وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطب الإذاعية - الخطبة : 38 - الإيدز يتهدد المنحرفين - درهم وقاية خير من قنطار علاج.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى:

الحمد لله رب العالمين، يا رب قد عجز الطبيب فداونا، يا رب قد عم الفساد فنجنا، يا رب قلت حيلة فتولنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، توفنا غير فاتنين ولا مفتونين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يا رب خلقت فسويت، وقدرت وقضيت، وأمت وأحييت، وأمرضت وشفيت، وعافيت وابتليت، وأغنيت وأقنيت، وأضحكت وأبكيت، المرجع والمآل إليك، نحن بك وإليك.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، قال مرةً لعدي بن حاتم: " يا عدي لعله إنما يمنعك من دُخولٍ في هذا الدين ما ترى من فقرهم، فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين أنك ترى أن السلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها تزور هذا البيت لا تخاف "، ولقد عمّر عدي بن حاتم حتى رأى بنفسه كل بشارات النبي صلى الله عليه وسلم.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.

الوقاية من مرض الإيدز لا يكون إلا بالتزام منهج الله القويم وصراطه المستقيم:

أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، موضوع الخطبة اليوم حول خطر داهم يهدد العالم بأسره، ينتشر بمتوالية انفجارية، ولا سبيل إلى الوقاية من هذا الخطر إلا بالتزام منهج الله القويم، وصراطه المستقيم الذي ارتضاه لعباده.
أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، يقول الله تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة الروم )

صنع الله متقن غايةَ الإتقان، محكم غاية الإحكام، كامل غاية الكمال قال تعالى:

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

( سورة النمل: الآية 88)

قال تعالى:

﴿ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3) ﴾

(سورة الملك )

معنى الفساد:

قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ﴾

(سورة الملك )

ذلك لأن كمال الخالق يظهر في كمال الخلق، وكذلك علمه وقدرته وحكمته، أما الفساد ففي تعريفه الدقيق: هو خروج الشيء عن كمال خصائصه، وصفاته، فخصائص الماء مثلاً الكاملة أنه لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة له، ففساده تلوثه بعناصر غريبة عنه، وجراثيم فتاكة لشاربه، وكذلك فساد الهواء، وكذلك فساد الأخلاق، وكذلك فساد العلاقات، فساد الشيء خروجه عن كمال خصائصه وصفاته.
الفساد مستحيل في أصل الخلق، لأن كمال الله مطلق، ولكن الفساد ممكن من جهة المخلوق، حيث أودعت فيه الشهوات ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات، الفساد ممكن من جهة مخلوق منح حرية الاختيار ليُثَمَّن علمه، ووضِعَ له منهج دقيق، إذا تحرك من خلاله وقاه الضلال والشقاء، قال تعالى: 

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

 

بعض أسباب الفساد:

 

لكن الإنسان حينما جهل حقيقته، وشرد عن ربه جعل شهوته هدفاً، بل إلهاً عبدها من دون الله، قال تعالى:

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) ﴾

( سورة الفرقان)

وجعل حريته تفلتاً من كل قيد، قال تعالى:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾

( سورة الفرقان )

وجعل المنهج القويم الذي أنزله الله على رسوله جعله وراء ظهره، ولم يعبأ به:

﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) ﴾

( سورة الفرقان )

وقال:

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) ﴾

( سورة الجاثية)

هذه هي أسباب الفساد مخلوق تفلت من منهج ربه، واستخدم حرية الاختيار ليفعل ما يشاء، وجعل شهوته هدفاً عبدها من دون الله.

ما من مصيبة تحل بالبشرية إلا بسبب خروج الإنسان عن منهج ربه:

من النتائج الحتمية لاتباع الهوى بغير هدى من الله أن الإنسان الضال يظلم نفسه فيشقيها، ويظلم مجتمعه فيفسده ويشقيه، ويظلم البيئة فيلوثها، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

( سورة القصص)

ومما يؤكد هذه الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)﴾ 

( سورة الشعراء)

لقد عزي الخلق إلى الله، وعزيت الهداية إلى الله، وعزي الرزق إلى الله، ولكن المرض عزي إلى الإنسان بسبب خروجه عن منهج الله:

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)﴾

( سورة الشعراء)

بل إنه ما من مصيبة تحل بالبشرية إلا بسبب خروج الإنسان عن منهج ربه، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) ﴾

( سورة الشورى)

علاقة المعصية بنتائجها:

الفساد يستحيل أن يكون في أصل الخلق، بل هو طارئ من كسب الإنسان، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾

( سورة الروم)

لحكمة بالغةٍ بالغة جُعلت علاقة المعصية بنتائجها علاقةً علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، ففي كل معصية بذور نتائجها، وهذا ما يليق بالتشريع الإلهي ؛ تشريع الخبير الذي هو في حقيقته تعليمات الصانع، لكن هذه النتائج الوبيلة للمعاصي ليست هي كل النتائج، بل بعضها، فالعاصي فضلاً عن أنه يخسر الدنيا يخسر الآخرة، وفضلاً عن أنه يعذب في الدنيا يعذب في الآخرة، لكن عذاب الدنيا ليس بشيء إذا قيس بعذاب الآخرة، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: 

﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ 

( سورة الروم )

قال: بعض الذي عملوا، ولم يقل: كل الذي علموا، كل هذا من أجل أن نرجع إلى الله في الوقت المناسب، وقبل فوات الأوان، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

( سورة السجدة )

هناك باعثان وراء كل أعمال الإنسان:

أيها الأخوة في كل مكان، آية أخرى قال تعالى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

( سورة القصص)

هناك باعثان وراء كل أعمال الإنسان ؛ باعث العقل أو باعث الشهوة، باعث المبدأ أو باعث الحاجة، باعث الآخرة أو باعث الدنيا، باعث إرضاء الله تعالى أو باعث إرضاء الذات، باعث الخير أو باعث الشر، هذه الثنائية في البواعث ليس لها ثالث، لذلك قال تعالى ـ ودققوا في هذه الآية ـ:

 

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

 

( سورة القصص)

حكماً، وقال أيضاً:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

( سورة القصص)

انهيار المجتمعات و شقاء البشرية يتأتى من اتباع الهوى بغير هدى من الله:

يُفْهَم من معاني الآية السابقة أنه من اتبع هواه وفق هدى الله ومنهجه وشرعه فلا شيء عليه، فمن أراد أن يقضي وطره من الجنس الآخر تزوج، لأن الزواج كما قال عليه الصلاة والسلام:

((أغض للبصر وأحصن للفرج))

[رواه البخاري عن علقمة ]

فلا شيء عليه، إنه اتبع هواه وفق هدى الله وشرعه، ومن أراد أن يحوز المال الذي زين للناس تملكه فسلك في كسبه الطرق المشروعة فلا شيء عليه، لأنه اتبع الهوى وفق هدى الله ومنهجه وشرعه، لكن انهيار المجتمعات وشقاء البشرية يتأتى من اتباع الهوى بغير هدى من الله.
أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، حينما يصبح الهوى هدفاً يسعى إليه الإنسان فلا بد أن عدواناً على الآخرين يقع بسببه، يقع على حقوقهم، وعلى أموالهم، وعلى أعراضهم، وهذا من أشد أنواع الظلم، قال تعالى بعد أن قال:﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ.

قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

( سورة القصص)

ثمن الجنة مخالفة الهوى:

الإنسان بين هدفين متعاكسين في الاتجاه، فكلما اقترب من أحدهما ابتعد حكماً عن الآخر، فإذا اقترب من الهوى ابتعد عن سبيل الله، وإذا اقترب من سبيل الله ابتعد عن الهوى، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ﴾

( سورة ص)

بل إن الجنة التي خلق الإنسان لها والتي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إن هذه الجنة التي لا تعلم ما أخفي لها من قرة أعين فيها، إن هذه الجنة ثمنها مخالفة الهوى، قال تعالى: 

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) ﴾ 

( سورة النازعات)

هذا الإنسان أعقد آلة في الكون، هو المخلوق الأول، هو المخلوق المكرم، هو المخلوق المكلف، في خلاياه، وأنسجته، وأعضائه، وأجهزته من التعقيد والدقة والإتقان ما يعجز عن فهم بنيتها وطريقة عملها أعلم علماء الطب، وفي هذا الإنسان نفس تختلج فيها المشاعر والعواطف، وتصطرع فيها الشهوات، والقيم، والحاجات، والمبادئ، حيث يعجز عن إدراك خصائصها أعلم علماء النفس، وفي هذا الإنسان عقل فيه من المبادئ والمسلمات، والقوى الإدراكية والتحليلية والإبداعية ما أَهَّله ليكون سيد المخلوقات.

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم فلما انحرف عن منهج ربه رددناه إلى أسفل سافلين:

لقد خص الله عز وجل الإنسان بأجهزة دفاع بالغة الدقة، أولى هذه الأجهزة: الجلد، وهو درع سابغة على البدن ترد عنه الجراثيم والأخطار، وهو خط الدفاع الأول، وخص المولى عز وجل كل عضوٍ، وكل جهازٍ، وكل حاسةٍ بجهاز دفاع خاص به، فللعين مثلاً الأهداب والأجفان والدمع، وهذه الأجهزة الخاصة بكل عضو وبكل جهاز هي خط الدفاع الثاني

وأما خط الدفاع الثالث هو الدم وجنوده، كريات الدم البيضاء، وعددها خمسة وعشرون مليون كرية في أيام السلم، ويتضاعف هذا العدد في أيام الاستنفار، وقد يصل إلى مئات الملايين في حال القتال، في فترة زمنية لا تتجاوز الساعات والأيام.
لهذه الجيوش الجرارة من الكريات البيضاء سلاح إشارة مؤلف من بضع مواد كيماوية، يُعد هذا السلاح وسيلة التفاهم فيما بينها، أما خطة جهاز المناعة في الدفاع عن الجسم فهي من الدقة والتنسيق والفعالية حيث يصعب تصديقها، ذكية جداً خلايا الدم البيضاء ـ كما يقول بعض العلماء ـ سواء في نظام عملها، أو في توزيع الأدوار القتالية على أفرادها، أو في تحقيق المهمات المنوطة بها، فبعد ثوان معدودات من اجتياز أي جسم غريب لخطوط الدفاع الأولى والثانية تتوجه هذه الكريات البيضاء إلى الجسم الغريب بمهمة استطلاعية فقط، حيث تأخذ الشيفرة الكيماوية من هذا الجسم الغريب، وتحتفظ بها، ثم تنقلها إلى المراكز اللمفاوية مراكز تصنيع السلاح، وهنا تنتهي مهمتها

وفي المراكز اللمفاوية تقوم الكريات البيضاء الأخرى ؛ الكريات المحصنة الصانعة بتفكيك رموز هذه الشيفرة تمهيداً لصنع المصل المضاد، وهذه الكريات البيضاء اسمها الكريات المصنعة المحصنة، وبعد صنع المصل المضاد تنتهي مهمتها، ثم تأتي الكريات المقاتلة، وتحمل هذا المصل المضاد والسلاح الفعال وتتوجه به لتهاجم الجسم الغريب، وتنشب المعركة بين هذه الكريات المقاتلة وهذا العدو المهاجم إلى أن تصرعه، وعندئذ تنتهي مهمتها، ثم تأتي الكريات اللاقمة لتنظف ساحة المعركة من جثث الأعداء.
كريات مستطلعة، وكريات مصنعة، وكريات مقاتلة، وكريات منظفة، وهذه الكرية لا يزيد قطرها عن خمسة عشر مكروناً وفي الميليمتر المكعب هناك سبعة آلاف كرية.

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) ﴾

( سورة التين)

لكن الإنسان حينما ينحرف عن منهج ربه، ويستجيب لنداء غريزته من دون ضابط من شرع، أو رادع من فطرة، أو زاجر من عقل يبطل عمل هذا الجهاز، ويموت الإنسان لأدنى سبب، وما مرض نقص المناعة المكتسب بالإثم ـ الإيدز ـ إلا تأكيد لهذه الحقيقة،

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

فلما انحرف عن منهج ربه رددناه إلى أسفل سافلين.

من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام:

لو نظرت إلى شاب مصاب بهذا المرض الخطير، مرض نقص المناعة المكتسب بالآثام:

لرأيته صار إلى فتــى ً هــزيل الجـسـم منجرد
متلجلج الألفاظ مضطرب متواصل الأنفــاس مطّرد
عيناه عالقتان في نفــق كسـراج كـوخ نصف متقد
تهتز أنمله فتحسبهـــا ورق الخريف أصيب بالبرد
ويمج أحياناً دماً فعلــى منديله قطع مــن الكبــد
قطع تقول له: تموت غداً وإذا ترق تقـول بعد غــد
* * *
الموت الزؤام هو المصير المحتوم لكل مسرف مصاب بهذا المرض:
مات الفتى فأقيم في جدث مستوحش الإرجاء منفرد
كتبوا على حجراته بـدم سطر به عظة لذي رشد
هذا قتيل هوى ببنت هوىً فـإذا مررت بأختها فحد
* * *

أيها الأخوة الكرام في دنيا العروبة والإسلام، من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام ما رواه ابن ماجه والبيهقي واللفظ له عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ))

[ابن ماجه والبيهقي واللفظ له عن ابن عمر رضي الله عنهما]

هذا الحديث الشريف من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم:

(( ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم يأخذ بعض ما في أيديهم))

[رواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح الإسناد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ]

أوامر الدين ضمان لسلامتنا وليست قيوداً لحريتنا:

أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، لقد عمَّ العالم مرض وبائي معد سببه فيروس لم يكن معروفاً من قبل

وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية قبل ستة أشهر هناك أربعة وثلاثون مليون مصاب في العالم، لكن هناك خبراء يؤكدون أن العدد الحقيقي قد يكون ضعف هذا العدد أو أكثر، ومما يزيد الحالة سوءاً عجز العالم بكل مؤسساته وهيئاته العلمية وإمكاناته المالية عن صنع لقاح مضاد لهذا المرض، إن هذا الفيروس لا ينتشر في أكثر حالاته إلا من خلال الإباحية، والفوضى الجنسية، والإدمان على المخدرات، ومن خلال انتشار السياحة من أجل الجنس، أي إنه ـ وهذه حكمة الخالق ـ مرتبط بالسلوك الشخصي، في الدرجة الأولى، وهناك مفارقة حادة يختص بها هذا الوباء، فبينما نجد أن معالجته مستعصية إلى درجة الاستحالة فالموت الزؤام مصير كل مصاب به، نجد في الوقت نفسه أن الوقاية منه سهلة إلى درجة أن كل إنسان لم يصب بهذا المرض يملك الوقاية التامة من خلال التزامه بالمنهج الإلهي من حيث العفة والاستقامة، فكل شهوة أودعها الله بالإنسان جعل الله لها قناةً نظيفة تتحرك فيها، وأوامر الدين ضمان لسلامتنا، وليست قيوداً لحريتنا.
أيها الأخوة الكرام حضوراً ومستمعين، الشيء المحير أن هذا الفيروس يستطيع أن يغير شكله في أي وقت، فلو أنفقت ألوف الملايين في البحث العلمي عن لقاح مضاد له تذهب هذه الأموال، أو تلك الجهود أدراج الرياح حينما يغير هذا الفيروس شكله، فضلاً عن أن لهذا الفيروس سلالات عديدةً، فمن نجا من سلالة أردته أخرى، وكأن الله جل جلاله يريد من الإنسان المتفلت أن ينجو من هذا المرض بالعفة والاستقامة لا باللقاح والدواء قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة الروم)

شيء آخر يقوله العلماء وهو: أنه لو افترض جدلاً، وهذا أقرب إلى المستحيل، أن جهود العلماء في السنوات الخمس القادمة توصلت إلى لقاح مضاد لهذا الفيروس، فإن تكاليف معالجة المريض الواحد تزيد عن عشرة ملايين.

الإيدز آية صارخة تدل على أن الله جعل هذ المرض الفتاك عقابا على السلوك الأباحي:

أيها الأخوة الكرام حضوراً ومستمعين، في دراسة إحصائية دقيقة أجريت في بلد تفاقم فيه انتشار هذا المرض بسبب الإباحية والفوضى الجنسية وجدوا أنه في كل عشر ثوانٍ يموت إنسان بهذا المرض

وأُذيعت هذه الدراسة في بعض الإذاعات العالمية، ذلك بأن هذا المرض ينتشر بمتوالية هندسية، ويبدو أن المتوالية الهندسية لا تعبر عن حجم انتشاره، ينبغي أن نقول: إن هذا المرض ينتشر بمتوالية انفجارية مخيفة، وهناك دراسات إحصائية أخرى تتوقع أن يكون عدد المصابين في العالم في عام ألفين مئة وعشرين مليون مصاب، نشر هذا في صحيفة تصدر في دمشق، وهناك من يعتقد أن هناك مصاباً بهذا المرض وحاملاً له، لكنه وجد أن الحامل لفيروس هذا المرض مصاب به حتماً، لكنه لا يزال في دور الحضانة، وأما أعراضه المرعبة ففي طريقها إلى الظهور، فلا معنى للتفريق بين المصاب والحامل لأن الفرق بينهما فرق وقت لا فرق نوع.
أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، من المفارقات الحادة أن العالم كله، ولاسيما الدول المتقدمة بمقياس العصر المادي، العالم كله بكل إمكانياته المادية والعلمية يقف عاجزاً مكتوف اليدين أمام أضعف فيروس حتى الآن، يفتك بالملايين الذين انحرفوا بأخلاقهم عن المنهج القويم، وكأن هذا الفيروس جند من جنود الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو، جعله الله عقاباً عاجلاً لمن خرج عن الفطرة السليمة فضلَّ وأضل، وفسّد وأفسد، إذ لا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالعودة إلى المنهج القويم، والصراط المستقيم، ومما يؤكد ذلك وهذا ما حير العلماء أن البعوضة تغرس خرطومها في جسم مصاب بهذا المرض، وتأخذ من دمه الملوث، ثم تنتقل إلى إنسان سليم من هذا الفيروس، وتغرس خرطومها في دمه النظيف ويختلط دم السليم بدم المصاب، ولا ينتقل المرض، أليست هذه آية صارخة تدل على أن الله جل جلاله جعل هذا المرض الفتاك عقاباً على السلوك الإباحي ليس غير، ولم يجعل الإصابة به عشوائية.

درهم وقاية خير من قنطار علاج:

أيها الأخوة الكرام، لو أن بلدةً تشرب ماءً ملوثاً، فظهر في أبنائها الأمراض والأوبئة فهل من العقل والحكمة أن ندع الماء الملوث يفتك بأبناء هذه البلدة

ثم نبحث عن المصل المضاد واللقاح الشافي، وأن نستقدم الأطباء، ونشيد المشافي، ونستورد الأجهزة، أم العقل والحكمة يقتضي أن نوقف الماء الملوث، أو أن نطهره من التلوث، وعندها نطوق المشكلة ونحد من انتشارها، ثم نلتفت إلى معالجة المصابين.
أيها الأخوة الكرام، من المؤسف أن هذا ما لا يجري في العالم كله، إنهم لا يقفون في وجه أسباب المرض، بل يحاولون أن يمنعوا أعراضه ونتائجه، إن درهم وقاية خير من قنطار علاج.

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) ﴾

( سورة الجاثية)

الشاب الذي يبحث عن عمل، ثم يبحث عن زوجة، هو في الظاهر يبحث عن كفايته، ويقضي حاجته، وهو في الحقيقة يسهم في بناء أمته، لأن الأسرة النظيفة المتماسكة هي الخلية الأولى في جسم المجتمع السوي المتقدم، والشاب الذي يهمل عمله، ويقضي وطره من طرق غير مشروعة، ومع فتيات ساقطات، يسهم من حيث يريد أو لا يريد، من حيث يعلم أو لا يعلم في تدمير نفسه، وأسرته، ومجتمعه، وهل الأمة إلا بشبابها الأصحاء الأقوياء المستقيمين وشاباتها.

يا بنات الجيل هيــا حصنوا هذا البناء
احفظوا جيل الشـباب أرشدوهم للصواب
فهم النبع الغزيـــر ولك عذب الشراب
حصنوا كل الشبـاب لينيروا كالبــدور
يسروا أمر الـزواج لا تغالوا بالمـهـور
واحذروا داء التباهي بالأثاث و القصـور
إنما نبع السعــادة كامن ضمن الصدور
* * *

 

احذروا الفيروس فهو الآن جمر يختفي تحت الرمــاد
إن تجاهلنا الحقيقة فاجأتنا النار يوماً واكتوى كل العباد
بددوا الجهل بعلــــم أيقظوا أهل الرقـــــاد
توجوا العلم بطــــهر صادق فهو العمـــــاد
هاهو الفيروس يغتــال الضحايا قاصداً كل البـلاد
وهو أعمى عن شبـاب طاهر يأبى الفســـــاد
* * *

إنما العفة ماء بارد عذب زلال، يطفئ الجمر، ويروي كل من طلب الحلال.
لكن أيها الأخوة ينبغي أن ننوه أنه بفضل الله علينا، وبسـبب تمسك مجتمعنا بمبادئ دينه القويم، فإن هذا المرض الخطير الذي يعد الخطر الأول في العالم كله لا يعد مشكلة في بلدنا الطيب، فالإصابات لا تزيد عن مئة أو أكثر بقليل، وأكثر هذه الإصابات من الوافدين من بلاد أجنبية، وهناك إجراءات حازمة تحد من انتشاره:

 

﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) ﴾ 

( سورة طه)

وقال:

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) ﴾

( سورة البقرة)

لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور