- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى، آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
وسائل إصلاح البيوت 1 :
أيها الإخوة الكرام، موضوع دقيق يحتاج إلى عدة خطب، هذا الموضوع هو أن هذه الأمة مؤلفة في الدرجة الأولى من بيوت، فإذا صلحت البيوت صلحت الأمة، وقد يكون البيت المسلم أخطر موضوع يعالج، لأنه إذا فسد البيت فسد المجتمع، وتخلَّف، وإذا صلح البيت صلح المجتمع وتفوَّق.
بادئ ذي بدء، الله عز وجل جعل البيت نعمة من نعمه الكبيرة، قال تعالى:
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ﴾
البيت نعمة، أي بيت صغيرًا كان أو كبيرًا، مِلكًا أو إيجارًا، معك مفتاح بيت تأوي إليه، ترتاح فيه، تؤدي فرائضك فيه، فأنت بخير، قال تعالى:
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ﴾
يقول ابن كثير، رحمه الله: يذكر الله تعالى عباده بتمام نعمته عليهم بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن، يأوون إليها، ويستترون بها، وينتفعون بها من سائر الوجوه.
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، يقول الله عز وجل:
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
فالبيت ستر للمرأة، وصون لها، وحفظ لها، ومن عقوبات الله عز وجل، ما نص عليه في قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾
وقال تعالى:
﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾
إذاً البيت نعمة، بل هو نعمة كبيرة، إذا صلح البيت صلح المجتمع، وإذا فسد البيت فسد المجتمع، أي نظام في الأرض يدعم البيت، ويدعم الأسرة، ويحفظها، ويصونها نظام رائع، يقترب من وحي السماء، وأي نظام في الأرض يفرق أطراف البيت، ويشتت جمع البيت، ويفسد البيت هو نظام يقترب من نظام الشيطان.
أيها الإخوة الكرام، البيت أساس المجتمع.
أولاً: الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
أنت ملزم بنص هذه الآية، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، أنت ملزم أن تقي نفسك وأهلك نار جهنم باجتناب المعاصي، والمعاصي لا تجتنب إلا بالتنوير والتعليم، فيجب أن يكون البيت منوراً بهدي الله عز وجل، مطبقاً لشريعة الله عز وجل، مصوناً بحفظ الله عز وجل.
ثمة حديث أيها الإخوة الكرام يضع كل رب أسرة أمام مسؤوليته:
عن أنس بن مالك، رضي الله عنه،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ))
هذا الذي يتزوج زوجة، وينجب منها أولاداً، ولا يبالي بهذا البيت، بأخلاق البيت، بانضباط البيت، بما فيه من منكرات، بما فيه من معاصٍ وآثام، هذا ليس أباً جديراً بالاحترام.
أيها الإخوة الكرام، البيت مكان لحفظ النفس، والسلامة من الشرور، وكفها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة، قال صلى الله عليه وسلم:
(( طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته ))
وورد في بعض الآثار: أن المؤمن جنته داره.
لو أن المؤمن سعى جاهداً ليجعل من بيته جنة، بمعنى أنه أقام في البيت علاقات الود، أقام في البيت علاقات الرحمة، أقام في البيت العبادات، أقام في البيت الصلوات، أقام في البيت الذكر، هذا السلوك، أيها الإخوة الكرام، يجعل البيت جنة، أنا حينما أقول: البيت، فلا أتحدث عن مساحته أبداً، ولا عن موقعه، ولا عن نوع فرشه، ولا عن تزييناته، أتحدث عن بيت يأوي الإنسان إليه.
أيها الإخوة الكرام:
(( طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته ))
وجاء في بعض الأحاديث:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال:
(( عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خمس، من فعل منهن واحدة كان ضامناً على الله عز وجل: من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازياً في سبيل الله، أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيزه وتوقيره، أو قعد في بيته فسلِم وسلِم الناس منه ))
أحياناً في زمن الفتنة أن تقبع في بيتك هذا حسم للشر، ورد في الأثر:
سلامة الرجل من الفتنة، أن يلزم بيته.
1) حسن اختيار الزوجة :
أيها الإخوة الكرام، محور الموضوع وسائل إصلاح البيوت، أول وسيلة، وقد تستغربون من هذه الوسيلة، وقد لا يكون في الظاهر من علاقة بينها وبين البيت.
النصيحة الأولى لحفظ البيت ولصلاحه ولتماسكه ولتفوقه: حسن اختيار الزوجة:
امرأة شكت إلى النبي عليه الصلاة والسلام زوجها:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت:
تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع له ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت عائشة: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات:
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾
هذه المرأة التي شكت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، بينت أن الزوج يكسب الرزق، وأن المرأة تربي الأولاد.
إذاً حينما تكون على رأس البيت امرأة صالحة تعرف الله عز وجل، وتعرف خطورة دورها في الحياة، وتعرف أن أعلى شهادة تحملها هي أولادها، وتعلم أنها إذا أعطت المجتمع عناصر نظيفة منضبطة معطاءة كان لها عند الله أجر كبير، كيف لا وقد ورد في الأثر: أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: مَن هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً، فأبت الزواج من أجلهم.
هذه التي ربت أولادها تربية إيمانية أخلاقيةً دينية عاليةً، تنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة.
أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
إذاً الوسيلة الأولى لصلاح البيت حسن اختيار الزوجة، وأول عمل ينجح فيه الإنسان أن يحسن اختيار زوجته، فالزوجة الصالحة هي حسنة الدنيا، فقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى:
﴿ ومنهم من يقول رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
قال: المرأة الصالحة حسنة الدنيا، التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك.
ستيرة عفيفة، تصون زوجها وتربي أولادها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظْفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك ))
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة ))
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجةً لا تبغيه خوناً في نفسها ولا ماله ))
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً، ويقول: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ))
إذاً البطولة ألا تؤخذ بجمال من دون دين، ألا تؤخذ بحسب من دون دين، ألا تؤخذ بمال من دون دين، البطولة أن ترجح دين الزوجة على كل المرغبات الأخرى.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل المرأة الصالحة أحد أسباب سعادة الدنيا، وجعل المرأة السيئة أحد أسباب شقاء الدنيا، فإما أن تسعد بها، وإما أن تشقى بها، فبذلك أيها الإخوة الكرام في قضايا الحياة قضايا جانبية عرضية، لا تؤثر على جوهر حياتك، ولكن في الحياة أشياء مصيرية تتعلق بسعادتك أو شقائك.
2) حسن اختيار الزوج :
الآن الخطاب إلى ولي أمر الفتاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(( إِذا خَطَبَ إِليكم من تَرضَون دينه وخُلُقَه فزوجّوه، إِلا أن تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض ))
أيها الإخوة الكرام، الرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتاً صالحاً، لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
3) إصلاح الزوجة السيئة :
لو أن إنساناً لم يكن يعنى بأمر الدين، وتزوج بصفات ليست كما جاءت عن سيد المرسلين، زوجته سيئة، ماذا يفعل؟ إن لم يكن اختيارك حسناً فعليك أن تصلح زوجتك، هذا يحتاج إلى نفس طويل، يحتاج إلى موعظة، يحتاج إلى إحسان، يحتاج إلى أن تعلمها، أن تهذبها، أن تجلس معها وقتاً طويلاً، أن تلقي عليها الأحكام والمواعظ، أن تلقي عليها الحكم، أن تسمعها دروس العلم، أن تأخذ بيدها إلى الله، فلذلك قال تعالى:
﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾
وقد قال بعض المفسرين: كانت عاقراً فولدت، وقال بعضهم: كان في لسانها طول، فأصلحها الله عز وجل.
إذاً هذا الذي ييأس من صلاح زوجته لا يعرف طبيعة النفس الإنسانية، النفس الإنسانية مؤهلة كي تنصلح، وكي تعود إلى جادة الصواب.
أيها الإخوة الكرام، اعتنِ بعبادة الزوجة، اعتنِ بصلاتها، اعتنِ بتلاوتها للقرآن، اعتنِ بأذكارها، اعتنِ بقيامها، اعتنِ بتلاوتها لكتاب الله عز وجل، حثها على الصدقة، احملها أن تدفع مالاً من مالها الخاص تقرباً إلى الله عز وجل، ادفع لها الكتب الإسلامية المفيدة كي تقرأها، اجعل البيت منتدى فكرياً لا مكان طعام وشراب ونوم، أسمعها الأشرطة المفيدة العلمية والإيمانية، اختر لها صاحبات مؤمنات يرقين بها إلى سلم الإيمان، ادرأ الشر عنها، سد منافذ الفساد عليها بإبعادها عن قرينات السوء، وأماكن السوء، إذاً إما أن تحسن اختيار الزوجة، وإما أن تصلح الزوجة السيئة، هذه أول نصيحة في صلاح الدنيا.
4) إحياء البيوت بذكر الله :
أيها الإخوة الكرام: اجعلوا البيوت أمكنةً لذكر الله:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يذكرُ الله فيه، مَثَلُ الحيِّ والميِّت ))
بيت كالميت، ليس فيه ذكر الله، وبيت فيه الحياة، لأن فيه ذكر الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، الذكر بالقلب، والذكر باللسان، والذكر بإقامة الصلوات، والذكر بتلاوة القرآن، والذكر بمذاكرة العلم الشرعي، والذكر بقراءة الكتب المفيدة.
أيها الإخوة الكرام، لا تنسوا هذا المثل، بين بيت فيه ذكر الله، وبيت لا يذكر الله فيه، كالحي والميت، فكيف إذا كان في البيت مزامير الشيطان، والأغنيات الماجنة، والمشاهدات التي لا ترضي الله عز وجل؟ كيف إذا كان فيه الاختلاط المحرم، والغيبة، والنميمة، وفساد ذات البين؟
5) إعمار البيوت بالصلاة :
اجعلوا بيوتكم قبلة، والمقصود أن يتخذ البيت مكاناً للعبادة، قال تعالى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قال ابن عباس: أمروا أن يتخذوها مساجد.
وقال بعض المفسرين: لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه، وضيقوا عليهم أمروا بكثرة الصلاة، كما قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
عن حذيفة رضي الله عنه، قال:
(( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلى ))
إذاً اجعلوا بيوتكم قبلة، أي: أدوا الصلوات النافلة فيها، والسنة أن تصلي الفرائض في المسجد، والسنن والنوافل في البيت، لئلا يكون البيت قبراً، وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يحرصون على الصلاة في البيوت في غير الفريضة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إِذا قضى أحدُكم الصلاة في مسجده، فَلْيَجْعَلْ لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً))
عن عتبان بن مالك رضي الله عنه، قال:
(( يا رسولَ الله، إن السُّيولَ تحولُ بيني وبين مسجدِ قومي، فأُحِبُّ أن تأتيني في مكان من بيتي أتَّخِذُه مسجداً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: سنفعل، فلما دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: أين تريد؟ فأشار إلى ناحية من البيت، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصفَفْنا خلفَه، فصلَّى بنا ركعتين ))
كان الصحابة الكرام يحبون أن يؤدوا الصلوات، ولا سيما السنن والنافلة في بيوتهم، لئلا تكون بيوتهم قبوراً.
6) التربية الإيمانية لأهل البيت :
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فإذا أوتر قال: قومي فأوتري يا عائشة ))
وكان أصحاب البيت يدعو بعضهم بعضاً إلى أداء العبادات:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء ))
وترغيب النساء بالصدقة يزيد في إيمانهن، ولقد حث النبي عليه الصلاة والسلام النساء على الصدقة بقوله:
(( يا مَعْشَرَ النساء، تَصَدَّقنَ، ولو من حُلِيِّكُنَّ، فإنكنَّ أَكثرُ أهلِ جهنم يومَ القيامة ))
7) الأذكار المتعلقة بالبيوت :
مثلاً أذكار دخول البيت :
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( إذا دخل الرجلُ مَنزِلَه فذكر اللَّه عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مَبيتَ لكم ولا عَشاءَ، وإن ذكر اللَّه عند دُخوله، ولم يذكره عند عشائه، يقولُ: أدركتم العَشاء، ولا مَبيِتَ لكم، وإذا لم يذكر اللَّه عند طعامه قال: أدركتم المبيتَ والعَشاءَ ))
يدخل الإنسان إلى البيت لا يسلم يجلس إلى الطعام، لا يسمي، لا يبدأ باسم الله، يقول الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت والعشاء معاً في هذا البيت، ترى الخصومات والصياح والقسوة والعنف، هذا كله من فعل الشيطان.
مثال آخر:أذكار الخروج من البيت:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذا خرج الرَّجُلُ من بيته، فقال: بسم الله، توكلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: هُدِيتَ، وكُفِيتَ، ووُقِيتَ، فَيَتَنَحَّى له الشيطانُ، فيقول شيطانٌ آخرُ: كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ، وكُفيَ، ووُقِيَ؟ ))
إذا خرجت من بيتك قل:
بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.
عن شُريح بن هانئ قال:
(( سألتُ عائشةَ: بأي شيء كان يَبْدَأُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك ))
8) قراءة سورة البقرة في البيت :
مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ، إِن الشيطان يَفِرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة ))
9) تعليم أهل البيت أمر دينهم :
لا بد من أن يقوم رب الأسرة يتعليم أهل البيت أمر دينهم، تنفيذاً لأمره تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
هذه الآية أصل في تعليم أهل البيت، وتربيتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ومن بعض ما قاله المفسرون حول هذه الآية:
قال قتادة: يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به، ويساعدهم عليه.
وقال الضحاك: حق على المسلم أن يعلم أهل بيته من قرابته وإمائه ما فرض الله عليهم، وما نهاهم عنه.
وقال الإمام علي رضي الله عنه: علموهم وأدِّبوهم.
فلا بد من تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب، وكان عليه الصلاة والسلام يحث على تعليم الإماء، وهن أرقاء، فما بالك بالأولاد وهم أحرار.
بعض الرجال ممن يتولون أمر بيوتهم يغفلون عن تعليم أهليهم ما ينبغي أن يعلموهم، فحينما تغفل عن تعليم أهل البيت تتفجر مشكلات لا تستطيع حلها، لأنها ناتجة عن الجهل، لو تلافيت الأمر، وعلمتهم قبل أن يجهلوا، وعلمتهم قبل أن ينحرفوا لكان التعليم استثماراً للوقت، وليس هدراً للوقت، هذا الذي يقول: ليس عندي وقت، هذا جواب غير مقبول، لأنك حينما تعلم يرتاح بالك، وتقر عينك، وربنا عز وجل قال:
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
ما معنى قرة العين؟ أن ترى الذي تحبه على طاعة الله، أن ترى الذي تحبه مطيعاً لله، وقد أودع الله في الإنسان محبة أولاده، فإن رآهم على طاعة الله قرت عينه.
10) اقتناء الكتب الإسلامية :
اجعل في البيت نواةً لمكتبة إسلامية، هذا بيت لا بد أن تكون فيه ثقافة إسلامية، لابد من كتاب تفسير، لا بد من كتاب حديث، لا بد من كتاب سيرة، لا بد من كتاب فقه، لا بد من كتب متنوعة تختارها بعناية بالغة، تسأل أهل العلم عن أفضل كتاب في التفسير، عن أفضل كتاب في الحديث، عن أفضل كتاب في الفقه، في السيرة، تجعل هذه المكتبة نواة لمطالعة أولادك، ولزوجتك، ولإخوانك.
فهذا كله مما يعمق الثقافة الإيمانية في البيت، وبالتالي ربما حمل أفراد الأسرة على أن يتبعوا ما في هذه الكتب من توجيهات.
شيء آخر أيها الإخوة الكرام، يمكن أن تعتني أيضاً بمكتبة سمعية في البيت، أشرطة لعلماء تثق بعلمهم، وبحكمتهم، وبحسن توجيههم.
أما أن يكون البيت كما قلت قبلاً مكاناً للطعام والشراب والنوم فهذا فندق للخصومات والمشاحنات، والنكد والكلام القاسي، والبغضاء، هذا كله لا يرضي الله عز وجل.
وأخيراً :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الولد الصالح هو قرة العين :
أيها الإخوة الكرام: حينما يقول سيد الأنام:
(( إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه ))
يعني لك حركة في الحياة واسعة جداً، قد تصبح أكبر تاجر، أو أكبر صناعي، أو أكبر اقتصادي، أو أكبر مدرس في الجامعة، وقد تبلغ قمم النجاح في مناحي الحياة كلها، ولكن حينما تعلم أن أفضل كسبك على الإطلاق، أن يكون أولادك في أعلى مستوى إيماني وخلقي وتربوي، هذا مما يجعل الإنسان في سعادة لا توصف، وهذا معنى قرة العين التي ذكرها الله في القرآن الكريم:
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
إذاً أيها الإخوة الكرام: حينما تبذل وقتاً ثميناً في تربية أهل البيت، وفي إصلاح شأنهم، وفي تقريبهم من الله، وفي إبعادهم عن مواطن الفساد فأنت أب ناجح، وأنت أب تستحق الإكبار والتكريم، أما حينما يدع الإنسان أهله متفلتين شاردين عن طاعة الله عز وجل، فهذا إنسان لا يستحق أي احترام، لأنه كان مسؤولاً.
وقد ورد في بعض الآثار أن الفتاة التي انحرفت بسبب إهمال تربيتها تقول لرب العزة يوم القيامة: يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه كان سبباً في فسادي.
فالأب حينما يهمل بيته، وحينما يسمح للملهيات والمفسدات أن تدخل البيت، وحينما يسمح للجيران غير الصالحين أن يختلطوا مع أهل بيته، وحينما يسمح لأطراف البيت بالذهاب حيثما شاؤوا دون ضبط، ودون مراقبة، ودون تحقيق، فهذا أب شرد هو عن الله عز وجل، وشردت معه أسرته، فاستحق سوء العقاب في الدنيا والآخرة.
هذا الفساد الذي ترونه في الطرقات، هؤلاء الفتيات الكاسيات العاريات، أليس لهن آباء؟ أليس لهن إخوة؟ أين هم؟ كيف سمح الآباء لبناتهم بهذه المظاهر الفاضحة؟ هناك مسؤولية كبيرة تترتب على الآباء، هذا كلام موجه للآباء أولاً، وموجه لمن يعقد العزم على الزواج ثانياً.
أول شيء في نجاح الأسرة: اختر امرأة صالحة، هذه المرأة الصالحة قوام البيت الصالح، والبيت الصالح قوام المجتمع الصالح.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.