وضع داكن
22-11-2024
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 088 أ - اسم الله الرحمن 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

من أسماء الله الحسنى:(الرحمن):

أيها الأخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم: " الرحمن".

ورود اسم الرحمن في القرآن الكريم و السنة النبوية:

عدّ بعض العلماء هذا الاسم اسم الله الأعظم لقوله تعالى:

﴿ قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (110) ﴾

( سورة الإسراء)

وقد قال بعضهم اسم الله الأعظم متعلق بكل مؤمن، فالمؤمن الفقير اسم الله الأعظم بالنسبة إليه المغني، والمؤمن المريض اسم الله الأعظم بالنسبة إليه الشافي، والمؤمن الضعيف اسم الله الأعظم بالنسبة إليه القوي، هذا اجتهاد.
أيها الأخوة، اسم الله الرحمن ورد في القرآن والسنة كما في قوله تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾

( سورة الرحمن )

الترتيب في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى علم القرآن خلق الإنسان ولا يعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق، لكن العلماء قالوا: هذا الترتيب ترتيب رتبي، وليس ترتيباً زمنياً، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من منهج يسير عليه، فقدم الله المنهج على وجود الإنسان لأهميته، وفي قوله تعالى:

﴿ قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (110) ﴾

( سورة الإسراء)

اقتران اسم الرحمن باسم الرحيم في ستة مواضع:

ورد هذا الاسم في خمسة وأربعين موضعاً من القرآن الكريم، اقترن في ستة منها باسم الرحيم، ولم يقترن بغيره في بقية المواضع، قال تعالى:

﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ(22) ﴾

( سورة الحشر)

وقال تعالى:

﴿ تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ(2) ﴾

( سورة فصلت)

ومما ورد في السنة المطهرة:

(( الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ فَفَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ وَفَرَسٌ لِلْإِنْسَانِ وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ فَالَّذِي يُرْبَطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَعَلَفُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ فَالَّذِي يُقَامَرُ أَوْ يُرَاهَنُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فَرَسُ الْإِنْسَانِ فَالْفَرَسُ يَرْتَبِطُهَا الْإِنْسَانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَهَا فَهِيَ تَسْتُرُ أي أودعت فيه النطفة في بطنه، أي لقح ))

[ أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه ]

الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر:

طبعاً حينما قال الله عز وجل:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة آل عمران الآية: 14 )

الخيل المسومة، تطورت الآن المركبة، السيارة، أي نوع الركوب في وقت نزول الوحي ما كان هناك إلا الخيل المسومة، تطورت الآن المركبة، السيارة، يعني نوع الركوب في وقت نزول الوحي ما كان إلا الخيل المسومة، أما هي رمز الآن لكل شيء يركبه الإنسان، فالمركبة الحديثة الآن تأتي في بنود الشهوات تحت بند:

﴿ َالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾

لكن هناك حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( الخيل ثلاثة، فهي لرجل أجر, ولرجل ستر, ولرجل وزر ))

[ البخاري و مسلم عن أبي هريرة ]

أي إنسان يقتني مركبة يستر بها أهله، له أهل ملتزمون مطبقون لمنهج الله عز وجل فيسترهم بها، ستر، وهناك إنسان يسخر هذه المركبة لخدمة الناس، أجر، وهناك إنسان يرتكب فيها المعاصي والآثام، وزر، والآن المركبة إما أنها ستر أو أنها أجر أو أنها وزر.

(( أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت له اسماً من اسمي ـ الرحمن والرحم ـ فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ))

[ البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف ]

(( قل أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن ))

[رواه أحمد عن عبد الرحمن التميمي]

هذه نماذج من الآيات والأحاديث التي ورد فيها اسم الرحمن منفرداً أو مقترناً بالرحيم.

 

الرحمن في اللغة:

الآن الرحمن في اللغة، صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم، الرحمة في حقنا بني البشر رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف، والرحمة تستعدي مرحوماً فهي من صفات الأفعال، هذا في اللغة.
أما إذا قلنا الله جلّ جلاله هو الرحمن، الرحمن اسم يختص بالله عز وجل، ولا يجوز إطلاقه في حق غيره، هذه خصيصة، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة، حيث الخلق كلهم عباده، يرزقهم، ويهديهم سبلهم، ويمهلهم فيما استخلفهم وخولهم، ويسترعيهم في أرضه، ويستأمنهم في ملكه، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وإن رحمة الله في الدنيا وسعتهم جميعاً، الله يرحم المؤمن وغير المؤمن، أي يطعمهم، ويسقيهم، ويحفظهم، والرحمة تشمل المؤمنين والكافرين، للتقريب أب عنده أولاد واحد منهم بار والآخر عاق لكنه يطعمهم جميعاً، وفي مناسبة العيد يكسوهم جميعاً لكن قلبه مع من ؟ مع الابن البار، أما فعله سواء مع كل أولاده.

الله جلّ جلاله رحيم سبقت رحمته غضبه:

الرحمة أيها الأخوة، تفتح باب الرجاء والأمل، وتثير ممكنون الفطر، وتبعث على صالح العمل، وتدفع أبواب الخوف والنقمة، وتشعر الشخص بالمن والأمان، الله رحيم، والله جل جلاله سبقت رحمته غضبه، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً، يعني الله عز وجل يقول:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

رحمة نكرة، تنكير تقليل، والنبي عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق، ومع ذلك:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

أما الله عز وجل:

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾

( سورة الكهف الآية: 58 )

إذاً سبقت رحمته غضبه، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً في الدنيا، يتراحم به الناس ويتعاطفون، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها.

 

الله عز وجل أرحم بالعباد من الأم بولدها:

هناك حيوان اسمه البطريق، طائر يعيش في القطب الجنوبي، يجتمع حوالي عشرة آلاف بطريق في قارة متجمدة، الرياح الباردة سرعتها مئة كيلو متر في الساعة، والحرارة خمسون تحت الصفر، يجتمعون هناك في هذا الوقت العصيب الأنثى تلد، تلد بيضة، يضعها الذكر على قدميه، ويبقى واقفاً لا يتحرك، ولا يأكل، ولا يشرب أربعة أشهر، لأن هذه البيضة لو وقعت من على رجليه وقعت على الثلج لفسدت لذلك يحافظ عليها ويغطيها بفروه أربعة أشهر، ولا يأكل شيئاً، ولا يشرب شيئاً، وفي حوصلته كمية غذاء تكفي هذه البيضة حينما تفقص، فإذا فقصت وضع الكمية من الغذاء في فم البطريق الصغير، إلى أن تأتي الأم من البحر وتتولى متابعة العناية بهذا البطريق، شيء لا يصدق أن كائناً يرعى هذه البيضة أربعة أشهر لا يأكل ولا يشرب شيئاً، لذلك سبقت رحمته غضبه ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً في الدنيا يتراحم به الناس، ويتعاطفون، حتى ترفع الدابة حافرها عن والدها خشية أن تصيبه:

(( جعل الله الرحمة مئة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ))

[ البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

(( قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي فإذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي عليه الصلاة والسلام وقد رآها وتأثر، قال: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا: لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال عليه الصلاة والسلام: لله أرحم بعبده من هذه بولدها ))

[ البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ]

حديث بليغ، تصور امرأة على التنور كلما وضعت رغيفاً تأخذ ابنها تضمه وتشمه، هل يعقل أن تطرح هذه المرأة ولدها في التنور ؟ الله عز وجل فيما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لله أرحم بعبده من هذه بولدها.

 

الرحمة التي دلّ عليها اسم الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين:

أيها الأخوة، الرحمة التي دلّ عليها اسم الرحمن رحمة عامة، تظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا، فمن رحمته أن الله عز وجل أنعم علينا لنذكره، ولكن كثيراً منهم جاحدون، قال تعالى:

﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(73)﴾

( سورة القصص )

نعمة الليل والنهار، لا تقدر بثمن، الإنسان إذا لم ينم اضطربت حياته، وجعل الله الليل سكناً:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا(48) ﴾

( سورة الفرقان)

الرحمة التي دلت عليها هذه الآيات رحمة عامة بالناس أجمعين.

 

اقتران اسم الرحمن باستوائه سبحانه على العرش:

هذا الاسم خصّه وقرنه باستوائه على العرش في جميع المواضع التي وردت في القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5) ﴾

( سورة طه)

أيها الأخوة:

(( فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ))

[عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

عدم استغناء المؤمن و الكافر عن الله عز وجل:

الله جلّ جلاله فوق الخلائق أجمعين سواء أكانوا مؤمنين أو كافرين، حياتهم قائمة بإذنه، أرزاقهم مكنونة في غيبه، بقاؤهم رهن مشيئته وأمره، وأنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه، ودبر أمر الخلائق في ملكه، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن ولا كافر، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59) ﴾

( سورة الفرقان)

هل سألت خبيراً عن الله عز وجل ؟ هل من علم يعلو على أن تعرف الله ؟ أن تعرف خالق السماوات والأرض ؟ أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ؟

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59) ﴾

( سورة الفرقان)

هذا أمر وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، أمر إلهي:

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59) ﴾

( سورة الفرقان)

من عرف قدره و عبوديته و افتقاره ارتقى عند الله عز وجل:

أيها الأخوة، اسمان مشتقان من الرحمة، الرحمن والرحيم، الرحمة تستدعي مرحوماً، كما أن العلم يقتضي المعلوم، والرحمة تقتضي المرحوم، ولا مرحوم إلا وهو محتاج، الإله لا يكون مرحوماً بل هو راحم، أما المخلوق فهو مرحوم لأنه ضعيف، ولأنه عاجز، ولأنه فقير، ولأن قيامه ليس بذاته، بل قيامه بغيره، إذاً هو مرحوم، يعني العبد عبد، والرب رب، العبد مرحوم، نحن جميعاً ضعاف وفقراء وجهلاء، بالله نعلم، وبالله نقوى، وبالله نغتني، فالعبد مفتقر إلى سيده، فكلما عرف الإنسان قدره، وعرف عبوديته، وعرف افتقاره، ارتقى عند الله، وكلما تأله، وتكبر، واستعلى، واستنكف، سقط من عين الله، الرب راحم لأنه رب، والعبد مرحوم لأنه ضعيف، وأي إنسان خرج عن دائرة العبودية في ساعة غفلة ينسى أنه في حاجة ماسة إلى رحمة الله، مرة شخص قال عندما أنشئ سد: استغنينا به عن رحمة الله. كلام فيه غباء ما بعده غباء، نحن جميعاً في أمس الحاجة إلى رحمة الله.
أنا أقول لكم المعجزة أن تستيقظ سليماً من أي مرض، الإنسان تركيبه بالغ التعقيد، يعني نقطة دم لا تزيد عن رأس دبوس لو تجمدت في أحد شرايين الدماغ أصيب بالشلل، فقد ذاكرته، فقد سمعه، فقد بصره، شريان القلب التاجي إذا ضاق دخل في متاعب لا تنتهي، شعر بآلام في صدره الذبحة الصدرية، شعر بوهن في قوته، أي الإنسان تحت ألطاف الله، لا يوجد إنسان يقول أنا إلا في غيار، من أنت ؟ قل الله، نحن في لطف الله وفي رحمة الله.

إنما الأعمال بالنيات:

أيها الأخوة، الشيء الذي تنقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد ولا إرادة ولا عناية بالمحتاج هذا الشيء لا يسمى رحيماً، الرحمة مقصودة، أنت حينما ترحم إنساناً تريد أن تنقذه، تريد أن تسلمه من عطب، تريد أن تحفظه، فإذا أردت ورحمت، فأنت قد اشتققت من اسم الله الرحمن الرحمة، أما إنسان ما أراد ولا قصد، أنا أقول دائماً لا يسمح الله لطاغية في الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثواب، للتقريب أب منحرف انحرافاً شديداً عقيدة وسلوكاً، وعنده ابن صالح وهو يعنفه ليلاً نهاراً على صلاحه، وعلى صلاته، وعلى تدينه، ويتهمه بالتزمت والتخلف والحمق، هذا الابن لو أن الله جعله داعية هل لأبيه أجر ؟ لا والله ولا شيء لأنه ما أراده هكذا.
الفكرة دقيقة لا تسمى راحماً إلا إذا أردت أن ترحم، فإن لم ترد وجاءت رحمة منك دون أن تقصد للناس، أنت موظف بدائرة وقعت على قرار بعثات، وذهب طالب تعلم علم الغرب، وعاد إلى بلده ليقوي المسلمين، أنت بحكم وظيفتك أرسلت هذه البعثة ليس لك أجر، فإن لم تكن مؤمناً وترد هذا الخير لا أجر لك، لا يسمى الرحيم رحيماً إذا جاءت الرحمة عن غير قصد منه وعن غير إرادة وعن غير نية طيبة، هذا ليس من باب التضييق على الناس ولكن من باب:

(( إِنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ))

[ أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب ]

لذلك ابن عمر رضي الله عنهما يقول:

(( من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه ومن آتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ))

[النسائي عن ابن عمر رضي الله عنه ]

الذي أتمنى أن يكون واضحاً الله عز وجل قال:

﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ (119) ﴾

( سورة هود)

من رحم الناس استحق رحمة الله عز وجل:

دقق الآن في كلام الله:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119) ﴾

( سورة هود)

خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليكرمهم، خلقهم ليسعدهم، لكن هذا الذي نراه في الأرض من مشكلات بسبب انحرافهم وتقصيرهم وبعدهم عن الله عز وجل، وأنا ألخص حال المسلمين بكلمتين، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، يا أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾

( سورة الأعراف)

أنت بإمكانك أن تتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله، اسم الرحمن عند بعض العلماء اسم الله الأعظم، بإمكانك أن ترحم الناس فتستحق رحمة الله، إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي، الراحمون يرحمهم الله.

 

أكثر الصفات الكاملة تنبع من الرحمة:

أيها الأخوة الكرام، لا يوجد صفة لها شمول كصفة الرحمة، أنت لطيف لأنك رحيم، كريم لأنك رحيم، منصف لأنك رحيم، أكثر الصفات الكاملة تنبع من الرحمة، لذلك قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

يعني يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة، فانفضوا من حولك، هذه الآية يحتاجها كل أب، كل معلم، كل داعية، كل مدير، كل إنسان له منصب قيادي، تتصل بالله يمتلئ القلب رحمة تنعكس الرحمة ليناً، يلتف من حولك حولك، فإذا انقطع الإنسان عن الله امتلأ القلب قسوة وانعكست القسوة غلظة فانفضوا من حولك:

﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (159) ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور