- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى:(المقدم):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم "المقدم".
ورود اسم المقدم في السنة النبوية فقط:
هذا الاسم أيها الأخوة لم يرد في القرآن الكريم، ولكن ورد في السنة الصحيحة ففي صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قام من الليل يتهجد:
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾
وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( سَلُوا الله ليَ الوَسِيلةَ، قالوا: يا رسولَ الله، وما الوسيلةُ ؟ قال: أعلى درجة في الجنة، لا ينالُها إِلا رجل واحد، أرجو أن أكونَ [ أنا ] هو ))
قال:
(( اللَّهمَّ رَبَّنا لك الحمدُ، أنْتَ قَيِّمُ السماوات والأرضِ ومَن فِيهنَّ، ولك الحمدُ أنت نورُ السماوات والأرضِ ومن فيهن، ولك الحمدُ، أنتَ مَلِك السماوات والأرضِ ومن فيهن، ولك الحمدُ، أنت الحقُّ، وَوَعْدُكَ الحقُّ، ولقاؤكَ حَقٌّ، وقَولك حَقٌّ، والجنَّةُ حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ، ومحمدٌ حَقٌّ، والساعةُ حَقٌّ، اللَّهمَّ لك أسلمتُ، وبِك آمَنتُ وعليك توكلتُ، وإليك أَنَبتُ، وبِكَ خَاصَمتُ، وإِليكَ حاكمتُ، فاغفر لي ما قَدَّمتُ، وما أخَّرْتُ، وما أسررتُ، وما أَعلَنتُ، أنت المقَدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، لا إِلهَ إلا أنت، ولا إله غَيرُكَ ))
هذه أدعية النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد، وعند مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان إذا سجد، قال:
(( اللَّهمَّ لَكَ سَجدْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسلَمتُ، وأنْتَ رَبِّي، سَجَدَ وَجْهي لِلَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمعَهُ وبَصرَهُ تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقينَ ))
وإذا سلم من الصلاة قال:
(( اللهمَّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ))
هذا الاسم أيها الأخوة ورد في السنة الصحيحة.
المقدم في اللغة:
"المقدم" اسم فاعل، من فعل رباعي مضعف، قدم، يقدم، مقدم، الفعل قدم يقدم، تقديماً، وعند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( من صام رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ))
(( مَنْ قام رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ ))
الآن القدم: كل ما قدمت أيها الإنسان من خير أو شر وتقدمت لفلان فيه، قدم أي تقدم في خير أو شر، القدم إنسان قدم شيئاً من خير أو من شر، الشاهد بالقرآن قال تعالى:
﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾
العمل الصالح الذي قدمته ابتغاء وجه الله هو قدم، معنى
﴿ قَدَمَ صِدْقٍ ﴾
عمل صالح قدمه المؤمن بين يدي ربه يوم القيامة، سؤال:
لو شخص سأل نفسه هذا السؤال المحرج، أنا آكل وأشرب، وأصلي وأصوم، لكن ماذا قدمت من عمل بين يدي ربي يوم القيامة ؟ هناك آلاف النشاطات لمصلحتك ، لتحسين معيشتك، للحفاظ على منصبك، آلاف النشاطات تصب في النهاية لصالحك، أما عمل صالح خالص لا تبتغي منه إلا وجه الله عز وجل، أي عمل فعلته لله عز وجل ؟.
الإنسان بالاستقامة يسلم وبالعمل الصالح يسعد وبتربية أولاده يستمر وجوده:
لا تنسوا أيها الأخوة أن الإنسان إذا استقام على أمر الله حقق السلامة فقط، إذا طبق منهج الله افعل ولا تفعل حقق السلامة، لأن طبيعة الاستقامة طبيعة سلبية.
يقول لك أنا ما اغتبت، ما أكلت المال الحرام، ما فعلت فاحشة، ما أوقعت بين مؤمنين، ما ابتززت أموال الناس، رائع، لكن كل نشاطات الاستقامة نشاطات سلبية وليست إيجابية، لكن العمل الصالح الذي تقدمه خالصاً لوجه الله ويوافق السنة، هذا العمل الذي يرقى بك عند الله، قال تعالى:
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
فأنت بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، وبتربية أولادك يستمر وجودك ، يقال لفلان قدم صدق، أي له عمل صالح.
العمل الصالح الذي تبادره يصنفك مع المستقدمين:
قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴾
أي علمنا المستقدمين منكم في الطاعة، من بادر إلى هذه الطاعة ؟ من بادر إلى إنفاق ماله في سبيل الله ؟ من بادر إلى الإصلاح بين اثنين ؟ من بادر إلى رعاية الأيتام ؟ العمل الصالح الذي تبادره يصنفك مع المستقدمين.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ﴾
في الطاعة، أو من يأتي منكم إلى صلاة الجمعة في الوقت المبكر فكأنما قدم بدنة، بعد هذا الوقت كأنما قدم بقرة، بعد هذا الوقت كأنما قدم شاةً، بعد هذا الوقت كأنما قدم دجاجة، بعد هذا الوقت كأنه قدم بيضة، ثم تختم الصحف، وتجلس الملائكة كي تستمع الخطبة، أما عدد كبير من المسلمين يقول لك: أدركت صلاة الجمعة في الركعة الثانية، قبل أن يقوم الخطيب ليخطب ختمت الدرجات عند الله عز وجل.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ﴾
هؤلاء الذين يبكرون إلى الطاعات، أو من يتقدم على صاحبه في الموت، فلان مات في وقت مبكر، هذا مستقدم، هناك إنسان آخر الله أمد في عمره، هذا في شأن اللغة.
التقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله جلّ جلاله:
لكن إذا قلنا الله جلّ جلاله هو "المقدم"، ما معنى الله هو "المقدم" ؟ قال هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته، وإرادته، وحكمته، يقدم فلاناً، ويؤخر فلاناً وفق مشيئته وإرادته وحكمته، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله جلّ جلاله، تدبير الله عز وجل أن يقدم زيداً، أو أن يؤخر عبيداً، هذا من تدبير الله عز وجل، بل من سياسته مع خلقه، هذا التقديم والتأخير على نوعين، تقديم كوني، وتقديم شرعي، معنى التقديم الكوني أن الله سبحانه وتعالى كما قال:
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾
الذي يموت قبل الآخر يعد مقدماً للموت، والذي يؤخر بعد الآخر يعد متأخراً في الموت.
والله عز وجل يقول:
﴿ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ * ﴾
لذلك أنت حينما تؤمن إيماناً قطعياً أن حياتك بيد الله، ولها موعد لا يتقدم ولا يتأخر، ترتاح نفسك، وتصبح شجاعاً، وتصبح عزيزاً ولا تذلل أمام إنسان، ولا تتضعضع أمام إنسان، الأمر بيد الله، حياتك بيده، والموت بيده.
من معاني المقدم:
1 ـ الله عز وجل يقدم في أجل إنسان ويؤخر في أجل إنسان آخر:
أيها الأخوة، إذاً المعنى الأول يقدم زيداً فيموت، ويؤخر عبيداً فيمد الله في أجله هذا المعنى، الله مقدم ومؤخر.
2 ـ يقدم الله بعض خلقه على بعض في الخصائص أو المقامات أو القدرات:
هناك معنى آخر: يقدم بعض خلقه على بعض، بناء على حكمة في الابتلاء، يقدم نبياً على نبي، يقدم صحابياً على صحابي، يقدم مؤمناً على مؤمن.
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ﴾
قدمها:
﴿ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ ﴾
الكلمة الثانية تعني أنه اصطفاها من بين:
﴿ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾
لأنها أنجبت مولوداً من دون زواج، هذا شيء مستحيل في النظام الإلهي، لكن هذا الشيء يعد كرامة لها لأنها ليست نبية، هذه كرامة، فخرق النواميس للأنبياء معجزة، وخرق النواميس لأولياء الله كرامة، وقوله جلّ جلاله عن طالوت قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
هذا اصطفاء، يصطفي نبياً على نبي، ولياً على ولي، قوياً على ضعيف، غنياً على فقير، الله عز وجل يقدم ويؤخر.
المعنى الأول يقدم في أجل الإنسان ويؤخر، المعنى الثاني في الخصائص، في القدرات، في المقامات.
أنواع التقديم:
1 ـ التقديم الكوني:
التقديم الكوني، إنسان مقدم بالوسامة، إنسان مقدم بالذكاء، إنسان مقدم بالنسب، إنسان مقدم بالحكمة، إنسان مقدم بالسكينة، إنسان مقدم بالرضا، إنسان مقدم بالأمن، إنسان مقدم بالهيبة، الله عز وجل يخلع على المؤمن هيبة، تهابه كل الناس، وقد ينزع هذه الهيبة فيتطاول عليه أقرب الناس إليه، هذا التقديم الكوني، التقديم التكويني، التقديم بفعل الله.
2 ـ التقديم الشرعي و هو متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل:
أما التقديم الشرعي هذا متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل.
(( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ))
الله قدم في محبته معالي الأمور، يعني أنت أيها المؤمن هل تحمل هماً كبيراً ؟ هل تحمل همّ المسلمين ؟ هل أنت في الأفق الأعلى ؟ هل تعيش الدعوة إلى الله ؟ هل تعيش مصالحك الذاتية أم تعيش خصومات سخيفة بين الناس ؟ أم تعيش القيل والقال، وابتزاز الأموال، وإضاعة الوقت ؟
الله جلّ جلاله هو المقدم لأنه:
1 ـ يقدم الأشياء و يضعها في مواضعها على مقتضى حكمته وعلى مقتضى الاستحقاق:
المقدم هنا والمؤخر، الله أحب أعمالاً فقدمها في الثواب، وأبغض أعمالاً فأخرها في الثواب، مقدم ومؤخر، مثلاً يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إنَّ الله وملائِكَتَه يُصَلُّون على الصفِّ المقدَّم، والمؤذِّنُ يُغْفَرُ له بمدِّ صوته ويصدِّقُه مَنْ سمعه مِن رَطْب ويابس، وله مثل أجرُ مَنْ صلَّى معه ))
وفي صحيح مسلم:
(( لو يعْلَمُونَ - أو تعلمون - ما في الصَّفِّ الأوَّلِ لكانت قُرْعة ))
و:
(( أتِمُّوا الصفَّ المُقدَّم، ثم الذي يليه، فما كان من نقْص فليَكُن في الصف المؤخَّر ))
أيها الأخوة، الله قدّم تجهيز الميت على أي شيء آخر، قال:
(( أسْرِعوا بجنائزكم، فإن تكُ صالحة، فخير تقدِّمونها وإن تَكُ سوى ذلك فَشَر تضعونه عن رقابكم ))
أمرنا بالإسراع، فالمقدم هو الله جل جلاله الذي يقدم الأشياء، ويضعها في مواضعها على مقتدى حكمته، وعلى مقتضى الاستحقاق، يعني بشكل أو بآخر من استحق التقدم قدمه الله، ومن استحق التأخر أخره الله.
2 ـ قدم أحبابه ورفع ذكرهم وأعلى قدرهم وعصمهم:
الله تعالى هو "المقدم" هو الذي يرفع ذكرك، هو الذي يعلي قدرك، هو الذي يوفقك، قدمك بالتوفيق، قدمك بالنصر، قدمك بالتأييد، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، يعني قدمنا بالعطاء، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنا، كن لنا ولا تكن علينا، يعني قدمنا يا رب، المؤمن طموح.
الله عز وجل هو "المقدم" هو الذي قدم أحبابه، ورفع ذكرهم، وأعلى قدرهم وعصمهم.
3 ـ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء:
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء، النبي صلى الله عليه وسلم ما خُوطب باسمه إطلاقاً، الله عز وجل قال:
﴿ يَا يَحْيَى ﴾
﴿ يَا عِيسَى ﴾
﴿ يَا مُوسَى ﴾
لا يوجد آية واحدة في القرآن يا محمد، هناك:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾
بالخطاب ما خاطبه باسمه أبداً، قال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾
رفع قدره، جعله سيد الأنبياء والمرسلين، جعله سيد ولد آدم، جعل له المقام المحمود، مقام الوسيلة.
4 ـ قدم الأنبياء على الأولياء:
قدم الأنبياء على أوليائه، هناك شطحات مرفوضة، بعض الأولياء يقول: خطوا البحر الذي وقف بساحله الأنبياء، هذا مرفوض أشد الرفض، في مقامات عند الله عز وجل قدم الأنبياء، قدم النبي على كل الأنبياء، قدم أولي العزم على بقية الأنبياء.
5 ـ قدم الصحابة الكرام على التابعين والتابعين على تابعي التابعين:
الآن قدم الصحابة الكرام على التابعين، وقدم التابعين على تابعي التابعين وقال:
(( خير القرون قرني ثم الذي يلونهم، ثم الذين يلونهم ))
المراتب في الدنيا مؤقتة:
الآن هناك شيء دقيق، قال تعالى:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
تاجر كبير، رئيس غرفة تجارة، دخله بالملايين، صفقاته كبيرة جداً، هذا قُدّم على بائع متجول في بعض الأسواق في الدنيا أقول الآن.
رئيس أركان في غرفة مدفأة شتاء، مكيفة صيفاً، مركبات، هذا مقدم على جندي التحق بالخدمة الإلزامية، عُين في مكان في الجبهة في أيام البرد.
جراح قلب في كل عملية مقدم على ممرض ينظف المرضى.
أستاذ جامعي كبير يحتل كرسياً أساسياً في كلية كبيرة جداً مقدم على معلم في قرية، دقق الآية
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
هذه المراتب في الدنيا أولاً مؤقتة:
(( من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى ))
(( رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره ))
قد تجد مؤمناً خاملاً لا أحد يعرفه، معتم عليه، قُلامة ظفره تساوي مليون رجل فاسق.
بطولة الإنسان ألا يوازن بين شخصين إلا إذا ضمّ مصيره في الآخرة إلى واقعه في الدنيا:
لذلك:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
أقول لكم الغنى والفقر بعد العرض على الله، الوسامة والدمامة بعد العرض على الله، قد تكون فتاة مستوى جمالها دون الوسط، أو دون بكثير، ما أتيح لها أن تتزوج لكنها صالحة، مؤمنة، تقية، نقية، تحب الله ورسوله، هذه قد تكون في الآخرة مع الملكات ، فالوسامة والدمامة بعد العرض على الله، والذكاء والمحدودية بعد العرض على الله، قد تجد إنساناً يحمل أعلى شهادة في الأرض لكنه فاسق فاجر، يأتي إنسان أميّ لكنه أطاع الله عز وجل، مقامه هذا يوم القيامة في أعلى عليين.
البطولة ألا توازن بين شخصين، ولا بين شيئين، ولا بين كيانين، ولا بين تجارتين، إلا إذا ضممت مصيره في الآخرة إلى واقعه في الدنيا.
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء:
أيها الأخوة
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
شاءت حكمة الله أن يوزع الحظوظ، المال حظ، القوة حظ، الصحة حظ، شاءت حكمة الله أن يوزع الحظوظ على عباده في الدنيا توزيع ابتلاء، ثم توزع هذه الحظوظ في الآخرة توزيعاً آخر، توزيع جزاء، مراتب الآخرة أبدية، مستمرة، تعني كل شيء، أما في الدنيا قد يعطي الله الملك لمن لا يحب، الدليل أعطاه لفرعون وهو لا يحبه، وقد يعطيه لمن يحب أعطاه لسليمان عليه السلام، وقد يعطي المال لمن لا يحب، أعطاه لقارون، وقد يعطيه لمن يحبه، أعطاه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف.
إذاً حظوظ الدنيا لا تعني شيئاً، وليست مستمرة، مؤقتة، الموت ينهي قوة القوي، ينهي ضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، ينهي فقر الفقير، ينهي صحة الصحيح، ينهي مرض المريض، ينهي وسامة الوسيم، ينهي دمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء فالبطولة تلك المرتبة التي تحتلها بعد الموت:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾
هذه البطولة، هذا الذكاء، هذا النجاح، هذا الفلاح، هذا التفوق.
الله عز وجل يقدم استحقاقاً ويؤخر استحقاقاً:
أيها الأخوة، الله عز وجل يقدم استحقاقاً، ويؤخر استحقاقاً، الذي قدمك فيه في الأعمّ الأغلب عن استحقاق، والذي أخرك فيه في الأعمّ الأغلب عن استحقاق، وقد يقدم تفضلاً، تشجيعاً لك، وقد يؤخر حكمة، ربما أعطاك يعني قدمك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، لو جاءتك الدنيا كما تتمنى ربما كانت حجاباً بينك وبين الله، وإذا حرمك منها لحكمة بالغةٍ بالغة ربما كان هذا الحرمان باعثاً لك إلى الله، إذاً ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء.
لكن بشكل أو بآخر مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخطب ود الله ثم لا يقدمك الله، أن تخلص له، أن تطيعه، أن تحبه، أن تستقيم مع خلقه، أن تحب خلقه، أن تكرم خلقه ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخطب وده لخدمة خلقه، والإخلاص لهم دون أن تكافأ مكافأة عالية جداً.
المقياس الانتمائي أفسد المجتمعات المسلمة:
أيها الأخوة، الآن تطبيقات هذا الاسم إنسان خطب ودك ينبغي أن تهتم به، أنت بموقع قيادي، بمؤسسة، بجامعة، بمستشفى، بمعمل، بمدرسة، إن لم تقدم المجتهد وتؤخر المقصر، أفسدت المجتمع في هذه المؤسسة، إن لم تقدم المتفوق زهدته في التفوق.
طالب يكتب وظيفته كل يوم ما في شيء، لا مكافأة ولا ثناء، طالب لا يكتبها لا يوجد عقاب، بعد حين لا أحد يكتب الوظائف، أنت إذا كنت في منصب قيادي ينبغي أن تقدم المتفوق، وأن تؤخره بمقياس موضوعي، لا بمقياس انتمائي، الذي أفسد المجتمعات المسلمة المقياس الانتمائي، بمقياس موضوعي يجب أن تقدم المتفوق وأن تؤخر المقصر.