحوينات النطف تتسابق إلى أن تصل إلى البويضة، البويضة لها جدار منيع، هذه الحوين برأسه يوجد مادة نبيلة، مغطاة بطبقة رقيقة، فإذا ارتطم الحوين بجدار البويضة تمزق غشاء هذه المادة النبيلة، هذه المادة النبيلة تذيب غشاء البويضة، يدخل هذا الحوين ويغلق الباب وانتهى الأمر، فمن ثلاثمئة لخمسمئة مليون حوين البويضة تحتاج إلى حوين واحد، فإذا دخل حوين أو نطفة لهذه البيضة تلقحت، الآن البويضة في المبيض، تنتقل من المبيض عبر قناة فالوب إلى الرحم، خلال هذه المسيرة تنقسم البيضة الملقحة إلى عشرة آلاف قسم في أثناء سيرها من البويضة إلى الرحم، تنقسم إلى عشرة آلاف قسم ولا يزداد حجمها، لو ازداد حجمها لعلقت في القناة، لكن السؤال الدقيق: ما الذي يحركها في هذه القناة؟ ليس لها أرجل، لكن بأرضية هذه القناة أشعاراً تتحرك هكذا من المبيض إلى الرحم، لولا هذه الأشعار لما كانت دمشق، ولا سوريا، ولا الشرق الأوسط، ولا العالم كله لولا هذه الأشعار التي تدفع البويضة من المبيض إلى الرحم، صنعة من؟ علمُ من؟ حكمة من؟ هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟.

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال بديـعُ
لـو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لمن يحـب يطيـعُ
* * *

الأستاذ جمال:
 دكتور، لطالما تتحدث دكتور محمد راتب النابلسي عن موضوع النطفة، وخلق الإنسان، والبويضة، وملايين مملينة من الحيوانات المنوية.
 لنتحدث قليلاً عن مسألة اسمها الجينات، المورثات، ماذا نضيف للأخ المستمع؟

 

المورثات :

الدكتور راتب:
 أخ جمال، القضية دقيقة جداً، هذه المورثات أو الجينات فيها توجيهات لخلق هذا الجنين، توجيهات تزيد عن خمسة آلاف مليون توجيه، رقم مذهل، خمسة آلاف مليون توجيه، أي الإنسان طويل، قصير، أسمر، شعره أجعد، شعره غير أجعد، عينه زرقاء، ملايين الصفات، هذه الجينات تصنع الإنسان وفق صفات معينة، لكن الذي يلفت النظر أن هذه الجينات تنقسم قسمين، قسم يصنع هذا الإنسان، وقسم يودع في جهازه التناسلي ليكون ابنه على شاكلته، لذلك ترى الصينيين بشكل واحد، والشرق الأوسطين بشكل واحد، والأوربيين بشكل واحد، لأن هذه الجينات تقسم قسمين؛ قسم يودع في أجهزة الجنين التناسلية، وقسم يشكل الجنين، هذا يشكل كل صفات الإنسان، لذلك حينما قال الله عز وجل :

﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ﴾

[سورة الرعد الآية:8]

 يقولون لك أنهم عرفوا الآن هل المولود ذكر أم أنثى، الحقيقة هذه الجينات معها خمسة آلاف مليون توجيه، أي أحياناً شامة على الخد، أحياناً بحة بالصوت، هناك تفاصيل في خلق الإنسان لا تعد ولا تحصى، لكن من الذي يعرف كل هذه التفاصيل؟ عرف الإنسان أن الجنين ذكر أم أنثى لأن الله عز وجل يقول:

﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ﴾

﴿ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ ﴾

 كل صفات الجينات مودعة في هذا الجنين.
 لكن عندما استنسخوا ما الذي حصل؟ هناك جينات المرأة بالبويضة وجينات الذكر بالحوين، هذه الجينات تلتحم، الجنين يأتي بأقوى الجينات، أي إذا الأب عنده ضعف في الكبد والأم ليست كذلك، الجنين يأتي لجينة الأم القوية، فهذا الجنين يأخذ صفات أقوى الزوجين، أما عندما استنسخوا من خلية واحدة، الخطأ تكرر وازداد، لذلك لم ينجح الاستنساخ، لأن الله قال:

 

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾

[سورة الإنسان الآية:2]

 فكون أن الجنين من نطفة ومن بويضة، والنطفة فيها جينات، والجنين يأتي من صفات أقوى الجينيين.
الأستاذ جمال:
 دكتور، ماذا عن السائل الأمينوسي لو سمحت؟

 

وظيفة السائل الأمينوسي :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أستاذ جمال، أن هذا الجنين بالرحم بينه وبين الرحم سائل، هناك غذاء أمينوسي يغذي الجنين، وبين الجنين وبين الرحم سائل اسمه السائل الأمينوسي، شيء لا يصدق أستاذ جمال، هذا السائل أولاً يغذي الجنين، أحد أكبر وظائفه تغذية الجنين من خلال هذا السائل، وهذا السائل معقم، أي مادة تؤذي الجنين هذا السائل يلغي وجودها، يعقمها، يسهل حركة الجنين، وهذا السائل هو الذي يسبق الجنين، يسميه العوام ماء الرأس، هذا السائل يسبق الجنين فيسهل خروجه، ولولا هذا السائل ما عاش إنسان على وجه الأرض، فعلم الجنين تَطور تطوراً مذهلاً، مع هذا التطور اُكتشف أن الذي يحدد جنس الجنين ليست البويضة بل الحوين، هذا علم متطور جداً علم الأجنة، انتهى به المطاف إلى أن الذي يحدد جنس الجنين ليست البويضة ولكنه الحوين، أما القرآن يقول:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[سورة النجم]

الآيات الكونية في خلق الإنسان تبين أن الله تعالى جعلها آيةً دالةً على عظمته :

 نهاية البحوث تأتي آية بكلمات، فلذلك إعجاز القرآن الكريم شهادة الله له أنه كلامه، بل إن إعجاز القرآن الكريم فيه لفتات علمية تزيد عن ألف و ثلاثمئة لفتة، هذا الإعجاز يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، إن هذه الآيات الكونية في خلق الإنسان تبين أن الله سبحانه وتعالى جعلها آيةً دالةً على عظمته، وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحدٌ، لذلك التفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة على الإطلاق، وتفكر ساعة خير من عبادة سنة.

التفكر بخلق السماوات والأرض والتفكر في خلق الإنسان أرقى عبادة على الإطلاق :

 وحينما قال الله عز وجل :

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾

[سورة القدر]

 أن تقدر الله، أن تعرفه، فلذلك قال تعالى:

 

﴿إ ِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[سورة الحاقة الآية:33]

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ﴾

[سورة الحاقة]

 الشاهد هنا:

﴿ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

 إبليس آمن بالله، لكنه ما آمن به عظيماً، آمن بالله فقال :

 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[سورة ص الآية:82]

 آمن به رباً، آمن به عزيزاً، آمن به خالقاً:

 

﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة الأعراف الآية:14]

 آمن باليوم الآخر، ومع ذلك والشاهد هنا

﴿إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

 أستاذ جمال، التفكر بخلق السماوات والأرض، والتفكر في خلق الإنسان أرقى عبادة على الإطلاق، إن هذه العبادة تضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، وإن هذه العبادة تدفعك إلى خشية الله وطاعته، لأنه إذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر، أما إذا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر تفننا في معصيته.

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ جمال:
 إذاً صدق الله العظيم عندما قال:

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[سورة فاطر الآية:28]

 وصدق ربنا جلّ في علاه الذي قال:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون ﴾

 وصدق الله جلّ جلاله عندما قال:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

 اللهم آتنا التفكر في آلائك، حتى نلقاك وأنت راض عنا.
 شكرنا الجزيل أيها الأخوة والأحبة، في ختام هذا اللقاء، لفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، دكتور دائماً معلوماتكم قيمة، الوفرة في التعبير في كل آية من آيات الله عز وجل، شكراً جزيلاً.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم أستاذ جمال ونفعنا بعلمكم.
الأستاذ جمال:
 أيها الأعزاء؛ لقاؤنا إن شاء الله في الأسبوع القادم.
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور