- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (024) سورة النور
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الأخوة الكرام، فالآياتُ الحاديةَ عشرة و التي بعدها من سورة النور آياتٌ تتحدَّث عن موضوعِ الإفكِ الذي كان في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم، و قبل أنْ نقرأَ الآياتِ و نقف عند أبرزِ معانيها ينبغِي أن نضعَ بينَ أيديكم هذه الحقيقةَ ؛ هناك مَقُولةٌ أنَّ لكلِّ واقعٍ حكمةً، ولو أنه بدَى لك أنَّ الذي وقع مُؤلِمٌ أو شرٌّ و ليتَه لم يقعْ، يجبُ أن تعتقدَ أنَّ كلَّ شيء وقع أراده اللهُ، وأنَّ كلَّ شيء أراده اللهُ يقعُ، و أنَّ إرادةَ اللهِ متعَلِّقةٌ بالحكمة المُطلقةِ، والحكمةُ المطلقة متعلِّقة بالخير المطلق، هذه المقولةُ لو وَعَيْنَاها و استوعبناها لزالتْ من أنفسنا كلُّ الهمومِ و الأحزان ؛ لأن لكلِّ شيء حقيقةً و ما بلغَ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتَّى يعلمَ أن ما أصابه لم يكن ليُخطِئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبَه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ﴾
السَّيِّدةُ عائشةُ زوجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم و أمُّ المؤمنين و بنتُ سيِّدِنا أبي بكرٍ الصدِّيق رضي اللهُ عنه، و هي العَفافُ الحَصانُ الرَزَانُ الطَّاهرةُ المُطهَّرةُ و مع ذلك هناك من قال عنها أنها وقعتْ في الفاحشةِ
شيء لا يُحتمَلُ، زوجةُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام قالوا عنها بملابسةٍ وقعتْ إنَّها وقعتْ في الزنا، و اللهُ سبحانه وتعالى برَّأها بعدَ ثلاثين يومًا مضَتْ على النبيِّ صلى الله عليه و سلم كأنَّها ثلاثون يومًا ؛ إلى أن جاءتْ براءتُها، وكلكم أزواجٌ و تعرفون أن الإنسانَ يتحمَّل كلَّ شيء الفقرَ و يتحمَّل مصائبَ لا حصرَ لها، أمَّا أن يُتَّهم في عرضه و في شرفِ زوجتِه فسينتقمون بالقتل، أما النبيُّ عليه الصلاة و السلام فكان إذا دخل البيتَ قبلَ هذا الحديث يقول: كيف عُوَيْش؟ تحَبُّبًا فلما انتشر هذا الحديثُ ـ و مقالةُ السوءِ تنتشر بسرعةٍ ـ و المدينةُ كلُّها تتحدَّث عن هذه القصَّةِ، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام لا يملِكُ لهذا الوحيِ جلبًا و لا ردًّا وقد ظهر للناسِ أنَّ الوحيَ ليس من عند محمدٍ، وليس افتراءً على اللهِ ولو أن الوحيَ من عنده و كان افتراءً على الله لحاء النبيُّ بعد ساعةٍ بآيةٍ تحسِمُ الموضوعَ، ثلاثون يومًا و النبيُّ عليه الصلاة والسلام لا يدري ماذا يفعل، ليس هناك دليلُ إثباتٍ و لا دليلُ نفيٍ، و لكنَّه غيَّرَ موقفَه من عائشةَ، فكان إذا دخل عليها يقول: كيف آتيكم، اسمُ إشارةٍ ـ ذا و ذي و تا و ته ـ هو يعلم أنّها طاهرةٌ و لكنَّ المدينةَ كلَّها تتحدَّث عن قصَّة لا يحتمِل الإنسانُ أن يسمعها عن إنسان عاديٍّ فكيف عن سيِّد الخلق و حبيبِ الحقِّ، ماذا يقول اللهُ عن هذه القصَّةِ، و أوَّلُ سؤالٍ ؛كيف وقعتْ ؟و كيف سمحَ اللهُ لمسطحَ أن يقول ؟ و الجوابُ أن لكل واقعٍ حكمة، أيُّ شيء وقع في الكونِ، فهذا الكون مُلْك الله تعالى، ولا يقَعُ في مُلك الله إلا ما أرادَهُ الله، حتَّى الشيء الذي يبْدو لكَ شرًّا، فما دام قد وقَع فالله أرادهُ، وما دام الله أرادهُ فهو في حِكْمةٍ مطلقة، وما دام في حِكْمة مُطْلقة فهو في خيرٍ مُطْلق، والله أيها الأخوة هذه المَقولة لو اسْتَوْعَبناها لم يبْق في حياتنا مُشْكلة، ففي الحياة مشاكل مادِّيَّة، ولكن لا يوجد ألَمٌ ولا ضيقٌ ولا شَكّ ولا قلق، فالله بيَدِهِ كلّ شيء، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
بهذا الحديث الكاذِب وهذا الافْتِراء إلى السيِّدة الطاهرة، قذْفُ مُحْصَنَةٍ يهْدِمُ عمَل مائة سنة ! وإنَّك إن اتَّهَمْت مُحْصَنَةً كأنَّكَ قَتَلْتَها، وكأنَّكَ سَحَقْتَها، فقَبْلَ أن تتَّهِم وتُرَوِّج ؟، وقبل أن تنْقل، تحقَّقْ مما سمعتَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))
أنت إنسان عاقِل، ولا يُعْقَلُ مِنك أنَّ كلّ ما تسْمَعُهُ تقولُهُ، اسْمَع مليار قِصَّة ولا ترْوِها، فهناك قِصص كأنَّها تطْعَنُ بِعَدالة الله، هذه القِصَّة لا ينبغي أن تُروِّجَها، ولكن تحَقَّق واسأَل، قال تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)﴾
وقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
فالقصَّة التي وقعَت في الإفك مادامَتْ قد وَقَعَتْ فقد أراد الله منها الخير فلا تَحسبوه شرًّا ومهما بَدَتْ مُؤْلِمَة، وهذا درْسٌ لنا، فالشيء المؤْلِم الذي يقع، ففيه الخير المطْلق لأنَّ الله سَمَحَ فيه، فالخير ليس بِنَظَرِكَ ولكن بِمِقياس خالق الكون فالله خلَقَكَ للجنَّة، فيُمْكِنُ أن تُفلِس أو يحْترق المحَلّ فلو أنَّ واحِدًا عمرُهُ خمسٌ وخمسون سنة ولم يُصَلِّ قطّ ! ثمَّ جاءتْهُ مشْكِلة كبيرة حَمَلَتْهُ على الصلاة، فهل هذه مشكلةٌ ؟! لا واللهِ، لولاها ما صلَّى كاد يموت كافرًا فربُّنا عز وجل يُرَبِّي و رحيم، فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
هذه القصَّةُ التي لا تُحتمَل و الذي روَّج لحديث الإفك و نقل الحديثَ و الذي أشاعَه، وهذه القصَّةُ المُزعجةُ المؤلمةُ التي يتفطَّرُ لها القلبُ قال تعالى فيها:
﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ﴾
هذه القصةُ كاشفةٌ، أحيانًا الإنسانُ يُعطي الصائغَ سوارات و يحُكُّها الصائغُ بالمِحكِّ فيظهرُ خطٌّ أبيضُ معناه أنه مُزَيَّف فيقول الصائغ: خمس ليرات، و إذا ظهر خطٌّ أصفرُ يقول له: بخمسةٍ و عشرين ألف، قال تعالى:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ﴾
أي الذي رمى الفتنةَ و روَّجها و أشاعَها و نقلها له عذابٌ عظيمٌ، و الغِيبَةُ أشدُّ من الزنا، لأن الإنسانَ له كرامتُه و له سمعتُه، هذا العِرضُ أثمنُ ما يملكُه الإنسانُ، و بالتعريفِ الدقيقِ هو موطِنُ المديحِ و الذَّمِ قال تعالى:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
يقول الله عز وجل:
﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً﴾
المؤمنُ الطاهرُ النقيُّ إذا سمعَ قصَّةً عن مؤمنٍ لا يُصدِّقُها، لأنه يعرف من حاله كما أنَّه وَرِعٌ فالآخَرُ ورِعٌ، و كما أنَّه يخافُ اللهَ الآخرُ يخافُ اللهَ، أنتَ لا تقبلُ أن تأكلَ قِرْشًا حرامًا، فهل تقبلُ عن أخيكَ المؤمنِ يأكلُ مليون ليرة حراما، فالمؤمنُ دائمًا يُحسنُ الظنَّ بأخيه المؤمنِ، و بالمناسبةِ ؛ من أحسنَ الظنَّ بأخيهِ المؤمنِ فكأنَّما أحسنَ الظنَّ بربِّه، فلا بدَّ مكن حسنِ الظنِّ و لا تتسَرَّعْ، كطان عندنا أخٌ تُوُفِّيَ رحمه اللهُ و كان عنده معمل حلويات، فطلبَ من معملِ الزُّبدةِ مائةَ قطعةٍ، فجاءته القطعُ فعدَّهم فوجدَهم تسعةً و تسعينَ قطعةً، اقترب من معطفِ أحدِ مُوَظِّفيه فوجد في جيبِه القطعةَ الناقصةَ، أليس هذا دليلاً قاطعاً على أن هذا الموظَّفَ خان الأمانةَ، فلا يتسرَّع الإنسانُ و العاقلُ لا يندمُ، وهذه قصَّةٌ عابرةٌ، و مثلُها آلافُ القصص، قال تعالى:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
النبيُّ كان مع أصحابه في معركةٍ فقال: أين فلانٌ ؟ فتفقَّد أحد أصحابه فقال أحدُهم: يا رسول اللهِ شغَله بستانُه، فوقفَ صحابيٌّ آخر و قال: لا واللهِ يا رسول اللهِ لقد تخلَّفَ عنك أُناسٌ ما نحن بأشدَّ حبًّا لك منهم و لو علموا أنك تلقى عدوًّا ما تخلَّفوا عنك، ابتسم النبيُّ لهذا الدفاعِ الشريفِ فإذا علمتَ من أخيك الخيرَ و الاستقامةَ فلا يقبلْ عنه تُهمةً باطلةً فليتحقَّقْ و ليسألْ عنه، ما الحقيقةُ ؟ أُترُكْ صدرَك سليمًا نحو إخوانك قال تعالى:
﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)﴾
فإذا اتَّهمَ إنسانٌ إنسانًا آخرَ بالزنا و لم يأتِ بأربعةِ شهداء جُلِدَ، قال تعالى:
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)﴾
من السَّهلِ أن تتحدَّث عن رسول اللهِ و عن زوجاته الطاهراتِ، قال تعالى:
﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)﴾
فاللهُ عز وجل بيَّنَ للصحابةِ أنَّ الوحيَ شيء لا يملكه النبيُّ، وهو خارجٌ عن إرادته، و لو كان يملكه لأنزل بعد دقيقةٍ آيةً، إذًا فهو صادقٌ فيما نقلَ عن ربِّه و الصحابةُ اُمتُحِنوا امتحانًا مُفاجئًا فهناك من نجحَ و رسبَ و السيِّدةُ عائشةُ اُمتحِنتْ و صبرت و كانت قدوةً لكلِّ امرأةٍ طاهرةٍ عفيفةٍ من بعدها إلى يوم القيامةِ، فإذا الواحدُ اُتُّهم خطأً فله في هذه السيِّدة قُدوة و أُسوةٌ حسنةٌ، فالسيِّدة عائشة كسبتْ أجرًا و صارت قدوةً و الصحابةُ امتُحنُوا و المنافقون ظهروا، و الصحابة أحسنوا الظنَّ برسول الله و بزوجته، و الوحيُ ظهرَ، لذلك قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)﴾
ثم قال تعالى:
﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)﴾
و قال تعالى:
﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)﴾
فلمَّا نزلتْ براءتُها قال لها أبوها: قومي إلى رسول الله فاشكريه قالت: و اللهِ لا أقوم إلا لله، فتبسَّم النبيُّ وقال:
((عرفت الحقَّ لأهله.))
هذه القصَّةُ أيها الأخوة تُعادُ كلَّ يومٍ مرَّةً، في الأُسرِ و الأحياء و الأقرباءِ فلا تتسرَّعْ، لأن المؤمنَ عفيفٌ طاهرٌ، فإيَّاك أن تُسِيء الظنَّ به، و المنافقًُ عدوٌّ بغيضٌ يُعلِنُ عن فرحِه بهذا الخبر، بل إنَّ الله سبحانه و تعالى في آياتٍ أخرى يقول:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾
ما تكلَّم بكلمةٍ و لكنَّه ارتاحَ لهذا الخبرِ، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾
فلمَّا فرِح بهذا الخبرِ وضع نفسَه في خندقِ المنافقين و هو لا يشعرُ، و المنافقون بوصْفِهم الدقيقِ قال تعالى:
﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ(50)﴾
عندنا الآنَ مقياسٌ ثابتٌ، أخوك المؤمنُ أكرمه اللهُ بشيءٍ إذا غضِبتَ فضعْ نفسَك مع المنافقين وإذا فرحتَ فأنتَ مع المؤمنين، أخذ الدكتوراه أو أسَّسَ شركةً لماذا تنزَعِجُ، معناه أنت منافق، و قِسْ حالتَك بهذا المقياسِ، فإذا آلمَك خيرٌ أصابَ المؤمنَ فهذه علامةُ النِفاق و إذا فرحْتَ حقيقةً فأنتَ مؤمنٌ، فهلْ هناك في الأرضِ أمٌّ تتمنَّى الفضيحةَ لابنتِها ؟! فإذا وُجِدتْ فمعناه أنها ليست ابنتَها، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)﴾
لأهْلَكَكُم بهذا الحديثِ.