- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
وجوب تعليم الأبناء مبادئ الدين القويم :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ عودةٌ إلى الموضوع المُتَسَلْسِل ، بدأنا قبل عدة أسابيع في موضوعٍ خطيرٍ ، ودقيقٍ ، ومهم ، إنه : " البيت المسلم " ، فالإنسان إذا سعد في بيته سعد في عمله ، إذا اطمأن في بيته أنتج في عمله ، والبيتُ قِوام المجتمع ، إنه اللبنة الأولى ، فإذا صلح البيت صلح المجتمع .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ مسؤولية الآباء تجاه أسرهم ، وتجاه أهليهم مسؤولية ثابتة في نَصِّ القرآن الكريم ، لقوله تعالى :
﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾
ومسؤولية الآباء تجاه الأهل والأبناء مسؤوليةٌ كبيرةٌ ، ومتعددةٌ ، ومتنوّعة ، في رأسها ، وفي قمتها ، ومن أبرزها مسؤولية التربية الإيمانية ، لابدَّ من أن تربّي بيتك بما فيه من أهلك ، وأولادك ، وبناتك تربيةً وفق ما جاء به المنهج الإسلامي ، ووفق ما جاءت به السُّنة النبوية .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ينبغي أن تعلّم ابنك منذ بدأ يعقل أصول الإيمان ، ويجب أن تعلمه منذ بدأ يفهم أركان الإسلام ، ويجب أن تعلمه حين بدأ يميِّز مبادئ الشريعة الغرَّاء ، فأصول الإيمان ؛ الإيمان بالله عزَّ وجل ، الإيمان بالله خالقاً ، ومربياً ، ومسيراً ، الإيمان بأسمائه الحسنى ، وصفاته الفُضلى ، الإيمان باليوم الآخر ، الإيمان بالرُسل ، الإيمان بالكُتُب ، الإيمان بالملائِكة ، الإيمان بالقدر خيره وشره ، هذه أركان الإيمان . ويجب أن تعلمه أركان الإسلام ؛ من صلاةٍ ، وصيامٍ ، وحجٍ ، وزكاة . يجب أن تعلمه مبادئ هذا الدين القويم ، من عقيدةٍ ، ومن شريعةٍ ، من عباداتٍ ، ومعاملاتٍ ، وأخلاق .
التّوحيد أساس الدين :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه مسؤولية الآباء ، ماذا جاء في النصوص القطعية الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟ روى الحاكم عن ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((افتحوا على صبيانكم أول كلمةٍ بلا إله إلا الله))
لأن التوحيد أساس الدين ، وما مِن معصيةٍ ، أو انحرافٍ ، أو بَغْيٍ إلا بسبب الشِرك ، فلو أيقنَ الإنسان أنه لا إله إلا الله ، وأنه هو إلهٌ واحد ، وأن الله في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ ، وأن الأمر كلَّه بيده . .
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
وأنه لا رافع ولا خافض ، ولا مُعز ولا مُذل ، ولا مُعطي ولا مانع ، ولا قابض ولا باسط إلا الله عزَّ وجل ، وأن كلمة التوحيد - كما قال علماء التوحيد - نهاية العِلم ، وأن التوحيد مع العبادة جَوْهَر الدين ، أنْ . .
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾
ملخَّص هذا القرآن كله هو أنه لا إله إلا الله ، ولا إله إلا الله كلمة ولكن شرحها يطول ، تحتاج إلى قصص كي تؤكِّدها ، وما قِصَّةُ سيدنا يوسف في مُجْمَلها ، وفي مغزاها إلا كي تؤمن بأنه لا إله إلا الله ، وقد ورد مغزاها في بعض الآيات . .
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
وما قصة موسى في مغزاها ، إلا أن الأمر كله بيد الله . .
﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي﴾
لِمَ لا تخافي ؟ لأننا معه . .
﴿وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
وما قصة سيدنا يونس حينما التقمه الحوت . .
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
هذه كلمة ، ولكن شرحها يطول ؛ تُشْرح من خلال آيات الكون ، وتشرح من خلال قِصَص الأنبياء ، وتُشرح من خلال قصص الصحابة الكرام ، وتشرح من خلال الأحداث اليومية ، وتشرح من خلال الآيات القُرآنية . لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((افتحوا على صبيانكم أول كلمةٍ بلا إله إلا الله))
الكلمة إذا كَثُرَ استعمالها قد تفقد بعض معناها ، يقول الناس جميعاً : لا إله إلا الله ، وقد يقولونها في ساعة غَضَبِهِم ، ولكن هل ندري ما معنى هذه الكلمة ؟ إنها الدين كله ، هذا الذي تخاف منه وتعصي الله خوفاً منه لا يستطيع أن يفعل شيئاً ؛ لا أن ينفعك ، ولا أن يضرَّك ، ولا أن يقدِّم ، ولا أن يؤخِّر ، إذا آمنت بأنه لا إله إلا الله زال شبح هذا الخوف . ماذا قال سيدنا هود؟ . .
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
أيها الأخوة المؤمنون ؛ ويستحب مَنْ رُزِقَ مولوداً أن يفعل أول شيء أن يؤذِّن في أذنه اليُمنى ، وأن يُقيم في أذنه اليُسرى ، لأن هذا الطفل حديث العهد بالحياة ، أول شيءٍ يطرق سمعه كلمة التوحيد ، هكذا علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام ، وفعل هذا .
وهناك شيءٌ آخر: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام :
((اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر ، واجتناب النواهي ، فذلك وِقايةٌ لهم ولكم من النار))
هذا حديثٌ رواه ابن عباسٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام :
((اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر ، واجتناب النواهي ، فذلك وِقايةٌ لهم ولكم من النار))
تأديب الأطفال على حبّ الصلاة و القرآن و حبّ النبي و آل بيته :
أما العبادات ؛ فقد وجَّهنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نأمر بها أولادنا في سِن السابعة ، وأن نضربهم على تركها في سن العاشرة ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((مروا أولادكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))
وقد روى الطبراني عن سيدنا علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه قال :
((أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال ؛ حُبِّ نبيُّكم . . . ))
لا لأن هذا الطفل في مُقْتَبَل العُمر من شأنه ، ومن طبيعته ، ومن خصائصه النفسية التعلُّق بشخصيةٍ مِثالية ، فإن لم تربِّ ابنك على حبّ النبي عليه الصلاة والسلام ، وحبّ آل بيته ، وحبِّ المؤمنين نشأ على حب أُناسٍ آخرين ؛ تشمئزُّ من أخلاقهم ، ومن عاداتهم ، ومن سلوكهم ، ومن مُعتقداتهم ، ومن أنماط حياتهم ، ومن تفكيرهم ، كأن نفسَ الطفل وعاءٌ إن لم يُملأ بشخصيّاتٍ مثاليةٍ ، متمسكةٍ بأهداف الفضيلة ، امتلأت هذه النَفْسُ بشخصياتٍ تافهةٍ ، ساقطةٍ تخطف أبصار الأطفال بشكلٍ أو بآخر ، بسببٍ لا يَمُتُّ إلى الدين بصلةٍ إطلاقاً .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ هكذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام :
((أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال ؛ حبِّ نبيُّكم ، وحب آل بيته ، وتلاوة القرآن))
السَلـَف الصالح في أطراف العالم الإسلامي ، في أيّام ازدهار العالم الإسلامي، كان منهج التربية تعليم الأطفال القرآن الكريم ؛ فمن خلاله تقوُّم ألسنتهم ، ومن خلاله ينمو إيمانهم ، ومن خلاله تتهذَّب أخلاقهم ، ومن خلاله تنمو شخصيَّتهم ، إن مناهج التربية الإسلامية قائمةٌ على تعليم الصغار القرآن الكريم ، وبفضل الله عزَّ وجل إن في بلدتنا هذه معاهد كثيرةٌ جداً لتحفيظ القرآن الكريم ، ولتعليم علومه وآدابه ، فعلى كل أب أن ينتبه لهذه الناحية . .
((أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال ؛ حبِّ نبيُّكم ، وحب آل بيته ، وتلاوة القرآن الكريم ، فإن حملة القرآن في ظلِّ عَرْشِ الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه))
ضرورة تعليم الأطفال سيـرة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ يتفرَّع عن تأديب الأطفال على حبّ النبي وحب آل بيته أن تُعَلِّم ابنك سيـرة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فضلاً عن تعليمه القرآن ، وعن تعليمه أحكام الصلاة ، وعن تعليمه أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، وعن بيان آيات الله العظيمة الدَّالة عليه ، فضلاً عن كل ذلك يجب أن تعلمه سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قُرْآنٌ يمشي ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو المثل الأعلى، والقدوة الصالحة ، والأسوة الحسنة ، لأن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام تمثَّلت فيها أخلاق الإسلام ، أخلاق القرآن ، كيف كان يعيش ؟ كيف يُعامل أهله ؟ كان إذا دخل بيته بسَّاماً ضحَّاكاً ، كان إذا دخل بيته لفَّ ثوبه ، كان يتصابى للصِبيان ، كان يسلِّم عليهم ، كان يحمل حاجته بيده ، كان لا يأنف من قضاء حاجة ضعيفٍ أو مسكين ، كان مع إخوانه وأصحابه ، وقد توزَّعوا بعض الأعمال . . ـ قال : عليَّ سلخها . وقال آخر : وعليَّ ذبحها . وقال ثالث : وعليَّ طبخها . فقال عليه الصلاة والسلام : وعليَّ جمع الحطب . فقالوا : نكفيك ذلك ؟ قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
هذا درسٌ بليغ . قلت لكم في الأسبوع الماضي كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما دخل عليه أميرٌ من أمراء العرب ؛ خلع ثوبه وقذفه إليه وقال : " اجلس عليه " فما كان من هذا الرجل - الذي له مكانةٌ في قومه - إلا أن أخذ ثوب النبي ، ووضعه على وجهه ، وقبَّله وبكى ، وقال : أكرمك الله كما أكرمتني ، وما كان لي أن أجلس على ثوبك يا رسول الله ، ثم ردَّه إلى النبي عليه الصلاة والسلام . فقال عليه الصلاة والسلام :
((إذا جاءكم كريم قومٍ فأكرموه))
لو قرأتم سيرة النبي عليه الصلاة والسلام قراءةً متأنِّيةً ، متمعِّنةً ، هادفةً ، دقيقةً ، متفحصةً ، لوجدتم أن في سيرته من الدروس والعِبَر ، ومن الإرشادات والتعاليم ما لا يستطيع بشرٌ على الإطلاق أن تكون حياته كُلها حقائق ، ومواقف ، وعِبَراً ، ودروساً ، لذلك عندما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
((أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال ؛ حبِّ نبيُّكم . . .))
أي علِّموهم سيرة النبي ، كيف يحبون النبي ؟ هل تقول له : أحبّ نبيَّك ؟ هذا كلامٌ لا معنى له ، قل لابنك آلاف المرات : أحبّ النبي يا بني . يقول لك : أحبه . ليس هذا هو المقصود ، بل المقصود أن تريه كمال النبي ، رحمة النبي ، تواضع النبي ، عَدْلَ النبي :
(( . . . ويم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ))
هذا العدل ، والرحمة . سمع أهل المدينة أصواتاً مرعبةً ، فخرجوا من بيوتهم ذات ليلة ، فإذا بالنبي قد سبقهم إلى ذلك الصوت ، وعاد يقول لهم :
((لن تُراعوا لن تراعوا))
ما هذه الشجاعة ؟ . في معركة حنين قال :
((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب . . .))
كان أقرب الصحابة إلى العدو ، كيف يحب ابنك النبي ؟ قل له : أحب النبي يا بني . هذه تربيةٌ عَقيمة ، هذه تربيةٌ غير مُجْديةٍ ، إذا بيَّنت له مواقف النبي ، تواضع النبي ، زهد النبي ، حرص النبي ، عطف النبي ، رحمة النبي ، إذا بيَّنت له هذه الصفات والشمائل أحبَّه ، لماذا أحبَّه ؟ لأن الإنسان فُطِرَ على حُبِّ الكمال ، هذا من فطرته ، هذا جزءٌ من طبيعته ومن فطرته :
(( يا داود ذكِّر عبادي بإنعامي عليهم ، فإن النفوس جُبِلت - أي يا داود هكذا خلقتها- على حب من أحسن إليها ، وبُغض من أساء إليها ))
أبو جهل ، ماذا فعل ؟ من أعدى أعداء النبي ، من ألدِّ خصوم النبي ، ما ترك وسيلةً ، ولا موقفاً ، ولا كلمةً إلا وآذى بها النبي ، وهو من أعدى أعداء النبي ، جاء ابنه عكرمة مسلماً ، قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه :
(( يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت ))
أبعد هذه الأخلاق من أخلاق ؟ ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟
((فلا تسبوا أباه ، فإن سبَّ الميت يؤذي الحيّ ))
مراعاةً لمشاعر ابنه عكرمة ، مراعاةً لأحاسيسه ، مراعاةً لبنوَّته .
تربية الجيل الصاعد على القيم الصحيحة و الخُلُق القويم و الانضباط :
أيها الأخوة الأكارم ؛ حين قال عليه الصلاة والسلام :
((أدبوا أولادكم على حبّ النبي . . .))
أي يجب أن تعلِّم أولادك سيرة النبي ، اجلس معهم واقرأ عليهم طرفاً من سيرة النبي ، من مواقفه ، من شمائله ، البيت الذي ليس فيه كتابٌ عن سيرة النبي ، وعن مواقفه ، وعن شمائله بيـتٌ مُقْفِر ، أنت مسلم ، وهذا نبيُّك ، هذا هو المثل الأعلى ، هذا المُصطفى حبيب الحق ، وسيد الخلق ، سيد ولد آدم ، الذي أدَّى الأمانة ، وبلَّغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمَّة ، وجاهد في الله حقَّ الجهاد ؛ ألا ينبغي أن تعرف مواقفه ؟ مغازيه ؟ صفاته ؟ أخلاقه الشخصية ؟ فضائله ؟ كمالاته ؟ لا تحب النبي إلا إذا عرفته ، وفي القرآن ما يدل على ذلك . .
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾
ماذا تفعل ؟ اعرف رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ثم عَرِّف ابنك به .
إذاً يتفـرع عن حبّ النبي ، وعلى تأديب الأطفال على حبّ النبي أن تقرأ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن تقرأ سِيَرَ الصحابة ، وأن تقرأ عن الشخصيات الإسلامية المرموقة ؛ كيف كان زهدهم ، وكيف كانت غيرتهم ، وكيف كان حرصهم ، وكيف كان تواضعهم ، وكيف كانت بطولاتهم . لأن الشاب إن لم تملأ نفسه هذه الشخصيّات الفَذَّة فسوف تملؤها شخصياتٌ أخرى ممن يتقنون بعض المهارات ، ولا خَلاق لهم ، شخصيةٌ لامعة تتقن بعض المهارات الحركية ، ولا تنطوي على مُثُلٍ ولا على قيَم ، إذا بالأبناء جميعاً يتعلقون بهؤلاء .
أيها الأخوة الأكارم ؛ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، ماذا كان يقول ؟ كان يقول : كنا نُعَلِّم أولادنا مغازي النبي عليه الصلاة والسلام كما نعلمهم السورةَ من القرآن .
الإمام الغزالي - حجة الإسلام - ماذا قال ؟ نصح الآباء أن يعلّموا أبناءهم القرآن الكريم ، وأحاديث النبي عليه الصلاة والتَسْليم ، وحِكايات الأبرار ، ثم بعض الأحكام الدينية ، كلامٌ دقيق ، منهج القرآن ، سيرة النبي ، سيرة أصحابه والتابعين ، بعض الأحكام الفِقهية ، أحكام الصلاة في الدرجة الأولى ، هذا منهج كل أب .
ابن خلدون ؛ مؤسس علم الاجتماع بيَّن أهمية تعليم القرآن الكريم وتحفيظه للصغار .
ابن سينا ؛ العالِم والفيلسوف بيَّن أثر تعليم الطفل القرآن الكريم ، وبيَّن أثر هذا التعليم في تنمية لُغته ، وفي ترسيخ الإيمان في قلبه .
رجـلٌ اسمه الفضل بن زيد ؛ رأى شاباً وسيماً ، فارساً شجاعاً ، عليه مخايل الذكاء ، فسأل أمه : كيف رَبَّيْته ؟ فقالـت : حينمـا أتمَّ خمس سنوات أسلمته إلى المؤدِّب فحفظ القرآن وتلاه ، ثم رغَّبته في مفاخر قومه ، ولقَّنته مآثر آبائه وأجداده ، فلما بلغ الحُلُم حملته على أعناق الخيل ، فتمرَّس وتفرَّس ، وصار يمشي بين البيوت يُصغِ إلى كل صرخة مظلوم . إذا كان آباؤنا بخير فنحن بخير ، إذا كان الجيل الصاعد جيلاً تربَّى على قيمٍ صحيحة ، وعلى خُلُقٍ قويم ، وعلى انضباطٍ ، وعلى إنتاجٍ فنحن بخير ، لأن الأطفال مَعْقِدُ آمال الأمة .
صيانة الطفل تكون بتأديبه و تهذيبه و تعليمه محاسن الأخلاق :
أيها الأخوة الأكارم ؛ حقيقةٌ في التربية خطيرة ، هي أن الطفل الصغير يولد صفحةً بيضاء تماماً ، هذا عبَّر عنه النبي عليه الصلاة والسلام بحديثٍ شهير ، قال عليه الصلاة والسلام :
((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ))
وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم فقال الله عزَّ وجل :
﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾
أي أنَّ الله عزَّ وجـل أعطاك ابنك صفحةً بيضاء ، أعطاك ابنك ذا فطرةٍ عالية، فطرةٍ رائعة ، عليك أن تَكْتُب على هذه الصفحة البيضاء الكلام الطيّب ، الخُلُقَ الحَسَن ، إذا اجتمع بالفطرة التي فطر الله الناس عليها ؛ إيمانٌ راسخ ، وأخلاقٌ فاضلة ، وتربيةٌ صالحة كان الجيل بخَيْر ، لذلك حينما تهمل ابنك تتلوَّث فطرته ، تُطْمَسُ معالم فطرته النقية ، الأصل أن الطفل يولد على الفطرة السليمة ، ما عليك إلا أن تُغَذِّي هذه الفطرة بالتربية الصحيحة ، والتوجيه القويم ، والتلقين الصحيح .
أيها الأخوة ؛ الإمام الغزالي ، رحمه الله تعالى ، وهو في علم التربية من كبار المربين في العالم الإسلامي ، له كتبٌ كثيرة في التربية الإسلامية ، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : " الصبيُّ أمانةٌ في عُنق والديه ، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسة ، فإذا عوِّدَ الخير وعَلِمَهُ ، نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، وإن عوِّد الشر وأُهْمِلَ إهمال البهائم شَقِيَ وأشْقَى ، وهَلَك وأَهْلَك ، وصيانة هذا الطفل بأن يؤدبه ، ويهذبه ، ويعلِّمه محاسن الأخلاق " .
كيفية ترسيخ الإيمان بالله عز وجل في أبنائنا :
1 ـ لفت نظرهم إلى الآيات الكونيّة :
أيها الأخوة الأكارم ؛ كيف نرسِّخ في أبنائنا الإيمان بالله عزَّ وجل ؟ القرآن علَّمنا، القرآن فيه كل شيء ، قال تعالى :
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾
أي إذا نزل المطر ؛ ليكن لك مع ابنك وقفةٌ ، هذا المطر يا بني من فِعْل الله عزَّ وجل ، إنه رحمة ، سمَّاه الأجداد الغَيْث ، إنه يُنْبِت الكلأ ، ينبت العشب ، ينبت الزرع والزيتون . .
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
هكذا علِّم ابنك . .
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
هذه الآيات كل كلمة تحتاج إلى موضوع طويل ، إذا عرف ابنك أن هذه الجبال مِن خَلْقِ الله ، وأن وظائفها كذا وكذا ، وأن هذه الأمطار ، وأن هذه البحار ؛ وما فيها من أسماك ، وما في الجو من أطيار ، إذا ملأت نفسه بهذه الآيات عرف أن وراء هذا الكون خالقاً عظيماً ، ومُربياً رحيماً ، ومسيِّراً حكيماً .
أيها الأخوة المؤمنين ؛ لابدَّ من أن تلفت نظر ابنك إلى هذه الآيات الكونية التي بثَّها الله في السموات والأرض .
2 ـ تعليمهم الخشوع :
شيءٌ آخر : علِّمه الخشوع ، ربنا عزَّ وجل يقول :
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾
هل يقشعر جلدك إذا قرأت القرآن الكريم ؟ . .
﴿الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
هذه علامة ثانية ، و . .
﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾
علِّمه أن يعرف الله عزَّ وجل من خلال الكون ، وعلِّمه أن يخشع قلبه ، وأن يقشعر جلده ، وأن تَنْهَمِرَ عيناه بالدموع إذا تلا آيات الله عزَّ وجل .
3 ـ تعليمهم مراقبة الله عز وجل :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ روى الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((يا عبد الله اقرأ عليَّ القرآن . فقال عبد الله بن مسعود : كيف أقرأ القرآن عليك و عليك أنـزل ؟! قال عليه الصلاة والسلام : إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأت عليه سورة النساء ، حتى إذا وصلت إلى هذه الآية :
﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً﴾
قال عليه الصلاة والسلام : حَسْبُكَ- أي اكتفِ- ، فالتفت إليه فإذا عيناه تزرفان بالدموع ))
أيها الأخوة المؤمنون ؛ طريقةٌ أخرى في تعليم مراقبة الله عزَّ وجل ، لابدَّ من يؤمن ابنك بالله ، وأن يخشع قلبه لذِكْرِه ، وأن يشعر بمراقبته .
عالمٌ جليل ، عارفٌ بالله كبير ، اسمه سهل بن عبد الله التَسْتُرِيّ ، عَلَمٌ من أعلام الإسلام ، كان طفلاً صغيراً في الخامسة من عمره قال : كنت أنا في سن خمس سنين ، أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار ، فقال لي يوماً : ألا تذكر الله الذي خلقك يا بني؟ - عمره خمس سنوات - فقلت : كيف أذكره ؟ قال : قل بقلبك عند تَقَلُّبك في فراشك ثلاث مرّات من غير أن تحرِّك لسانك : الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي . فقلت ذلك ، فلما أعلمته قال: قل في كل ليلةٍ سبع مرات . فقلت ذلك فلما أعلمته قال : قل في كل ليلةٍ إحدى عشرة مرة، ثم قال : احفظ ما علَّمتك ، ودُم عليه ، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة . قال : فلم أزل على ذلك سنين ، فوجدت ذلك حلاوةً في سِرّي ، ثم قال لي خالي يوماً : يا سهل ، من كان الله معه ، وناظرٌ إليه ومشاهده أيعصيه ؟ قلت : لا . قال : إياك أن تعصيه .
درسٌ بليغ ، طريقةٌ لطيفة في تعليم الصغار ، أي يجب أن تهتم في تعليم أبنائك، يجب أن يأخذ أولادك من ساحة نفسك ، من اهتمامك حَيِّزاً كبيراً ، حتى يكون أولادك من بعدك ذُخراً لك ، وأن يكونوا صدقةً جاريةً تأتيك الخيرات من قِبَلِهم بعد انقطاع الحياة .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ فيلسوفٌ غربي له كلمة ، قال : " لا وجود للأخلاق من دون ثلاثة اعتقادات ؛ أن تعتقد بوجود الله ، وأن تعتقد بخلود الروح ، وأن تعتقد بالحساب بعد الموت . إن لم يعتقد الإنسان بوجود الله ، وبأن بعد هذه الحياة حساباً دقيقاً ، وبأن النَفْس خالدةٌ إلى الأبد ، إن لم يعتقد بهذه الاعتقادات الثلاثة ، فلا يمكن أن يكون أخلاقياً .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .