وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0922 - إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم3. موانع التغيير - التغيير الشخصي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
 اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

قانون التغيير الإلهي (3) :

 أيها الإخوة المؤمنون، لازلنا في موضوع متسلسل هو التغيير، وعنوان هذا الموضوع آية كريمة، يقول الله عز وجل :

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

( سورة الرعد : 11)

 وإن برامج التغيير التي طبقها العالم الإسلامي في نصف القرن الماضي كانت برامج تغيير من الخارج، إما أنها من خارج النفس، أو أنها من خارج العالم الإسلامي، لذلك لم تفلح، وكل برنامج تغيير نراه في الوحل الآن، وقد غفلنا عن هذه الآية العظيمة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

( سورة الرعد : 11)

 ينبغي أن يكون التغيير من الداخل.
 آية أخرى تتكامل مع هذه الآية، قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

( سورة الأنفال : 53)

 فإذا غيّرنا من الأصلح إلى الأسوأ، غيّر الله حالنا من النصر إلى خلافه، أما إذا كنا في وضع صعب جداً، فإن لم نغيّر فالله جل جلاله لا يغيّر.

موانع التغيير :

 للتغيير موانع، منها:

 

 

 

1) انتظار المعجزات :

 أيها الإخوة الكرام، هناك من يعتقد بالمعجزات.
 والمعجزات خاصة بالأنبياء والمرسلين، وحقيقتها أنه حينما يبعث الله إنساناً ليرشد الناسَ إلى طريق سلامتهم وسعادتهم، فالمتفلتون من منهج الله وفطِرهم، الذين يبنون أمجادهم على أنقاض الناس، وغناهم على فقرهم، وحياتهم على موتهم، يرفضون هذه الدعوة، قال تعالى:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾

( سورة الرعد : 43)


 فكيف يستطيع هذا الإنسان الذي أرسله الله عز وجل لهداية الخلق أن يؤكد لهم أنه رسول من الله حقاً، لابد أن يدعم قوله بالمعجزة، فالمعجزات خاصة بالأنبياء والمرسلين.
 أما ما سوى الأنبياء والمرسلين فعندهم كرامات، ونحن لسنا مستعدين أن نصدق كرامة إلا إذا ورد بها نص صحيح صريح في الكتاب والسنة، إذاً: ملف الكرامات ينبغي أن يطوى.
 شيء دقيق جداً، هو أن الولي يستحي بكرامته أن يذيعها بين الناس، لأن الله لم يأمره أن يذيعها، ينبغي أن يكتمها لئلا يوقع الناس في اضطراب.
 وقد قيل: أعظم كرامةٍ كرامةُ العلم، هذه أعظم كرامة ينبغي أن تبحث عنها، قال الله عز وجل:

 

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

( سورة النساء : 113)

 وقال أيضاً:

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

( سورة النساء : 77)

 لو ملكت ثروات الأرض، هي عند الله شيء قليل، لأنها تنتهي بالموت، والدنيا أحقر من أن تكون مكافأةً أو عقاباً لإنسان، إن الله يعطي المال لمن يحب، ولمن لا يحب، ويعطي القوة لمن يحب، ولمن لا يحب، أما الذي يحبه فيعطيه العلم، قال تعالى:

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾

( سورة يوسف : 22)

 أيها الإخوة الكرام، إذاً ينبغي أن نطوي ملف المعجزات والكرامات.
 هذا الذي ينتظر معجزة من السماء، كأنْ تأتي صاعقة على أعدائنا، وتنهي قوتهم، وتنهي جبروتهم، وتنهي طغيانهم، هذا إنسان يحلُم، ومكانه في المصحّات، لابد من تغيّر حقيقي لئلا نقع في مرض اسمه إدمان سماع المحاضرات، إدمان سماع الخطب، إدمان سماع الدروس، وإدمان مدح المحاضرات والخطب والدروس، هذا مرض، إدمان السماع، وإدمان المديح.
 ماذا فعلت؟ ما الموقف الذي وقفته؟ ما الشيء الذي أعطيته؟ ما الشيء الذي منعته؟ لماذا غضبت؟ لماذا سررت؟ هذا هو المهم.

2) التقاعس والكسل :

 أيها الإخوة الكرام، عند بعض الشعوب يعرِّفون المجنون بأنه:
 الشخص الذي يستمر في فعل الشيء، ويتوقع نتائج مخالفة.
 إذا كنت تكرر ما تفعل في الماضي، فلا تنتظر نتائج جديدة، النتائج هي من صنع فعلك.
 هذا الذي ينتظر الفرج من السماء، وأن يتولى الله بذاته إنهاء الطرف الآخر، هذا إنسان حالِم.
 أيها الإخوة الكرام، إذا كان الإنسان يفعل دائماً ما يفعله سابقاً فلا يحصل إلا على النتائج التي كان يحصل عليها، وإذا أراد نتائج جديدة، وإذا أراد معاملة من الله جديدة، إذا أراد من الله نصراً، إذا أراد من الله تأييداً، إذا أراد من الله حفظاً، إذا أراد من الله دعماً، فينبغي أن يغيِّر حتى يغير الله معاملته له.
 أيها الإخوة الكرام، من جدّ وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، وكل إنسان لا يعمل، ولا ينفذ ما يطمح إليه، وليس عنده عزيمة، ولا إصرار لن يحصل إلا على الوهم والخيال والهراء.

3) الاعتقاد بالحظوظ :

 أيها الإخوة الكرام، هناك من يظن أن الدنيا حظوظ، وهذا وهم كبير، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (*)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (*)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

( سورة الليل : 5-7 )

 صدّق أنه مخلوق للجنة، اتقى أن يعصيَ الله، بنى حياته على العطاء، هذا وحده سنيسره لليسرى.
 إن أردت أن تسميه حظاً فهذا هو الحظ، أن تعرف سرَّ وجودك، وغاية وجودك، وأن تتقي أن تعصي الله، وأن تحسن إلى خلقه، فيأتي فعل الله موافقاً للهدف الذي خلقت من أجله، هذه الآية فيها قانون التيسير وقانون التعسير، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (*)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (*)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

( سورة الليل: 8-10)

 قل ما شئت، ولكن لا تتعلق بأوهام.

 

 أيها الإخوة الكرام، المشكلة أن الوهم الذي نعتقده هو الذي يحرك أفعالنا، هناك أوهام، ألم يقل عليه الصلاة والسلام في الأثر: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه؟
 ما من فعل، أيها الإخوة، إلا وراءه تصور، وراءه رؤية، وراءه إدراك، وراءه عقل، والنبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا بدعائه أن نرى الحق حقاً، لا أن نرى الحق باطلاً، ولا أن نرى الباطل حقاً، أن نرى الحق حقاً، ثم نطلب من الله عز وجل أن يعيننا على أن نملك عزيمة على تحقيقه، وأن نرى الباطل باطلاً، وأن يعيننا على أن نملك عزيمة على تركه، هذا هو الصواب.

4) الجهل :

 أيها الإخوة الكرام، ما منا أحدٍ على وجه الأرض كائناً من كان من ستة آلاف مليون، ما منا واحد إلا ويتمنى سلامته، وسعادته، وطول بقائه في الأرض.
 نحن مجبولون على حب وجودنا، وعلى حب سلامة وجودنا، وعلى حب كمال وجودنا، وعلى حب استمرار وجودنا.
 أين الخلل إذاً؟ لماذا يشقى الإنسان؟
 لأنه لا يعلم.
 الجهل أعدى أعداء الإنسان، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
 والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
 ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
 طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا، فيربحهما معاً، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة، فيخسرهما معاً.
 أيها الإخوة الكرام، هذا الدين العظيم فضلاً على أنه أمَرنا بعبادات شعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة، أمرنا أيضاً أن نتعرف إلى الله من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، وكلما ازدادت معرفتك بالله ازدادت خشيتك له.
 الأزمة الأولى والأخيرة أزمة العلم، لأنك مفطور على حب وجودك، وعلى حب سلامة وجودك، وعلى حب كمال وجودك، وعلى حب استمرار وجودك، ينبغي أن تعلم الحقيقة، وهي مبذولة لكل الناس، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾

( سورة العنكبوت : 69)

5) الانشغال بالشهوات

 أيها الإخوة الكرام، لا تكن رقماً من هؤلاء الجموع المغلوبة، المغلوبة بشهواتها، هؤلاء لا يقيم الله وزناً يوم القيامة، قال تعالى:

 

﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

( سورة الكهف : 105)

 هؤلاء صغار عند الله، هؤلاء تافهون، الجموع المغلوبة على شهواتها، لا تكن منهم، فكِّر، تنبَّه، قال تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

( الفرقان : 63)

 معنى هوناً: أي: لا يسمحون لمشكلات الدنيا أن تصرفهم عن أهدافهم الحقيقية، لا يسمحون لهموم الحياة أن تلغي هدفهم الأول، وهو معرفة الله عز وجل، وأداء الأمانة، ونيل رضوان الله في الجنة.
 أيها الإخوة الكرام، لا بد من أن تغيِّر، قال تعالى:

﴿ والذين آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

(الأنفال : 72)

العلم بداية التغيير وأداته السؤال :

 أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية: نحن نملك تصورات خاطئة عن آلاف القضايا والموضوعات، هذه التصورات الخاطئة هي التي تحكم سلوكنا، والتصور الخاطئ يؤدي إلى سلوك خاطئ، والسلوك الخاطئ يؤدي إلى دمار في الدنيا والآخرة.
 فما لم نَصْحُ من غفلتنا، ما لم نراجع حساباتنا، ما لم نفكّر مَن نحن؟ وأين كنا؟ وماذا بعد الموت؟ وماذا ينبغي أن نكون عليه في الدنيا؟ فنحن لا نحقق أهدافنا في السعادة والسلامة التي أرادها الله لنا في الدنيا والآخرة.
 أيها الإخوة الكرام، ابدأ من المعرفة، ابدأ من طلب العلم، ابدأ من العلم بالكليات، ابدأ بسرّ وجود الإنسان في الدنيا، ابدأ بالغاية التي خُلقتَ من أجلها، ابدأ بحقيقة الكون، ابدأ بحقيقة الحياة، ابدأ بحقيقة الإنسان، هذه أصول العقيدة.
حينما تتضح عندك الأصول، فمن السهل جداً أن تتحرك حركةً صحيحةً في فروع الدين، لذلك أيها الإخوة الكرام، مفتاح العلم السؤال، قال تعالى:

 

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾

(سورة الأنبياء : 7)

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾

(سورة الفرقان : 59)

 إن أردت شيئاً متعلقاً بذات الله فاسأل الذين يعرفون الله، إن أردت شيئاً من معرفة منهجه وأمره فاسأل أهل الذكر، ينبغي أن تسأل، علامة إنسانيتك أنك تسأل.
 أما هذا الذي يعيش لشهواته، ولا يعبأ بعقيدته، ولا بتصوراته، ولا بمستقبله، يعيش لحظته، يعيش شهوته، هذا ليس من بني البشر، اسأل: من أنا؟ لما نحن نعاني ما نعاني؟ لماذا يفعل الله بنا هكذا؟
 ذكرت لكم في الخطبة السابقة أن هذه المصائب والمحن التي تلمّ بالمسلمين إنما هي رسالة من الله، وما لم نفهم هذه الرسالة فمصيبتنا في أنفسنا، إنها رسالة من الله، قال تعالى:

 

﴿ ولو أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾

(سورة طه : 134)

 لابد من أن تتساءل فيما بينك وبين نفسك، من حين إلى آخر، ماذا ينبغي أن نفعل؟ لماذا أعاني ما أعاني؟ ما حكم الشرع فيما أفعل؟ لماذا يقف الله مني هذا الموقف؟ لماذا لا ينصرني؟ لماذا لا يحفظني؟ لماذا يدعني لأقوياء البشر؟
 هذه أسئلة كبيرة جداً ينبغي أن نجيب عنها أيها الإخوة الكرام، فإذا كان دينك ثميناً عندك فاسأل، أما هذا الذي يستنكف أن يسأل، يرى أنه أكبر مِن أن يسأل، هو أكبر من أن يتصل بإنسان يسأله ما العمل؟ كيف أصلح ذاتي؟ كيف أرقى بذاتي؟ كيف أحسن صلاتي؟ كيف يرضى الله عني؟ كيف أنفع أمتي؟ كيف أبني هذه الأمة؟ هذا الذي يعيش لشهواته ولذّاته بعيداً عن هموم المسلمين هذا ليس من المسلمين:

(( من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ))

[ من حديث أخرجه الطبراني، فيه رجل مختلف فيه ]

 أما هذه التصورات الخاطئة: فلان تفوق، ونجح، معه الحظ، ما معنى كلمة حظ، يعني أن الحظ ليس له قاعدة، الحظ له قاعدة، هي قانون التيسير والتعسير، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (*)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (*)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

(سورة الليل: 8-10)

 اسأل، واستشر، استشر عقلاء المؤمنين، واستخر رب العالمين، وحاول أن تغير.

قواعد التغيير :

 أيها الإخوة الكرام، التغيير له قواعد:

 

 

 

1) تنمية الإدراك :

 لا تقبل بتصورات خاطئة، لا تقبل بعقل باطن مبرمج برمجة مشوهة، لا تقبل بتصورات لا أصل لها من الصحة، لا تقبل بمثلٍ يقوله عامة الناس، لا تقبل بمقولة ليس لها أصل في الدين.
 تحكمنا تصورات، ومقولات لا تعد ولا تحصى، بُرمِجْنا عليها، لذلك ردود فعلنا تبنى على هذه التصورات الخاطئة، فلابد من تصحيح التصورات، لابد من تصحيح المفهومات، لابد من تصحيح العقيدة.
 لابد من أن تشمر، لابد من أن تقف، لابد من أن تبحث عن طريق الخلاص إذا كنت من بني البشر، أما إذا كان الإنسان يعيش عيشة البهائم، يأكل، ويشرب، ويستمتع، إلى أن يفاجأ بالمنية، فهذا إنسان له شأن آخر، ليس داخلاً في موضوع هذه الخطبة إطلاقاً.
 لابد من تنمية الإدراك، لابد من معرفة منهج السماء، لابد من معرفة قوانين النفس، لابد من معرفة وسائل التغيير، أنا لا أحدد في هذه الخطبة التفاصيل، أنا أحثكم على البحث عن الحقيقة، على البحث عن طرق التغيير، على البحث عن وسائل التغيير، أنا أحثك في هذه الخطبة على أن تكون إنساناً آخر، ينبغي أن يقول الناس جميعاً: ما هذا التطور الذي أصابه؟ إنه من فعل جهدك، من فعل إصرارك، من فعل يقينك، لأن الإنسان يملك قابلية للتغير ولولا أن الإنسان يملك قابلية للتغيير لما بعث الله الأنبياء، ولا أنزل الكتب، لأنه بعث الأنبياء والمرسلين، ولأنه أنزل الكتب، فالإنسان يملك أعلى قابلية للتغيير.

2)التحرر من البيئة الفاسدة :

 أيها الإخوة الكرام، من قواعد التغيير: أن نتحرر من القيود الاجتماعية التي بنيت وفق منهج غير منهج الله عز وجل.
 وقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي أن كل إنسان محبط يحاول أن يحبط الناجح، يحاول أن يحبط من أراد التغيير، المحبط لا تعبأ بكلامه، إذا لم تستحِ فاصنع ما تشاء، إذا كانت هذه البيئة الاجتماعية تثبطك فدعها، ولو كان لك فيها الصديق الحميم، إذا كانت هذه البيئة الاجتماعية تدعوك إلى المعصية فاركلها بقدمك، إذا كانت هذه البيئة الاجتماعية تبعد همتك عن طاعة الله فلا تعبأ بها، لابد من أن تتحرك.
 أيها الإخوة الكرام، مثل بسيط، إنسان يعيش في بيئة مدخنة، هؤلاء يحمّسونه على متابعة التدخين، هؤلاء يزينون له التدخين، هؤلاء يقولون: هذا الذي يقال عن مضار التدخين ليس صحيحاً، هذا من تخرصات بعض الأشخاص، أما إذا عشت مع فئة لا تدخن، وترى رشاقتهم وصحتهم وقوتهم وتفاؤلهم وتوازنهم، هؤلاء يرغبونك في ترك التدخين، لابد من تغيير البيئة، لابد من تغيير الوسط المزعج، الوسط الفاسق، الفاسد، المنحرف.
 أيها الإخوة الكرام: لماذا قال الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

(سورة الأحزاب: 41)

 سماها بعض علماء التغيير: الكثافة الحسية، لابد من كثافة، اقرأ القرآن الكريم، اتصل بالله عز وجل، اذكر الله عز وجل، اعمل عملاً صالحاً، كن في المساجد، كن مع أهل العلم، قم بأعمال صالحة، إذا أحطت نفسك ببيئة مكثفة تدعوك إلى الله تجد نفسك مساقًا إلى الله، أما إذا أحطت نفسك ببيئة فاسدة متفلتة محبطة تحبطك، وتبعدك عن الحق، فينبغي أن تنتبه لهذا.
 والله أعرف رجلاً مدمن خمر، ذهب إلى بيت الله الحرام، وتاب توبة، وعاد إلى أصدقائه القدامى، وفي بعض السهرات ألحوا عليه أن يشرب، فقال: معاذ الله، أنا تائب، فقال أحدهم: هذه خمسون ألف ليرة ثمن حجة أخرى، اشرب، فشرب، وانتهى الأمر، نقضت حجته.
 أيها الإخوة الكرام، أخطر شيء بعد تغيير قناعاتك البيئة، مع من تعيش؟ من تصاحب؟ مع من تسهر؟ مع من تلتقي؟ مع من تسافر؟ مع من تجلس؟ تسمع كلام من؟ هل تسمع كلام الحق؟ ماذا يوجد في مركبتك من أشرطة؟ قل لي: ماذا تسمع أقل لك من أنت، لابد من تغيير البيئة، لابد من حمية اجتماعية، الإنسان لا يستطيع أن يطيع الله إذا كان في بيئة متفلتة، والدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

(سورة التوبة: 119)

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

(سورة الكهف : 28)

 لابد من تصحيح التصورات، لابد من تصحيح المفاهيم، لابد من تصحيح المعتقدات، لابد من تصحيح التفاصيل، عش في بيئة تتمنى أن تكون منها، لذلك جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[ حديث أَخرجه أبو داود والترمذي بإسناد حسن ]

 لا تصاحب إلا مؤمناً: لأنه يزيدك هدىً، يزيدك قوةً بعلاقتك مع الله، يزيدك طاعةً لله.

3)تخيل الأهداف العظيمة :

 أيها الإخوة الكرام، تخيل أنك مؤمن كبير، تخيل أنك حافظ لكتاب الله، تخيل أنك داعية موفق، تخيل أنك من أهل الجنة، الخيال أيضاً يعين على التغيير.
 لا تتخيل نفسك وأنت في معصية، لا تتخيل نفسك وأنت تقارف مخالفة لله عز وجل، الخيال، كما قال علماء النفس: له دور كبير في إحداث التغيير.
 تخيل نفسك وليّاً لله عز وجل، تخيل نفسك مطيعاً له، تخيل نفسك مؤمنًا من كبار المؤمنين، تخيل نفسك أن لك عند الله مقاماً كريماً، تخيل أشياء إيجابية حتى يسهم هذا التغيير، وتلك الكثافة الحسية، وذاك التكرار، وهذا التصحيح على أن تنتقل نقلة نوعية.

4)محاسبة النفس ومتابعتها :

 أيها الإخوة الكرام، من قواعد التغيير أن تتابع نفسك، الإنسان أحياناً يتخذ قراراً، ثم يبلّغه لمن تحته، ولا يتابع، فلا يحقق شيئاً، ينبغي أن تتخذ قراراً، وأن تتابع نفسك، هل قصرت؟ هل تفوقت؟ قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾

(سورة هود : 114)

 عاقبها تارةً، وكافئها تارةً، وافرض عليها تارةً عقوبةً إضافية، افعل ما فاتك فعله مما عاهدت الله عليه، لابد من أن تتعاهد قلبك، هكذا الإمام الجليل سيدنا عمر قال: تعاهد قلبك.
 هذا المأخوذ في زحمة الحياة، هذا الذي لا يجد وقتاً ليفكر، لا يجد وقتاً ليتأمل، هذا ميت وهو حي.
 يا بني: العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.
 يا بني: مات خزان المال، وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.
 لابد من أن تغير.

لا بدَّ من التغيير نحو الأفضل :

 أيها الإخوة الكرام، مرةً ثانية، أنا أتألم أشد الألم ممن أدمن سماع الخطب، وأدمن مديحها، ولا يفعل شيئاً، إن لم نفعل شيئاً فلا ننتظر شيئاً جديداً، قال تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

(سورة الأنفال : 72)

 هذه خطبة في التغيير، وهي الثالثة، ينبغي أن نغيّر حتى يغيّر الله ما بنا، لأن الله عز وجل له نواميس، وله قوانين، ومن السخف والسذاجة والغباء والحمق أن نتوقع أن يغيّر الله، ونحن لا نغيّر، ينبغي أن نغيّر حتى يغيّر الله، والأمل كبير جداً، والكرة في ملعبنا، والقضية بيدنا، لأن أعداءنا بيد الله، لأن الأقوياء بيد الله.

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

(سورة الزمر: 62)

﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾

(سورة الأعراف : 54)

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

(سورة الزخرف : 84)

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

(سورة الكهف: 26 )

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾

(سورة فاطر: 2)

 علاقتنا مع الله:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (*)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

(سورة هود: 55-56)

 هذا كلام الله أيها الإخوة، وزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين، أنت مع وحي السماء، أنت مع خطاب السماء إلى الأرض، أنت مع خالق الأكوان، هذا كلامه بين يديك.

مشكلتنا في المفاهيم المقلوبة :

 أيها الإخوة الكرام، ليس هناك شيء مستحيل، المستحيل ليس الذي لا نستطيعه، ولكن المستحيل هو الذي لا نريد أن نفعله، هذه حقيقة، إنسان بلا هدف، إنسان بلا إنسانيته، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

(سورة الملك: 22)

 أقسم لي أخ كريم، أنه درس في جامعات الغرب تخصص إدارة الأعمال، وقال لي: والله هذه الآية تلخص كل ما درست، أن يكون لك هدف، وأن تختار الوسائل المشروعة، وأن تتحرك، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

(سورة الملك: 22)

 أخ آخر أقسم لي قائلاً: إن علوماً راقية جداً الآن تدرس من أجل التغيير، يقع في مقدمتها أن التصورات غير الصحيحة وراء كل أخطائنا، اقرأ الدعاء الوارد في الأثر:

 اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 لماذا قال هذا؟ لأن هناك من يرى الحق باطلاً، ومن يرى دفع الزكاة مغرماً، لأن هناك من يرى أكل المال الحرام ذكاءً وشطارةً، هناك من يرى أن النفاق حنكةً ولباقةً، هناك من ترى أن التفلت من منهج الله رقياً وحضارةً.
 مشكلتنا الكبيرة أن المفاهيم انقلبت، والمقاييس انعكست، والموازين اختلت، الإنسان الذي حصل مالاً وفيراً من طريق غير مشروع يسمى شاطراً، والإنسان الذي يرضي جميع الناس، وليس له قرار، ولا مبدأ، ولا عقيدة يسمى لبقاً، هو منافق، والإنسان الذي يتفلت من منهج الله يعد من المجتمع المخملي الراقي، لابد من إعادة النظر في كل هذه الموازين.

ذكر النهاية حافز للتغيير :

 أيها الإخوة الكرام، لابد من تصورات صحيحة، لأنها وراء كل سلوكنا غير الصحيح، قلت لكم مرة أيها الإخوة: إن بداية النجاح تبدأ من تصور النهاية، لماذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))

 

[ من حديث حسن، أخرجه الترمذي ]

 يَعْنِي الْمَوْتَ.

 

 مهما حصلت من مال وفير فأنت على حفرة في مقبرة، وهذا هو المصير، ونقرأ كل يوم نعياً، وسيشيع إلى مثواه الأخير، مهما اعتنيت بدنياك فالموت يأخذك إلى المثوى الأخير.
 أيها الإخوة الكرام، حينما تبدأ من النهاية، حينما تبدأ من مغادرة الدنيا، ماذا ينفعك المال الحرام إذاً؟ ماذا ينفعك أن تنغمس في الملذات غير المشروعة؟ ماذا يمنعك أن تعتدي على الآخرين؟ ماذا ينفعك اعتداؤك على الآخرين؟
 أيها الإخوة الكرام، مرة أنا في طريقي إلى مكان في ظاهر دمشق، مررت على مقهى أمامه مئة سيارة تقريباً، قلت: ماذا يوجد في الداخل؟ قالوا: مغنٍّ وراقصة، وخمر وطعام، هؤلاء لماذا دخلوا إلى هذا المكان؟ دقق، دخلوا  لأنهم يتصورون أن هذا المكان يسعدهم، يتمتعون بأشياء كثيرة، لو أن هذا الإنسان علِم علْمَ اليقين أنه إذا تعرف إلى الله، وأنه إذا أطاعه، وأنه إذا تقرب منه غمر في سعادة لا يعلمها إلا الله، لسعى إلى الله، هو يبحث عن لذة، لو علم ما في الدين من سعادة لترك هذه المعاصي، واتجه إلى طاعة الله عز وجل، هذا هو الخطأ في التصور، لذلك أهل النار وهم في النار يقولون:

﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

(سورة الملك : 10)

 القضية قضية علم، والأزمة أزمة علم، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.

المرونة من ضروريات التغيير :

 أيها الإخوة الكرام، لابد من أن تكون مرناً، هذا الذي يتشنج، هذا الذي يتزمت، هذا الذي يجمد على تصور، لا يغيّر، ولا يبدل، هذا يقسو.
 بعضهم ضرب هذا المثل، هذه السفينة العملاقة تحمل مليون طن، ما الذي يوجهها؟ دفتها، لماذا تتحكم دفتها بها؟ لأنها مرنة.
 أنت حينما تنشأ على تصورات غير صحيحة، ولا تغير، ولا تبدل، وتصر عليها، وتبتعد عن كل تصور جديد، ولا تقبل أن يعلمك أحد، فأنت جمدت، والجمود قسوة، أما هذه الدفة الصغيرة التي تدير سفينة تحمل مليون طن فقوتها في مرونتها، لذلك لا ينبغي أن يصاب الإنسان بما يسمى التكلس العقلي، معظم الناس لا يغيرون: هكذا ربينا، هكذا نشأنا، هذا هو الصحيح، ليس مستعداً أن يفكر.

 

التغيير هو السمع والطاعة :

 أيها الإخوة الكرام، هل هناك إنسان في الأرض تأتيه رسالة يمزقها قبل أن يقرأها، يكون أحمقَ، يكون مجنوناً، هذا الكتاب كتاب الله، بعثه الله لعباده، أنزله على نبيه، ألا ينبغي أن تقرأ ما فيه بهدوء؟ ألا ينبغي أن تحضر مجالس العلم؟ ألا ينبغي أن تفهم تفسيره؟ ألا ينبغي أن تفهم مراد الله من هذا الكلام؟ هذا النبي الكريم المعصوم، هذا النبي الكريم الذي هو رحمة للناس، ألا ينبغي أن تصغي إلى كلامه، وإلى توجيهه؟ قال تعالى:

 

 

﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ﴾

(سورة مريم : 38)

 أسمع بهم صيغة تعجب، تقول: فلان ما أحسنه، أو أحسنْ به، ما أحسنه أو أحسن به من صيغ التعجب، فالله عز وجل يقول:

﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ﴾

(سورة مريم : 38)

 يعني ما أشد سمعهم يوم القيامة، وما أشد بصرهم، ولكن بعد فوات الأوان، قال تعالى:

﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (*)فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾

(سورة يونس : 91 – 92)

 نحن شئنا أم أبينا سنكون من السمع بمكان، ومن البصر بمكان، ولكن بعد فوات الأوان، فالبطولة أن نسمع ونحن أحياء، أن نسمع ونحن على قيد الحياة، أن نسمع والقلب ينبض، أن نسمع والقلب يتحرك.

التغيير تطهير للعقل الباطن :

 أيها الإخوة الكرام، لابد من أن نبحث عن العقل الباطن، هذا الذي يحركنا، قال علماء النفس: خمسة وتسعون بالمئة من تصرفاتنا يحكمها العقل الباطن، والعقل الباطن مرتع لآلاف التصورات الخاطئة، آلاف العقد، آلاف الأخطاء، فما لم نُجْرِ تغييراً شاملاً، ما لم نُجْرِ، كما يقال، انتفاضة تغيِّر وجهتنا تغييراً كلياً، فالطريق إلى الله ليس سالكاً.
 أيها الإخوة الكرام، الأمراض تتراكم، والتصورات الخاطئة تتراكم، والسلوك يأخذ وضعاً ثابتاً، عندئذ يصعب التغيير، قال علماء النفس: قد تأتي خاطرة، فإن لم تهتم بها انقلبت إلى فكرة، فإن لم تعالجها انقلبت إلى رغبة، فإن لم تتابعها انقلبت إلى إرادة، ثم إلى شهوة، ثم إلى فعل، ثم إلى عادة، ومن أصعب الأشياء أن نغير العادات.

 

التغيير انتصار على النفس :

 أيها الإخوة الكرام، كلام كثير كَثير يقال في التغيير، لكن لابد من أن نسعى إلى التغيير، دعك من القوى التي لا تملك تغييرها، دعك من القوى التي لا تملك منعها أن تعتدي على الآخرين، الآن أصلح نفسك، تحكم في ذاتك، ثم تتحكم في الآخرين.
 قبل أن تفكر أن تكون داعية، وأن تكون عالماً، هل انتصرت على نفسك؟ هل جاهدت نفسك وهواك؟ هل استطعت أن تحمل نفسك على طاعة الله؟ تحكّم في نفسك، عندئذ يتاح لك أن تتحكم في غيرك، إرشاداً وأخذاً بيدهم إلى الله عز وجل.
 كل ما أتمناه، أيها الإخوة الكرام، أن تنقلب هذه الحقائق الذي ذكرت أطرافاً منها إلى وقائع، الإنسان حينما يقرأ قصة تافهة، وقد تكون طويلة، وينتهي من قراءتها يتثاءب، وينام، أما حينما يقرأ كلاماً خطيراً ينتهي من قراءته فتبدأ متاعبه، والكلام الذي ينفعنا هو الكلام الذي يقلقنا، والكلام الذي يزعجنا، والكلام الذي يجعلنا في حيرة، فالكلام الذي ينفعنا ننتهي من سماعه فتبدأ متاعبنا، لأن هذا الكلام وضعك أمام مهمتك في الحياة، وضعك أمام مسؤولياتك، ورد في الأثر: نية الكافر شر من عمله.
 ما يجري واحد بالألف مما ينبغي أن يفعله أعداؤنا بنا، لذلك أيها الإخوة: ما لم نغيّر حتى يكون هذا التغيير سبباً لنصر الله لنا فالأمر مسدود، والتغيير ينبغي أن يكون من الداخل.

 

 

وأخيراً :

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

 

* * *

الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

التغيير الشخصي :

 أيها الإخوة، لئلا يكون الموضوع ضبابياً شمولياً أقول: ما معنى التغيير؟
 هناك تغيير ينال شخصيتك:
 ينبغي أن تزداد ثقتك بنفسك، فضعف الثقة بالنفس خلل في بناء الشخصية.
 ينبغي أن تعقد الأمل، لا أن تكون يائساً، فاليأس خلل خطير في الشخصية.
 يجب أن تشعر أن الله معك، أنت قويٌّ بالله، لا أن تشعر بالضعف والخذلان.
 يجب أن تكون شجاعاً، لا أن تكون جباناً.
 يجب أن تبحث عن السعادة الحقيقية، لا عن اللذة الآنية، فالفرق كبير جداً بين لذة آنية تعقبها كآبة، وبين سعادة نفسية تعقبها جنة.
 يجب أن تتخلص من المشاعر المؤلمة، يجب أن تسيطر على عواطفك، وألاّ تجعل العواطف هي التي تحركك إلى هدف ما.
 يجب أن تزيل الوهم والجهل والخوف.
 يجب أن تتخلص من العادات السلبية كالأكل الكثير، كالتدخين، كترك الرياضة، مثلاً، هذه كلها عادات سيئة جداً لها عواقب خطيرة، يجب أن تكتسب العادات الجيدة، أنت إنسان، أنت صاحب القرار.

 

 

إنجازات التغيير الشخصي :

 أيها الإخوة الكرام، والله هناك ألف إنجاز، من باب التكثير قد تكون مئة ألف إنجاز، وقد تكون مليون، يمكن أن تفعله، ولا يستطيع أحد أن يسائلك:
 من يمنعك أن تكون صادقاً؟ أن تكون أميناً؟ أن تكون عفيفاً؟ من يمنعك أن تربي أولادك؟ من يمنعك أن تكون جاداً في عملك؟ من يمنعك أن تنمي دخلك؟ من يمنعك؟ هذا على مستوى الشخصي.
 أما على مستوى الأداء في عملك فالآن المعركة معركة حياة أو موت، الطرف الآخر يريد إفقارنا، لذلك:
 اكتساب مهارات جيدة، وتطوير العمل، وتعميقه، والإبداع في العمل أصبح ضرورة، اكتساب المهارات اللطيفة، التطوير العلمي، تنمية المعلومات، التحفيز للعمل، والإنتاج، وحسن استثمار الوقت، ورفع مستوى الذكاء، والإبداع، وتحسين الأداء الرياضي، والفني، والمهني، هذا يختص بعملك.
 يجب أن تعتني بصحتك، يجب أن تعتني بشخصيتك، والشخصية نتاج الوضع النفسي والاجتماعي والجسمي، ويجب أن تعتني بعملك.
 ويجب أن ترقى بمستوى علاقاتك مع الآخرين، علاقتك مع أولادك كيف هي؟ هل تقول: لا دخل لي، جيل فاسد، الطريق فاسد، الإعلام فاسد، المجلات فاسدة، الانترنت فاسدة، أمّا لك موقف من أولادك؟ علاقتك بأولادك، علاقتك بزوجتك، علاقاتك الاجتماعية، علاقاتك مع من هم في مستواك، مع من هم فوقك، مع من هم دونك، هذا أيضاً يمكن أن ترقى به في التغيير.
 أيها الإخوة الكرام، أختم هذه الخطبة بالدعاء المأثور:

 

 

 اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال، لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، أذل أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين.
 اللهم شتت شملهم، فرق جمعهم، خالف فيما بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم، اجعل تدميرهم في تدبيرهم يا رب العالمين، أرنا قدرتك في تدميرهم يا أكرم الأكرمين، انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
 اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، واجمع بينهم على خير، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور