- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( الواحد):
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا مع اسم "الواحد" و "الواحد" الذي لا شريك له والأحد الذي لا ندّ له، الله عز وجل يقول:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
أي أن أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر.
أروع ما في الحياة النفسية للمؤمن أنه موحد علاقته مع جهة واحدة فقط:
من أروع ما في الحياة النفسية للمؤمن أنه موحد، علاقته مع جهة واحدة يرضيها وكفى، هذه الجهة تعلم السر وأخفى، هذه الجهة تعلم:
﴿ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والدين هو التوحيد
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
إنك لن تستطيع أن ترضي كل الناس، وقد يكون هناك أقوياء متشاكسون، إن أرضيت هذا غضب هذا، إن تقربت إلى هذا أبعدك هذا، حياة لا تحتمل، أما إذا توجهت إلى الله وحده، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
(( من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله همّ دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ))
أروع ما في الدين التوحيد، بالتوحيد لا تنافق، بالتوحيد لا تحقد، بالتوحيد لا تذل نفسك، بالتوحيد لا تستخفي، بالتوحيد لا تحس بالإحباط، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد،
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
الدين الإسلامي دين التوحيد لأن أروع ما في الدين هو التوحيد:
الدرس الأول الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه هو التوحيد، حتى إن بعض الأصحاب حينما تخلف عن رسول الله، فلما أراد أن يعتذر أمام النبي شعر أنه أوتي جدلاً، قوة إقناع، يقول: لو أنني خرجت من سخطه بحجة واهية أدلي بها ليوشكن الله أن يسخطه عليّ، ما رأى إلا الله.
المرأة التي خطبها النبي لنفسه، هذه المرأة أتيح لها أن تكون السيدة الأولى ليست زوجة زعيم، أو رئيس، أو ملك، هي زوجة سيد الأنبياء والمرسلين، فاعتذرت ، قال: ولمَ ؟ قالت: يا رسول الله لي خمسة أولاد، أخاف إن قمت بحقك أن أقصر بحقهم وأخاف إن قمت بحقهم أن أقصر بحقك، ما هذا التوحيد ؟! رأت أنها إذا قصرت بحق أولادها لا يعفيها عند الله أن تكون زوجة سيد الأنبياء والمرسلين، هذا التوحيد.
حينما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى وقف الصدّيق، وهو من أشد الناس حباً لرسول الله، قال: من كان يعبد محمداً، فقط، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ما هذا التوحيد ؟! الرسالة لا تنقطع بموت النبي، لو قال: من قال مات رسول الله معنى ذلك أن الرسالة انقطعت، لا، الرسالة مستمرة، يعني الله عز وجل بثّ في الأرض دعاة، وقرآنه في الأرض، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات.
حينما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جندياً قال: ما دام خالد قائد المعركة لن نهزم، خاف على الجيش من الشرك، فعزل خالد، جاءه سيدنا خالد، قال: يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني ؟ قال: والله إني أحبك، قال: لِمَ عزلتني ؟ قال: والله إنك أحبك، قال: لِمَ عزلتني ؟ قال له: والله ما عزلتك يا بن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك، لكثرة ما أبليت في سبيل الله، عزله وأنقذ التوحيد، هذا الدين دين التوحيد.
من توجه إلى الله كفاه الأمور كلها:
أيها الأخوة
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
الذي يضع كل أمله بأولاده قد يسافرون، ويستقرون في بلاد الغرب، وقد ينسى الواحد منهم أن يتصل بأبيه في العام مرة، والذي يضع كل ثقله وأمله بزوجته تخيب ظنه، ولحكمة بالغةٍ بالغة أي جهة تضع ثقتك بها كلياً وتنسى الله يأتي التأديب الإلهي، هذه الجهة تتخلى عنك، وتعاملك معاملة لا تحتمل.
لذلك الله غيور، يغار أن تتجه إلى غيره، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
الله عز وجل أراد أن يطمئنك، قال لك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك، قال لك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾
التوكيد
﴿ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك، يعني حياتك بيد الله.
قال الحجاج لسعيد بن جبير: سأقتلك، قال له: والله لو علمت أن أجلي بيدك لعبدتك من دون الله.
الله عز وجل قطع عن عباده الآجال والأرزاق، كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً.
فلذلك
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
أمر صحتك، وأمر زوجتك، وأمر أولادك، وأمر من فوقك، وأمر من تحتك، وأمر من حولك، وكل شيء بيد الله عز وجل فإذا توجهت إلى الله كفاك الأمور كلها هذا هو التوحيد، الله واحد
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
الله عز وجل واحد و بيده كل شيء:
الآن يمكن أن نقول، إن هذه الآية لخصت القرآن الكريم كله:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
نقطتان، ما سيأتي بعد هذه الكلمة تلخيص القرآن الكريم كله،
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
الآن على الشبكية يرى الإنسان آلاف الآلهة، دول قوية عملاقة، دول طاغية معها أسلحة فتاكة، بيدها الإعلام، بيدها المال، بيدها التحالفات، تقتل، تحتل، تجتاح ، تهدم بيوتاً، تقتل أبرياء، تنهب ثروات، على الشبكية هناك آلهة كثيرون، لكن في منطوق التوحيد ليس إلا الله،
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
الإعجاب السلبي بالإسلام لا قيمة له إطلاقاً من دون حركة والتزام و تطبيق:
الآن:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾
لا يوجد بالإسلام إعجاب سلبي، يا أخي الإسلام عظيم ! النبي آخر الأنبياء والمرسلين، سيد الأنبياء، الإعجاب السلبي من دون حركة، من دون التزام، من دون تطبيق، من دون أن تقف الموقف الصحيح، من دون أن تعطي لله، أن تمنع لله، أن ترضى لله، أن تغضب لله، أن تصل لله، أن تقطع لله، من دون حركة، من دون موقف، من دون طاعة، من دون سلوك، من دون التزام، لا قيمة إطلاقاً للإعجاب السلبي، واقع المسلمين اليوم إعجاب سلبي بالدين، لكنهم لا يتحركون وفق منهج الله.
فلذلك
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
الذي يحب أن يتصل بالله، أن يقبل على الله، أن تكون العلاقة بينه وبين الله علاقة متينة ومحكمة:
﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
يبتغي به وجه الله.
﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
الأقوياء و الطغاة في الأرض عصي بيد الله عز وجل :
ما قولكم ؟ هؤلاء الأقوياء، هؤلاء الطغاة، هؤلاء الجبابرة في الأرض، هؤلاء الذين لا يرحمون، هؤلاء الذين يبطشون، هؤلاء عصي بيد الله، أو وحوش كاسرة أزمتها بيد الله، فأنت إذا كنت أمام مجموعة وحوش مخيفة جائعة، لكنها مربوطة بأزمة بيد جهة رحيمة، عادلة، حكيمة، علاقتك مع هذه الوحوش ؟ أم مع هذه الجهة ؟ مع هذه الجهة، إن أرخت الحبل وصلت الوحوش إليك، وإن شُد الحبل أبعدوا عني، علاقتي مع من ؟ مع هذه الجهة الحكيمة العادلة الرحيمة، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
التوحيد يملأ قلب الإنسان طمأنينة و أمناً و تفاؤلاً:
إخوتنا الكرام، قضية التوحيد تملأ قلب الإنسان أمناً، تملأ قلب الإنسان طمأنينة، تملأ قلب الإنسان تفاؤلاً، تملأ قلب الإنسان ثقة بالله عز وجل، تملأ قلب الإنسان يقيناً ، تملأ قلب الإنسان رضا، تملأ قلب الإنسان سعادة، الذي يفتقده المسلمون اليوم التوحيد، أن لا يروا مع الله أحداً، لكن الشرك يملأ القلب خوفاً، دققوا:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
التوحيد يساوي الأمن، والشرك يساوي الخوف، أنت خائف لأن هناك شركاً خفياً تسرب إليك، أنت مطمئن لأنك موحد، بل من يصدق أن نعمة الأمن لا تُمنح في بني البشر إلا للمؤمنين، بالدليل:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
الجواب:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
المؤمن دائماً مستسلم لله و المشرك يمتلئ قلبه هلعاً وخوفاً:
إخوتنا الكرام، الأخطار التي تهدد الإنسان لا تعد ولا تحصى، أحياناً حادث سير يجعل نصف الإنسان مشلولاً، يقول أصيب بالعمود الفقري فشلّ فوراً، أحياناً مرض عضال ما له قاعدة، الورم الخبيث ما له قاعدة، فالمشرك تحت سيف الورم الخبيث، تحت سيف حادث سير، تحت سيف الإفلاس، تحت مليون سيف، حياة نفسية تحت سيوف مسلطة ، قالوا: أنت من خوف الفقر في فقر، خوف الفقر فقر، وأنت من خوف المرض في مرض ، الآن هناك أزمات قلبية سببها الخوف من أزمة قلبية، قلق دائم، تسمع إنسان فلان بريعان شبابه ورم خبيث، بريعان شبابه احتشاء قلب، يمتلئ قلبه هلعاً وخوفاً، أما حالة المؤمن مستسلم لله.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
أنت يا عبدي عليك أن تعبدني، وعليّ الباقي، عليّ أن أطمئنك، عليّ أن أجعلك تشعر بالراحة، بالاستقرار.
عقيدة المسلم لا تقبل تقليداً بل تحقيقاً:
الآن التوحيد لا يأتي بالتوحيد، لا يمكن أن يكون التقليد طريقاً إلى التوحيد الدليل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
ما قال الله عز وجل فقل
﴿ فَاعْلَمْ ﴾
كلمة التوحيد الأولى لا تكون تقليداً
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
بل إن العلماء توسعوا في هذا، فقالوا: إن عقيدة المسلم لا تقبل تقليداً، ولو قبلت تقليداً لكان أتباع الفرق الضالة ناجين عند الله، لأنهم سمعوا رؤساء أديانهم قالوا كذا فقالوا مثلهم، لا، لا تقبل العقيدة إلا تحقيقاً،
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
فإن جاءك شيء أعجبك:
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾
دقة الآية
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾
أي شيء أزعجك أنت السبب.
(( لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ـ ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام، كن فيكون، زل فيزول ـ فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
هذا هو التوحيد.
خير الإنسان منه و شره منه فعليه ألا يتهم أحداً أو يحقد عليه:
لا تتهم أحداً، لا تحقد على أحد، لا تغضب من أحد، خيرك منك، وشرك منك،
﴿ إِلَهُكُمْ ﴾
المسير
﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾
أحياناً الإنسان يقول: من صار مدير هذه المستشفى ؟ يقال له: فلان، عُين مجدداً يقول لك: كيف أخلاقه ؟ يقول لك: والله منصف، وعالم، تقول: الحمد لله، إذا الأمر بيد إنسان منصف، بيد إنسان حكيم، بيد إنسان رحيم، فكان النبي الكريم في الأزمات يقول:
﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾
الأمر بيده وهو رحيم، الأمر بيده وهو عادل، حتى إن بعضهم قال: الحمد لله على وجود الله.
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾
من أطاع مخلوقاً و عصى خالقاً فقد خسر الدنيا و الآخرة:
أنا مضطر أن أقول كلمة، قد تبدو قاسية: الذي يطيع إنساناً ويعصي ربه ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه تصور أن إرضاء هذا الإنسان أكبر عنده من إرضاء الله، من أطاع زوجته، وعصى ربه من أجلها، ماذا رأى ؟ رأى أن طاعة زوجته أكبر عنده من طاعة الله.
لذلك صحابي جليل طلبت منه زوجته شيئاً من الدنيا لا يملك ثمنه، وضغطت عليه، ماذا قال ؟ قال: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلك أهون من أضحي بهن من أجلك.
أطعمها مما تأكل، ألبسها مما تلبس، أما أن تأكل المال الحرام إرضاءً لها، هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ﴾
حينما تطيعها وتعصي الله، وتكتشف بعد حين أنك كنت مخطئاً، إنها لم تمنعك من الله.
من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه و هذا هو التوحيد:
يعني التوحيد واضح جداً بقول الإمام الحسن البصري، كان عند والي البصرة فجاء والي البصرة توجيه من يزيد، يبدو أن هذا التوجيه لو نفذه لأغضب الله، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة، فعزله، قال له: ماذا أفعل ؟ قال له: اعلم أن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
هذه الجهة التي أطعتها لا تمنعك من الله، ولكنك إذا أرضيت الله بسخط الناس رضي الله عنك وأرضى عنك الناس، أما إذا أسخطت الله برضا الناس سخط الله عنك وأسخط عنك الناس، من باب التأديب،
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾
﴿ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
فالله واحد، ورسوله واحد، وكتابه واحد، ومنهجه واحد، والطريق إليه واحد يتميز المسلمون بأن التوحيد محور حياتهم.
استيعاب الباطل مستحيل لأنه متعدد لكن الحق واحد :
الآن بين نقطتين لا يمر إلا خط مستقيم واحد، ارسم نقطتين، وائتِ بمسطرة وخط بينهما خطاً، حاول أن تخط خطاً آخر بين النقتطين يأتي فوق الأول، والثالث والرابع الحق لا يتعدد، والباطل يمر بين النقتطين مليون خط منكسر، ومليون خط منحني، الباطل يتعدد، والحق واحد.
لذلك قالوا: الحرب بين حقين لا تكون، مستحيل، الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي.
الآن ملمح دقيق للآية:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾
مفرد.
﴿ فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾
جمع.
﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
جاء الباطل جمعاً، وجاء الحق مفرداً.
بطولة الإنسان أن يستوعب الحق لأن الحق واحد لا يتعدد:
معنىً آخر:
﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
ما قال يخرجهم من الظلمات إلى الأنوار، وما قال يخرجهم من الظلمة إلى النور
﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
يستنبط من ذلك أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستوعب الباطل، الباطل متعدد لأنه مثلاً: من أجل أن تستوعب فرقة ضالة متى نشأت ؟ وكيف نشأت ؟ ومن روج هذه الأفكار ؟ ومن أيد هذه الأفكار ؟ قد تحتاج إلى عشرين سنة لاستيعاب فرقة ضالة واحدة.
قالوا ما يطبع في اليوم الواحد باللغة الإنكليزية لا يستطيع المرء أن يقرأ هذه المطبوعات في مئتي عام، فاستيعاب الباطل مستحيل، لأنه متعدد، يوجد مليون باطل، لكن الحق واحد.
إذاً يمكن أن تستوعب الحق، فالبطولة أن تستوعب الحق، ويكون هذا الحق مقياساً لك، تستطيع بعمر متوسط أن تستوعب الحق، فإذا استوعبته كان الحق هو المقياس.
التوحيد والعبادة فحوى دعوة الأنبياء جميعاً:
أيها الأخوة، الله واحد، واحد لا شريك له، وأحد لا مثيل له، ومنهجه واحد ، ونبيه واحد، وكتابه واحد، والطريق إليه واحد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد هو الدين، ونهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، أكمل علم أن تكون موحداً، وأكمل حركة وسلوك أن تكون متقياً، وفحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد والعبادة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾