وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة فاطر - تفسير الآية 2 الرحمة الإلهية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، في سورة فاطر آيةٌ كريمة هي الآيةُ الثانيةُ وهي قوله تعالى:

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

(سورة فاطر)

 هذه الآية أيها الإخوة فيها معانٍ دقيقةٌ جدًّا، هناك دنيا و هناك المالُ و هناك السلطانُ وهناك النساءُ و هناك الطعام و الشراب و هناك البيت الفخمةُ و المزارع الغنَّاءُ، و هناك الأموال الكبيرةُ، هذه الدنيا، و هناك رحمة الله التي تجمع كلَّ شيء، وقد يعطي اللهُ المالَ و صاحبُه أشقى الناسِ، و قد يقتله أولادُه، وقد ُنهَى حياتُه بسب ماله، وقد يكون مالُه سببَ شقائه في الدنيا، و قد يأتيه المرضُ العُضالُ الذي لا ينفع معه المالُ، فأُعطِيَ المالَ و أُمسَكتْ عنه رحمةُ الله تعالى، و قد يُعطَى رحمةَ الله، و بمالٍ قليل يبارك اللهُ له فيه و يسعد أهلُه به و أولادُه وينفقه في طاعة الله، و كما قلتُ في البداية، المال الوفيرُ و النساء الجميلات و البيوت الفاخرة و المراكب الرائعة و الحدائق الغنَّاء و القصور ؛ هذه الدنيا، و رحمة الله تعالى شيءٌ آخر، قال تعالى:

 

﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32)﴾

 

(سورة الزخرف)

 و قد يُحرَم الإنسان الولدَ و تأتيه رحمة الله، فهو أسعدُ الناس بها، و قد يأتيه أولادٌ أشرارٌ و بناتٌ منحرفاتٌ ينغَّصون حياتَه، و ليس معنى هذا أننا نرفض الولدَ، و لكن نريد رحمة الله، و ما أروعَ رحمةُ الله مع الأولاد و مع الأموال و مع الزوجة الصالحة، فربنا تعالى يقول:

 

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

 

(سورة فاطر)

 وليس في الأرض كلِّها جهةٌ مهما قوِيتْ يمكن أن تحول بينك و بين رحمة الله تعالى، لذلك كلمة الحق لا تقطعه رزقًا و لا تقرِّب أجلا إذا طَلَبْتَ رحْمة الله تعالى نِلْتَها، ولكنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان في أعلى درجات الأدب،وكان يقول: اللهمّ إنِّي أسألك موجبات رحمتك..." فالأديب يسأل موجبات الرحمة، وقد يُعْطِيَكَ الله مرْتبةً اجْتِماعِيَّة فإذا هذه المرتبة سبب الحسَد، والكَيْد والعَدَاوة وتنتهي هذه العَدَاوة بِمَرَضِكَ وقد تأتيك رحْمة الله وتأتيك معها مرْتبةً دينِيَّة، فإذا الناس حوْلك مُحشبُّون ولك مُخْلصون، فأنت ما عليك إلا أن تطلبَ رحْمة الله، وكلّ شيءٍ من الله تعالى مَقْبول، فالفقْر مَقبول، والغِنَى مَقبول، والصِّحة مَقْبولة والمرض مَقبول، فكَمْ مِن صَحابيٌّ جَليل فَتَح البِلاد وهو مريض مرضًا شديدًا ‍! فَرَحمة الله عز وجل لا تتأثَّر لا بِمَرضٍ ولا بِخَوفٍ ولا بِقَلَق، ولكن ما تعريفها ؟
 أردْتُ وأنا بِطَريقي إلى المسْجِد أردْتُ أن أضْرِبَ مثلاً، فلو أنَّ ملِكًا كبيرًا يمْلِكُ ممالِك كبيرة، ورضِيَ عن أحَدِ رعاياه ؛ بيتٌ ومركبة ومرتبة ومنْصِب وصلاحِيَّات، فهذا الملِكَ رضِيَ عن هذا الإنسان وملَّكَهُ ما يَحْتاج، فهذا مَلِكٌ مِن بني البشَر إن رضِيَ عن إنسانٍ أعْطاهُ كلّ شيءٍ، فإذا كان الواحدُ الدَّيان رضِيَ عن مؤمنٍ، فما معنى رحْمة الله مع هذا المؤْمِن ؟! الصِّحة ضِمْن الرَّحْمة، وكذا الزَّوْجة الصالحَة ضِمْن الرَّحمة والمكانة، إلا أنَّ هناك شيءٌ آخر، قال تعالى:

 

﴿وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72)﴾

 

(سورة التوبة)

 فإحْساس المؤمن أنَّ الله راضٍ عنه هذا شيءٌ لا يُقَدَّر بِثَمَن، ورحمة الله في الآخرة هِيَ النَّظَر إلى وجْهه الكريم ؛ الجِنان والحُور العين والوِلدان المُخلَّدون، والأنهار العسل واللَّبَن، كلّ ما وصَف الله لنا في الجنَّة لا يُعادِل رِضْوان الله عز وجل، والنظرُ إلى وجه الله الكريم لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أن المؤمن ينظر إلى وجه الله الكريم فيغيب خمسين ألف سنة من نَشوة النظر، قال تعالى:

 

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾

 

(سورة القيامة)

 و قال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(107)﴾

 

(سورة آل عمران)

 اللهُ تعالى خالق الكون إذا أراد أن يسعدك يعرف كيف يسعدك من كلِّ النواحي و من كلِّ الألوان و الأشكال، فالإنسانُ لِيطلبْ رحمةَ الله اللهم رحمتَك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، هكذا كان يدعو النبيُّ عليه الصلاة والسلام. فالعبرة أيها الإخوة من هذه الآية أن الله تعالى قد يعطي عبدَه المالَ وهو لا يحبُّه، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾

 

(سورة القصص)

 وهو لا يحبُّه، و أعطى فرعونَ الملكَ وهو لا يحبه، و أعطى سليمانَ الملكَ وهو يحبه و أعطى عبد الرحمن بن عوف المالَ وهو يحبه، فرحمة الله لا علاقة لها بالدنيا، فقد تأتي و قد تذهب، و لكنَّ! رحمة الله شيءٌ ثمين جدًّا.
 فلذلك أيها الإخوة رحمة الله لها أسبابٌ، و لو أنكم قرأتم القرآنَ الكريمَ ما هي أسبابُ رحمة الله؟ قال تعالى:

 

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(56)﴾

 

(سورة النور)

 فثمنُ رحمة الله الطاعةُ، وهي بين يديكم، فكلُّ إنسان بإمكانه أن يطيع الله تعالى

 

أطعْ أمرنا نرفعْ لأجلك حجبنا  فإنا منحنا بالرضا من أحبَّنــا
و لُذْ بحمانا واحتمِ بجنابنــا  لنحميك ما فيه أشرارُ خلقنــا
و عن ذكرنا لا يشغلَنَّك شاغلٌ  و أخلصْ لنا تلقَ المسرَّة و الهنا
و سلِّم لنا الأمرَ في كلِّ ما يكن  فما القربُ و الإبعادُ إلا بأمرنا
وجدناك مضطرًّا فقلنا أُدعونـا  نُجِبْك، فهل أنت حقًّا دعوتَنـا
دعوناك للخيرات أعرضْتَ نائيًا  فهل تلق من يحسن لمثلك مثلَنا
فيا خجلي منه إذا هو قال لـي  يا عبد نا ما قرأتَ كتابـــنا
أما تستحي منا و يكفيك ما جرى  أما تختشي من عتقنا يوم جمعنا
أما آنَ أن تقلع عن الذنب راجعا  وتنظر ما به جاء وعدُنـــا

 أيها الإخوة، هذه الآية دقيقة جدًّ،قال تعالى:

 

 

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

 

(سورة فاطر)

 قد يعطيك المالَ الوفيرَ و يحجب عنك رحمتَه، فإذا المالُ سببُ شقائك وقد يعطيك المنصبَ الرفيعَ و يحجب عنك رحمتَه، فإذا هذا المنصب سببُ شقائك و هلاكك، و قد يعطيك الذرِيةَ الكثيرةَ ويحجب عنك رحمته فإذا هذه الذرِّيةُ سببُ شقائك في الدنيا و الآخرة، تقول البنتُ يوم القيامة: يا رب لا أدخل النارَ حتى يدخل أبي قبلي، هو سببي، لم يعلِّمني، فتُعطَى المالَ و تُحجَب عنك حمة الله فالمالُ سببُ الشقاء، وتُحرَم من المال و تأتيك رحمة الله فأنت أسعد الناس، اللهم من أحبَّني فاجعل رزقَه كفافا، تُحرَم من المكانة العالية في المجتمع و تكون عبدا خفيًّا و تأتيك رحمة الله فأنت أسعدُ الناس، قال تعالى:

 

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

 

(سورة فاطر)

 و رحمة الله تعالى بالطاعة

 

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(56)﴾

 

(سورة النور)

 و قال تعالى:

 

﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56)﴾

 

(سورة الأعراف)

 أحسِنْ لكلَّ الناسِ و لكلِّ المخلوقات

 

﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56)﴾

 

(سورة الأعراف)

 لو أن الإنسانَ قرأ القرآن ووقف عند كلمة " رحمة الله " ما أسبابها ؟ و هل تصدِّق أن علَّةَ خلق الكون أن يرحم اللهُ مخلوقاتِه، قال تعالى:

 

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

 

(سورة هود)

 خلقَنا ليرحمنا، و رحمة الله أسبابها الطاعة و الإحسان، و إذا ملكْتَها ملكْتَ كلَّ شيءٍ، و إن غابتْ عنك غاب عنك كلُّ شيءٍ، " يا ربي ماذا فقدَِ من وجدك واللهِ ما فقَد شيئا، و ماذا وجد من فقدك " أحدُ الأغنياء في العالم ترك البلايين، ماتتْ بنتُه منتحِرةً، وهي الوارثةُ الوحيدةُ، فلذلك العبرة أن يرحمك اللهُ، يرحمك بأولاد صالحين و بدخل معتدلٍ و بزوجة صالحةٍ، فإذا رحمك اللهُ أعطاك كلَّ شيءٍ يا ربي ماذا فقدَِ من وجدك، و ماذا وجد من فقدك "

تحميل النص

إخفاء الصور