- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى:(الرقيب):
أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في اسم "الرقيب".
حال الأنبياء مع ربهم إقبال دائم ويقظة مستمرة أما حال المؤمنين فساعة وساعة:
تطبيقات هذا الاسم على المؤمن هناك مقام اسمه مقام المراقبة، أي أن العبد يراقب ربه، وكلمة مقام تنقلنا إلى موضوع دقيق.
النبي عليه الصلاة والسلام يشرح هذا المقام حينما مرّ أبو بكر رضي الله عنه بصحابي رآه يبكي، هذا الصحابي اسمه حنظلة، سأله الصديق مالك يا حنظلة تبكي ؟ قال نافق حنظلة، قال له: ولِمَ يا أخي ؟ قال حنظلة: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن والجنة كهاتين (كأننا في جنة)، فإذا عدنا إلى بيوتنا وعافسنا الأهل، أي دخل في الحياة اليومية، ننسى هذا الحال، فظن هذا الصحابي الجليل أنه نافق، فسيدنا الصديق من تواضعه الشديد قال: أنا كذلك يا حنظلة، انطلق بنا إلى رسول الله، فانطلقا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وحدثاه بهذا الحال، فقال عليه الصلاة والسلام: لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم، ولكن أنتم يا أخي ساعة وساعة ، أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا ولا تنام قلوبنا.
من خلال هذا النص الدقيق يتضح أن حال الأنبياء إقبال دائم، يقظة مستمرة ، هذا حال الأنبياء، أما حال المؤمنين ساعة وساعة، إياكم أن تفهموا أنها ساعة طاعة وساعة معصية، هذا مستحيل وألف ألف مستحيل، ساعة تألق وساعة فتور، أما أنتم يا أخي ساعة وساعة، نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم.
المؤمن علاقته باسم الرقيب أنه موقن أن الله معه فوق عرشه يتابعه في كل حركاته:
معنى ذلك المؤمن له حال مع الله، حال التوكل، حال المحبة، حال الإقبال ، حال الاستسلام، حال التفويض، أنت لك حال، يعني حالتك النفسية، هناك إنسان قلق، هناك إنسان خائف، هناك إنسان يائس، هناك إنسان محبط، هناك إنسان واثق من الله عز وجل، هناك إنسان مستسلم، هناك إنسان راضٍ، هذه المشاعر التي لها أثر كبير جداً في سعادتك، وفي نشاطك، وفي حيويتك، نسميها الآن حال، هذا الحال نتيجة طبيعية لمن استقام على أمر الله، ثمرة يانعة لمن أحب الله، تحصيل حاصل وهو أنك إذا استقمت على أمره، إن حصّلت هذا العمل فلابدّ من حال ينعكس على قلبك، لك أن تسميه سكينة، لك أن تسميه تألقاً، لك أن تسميه رضا، لك أن تسمه سعادة، أنا لا أصدق أن مؤمناً ما ليس له حال مع الله، أحياناً الإنسان راضٍ عن الله، أحياناً الإنسان متفائل، أحياناً الإنسان واثق أن الله لن يسوق له إلا الخير، إنسان واثق أن شأنه كله مع الله، هذا الحال مسعد، إذا حلّ محله حال آخر، حال القلق، الإحباط، الخوف، اليأس، هذا حال آخر، فالطاعة لها حال، والمعصية لها حال، المعرفة بالله لها حال ينعكس على صاحبه، والجهل له حال آخر، لكن هذا الحال سمي حالاً لأنه يحول، يتغير، قد ينصرف عنك هذا الحال، وقد يأتيك هذا الحال، أما إذا استقر هذا الحال إلى أمد طويل، ينقلب إلى مقام.
وكيف أن الإنسان ينقلب إلى جو معين يكون له حال معين، فإذا انحسر عنه هذا الجو، انحسر عنه هذا الحال، فمادام هذا الحال يأتي ويذهب هو حال، فإذا استقر فهو مقام، هذا سبب شرح مقام المراقبة، المؤمن يراقب الله دائماً، المراقبة المتعقلة بالمؤمن، يعني تطبيق اسم الرقيب على المؤمن أن النوع الذي ينبغي أن يكون واضحاً من هذا المقام مقام المراقبة مراقبة العبد لربه، بالمحافظة على حدوده وشرعه، واتباعه لسنة نبيه، المؤمن علاقته باسم الرقيب أنه موقن أن الله معه، فوق عرشه يتابعه، يراه، يسمعه.
كما ورد من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
(( يا غلام، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إِذا سألتَ فاسأل الله، وإِذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله ))
أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان:
أذكر مرة أنني أردت أن أشتري حاجة من المتجر، فأحالني صاحب المتجر إلى المستودع، كي أنتقي ما يعجبني من الألوان، قطعة كهربائية، ذهبت إلى المستودع فرأيت محاسب على طاولة يكتب، وفوقه آلة تصوير، فلما نزلت إلى صاحب المحل وجدت شاشة أمامه تراقب هذا الموظف، تعلمت شيئاً من هذا المثل كثيراً، هذا الموظف تحت المراقبة إذا شرب كأس ماء صاحب المتجر يراه، إن ترك محله وغاب يراه، فكيف هذا الموظف تسجل آلة تصوير كل حركاته وسكناته، فهو في حال المراقبة، فهذا الموظف يعلم علم اليقين أن كل حركة من حركاته يراها صاحب المتجر.
للتقريب: هكذا حال المؤمن مع الله، يشعر أن الله معه، ويراقبه.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾
وإنه تحت المراقبة، إن تكلم فإن الله يسمعه، وإن سكت فإن الله يعلم نوياه، وإن تحرك فإن الله يراه، هذا الشعور الدائم أن الله معك، ويراقبك، ويستمع إلى أقوالك، ويرى أفعالك، ويعلم السريرة، هذا الحال اسمه حال المراقبة، من بعض الأحاديث الشريفة:
(( إن من أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان ))
الشعور بمراقبة الله عز وجل تولد الاستقامة على أمره:
من ثمرات هذا الاسم اسم "الرقيب" أنك تشعر أنك مراقب من قبل الله عز وجل وحينما تشعر أنك مراقب لابدّ من أن تستقيم على أمر الله
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾
هذا حال مثمر، دائماً وأبداً تتساءل هل هذا العمل يرضي الله ؟ هل هذا العمل لا يرضي الله ؟ هل هذه الكلمة تكلمت بها من رضاء الله أم من سخط الله ؟.
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
يا غلام إني أعلمك كلمات:
(( احفظ الله يَحْفَظْك ))
في كل حركة، وسكنة، وكلمة، وصلة، وقطيعة، وعطاء، ومنع، وغضب ، ورضا، اجعل نفسك تحت المراقبة.
بشكل أو بآخر، لو أن إنساناً أبلغك أنك مراقب، أو أن الهاتف مراقب، أو أن الرسائل مراقبة، أو أن الحركات مراقبة، ينضبط أشد الانضباط، أحد أكبر أسباب الانضباط أن تشعر أنك مراقب، يحاسب نفسه على كلمة، على لفتة، على ابتسامة، يقول لك مراقب.
الإسلام و الإيمان و الإحسان:
أيها الأخوة، القصد هذا الحال الذي ينبغي أن يكون فيك حال المراقبة أن تصل إلى درجة الإحسان، حال المراقبة أن تشعر أن الله يراقبك دائماً، هذا الحال يأخذ بيدك إلى درجة عالية جداً، اسمها الإحسان، فهناك الإسلام، وهناك الإيمان، وهناك الإحسان ، الإسلام أن تخضع جوارحك لمنهج الله، استسلمت، أي أديت الصلوات، صمت رمضان ، حججت بيت الله الحرام، أديت زكاة مالك، غضضت بصرك، ضبطت لسانك، ضبطت بيتك، هذا إسلام، أما حينما تتجه بقلبك إلى الله، وتقبل عليه، وتسعد بقربه، هذا إيمان الحال، المقام الثالث، مقام الإحسان شرحه عليه أتم الصلاة والسلام، فقال:
(( أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ ))
أنواع المراقبة:
1 ـ أن ترى أن الله يراقبك و سيحاسبك:
حال المراقبة حينما تتعرف لاسم "الرقيب"
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾
حينما تتعرف لاسم "الرقيب" هذا الاسم يجعلك في حال المراقبة، وحال المراقبة أن ترى نفسك في حال المراقبة الدائمة، وكل إنسان يرى نفسه تحت المراقبة الدائمة يستقيم على أمر الله عز وجل .
لذلك ذكر النبي عليه الصلاة والسلام تعريف مقام الإحسان، الإسلام مقام ، والإيمان مقام، والإحسان مقام.
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
صار في إسلام، في إيمان، والمرتبة الثالثة مرتبة الإحسان:
(( أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ ))
2 ـ أن تعلم علم اليقين أن الله يراقب عباده:
أيها الأخوة، هناك نوع آخر من حال المراقبة، أن تؤمن بمراقبة الله لعباده، وحفظه لهم، وإحصائه لكسبهم، كقول سيدنا عيسى في القرآن الكريم:
﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾
إياك أن تنظر إلى أن هؤلاء البشر لا رقيب عليهم.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
أنت حينما تعلم علم اليقين أن الله يعلم، ويراقب، وبالمرصاد لكل حركات عباده وسكناتهم، ترتاح نفسياً، سيحاسبهم، لا تقلق الأمر بيد الله، وهم في قبضته، وليس غافلاً عنهم، لكنه أرخى لهم الحبل لحكمة بالغةٍ بالغة، كي يأخذوا أبعادهم، كي تنكشف حقيقتهم ، ليعاقب من يسيء على بينة و يكافئ المحسن على بينة.
من همّ بسيئة و تركها كتبت عند الله عز وجل حسنة:
﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾
هذا نوع آخر من أنواع المراقبة، النوع الأول أن ترى أن الله يراقبك، والنوع الثاني أن تعلم علم اليقين أن الله يراقب عباده، هناك آية ثانية:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
و:
(( قالت الملائكةُ: ربِّ، ذاك عُبيْدُكَ، يريد أن يعملَ سيئة، وهو أبْصَرُ به فقال: ارقُبُوه، فإن عَمِلَها فاكتبوها له بمثلها، وإن تَرَكَها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جَرَّايَ ))
إذا الإنسان همّ بسيئة وترك هذه السيئة تكتب حسنة.
أثر اسم الرقيب في المؤمن دوام الملاحظة ودوام التوجه إلى الله ظاهراً وباطناً:
أيها الأخوة، أثر هذا الاسم في المؤمن دوام الملاحظة، ودوام التوجه إلى الله ظاهراً وباطناً، لأن الله سبحانه وتعالى خصّ المخلصين بألا يكلهم في جميع أحوالهم إلى أحد سواه، ما أوكل أمرك إلى أحد، أمرك بيد الله، هذا من كرامة الإنسان على الله، أمرك بيد الله، ما أسلم أمرك إلى أحد، قال تعالى:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
لذلك هناك بدع كثيرة، من هذه البدع أن إنساناً، أو إنسانة تسأل إنسانة أخرى أن تجري لها استخارة، لماذا ؟ لا يوجد استخارة بالنيابة، ليس هناك من حجاب بينك وبين الله، لك أن تستخيره مباشرة أنت، يعني الله عز وجل مع كل المؤمنين.
فلذلك اسم يعني "الرقيب" ألا ترى بينك وبين الله حجاب، ليس بينك وبين الله وسيط.
المراقبة تفضي بالإنسان إلى الانضباط:
المراقبة تعني علم القلب بقرب الرب، المراقبة تكمل صاحبها، تصور طرق الباب، جاء رجل من وجهاء أقربائك، رجل له قيمة، له مكانة، علم، وفهم، وحكمة وخبرة، وهو زعيم العائلة، عميد العائلة، طرق بابك، أول شيء بثياب لائقة جداً، لا تستقبله بثياب مبتذلة، ترتدي ثياباً تليق به، تجلس أمامه جلسة أدب لا تجلس جلسة فيها استعلاء وكبر، لأن إنسان من وجهاء القوم، عميد أسرتهم تستقبله بأدب، ترتدي ثياباً تليق به، تجلس جلسة فيها أدب، تحدثه بلطف، لأنه يراقبك، لأنه في بيتك، لأنه معك.
فشيء طبيعي جداً أنك حينما تشعر أن الله يراقبك، أن تكون منضبطاً، فحال المراقبة، يفضي بك إلى الانضباط.
مقام المراقبة دوام علم القلب بعلم الرب:
تعريف آخر: مقام المراقبة دوام علم القلب بعلم الرب في سكونك وحركاتك علماً لازماً في القلب بصفاء اليقين، أن تشعر أن الله معك، وأن الله يراقبك، والله عز وجل قال:
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾
السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( يُحْشَر الناسُ حفاة عراة غُرْلا '، قالت عائشةُ، فقلت: الرجالُ والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال: الأمرُ أشد من أن يُهِمَّهم ذلك ))
لو أن الإنسان سيق إلى الإعدام، في أثناء الطريق رأى امرأة متفلتة، هل منظر هذه المرأة المتفلتة يثيره ؟ ذاهب إلى الإعدام، قال لها يا أم المؤمنين:
(( الأمرُ أشد من أن يُهِمَّهم ذلك ))
وفي رواية: الأمر أفظع من أن ينظر بعضهم إلى بعض.
و الحديث له تتمة، أنه قد تقع عين الأم على ابنها، تقول له:
(( يا بني جعلت لك صدري سقاء، وحضني وعاء، هل من حسنة يعود عليّ خيرها اليوم، يقول ابنها: ليتني أستطيع ذلك يا أماه، إنما أشكو مما أنت منه تشكين ))
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
و عند أبي داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علّمنا خُطبة الحاجة، قال:
(( علّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خُطبَة الحاجة: إِنَّ الحمدَ لله. نستعينه ونستغفره. ونعوذ به من شرور أنفسنا. مَنْ يهد الله فلا مُضِلّ له. ومن يُضْلِلْ فلا هادي له. وأشهد أن لا إِله إِلا الله. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إِن الله كان عليكم رقيبا ))
الله عز وجل معك و مُطّلع على أحوالك أينما كنت:
والله هذه يمكن أن توضع في مكان بارز في البيت
﴿ إِن الله كان عليكم رقيبا ﴾
يعني أنا أعلم علم اليقين أن في بعض المدارس يوجد بكل صف آلة تصوير، عنده جهاز يمكن أن يرى ماذا يقول الأستاذ في هذه الساعة، فحينما يعلم جميع المدرسين أن مدير المدرسة يراقبهم، أو أي مدرس يريد أن يرى حاله في الصف يراه، يختلف الوضع اختلافاً كبيراً، أما حينما تعلم أنك مراقب من قبل فكيف إذا كنت مراقباً من قبل الواحد الديان؟
اسم "الرقيب" أيها الأخوة، مهم جداً، حركاتك، وسكناتك، مثلاً الآية الكريمة:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾
مضجع، في غرفة النوم، وحدك في البيت، تأكل، تشرب، تتابع فيلماً معيناً قد لا يرضي الله، ولا أحد يراك في هذا المكان.
﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
مكان المراقبة ينقل الإنسان إلى أعلى درجات المراقبة مع الله عز وجل:
قصة تروى في بعض الكتب (كتاب الرقائق)، أن أحد الشيوخ كان له جمعاً من التلاميذ، وكان قد خصّ واحداً منهم بالعناية الزائدة، فيبدو أن بقية التلاميذ تألموا وحسدوا هذا المتفوق، فسأله بقية التلاميذ عن سبب هذه العناية، بسبب غيرتهم من هذا التلميذ الصغير وقالوا له: لماذا تخصه في هذه العناية ؟ قال: سأبين لكم، أعطى لكل واحد منهم طائر قال لكل واحد منهم: اذبح هذا الطائر، حيث لا يراك أحد، فمضى كل واحد من هؤلاء إلى جهة واختبأ بها، وذبح هذا الطائر، ما عدا هذا التلميذ الصغير، رجع إلى شيخه، والطائر في يده، وقال: أنت يا سيدي قلت أن نذبح هذا الطائر حيث لا يرانا أحد، ولم أجد موضعاً في أي مكان لا يراني الله فيه، فالتفت الشيخ إلى بقية التلاميذ وقال: من أجل هذا خصصته بمزيد من العناية، يرى أن الله معه.
أخوانا الكرام، لمجرد أن تشعر أن الله معك تستقيم على أمره، هذا الحال حال المراقبة، وإن صحّ التعبير، مكان المراقبة ينقلك إلى أعلى درجات المراقبة مع الله عز وجل ، إن مقام المراقبة يكبلك، ويجعلك أكثر انضباطاً.
يعني بشكل أو بآخر النبي عليه الصلاة والسلام عدّ المسافر وحده شيطاناً، الإنسان إذا سافر مع بعض إخوانه، بالجماعة رحمة، الجماعة فيها انضباط، أحدهم يدعو الآخرين إلى الصلاة، إلى عمل صالح، الإنسان بالجماعة يزيد ارتباطه، من هنا كانت بعض العبادات جماعية، الآن الصلاة في المسجد لها معنى آخر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))