وضع داكن
18-04-2024
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 085 أ - اسم الله الوارث 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

من أسماء الله الحسنى:(الوارث):

 أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم "الوارث".

ورود اسم الوارث في القرآن الكريم مطلقاً و معرفاً:

 ورد هذا الاسم في القرآن الكريم على سبيل الإطلاق، أي من دون إضافة، والتعظيم معرفاً، كما في قوله تعالى:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

( سورة القصص )

 وفي قوله تعالى:

 

﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾

 

( سورة الحجر )

 وقد ورد هذا في دعاء سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

 

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 

( سورة الأنبياء )

الله عز وجل سمح لذاته العلية أن توازن مع مخلوقاته كي نعرف من هو الله:

 أولاً سمح الله لذاته العلية أن يوازنها مع بعض مخلوقاته، فحينما قال الله عز وجل :

﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

( سورة المؤمنين )

 هل من خالق غير الله ؟ لكن سمّى الله هذا الإنسان الذي يصنع شيئاً، سماه خالقاً مجازاً، ووازنه مع ذاته العلية، كيف ؟
  يعني الإنسان يصنع كلية صناعية، حجم هذه الكلية كحجم هذه الطاولة، ولابدّ أن يستلقي الإنسان إلى جانبها ثماني ساعات، ولا تستطيع أن تصفي الدم تصفية كاملة ، وتجري هذه العملية كل أسبوعين مرتين أو ثلاثة، و يدفع مبلغاً كبيراً، لو وازنت بين هذه الكلية الصناعية ذات الحجم الكبير، والنفقات الباهظة، وتضييع الوقت الطويل، ويبن كلية طبيعية أودعها الله في جسمك، لا صوت، ولا حركة، كأنك لا تعرف، تعمل بصمت، تصفي الدم تصفية تامة.

 

الموازنة بين خلق الله عز وجل وخلق الإنسان تبين عظمة الله عز وجل:

 حينما قال الله عز وجل:

﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

 سمح لذاته العلية أن توازن مع مخلوقاته لبيان أن الله خلق كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، وأن الإنسان خلق شيئاً من كل شيء ولا على مثال سابق، هذه الموازنة تبين عظمة الله عز وجل .
  في المستشفيات التي يجري بها عملية قلب مفتوح قلب صناعي، حجمه بحجم الخزانة، ولابدّ من أن توصل الشرايين بهذا القلب، ولو وازنته مع القلب الحقيقي، الذي يعمل بلا كلل، ولا ملل، وبلا صوت.

 

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

 

( سورة لقمان الآية: 11 )

 لو وازنت هذه العين التي ترى الأشياء بحجمها الحقيقي، بألوان دقيقة، العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، وفي الميليمتر من شبكية العين مئة مليون مستقبل ضوئي، بينما في أعلى آلة تصوير رقمية احترافية، يوجد بالميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، من عشرة آلاف إلى مئة مليون، فهذه الموازنة تبين عظمة الله عز وجل .
 لو وازنت بين مجسم لامرأة في محلات بيع الأقمشة، وبين المرأة الحقيقية، من لحم ودم كم هي المسافة ؟ لو وازنت بين وردة صنعت من البترول (البلاستيك)، وبين وردة طبيعية

﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

بطولة الإنسان أن ينقل اهتماماته إلى الدار الآخرة:

 قال الله عز وجل :

﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾

( سورة الأنعام )

 الآن ببعض الحواسيب الراقية جداً ليس هناك مسافة زمنية، بين إعطاء الأمر وتلقي النتيجة، فكيف بالذات العلية إذا حاسبت، كن فيكون، زل فيزول، وسمح لذاته العلية أن يوازن مع بعض مخلوقاته، قال: والله

﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 شخص في هذه البلدة الطيبة توفي أحد أقربائه وترك ألف مليون، نصيبه وحده 90 مليوناً، أغلق محله التجاري، وتابع الإجراءات القانونية لأخذ هذا المبلغ كي يقيم المشروعات، ويشتري البيت الفخم، والمركبة الفارهة، ستة أشهر ما دخل محله التجاري وهو يتابع هذه المعاملات، ووافته المنية بعد ستة أشهر ولم يقبض من هذا الإرث شيئاً والله

﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

﴿ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾

( سورة مريم الآية: 40 )

﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾

( سورة الدخان )

  فالإنسان لما يضع كل أهدافه في الدنيا يكون مقامراً و مغامراً، لأنه قد ينال الدكتوراه ولا ينتفع بها، والله عشرات الأشخاص الذين أنفقوا في كسوة بيوتهم سنتين متتاليتين ولم يسكن هذا البيت.
 في بعض الأبنية سبعة طوابق في أرقى أحياء دمشق، وفي أعلى أسعار البيوت سبعة طوابق في بناء واحد لم تسكن إطلاقاً، اشتُريت، وزُينت، ولما انتهت وافت المنية أصحابها قبل أن يسكنوها، هو

﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 البطولة أن تنقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة، البطولة أن تقدم على الله، ولك عمل صالح تلقى الله به، البطولة أن تعمر بيتك في الدار الآخرة لا أن تعمر بيتك في الدنيا.

 

العاقل من أعدّ لساعة مغادرة الدنيا العدة اللازمة:

 أيها الأخوة:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

( سورة القصص )

  أحياناً من الواجبات الاجتماعية أن تقدم التعزية لقريب وافته المنية، أحياناً يكون بيت هذا القريب في أرقى أحياء دمشق، وثمنه فلكي، يعني مئة مليون، وأنا أؤدي واجب التعزية أسأل: من اختار هذا البلاط ؟ صاحب البيت، أين هو الآن ؟ من اختار هذه المناظر الرائعة ؟ صاحب البيت، من اختار هذه الثريات ؟ صاحب البيت، من اختار هذا الفرش ؟ صاحب البيت، أين هو صاحب البيت ؟ تحت أطباق الثرى، فالبطولة أن تعد لبيت في الآخرة.
  أيها الأخوة الكرام:

 

كل مخلوق يمـــــوت ولا يبقى   إلا ذو العزة والـــــــجبروت
***

 

والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
وكل ابن أنثى وإن طـــالت سلامته  يوماً على آلة حـــــدباء محمول
فـــــإذا حملت إلى القبور جنازة  فاعلم أنــــــــك بعدها محمول
***

 البطولة أن تعد لهذه الساعة ساعة مغادرة الدنيا، أن تعد لهذه الساعة العمل الصالح، الإنسان كل يوم يقرأ عشرات النعوات، لماذا لا يوقن أنه في أحد الأيام لابدّ من أن يقرأ الناس نعوته، يكون ملقى على فراشه وقد فاضت روحه إلى السماء، والأهل بعضهم يبحث عن قبر، وبعضهم يجري معاملة الدفن، وبعضهم، وبعضهم، ويخرج هذا الإنسان من بيته لا على رجليه بل بالنعش، فعليه أن يعد لهذا اليوم العصيب، كل يوم ندخل إلى المسجد لنصلي، لمَ لا نوقن أنه في أحد الأيام لابدّ من أن ندخل المسجد لا لنصلي، بل ليصلى علينا.
  مرة كنت في المغرب، في بلدة اسمها فاس، عاصمة الإيمان، محل تجاري صغير مكتوب على واجهته كلمات لطيفة، هذه الكلمات : صلِّ قبل أن يصلى عليك.

 

الموت بوابة الخروج:

  لذلك كلمة "الوارث" هذا المال ليس لك، هذا البيت لن تبقى فيه إلى أبد الآبدين، هذه الزوجة الرائعة لن تبقى معها، إما أن تغادرك، أو أن تغادرها، هذا المحل التجاري ، هذا المكتب الفخم، هذه السيارة الفارهة، هذا الذي تستمتع به، لا يمكن أن يبقى لك دائماً.
 بالمناسبة، يستطيع واحد منا وأنا معكم أن يقول أنا أستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟ مستحيل، لابدّ أن يطرأ علينا طارئ في أحد الأيام، هذا الطارئ لا نعلم، من الدماغ، من القلب، من الكليتين، من الكبد، بحادث سير لا نعرف، هذا المرض الذي ينهي الإنسان أنا أسميه بوابة الخروج، ماذا أعددت لبوابة الخروج ؟.

المعنى اللغوي لكلمة الوارث:

 أيها الأخوة، "الوارث" اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره، يقال: ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثاً، وورث الرجل ولد مالاً، وَرَّثَ ووَرِثَ، أي أشركه في ماله ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من المتقدم إلى المتأخر.
 ورد في بعض الآثار أن روح الميت ترفرف فوق النعش، تقول يا ولدي يا أهلي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، وأنفقته في حلّه، وفي غير حلّه، فالهناء لكم والتبعة عليّ.
 والله مرة كنت مشاركاً في تشييع جنازة، قريب لأحد أخوتنا، فلما وضع النعش وفتح غطاؤه وحمل الميت ووضع في القبر، وضعت الحجرة الكبيرة، و أهيل التراب عليه، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على وجه الأرض إنساناً أذكى ممن يعمل لهذه الساعة التي لابدّ منها.
 ماذا أعددنا للقبر ؟ ما العمل الصالح الذي تدخره لساعة فراق الدنيا ؟ إذا لقيت الله عز وجل، والله عز وجل سألك يا عبدي خلقتك، وكرمتك، وأمددتك بكل ما تحتاج ، وخلقت لك ما في السماوات وما في الأرض من أجلك، ماذا فعلت من أجلي ؟ هل واليت لي ولياً ؟ هل عاديت فيّ عدواً ؟ هل أنفقت من مالك ؟ هل أنفقت من وقتك ؟ هل أنفقت من صحتك ؟ هل أنفقت من جاهك ؟ هل أطعمت مسكيناً ؟ هل رعيت أرملة ؟ هل نشأت طفلاً صغيراً يتيماً ؟ هل أطعمت جائعاً ؟ ماذا فعلت ؟ يا رب استمتعت بالدنيا، ما شاء الله ! هناك أناس ليس لهم عمل صالح، هم الفقراء حقاً.
 أيها الأخوة، وارث مال الميت الذي يملك تركته، ووارث الملك يرث سلطانه، هذا المعنى اللغوي لكلمة "الوارث".

من معاني الوارث:

1 ـ الوارث سبحانه و تعالى هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق:

  أما "الوارث" سبحانه وتعالى قال هو الباقي الدائم بعد فناء خلقه، أحياناً يخطر في بالي، حينما أرى سوقاً من أسواق دمشق العريقة وليكن سوق الحمدية، أقول: كل خمسين عاماً يكون في أشخاص جدد في هذه المحلات، يكبر الإنسان، يقعد في البيت، يتولى أولاده العمل من بعده، توافيه المنية، يبيعون المحل، يقتسمون التركة، يأتي إنسان جديد، هذه البيوت كلها، وهذه الأسواق كلها، كل خمسين عاماً تقريباً هناك أناس جدد.
 مرة قرأت كتاباً من أربعة أجزاء عن قصص العرب، اتعظت بعد قراءته موعظة بالغة، وجدت أن الأقوياء ماتوا، والضعفاء ماتوا، والأغنياء ماتوا، والفقراء ماتوا، والأصحاء ماتوا، والمرضى ماتوا، والأذكياء ماتوا، والأغبياء ماتوا، وكل مخلوق سوف يموت، ماذا بعد الموت ؟ هنا البطولة.
 "الوارث" سبحانه وتعالى هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق.
 و "الوارث" صفة من صفات الله جلّ جلاله، وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم، فالله:

﴿ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾

 وهو

﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 هذه المنطقة، منطقة الشرق الوسط، جاءها الرومان، وجاءتها شعوب كثيرة ، أين هي ؟ تحت أطباق الثرى، الله يرث الخلق، بل هو

﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 أي يبقى بعد فناء خلقه جميعاً فيفنى من سواه، ويرجع ما كان، فيرجع الأمر إلى الله عز وجل

﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 إذا كان الخلائق يتعاقبون على الأرض، فيرث المتأخر المتقدم، ويرث الولد الوالد، والزوج زوجته، وهكذا، ويستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة في الدنيا، فإنه لا يبقَ إلا الوارث هو الله مالك الملك، قال تعالى:

 

﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

 

( سورة آل عمران )

 فالوارث هو الباقي بعد فناء خلقه، أو "الوارث" لجميع الأشياء بعد فناء أهلها.

 

2 ـ الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا:

  الآن و"الوارث"، هو معنى جديد، هو الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا، كما قال تعالى:

﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ﴾

( سورة الأحزاب )

  يعني يرث ويورث.

 

3 ـ الذي أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة:

  ثم إن الله سبحانه وتعالى "الوارث" الذي أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة، أنا حينما أعزّي أحداً، وأدعو له أقول له: اللهم أبدله أهلاً خيراً من أهله، وداراً خيراً من داره، وجيراناً خيراً من جيرانه.
 إذاً الله "الوارث" يبقى بعد فناء خلقه، ويورث المؤمنين بعض ما كان بأيدي الكافرين، وثالثاً قد يورث المؤمن قصراً في الجنة.

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾

( سورة الزمر الآية: 73 )

  المعنى دقيق جداً، أحياناً إنسان درس في الجامعة، ونال الدكتوراه، وفتح عيادة، وفتح الله عليه دخلاً وفيراً، وعاش في بحبوحة، مسكن فخم، وزوجة، وأولاد، ومكانة اجتماعية، إذا مرّ أمام الجامعة ماذا يخطر في باله ؟ يقول: لولا هذه الجامعة والتحاقي بها، و دراستي فيها، ونيل الدكتوراه، ما كنت بهذه البحبوحة.

 

العمل الصالح في الحياة الدنيا ثمن للآخرة:

 الآن الله جعل العمل الصالح في الحياة الدنيا ثمناً للآخرة، جعل من العمل الصالح في الدنيا ثمناً للآخرة، فالإنسان وهو في الجنة يقول: لولا أن الله جاء بنا إلى الدنيا، وفي الدنيا تعرفنا إلى الله، تعرفنا إلى أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، تعرفنا إلى عظمته ، أطعناه، عبدناه، أدينا الصلوات الخمس، صمنا رمضان، حججنا بيت الله الحرام، أنفقنا من أموالنا، حضرنا مجالس العلم، لولا أن الله أورثنا الأرض، وفي الأرض تعرفنا إلى الله، وتبنا إليه، واصطلحنا معه، وقدمنا الأعمال الصالحة، لما كنا في الجنة، الآن هذا معنى الآية:

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾

  لولا أننا جئنا إلى الأرض، وعرفنا ربنا في الأرض، واستقمنا على أمره في الأرض، وعملنا الأعمال الصالحة، لما كنا في الجنة.
 كما يمر الطبيب أمام جامعته، لولا أنني التحقت في الجامعة، وأمضيت سنوات سبع، أدرس، وأحضر، وأذاكر، وأتابع، وأجرب، لما كنت في هذه الحياة المريحة بعد التخرج، وقال تعالى:

 

﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ﴾

 

( سورة مريم )

من خاف الله في الدنيا أمنه الله يوم القيامة:

 لذلك الإنسان حينما يتقي الله في الدنيا، يكرمه الله في الآخرة، من خاف الله في الدنيا أمنه الله يوم القيامة، ومن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة، بقاء الإنسان في الجنة إلى أبد الآبدين ليس بذاته، بل بإبقاء الله له، يا ترى الله عز وجل بقاؤه ذاتي، واحد أحد، فرد صمد، وجوده ذاتي، فالإنسان إذا سمح الله له أن يبقى في الجنة إلى أبد الآبدين، هذا إبقاء الله له، وليس إبقاء بذاته، والآية التي قال الله عز وجل:

﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

( سورة الأعراف )

 لما الإنسان يكون مؤهلاً أن يدير الدنيا يعطيه الله الدنيا، فإن لم يكن مؤهلاً لها لا يعطيه إياها.
 لذلك الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، يعني أنت مسلم لا سمح الله وظالم ؟ لن تعطى الدنيا، أما إذا في عدل ولو كان كافراً يملكها، من هنا قال بعض العلماء: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة، على الأمة المسلمة الظالمة.

 

أكبر باطل في الأرض زهوق و لو بعد حين:

 وقال تعالى:

﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

 يعني هذا المعسكر الكبير العملاق، الذي دام سبعين عاماً، يرفع شعار لا إله أين هو الآن ؟ من حاربه ؟ تداعى من الداخل.

 

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

 

( سورة الإسراء )

 زهوق صيغة مبالغة، يعني أكبر باطل في الأرض زهوق، ومليون باطل في الأرض زاهق.

 

﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

 

( سورة الأنبياء )

بطولة المؤمن لا أن يموت وتنتهي دعوته بل أن تستمر دعوته بعد موته:

 بطولة المؤمن لا أن يموت وتنتهي دعوته، بطولة المؤمن أن يكون حوله دعاة على شاكلته، هذا يسمى اليوم العمل المؤسساتي، العمل المؤسساتي لا يتأثر بموت أصحابه ، العمل المؤسساتي حضارة، لا يتأثر بموت أصحابه، وأول من أشار إلى هذا العمل المؤسساتي سيدنا زكريا.

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

( سورة مريم )

﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾

( سورة الأنبياء )

 كان يبتغي الولد مع انقطاع الأسباب، فدعا ربه فقال

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ﴾

( سورة مريم )

صلاح الدنيا بالكفر والعدل و عدم صلاحها بالإيمان والظلم:

 الآية الدقيقة أيها الأخوة:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

( سورة الأنبياء )

 العلماء قالوا: لعل معنى الصالحين غير المعنى المتبادر، الصالحون أي الصالحون لإدارتها، إذا أقاموا العدل يملكونها ولو كانوا كفاراً، وإذا ظلم المسلمون بعضهم بعضاً يخسرونها، ولو كانوا مؤمنين.
 المعنى الأخير: اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، هو الإنسان يرث سمعه وبصره، يفقد بصره، يفقد سمعه وهو حي ؟ لا، اجعل السمع والبصر يرثاني، وانصرني على من يظلمني، وخذ منه بثأري.
  أيها الأخوة، "الوارث" معنى دقيق جداً، وفي لقاء آخر نتابع هذا الاسم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور