وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة النور - تفسير الآية رقم 26 المؤمن يجب أن يتحرى في زواجه المرأة الطيبة المعروفة بعفتها واستقامتها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، أخٌُ كريم طلب مِنِّي يوم الخميس أن أُعالِجَ هذه الآية في هذا الدَّرْس، الآية الكريمة :

﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(26)﴾

[سورة النور]

 يسأل هذا الأخ الكريم، وهذه آيَةٌ مُحْكمة في كتاب الله، كيف يكون زَوْجٌ طيِّب وزوْجةٌ غير طيِّبَة ؟ وبالعَكس، فكيفَ نُوَفِّق بين الواقِع وبين هذه الآية ؟! فالآية تقول:

 

﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾

 

[سورة النور]

 أليْسَ هناك امرأة صالحة وصائمة وقائِمَة وتحْفظ كتاب الله وزوْجُها يشْرب الخمْر ؟!! أليْسَ هناك زوْجٌ خائِفٌ ومُنيب وتائب وله امرأة تأبى الحِجاب ولا تُصَلِّي ؟! فكيف نُوَفِّق بين هذه الآية وبين الواقِع ؟! الحقيقة أنَّ هناك باللُّغة العربيَّة خبَر، وهناك إنشاء، أقول: سافر أخي ؛ هذا خَبَر، يُحْتَمَلُ أن يكون هذا الخبرُ صادِقًا أو كاذِبًا، أما إذا قلتُ لأحدهم: سافِر تغْنَم، هل يُمكن أن يقال للذي يقول هذا الكلام كاذِب ؟! هذا إنشاء وهذا أمْر، فالأمر والنَّهْي والاسْتِفهام والطَّلَب والحظ والتَّمَنِّي ؛ هذه أساليب الإنشاء، والخبَرُ كلّ كلامٍ يحْتَمِلُ الكذب والصِّدْق، لذا القرآن الكريم بأكْمَلِهِ إمَّا خبرٌ أو إنشاء، فحينما قال الله جل جلاله:

 

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾

 

[سورة الأنعام]

 أي أنَّ القرآن كلَّه خبرٌ وإنشاء، فَخَبَرُهُ صادِق، وأمْرُهُ عادِل.
 أما نوعٌ ثالث يوجد هو أدَقّ من أخَوَيه ؛ هناك كلامٌ صيغَ صيغَةَ خَبَر ويُراد به الإنشاء، وهناك كلام صيغَ صيغة الإنشاء ويُرادُ بالخَبَر، وهذه حالة نادِرة في كتاب الله، وهذه الآية مِن هذه الحالات، فهذه الصِّيغة هي صيغة خبَرِيَّة، وهي أنَّ الله تعالى أخْبرنا أنَّ الخبيثين للخبيثات ولكنَّ هذه الصِّيغة صيغَةُ خَبَر يُراد بها الإنشاء، أي يا عبادي اِحْرصوا أن يكون الطِّيِّبون للطَّيِّبات، إذا تَزَوَّجْتُم وإذا خَطَبْتُم، فيا أيُّها الآباء، ويا أيُّها الأمَّهات هذه فتات صالحة وتحْفظ كتاب الله لا تُزَوِّجْها لِغَنِيٍّ جاهِل تطْمَعُ بِمالِهِ أو مرْكَبَتِهِ أو بيْتِه ؛ إنَّهما يستحيل أن يتعايشَا ؛ هي تُريد وَجْه الله الكريم، وهو يريدُها كَغَيْرِها مِن الفتيات ! فهذه الآية في الحقيقة هي آيةٌ أمْر، والعلماء قالوا: يجب أن نُظيف كلمة ينبغي ؛ أي ينبغي أن يكون الطِّيِّبون للطَّيِّبات، إذا زوَّجْتُم وإذا تَزَوَّجْتُم ؛ إن كنتَ فتاةً أو أبًا أو أُمًّا فهذا الكلام مُوَجَّه للشَّباب والأولياء، لذا في كتب الفقه باب كبير اسْمُهُ الكفاءة الزَّوْجِيَّة، لا ينبغي أن يكون هناك مُفارقة كبيرة بين الزَّوجة وزوْجِها، فالتي نشأَتْ في بيئةٍ طاهِرَة ينبغي أن تبْحَث لها عن زوْجٍ مؤمن فإن لم تفْعل فالحياة لن تسْتَمِرّ، هو في وادٍ وهي في وادٍ.
 هناك رجُلٌ خَطَب فتاةً مِن بيتِ عِلْمٍ، وكان غَنِيًّا غناءً فاحِشًا، وله مركبة ومعمل وبيت، فخطب فتاةً تربَّتْ في بيتٍ مُسْلمٍ، فَهُوَ يبْدو أنَّهُ أعْجَبَهُ جمالُها، ولكنَّه ما انْتبَهَ أنَّ هذه الفتاة نشأَتْ في بيتٍ مُسْلمٍ تحْرصُ على طاعة ربِّها، فهو أرادها فتاةً كَغَيرِها مِن الفتيات ؛ تجْلسُ مع أصْدِقائِهِ، وتُقَدِّمُ لهم الضِّيافة، وتذْهب معه إلى الفنادق والنوادي والسَّهرات المختلطة، فلمَّا أبَتْ ورفضَت اسْتحالَتْ الحياة بينهما وكانت له أُمٌّ شِرِّيرة، فَخَطَّطَت على أن تحْمِلها أن تطْلبَ المُخالَعَة، فأمرَتْ ابْنَها أن يأتي إلى منتصَف الليل، وأن يضْربها ويُهينها، ونجَحَتْ الخُطَّة وبعد شَهْرٍ أو شَهْرين طلبَت المُخالعَة، وسامَحَتْهُ بِكُلِّ مُقَدَّمِها، ومُؤخَّرِها وكان المُقَدَّم والمؤخَّر مبْلغًا ضَخْمًا جدًّا ! وخُلِعَت عن عِصْمَتِهِ وتزوَّجَ فتاةً كما يريدُ ؛ مُتَبرِّجَة ومُتَفَلِّتة، وصارَت هذه القِصَّة نادرة، فكل من وقَعَ في ضائقة يقول: نَجَوْنا منها كما نَجَونا من مُتأخِّر فلان، وهذه القِصَّة واقعِيَّة ورواها لي أحد الأخوة، مرَّةً نزل هذا الرُّجل الثرِيّ من مَصْيَفِهِ إلى الشام وقد جَعَلَ زوْجَتَهُ الجديدة إلى جانِبِه، ووالِدُهُ خلْف زوْجَتهِ، وكان الوالِدُ يُنْكِرُ على الأسْرة هذا التَّصرُّف، وأُمُّه خلف ابْنِها فوقعَ في حادِث سيارة شَطَرَهُ هو وأُمُّه إلى شَطْرين، ونجا أبوه لأنَّه لم يكن راضِيًا ! فهذه القِصَّة سببُها أنَّ الاخْتِيار لم يَكُن طيِّبًا، الطَّيِّبون للطَّيِّبات أيْ ينبغي أن ينبغي أن يكون الطَّيِّبون للطَّيِّبات، أي ليس هذا حكمًا تَكْوينيًّا، ولكن أمْر تَكليفي، فلو أنَّك مررْتَ بطريق ورأيتَ مكتوبًا على اللَّوْحة ممنوع المُرور، ولكنَّ الطريق مَفْتوح، نقول: هذا أمْر تَكليفي، أما إذا وَجَدْتَ الطريق مُغلق بِحاجِز ؛ هذا أمْر تَكويني.
 سؤالنا الآن ؛ هذه الآية أمْر تكليفي أم تَكويني ؟ تكليفي، لأنَّه لو كان الأمر تَكوينيًّا لتناقَضَت مع الواقِع، فهناك آلاف الأزواج الصالحات مع أزواجٍ فسَقَة، وهناك آلاف الأزواج الصالحين مع فاسِقات، فلو جَعَلنا هذه الآية أمْرًا تَكوينيًّا لخالفَت الواقِع، لكنَّ هذه الآية أمر تكليفي، أيْ يا عبادي مِن أجل صالِحِ بناتِكم وشبابكم احْرَصوا أن يكون الطَّيِّبون للطَّيِّبات، أما حفلة في الشيراتون ونستقبل لها راقصات من أوربا بمليوني ليرة و الخمور من فرنسا و الزهور من هولندا و الحفلة مُختلَطة والنساءُ كما خلقَهن اللهُ عز وجل و تُنشَرُ في الصُحُف اللبنانية، وعلى بطاقةِ الدَّعوةِ: الطَّيِّبون للطَّيِّبات، لا واللهِ ؛ الخبيثون للخبيثات، الطيِّبون للطيِّبات ؛ أيْ ينبغي أن يكونَ الطيِّبون للطيِّبات، هذا أمرٌ تكليفيٌّ و ليس أمرًا تكوينيًّا، وهناك آيةٌ تشبِهُ هذه الآيةَ، لمّا تحدَّث اللهُ عز وجل عن مكةَ المُكرَّمةِ بيت اللهِ الحرام قال تعالى:

﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾

[سورة آل عمران]

 صارتْ فتنةٌ قبل عشر سنواتٍ مات فيها خمسةُ آلاف وسطَ الحرَم، فماذا نفعلُ بهذه الآيةِ وهذه الواقعةِ، الشيء نفسه، أيْ يا عبادي ينبغي أنْ يكونَ هذا البيتُ آمنًا، واجْعلوهُ آمنًا، أنتم خلفائي في الأرضِ، فهذه الآيات ليست أمرًا تكوينيًّا إنَّما هي أمرٌ تكليفيٌّ، الله تعالى كلَّفنا أن نجعلَ هذا البيتَ آمنًا، أمّا إذا فهِمْتَها على ظاهرها فلا، لأن علماء التفسير يقولون: هذا أسلوبٌ خبرِيٌّ يُرادُ به الإنشاء، و هناك آيةٌ ثالثةٌ، قال تعالى:

 

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾

 

[سورة البقرة]

 هذا خبرٌ، أيْ يا أيَّتُها الوالداتُ أرضِعْن أولادكُنَّ حولين كاملين، هذا خبرٌ أُريدَ به الإنشاءَ، و هذه بلاغةٌ في القرآن الكريم الأُسلوبُ يأتي خبرِيًّا و يأتي إِنشائِيًّا، و الخبرُ يحتملُ الكذبَ و الصِدقَ و الإنشاءُ لا يحتملُ، و لكنْ في القرآن ظاهرةٌ فريدةٌ، فإذا قال الواحدُ لابنِه:يا بُنَيَّ إيَّاكَ أن تأتيَ بعد الساعة العاشرةِ إني لن أفتحَ لك البابَ، فأنتَ لمَّا أمرتَه أن لا يتأخَّرَ تصَوَّرَ إمكانَ التأخُّر، و ما جاء بباله التأخُّرُ، فلمَّا نبَّهتَه على عدم التأخُّر معنى ذلك أنه ممكنٌ أن يتأخَّر، فمشكلة الأمرِ و النهيِ يحتملُ تصوُّرَ العكس دائمًا، أما إذا قلتَ: ليس عندي من يدخل البيتَ بعد الساعة العاشرة، هذا خبرٌ ؛ و تقصِدُ به أنه لا يوجَد من يدخل بيتك بعد الساعةِ العاشرةِ، وهذا ليس أمرًا و لا نهيًا، هو خبرٌ عن حالك، أنا يا ابني ليس عندي في نظام حياتي إنسانٌ يدخل البيتَ بعد الساعةِ العاشرةِ، هذا خبرٌ أردتَ به الإنشاءَ، ولكنَّ الخبرَ له ميِّزةٌ ينتفِي في ذهنِ السامعِ إمكانَ العكسِ، فكلُّ لأمرٍ و نهيٍ يخلقُ تصوُّرَ العكس أمَّا إذا جاء الخبرُ يُرادُ به الإنشاءَ كآيةِ الإرضاع، أي من شأن الوالدات أن يُرضعْنَ أولادهنَّ، فإذا جاء الخبرُ و قُصِد به الإنشاء فهو من أبلغِ أنواعِ الأمرِ.
 الآيةُ الأُولى:

 

﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(26)﴾

 

[سورة النور]

 و الآية الثانيةُ:

﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾

[سورة آل عمران]

 ومن دخله..آمناو الآية الثالثةُ:

 

﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾

 

[سورة البقرة]

 و قال عليه الصلاة و السلام ؛عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:

 

(( لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ))

 

[رواه البخاري]

 هذا خبرٌ أيضًا، أيْ ؛ يا أيها القومُ لا تجعلُوا امرأةً على رأسكم، فهذا خبرٌ يُرادُ به الإنشاء، و مرَّةً أحدُ العلماء الصالحين وهو الشيخ بدر الدين الحسني شيخ الشيوخ في الشام يمشي مع إخوانِه في بستانٍ و الطريقُ فيه وَحَلٌ و جاء إنسانٌ جاهلٌ أرعنُ راكباً بغلةً بدأ يؤذي الأخوة بالوَحَلِ فصاحوا به أنْ إيَّاك أن تؤذيَ الشيخَ وقد تضايق الشيخُ منه، وأحدُ الأخوة لم يتحَمَّلْ ضربه ضربةً فماتَ بها، و لم يُقِرَّه الشيخُ على ذلك، فقال: ما أفلح قومٌ لا سفيهَ لهم، هذا خبرٌ يُراد به الإنشاء، وهو أحدُ أساليب اللغةِ العربيةِ، أنْ تستخدِمَ الخبرَ و تريد به الإنشاءَ

 

تحميل النص

إخفاء الصور