- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى:(المالك):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم " المالك".
انفراد المالك بالخلق و التدبير و الملك و التقدير:
من معاني هذا الاسم العظيم "المالك":
﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾
فالمُلك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق، فلم يكن أحد سواه، والمُلك لله في المنتهى عند زوال الكون فلم يبقَ أحد سواه، هو الملك من فوق عرشه، لا خالق، ولا مدبر للكون إلا الله، هو الملك المتصرف في الأمر والنهي في مملكته، هو القائم بسياسة خلقه، ملكه هو الحق الدائم بدوام الحياة، ولما كان الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير فإنه ينفرد بالمُلك والتقدير.
وينفرد أيضاً بأنه " المالك" المستحق للملك ولا مالك إلا الله.
القدرة من لوازم المُلك:
الآن ولما ذكر الله ملكيته للأشياء، وأنه هو الذي يمنحها لمن يشاء، ذكر من لوازم المُلك القدرة، فالقدرة من لوازم ملكيته، فالمالك قدير، قال تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
أي شيء في الكون يُملك يا رب أنت مالكه.
﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
مرة كنت في بلد عربي، وحدثني طبيب، قال: له زوجة على وشك الولادة وفيها وضع عسر جداً، فاستشار أعلى طبيب في هذا البلد، فقال له: القضية سهلة، فلما طلب منه أن يستشر غيره أرغى وأزبد، وقال: ليس في هذا البلد كله طبيب في مستوى علمه، ارتكب هذا الطبيب خطأ لا يرتكبه طالب طب، وهذا البلد العربي لأول مرة منذ الاستقلال تسحب من طبيب شهادته، نُزعت عنه هذه الشهادة.
ولو أنك عالم لكن حينما تعزو هذا إليك ينزعه الله منك، والقصص كثيرة، قد يغدو الإنسان فقيراً بعد أن كان غنياً، قد يغدو ملقىً ضعيفاً ملقى في غيائب السجن بعد أن كان قوياً.
من افتقر إلى الله عز وجل كان الله معه:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
أي شيء تتصور أنك ملكته يُنزع منك، في أية لحظة، وأحياناً هناك مواعظ كبيرة جداً، إنسان يملك أموالاً طائلة يعمل محاسباً ليأكل فقط، فكأنما الله إذا أعطى أدهش، إذا أخذ أدهش، الفاتحة:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
ورد في بعض الآثار أن القرآن كله جُمع في الفاتحة، وأن الفاتحة جُمعت في
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
نعبدك ونستعين على عبادتك.
فلذلك أنت حينما تقف في الصلاة وتقرأ الفاتحة وسورة، تركع خضوعاً لهذا الأمر إذا قرأت بعد الفاتحة:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
هذا أمر، ما معنى الخضوع ؟ أنا يا رب خاضع إليك هذا الأمر، ما معنى السجود ؟ يا رب أعني على تنفيذ هذا الأمر، الركوع خضوع، والسجود طلب المعونة من الله، هذا العبد شأنه الافتقار إلى الله، إذا افتقر العبد إلى الله كان الله معه.
درسا بدر و حنين كل مسلم بحاجة إليهما:
مرة ثانية أقول لكم: أنت في حاجة ماسة إلى درسين، درس بدر ودرس حنين، درس بدر قال الصحابة: الله، فنصرهم، في حنين قالوا وهم قمم البشر، ومعهم سيد البشر:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
اعتدوا بكثرتهم فلم ينتصروا.
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً ﴾
فلذلك جُمع القرآن كله في الفاتحة، وجُمعت الفاتحة بـ
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
وأنت حينما تقول لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني لا حول عن معصيته إلا به ولا قوة على طاعته إلا به.
أي شيء تتوهم أنك تملكه الله عز وجل طليق الإرادة ويمكن أن ينزعه منك:
من هو سيد أهل العفاف ؟ سيدنا يوسف، ماذا قال ؟ قال:
﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾
من هو سيد الموحدين ؟ سيدنا إبراهيم، قال تعالى:
﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾
فأي شيء يُملك، أو أي شيء تتوهم أنك تملكه الله عز وجل طليق الإرادة يمكن أن ينزع منك.
النبي عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا معاذ:
(( يا معاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأدى الله عنك ؟ ))
بالمناسبة الحديث الشريف:
(( من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها ـ فقط، ما الذي منه ؟ الإرادة فقط ـ أدَّى الله عنه، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها ـ نقول أتلفها ـ أتلفه الله ))
(( يا معاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأدى الله عنك ؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ))
الله عز وجل بيده كل شيء و هو على كل شيء قدير:
>الله عز وجل يقول:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾
سمعك بيده، بصرك بيده، عقلك بيده، يكون الإنسان سيد البيت، أب، أولاد، بنات، أصهار، كنائن، مكانة، تجارة، يختل عقله، يذهب أهله إلى أقرب الناس إليهم يتوسطون لإيداعه في مستشفى المجانين، عقلك بيده، سمعك بيده، حركتك بيده، زوجتك بيده، يقول بعض العارفين بالله: أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، أحياناً يسلس قياد الزوجة، أحياناً تعانده.
أيها الأخوة:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
النبي الكريم لا يملك لأحد نفعاً و لا ضراً:
النبي عليه الصلاة والسلام ماذا يقول ؟ قل يا محمد لأصحابك:
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
فإذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، دقق أيها الأخ سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، الذي اصطفاه على كل الأنبياء والرسل، والذي أقسم بعمره الثمين، والذي ما خاطبه باسمه أبداً، يا أيها النبي، يا أيها الرسول، هذا قمة البشر، ومع ذلك قل:
﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾
لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً،
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
الشرك الخفي:
أربع آيات، أي إنسان من المسلمين إلى يوم الدين ادعى أنه يعلم الغيب فهو كاذب، اركل كلامه بقدمك، وأي إنسان من المسلمين إلى يوم الدين ادعى أنه يفعل ولا يفعل اركل كلامه بقدمك، لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً،
﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
أخوانا الكرام التوحيد شيء مهم جداً، إنسان يدعي أنه يتنبأ الغيب، إنسان يدعي أنه يفعل ولا يفعل، هذا كله من أنواع الشرك الخفي، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ـ أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنما ولا حجراً ـ ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ))
علاقة المؤمن باسم المالك:
أيها الأخوة، علاقة المؤمن بهذا الاسم، علاقته بهذا الاسم اعتقاد وسلوك، فالمؤمن ينبغي أن يعتقد أنه عبد في ملك سيده، وكلما تواضع العبد لربه رفعه الله، هل هناك من إنسان رفع الله ذكره كرسول الله ؟ وكان في أعلى درجات العبودية لله، علاقة المؤمن بهذا الاسم أن يعتقد أنه عبد في ملك سيده، مستخلف في أرضه، أمين على ملكه، قد ابتلاه الله فيما أعطاه، امتحنك فيما أعطاك، أعطاك قوة، أعطاك مالاً، أعطك ذكاءً، أعطاك طلاقة لسان، أعطاك علماً، أنت ممتحن فيما أعطاك، امتحنه واسترعاه.
أنا ونحن ولي وعندي أربع كلمات مهلكات:
الآن هذا الإنسان أيرد الملك إلى المالك، أم ينسب للمخلوق أوصاف الخالق ؟ ماذا قال قارون ؟
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
ماذا قال فرعون ؟
﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
ماذا قال أهل وجماعة بلقيس ؟
﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
ماذا قال إبليس ؟
﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾
أربع كلمات مهلكات: أنا، ونحن، ولي، وعندي.
الموحد الصادق يتحرى في قوله وفعله توحيد الله في اسمه المالك:
أيرد المُلك إلى المالك، أم ينسب للمخلوق أوصاف الخالق، فيتكبر على العباد بنعم الله، ويتعالى عليهم بما منحه الله وأعطاه ؟ فالموحد الصادق يتحرى في قوله وفعله توحيد الله في اسمه "المالك"، لا يتوكل إلا عليه، ولا يلجأ إلا إليه، لعلمه أن أمور الرزق بيده، وأن المبتدا منه والمنتهى إليه.
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾
من عرف نفسه حقّ المعرفة فهو إلى المالك الأوحد أذل من كل ذليل:
أيها الأخوة، المؤمن الموحد لله بهذا اسم " المالك" ينبغي أن يعرف نفسه، وينبغي أن يعرف حقيقتها، وحقيقة النعم وملكيتها.
قلت لكم: سألوا راعٍ يرعى الإبل، لمن هذه الإبل ؟ قال: (أجاب إجابة رائعة) هي لله في يدي، لمن هذا البيت ؟ هو لله في يدي أسكنه، لمن هذه المركبة ؟ لله في يدي، لمن هذه التجارة ؟ لله في يدي، الإنسان مهما عرف نفسه حقّ المعرفة، فإنه إلى المالك الأوحد أذل من كل ذليل.
أعرف رجلاً ذهب إلى باريس وجاء بشهادة عليا، تسلم منصب معاون وزير لوزارة مهمة جداً، ويحمل شهادة عليا، وله زوجة تروق له، ومنزل بأرقى أحياء دمشق، ومركبة فاخرة، فقد بصره، فقال لأحد أصدقائه وهو صديقي، قال له: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف، وأتكفف الناس، وأن يرد الله لي بصري، لا تملك شيئاً.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
كن مع الله ترى الله معك واترك الكل وحاذر طـمعك
وإذا أعطاك من يمنــعه ثم من يعطـي إذا ما منعك
* * *
التذلل إلى الله يرفع شأن الإنسان و يعلي قدره و يلهمه السداد في القول والعمل:
المؤمن إذا عرف نفسه حق المعرفة، فهو إلى " المالك" الأوحد أذل من كل ذليل، التذلل إلى الله عز، يرفع شأنك، يعلي قدرك، يلهمك السداد في القول والعمل، يطلق لسانك، كن عبد الله، فعبد الله حر، إن لم تكن عبداً لله فأنت حتماً عبد لعبد لئيم، إن لم تكن عبداً لله تنبطح أمام القوي، تتذلل أمامه، أما إن كنت عبداً لله فأنت في عزّ ومنعة.
أحد خلفاء بني أمية، جاء إلى الحج فقال: ائتوني بعالم أنتفع بعلمه، فذهبوا إلى الإمام مالك، فقال: قولوا له العلم يؤتى ولا يأتي، فلما قالوا له ذلك قال: صدق، أنا آتيه أبلغوه أنه سيأتي، قال: قولوا له إن أتاني لن أسمح له بتخطي الرقاب، قال: صدق أجلسوه على كرسي، فقال الإمام مالك: من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه، قال: خذوا عني هذا الكرسي.
أنت حينما تكون مع الله تكن عزيزاً، والمؤمن إذا آمن باسم الله " المالك" يشكره على ما أعطاه وأولاه، ويصبر عند المنع، لذلك قال ابن عطاء الله السكندري: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، ورد في بعض الآثار القدسية:
(( أنا مالك الملوك وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة، فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، فادعوا لهم بالصلاح فإن صلاحهم بصلاحكم ))
من معاني اسم المالك:
1 ـ يستغني في ذاته و صفاته عن كل موجود و يحتاجه كل موجود:
أيها الأخوة، لو دققنا فيما نقول أي وصف للملكية لغير الله فهو وصف مجازي على سبيل المجاز، لأن الملك هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاجه كل موجود، الملك الحقيقي الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاجه كل موجود، بل لا يستغني عنه شيء في شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، فهو مالك في ذاته، وفي وجوده، وفي صفاته، مستغنٍ عن كل شيء، يحتاجه كل شيء، هذا الوصف الدقيق للمالك لا ينطبق إلا على الله، لا يوجد مالك حقيقي، حتى القوي الله سمح له أن يكون قوياً، بلحظة يفقد قوته.
كان هناك كتلة شرقية مخيفة تملك قنابل ذرية لا يعلم عددها إلا الله، ومع ذلك تداعت من الداخل، لا قوي إلا الله.
الآن كل من يصف نفسه بأنه مالك، مالك هذه الدار، مالك هذه الدكان، مالك هذه التجارة، صاحب هذه الشركة، هذا من باب المجاز، اعرف حجمك الحقيقي، رحم الله عبداً عرفه قدره فوقف عنده.
2 ـ من معاني اسم المالك أنه مملك:
الآن هناك معنى جديد، من معاني اسم " المالك" مالك مملك، ولا يسمى " المالك" إلا إذا ملك، فالجهة التي لا تستطيع أن تملكك ليست مالكة.
من لوازم اسم المالك أنه مملك لذلك الآية الشهيرة:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾
هذه من النواحي المادية، المعنوية:
﴿ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
لذلك مرة قرأت دعاء:
(( اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك ))
يعني اللهم إني أعوذ بك أن أكون قصة، أحياناً ينهار يصبح حديث البلد، كيف انهار ؟ كيف أُذل ؟ كيف كان جبراً ثم أُعدم ؟
﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾
3 ـ الملك الحقيقي من ملك نفسه و هواه:
هناك معنى ثالث: الملك الحقيقي أن تملك نفسك وهواك، والدليل، سيدنا يوسف ماذا قال في القرآن:
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾
بعض علماء التفسير رجح هناك أقوياء كثر، وليسوا على ما ينبغي، أما أنت حينما تملك نفسك وهواك، أنت ملك حينما تملك نفسك وهواك.
ومرة قال أحد زعماء بريطانيا الذي حقق نصراً في الحرب العالمية الثانية، ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا.
وأنا أقول دائماً: إن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين، أو إضلالهم، أو إفسادهم، أو إذلالهم، أو إبادتهم، فأنت ملك، إن لم تكن طرفاً.
تعلمون أنه في رئيس دولة عظمى، أغرته امرأة في قصره، فتورط معها وكُتبت فضائحه في الإنترنيت في ألفي صفحة، دقائق فضائحية.
الملك من ضبط نفسه و كان أخلاقياً:
الإنسان متى يكون ملكاً ؟ إذا ضبط نفسه، وكان أخلاقياً، هذا ملك.
أحد الشيوخ قيل له: أوصنا، قال: كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة، قال: وكيف ؟ قال: ازهد في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة، استغنِ عن الرجل تكن نظيره، احتج إليه تكن أسيره، أحسن إليه تكن أميره، الإنسان في أول ليلة في قبره ينادى:
(( أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))
الإمام الحسن البصري سُئل: بمَ نلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي، لو جاء وقت هذا الذي يحمل العلم استغنى الناس عن علمه، هو احتاج إلى دنياهم، انتهى، سقط العلم، إذا احتاج العالم إلى دنيا الناس، وزهد الناس بعلمه، سقط العلم، أما الحسن البصري بمَ نلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي.
أنا أتمنى على كل داعية أن يكون له عمل يرتزق منه، حتى لا يتضعضع أمام الأثرياء والأغنياء، اعمل واكسب رزقك بعزة نفس، ولا تتذلل لأحد.
(( من دخل على غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))