- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
وسائل إصلاح البيوت 3 :
أيها الإخوة الكرام، قبل عدة أسابيع، عالجت موضوعاً يمسّ كل مسلم في الحياة، عالجت موضوع البيت المسلم، ووعدت أن أتابع هذا الموضوع فيما بعد، وها أنا أتابع موضوع البيت المسلم الذي سبق أن ألقيت فيه خطبتين، وهذه الثالثة والأخيرة.
أيها الإخوة الكرام، انطلقت من أن هناك ما يصل إلى أربعين نصيحة لتماسك البيت المسلم، ذكرنا عشرين منها، وها نحن نتابع بعضاً منها:
21) ضوابط عمل المرأة :
من جملة هذه النصائح ضوابط عمل المرأة، الموضوع كبير جداً، ويحتاج إلى خطب متتالية، ولكن ملخصه ما يلي:
يمكن للمرأة أن تعمل وفق شرطين:
1) وجود ضرورة للعمل :
قال تعالى:
﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾
حينما تكون المرأة معيلة لأولادها بعد موت زوجها، فلها أن تعمل عملاً يتناسب مع طبيعتها، وعملاً وفق الضوابط الشرعية، ففي المنهج الإلهي نجد الأصل قوله تعالى:
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾
الأصل هو أن تقرَّ المرأة في بيتها، ولها أن تعمل عند الضرورة.
2) التزام الضوابط الشرعية :
الشيء الآخر: أن تعمل في عمل يتناسب مع أنوثتها، ووفق الضوابط الشرعية، كالحجاب الشرعي، وعدم الاختلاط، وعدم الخضوع بالقول لئلا يطمع الذي في قلبه مرض.
أيها الإخوة الكرام، ذلك لأن أقدس عمل تقوم به المرأة هو تربية الأولاد، فتقدم للمجتمع عناصر نظيفة منضبطة معطاءة، وأولادها أكبر شهاداتها، أما إذا تخلت عن المهمة التي أناطها الله بها، فقد ضيعت كل شيء، ولو أتت بدخل فلكي من خلال عملها.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال:
(( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن نصبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء، أن طاعة الزوج، واعترافاً بحقه، يعدل ذلك، وقليل منكن من يفعله ))
وقد جاء في الأثر:
أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل، قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم.
هذه المرأة، إن صحَّ الخبر، أحسنت تربية أولادها، فهي تنازع رسول الله، صلى الله عليه وسلم دخول الجنة، لذلك مسموح للمرأة أن تعمل في النظام الإسلامي، ولكن عند الضرورة، ووفق الشروط الشرعية، ولهذا البحث تفاصيل كثيرة تحتاج إلى خطب مستقلة، لكن ينبغي أن نذكر مثالاً يوضح خطورة الأمر:
الطيار الذي يقود طائرة، لها ثلاث طبقات، وفيها خمسمئة وثمانين راكباً، هذا الطيار هل يعقل أن يدع غرفة القيادة وضبط شؤون الطائرة ليقدم الضيافة للركاب، هل يُسمَح أن نقول له: لماذا أنت محصور في هذه الغرفة؟ انطلق منها إلى رحاب الطائرة، وحين ينطلق الطيار من غرفته المحدودة إلى رحاب مقصورة الركاب، ربما يتسبب في فقدانهم حياتهم جميعاً.
أيها الإخوة الكرام، ما من عمل مقدس للمرأة كأن تحسن رعاية زوجها وأولادها، الأصل في العولمة الغربية أن تخرج المرأة من البيت، والآن في العالم الإسلامي نجد امرأة تعمل بدخل زهيد جداً، لا يكفيها للمواصلات فقط، من أجل أن تخرج، ومن أجل أن تعرض زينتها للناس، ومن أجل أن تختلط بالرجال، وهذا هو عمل المرأة المحرم، حيث لا ضرورة، ولا ضوابط شرعية.
أما أن تكون مضطرة، وأما أن يكون العمل وفق خصائصها، وأما أن يكون العمل منضبطاً وفق منهج الله عز وجل، فلا شيء عليها في العمل، بل إن طبيعة الحياة أحياناً تقتضي من المرأة أن تعمل في التدريس، وفي التمريض، وفي شؤون كثيرة لا تحسنها إلا المرأة.
أيها الإخوة الكرام، هذا ملخص الأصل:
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾
فإذا خرجنَ، فللضرورة:
﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾
22) حفظ أسرار البيوت :
من لوازم البيت المسلم أن تحفظ أسراره، فمطلوب منك عدم نشر أسرار الاستمتاع بين الزوجين، وعدم تسريب الخلافات الزوجية، وعدم البوح بخصوصيات أحد الزوجين، إليكم الأدلة:
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾
أفضى بعضكم إلى بعض: يعني اللقاء الزوجي.
وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
(( إِن من أشَرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجلُ يفضي إِلى امرأته، أو تُفضي إِليه، ثم ينشرُ أحدُهما سِرَّ صاحبه ))
ومن أدلة التحريم أيضاً: حَديثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، رضي الله عنها، أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود عنده فقال:
(( لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأزمّ القوم، فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن. قال: فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة، فغشيها والناس ينظرون ))
أيها الإخوة الكرام، محرم بنصوص كثيرة أن يفضي الرجل إلى امرأته، وأن تفضي إليه، ثم ينشرا خبر استمتاعهما فيما حولهما.
23) عدم تسريب الخلافات الزوجية :
عدم تسريب الخلافات الزوجية خارج محيط البيت، أيضاً مهم جداً، فإنه كثيراً ما يتدخل أطراف فيزيدون المشكلة تعقيداً، لذلك عدم خروج المرأة من بيتها على الرغم من الخلاف مع زوجها يقضي على هذه المشكلة في أقل وقت، أما إذا خرجت، وأباحت بما بينها وبين زوجها من خلاف، ربما انتهى الخلاف إلى الطلاق.
24) عدم إفشاء الأسرار الخاصة :
عن يحيى المازني رحمه الله: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
(( لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ))
إفشاء كل من الزوجين سر الآخر يعدّ من الخيانة:
وأما معنى قوله تعالى:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
فقد نقل ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية، فقال:
كانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح ليبطشوا به، أما امرأة لوط، فكانت إذا أضاف لوط أحداً، أخبرت أهل المدينة ممن يعملون الفاحشة ليأتوا إليهم.
ليست إذاً خيانة فراش، إذ لا يعقل أن تخون امرأة نبي زوجها خيانة فراش، ولكن هذه خيانة دعوة.
وأية امرأة تبوح بطبيعة عمل زوجها، بحيث يأتيه ضرر كبير، فهذا أيضاً محرم.
25) إشاعة الرفق في البيوت :
أيها الإخوة الكرام، ومن النصائح المعتمدة في البيت المسلم: إشاعة خلق الرفق في البيت.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ))
وعن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
(( إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَهُ ))
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ اللهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العنفِ، وما لا يُعطي على مَا سِواهُ ))
26) إعانة أهل البيت في أعمالهم :
الرجال يأنفون من عمل البيت، وبعضهم يعتقد أن هذا ينقص من مكانته ومنزلته، أمّا النبي عليه الصلاة والسلام، فكما تروي السيدة عَائِشَةُ رضي الله عنها، أَنَّهَا سألها رجل هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت:
(( نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويرفع دلوه، ويعمل في بيته ما يعمل أحدكم في بيته ))
27) إشاعة المرح في البيت :
الملاطفة والممازحة لأهل البيت، شيء مهم جداً، فقد كان عليه الصلاة والسلام ينصحنا أن نكون مؤنسين للنساء وللأولاد، والنصوص التي تؤكد روح النبي صلى الله عليه وسلم المرحة، ومزاحه الحق مع أهله ومع أولاده أكثر من أن تحصى:
ورد في الأثر: أن عائشة رضي الله عنها سألته يوماً: كيف حبك لي؟ فقال لها: كعقدة الحبل، فصارت تسأله من حين إلى آخر: كيف العقدة؟ يقول: على حالها.
وكان إذا دخل البيت يدعو الصغار، ويتحبب إليهم، ويداعبهم، ويلاعبهم، بل ويركبون على ظهره.
لذلك: علامة المؤمن أنه إذا دخل إلى بيته كان أهله في عيد، وغير المؤمن إذا خرج من بيته كان أهله في عيد، يفرحون إذا خرج من البيت، بينما المؤمن يفرح أهله إذا دخل البيت.
28) محاربة الأخلاق السيئة في البيت :
أيها الإخوة الكرام، لا يخلو بيت من البيوت من خلق لا يرضي الله عز وجل، يتلبّس به أحد أفراد الأسرة، فكان عليه الصلاة والسلام إذا علم أن أحداً من أهل بيته كذب كذبة، لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبة، ويبدو أن الإعراض والهجر بترك الكلام والالتفات، من أبلغ العقوبات التي تهز كيان الأولاد الأسوياء، أما العقاب البدني، فله آثاره الوخيمة التي لا تحمد عقباها، ولكن يدعونا النبي عليه الصلاة والسلام بأن نعلق السوط بحيث يراه أهل البيت، فالرجل المؤمن يلوّح بالعقوبة، ولا يستخدمها، كيف أن الله عز وجل أخبرنا في القرآن الكريم:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعدوكم ﴾
حينما تملك السلاح الفتاك يرهبك أعداؤك، ولو لم تستخدمه، وهذا الكلام له أدلة كثيرة، أما حينما لا تملك سلاحاً فتاكاً فهناك من يتهمك بالإرهاب، ومن يتهم دينك بأنه دين إرهابي، ومن يتهم القرآن الكريم بأن فيه آيات تدعو إلى القتل، لأن المسلمين ضعاف، فلما استضعفوا تهجم أعداءهم عليهم، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعدوكم ﴾
فلا بد من أن يعلق السوط دون أن يستخدم، ليرتدع بعض أفراد البيت:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه آدب لهم ))
يعني أكثر تأديباً لهم مما لو فقد العقاب في البيت كلياً.
29) عدم دخول الأجانب على النساء :
أيها الإخوة الكرام، الحذرَ الحَذرَ، الحذرَ الحَذرَ، الحذرَ الحَذرَ، من دخول الأقارب غير المحارم على المرأة عند غياب زوجها، فاحتمال وقوع الفاحشة كبير جداً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لا يَخلُونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ))
لم يقل لا يخلونَّ كافر بامرأة، ولم يقل لا يخلونَّ فاسق بامرأة، ولم يقل لا يخلونَّ عاصٍ بامرأة، قال:
(( ألا لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان ))
30) عدم اختلاط الرجال بالنساء :
أيها الإخوة الكرام، الحذر الحذر من الاختلاط في اللقاءات الأسرية، هيئ مكاناً للرجال ومكاناً للنساء:
﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾
الحذرَ الحَذرَ من الخادمات والسائقين، ففي بعض البلاد الإسلامية هناك مشكلة كبرى تعد الأولى في حياتهم، مشكلة السائق ومشكلة الخادمة، والحذَرَ الحذرَ من أخطار الشاشة، والحديث عن الشاشة طويل جداً، الحذرَ الحَذرَ من أخطار الهاتف، الشاشة والهاتف والسائقين والخادمات والاختلاط ودخول غير المحارم على الزوجة في غياب زوجها.
أيها الإخوة الكرام، لعلكم تعجبون من بعض النصائح الآتية:
31) اختيار موقع البيت :
قد يكون الموقع في حي متفلت، وفي بعض البيوت مسابح، والبيت الذي اشتريته يطل على هذه المسابح، والذين عندهم هذه المسابح لا يعبؤون بقواعد الشرع، ولا بقواعد الأدب، فحينما يطل الأولاد على هذا المسبح، ويرون امرأة تسبح عندئذ يختل نظام البيت، فلا بد من أن تختار بيتاً إلى جنب مسجد، وفي حي محافظ، وحولك أناس مؤمنون، موقع البيت مهم جداً، فكم من أسرة دمرت بسبب موقع البيت.
شيء آخر: ينبغي، أن يكون التصميم الداخلي للبيت تصميماً إسلامياً، والآن البيوت الحديثة بلا جدران، حتى الأبواب عليها بلور شفاف، فأية حركة في البيت يراها الضيوف، هذا النظام الحديث جداً، لكن المسلم له غرفتان، إحداهما للرجال، والثانية للنساء، المسلم إذا دعا أقرباءه فهناك مكانان، للنساء مكان، وللرجال مكان، أما هذا الاختلاط، وهذه الأبواب المفتحة، وهذه النوافذ المفتحة على الجيران، ولا سيما في البيت، وهناك أناس خبثاء جداً يستخدمون المناظير ليطلعوا على عورات المسلمين فهذا أمر خطير.
32) اختيار جيران البيت :
أيها الإخوة، اختيار الجار قبل الدار، وقد ورد في الأثر:
اللهم إني أعوذ بك من جار سوء، إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه، اللهم إني أعوذ بك من إمام سوء، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر.
فلا بد من مراعاة الجار.
يروى أن الأمير عبد القادر الجزائري أقام في دمشق، وكان له جار اضطر إلى بيع بيته، فدفع له ثمنًا بخسًا، فغضب غضباً شديداً، وقال: والله لا أبيع جوار الأمير بثلاثمئة ليرة ذهبية، فكانت النتيجة أن أعطاه المبلغ، وقال له: ابقَ جاراً لنا.
من سعادة المرء أن يكون جيرانه صالحين.
أيها الإخوة الكرام، كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله من جار السوء في دار المقام:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
(( تَعَوَّذُوا بالله من جارِ السُّوء في دار المُقامِ، فإن جارَ البادي يَتَحَوَّلُ عنكَ ))
33) العناية بصحة أهل البيت :
شيء آخر، البيت المسلم يحتاج إلى رعاية صحية عالية، فالاعتناء بصحة أهل البيت وإجراءات السلامة أمر مهم جداً، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات، وكان إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء، وبحسب القواعد الطبية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، التي كان يستخدمها لمراعاة أو لعلاج أهل بيته، هناك إجراءات لا بد منها، أحياناً يحترق البيت بأكمله، لأنها تركت المدفأة متوقّدة في الليل، وأحياناً ينفجر البيت، لأن أسطوانة الغاز لم تكن محكمة الإغلاق، فلذلك ورد في الحديث:
عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أغلقوا أبوابكم، وأوكوا أسقيتكم، وخمِّروا آنيتكم، وأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان لا يفتح غلقاً، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف غطاءً، وإنَّ الفويسقة ربما أضرمت على أهل البيت بيتهم ناراً ))
أي تسحب الفأرة فتيل السراج فيشتعل البيت، لو تتبعنا المصائب الكبيرة التي أصابت البيوت لمخالفة هذه البنود، لوجدناها كثيرة.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
(( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ))
أيها الإخوة الكرام، هذه النصائح المذكورة في خطب ثلاث، هي من أجل صيانة البيت المسلم من التفتت، ومن الضياع، هذه النصائح كلها مؤصلة بالقرآن الكريم، وبحديث سيد المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم.
أيها الإخوة، يقول الإمام علي كرم الله وجهه: قوام الدين والدنيا أربعة رجال، عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه.
الآن دققوا في تفصيل ذلك: فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره.
وأخيراً :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرارات مؤتمرات السكان :
أيها الإخوة الكرام، هذا عن البيت المسلم، فماذا عن مؤتمرات السكان التي عقدت تباعاً خلال النصف القرن الماضي، وكان آخرها مؤتمر بكين الذي عقد في عام خمسة وتسعين، وبعد شهرين سيعقد المؤتمر الأخير، مؤتمر السكان:
هذه المؤتمرات، واللهِ أعتقد أنكم لا تصدقون، هذه المؤتمرات تؤكد بكل وثائقها المعتمدة حق المرأة والفتاة في التمتع بحريتها الجنسية، آمنةً مع من تشاء، وفي أي سن تشاء.
الحرية الجنسية الكاملة للزوجة، أو للفتاة مع من تشاء، وفي أي سن تشاء، وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي، مع تقرير الإباحية الجنسية، وإلزام جميع الدول الموافقة على ذلك، هذه هي عولمة المرأة.
أسوق لكم هذه المقررات التي صدرت، وأقرتها مئة وتسعة وثمانون دولة، وسوف تصل هذه إلى تشريعاتها، وقوانين الأحوال الشخصية فيها، وسوف تعاقب الدولة التي لا تنفذ هذه التعليمات.
وازنوا بينها وبين شرع الله عز وجل، وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك مع المطالبة بسن القوانين التي يعاقب بها كل من يعترض على هذه الحرية، حتى ولو كان المعترض أحد الوالدين، وهذا يستدعي تقليص ولاية الوالدين حتى ولو كانت تلك الممارسات داخل البيت:
لو أن الأب رأى مع ابنته في فراشها صديقاً لها يجامعها ينبغي ألاّ ينطق بكلمة، هكذا تقضي القوانين، يجب أن تعلموا ماذا يخطط لنا، يجب أن تعلموا أن قوة هذه الأمة بتطبيق دينها، فإذا أجبرت على التخلي عن دينها أصبحت أمة كأية أمة، لا وزن لها في الأرض.
أنا ألخص لكم ما جاء في مؤتمرات عديدة، ولكن أبرز هذه المؤتمرات مؤتمر القاهرة، ومؤتمر بكين، والآن مؤتمر بعد أشهر، هو المؤتمر الأخير:
وللفتاة والفتى أن يرفع الأمر إلى السلطات التي ستلزم بسن قوانين تعالج أمثال هذه الشكاوى، المهم أن تعطى الفتاة أو الشاب الحرية التامة في أي سن قبل الزواج بالممارسات الإباحية، ولو في بيت الوالدين.
هذه المؤتمرات تطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل السفاح، فالوثيقة تدعو إلى سن قوانين للتعامل مع حمل السفاح لتكون وثيقة تدخل بها الحامل إلى المستشفى لتسقط الجنين، وهي آمنة من أية مساءلة، مع إباحة الإجهاض.
أما المرأة فلها أن تسافر متى تشاء بلا إذن زوجها، ولها أن تعمل بأي عمل تشاء من دون إذن زوجها، ولها أن تسكن في أي مكان تشاء بعيداً عن زوجها، هذا من حق المرأة.
أما كلمة الزوج فلم تذكر في هذه الوثائق، ولا مرة، لأن الزواج يعد في هذه الوثائق عملية اغتصاب للزوجة، وأن تعمل الزوجة عملاً بلا مقابل.
ولم ترد كلمة الوالدين إلا مصحوبة بعبارة: أو كل من تقع عليه مسؤولية الأطفال. لأن في الزواج المثلي ليس هناك والدان، ولكن هناك شركاء.
ولم ترد كلمة الزوج ولا مرة، جاء بديلاً عنها: الشريك، وعقد الزواج: عقد بين شخصين.
وقعت على هذه التوصيات مئة وثلاث وثمانون دولة لتصبح هذه المقررات مرجعية في العلاقات الأسرية.
حقيقة العولمة :
أيها الإخوة الكرام، هذا ما يراد لنا، وهذه هي العولمة، وما من تعريف جامع مانع للعولمة إلا كلمة: الحيونة، أي أن يعود الإنسان لحيوانيته.
أنا لا أصدق أن ندرك جميعاً تطبيق هذه التوصيات إن شاء الله تعالى، لأن وعي المسلمين أكبر بكثير من هذا الشيء الساقط، لا نعرف قيمة هذا الدين ولا عظمة هذا التشريع إلا أن نوازنه مع هذه التشريعات الأرضية التي تجعل الإنسان يعبد الجنس من دون الله.
أيها الإخوة الكرام، إما أن تخطط، وإما أن يخطط لك، إما أن تخطط لهدف واضح، وإما أن تكون رقماً لا معنى له في خطة أعدائك.
فلا بد من أن أدعوكم إلى اليقظة، إلى ترسيخ معالم هذا الدين، إلى تطبيق هذه الشريعة الغراء، ولكن أريتكم الشيء الذي لا يصدق، هذا الذي يرسم لشعوب العالم الثالث، هذا الذي سوف يصدر، ولا أبالغ، الدولة التي لا تغير قوانين أحوالها الشخصية وفق هذه التوصيات ربما عوقبت بحصار اقتصادي، أما الدولة التي تطبق هذه القوانين فربما أعطيت مساعدات جزيلة.
القصد أن العالم الغربي لأنه انتهى يريد أن يجعل العالم كله على شاكلته عن طريق قوة القانون، وعن طريق هيمنة القطب الواحد.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، في العراق وفلسطين، يا رب العالمين.
خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.