وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة الزخرف - تفسير الآيات 36 - 39 لكل إنسان شيطان قرين يوسوس له.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية السادسة والثلاثون من سورة الزخرف، وهي قول الله عز وجل:

﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)﴾

[ سورة الزخرف ]

 الإنسان في الحياة الدنيا مُكَلَّف أن يعبد الله عز وجل، ولِحِكمة بالغة بالغة قيَّض الله ملاكًا يُلْهِمُه الخير، وشيطانًا يُوَسْوسُ له، ولكنَّ الشيطان ليس له على هذا الإنسان سلطان، قال تعالى

 

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 هذا الشيطان القرين الذي يُوَسْوِس ليس له على الإنسان سلطان إطلاقًا ! إلا أنَّه يُوَسْوِس، فإن لم يسْتجب له ارْتقى الإنسان، وإن استجاب له فهذا اختيار الإنسان، فالشيطان يُحَرِّك الإنسان، فهو من حيث لا يريد، ولا يتمنَّى، يجعل حرارة الإيمان عالِيَة عند المؤمن، فأحيانًا يُطْرح في الأسواق كتاب كلّه ضلالات، قد يسأل سائل: ربُّنا جلّ جلاله ألا يعلم أنَّ هذا الكتاب كلّه ضلالات، فلماذا سَمَحَ لِمُؤلِّفِهِ أن يُؤلِّفه ؟ ولماذا سَمَح بِهذا الكتاب أن يُنْشَر ؟ هذا الكتاب يرفع حرارة الإيمان في المجتمع الإسلامي ! شبهات وضلالات، ويُقرأ ويُردُّ عليه، وتتحرَّك الفعاليَّة الدينيَّة في المجتمع، قال تعالى:

 

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 فيجب أن تعتقد أنّ أحدًا لا يضلّ أحدًا إلا أنَّ أحدًا يُحرّك أحدًا، فالشيطان حينما جعله الله قرينًا للإنسان من أجل أن يُحرِّكَهُ، وما أكثر مما يجعل الشيطان من وسوسته وهو لا يريد سببًا لِهداية الإنسان، فأحيانًا يكون هناك ابن عاق فيأتي شخص في الطريق فيَسُبّ له أباه سبابًا لا يُحتمل فعلى الرَّغم من أنَّه عاق، هذا السُّباب يُوَلِّد في نفسِه الحنين إلى الأب فيُدافِعُ عن أبيه، فهو قبل يومين كان عاقًا، وبهذا السُّباب صار بارًّا فنحن لنا الظاهر، ولكنّ الله جلّ جلاله له حِكَمٌ بالغة، لأنّ سؤالاً قد يُطْرح ؛ وهو يا ربَّنا لما خلقْت لنا هذا الشيطان ؟! الشيطان لا يتحرَّك إلا بأمر الله، قال تعالى:

 

﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)﴾

 

[ سورة النحل ]

 أحيانًا تسْتحكم الشَّهوة في الإنسان فتَكون حِجابًا بينه وبين الله، وحِجابًا ثخينًا، فيأتي الشَّيطان فَيُوَسْوِس، ويُزَيِّن وينطلق الإنسان إلى الشَّهوة وكما يقول علماء النفس: فينْتشر الضَّغط، ويتبدَّد التوتر، ويكون هناك إصْغاء فتأتي المصيبة بعد هذه الشَّهوة التي أفرغها الإنسان بِوَسْوسة الشيطان فيُصغي إلى الواحد الدَّيان فيستقيم على أمره فالشيطان له دَور ولكنَّه هو بِوَسْوسَتِهِ يجعل حرارة الإيمان عاليَة، يقول لك: كلّ شيء يحتاج إلى خالق، فمن خلق الله ؟‍‍‍‍!! ونحن عندنا قاعدة، وهي أنّ كلّ شيءٍ وقع فهذا يعني أنَّ له حِكمة، فما دام واقع فهذا له حكمة بالغة، فالذي يُصغي إلى الشيطان هذا يُصغي إلى شَهوته، ويفعل ما تُمليه عليه شَهوتُه، والشيطان قال كما قال عنه تعالى:

 

﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 والذي لا يُصغي إلى الشيطان يرْقى عند الواحد الدَّيان قال تعالى:

 

﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 فالله عظيم، وهو الغني.
قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 أيْ إذا الإنسان ما نظَّف بيْته، فيأتي الذُّباب والبعوض، وكلاهما مُزعِج ووجود البعوض والذباب في البيت يعني ؛ قُمْ أيها الإنسان ونظِّف بيْتَك فالتَّقصير هذا ينشأ عنه حركة، والإنسان إذا ما اتَّصل بالله عز وجل يأتي الشيطان جاهزًا، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 فالشيطان وظيفته ؟ لما عَشِيَ الإنسان أيْ عَمِيَ عن ذِكْر الرحمن، فالعمى شيء، والعشَى شيء آخر، فالعَشى ضَعف الرؤيا، تجده مسلم يُصَلِّي ويرتاد المساجد ولكن رؤيته للتوحيد ضعيفة، ويؤمن أنّ الله خالق الكون أما أنّ كلّ شيء عنده فهذه يعتقدها ولكنّها ضعيفة في الواقع العملي فالعشى أقلّ من العمى، قال تعالى:

 

﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)﴾

 

[ سورة الحج ]

 فالإنسان حينما تكون رؤيتُهُ ضبابيَّة، وغير واضِحة، يُقيَّ له شيطان وهذا الشيطان مهمَّته كالذُّباب تمامًا، يُزْعِج، ويُلقي الوساوِس، فلا يكون من الإنسان إلا أن يتوب، ويكون هذا الشيطان سبب توبة هذا الإنسان وهو لا يدري، لذا قال الله عز وجل:

 

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 يكون الإنسان شارد بالمعاصي والآثام، فلمَّا يتوب يأتيه الشيطان، ويُلقي له الوساوِس، قال تعالى:

 

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 التقدّم والحداثة والعصْرنة، وعصر تكافؤ الفرص، قال تعالى:

 

﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 التقاليد البالية، والعادات والتراث، قال تعالى:

 

﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

 

[ سورة الأعراف]

 يقول له: لقد قرأت الفاتحة، ولكنَّ ما شدَّدت في الموضع اللاني فالصلاة فيها نقص والفاتحة فيها سبعة عشرة شدَّة ! يُيئّسه !! فعن شمائلهم هي المعاصي والآثام والدش، والملهيات والزنا والاختلاط، والسباحة المختلطة قال تعالى:

 

﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17) ﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 كان يرْبح خمسة ملايين وأصبح أربعة، ويشكي الفقر !! فلا يشكر ودائمًا يشْكو، قال لي شخص: لي مزرعة كلها تفاح، وقد خسرتُ فيها، فقلتُ له: هل أنت قادر على أن تعمل غسيل كلية ؟ فقال: لا، وهل تستطيع تغيير دسَّام قلب ؟ قال: لا، فقلتُ: احمَد الله، فكلٌّ من هذه تحتاج إلى الملايين ! فهذه زراعة الأسنان تحتاج إلى مليونين ليرة !! فالذي في صِحَّة تامَّة عليه أن يشكر الله، قال تعالى:

 

﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17) ﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 كل شيء عنده ويشْكو الفقْر، وهم من خوفهم الفقر في فقْر، ومن خوفهم المرض في مرض، وتوقُّع المصيبة مُصيبة أكبر منها، قال تعالى

 

﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 فمثلاً السوس من حِكَم الله البالغة، لأنَّه لولاه لخزَّنوا القمح بالسَّنتين، ثمَّ لا يبيعونه إلا بسِعر مغرٍ جدًّا، وبها تموت الشُّعوب ! فالإنسان لما يغفل عن الله تجد الشيطان جاهِز سألني أحدهم وقال: العسل عليه زكاة ؟ فقلتُ: نعم ! فقال: وإن لم ندْفَع فقلتُ له: قرَّاد النَّحل جاهِز !! هذه حشرة تفتك بالنَّحل، ولا تترُك، فإن أردتَ أن تدْفع الزَّكاة فأهلاً وسَهلاً، وإن لم تُرِد دفعها فقُرَّاد النِّحل جاهز قال تعالى

 

﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 دائِمًا وساوس الشيطان نحو المعصيَة، ونحو الدنيا، تجد الواحد يفكِّر في آمال بعيد، وقد يكون أجلهُ بعد ساعتين، وقد نُسِجَت أكفانه وهو لا يدري قال لي أحدهم " جاءني شخص وحيَّرني سِتَّة أشْهر أيعْمل الشوفاج داخلي أم خارجي !! لأنَّه خاف أن يعمله داخلي وبعد عشرين سنة يُكسِّر البلاط !!! أرأيت أمَل هذا الإنسان !! قال تعالى:

﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)﴾

[ سورة الزخرف ]

 لذا لا تصاحب إلا من ينهضك حاله، ويدلّك على الله مقاله، وقال عليه الصلاة والسلام لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقيّ...".

تحميل النص

إخفاء الصور