- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى:(الرؤوف):
أيها الأخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم "الرؤوف".
ورود اسم الرؤوف في القرآن الكريم:
سمى الله جلّ جلاله ذاته العلية باسم الرؤوف وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(20) ﴾
وفي قوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(10) ﴾
وقد ورد أيضاً هذا الاسم مقيداً في الآيتين السابقتين، وورد مطلقاً، وورد مقيداً بالإضافة في قوله تعالى:
﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(207) ﴾
يشري بمعنى يبيع ويشتري، السياق هنا يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله:
ً بالإضافة في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ (111) ﴾
واشترى نفسك ومالك، آية أخرى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143) ﴾
من آثر الآخرة على الدنيا ربحهما معاً:
أي تخطب ود الله، تترك شيئاً لله، تؤثر طاعة الله على مكاسب مادية، وتضيع عند الله ؟ من سابع المستحيلات، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تدع شيئاً لله ثم تخسر:
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تدع شيئاً لله، أن تخاف الله فيما بينك وبينه ثم تضيع، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعتز به وتذل، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعتز بغيره وترتفع.
ورد في الأثر القدسي:
(( ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيَّته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطَّعت أسباب السماء بين يديه ))
هذه حقائق مطلقة، أن تؤثره على مكاسب دنيوية وتخسر ؟ مستحيل، أن تؤثر الدنيا على طاعته وتربح ؟ مستحيل، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، الذي يؤثر الآخرة على الدنيا يربحهما معاً، والذي يؤثر الدنيا على الآخرة يخسرهما معاً، مستحيل أن تخافه ثم يخيفك من أحد من خلقه، مستحيل أن تخافه ثم يخيفك من واحد من خلقه مستحيل.
عدم استواء المؤمن مع الفاسق:
أيها الأخوة، هذه حقائق مطلقة، لذلك:
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(10) ﴾
يعني إنسان خاف من الله فترك صفقة كبيرة:
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
***
يعني من البديهيات:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
الرؤوف في اللغة:
أيها الأخوة، الرؤوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل رائف، وهو الموصوف بالرأفة فعله رأف، يرأف، رأفة، فهو رؤوف، والرأفة في حق الإنسان أن يمتلئ قلبه بالرقة وهي أشد من الرحمة، رحمة، فرأفة، وقيل بل شدة الرحمة ومنتهاها، قال تعالى:
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ (2) ﴾
الرأفة رقة القلب، مشاعر العطف والرحمة، ويمكن أن نقول: إن الرحمة تسبق الرأفة، والرأفة منزلة تأتي بعدها، فلان رحيم، فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف، أو الرأفة آخر ما يكون من الرحمة يعني في أعلى درجات الرحمة الرأفة، لذلك قدمت الرأفة على الرحمة تقديم أهمية، وذلك في هذه الآية:
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ﴾
لذلك قالوا أرحم الخلق بالخلق رسول الله.
أبعد القلوب عن الله عز وجل القلب القاسي:
مع ذلك:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾
نكرة، من الله لنت لهم:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
دقق:
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ (58) ﴾
يعني رحمة جزء من مليار مليار مليار مليار إلى أن ينقطع نفسك من رحمة الله، فكنت ليناً لهم، والآية الدقيقة:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾
يعني يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم، انعكست هذه الرحمة التي في قلبك ليناً لهم، فالتفوا حولك، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، وانعكست القسوة غلظة، فانفضوا من حولك، معادلة رياضية تتصل بنا، يمتلئ قلبك رحمة، تنعكس الرحمة ليناً، يلتف الناس حولك، تنقطع عنا يمتلئ القلب قسوة، تنعكس القسوة غلظة، فينفض الناس من حولك، هذه الآية يحتاجها الآباء، الأمهات، المعلمون، أي إنسان له منصب قيادي يحب أن يلتف الناس حوله، أن يطيعوه، أن ينصاعوا له، أن يقدروا قيادته، ليتصل بالله، ليكن رحيماً، فإذا رحمت الخلق أحبك الخلق، وإذا قسوت عليهم أبغضك الخلق، لذلك أبعد القلوب عن الله عز وجل القلب القاسي، عبادي إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي، الراحمون يرحمهم الله، والرأفة تأتي في قمة الرحمة، لكن هذه الرأفة تتعلق بخاصة المؤمنين، الرحمة بحقنا والرأفة بحقنا رقة القلب، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين.
من عاش تقياً عاش قوياً:
أيها الأخوة، رأفة النبي بأصحابه ما بعدها رأفة، التفاف الصحابة حوله، فدوه بأنفسهم وبأرواحهم لأنه كان رحيماً بهم، أما إذا قلنا الله جلّ جلاله رؤوف شيء آخر، الله رؤوف بعباده أن يتعطفوا على عباده، يحفظ لهم سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم، يعني أحد علماء دمشق بدأ بالتعليم في الثامنة عشر وتوفاه الله في الثامنة والتسعين، وكان يدير مدرسة خرجت كبار القادة في هذا البلد، هذه المدرسة طبعاً استمرت ثمانين عاماً، كان إذا مشى في الطريق ورأى شاباً يقول له: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، علم ثمانين عاماً تعليماً إيمانياً شرعياً علمياً وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، يقال له يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ يقول يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر من عاش تقياً عاش قوياً.
الرأفة و الرحمة:
أيها الأخوة، والرؤوف هو الذي يدفع السوء عن عباده، يجلب لهم الخير، يحفظ لهم سمعهم، وبصرهم، واختصاصاتهم، لكن هناك معنى جديد أن اسم الرؤوف يتعلق بالوقاية، وأن اسم الرحيم يتعلق بالعلاج، قبل أن تقع المصيبة الله رؤوف بعباده، إياك أن تقع في هذا الخطأ، لئلا تستحق هذا العقاب، فالرؤوف رأفته وقائية، أما الرحيم بعد أن تقع المصيبة، بعد أن يقع العبد في ذنب كبير، في أكل مال حرام، الله رحيم به، فالرحمة بعد الوقوع والرأفة قبل الوقوع، الرحمة علاجية والرأفة وقائية، الرحمة تخفيف الألم عن المصاب بينما الرأفة هي الحيلولة بين المتعطف عليه وبين الوقوع في الشدة.
الفرائض و النوافل:
(( وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ))
أي أدِّ الفرائض تكن أعبد الناس:
(( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ))
صلى الضحى، صلى قيام الليل، صلى صلاة الأوابين، تصدق من ماله فوق أنه أدى زكاة ماله، كلها نوافل:
(( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ))
إذاً الفرائض شيء والنوافل شيء آخر:
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ (177) ﴾
بدافع محبته لله، أو أنفق هذا المال على الرغم من أنه يحب المال:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أنفق المال بدافع محبته لله، أو أنفق هذا المال على الرغم من أنه يحب المال، يحبه وأنفقه.
عند المؤمن خطوط حمراء ممنوع أن توضع على بساط البحث:
(( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، هنا، الآن دقق في النتائج، كنت سمعه ))
كيف ؟ لا يستمع إلى شيء إلا وفق مقياس القرآن الكريم، أحياناً يقول لك يطرح إنسان بمقالة فكرة " الاختلاط يهذب المشاعر "، هذا الكلام خلاف القرآن الكريم والسنة، هذا الكلام لا يستمع إليه، لا يستمع إلا ما كان وفق الكتاب والسنة، الكتاب والسنة من عند الله، السنة بيان المعصوم والقرآن كلام خالق السماوات والأرض، فالذي جاء به القرآن هو الحق:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
الآن بالمفاوضات يقولون: هناك مجموعة قضايا خارج نطاق البحث، لا يبحث بها، هذه مسلمات، والمؤمن بحياته يوجد مسلمات، حكم الله عز وجل مُسَلَّم عنده، هذا الحكم ليس خاضعاً للبحث، ولا للدرس، ولا للتعديل، ولا للتبديل، ولا للتطوير ولا شيء آخر، لا يحذف، ولا يضاف عليه، ولا يعدل، ولا يطور، هذا حكم الله، أي هناك خطوط حمر في حياة المؤمن ممنوع أن توضع على بساط البحث:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
الوحي للعقل كالنور للعين:
كنت مرة في بلد غربي بعيد في مؤتمر إسلامي فقام أحد المتكلمين وقال: هنا في هذا البلد ليس هناك شيء مقدس، كل شيء خاضع للبحث، والدرس، والإلغاء، هو يشرح ثقافة هذا البلد، شيء مقدس لا يوجد أبداً، أي شيء خاضع للبحث، والدرس، والإلغاء، والقبول.
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28﴾
العقل من دون وحي يقع في خطأ كبير، كما أن النور ضروري للعين كذلك الوحي ضروري للعقل، الوحي للعقل كالنور للعين.
المسلم يستمع في ضوء الوحيين ويرى في ضوء مقاييس القرآن الكريم:
(( فإذا أحببته كنت سمعه ))
عنده تصفية، أي كلام يتناقض مع القرآن الكريم، ومع السنة يركله بقدمه، تحت قدمه، لا يسمع إلا وفق ما جاء بالوحيين، هذا الذي يسمعه ويقدره
(( وبصره ))
نظر إلى بيت شيء لا يصدق في فخامته، وأناقته، وفي أبهائه، وشرفاته، وحدائقه، وجماله، وتزييناته، لكن صاحبه تاجر مخدرات، لا يرى هذا البيت إلا بعين الإيمان صاحبه مجرم، صاحبه يبني ثروته على تدمير الشباب، لا يرى الشيء إلا بمقياس القرآن، قد يحترم موظفاً صغيراً نظيف اليد مستقيماً، يحتقر إنساناً يتمتع برفاه يفوق حدَّ الخيال لكن ماله حرام
(( كنت بصره ))
يستمع في ضوء الوحيين ويرى في ضوء مقاييس القرآن الكريم:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))
(( كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ))
من كان مع الله كان الله معه: أي لا يتحرك إلا وفق منهج الله، لا يعطي، ولا يمنع، ولا يغضب، ولا يرضى، ولا يصل، ولا يقطع إلا لله:
(( ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ))
لا يذهب إلا إلى طاعة، إلا إلى بيت من بيوت الله، إلا لإصلاح ذات بين، إلا لصلة رحم، أما إلى ملهى، إلى رحلة كلها تفلت، وكلها تكشف، وكلها عورات، وكلها كلام لا يرضي الله، حركته لله، عطاؤه ومنعه لله، سمعه لله، بصره لله:
(( وإن سألني أعطينه ))
يصبح مستجاب الدعوة:
(( ولئن استعاذ بي لأعيذنه ))
وإذا كنت مع الله كان الله معك:
(( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ))
الإنسان يحب الحياة، يحب أن يكون معمراً، لكن أحياناً يكون الموت أولى لذلك من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام:
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا.
يعني أحيينا ما دامت الحياة خيراً لنا وأمتنا ما دام الموت خيراً لنا.
من دلائل رأفته جلّ جلاله أنه يفتح باب التوبة ما لم تغرغر النفس:
الرؤوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين، يفتح لهم باب التوبة أجمعين، ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها، عند الغرغرة قفل باب التوبة، وإذا طلعت الشمس من مغربها، يعني بعض أنواع الفهم لهذا النص حينما ترى القيم كلها من الغرب أي مستحيل أن نعطي رخصة لفندق خمس نجوم إلا ويبيع الخمر، لأن هذه التعليمات مقدسة، لا تعطى رخصة في أي بلد لفندق من فئة الخمس نجوم إلا بشرط أن يبيع الخمر ويقدم لحم الخنزير لأنه حضارة، إذا طلعت الشمس من مغربها، إذا توهمنا الحق والقيم والمبادئ والتقدم والحضارة كل ما يفعلونه أغلق باب التوبة.
(( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ))
إنسان يصل إلى حالة لن يتوب، يرى الدين لا يصلح إطلاقاً لهذا العصر، رؤى ضبابية، اعتقاد بشي ما وراء الطبيعة، كن واقعياً، عش حياتك، الفتاة ينبغي أن تظهري كل مفاتنك هذا من حقك، مثلاً هناك طروحات خلاف القرآن الكريم والسنة، لذلك من دلائل رأفته جلّ جلاله أن الله عز وجل يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
طبعاً أنا لا أنفي التفسيرات الأخرى، هناك تفسيرات أخرى لهذه الظاهرة، لكن من المعاني التي قد تأتي إلى الخاطر أنه إذا رأينا الغرب كل شيء، ونمط حياته هو النمط الصحيح، وعلاقاته هي العلاقات الصحيحة، مبادئه وقيمه هي القيم الصحيحة، الاختلاط والتفلت والتعري، يعني حينما نرى أن هذا النمط هو النمط الصح الذي ينبغي أن نقلده أغلق باب التوبة، لماذا تتوب ؟
الرؤوف يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم ولا يخرجهم عن وسعهم وطاقتهم:
الرؤوف هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم، ولا يخرجهم عن وسعهم وطاقتهم، قال تعالى:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ﴾
و قال تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (286) ﴾
أيها الأخوة، هناك حديث ضعيف وأنا أؤكد على ضعفه:
(( كيف بكم إذا لم يرأف الله بكم ولم يرحمكم ؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: أي والذي بعث محمدا بالحق إذا استعمل عليكم شراركم فقد تخلى الله عنكم ))
طبعاً هذه الرواية لا يصح الاحتجاج بها، أنا أكدت على ضعف الحديث لكن المعنى دقيق جداً:
﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا (16) ﴾
هناك قراءة أمرنا مترفيها:
﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) ﴾
يعني من علامات قيام الساعة أن تنزع الرحمة من قلوب الأمراء، وأن يذهب الحياء من وجوه النساء، وأن تنزع النخوة من رؤوس الرجال، لا نخوة في رأس الرجل، ولا حياء في وجه المرأة، ولا رحمة في قلب الأمير، لذلك:
(( إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ))
أيها الأخوة الكرام، لهذا الاسم تتمة غداً إن شاء الله.