وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0493 - ذكرى المولد 2 ، الجانب الإجتماعي من شمائله - شرب الماء مع الطعام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم رسول الله سيد الخَلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أنباء رسول الله تثبت القلوب :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ نحن في شهر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، والله سبحانه وتعالى يقول في آيةٍ محكمة :

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾

[ سورة هود : من 120 ]

 الله سبحانه وتعالى حينما يقُصُّ على النبي صلى الله عليه وسلم من أنباء الرسل ما يثبت به فؤاده ، فإذا قُصَّت علينا ونحن الضعاف ، ونحن المقصرون ، أنباء رسول الله ؛ في مواقفه ، في صبره ، في شجاعته ، في سخائه ، في حلمه ، في رحمته ، في رقَّته ، ألسنا من باب أولى أنَّه إذا تليت علينا أنباء النبي عليه الصلاة والسلام ثُبِّتت قلوبنا ؟ إذا كان النبي عليه أتم الصلاة والتسليم إذا قَصَّ الله عليه من أنباء الرسل ثبَّت به فؤادَه ، فلأن نكون نحن أحوج إلى أنباء النبي عليه الصلاة والسلام هذا من باب أولى .

 

الجانب الاجتماعي من شمائل النبي :

1 ـ المشاركة :

 لذلك أيها الأخوة ؛ أردت في هذه الخطبة أن أقتصر على الجانب الاجتماعي من شمائل النبي ، الإنسان له علاقته بربه ، وله علاقته بمن حوله ، فعلاقته بمن حوله تشِّكل الجانب الاجتماعي ، هناك جانبٌ عقلي ، وهناك جانبٌ جسمي ، وجانبٌ نفسي ، وهناك جانبٌ اجتماعي ، و ليست العبرة أن نحفظَ هذه الشمائل ، ولا أن نستمتع بها ، بل أن نستنبط منها القواعد الاجتماعية التي تُعيننا على تطبيقها في حياتنا .
 أولاً : في الجانب الاجتماعي شمائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم تلفت النظر، من هذه الشمائل المشاركة الوجدانية ، الإيثار ، التواضع ، الجود ، قوة الوجود في المجتمع ، البشاشة ، الأُنس ، اللين ، هذه كلها من شمائله الاجتماعية صلى الله عليه وسلم .
 أولاً : المشاركة ، النبي عليه الصلاة والسلام قرر أن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ، الجانب الأول أنت في أسرة ، أنت مع أخوة كرام ، أنت مع أخوة في نُزهة ، أنت مع شركاء في عمل ، ما دُمت مع مجموعةٍ من البشر ، لا ينبغي أن تتفضَّل عليهم ، ولا ينبغي أن تتميَّز عليهم ، ولا ينبغي أن تشعرهم أنك فوقهم ، ولا ينبغي أن يشعروا أن لك امتيازاتٍ ليست لهم ، إذا كنت تحب النبي . . المشاركة . . هذه المشاركة يعنينا منها معناها ، ومبدأها ، وقانونها ، أما الحوادث فتعرفونها .

ثلاث حوادث تعبِّر عن شميلةٍ من شمائل النبي الاجتماعية وهي المشاركة :

 النبي عليه الصلاة والسلام حينما كانت الرواحل في معركة بدرٍ ثلاثمئة راحلة ، وكان أصحابه يزيدون عن الألف ، ماذا يفعل ؟ أعطى توجيهاً أن كل ثلاثةٍ على راحلة ، وسوَّى نفسه مع أقل جنديٍ في المعركة قال :

((وأنا وعليٌ وأبو لبابة على راحلة ))

[الحاكم وابن حبان عن ابن مسعود ]

 ركب النبي في نوبته ، فلما انتهت نوبته توسَّل صاحباه أن يبقى راكباً فقال :

(( ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما ))

[الحاكم وابن حبان عن ابن مسعود ]

 أنا ابتغي الأجر مثلكما ، وأنا قويٌ على المشي مثلكما :

(( ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما ))

 سوى نفسه وهو قائد الجيش مع أقل جندي في هذا الجيش ، لذلك حققت هذه المعركة نتائج مُذهلة . هذه المشاركة تكررت حينما كان مع أصحابه على سفر ، وأرادوا أن يعالجوا شاةً ليأكلوها ، قال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال آخر : عليّ سلخها ، وقال ثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : و عليّ جمع الحطب، فلما قيل : نكفيك ذلك ، قال : أعلم ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
 الحادثة الثالثة : أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل مع الأجير والفاعل في بناء مسجد المدينة . وعمل مع كل أصحابه في حفر الخندق ، ما قال : أنا مقامي لا يسمح لي أن أشارك هؤلاء في حفر الخندق ، عمل معهم يداً بيد ، وكتفاً بكتف ، وساعةً بساعة . ثلاث حوادث تعبِّر عن شميلةٍ من شمائله الاجتماعية وهي المشاركة ، فهل نحن في بيوتنا مع إخواننا، مع أصدقائنا ، مع شركائنا ، مع من حولنا ، مع من فوقنا ، مع من دوننا ، هل نُشارك هذه المشاركة ؟ قف ، تأمَّل عند كل موقفٍ ، تشعر أنك فوق الذين حولك ، مقامك أرفع من أن تشاركهم في هذا العمل ، مرتبتك العلمية أعلى من أن تكون معهم ، مقامك الاجتماعي أعلى من أن تعيينهم على عملهم هذا ، أنت مخالفٌ للسُنة ، على علو مقامه ، وعلى أنه سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وعلى أنه نبيٌ مرسل ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، وهو الذي يوحى إليه ، ومع ذلك شارَكَهُم في حفر الخندق ، وشاركهم في بناء المسجد بيده الشريفة ، بعضلاته ، وشاركهم في جمع الحطب ، وشاركهم في المشي ، وصاحباه يركبان على الناقة ، هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام ، بهذه الأخلاق وهذه الشمائل أحبَّه أصحابه ، بهذا التواضع وتلك المشاركة فدوه بأرواحهم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ إذا قلت : نحن في ذكرى المولد . ينبغي أن تذكر أن النبي فعل كذا وكذا وكذا ، ثلاث حوادث ، حينما كانوا في سفر قال : " وعليّ جمع الحطب " ، وحينما كانوا في معركة قال :

(( ما أنتما بأقوى مني على السير . . .))

[الحاكم وابن حبان عن ابن مسعود ]

 وحينما بنى المسجد وحفر الخندق ، فإذا أردت أن تتبع سُنة النبي عليك أن تشارك ، عليك ألا تشعر أحداً حولك أنك فوقه ، أن لك مقاماً لا يسمح لك أن تعمل مثل فلان ، هذا مخالفٌ لسنة النبي ، هذه عنعنات الجاهلية ، هذه قواعد استوردناها وليست من الإسلام في شيء .

2 ـ التواضع :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ننتقل إلى خُلُقٍ آخر من خلقه الاجتماعي .
 التواضع : كان عليه الصلاة والسلام يركب الحمار ، ويُرْدِف أحد أصحابه خلفه . فبالطبع كان هناك فرس ، وهناك ناقة ، ولعل أدنى المراكب وقتها كان الحمار ، فكان عليه الصلاة والسلام لا يأنف من ركوب هذه الدابة ، ولا يأنف أن يردف أحداً خلفه ، ولكل عصرٍ مراكب ، ولكل عصرٍ مستويات في المراكب ، فمن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان متواضعاً .
 الآن : إذا دخل مجلساً . هناك من يغضب أشدّ الغضب ، ويتألم أشدّ الألم إن لم يكن في صدر المسجد ، إن لم يقم له زيدٌ أو عُبَيد ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام عَلَّمَنَا أن نجلس حيث ينتهي بنا المجلس . بل إن أحد الأعرابِ دخل على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فما عرفه قال : " أيكم محمد ؟ " ليس له مكان خاص ، أو مقعد خاص ، وكان يقول أصحابه عنه لمن يدخل عليه ولا يعرفه ، إذا رأيت في زاوية المجلس وجهاً مضيئاً فذاك محمد . يتميز بوضاءة وجهه ، وجهه كالبدر ، لا يتميَّز بشيءٍ آخر .
 وكان عليه الصلاة والسلام يأكل مع خادمه ، وكان يمشي في الأسواق ، لأن الأنبياء كانوا يمشون في الأسواق ، يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وفي الآية دلالةٌ عميقة ، يأكلون الطعام ، لأنهم بشر ، تجري عليهم كل خصائص البشر ، هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام ، هذه العبودية لله عز وجل ، والعبادة شيءٌ آخر ، كل مخلوقٍ في أمس الحاجة إلى أن يأكل ، محتاجٌ إلى الأكل والشرب ، إذاً هو بشر ، وكان الأنبياء مفتقرين إلى ثمن الطعام في المشي في الأسواق ، في كسب المال ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يمشي في الأسواق ، ويأكل مع خادمه ، ويجلس حيث ينتهي به المجلس ، وكان يركب الحمار ويردف خلفه صحابياً ، وكان يحلب الشاة بيده ، وكان يشرب آخر الناس ، ويقول :

(( ساقي القوم آخرهم شرباً ))

[ من الجامع الصغير عن أبي قتادة ]

 وكان عليه الصلاة والسلام لا يأنَفُ أن يزور خادمه في بيته ويتلَّطف معه . هناك في العقل الباطن شعور إن لم يكن الداعي من علية القوم فلا تلبى الدعوة ، إذا دعاك أحدٌ من الطبقة الدنيا الاجتماعية ، من الفقراء ، من أصحاب الدور المتواضعة ، من أصحاب الطعام الخَشِن ، إذا دعاك إنسان من هؤلاء تعتذر بضيق الوقت ، وعدم الفراغ ، أما إذا دعيت إلى وليمةٍ من عليَّة القوم فتسارع إلى تلبيتها ، ولكن النبي كان يفعل العَكس ، كان يزور خادمه في بيته ، ويتلَطَّف معه ، هذه هي السنة . يجب أن تزول الفوراق بين المسلمين ، هم درجاتٌ عند الله بحسب تقواهم ، أما أن نخترع نحن طبقات ومراتب ، وأن نجعل كل مرتبةٍ فوق الثانية و نتأبى على الثانية فهذا من الجاهلية وليس من الإسلام في شيء .

3 ـ الإيثار :

 شيءٌ آخر من خُلُقِ النبي عليه الصلاة والسلام هو الإيثار ، أول خلق : المشاركة ، ثاني خلق : التواضع ، ثالث خلق : الإيثار ، فكان عليه الصلاة والسلام في عقب الغزوات والحروب يوزِّع على أصحابه كل ما كان قيماً من الغنائم ، ويقنع هو بالقليل الخَشِن ، فهو بنى حياته على الإيثار ، دائماً يؤْثر إخوانه بالشيء الجيِّد ، أهدي له سواكان ، الأول مستقيم والثاني مِعْوَج ، فأهدى أحد أصحابه السواك المستقيم ، وترك المعوج لنفسه ، وهكذا يفعل المؤمن الصادق مع إخوانه المؤمنين بأن يؤثرهم على نفسه في كل شيء .
 إذا ُسِئَل عليه الصلاة والسلام أعطى كل ما يملك ، لا يقول : لا أبداً . إذا كان بإمكانه أن يلبي هذا الطلب ، أما إذا سُئِلَ وهو لا يملك هذا الطلب فكان يَعِد وعداً حسناً ، وأحياناً يرى أن السائل بحاجةٍ ماسةٍ إلى هذا الشيء ، فكان يقول له : اذهب وابتع هذا الشيء ديناً عليّ .
 إذا رأى أن هذا السائل في أمس الحاجة إلى هذا الطلب يقول له : اشتره ديناً عليّ، إذا سئل وكان يملك أعطى كل ما يملك ، وإذا سئل وكان لا يملك وَعَد ، وإذا سئل وكان لا يملك وكان السائل مضطراً كان يقول : اشتر هذا عليّ ديناً . وكان يؤثر ضيفه بوسادةٍ ويجلس هو على الأرض ، استخدام الضيف دناءة ، عدم إكرامه دناءة ، عدم إعطائه الشيء الأمثل دناءة ، دخل عليه عدي بن حاتم .. فقال عدي : " فدفع إليّ وسادةً من أدمٍ محشوةً ليفاً وقال : اجلس عليها ، قلت : بل أنت .. قال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس هو على الأرض . خُلُقُ الإيثار خلقٌ ثابت عند المؤمن الصادق المتبع لسنة النبي عليه الصلاة والسلام.

4 ـ المعاشرة و اللياقة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذا عن الإيثار ، وقبله عن التواضع ، وقبله عن المشاركة ، فماذا عن أدب المعاشرة واللياقة ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : "لست أرضى لأحدكم ما لا أرضاه لنفسي" .
 هذه قاعدة ذهبية تتعلَّق بأدب المعاشرة واللياقة . كان إذا حدثه رجل يلتفت إليه لا بوجهه فقط بل بجسمه ، يعطيه كل وجهِهِ وجسمه ، كان يلتفت بجسمه وبوجهه إلى محدِّثه ، وكان يُصْغِي تمام الإصغاء - التشاغل عن المحدِّث احتقار له - وكان يصغي له أتم الإصغاء، وكان يتحدث إليه من يشاء ، فلا يقطع عليه حديثه أبداً - لا يقطع على أحدٍ حديثه- وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به . هذا من خلق المُعاشرة ، من خلق اللياقة الاجتماعية . أما إذا صافح أحداً فكان عليه الصلاة والسلام لا ينزع يده ممن يصافحه حتى يكون الذي يصافحه هو الذي ينزِعُ يده ، لأن في هذا تمام المودة ، إذا صافحه أحد ، لا ينزع النبي يده من يد من صافحه ، حتى يكون الذي صافحه هو الذي ينِزع يده من يده ، وكان لا يصرف وجهه عن وجههِ ، ينظر إليه ، أحياناً يلقي أحدٌ كلمة في عقد أو في مناسبة بعضهم يُغْمِضُ عينيه ولا ينظر إليه ، هذا من سوء الأدب ، هذا من عدم الاكتراث ، أن تنظر إلى  المتكلم ، هذا من تمام الأدب ، فكان عليه الصلاة والسلام لا يصرف وجهه عن وجه محدثه. وكان يتجمل لإخوانه . . أحياناً الإنسان يستقبل إنساناً بثياب مبتذلة ، هذا من عدم اللياقة ، ومن عدم إكرام هذا الزائر ، كان عليه الصلاة والسلام يتجمَّلُ لإخوانه .
 ومن تمام المودة أنه إذا غاب أحدٌ فوق ثلاثة أيام يسأل عنه ، تفقُّده لأصحابه من شمائله الاجتماعية ، وهذا مما يؤكد المودة ، والمحبة ، والتعاون ، بين الأخوة المؤمنين .
 أيها الأخوة الكرام ؛ ومن آداب المعاشرة عند النبي صلى الله عليه وسلم وآداب اللياقة الاجتماعية أنه لم يُرَ ماداً رجليه قط ، وهو سيد الخَلق ، لم يرَ ماداً رجليه بين أصحابه قط ، هو سيدهم ، ومع ذلك كان في أعلى درجات الأدب معهم ، بل لم يُرَ مُقَدِّمَاً ركبته بين يدي جليسٍ له ، أبلغ من عدم مد الرجل ، لم يرَ ماداً ركبته بين يدي جليسٍ له ، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : " خدمت رسول الله عشر سنين ، فما قال لشيءٍ صنعته لِمَ صنعته ؟ ولا لشيءٍ تركته لِمَ تركته ؟ " لأنه أراد أن يؤلف القلوب ، وأن يجمع أصحابه على ذلك ، وأن يتسامح في أمور الدنيا ، وألا يعوِّل عليها ، لكن ماذا يقابل هذا الخلق اللطيف ؟ يقابله خلقٌ آخر : أن الخادم إذا أساء إلى شيءٍ عندك أو أصاب خللاً ، تقيم الدنيا ولا تقعدها عليه ، فهذه الحاجة وهذه الآلة أغلى عندك بكثير من هذه النَفْس البشرية التي حطَّمتها حينما أساءت لهذه الآلة ، هناك من يحطِّم نفساً ، من يسحقُهُ ، من يبالغ في تأنيبه ، وسُبابه ، وشتمه ، واتهامه بالحُمق لأنه أصاب خللاً أو أصاب أذىً في جهازٍ أو آلةٍ ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام تأليفاً لقلوب أصحابه قال أنس رضي الله عنه : " خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لشيءٍ صنعته لِمَ صنعته ؟ ولا لشيءٍ تركته لِمَ تركته ؟

5 ـ علاقته مع أصدقائه :

 شيءٌ آخر من شمائله الاجتماعية كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أنه :

(( ما صاحب مسلمٌ صاحباً ساعةً من نهارٍ إلا سُئل عن صحبته يوم القيامة ))

[ ورد في الأثر]

 أحياناً يعيش المرء مع زوجته خمسين عاماً ، ولا يعبأ بدينها ، ويربي أولاده أربعين عاماً ولا يُحاسبهم على صلواتهم ، وعنده في المعمل موظفٌ يعيش معه عشرين عاماً ولا يبالي بصلاته ولا بدينه ، يبالي أنه جاء في الوقت المناسب ، وانصرف في الوقت المناسب ، وأدى عمله ، ونال أجره ، وانتهى الأمر . لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا سئل عن صحبته هل أقام فيها حق الله أم أضاعه ))

[ ورد في الأثر]

مظهر الإنسان جزءٌ من خلقه الاجتماعي :

 أما عن المظهر - ومظهر الإنسان جزءٌ من خلقه الاجتماعي - فكان يقول عليه الصلاة :

(( اغسلوا ثيابكم ، وخذوا من شعوركم ، واستاكوا ، وتزينوا ، وتنظفوا ، فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم ))

[ من الجامع الصغير عن علي ]

 يدرك أن المرأة لها ما يجب عليها .

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[ سورة البقرة : 228 ]

 إشارةٌ لطيفة ، وكان يقول :

(( . . . فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ ))

[أبو داود عن أبي الدرداء ]

 وكان إذا مشى عليه الصلاة والسلام يعرف بطيب المِسك ، وكان يقول :

(( من كان له شعرٌ فليكرمه ))

[أبو داود عن أبي هريرة ]

 فليكرمه ، فليعتن به .

6 ـ علاقته مع زوجاته :

 وهناك نقطة أساسية في العلاقة بين الزوجين ، أنه إذا كان مسافراً يكره أن يطرق أهله ليلاً فجأةً ، يخبرهم قبل أن يأتي ، كي تستعد المرأة لاستقبال زوجها ، فهذا أمتن في العلاقات الزوجية مما لو فاجأها بهيئةٍ لا ترضي ، فكان عليه الصلاة والسلام يكره أن يطرق باب أهله ليلاً مخافة أن يرى ما يكره ، كان يأتي المسجد ، لم تكن الهواتف موجودة ، يأتي المسجد ، ويصلي ركعتين ، ويعلم أهله أنه قد جاء من السفر ، عندئذٍ يستعدون لاستقباله ، كان يفعل هذا له وتعليماً لنا .
 ولئلا يشعر مَنْ حوله - وهذه نقطة مهمة جداً - أن أحداً أقرب إليه من الآخر كان يستخدم القُرْعَة ، والقرعة من السُنَّة ، لو أردت أن تأخذ أحداً من أولادك معك إلى نُزهة ، وعندك أولادٍ عَّدة ، فإذا اخترت أقربهم إلى نفسك ، أذكاهم ، أشدهم ولاءً لك ، هذا مما يضعف ثقة الآخرين بك ، فكان عليه الصلاة والسلام يستخدم القرعة ، فالقرعة لا يقابلها حساسيةٌ أبداً ولا شعورٌ أن فلاناً أقلَّ من فلان ، وكان يتقصى العدل التام بين زوجاته ، ويقاس على ذلك العدل التام بين الأولاد ، يتقصى العدل التام ويقول :

((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ ))

[ أبو داود عن عائشة ]

 يستخدم العدل التام ومع ذلك يقول :

(( فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ ))

[ أبو داود عن عائشة ]

 لأن هناك عدلاً مطلقاً كما أن هناك عدلاً تاماً ، العدل المُطلق يشمل مَيْلَ القلب، هذا فوق طاقة البشر ، لكن العدل التام أن تساوي بين زوجاتك في مستوى المعيشة ، ومستوى الإنفاق ، ومستوى البيت ، والوقت ، وأن تساوي بين أولادك في كل شيء ؛ في النفقة ، في الكسوة ، في السكنى ، في كل شيء . وكان من شدة حبه لأزواجه الطاهرات - وكان معلماً لنا- سابق مرة عائشة رضي الله عنها فسبقته ، وقال بعض العلماء : " إنه مَكَّنها من أن تسبقه تأليفاً لقلبها " قالت عائشة رضي الله عنها : " فلما ركبني اللحم - أي زاد وزنها- سبقني " فقال:

((يا عائشة هذه بتلك ))

[ من تخريج أحاديث الإحياء عن عائشة ]

 أي تعادل ، فكان خير زوجٍ مع زوجته ، وكانت تسأله زوجته : كيف حبك لي ؟ يقول : " كعقدة الحبل " فإذا سألته : كيف العقدة ؟ فيقول : " على حالها "
 لا زلنا في أخلاقه الاجتماعية . كانت زوجاته تُراجِعْنَهُ ، هناك رجل جبار ، مخيف ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام نبي هذه الأمة ، وزعيمها ، وسيد البشر ، ولكنه في البيت واحدٌ من أهل البيت ، معنى واحد من أهل البيت أي كانت زوجاته الطاهرات يغضبن أحياناً ويراجعنه فيقول : "غضبت أمكم . . غضبت أمكم "، فيعطيهم نَفَساً للاعتراض أحياناً ، للمراجعة أحياناً ، هذا من ضرورات البيت ، لأن هذه الزوجة إن لم تسمح لها أن تُعَبِّرَ عن ضيقها تنفجر ، فإذا كان هناك متنفَّس لها وتكلمت ، فهذا من الحكمة البالغة .
 كان عليه الصلاة والسلام لم يَعِبْ طعاماً قط ، إذا اشتهاه أكله ، وإذا كرهه تركه . مر معي أيضاً : ولم يمدح طعاماً قط . مديح الطعام ليس من أخلاق الكُمَّل ، وكان من توجيهاته صلى الله عليه وسلم :

(( إِذَا كَانُوا ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ))

[البخاري عن عبد الله ]

 في نزهة ، في جلسة ، في اجتماع ، حينما ينفرد اثنان بحديثٍ خاص ، هذا يعد إهانةً للثالث :

(( إِذَا كَانُوا ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ))

[البخاري عن عبد الله ]

7 ـ علاقته مع من دونه :

 وكان عليه الصلاة والسلام يكره أن يُقام الرجل من مجلسه ليجلس آخر في مكانه، البديل ؛ كان يجلس حيث ينتهي به المجلس . أن تُنْهِضَ إنساناً في حفل ، ليجلس محله إنسان آخر هذا لا يجوز ، أما أن يقوم هو طواعيةً فهذه فضيلة ، سيدنا علي قام طواعيةً لسيدنا الصديق ، فالنبي سُرَّ سروراً بالغاً قال :

((لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ))

[ورد في الأثر]

 أن تقيمه أنت هذا لا يجوز أبداً ، أما إذا قام هو من تلقاء ذاته فهذه فضيلةٌ به. وكان من توجيهاته صلى الله عليه وسلم أمر أن يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ، في بدء السلام . أما علاقته بمن دونه فيقول عليه الصلاة والسلام - عندك موظف ، عندك صانع بالمحل التجاري ، عندك خادم - :

((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ))

[ابن ماجه عن ثوبان ]

 يجب أن تنطلق في معاملته أنه أخٌ لك ، بكل ما في هذه الكلمة من معنى :

((هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده - ما أروع هذا القول - فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل فوق ما يطيقون ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ))

[ من رياض الصالحين عن المعرور بن سويد ]

 أرأيتم أروع مـن هذا التوجيه ؟

(( هم إخوانكم ))

 أخوك في الإنسانية ، أخوك في الإيمان :

(( جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل فوق ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ))

 وكان عليه الصلاة والسلام يحمل حاجته بيده ، ويقول : " إن صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله " ، لذلك ورد في الأثر أنه بريء من الكِبْرِ من حمل حاجته بيده ، وبريء من الشُحِّ من أدى زكاة ماله ، وبريء من النفاق من أكثر من ذكر الله .
 أيها الأخوة الكرام ؛ كل الخطبة حول جانبٍ واحد من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام : الجانب الاجتماعي المتمثل في المشاركة في الأعمال ، وفي المؤاثرة ، وفي التواضع ، وفي حسن المعاشرة واللياقة الاجتماعية ، وفي العلاقة بين الأصدقاء ، والعلاقة بين الزوجين ، والعلاقة مع من دونه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حِذرنا ، الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

شرب الماء مع الطعام :

 أيها الأخوة الكرام ؛ وقع تحت يدي كتابٌ قرأت فيه هذا البحث ، أردت أن أنقل لكم شيئاً قليلاً منه ، يقول أستاذٌ في كلية الطب في جامعة دمشق : أول ما عُيِّنت مدرساً في كلية الطب كنت أقرر لتلاميذي أن شُرب الماء مع الطعام مفيدٌ جداً ، أخذاً من الحديث الصحيح الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام :

(( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فاعلاً فثلثٌ لطعامه ، وثلثٌ لشرابه ، وثلثٌ لنفسه ))

[ الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن المقدام بن معد يكرب الكندي ]

 معنى ذلك أن الإنسان مع الطعام يشرب الماء . فهذا الأستاذ في الجامعة ، أستاذٌ في كلية الطب ، أخذاً من هذا الحديث الشريف كان ينصح طلابه أن ينصحوا مرضاهم بشرب الماء كثيراً مع الطعام ، يقول هذا الأستاذ : لكن طُلاَّبي بين أيديهم كتب تنقل عن العلوم الغربية أن شرب الماء مع الطعام ضارٌ بالصحة وبالهضم .
 فكان هذا الأستاذ دائماً في أخذٍ ورد مع طلابه ، الطلاب يسمعون من أستاذهم توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ، ويقرؤون في الكتب المترجمة شيئاً آخر .
 يقول هذا الأستاذ : وكنت أُصرّ على رأيي وأخالف تلك الكتب ، وأخيراً من سنين عِدَّة جاء علم الطب ليؤكد ما جاء في الحديث الصحيح ، ويوصي بشرب الماء مع الطعام لأنه تبيَّن أن شرب الماء مع الطعام يزيد في إفراز العصارات كلها ؛ عصارات المعدة ، والكبد ، والأمعاء . وشرب الماء مع الطعام يساعد الجهاز الهضمي بتليين الطعام ، وصياغته كعجينة ، تنفُذ فيها العصارات الهاضمة . بائعو الحمص لا يستطيعون صنع هذه العجينة التي تسمى المسبحة إلا بإضافة الماء إلى الخلاط ، وإلا لا تصلح هذه العجينة ، الماء هو الذي يعين على تليينها وشرب الماء مع الطعام يمنع القَبْض - الإمساك - وكان هذا الأستاذ الجامعي يوصي مرضاه المصابين بالقبض المزمن بكثرة شرب الماء مع الطعام .
 كلما تقدَّم العلم تطابق مع الحديث النبوي الشريف ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى .
 مرة ثانية : شرب الماء مع الطعام يزيد في إفراز العصارات كلها ؛ عصارات المعدة ، والكبد ، والأمعاء . ويساعد الجهاز الهضمي بتليين الطعام ، وصياغته كعجينة تنفذ فيها العصارات الهاضمة ، ويمنع القبض ، وكنت أوصي ممن يصابون بالقبض المزمن بكثرة شرب الماء مع الطعام .
الأصل كلام النبي ، لكننا مع الأسف الشديد إذا جاء من علوم الغرب ما يعارض كلام النبي شككنا بكلام النبي ، فإذا جاء ما يؤيده وثقنا بكلام النبي ، وهذا الموقف كله خاطئ ، لو أنك مسلمٌ حقاً ، لو أنك مؤمنٌ حقاً ، وتؤمن أن كلام النبي وحيٌ يوحى ، لا ينطق عن الهوى، تعتمد كلامه ولو خالفه المخالفون ، لكن حكمة الله عز وجل أنه كلما تقدَّم العلم أكَّد الحقائق التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور