- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا ، مَن يهده الله فلا مضل له ، ومَن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمَن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومَن والاه ومَن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الفرق بين التشريع الأرضي و التشريع الإلهي :
أيها الأخوة الكرام ؛ موضوعٌ من موضوعات الفقه ، ولكن قبل أن أطرحه لابد من مقدِّمة .
أيها الأخوة ؛ خالق السموات والأرض ، العليم الخبير ، الذي خلق الإنسان ، هذا الخالق العظيم إذا شرَّع تشريعاً ، هذا التشريع ينبغي أن نعلم أن في مخالفته دماراً ، وفي مخالفته خسارةً ، وفي مخالفته شقاءً ، وقد يمتدُّ إلى الأبد ، فالتشريع الوضعي شيء والتشريع الإلهي شيءٌ آخر .
التشريع الوضعي قد يمنع مثلاً بَيْع الهاتف ، فيأتي إنسان ويعقد عقداً صورياً مع إنسان ، ثم يفكُّ هذا العقد ، ويكون الهاتف من نصيب الشاري ، ويثبَّت هذا في محكمة البداية ، وينتقل هذا الهاتف من شخصٍ إلى آخر ، مخالفاً أصل القانون الوضعي ، ولا يحدث شيء ، لأنه تشريعٌ أرضي ، أما حينما يخالف الإنسان تشريع الخالق فإن دماراً سينتظره ، وشقاءً سيحيق به ، وهلاكاً قد يمتد إلى الآخرة .
أضرب على هذا مثلاً : لو أن محطة وقود فيها مكان لإعلانٍ واحد ، قد نكتب في هذا المكان آلاف الإعلانات ، أما الإعلان الذي يقول : ممنوع التدخين ، فهذا إعلانٌ متعلق بمصير هذه المحطة ، فلو أن سائقاً تهاون في تنفيذه لأحرق المحطة كلَّها ، طبعاً هناك آلاف الإعلانات يمكن أن توضع في هذا المكان ، أما هذا فإعلان مصيري . حينما تقرأ القرآن الكريم، أو تقرأ سنة النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم ، يجب أن تشعر أن هذا تشريع الخالق ، أن هذا بيان المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، الذي يقوله النبي عليه الصلاة والسلام ليس مِن خبرته ، ولا من ثقافته ، ولا من تجربته ، ولا من خواطره ، إنه وحيٌ يوحى من عند الله عز وجل.
الفرق الكبير بين الأمر التنظيمي والأمر التشريعي :
أيها الأخوة ؛ النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمر الرماة أن يبقوا في مواضعهم ، في معركة أحد ، وخالفوا أمره ، لعل في مخالفة أمره سبباً لعدم إحراز النصر الحاسم في أحد ، ومع ذلك صلىَّ عليهم ، صلى عليهم وقد عصوا أمره ، ماذا قال علماء الشريعة؟ قالوا : إنهم عصوا أمراً تنظيمياً ، ولم يعصوا أمراً تشريعياً . وفرقٌ كبير بين الأمر التنظيمي وبين الأمر التشريعي ، الأمر التشريعي الخير كلُّه فيه ، والشر كله في مخالفته .
أيها الأخوة ؛ بعض ضباط الأمن الجنائي كلما وقعت أيديهم على جريمة يتساءلون : فتِّش عن المرأة ، لو قسنا هذا الكلام على نحوٍ آخر ، أية مشكلةٍ على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة بسبب خروجٍ عن منهج الله ، إذاً فتِّش عن المعصية .
وقع تحت يدي كتاب لرجلٍ عمل في حقل الأمن الجنائي ، في الكتاب ثلاثٌ وستون جريمة وقعت في بلدنا ، والجُناة مودَعون في السجن ، أجمل ما في كل الكتاب أن كل جريمة حينما تنتهي يحللها تحليلَين ؛ تحليلاً شرعياً وتحليلاً قانونياً ، ففي التحليل الشرعي يقول : لولا أن ارتكبت هذه المعصية لما وقعت هذه الجريمة ، ما مِن جريمةٍ إلا ووراءها معصية ارتكبت .
تحريم الدّخول على النساء :
أيها الأخوة الكرام ؛ سُقْت هذه المقدمة تمهيداً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ، عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْو؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ))
هكذا ، هذا كلام المعصوم . . أيها الأخوة ؛ اسمحوا لي أن أحدِّثكم حديثاً شخصياً ، في عمر الدعوة المتواضع في هذا المسجد ، والله الذي لا إله إلا هو تناهى إلى سمعي أكثر من بضع مئات من القضايا الخطيرة في البيوت سببها عدم تطبيق هذا الحديث ، بضع مئات ، بل إن الأسابيع الأربعة الأخيرة انتهى إلى علمي عن وقوع فواحش ، فواحش في البيوت المفروض أن يكون هؤلاء الذين ارتكبوها أبعد الناس عنها ، لأنهم خالفوا منهج رسول الله ، وكان هناك خلوةٌ بين الزوجة وبين أحد أحمائها ، فوقعت الفاحشة ، في هذه الأسابيع الأربعة انتهى إلى علمي أربع فواحش ارتكبت في بيوتات المسلمين ، وقعت الفاحشة لأن الزوج تساهل أن يزور أحد أقربائه بيته في غيبته ، وكان الذي وقع . إذاً يجب أن نعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى . إياكم أيها الأخوة والدخول على النساء ، إيَّاكم تفيد التحذير ، تفيد التحذير الشديد ، تفيد تنبيه المخاطب على محذورٍ ينبغي أن يتحرَّز عنه ، العلماء قالوا : كما أنه لا ينبغي أن تدخلوا على النساء ، لا ينبغي أن تسمحوا للنساء بالدخول عليكم في البيوت ، النساء الأجنبيات ، ومن باب أولى إذا كان الدخول محرَّماً ، فمنع الخلوة بالمرأة الأجنبية من باب أولى ، وهذا حكم فقهيٌ ثابت ، قاعدة أصولية ثابتة ، إذا كان الدخول على النساء محرَّماً ، فمن باب أولى الخلوة بهن .
أيها الأخوة ؛ سأل أحد الأنصار قال : يا رسول الله أفرأيت الحمو . من هو الحمو؟ الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب كابن العم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
((لا يخلون رجلٌ بامرأة فإن الشيطان ثالثهما))
قال رجل : كائناً من كان ، مؤمناً أو غير مؤمن . .
(( لا يخلون رجل . . .))
تنكير شمول . .
(( بامرأة ٍ))
تنكير شمول . .
(( . ؛ فإن ثالثهما الشيطان ))
الحمو جمعه أحماء ، قيل : هم أقارب زوج المرأة ؛ كأبيه ، وعمه ، وأخيه ، وابن أخيه ، وابن عمه ، ونحوهم ، هؤلاء هم الأحماء ، والأختان أقارب زوجة الرجل ، والأصهار ، كلمة الأصهار تقع على النوعين ، الأحماء أقارب زوج المرأة ، والأختان أقارب زوجة الرجل ، وقال بعض العلماء : حمو المرأة والد زوجها ، وحمو الرجل والد زوجته .
الخلوة بالحمو تؤدّي إلى هلاك الدين وهلاك الدين كالموت:
أيها الأخوة الكرام ؛ الإمام النووي رحمه الله تعالى يقول : الأحماء أقارب الزوج عدا آبائه وأبنائه ، لأنهن من المحارم ، فمن ذلك مثلاً : الأخ ، وابن الأخ ، والعم ، وابن العم ، وابن الأخت ، ونحوهم ، مما يحلُّ للزوجة أن تقترن بهم لو لم تكن متزوِّجة ، هذه بعض التفاصيل التي وردت في شرح الحديث .
لماذا الحمو الموت ؟ قال : لأنه جرت العادة أن يخلو الأخ بامرأة أخيه ، تساهلاً ، والناس لا يعلِّقون كبير أهمية على ذلك ، وقد يوجدان في بيتٍ وحدهما ، بيت فيه أخٌ متزوِّج ، والأخ المتزوج في عمله ، وفيه أخٌ آخر عنده إجازة فهو في البيت ، وذهبت الأم لقضاء بعض حاجاتها خارج البيت ، ما الذي حصل؟ بقي أخٌ وزوجة أخيه في البيت وحدهما ، هذا الذي يتحدَّث عنه النبي عليه الصلاة والسلام .
جرت العادة أن يخلو الأخ بامرأة أخيه تساهلاً ، فشبَّه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالموت ، وبالطبع الخلوة بالأجنبي من باب أولى ، رأى بعض العلماء ولم يصوِّب أكثر العلماء رأيهم : أن هذا المنع يشمل والد الزوج ، بعض العلماء يرى أن والد الزوج لا ينبغي أن يخلو بزوجة ابنه ، هي من محارمه ، يجلس معها ، وينظر إليها ، أما أن يخلو بها فهذا رأي بعض العلماء .
أما الحمو الموت ، المقصود الخلوة بالحمو ، لأنها قد تؤدّي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية ، وهلاك الدين كالموت ، أو إلى الموت إن وقعت المعصية ووجب الرجمُ ، تطبيقاً للحكم الشرعي ، إذا وقعت المعصية وجب الرجم ، فأدَّى ذلك إلى الموت الحقيقي ، سببه الخلوة ، ومعظم النار من مستصغر الشرر ، المؤمن الحق وقَّافٌ عند حدود الله ، المؤمن الحق لا يجتهد فيما فيه نقصٌ قطعي ، المؤمن الحق لا ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى؛ من أجل أن تكون الألفة ينبغي أن نختلط ، ينبغي أن نجلس معاً ، ينبغي أن نأكل معاً ، لو لم تصل الخلوة إلى الفاحشة ، هناك أضرارٌ كبيرةٌ جداً قبل الفاحشة ، لو لم تصل الخلوة بالمُخْتَلَيْن إلى الفاحشة هناك أضرارٌ كبيرة قد يقعون بها ، ولو لم يصلوا بها إلى الفاحشة .
أيها الأخوة ؛ معنى قول النبي : الحمو الموت ، أي الخلوة بالحمو قد تؤدِّي إلى هلاك الدين ، وهلاك الدين موت وأي موتٍ ، أما إن وقعت المعصية ، فقد تؤدِّي المعصية إلى وجوب الرجم بحسب الحكم الشرعي ، أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها ، وكسر المرأة طلاقها ، زوجٌ لا يحتمل الذي حدث فيطلق امرأته .
العلاقة بين الطاعة ونتائجها و المعصية و نتائجها علاقةٌ علمية :
والله الذي لا إله إلا هو ، قلت لكم في بداية هذه الخطبة : والله بضع عشرات ، أو قريب من مئة قصة في عمر الدعوة المتواضع ، وقعت الفاحشة فيها بين الحمو وزوجة الأخ ، بعض هذه الوقائع في مدينة الشمال انتهت بجريمة قتل ، بعضها انتهى بالطلاق ، بعضها انتهى بأن يقول أحدهم لأستاذه في مدرسةٍ خاصة قال : أخي عنده ثلاثة أولاد من كل أخٍ ولد .
الشيء العجيب أن الإنسان حينما يمنع شيئاً ، قد لا يتضرر المرء من مخالفته ، لأن هذا تشريعٌ وضعي ، أما إذا منع الربُّ شيئاً ، فمعنى ذلك أن هناك خطراً جسيماً من مخالفته ، لأنه من عند الخبير ، بتعبير آخر : العلاقة بين الطاعة ونتائجها علاقةٌ علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة ، , العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة ، أي لو أن الأب قال لابنه ، وللغرفة بابان : اخرج من هذا الباب اليميني . فخرج من اليسار ، فضربه ، ليس هناك من علاقة بين الضرب وبين الخروج ، باب مصمم للخروج ، فخرج من باب نهى عنه الأب ، فضربه الأب ، ليس هناك علاقةٌ علمية بين الضرب وبين الخروج من هذا الباب ، إلا أن هناك أمراً تنظيمياً عند الأب . أما حينما يقترب الطفل من المدفأة ، ويضع يده عليها وهي مشتعلة ، فتحترق يده ، نقول : هناك علاقة علمية بين الأمر وبين النتيجة .
يجب أن نعلم علم اليقين أن هناك علاقة علمية قطعيةً بين الطاعة ونتائجها ، وبين المعصية ونتائجها ، وأن الذي يقوله النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
إذاً : الموت هلاك الدين ، أو الموت هو الرجم ، أو الموت تطليق الزوجة . قال بعض العلماء : خلوة الرجل بامرأة أخيه نُزِّلَت في هذا الحديث منزلة الموت ، والعرب بلسانها ، وكان عليه الصلاة والسلام أفصح العرب ، والقرآن الكريم نزل بلسانٍ عربيٍّ مُبين ، العرب في لغتها تصف الشيء المكروه بالموت ، نقول : الحرب الموت ، أي أن الحرب سببٌ للموت .
الخلوة بالأحماء مؤديةٌ إلى الفتنة والهلاك في الدين :
الإمام النووي رحمه الله تعالى يقول : الخلوة بقريب الزوج أشدُّ خطراً من غيره ، والشرُّ يتوقع منه أكثر ، والفتنة به أَمْكَن ، السبب : لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير إنكارٍ ، بخلاف الأجنبي ، لا أحد ينكر أن يجلس الرجل مع زوجة أخيه ، وقد يخلو بها في البيت ، وبينهما حديث ، ومُزاح ، وتعليقات ، وبينهما دفع باليد ، وبينهما شيءٌ آخر ، هذا يحصل ، لذلك الإمام النووي يقول : لأن الخلوة- خلوة المرأة بأحد أحمائها- أشد خطراً من خلوتها بأجنبي ، لأن الأجنبي لا يستطيع الدخول إلى البيت ، ولأن دخول الأجنبي إلى البيت ينكره المجتمع كلُّه . وبعض العلماء قال : الخلوة بالأحماء مؤديةٌ إلى الفتنة والهلاك في الدين .
وبعضهم يقول : الخلوة بالأحماء يشبه الموت في الاستقباح ، وفي المفسدة ، وهو محرمٌ معلوم التحريم ، بالغٌ في الزجر ، السبب : لتسامح الناس به من جهة الزوج ومن جهة الزوجة ، حتى كأنه ليس بأجنبي ، من أهل البيت .
ومرة ثالثة : والله تناهى إلى سمعي قصصٌ مؤلمة جداً ممن حول بعض إخواننا ، عن أخطاء نشبت في البيوت ، بعضها انتهى فيما قرأت إلى جريمة ، وبعضها انتهى إلى طلاق، وبعضها انتهى إلى فضيحة ، وبعضها انتهى إلى اختلاط الأنساب ، ولو لم ينته هذا الاختلاط بفاحشة هناك مضار كثيرة تقترب من الفاحشة ، ولكنها ليست فاحشة .
عن عبد الله بن عمر بن العاص أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس ، فدخل أبو بكرٍ وكانت تحته- أي كانت زوجته- وكانت تحته يومئذٍ ، فرآهم فكره ذلك .
هذه فطرة ، هذه الفطرة ، إياكم والدخول على النساء ، أنت في البيت وحدك ، جاءت إحدى قريبات زوجتك من طرف المدينة ، إن كنت حريصاً على دخولها إلى البيت ، اخرج أنت ، قل : ادخلي وانتظري ، وإن كان طريقها قريباً ، قل : ليست زوجتي هنا ، هذا هو الشرع ، أنت أنهيت المُشكلة من أصلها ، كلمة لبعض الأنبياء : الشريف ليس الذي يهرب من الخطيئة ، ولكن الشريف هو الذي يهرب من أسباب الخطيئة ، وهذا أكبر أسبابها؛ الخلوة بقريبة الزوج .
فطرة أصحاب النبي فطرة سليمة تطابقت مع التشريع :
أيها الأخوة ؛ بالمناسبة قال تعالى يصف أصحاب نبيه الكرام قال :
﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾
فطرتهم السليمة تطابقت مع التشريع . .
﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾
فسيدنا الصديق كره ذلك ، فذكر ذلك إلى رسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله لم أر إلا خيراً ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((إن الله برَّأها من ذلك ، ثم قام وجمع أصحابه ، وخطب فيهم وقال : لا يدخلن رجلٌ بعد يومي هذا على مغيبة . . .))
من هي المُغِيبة؟ الذي غاب زوجها ، هو في البلد في محله التجاري ، ليس معنى ذلك أنه مسافر ، هو في البلد ، في محله التجاري ، في بيت أخيه ، إلى جوار البيت ، أية امرأةٍ ليس زوجها معها هي مُغيبة ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((لا يدخلن رجلٌ بعد يومي هذا على مغيبة ، إلا معه رجلٌ أو اثنان ))
العلماء قالوا : قد يكون هناك رجال صالحون لكشف ، أو لمشكلة ، هي في غرفتها أغلقت الباب ، هذا موضوع له تفسير آخر ، على كل :
((لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة . . .))
وفي حديثٍ آخر :
(( ألا لا يبيتن رجلٌ عند امرأةٍ إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم ))
والمحرم من حرم عليه نكاحها على التأبيد ؛ أخوها ، أبوها ، ابنها ، ابن ابنها ، ابن ابنتها . ويقول عليه الصلاة والسلام ، في الحديث الذي ذكرته قبل قليل :
((لا يخلون رجلٌ بامرأة فإن الشيطان ثالثهما))
وفي حديثٍ خامس :
((لا يدخل رجل على امرأة ولا يسافر معها إلا ومعها ذو محرم))
لأن العلماء قالوا : السفر خلوة ، والله سمعت عن إنسان لا أدري كيف وافق على هذا ، أرسل زوجته من جدة إلى دمشق مع صديقين له في سيارة ، ليس معهما زوجتاهما ، في سيارة ، فهذا تساهل ، وهذا جهل بأحكام الشرع ، والعوام تقول : مثل أخي ، لا ، هذا ليس أخاكِ ، مثل ابنتي ، مثل أمي ، كله كلام فارغ ، هناك قواعد .
الجرائم الكبرى أساسها الخلوة بأجنبي :
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا حديثٌ دقيق جداً ، لو طبقه المسلمون حق التطبيق لأغلقت عليهم مصائب لا تعدُّ ولا تحصى ، يجب أن نعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، قصة وردت في بعض الكُتب ، نذكرها لنستأنس بها قال : " إن راهباً من بني إسرائيل ، أتاه أناس بجاريةٍ بها علةٌ ليداويها ، فأبى قبولها ، فما زالوا بها حتى قبلها ، يعالجها ، فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها ، فوقع عليها ، فحملت ، فوسوس له : الآن تفتضح ، فقتلها ، وقال لأهلها : ماتت ، فألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها ، فأخذوه وحصروه ، فقال له الشيطان : اسجد لي تنجُ . فسجد ، فانظر كيف اضطر إلى الكفر لأنه خلا بجارية" . قصةٌ يستأنس بها ، وليست قصة سفَّاح اليَمَن عنكم ببعيد ، ست وثلاثون فتاة خلا بهن ، واغتصبهن ، وباع أعضاءهن في أقطارٍ عِدَّة ، ولا تزال محكمته الآن جارية في اليمن ، الجرائم الكبرى التي نسمع بها أساسها الخلوة بأجنبي .
أيها الأخوة ؛ تعليقٌ لطيف : الإنسان حينما ينظر إلى زوجة أبيه ، إذا كانت في سِنِّه ، هو في العشرين ، وهي في العشرين ، أبوه متقدم في السن ، الشاب حينما ينظر إلى زوجة أبيه ، هذه النظرة قطعاً ليست كنظرته إلى أمه التي ولدته ، إذاً هناك محارم نسب ، هذه المحارم في النسب تختلف بعض الشيء عن محارم التأبيد .
أيها الأخوة ؛ ورد في كنز العمَّال :
((لا تدخلوا على النساء ولو كن كنائن ، قالوا : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ))
وعن أبي عبد الرحمن السَلَميّ قال عمر بن الخطاب رضي لله عنه : " لا يدخل رجل على مغيبة . فقال بعضهم : إن أخاً لي ، أو ابن عمٍ لي خرج غازياً ، وأوصاني أن أدخل على أهله ، فضربه بالدرة ، فقال : إذاً كذا ، لا تدخل ، وقم على الباب وقل : لكم حاجة؟ أتريدون شيئاً؟" هذا شيء لطيف جداً ، فلو أن إنساناً أوصاك بأهله ، وهذا شيء يقع ، فمن على الباب قل : أتريدون حاجة أما أن تدخل إلى البيت ، ويغلق الباب ، وقد وصاك صديقك أن تتفقد أهله في غيبته ، هذا ليس وارداً إطلاقاً .
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس مَن دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
محقرات الذنوب :
أيها الأخوة الكرام ؛ أَلِفَ الناس إن لم يطلبوا العلم الشرعي ، ألف الناس أن هناك كبائر؛ قتل ، سرقة ، زنا ، خمر ، وهناك أنماطاً سلوكية لا تعدُّ ولا تحصى ، هي عند الناس صغائر ، ولكن ماذا نفعل بقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع استغفار ))
يقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم ومحقرات الذنوب . . .))
الذنب الذي تراه لا قيمة له ؛ كأن تصافح ، تجلس مع مَن لا تحل لك ، تنظر ، تملأ عينيك ، تلقي بعض الطُرَف ، تجلس مع مَن تشاء ، تذهب إلى أي مكان تشاء ، دون ضغط ، هو بحسب توهّمه ترك الكبائر ، ولكن هذه الصغائر إذا أصررت عليها وتراكمت ، أصبحت كالكبائر ، تماماً كما لو كنت تمشي في طريق عريض جداً وعن يمينه وادٍ سحيق ، لو حرفت المِقْوَد نصف سنتيمتر فقط وثبَّته ، في النهاية أنت في الوادي ، أما الكبير فتحرفه تسعين درجة فجأة ، هذه الكبير ، أما الصغير فنصف سنتيمتر ، ولكن ثبات ، في النهاية إلى اليمين ثم إلى الوادي .
((إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ ، وجاء ذا بعودٍ ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم ، وإن محقَّرات الذنوب متى يؤخذ بها تهلك صاحبها ))
وفي حديثٍ آخر رواه ابن حبان وصححه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب ))
هذه مشكلة المسلمين ، لو نظرت إلى حي فيه مئة بيت ، أغلب الظن ، ولله الحمد ، ليس في هذه البيوت خيانة ، ولا قتل ، ولا شرب خمر ، ولا زنا ، ولا سرقة ، ولكن آلاف المخالفات التي تبدو عند الناس من محقَّرات الذنوب ، هذه المحقرات تحجُبك عن الله ، لو أن بيتاً فيه مئة جهاز كهربائي ، وقَطَعت التيار متراً بين شطريه أو ميليمتراً قطع التيار ، فهذا الذي يحجب عن الله بذنبٍ يراه حقيراً ، مشكلته كبيرة جداً ، لو حجب عن الله بكبيرة ، نقول : هذه الكبيرة تستوجب الحجب عن الله ، أما أن تحجب عن الله بصغيرة ، فبإمكانك أن تتجاوزها ، بإمكانك أن تنتصر على نفسك بها ؟!! لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم ومحقرات الذنوب . . .))
ثم إن الشيطان- كما قلت لكم من قبل- يغري الإنسان بالكفر ، فإن رآه على الإيمانٍ يغريه بالشرك ، فإن رآه على توحيدٍ يغريه بالبدعة ، فإن رآه على سنةٍ يغريه بالكبيرة ، فإن رآه على استقامةٍ يغريه بالصغيرة ، فإن رآه على ورعٍ يغريه بالتحريش بين المؤمنين ، ثم يغريه بمحقَّرات الذنوب ، ثم يغريه بالمُباحات ، آخر سهم للشيطان وآخر ورقة رابحة عنده المباحات ، يستغرق بها إلى درجة أنها تنهي وقته كله .
المبادرة إلى الأعمال الصالحة :
أيها الأخوة الكرام ؛ بادروا بالأعمال الصالحة ، لأن الإنسان حينما لا يبادر بها ينتظره أشياء كثيرة ؛ قد ينتظره فقرٌ ماحق ، غنىً مطغٍ ، أو فقرٍ ماحق ، أو خرفٌ مُفَنِّد ، أو مرضٌ مفسد ، أو موت مجهز ، أو الدجال ، فشر غائب ينتظر ، أو الساعة والساعة أدهى وأمر .
أيها الأخوة ؛ لا تقولوا : الأستاذ شدد ، ضيَّق ، هذا هو الشرع ، التساهل له أخطار كبيرة ، هذه عقيدتي ، وهذا منهجي ، التشدد هنا ضروري جداً ، وما من تساهل إلا وراءه أخطار كبيرة ، فلعل أحدكم يقول : نحن نختلط ، ولا يوجد عندنا مشكلة ، هذه هي نفسها مشكلة ، الإنسان قد يحجب عن الله دون أن يشعر ، يصلي صلاةً فارغةً ، يقرأ القرآن فلا يتأثَّر ، يذكر الله فلا يتأثَّر ، ما الدليل؟ معناها أنه محجوب ، لم يحجب بكبائر ، إنما حجب بصغائر ، فهذا الذي حجب عن الله بالصغائر هو يعيش كالناس تماماً ، يقهر كما يقهرون ، ويتشاءم كما يتشاءمون ، وييئس كما ييئسون ، ويضجر كما يضجرون ، ويفكر بشيء غير معقول كما يفكرون ، لأنه محجوب ، ما دام محجوباً قطعت عنه أنوار النبوة بتطبيق السنة ، قطعت عنه نتائج القُرب من الله عز وجل .
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ ليس هذا تشدداً ، فلو أن إنساناً جاء إلى مهندس ، قال له : أريد أن أبني بيتًا ، قال له : تحتاج إلى خمسة أطنان من الحديد ثمانية مليمترات محلزن ، قال له : يا مهندس نحن دخلنا قليل جداً ، يكفي طنين ، هذه هندسة ، بناء سيقف ، في معايير الإسمنت والحديد لا يوجد حل وسط ، هذه قضية عِلم .
كذلك في أمور الشرع لا يوجد حل وسط ، لابد من تطبيق الشرع تطبيقاً تاماً ، إذا الإنسان ما طبق ، لينتظر النتائج ، قال : عظني ولا تطل ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن أعرابياً جاءه فقال : عظني ولا تطل ، قال له :
(( قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك؟ قال : قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم ، قال : أريد أخف من ذلك قال : إذاً فاستعد للبلاء ))
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليه ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز مَن عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم ، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين ، اللهم ما رزقتنا مما نحب ، فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب ، فاجعله فراغاً لنا فيما تحب يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .