وضع داكن
24-12-2024
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 090 أ - اسم الله العليم 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

من أسماء الله الحسنى:(العليم):

 أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم "العليم".

ورود اسم العليم في القرآن الكريم و السنة النبوية:

 هذا الاسم ورد في القرآن الكريم بمواضع كثيرة، من هذه المواضع قوله تعالى:

﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

( سورةالبقرة )

  وقد ورد هذا الاسم مقترناً في الكتاب والسنة بأسماء أخرى كثيرة، ورد مع اسم السميع

﴿ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

 ومع اسم الحكيم، ومع اسم العزيز، ومع اسم الحليم، ومع اسم الخلاق، ومع اسم القدير، ومع اسم الفتاح، ومع اسم القوي، هذا الاسم الخبير هذا "العليم" ورد مقترناً مع عدد ليس بالقليل من أسماء الله الحسنى.
  أما في السنة، والسنة كما تعلمون أقوال النبي عليه الصلاة والسلام، بل ما صحّ من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وما صحّ من أفعاله، وما صحّ من إقراره، فورد أيضاً في نصوص كثيرة منها ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

 

(( أعوذُ بِاللهِ السَّميعِ العليمِ من الشَّيطان الرجيم، مِنَ هَمْزِهِ ونَفْخِهِ ونَفْثِهِ ))

 

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري ]

الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه:

 أيها الأخوة، كما تعلمون الإنسان إن تكلم فالله سميع، وإن تحرك فالله بصير ، وإن أضمر شيئاً فالله عليم، إن تكلم فهو سميع، وإن تحرك فهو بصير، وإن أضمر شيئاً في نفسه فالله عليم.
 بل إن الله يحول بين المرء وقلبه، أقرب شيء إليك قلبك، وخواطرك، وسرك، وباطنك، الله عز وجل يحول بينك وبين قلبك، وبينك وبين سرك، وبينك وبين باطنك، بل هو أقرب إليك من حبل الوريد.

العليم في اللغة:

 أيها الأخوة، "العليم" في اللغة من صيغ المبالغة، على وزن فعيل، وصيغ المبالغة كما ذكرت كثيراً تأتي بمعنى الكم، أو النوع، فأدق شيء الله به عليم، وكل شيء الله عز وجل به عليم، عليم على وزن فعيل، من فعل علم، يعلم، علماً، ونقول: هذا الرجل عالم، وعليم، وعلامة، والعلم في أدق تعاريفه علاقة بين شيئين، أي يأخذ شكل القانون، علاقة ثابتة بين شيئين، هذه العلاقة مقطوع بصحتها مئة بالمئة ليست وهماً، ولا شكاً، ولا ظناً، الوهم ليس علماً، والشك ليس علماً، والظن ليس علماً، علاقة بين شيئين ثابتة، تأخذ شكل قانون، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، إن لم تطابق الواقع فهي الجهل بعينه، لابدّ من لفت النظر، من هو الجاهل ؟
 إذا تصورنا أن الإنسان وعاء، وعاء الجاهل ليس فارغاً، لكنه ممتلئ بمعلومات خاطئة، الجهل عدم مطابقة الواقع.
  حينما يتألق ضوء أحمر في لوحة البيانات في سيارتك، الجهل أن تتوهمه تألقاً تزيينياً، والعلم يقول لك هو تألق تحذيري، فالذي يفهم التألق على أنه تألق تزييني جاهل، هذه معلومة لكنها غير صحيحة.

التوهم أخطر شيء في حياة الإنسان:

 لذلك أخطر شيء بحياة الإنسان كما قال الواحد الديان:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

( سورةالكهف )

 طالب توهم أن المعلم قبل الامتحان بيومين بهدية بسيطة يعطيه الأسئلة، فما درس إطلاقاً، هو يظن نفسه ذكياً، وفالحاً بهذه الطريقة، قبل يومين طرق باب الأستاذ وقدم له الهدية، وطلب منه الأسئلة، تلقى صفعة على وجهه، وركلة بقدمه،

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

 وقد ورد في الأثر: أن روح الميت ترفرف فوق النعش، هذا إذا كان منحرفاً تائهاً، شارداً، تقول: يا أهلي، يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، وأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ.

 

الله سبحانه وتعالى كامل في علمه وطلاقة وصفه:

 أيها الأخوة، نحن كما تعلمنا هناك أسماء يجوز أن يوصف بها الإنسان، من هذه الأسماء اسم "العليم" فسيدنا يوسف قال:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

( سورةيوسف )

  فهو ذو علم، وقد وصف نفسه بالعلم، وقد قال الله عنه:

 

﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾

 

( سورةيوسف الآية: 68 )

 لكن محور هذا اللقاء الطيب كم هو الفرق بين علم الإنسان وبين علم الواحد الديان ؟ شتان بين علم مقيد محدود، وبين علم مطلق بلا حدود، سبحانه وتعالى كامل في علمه، وطلاقة وصفه، علمه فوق كل علم، قال تعالى:

 

﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

 

( سورةيوسف )

 فالله عز وجل عليم بما كان، وعليم بما يكون، وعليم بما سيكون، وعليم بما لم يكن لو كان كيف كان يكون، لم يزل عالماً، ولا يزال عالماًَ، وعلمه أزلي وأبدي، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، أحاط علمه بجميع خلقه، أحاط علمه بجميع الأشياء، ظاهرها، وباطنها، دقيقها وجليلها.
  واسم الله "العليم" اشتمل على مراتب العلم الإلهي.

 

ما من عبد يخطب ود الله عز وجل إلا كرمه الله بكرامة:

 الآن سأتكلم حقيقة نحن في أمس الحاجة إليها: ما من مؤمن على وجه الأرض يخطب ود الله بتوبة، بطاعة، بعمل صالح، بأداء عبادة، بتلاوة قرآن، بإطعام جائع، بإرشاد ضال، ما من عبد يخطب ود الله عز وجل إلا كرمه الله بكرامة، هناك كرامة تيسير، أموره ميسرة، وهناك كرامة توفيق، وكرامة تأييد، و كرامة نصر، و كرامة انشراح صدر، و كرامة سرور، و كرامة أمن، ما من عبد مؤمن يخطب ود الله إلا وسيكافئه الله عز وجل بكرامة، ولكن أعظم كرامة على الإطلاق هي كرامة العلم، لابدّ من التوضيح:
  طفل صغير عقب العيد جاء عمه إلى البيت، قال له: يا عمي أنا أملك مبلغاً عظيماً، طفل بالحضانة، بالعملة السورية مئتا ليرة سورية، كلمة عظيم حينما قالها طفل قدرناها بمئتي ليرة، فإذا قال مسؤول كبير بدولة عظمى أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً نقدره بالحد الأدنى بمئتي مليار دولار، الكلمة نفسها، قالها طفل فقدرناها بمئتي ليرة، وقالها مسؤول كبير في دولة عظمى فقدرناها بمئتي مليار دولار، فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك، ورب السماوات والأرض:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

( سورةالنساء )

كرامة العلم أعظم كرامة على الإطلاق:

 إذا سمح الله لك أن تتعرف إليه، إذا سمح الله لك أن تعرفه، إذا سمح الله لك أن تعرف أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى، إذا سمح الله لك أن تعرف سرّ وجودك، وغاية وجودك، إذا سمح الله لك أن تعرف حقيقة الدنيا، إذا سمح الله لك أن تعرف أفضل شيء في الدنيا، تكون قد حصلت كرامة من أفضل أنواع الكرامات

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

  الله عز وجل أعطى الملك لمن لا يحبه، ولمن يحبه، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه، وأعطى الملك لسيدنا سليمان، وهو يحبه، أعطى المال لمن لا يحبه لقارون ، وأعطى المال لمن يحبه لسيدنا عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، أما الأنبياء ماذا أعطاهم ؟ حصراً:

 

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾

 

( سورةالقصص الآية: 14 )

 اسأل نفسك نصيبك من الله من نوع نصيب الأقوياء، أم الأغنياء، أم الأنبياء ؟.

 

الإنسان بالعلم والقدرة يستقيم وبالعلم والشكر يحسن:

 أيها الأخوة، من خلال أسماء الله الحسنى، هناك اسمان إن تحققا استقمت على أمر الله، إذا أيقنت أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، تستقيم على أمره، تركب مركبة والإشارة حمراء، أنت مواطن عادي، ومن الدرجة الثانية، والشرطي واقف، وقانون السير صارم، لا يمكن أن تخالف، لأن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطوله، إذاً لن تعصيه.

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

( سورةالطلاق )

  اختار من أسمائه اسمين، العلم والقدرة، إذاً بمعرفة اسم "العليم" والقدير تستقيم على أمره، الآن وبمعرفة اسم "العليم" والشكور تحسن إلى خلقه.

 

﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

 

( سورةالنساء )

 هذا العمل الصالح، هذه الصدقة، هذه الخدمة، هذا العطاء يعلمه الله وسيشكرك عليه، إذاً تدفع، بالعلم والقدرة تستقيم، وبالعلم والشكر تحسن، فإذا استقمت وأحسنت حققت الهدف من وجودك

 

علم الله عز وجل أزلي أبدي و علم الإنسان حادث وطارئ:

 الله جلّ جلاله محيط بكل شيء علماً، في الظاهر وفي الباطن، في دقائق الأشياء، وفي جليلها، في أولها، وفي آخرها، في فاتحتها، وفي عاقبتها، ومع ذلك فعلم الله جل جلاله من طبيعة أخرى.
 الآن أن مضطر أن أضرب مثلاً للتوضيح وللتقريب، والأمثال نجدها بكثرة في القرآن الكريم:
  لو أن رجلاً عبقرياً اخترع آلة فائقة، عظيمة النفع، وجاء من بعده أجيال ودرسوا هذه الآلة، وعرفوا دقائق صنعها، واكتشفوا العلاقات فيما بين أجزائها، واكتشفوا القوانين التي على أساسها بنيت هذه الآلة، علم الجيل اللاحق الذي بحث، ودرس، واستنبط يختلف اختلافاً كلياً عن علم العبقري الذي اخترع الآلة، علم المخترع سبق وجود الآلة، لكن علم الدارس جاء بعد وجود الآلة، وجاء استنباطاً من دقائقها.
 هذا المثل ضربه عالم جليل، علم الله سابق للوجود، علم الله أصل للوجود، بينما علم البشر لاحق للوجود، بل هو مكتسب من الوجود، فرق كبير بين علم الله، وبين علم خلقه، علمك أيها الإنسان مستنبط من الوجود، مستنبط من القواعد التي قعدها الله عز وجل، مستنبط من القوانين التي قننها الله عز وجل، مكتسب من الخصائص التي خصصها الله عز وجل، علم الله عز وجل أزلي أبدي، أما علمك حادث وطارئ.

العلم الإلهي سبب وجود الأشياء:

 أيها الأخوة، علم الله هو الذي قنن هذه القوانين، هو الذي خصص هذه الأشياء بخصائصها، هو الذي سنن هذه السنن، فرق كبير بين أن تكتشف الخصائص الثابتة في شيء موجود، وبين أن تخلق هذه الخصائص.
  من قنن أن البذور لابدّ منها لاستمرار الوجود ؟ لو الله خلق مليار، مليار، مليار، مليار، طن قمح وانتهوا، كيف القمح مستمر إلى قيام الساعة ؟ عن طريق البذور ، فكرة البذور من خلقها ؟ فكرة الزواج والإنجاب من خلقها ؟ نحن نستنبط لكن الله خلق، قنن، قعد القواعد، سنن السنن، قنن القوانين.
  لذلك فرق كبير أن توجد شيئاً من العدم، ومن غير مثال سابق، وبين أن تكتشف خصيصة في شيء موجود، من هنا نقول الله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء وعلى غير مثال سابق.
  بل الإنسان إذا سميناه تجاوزاً، وقد سماه القرآن تجاوزاً خالق، قال الله:

﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

( سورةالمؤمنون )

 فإذ سميناه خالقاً تجاوزاً فهو صنع من كل شيء وعلى مليون مثال سابق ، الغواصة صنعت تقليداً للسمكة، والطائرة صنعت تقليداً للطائر، بل هناك موسوعة علمية تتحدث عن الطيور إن أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر.
  أيها الأخوة، علم البشر لاحق للوجود، كسبي، وعلم الخالق سابق للوجود وسببي، العلم الإلهي سبب وجود الأشياء، تعلق علمه بهذا الشيء، تعلقت إرادته، تعلقت قدرته، فكان هذا الشيء.

 

(( ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن ))

 

[أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم ]

  وقف أمام النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ما شاء الله وشئت، قال: بئس الخطيب أنت، جعلتني لله نداً،

(( ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن ))

علم الخالق سابق للوجود وسببي وعلم البشر لاحق للوجود وكسبي:

 إذاً تعلق علم الله وإرادته، وقدرته بشيء فكان، ما شاء الله كان، بل إن علمه سبب لوجود هذا الشيء، أما علم البشر لاحق للوجود، هناك جبال، هناك أنهار، بحيرات ، عرفنا خصائص المياه، خصائص الهواء، عرفنا خصائص المياه صنعنا الباخرة، من جعل الماء يدفع الأجسام إلى الأعلى ؟ لولا هذا القانون قانون أرخميدس لما كان إبحار في الأرض، ولولا قوانين الهواء، الآن الطائرة تحمل ثمانمئة راكب، مدينة، ما الذي يحملها ؟ الهواء، الإنسان صنع وفق خصائص الماء البواخر، هناك بواخر فيها مليون طن، مدن، كل معلومات الإنسان، وكل علم الإنسان مستنبط من القواعد لتي قعدها الله، ومن القوانين التي قننها الله، ومن السنن التي سنها الله، ومن العلاقات الثابتة التي ثبتها الله، ومن الخصائص التي خص بها الأشياء.
 إذاً فرق كبير بين أن تقول الله جل جلاله عليم، وفلان عليم، مع أن الله سمح في قرآنه،

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

 أيها الأخوة، في لقاء آخر إن شاء الله نتابع هذا البحث.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور